كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (190) كشف الْمُشكل من مُسْند الْمِقْدَاد بن الْأسود

وَكَانَ قد حَالف الْأسود بن عبد يَغُوث فِي الْجَاهِلِيَّة فَتَبَنَّاهُ، وَإِنَّمَا هُوَ الْمِقْدَاد بن عَمْرو. شهد جَمِيع الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَان وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة أَحَادِيث.
2227 - / 2821 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: إِن لقِيت رجلا من الْكفَّار وَضرب يَدي فقطعها ثمَّ لَاذَ مني بشجرة فَقَالَ: أسلمت لله، أأقتله؟ قَالَ: " لَا، فَإِن قتلته فَإنَّك بِمَنْزِلَتِهِ قبل أَن تقتله، وَإنَّك بِمَنْزِلَتِهِ قبل أَن يَقُول كَلمته ".
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: الْخَوَارِج وَمن يذهب بمذهبهم فِي التَّكْفِير بالكبائر يتأولون هَذَا على أَنه بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْكفْر، وَهَذَا تَأْوِيل فَاسد، وَإِنَّمَا وَجهه أَنه جعله بِمَنْزِلَتِهِ فِي إِبَاحَة الدَّم؛ لإن الْكَافِر قبل أَن يسلم مُبَاح الدَّم، فَإِذا أسلم حقن دَمه، فَإِذا قَتله قَاتل صَار بِمثلِهِ مُبَاح الدَّم بِحَق الْقصاص كَمَا كَانَ هُوَ.

(4/26)


2228 - / 2822 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم:
جعل رجل يمدح عُثْمَان، فَجعل الْمِقْدَاد يحثو فِي وَجهه الْحَصْبَاء وَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا رَأَيْتُمْ المداحين فاحثوا فِي وُجُوههم التُّرَاب ".
الْحَصْبَاء والحصبة: صَغِير الْحِجَارَة.
والمداح: الَّذِي يتَكَرَّر مِنْهُ الْمَدْح، وَهُوَ الَّذِي قد جعله عَادَة لَهُ، وَمثل ذَلِك لَا يسلم من الْكَذِب. وَقد ذكرنَا آفَة الْمَدْح فِي مُسْند أبي مُوسَى.
2229 - / 2823 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَقبلت أَنا وصاحبان لي وَقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الْجهد.
الْجهد: الْمَشَقَّة. وَالْمرَاد مَا لقوا من الْجُوع.
وَقَوله: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجِيء من اللَّيْل فَيسلم فَلَا يوقظ نَائِما. هَذَا من أحسن الْأَدَب؛ لِأَنَّهُ يسمع المنتبه وَلَا يزعج النَّائِم. وَقد رَأينَا خلقا من جهلة المتزهدين يرفعون أَصْوَاتهم فِي اللَّيْل بِالْقِرَاءَةِ والتذكير إِلَى أَن ينزعج النَّائِم، وَالنَّوْم هُوَ كالقوت للبدن، فَقَطعه عَن الْإِنْسَان يُؤْذِيه.
والحفل جمع حافل: وَهِي الشَّاة الَّتِي امْتَلَأَ ضرْعهَا لَبَنًا. والمحفلة: الَّتِي حفلت: أَي جمع اللَّبن فِي ضرْعهَا وَلم يحلب. وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود.

(4/27)


والرغوة: مَا علا فَوق الْحَلب، وَفِيه ثَلَاث لُغَات: ضم الرَّاء وَفتحهَا وَكسرهَا.
وَقَوله: " إِحْدَى سوآتك " أَي مَا أضْحكك إِلَّا بعض مَا يسوء ظُهُوره.

(4/28)


(91) كشف الْمُشكل من مُسْند بِلَال بن رَبَاح

وَهُوَ اسْم أَبِيه، وَهُوَ مشتهر بِالنِّسْبَةِ إِلَى أمه حمامة. أسلم قَدِيما، فَعَذَّبَهُ قومه وَجعلُوا يَقُولُونَ لَهُ: رَبك اللات والعزى، وَهُوَ يَقُول: أحد أحد، فَأتى عَلَيْهِ أَبُو بكر فَاشْتَرَاهُ بِسبع أَوَاقٍ، وَقيل: بِخمْس، فَأعْتقهُ، فَشهد جَمِيع الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَهُوَ أول من أذن، وَكَانَ خَازِن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بَيت مَاله. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة.
2230 - / 2825 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: وَعند الْمَكَان الَّذِي صلى فِيهِ مرمرة حَمْرَاء.
المرمرة وَاحِد المرمر: وَهُوَ نوع من الرخام صلب.
والمجاف: المغلق.
ومليا: أَي زَمَانا طَويلا.

2231 - / 2828 - وَفِي أَفْرَاد مُسلم:

(4/29)


أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح على الْخُفَّيْنِ والخمار.
أما الْمسْح على الْخُفَّيْنِ فقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام.
وَأما الْخمار فَمَا يغطى بِهِ الرَّأْس، وَالْمسح على الْعِمَامَة عندنَا جَائِز، وَسَيَأْتِي ذكره فِي مُسْند عَمْرو بن أُميَّة، فَهُوَ أمس بِهِ.

(4/30)


(92) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي رَافع

مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. كَانَ للْعَبَّاس فوهبه لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا أسلم الْعَبَّاس بشر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْلَامِهِ فَأعْتقهُ. وَكَانَ قد أسلم بِمَكَّة حِين أسلم الْعَبَّاس، وَشهد الخَنْدَق. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة.
2233 - / 2829 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: جَاءَ أَبُو رَافع فَقَالَ لسعد بن أبي وَقاص: ابتع مني بَيْتِي فِي دَارك، فَقَالَ: لَا أزيدك على أَرْبَعَة آلَاف منجمة.
المنجمة: الَّتِي فِي نُجُوم. والنجوم: الْأَوْقَات الْمُخْتَلفَة.
وَقَوله: " الْجَار أَحَق بسقبه " يرْوى بِالسِّين وَالصَّاد. والسقب والصقب: الْقرب. قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: كل صَاد أَو سين تَجِيء قبل الْقَاف فللعرب فِيهَا لُغَتَانِ: مِنْهُم من يَجْعَلهَا سينا وَمِنْهُم من يَجْعَلهَا صادا.
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَرَادَ بالصقب الملاصقة؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِمَا يَلِيهِ وَيقرب مِنْهُ.

(4/31)


وَقد يحْتَج بِهَذَا من يرى الشُّفْعَة بالجوار، وَلَا حجَّة لَهُم؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ اللَّفْظ صَرِيحًا فِي الشُّفْعَة، فَيحْتَمل أَن يكون أَحَق بِالْبرِّ والمعونة. وَيحْتَمل أَن يُرِيد بالجار هَاهُنَا الشَّرِيك، وَسَماهُ جارا لِأَنَّهُ أقرب الْجِيرَان بالمشاركة فَحِينَئِذٍ تكون لَهُ الشُّفْعَة. وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا كَانَت فِيهِ الشُّفْعَة لمَكَان طَرِيق هذَيْن الْبَيْتَيْنِ، فَإِن طريقهما كَانَت شائعة فِي الْعَرَصَة، وَهِي جُزْء من الدَّار فَلذَلِك اسْتحق الشُّفْعَة. وَقد اخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فِي الطّرق والعراص: هَل تجب فِيهَا الشُّفْعَة بانفرادها؟ على رِوَايَتَيْنِ.

2233 - م / 2830 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم:
استسلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكرا.
الْبكر: الفتي من الْإِبِل، فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْغُلَام من الذُّكُور. والقلوص بِمَنْزِلَة الْجَارِيَة من الْإِنَاث. وَأما الرباعي فَهُوَ الَّذِي تمت لَهُ سِتّ سِنِين وَدخل فِي السَّابِعَة.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ استسلف لنَفسِهِ ثمَّ قضى من إبل الصَّدَقَة، وَالصَّدَََقَة لَا تحل لَهُ؟ فَالْجَوَاب: أَنه مَا استسلف لنَفسِهِ؛ إِذْ لَو كَانَ ذَلِك لما قَضَاهُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا استسلف للْفُقَرَاء من بعض الْأَغْنِيَاء فقضاه من

(4/32)


الصَّدَقَة.
2234 - / 2832 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: لقد كنت أشوي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بطن الشَّاة، ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ.
المُرَاد بِبَطْنِهَا مَا فِي الْبَطن من الكبد وَغَيره.
وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَنه أكل مَا مسته النَّار وَلم يتَوَضَّأ مِنْهُ. وَقد سبق فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة بَيَان نسخ هَذَا، لقَوْله: " توضؤوا مِمَّا مست النَّار ".

(4/33)