كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (99) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن مَالك

هَذَا الرجل يعرف بِأُمِّهِ بُحَيْنَة، وَلَا يكَاد ينْسب إِلَى أَبِيه مَالك، وَقد كتب الْحميدِي فِي كتاب " الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ " عبد الله بن مَالك، ابْن بُحَيْنَة، فَرُبمَا ظن من لَا خبر لَهُ بِعلم النَّقْل أَن بُحَيْنَة اسْم جده أَو جدته، وَإِنَّمَا ذكر أَبوهُ وَعرف باسم أمه. وَقد بَينا فِيمَا سبق مثل هَذَا فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِنَّهُ يُقَال فِيمَا يرويهِ ابْنه مُحَمَّد: مُحَمَّد بن عَليّ، ابْن الْحَنَفِيَّة. وَكَذَلِكَ يُقَال: عبد الله بن أبي، ابْن سلول، وسلول أمه. وَقد ذكرنَا هَذَا ليعرف.
وَجُمْلَة مَا روى ابْن بُحَيْنَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة.
2261 - / 2869 - فَفِي الحَدِيث الأول: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد للسَّهْو قبل السَّلَام.
وَقد ذكرنَا الْخلاف فِي هَذَا فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ.
2262 - / 2870 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم

(4/67)


وَهُوَ محرم بِلحي جمل فِي وسط رَأسه.
قد تكلمنا فِي حجامة الْمحرم فِي مُسْند ابْن عَبَّاس.
ولحي جمل: اسْم مَوضِع فِي طَرِيق مَكَّة.
2263 - / 2871 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كَانَ إِذا صلى فرج بَين يَدَيْهِ حَتَّى يرى بَيَاض إبطَيْهِ. وَفِي رِوَايَة: كَانَ إِذا سجد يجنح فِي سُجُوده حَتَّى يرى وضح إبطَيْهِ.
قَوْله: فرج بَين يَدَيْهِ: أَي فِي السُّجُود. وَالْمعْنَى أَنه يبعد عضديه عَن جَنْبَيْهِ، وَهَذَا معنى يجنح. قَالَ الْفراء: جنَاح الرجل: عضده وإبطه، وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: الْعَرَب تستعير الْجنَاح فتسمي بِهِ مَا بَين الْإِبِط والعضد من الْإِنْسَان.
والوضح: الْبيَاض.
2264 - / 2872 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا وَقد أُقِيمَت الصَّلَاة يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاث بِهِ النَّاس، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " آلصبح أَرْبعا؟ آلصبح أَرْبعا؟ " وَفِي لفظ: " يُوشك أَن يُصَلِّي أحدكُم الصُّبْح أَرْبعا ".
لاث بِهِ النَّاس: أحاطوا بِهِ واجتمعوا.

(4/68)


وَقَوله: يُوشك. الوشك: الْقرب.
وَقد ذكرنَا فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة أَن من سمع الْإِقَامَة فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يتشاغل إِلَّا بالمكتوبة، وحكينا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: إِذا كَانَ خَارج الْمَسْجِد وَعلم أَنه يدْرك الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة جَازَ لَهُ أَن يُصَلِّي رَكْعَتي الْفجْر.

(4/69)


(100) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي وَاقد اللَّيْثِيّ

وَقد اخْتلفُوا فِي اسْمه وَاسم أَبِيه، فَقَالَ هِشَام بن مُحَمَّد: الْحَارِث بن عَوْف. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: الْحَارِث بن مَالك، وَقَالَ غَيرهمَا: عَوْف بن الْحَارِث. أسلم قَدِيما، وَكَانَ يحمل لِوَاء بني لَيْث وضمرة وَسعد بن بكر يَوْم الْفَتْح، وَقد ذكر الْحميدِي أَنه شهد بَدْرًا، وَهَذَا غلط؛ لإنه مَا ذكره أحد فِي أهل بدر، وَقد ذكره مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة من الصَّحَابَة مِمَّن شهد الخَنْدَق وَمَا بعْدهَا.
وَجُمْلَة مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان.
2265 - / 2873 - فَفِي الحَدِيث الأول: " أما أَحدهمَا فأوى إِلَى الله ".
أَي رَجَعَ وَانْصَرف. يُقَال: أَوَى فلَان أويا، وآويته أَنا أؤويه إيواء: إِذا ضممته وَجعلت لَهُ مأوى. وَتقول: أويت إِلَى الْمنزل: إِذا رجعت.

(4/70)


2266 - / 2874 - وَقد تكلمنا على الحَدِيث الثَّانِي فِي مُسْند النُّعْمَان بن بشير.

(4/71)


(101) كشف الْمُشكل من مُسْند الْمسيب بن حزن

وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة.
2267 - / 2875 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَن أَبَا طَالب لما حَضرته الْوَفَاة جَاءَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ عِنْده أَبَا جهل وَعبد الله بن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة، فَقَالَ: " أَي عَم، قل: لَا إِلَه إِلَّا الله، كلمة احاج لَك بهَا عِنْد الله " فَقَالَ أَبُو جهل وَعبد الله بن أُميَّة: أترغب عَن مِلَّة عبد الْمطلب؟ فَلم يزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرضهَا عَلَيْهِ ويعودان لتِلْك الْمقَالة حَتَّى قَالَ أَبُو طَالب آخر مَا كَلمهمْ بِهِ: أَنا على مِلَّة عبد الْمطلب.
عبد الله بن أبي أُميَّة. وَاسم أبي أُميَّة سُهَيْل، ويلقب زَاد الرَّاكِب، كَانَ إِذا سَافر مَعَه قوم أنْفق عَلَيْهِم، وَهُوَ سُهَيْل بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم، وَأمه عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب بن هَاشم، وَعبد الله أَخُو أم سَلمَة زوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ أَشد النَّاس عَدَاوَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لأبي طَالب: أترغب عَن مِلَّة عبد الْمطلب؟ فَلَمَّا كَانَت عمْرَة الْقَضِيَّة وَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة خرج هُوَ من مَكَّة حَتَّى كَانَ على عشرَة أَمْيَال من مَكَّة، وَجعل يستخبر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأخْبر أَنه فِي

(4/72)


عز وَقُوَّة، فَوَقع فِي قلبه الْإِسْلَام، فلقي أَبَا سُفْيَان بن الْحَارِث وَقد وَقع الْإِسْلَام فِي قلب أبي سُفْيَان أَيْضا، فَخَرَجَا فلقيا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا بَين السقيا وَالْعَرج، فطلبا الدُّخُول عَلَيْهِ فَأبى، فكلمته أم سَلمَة وَقَالَت: يَا رَسُول الله! صهرك وَابْن عَمَّتك، وَابْن عمك وأخوك من الرضَاعَة - تَعْنِي أَبَا سُفْيَان، وَقد جَاءَ الله بهما مُسلمين، لَا يَكُونَا أَشْقَى النَّاس بك. فَقَالَ: " لَا حَاجَة لي بهما " فَقَالَت: قد عَفَوْت عَن أعظم جرما. فرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهما، فَأَسْلمَا وشهدا مَعَه الْفَتْح وحنينا والطائف، وَرمي عبد الله من حصن الطَّائِف فَقتل شَهِيدا.
2268 - / 2876 - الحَدِيث الثَّانِي: عَن الْمسيب أَنه كَانَ مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة، قَالَ: فرجعنا إِلَيْهَا الْعَام الْمقبل فعميت علينا.
وَالْمعْنَى: عمينا عَنْهَا، وَمثله قَوْله تَعَالَى: {فعميت عَلَيْكُم} [هود: 28] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال عمي عَليّ هَذَا الْأَمر: إِذا لم أفهمهُ، وعميت عَنهُ بِمَعْنى، وَقَالَ الْفراء: هَذَا مِمَّا حولت الْعَرَب الْفِعْل إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الأَصْل لغيره، كَقَوْلِهِم: دخل الْخَاتم فِي يَدي، والخف فِي رجْلي، وَإِنَّمَا الإصبع يدْخل فِي الْخَاتم وَالرجل فِي الْخُف، واستجازوا ذَلِك إِذا كَانَ الْمَعْنى مَعْرُوفا.

(4/73)


2269 - / 2877 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ:
مَا اسْمك؟ قَالَ: حزن. قَالَ: " بل أَنْت سهل "، قَالَ سعيد: فَمَا زَالَت فِينَا الحزونة بعد.
الْحزن: مَا غلظ من الأَرْض، وَيُقَال: فِي خلق فلَان حزونة: أَي غلظة وقساوة. وَكَأن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره الِاسْم لهَذَا الْمَعْنى فأبدله بضده تفاؤلا، فَأبى الرجل.

(4/74)