كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (93) كشف الْمُشكل من مُسْند سلمَان الْفَارِسِي

وَهُوَ من أهل أَصْبَهَان، من قَرْيَة يُقَال لَهَا جي. وَقيل: من رامهرمز سَافر يطْلب الدّين مَعَ قوم فغدروا بِهِ فباعوه من الْيَهُود، ثمَّ إِنَّه كُوتِبَ فأعانه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كِتَابَته، وَأسلم مقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، وَمنعه الرّقّ عَن بدر وَأحد، وَأول غزَاة غَزَاهَا الخَنْدَق، وَشهد مَا بعْدهَا، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ بِحَفر الخَنْدَق. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتُّونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سَبْعَة.
2235 - / 2833 - فَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ:
أَنه تداوله بضعَة عشر من رب إِلَى رب.
قد ذكرنَا أَنه سَافر مَعَ قوم فباعوه، ثمَّ بَاعه الَّذِي اشْتَرَاهُ كَذَلِك، إِلَى بضعَة عشر. قَالَ ابْن فَارس: الْبضْع: مَا بَين الْوَاحِد إِلَى التِّسْعَة. والرب: الْمَالِك.
2236 - / 2834 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: فَتْرَة مَا بَين عِيسَى وَمُحَمّد

(4/34)


سِتّمائَة سنة.
الفترة بَين الرُّسُل: الْمدَّة الَّتِي لَا رَسُول فِيهَا. وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق: بَين آدم إِلَى نوح ألف وَمِائَتَا سنة، وَبَين نوح إِلَى إِبْرَاهِيم ألف وَمِائَة وثنتان وَأَرْبَعُونَ سنة، وَبَين إِبْرَاهِيم إِلَى مُوسَى خَمْسمِائَة وَخَمْسَة وَسِتُّونَ، وَمن مُوسَى إِلَى دَاوُد خَمْسمِائَة وتسع وَسِتُّونَ، وَمن دَاوُد إِلَى عِيسَى ألف وثلاثمائة وست وَخَمْسُونَ، وَمن عِيسَى إِلَى مُحَمَّد سِتّمائَة سنة.

2237 - / 2837 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم:
" إِن لله مائَة رَحْمَة " وَقد سبق فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة، وَفِيه: " فضها على الْمُتَّقِينَ " وأصل الفض: الْكسر والتفريق. وانفض الْقَوْم: تفَرقُوا.
2238 - / 2838 / - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " رِبَاط يَوْم وَلَيْلَة خير من صِيَام شهر وقيامه ".
الرِّبَاط: مُلَازمَة الثغر، وَأَصله أَن يرْبط هَؤُلَاءِ خيولهم وَهَؤُلَاء خيولهم، كل يعد لصَاحبه.
وَقَوله: " جرى عَلَيْهِ عمله " أَي ثَوَابه. " وَأجْرِي عَلَيْهِ رزقه " يَعْنِي من

(4/35)


الْجنَّة. " وَأمن الفتان " فسره أَبُو عبد الله الْحميدِي فَقَالَ: الفتان: الشَّيْطَان؛ لِأَنَّهُ يفتن النَّاس بخدعه وتزيينه الْمعاصِي. وَلَا أرى لهَذَا التَّفْسِير وَجها؛ لِأَن الْحِكَايَة عَمَّا بعد الْمَوْت، وَلَيْسَ للشَّيْطَان فِيمَا بعد الْمَوْت عمل، وَإِنَّمَا الْمَعْنى أَمن فتْنَة الْقَبْر، وَهِي سُؤال الْملك، فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِنَّكُم تفتنون فِي قبوركم ".
2239 - / 2839 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: قيل لسلمان: قد علمكُم نَبِيكُم كل شَيْء حَتَّى الخراءة.
الخراءة مَكْسُورَة الْخَاء ممدودة الْألف، وَمَعْنَاهَا أدب التخلي وَالْقعُود عِنْد الْحَاجة. وَقد سبق الْكَلَام فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي مُسْند أبي أَيُّوب.
وَالْغَائِط: المطمئن من الأَرْض، ثمَّ صَار اسْما لما يكون فِيهِ من الرجيع.
والاستنجاء: التمسح بالأحجار، قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَأَصله من النجوة: وَهِي الِارْتفَاع من الأَرْض، وَكَانَ الرجل إِذا أَرَادَ قَضَاء الْحَاجة تستر بنجوة من الأَرْض، فاشتق من ذَلِك الِاسْتِنْجَاء، إِن مسح فِيهِ أَو غسل، وَقد سبق هَذَا.
وَقَوله: بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار، فِيهِ دَلِيل على أَن من عدل عَن المَاء

(4/36)


إِلَى الْأَحْجَار لم يجزه أقل من ثَلَاثَة أَحْجَار، وَهَذَا قَول أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب الْعدَد، وَإِنَّمَا يعْتَبر الإنقاء فَحسب، فَإِنَّهُ قد يحصل بِالْحجرِ الْوَاحِد. وللشرع تعبد فِي الْمَعْقُول مَعْنَاهُ، كَمَا لَهُ تعبد فِيمَا لَا يعقل، أَلا ترى أَنه لما ورد الشَّرْع بسن مَعْلُوم فِي الْهَدْي وَالْأَضَاحِي لم يجز إِبْدَال سنّ بسن وَإِن كَانَ يعقل الْمَعْنى، وَالْعجب من أَصْحَاب الرَّأْي كَيفَ يُنكرُونَ دُخُول التَّعَبُّد فِي مثل هَذَا، وَلَهُم قَول فِي إِيجَاب ثَلَاث مَرَّات فِي غسل النَّجَاسَة وَإِن زَالَت بِأول مرّة.
وَأما الرجيع فَهُوَ الْعذرَة، وَسمي رجيعا لِأَنَّهُ رَجَعَ عَن حَالَته الأولى بعد أَن كَانَ طَعَاما.
وَعِنْدنَا أَنه لَا يجوز الِاسْتِنْجَاء بالرجيع سَوَاء كَانَ طَاهِرا كروث الْبَقر وَالْإِبِل، أَو نجسا كروث الْبَغْل وَالْحمار، وَكَذَلِكَ الْعظم، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَأما إِذا كَانَ نجسا فالنجس لَا يجوز اسْتِعْمَاله. وَأما إِذا كَانَ الْعظم طَاهِرا فقد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود أَن الْجِنّ سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزَّاد فَقَالَ: " لكم كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ، وكل بَعرَة علف لدوابكم " فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَلَا تستنجوا بهما؛ فَإِنَّهُمَا طَعَام إخْوَانكُمْ ". وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَدَاوُد: يجوز الِاسْتِنْجَاء بالروث وَالْعِظَام، وَسَوَاء فِي ذَلِك النَّجس والطاهر.

(4/37)


2240 - / 2840 - والْحَدِيث الرَّابِع: قد سبق فِي مُسْند أُسَامَة.
وَفِي هَذَا الحَدِيث: " وَبهَا باض وفرخ " الْمَعْنى أَنَّهَا مَأْوَاه؛ لِأَن الطَّائِر إِنَّمَا يبيض ويفرخ فِي مستقره. وَقيل: أَرَادَ مَا يثيره من الشَّرّ بَينهم فِي الشِّرَاء وَالْبيع.

(4/38)


(94) كشف الْمُشكل من مُسْند خباب بن الْأَرَت

أسلم قَدِيما، وَكَانَ يعذب فِي الله عز وَجل، وَشهد جَمِيع الْمشَاهد. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَان وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة.
2241 - / 2841 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: قَوْله: كنت قينا فِي الْجَاهِلِيَّة.
الْقَيْن: الْحداد، وَجمعه قيون.
وَقَوله: وَالله لَا أكفر حَتَّى يُمِيتك الله ثمَّ يَبْعَثك. إِن قَالَ قَائِل: لم لم يقل لَا أكفر أبدا، فَكيف علقه على أَمر قريب فَقَالَ: حَتَّى يُمِيتك الله ثمَّ يَبْعَثك؟ فَالْجَوَاب: أَنه لما كَانَ اعْتِقَاد هَذَا الْمُخَاطب أَنه لَا يبْعَث، خاطبه على اعْتِقَاده، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا أكفر أبدا، وَمثل هَذَا قَوْله تَعَالَى: {خَالِدين فِيهَا مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض} [هود: 107] ، فخاطبهم بِمَا يستعملونه لِلْأَبَد، وهم يَقُولُونَ: لَا أُكَلِّمك مَا دَامَت السَّمَاء، وَمَا أطت الْإِبِل، وَمَا اخْتلفت الدرة والجرة، يُرِيدُونَ الْأَبَد.

(4/39)


وَقَوله: {أفرءيت الَّذِي كفر بِآيَاتِنَا} [مَرْيَم: 77] ، يَعْنِي الْعَاصِ بن وَائِل، {وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ} أَي على زعمكم. وَتَقْدِير الْكَلَام: أرأيته مصيبا.
{أطلع الْغَيْب} الْمَعْنى: أعلم مَا غَابَ عَنهُ حَتَّى يعلم أَفِي الْجنَّة هُوَ أم لَا؟ {أم اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا} أَي عهد إِلَيْهِ أَنه يدْخلهُ الْجنَّة.
{كلا} لَيْسَ الْأَمر على مَا قَالَ من أَنه يُؤْتى المَال وَالْولد {سنكتب} ؛ أَي سنأمر الْحفظَة بِإِثْبَات قَوْله عَلَيْهِ ليجازيه.
{ونرثه مَا يَقُول} أَي نرث مَا عِنْده من المَال وَالْولد بإهلاكنا إِيَّاه {ويأتينا فَردا} بِلَا مَال وَلَا ولد.
2242 - / 2843 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: وَترك نمرة.
النمرة: كسَاء ملون من صوف، وكل شملة مخططة من مآزر الْأَعْرَاب فَهِيَ نمرة وَجَمعهَا نمار. وَقَالَ القتيبي: النمرة: بردة تلبسها الْإِمَاء، وَجمعه نمرات ونمار. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: إِذا غزل الصُّوف شزرا ونسج بالحف فَهُوَ كسَاء، وَإِذا غزل يسرا ونسج بالصيصية

(4/40)


فَهُوَ بجاد، فَإِن جعل شقة وَلها هدب فَهِيَ نمرة، وَبرد، وشملة، فَإِذا كَانَت النمرة فِيهَا خطوط سوى ألوانها فَهِيَ برجد، فَإِن كَانَت منسوجة خيطا على خيط فَهِيَ منيرة، فَإِذا عرضت الخيوط الْبيض فَهِيَ عباءة، فَإِذا غزل شرزا جَاءَ خشنا لَا يدفئ وَهُوَ الَّذِي يغزل على الوحشي، وَإِذا غزل يسرا وَهُوَ الَّذِي يغزل على الْإِنْسِي جَاءَ لينًا دفيئا رَقِيقا.
وَقَوله: أينعت. قَالَ الزّجاج: يُقَال: ينع وأينع بِمَعْنى أدْرك قَالَ الْفراء: أينع أَكثر من ينع. وَهَذَا اسْتِعَارَة لما فتح الله عَلَيْهِم من الدُّنْيَا وَقَوله: يهدبها، الدَّال مَكْسُورَة، يُقَال: هدب الثَّمَرَة يهدبها هدبا: إِذا اجتناها.

2243 - / 2846 - وَفِي أَفْرَاد مُسلم:
شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرمضاء فَلم يشكنا. الرمضاء: شدَّة الْحر. وَالْأَصْل أَن الرمضاء الرمل، فَإِذا احْتَرَقَ بالتهاب حر

(4/41)


الشَّمْس عَلَيْهِ نسب الْحر إِلَيْهِ. وَفِي الحَدِيث تَفْسِير ذَلِك، وَأَنَّهُمْ أَرَادوا تَأْخِير الظّهْر.

(4/42)


(95) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن زَمعَة بن الْأسود

فِيهِ حَدِيث وَاحِد:
2244 - / 2847 - وَفِيه ذكر النَّاقة: " انتدب لَهَا رجل عَزِيز عَارِم منيع فِي رهطه مثل أبي زَمعَة ".
الْعَزِيز: الْعَظِيم الْقدر الْبعيد الْمثل.
والعارم: الشَّديد الْجَاهِل. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العرم: الْجَاهِل. وَقَالَ الْفراء: العرام: الْجَهْل.
والمنيع: الْمُمْتَنع على من أَرَادَهُ.
وَأَبُو زَمعَة كَانَ عَم الزبير بن الْعَوام.

(4/43)