كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (85) كشف الْمُشكل من مُسْند أُسَامَة بن زيد

مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة وَثَمَانِية وَعشْرين حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ تِسْعَة عشر حَدِيثا.
2208 - / 2793 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة "، وَفِي لفظ: " لَا رَبًّا إِلَّا فِيمَا كَانَ يدا بيد ".
هَذَا الحَدِيث مَحْمُول على أَن أُسَامَة سمع بعض الحَدِيث، كَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن بيع بعض الْأَعْيَان الربوية بِبَعْض؛ كالتمر بِالشَّعِيرِ، وَالذَّهَب بِالْفِضَّةِ مُتَفَاضلا، فَقَالَ: " إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة ". وَإِنَّمَا حملناه على هَذَا لإِجْمَاع الْأمة على خِلَافه، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى ذهب أَبُو بكر الْأَثْرَم. وَقد زعم قوم أَنه مَنْسُوخ، وَلَيْسَ بِشَيْء , قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: النّسخ إِنَّمَا يَقع فِي أَمر قد كَانَ فِي الشَّرِيعَة، فَأَما إِذا لم يكن مَشْرُوعا فَلَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم نسخ. قَالَ: وَقد يغلط قوم فَيَقُولُونَ: شرب الْخمر مَنْسُوخ، وَهَذَا مَا كَانَ فِي شَرِيعَة قطّ فَينْسَخ، وَإِنَّمَا كَانُوا يشربونها على عاداتهم فَحرمت.

(4/15)


2209 - / 2794 - والْحَدِيث الثَّانِي: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عَبَّاس.
2210 - / 2795 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " نَحن نازلون غَدا بخيف بني كنَانَة. قد فسرنا هَذَا الحَدِيث فِي الحَدِيث السَّادِس وَالسبْعين من مُسْند أبي هُرَيْرَة.
وَقد سبق مَا بعد هَذَا إِلَى:
2211 - / 2798 - الحَدِيث السَّادِس: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسير الْعُنُق، فَإِذا وجد فجوة نَص.
الْعُنُق: السّير الْوَاسِع. وَالنَّص: فَوق الْعُنُق، وَيُقَال: هُوَ أرفع السّير.
والفجوة: المتسع من الأَرْض، وَجَمعهَا الفجوات والفجا.
2212 - / 2799 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أشرف على أَطَم من آطام الْمَدِينَة فَقَالَ: " إِنِّي لأرى مواقع الْفِتَن خلال بُيُوتكُمْ كمواقع الْقطر ".
الأطم: الْحصن، وَقد سبق بَيَان هَذَا. وَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قد اطلع على مَا سيجري بعده من الْفِتَن فَأخْبر بذلك، فَكَانَ كَمَا قَالَ.

(4/16)


2213 - / 2800 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: ركب على حمَار عَلَيْهِ إكاف تَحْتَهُ قطيفة فَدَكِيَّة.
الإكاف للحمار كالسرج للْفرس والرحل للناقة، وَجمعه أكف.
والقطينة: نوع من الأكسية. والفدكية منسوبة إِلَى فدك.
وَفِي هَذَا بَيَان تواضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن المتكبرين لَا يرضون ركُوب الْحمار، وَلَا يردفون وَرَاءَهُمْ.
وَقَوله: فَمر بِمَجْلِس فِيهِ أخلاط من الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين فَسلم عَلَيْهِم. وَإِنَّمَا فعل هَذَا يَنْوِي بذلك السَّلَام على الْمُسلمين.
والعجاج: الْغُبَار.
وخمر وَجهه: غطاه.
وَقَوله: لَا أحسن مِمَّا تَقول. كثير من الْمُحدثين يضمون الْألف من أحسن، ويكسرون السِّين، وَسمعت أَبَا مُحَمَّد بن الخشاب يفتح الْألف وَالسِّين.
وَقَوله: كَادُوا يتثاورون: أَي قاربوا أَن يثور بَعضهم على بعض بِقِتَال، وَيُقَال: ثار يثور: إِذا قَامَ بِسُرْعَة وانزعاج.
ويخفضهم: يسكنهم.
والبحيرة تَصْغِير بحرة: وَهِي الْبَلدة، يُقَال: هَذِه بحرتنا: أَي بَلْدَتنَا.

(4/17)


والعصابة: مَا يشد بِهِ الرَّأْس، وَكَانُوا يَفْعَلُونَهُ بالرئيس.
وشرق: غص. يُقَال: شَرق بِالْمَاءِ يشرق شرقا: إِذا غص، فَشبه مَا أَصَابَهُ من التأسف على فَوَات الرِّئَاسَة بالشرق.
والصناديد: الْأَشْرَاف.
2214 - / 2801 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: " يُؤْتى بِالرجلِ فَيلقى فِي النَّار فتندلق أقتاب بَطْنه ".
قَالَ أَبُو عبيد: الأقتاب: الأمعاء، وَاحِدهَا قتب، وَقيل: قتبة، وَبهَا سمي الرجل قُتَيْبَة. وَقيل: القتب: مَا تحوى من الْبَطن: أَي اسْتَدَارَ، وَهِي الحوايا. وَأما الأمعاء فَهِيَ الأقضاب، وَاحِد قصب.
والاندلاق: خُرُوج الشَّيْء من مَكَانَهُ بِسُرْعَة، وكل شَيْء ندر خَارِجا فقد اندلق.
2215 - / 2802 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: " وَنَفسه تتقعقع كَأَنَّهَا شن ".
القعقعة: حِكَايَة أصوات الترسة وَغَيرهَا من الأجرام الصلبة إِذا قرع بَعْضهَا بِبَعْض. والشن: الْقرْبَة البالية. وَأَرَادَ بالقعقعة صَوت الحشرجة عِنْد الْمَوْت.
2215 - م / 2803 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: " وَأَصْحَاب الْجد

(4/18)


محبوسون ".
الْجد: الْحَظ فِي الرزق والغنى. وَقد سبق الْكَلَام فِي هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عمرَان بن الْحصين.
2216 - / 2804 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " مَا تركت بعدِي فتْنَة هِيَ أضرّ على الرِّجَال من النِّسَاء " اعْلَم أَن شهوات الْحس غالبة على الْآدَمِيّ، وأبلغ الشَّهَوَات الحسية الْميل إِلَى النِّسَاء، وَالْعقل كاللجام الْمَانِع عَمَّا لَا يصلح، فالمحاربة بَين الْحس وَالْعقل مَا تَنْقَطِع، إِلَّا أَن التَّوْفِيق إِذا أعَان صان.
2217 - / 2805 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: قَالَ سلمَان: لَا تكونن - إِن اسْتَطَعْت - أول من يدْخل السُّوق وَلَا آخر من يخرج مِنْهَا؛ فَإِنَّهَا معركة الشَّيْطَان، وَبهَا ينصب رايته.
إِنَّمَا سَمَّاهَا بالمعركة لِأَنَّهَا الْمَكَان الَّذِي ينتدب فِيهِ الشَّيْطَان لمغالبة النَّاس واستزلالهم، لمَكَان طمعهم فِي الأرباح.
وَقَوله: بهَا ينصب رايته؛ كِنَايَة عَن قُوَّة طمعه فِي إغوائهم؛ لِأَن الرَّايَات فِي الحروب لَا تنصب إِلَّا مَعَ قُوَّة الطمع فِي الْغَلَبَة.
2218 - / 2806 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: بعثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى

(4/19)


الحرقة، فصبحنا الحرقات.
الحرقة: اسْم قَبيلَة من جُهَيْنَة. وَقَوله: فصبحنا الحرقات إِشَارَة إِلَى بطُون تِلْكَ الْقَبِيلَة.
وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْعلم أَن الْمُشرك إِذا أقرّ بِالشَّهَادَتَيْنِ حقن دَمه. وَإِنَّمَا تَأَول أُسَامَة قَوْله تَعَالَى: {فَلم يَك يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم لما رَأَوْا بأسنا} [غَافِر: 85] وَلم ينْقل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألزمهُ دِيَة وَلَا غَيرهَا لمَكَان تَأْوِيله.
2219 - / 2807 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: دفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَرَفَة، حَتَّى إِذا كَانَ بِالشعبِ نزل فَبَال.
الشّعب: مَا تفرق بَين الجبلين.
وَإِنَّمَا قَالَ: " الصَّلَاة أمامك "؛ لِأَن مَوضِع هَذِه الصَّلَاة الْمزْدَلِفَة، وَهِي بَين يَدَيْهِ.
والنقب: الطَّرِيق فِي الْجَبَل، قَالَه ابْن السّكيت، وَالْجمع نقاب ونقوب.

2220 - / 2809 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ:
عَن مولى أُسَامَة قَالَ: أَرْسلنِي أُسَامَة إِلَى عَليّ وَقَالَ: إِنَّه سيسألك

(4/20)


فَيَقُول: مَا خلف صَاحبك؟ فَقل لَهُ: يَقُول لَك: هَذَا أَمر لم أره.
أَشَارَ إِلَى قتال عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام لمن قَاتل، فَكَأَنَّهُ يَقُول: لَا أرى هَذَا صَوَابا. وَهَذَا غلط من أُسَامَة رَضِي الله عَنهُ؛ لِأَنَّهُ مَا قَاتل عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أحدا إِلَّا كَانَ الْحق مَعَ عَليّ؛ وَإِنَّمَا تورع أُسَامَة لكَونه رأى أَنه قتال الْمُسلمين، وَكَانَ السَّبَب فِي تورعه مَا تقدم آنِفا من أَنه قتل من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، فَعَاتَبَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك، فَامْتنعَ من قتال الْمُسلمين.

2221 - / 2811 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد مُسلم:
جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي أعزل عَن امْرَأَتي. فَقَالَ: " لم؟ " قَالَ: أشْفق على وَلَدهَا. فَقَالَ: " لَو كَانَ ذَلِك ضارا ضرّ فَارس وَالروم ". إِنَّمَا خَافَ أَن تحمل فيشرب ابْنهَا الْمُرْضع اللبأ فيؤذيه، فَقَالَ: " لَو ضرّ ذَلِك فَارس " أَي إِنَّهُم لَا يحترزون من هَذَا وأبناؤهم حسان.
وَقد سبق مَا فِي مُسْند خَالِد بن الْوَلِيد.

(4/21)


(87) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق

وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة.
2222 - / 2814 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَن أَبَا بكر جَاءَ بِثَلَاثَة من أهل الصّفة يعشيهم.
أهل الصّفة قوم كَانُوا يقدمُونَ الْمَدِينَة فيسلمون، وَلَيْسَ لَهُم مَال وَلَا أهل ينزلون عَلَيْهِم، فَكَانُوا ينزلون بِصفة الْمَسْجِد وتتفرق بهم الصَّحَابَة كل لَيْلَة فيعشونهم، وَيَأْخُذ مِنْهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمَاعَة.
وَقَوله: يَا غنثر. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: الغنثر مَأْخُوذ من الغثارة وَهِي الْجَهْل، يُقَال: رجل أغثر، وَقَوله: يَا غنثر معدول عَنهُ. قَالَ: وحدثناه يَا عنتر بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالتاء، سَأَلت أَبَا عمر عَنهُ فَقَالَ: سَمِعت أَحْمد بن يحيى يَقُول: العنتر: الذُّبَاب، وَسمي عنترا لصوته، فشبهه حِين حقره وصغره بالذباب.

(4/22)


وَقَوله: فجدع أَي دَعَا بالجدع: وَهُوَ الْقطع.
وَقَالَ: كلوا لَا هَنِيئًا. كَأَنَّهُ يُشِير بذلك إِلَى أَهله؛ لِأَنَّهُ لَا يحسن أَن يواجه الأضياف بِهَذَا.
وَربا: بِمَعْنى زَاد وارتفع.
وَقَالَ: هَذِه من الشَّيْطَان، يَعْنِي الْيَمين الَّتِي أثارها الْغَضَب. ثمَّ رأى أَن الْحِنْث مصلحَة، فَأكل رَضِي الله عَنهُ.
2223 - / 2815 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: جَاءَ رجل مشعان. أَي ثَائِر الرَّأْس، منتفش الشّعْر، مُتَفَرِّقه.
وَسَوَاد الْبَطن: الكبد.

(4/23)


(88) كشف الْمُشكل من مُسْند عمر بن أبي سَلمَة

وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَا عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان.
2224 - / 2817 - فَفِي الحَدِيث الأول: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِي ثوب وَاحِد مُشْتَمِلًا بِهِ.
الاشتمال: أَن يتجلل بِالثَّوْبِ فيغطي بِهِ جسده.
2225 - / 2818 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَانَت يَدي تطيش فِي الصحفة.
أَي تجول فِي جهاتها ونواحيها. والصحفة: الْقَصعَة.
والطعمة مَكْسُورَة الطَّاء: وَهِي الْحَالة. أَي مَا زلت على تِلْكَ الْحَال.

(4/24)


(89) وَفِي مُسْند عَامر بن ربيعَة
2226 - / 2819 - الْقيام للجنازة. وَقد سبق أَنه مَنْسُوخ فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام.

(4/25)