كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (81) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي الْفضل الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب

عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. كَانَ أسن من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاث سِنِين، وَأسلم قَدِيما، وَكَانَ يكتم إِسْلَامه، وَخرج مَعَ الْمُشْركين يَوْم بدر، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من لَقِي الْعَبَّاس فَلَا يقْتله؛ فَإِنَّهُ أخرج مستكرها "، فَأسرهُ أَبُو الْيُسْر، ففادى نَفسه وَرجع إِلَى مَكَّة، ثمَّ أقبل مُهَاجرا.
وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَة.
2200 - / 2775 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " يَا رَسُول الله، إِن أَبَا طَالب كَانَ يحوطك وينصرك ".
الحياطة: حفظ الشَّيْء من جَمِيع جوانبه.
والغمرات: الشدائد.
والضحضاح: الشَّيْء الْخَفِيف، شبه بضحضاح المَاء: وَهُوَ مَا دون الْكَعْبَيْنِ.
وَأما الدَّرك فَقَالَ الضَّحَّاك: الدَّرك: إِذا كَانَ بَعْضهَا أَسْفَل من بعض،

(4/7)


والدرج: إِذا كَانَ بَعْضهَا فَوق بعض.

2201 - / 2776 - وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ: " أَتَوا مر الظهْرَان ".
وَهُوَ اسْم مَوضِع، والظاء مَفْتُوحَة.
وَقَوله: نيران بني عَمْرو، يُشِير إِلَى الْأَوْس والخزرج وهم الْأَنْصَار، لِأَن الْأَوْس والخزرج ابْنا حَارِثَة بن عَمْرو، فنسب الْأَنْصَار إِلَى جدهم الْأَعْلَى، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث سلمَان: قَاتل الله بني قيلة. يَعْنِي الْأَنْصَار، لِأَن قيلة هِيَ أم الْأَوْس والخزرج، وَهِي قيلة بنت كَاهِل بن عذرة ابْن سعد بن هزيم.
وَقَوله: من حرس رَسُول الله: أَي من طلائعه.
وخطم الْجَبَل: رَوَاهُ قوم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وفسروه بأنف الْجَبَل النَّادِر مِنْهُ، وَرَوَاهُ آخَرُونَ بِالْحَاء، وفسروه بِأَنَّهُ مَا حطم من الْجَبَل: أَي ثلم فَبَقيَ مُنْقَطِعًا.
والكتيبة وَاحِدَة الْكَتَائِب: وَهِي العساكر الْمرتبَة.
وَإِنَّمَا قَالَ: مَا لي وَلِغفار، لاحتقاره إِيَّاهَا.
والملحمة: الْحَرْب والقتال الَّذِي يخلص مِنْهُ. يُقَال: ألحم الرجل فِي

(4/8)


الْحَرْب واستلحم: إِذا نشب فِيهَا فَلم يجد مخلصا.
قَوْله: حبذا يَوْم الذمار. الذمار: مَا لزمك حفظه، يُقَال: فلَان حامي الذمار: أَي يحمي مَا يلْزمه أَن يحميه، وَكَأَنَّهُ تمنى أَن لَو قدر أَن يحمي قومه.
وكداء بِفَتْح الْكَاف وبالمد: فِي أَعلَى مَكَّة. وبضم الْكَاف وَالْقصر فِي أَسْفَل مَكَّة. وَقد بَينا هَذَا الِاسْم وحققناه فِي مُسْند ابْن عَبَّاس.
وَهَذَا الحَدِيث قد صرح بِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة يَوْم الْفَتْح من أَسْفَل مَكَّة. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة من كداء الثَّنية الْعليا، فَهَذَا فِي حجَّة الْوَدَاع. وَقد روى مُحَمَّد بن سعد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر يَوْم فتح مَكَّة سعد بن عبَادَة أَن يدْخل من كداء، وَالزُّبَيْر من كدى، وخَالِد بن الْوَلِيد من الليط، وَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أذاخر، وَنهى عَن الْقِتَال. قلت: فَيظْهر من هَذَا أَنه لم يدْخل يَوْم الْفَتْح من أَعْلَاهَا؛ لِأَنَّهُ لم يرد الْقِتَال، وَدخل فِي حجَّته من أَعْلَاهَا لما قد تمكن لَهُ من الْقَهْر.

2202 - / 2777 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " يَا عَبَّاس، نَاد أَصْحَاب السمرَة ".

(4/9)


السمرَة وَاحِدَة السمر: وَهُوَ شجر الطلح. وَالْمرَاد شَجَرَة بيعَة الرضْوَان.
وَقَوله: " حمي الْوَطِيس " يَعْنِي اشتدت الْحَرْب وتناهى الْقِتَال. والوطيس فِي الأَصْل: التَّنور، فَشبه الْحَرْب باشتعال النَّار ولهبها.
وَقَوله: فَمَا زلت أرى حَدهمْ كليلا: أَي بأسهم وشدتهم ضَعِيفا نابيا، يُقَال: كل السَّيْف: إِذا نبا عَن الضريبة.
2203 - / 2779 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " إِذا سجد العَبْد سجد مَعَه سَبْعَة آرَاب ".
الْآرَاب: الْأَعْضَاء، وَاحِدهَا إرب. وَهَذَا الحَدِيث لَفظه لفظ الْخَبَر وَمَعْنَاهُ الْأَمر، وَالْمرَاد بالسبعة: اليدان وَالرُّكْبَتَانِ وأصابع الْقَدَمَيْنِ والجبهة. وَالسُّجُود على هَذِه السَّبْعَة وَاجِب عندنَا، وَفِي الْأنف رِوَايَتَانِ.

(4/10)


(83) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب

وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان:
2204 - / 2782 - فَفِي الحَدِيث الأول: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْكُل القثاء بالرطب.
القثاء مَمْدُود، وَفِي ضم الْقَاف وَكسرهَا لُغَتَانِ.
وَفِي هَذَا الْفِعْل مَعْنيانِ: أَحدهمَا: إِثْبَات الطِّبّ ومقابلة الشَّيْء بضده؛ فَإِن القثاء رطب بَارِد وَالرّطب حَار يَابِس، فباجتماعهما يعتدلان. وَالثَّانِي: إِبَاحَة التَّوَسُّع فِي الْأَطْعِمَة ونيل الملذوذات الْمُبَاحَة.
2205 - / 2783 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَانَ أحب مَا استتر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحَاجَتِهِ هدف أَو حائش نخل.
الهدف: كل مَا كَانَ لَهُ شخص مُرْتَفع من بِنَاء وَغَيره. وَيُسمى مَا رفع للنضال هدفا.

(4/11)


وحائش النّخل: مَا اجْتمع مِنْهَا والتف. قَالَ أَبُو عبيد: الحائش: جمَاعَة النّخل.
والجرجرة: صَوت يردده الْبَعِير فِي حنجرته.
والسراة: الظّهْر. وسراة كل شَيْء أَعْلَاهُ.
والذفرى من الْبَعِير: مُؤخر رَأسه وَيَديه.
وتدئبه: بِمَعْنى تكده وتتعبه.

(4/12)


(84) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن الزبير

وَهُوَ أول مَوْلُود ولد للمهاجرين بعد الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة على رَأس عشْرين شهرا من الْهِجْرَة، وحنكه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأذن أَبُو بكر الصّديق فِي أُذُنه.
وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ تِسْعَة.
2206 - / 2785 - فَمن الْمُشكل فِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ:
قَالَ ابْن الزبير فِي قَوْله: {خُذ الْعَفو} [الْأَعْرَاف: 199] : مَا أنزل الله هَذِه الْآيَة إِلَّا فِي أَخْلَاق النَّاس.
الْعَفو: الميسور، يُقَال: خُذ مَا عَفا لَك: أَي مَا أَتَاك سهلا بِلَا إِكْرَاه وَلَا مشقة.
وَقد اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِيمَا أَمر بِأخذ الْعَفو مِنْهُ على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَخْلَاق النَّاس، وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ ابْن الزبير، وَوَافَقَهُ الْحسن وَمُجاهد، فَيكون الْمَعْنى: اقبل الميسور من أَخْلَاق النَّاس ولاتستقص عَلَيْهِم، فتظهر مِنْهُم الْبغضَاء.

(4/13)


وَالثَّانِي: أَنه المَال، ثمَّ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن المُرَاد بِعَفْو المَال الزَّكَاة، قَالَه الضَّحَّاك. وَالثَّانِي: صَدَقَة كَانَت تُؤْخَذ قبل فرض الزَّكَاة ثمَّ نسخت بِالزَّكَاةِ، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس.
وَالثَّالِث: أَن المُرَاد بِهِ مساهلة الْمُشْركين وَالْعَفو عَنْهُم، ثمَّ نسخ بِآيَة السَّيْف، قَالَه ابْن زيد.
2207 - / 2786 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: قَالَ أَبُو بكر: أَمر الْقَعْقَاع، وَقَالَ عمر: أَمر الْأَقْرَع، فتماريا، فَنزل فِي ذَلِك: {لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله} [الحجرات: 1] .
المماراة: المجادلة وَالْخُصُومَة.
وَقَوله: {لَا تقدمُوا} أَي لَا تعجلوا بقول أَو فعل قبل أَن يَقُول الرَّسُول أَو يفعل. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال: فلَان يقدم بَين يَدي الإِمَام: أَي يعجل بِالْأَمر وَالنَّهْي دونه.

(4/14)