كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (105) كشف الْمُشكل من مُسْند السَّائِب بن يزِيد، ابْن أُخْت نمر

ذكر أَبُو بكر الْخَطِيب عَن أبي الْحسن الْمَدَائِنِي أَنه قَالَ: أُخْت نمر اسْم جده، وَهُوَ رجل وَلَيْسَ بِامْرَأَة.
وَقد أخرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَة أَحَادِيث.
2275 - / 2883 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: ذهبت بِي خَالَتِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن ابْن أُخْتِي وجع. وَفِي رِوَايَة: وَقع. فَنَظَرت إِلَى خَاتمه بَين كَتفيهِ مثل زر الحجلة.
الحجلة: بَيت كالقبة يستر بالثياب، وَيجْعَل لَهُ بَاب من جنسه فِيهِ زر وَعُرْوَة يشد إِذا أغلق. وَوَقع مثل وجع.

2276 - / 2884 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ:
حج بِي فِي ثقل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

(4/80)


الثّقل: الرحل وَالْمَتَاع وَمَا ينْقل من القماش، وَجمعه أثقال، وَفِيه دَلِيل على صِحَة حج الصَّبِي.
2277 - / 2885 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن عُثْمَان زَاد النداء الثَّالِث.
النداء الثَّالِث الَّذِي زَاد عُثْمَان هُوَ الأول الْيَوْم، وَإِنَّمَا كَانُوا يُؤذنُونَ إِذا صعد الْخَطِيب الْمِنْبَر. وَالْإِقَامَة تسمى نِدَاء أَيْضا، فَزَاد الأول، فَأذن قبل صُعُوده الْمِنْبَر.
والزوراء: مَوضِع بِالْمَدِينَةِ.
وَقَوله: لم يكن لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مُؤذن وَاحِد؛ يَعْنِي يَوْم الْجُمُعَة لم يُؤذن لَهُ إِلَّا مرّة. وَقد كَانَ فِي غير الْجُمُعَة يُؤذن بِلَال وَابْن أم مَكْتُوم وَأَبُو مَحْذُورَة.
2278 - / 2886 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: خرجت مَعَ الغلمان إِلَى ثنية الْوَدَاع.
الثَّنية: طَرِيق مُرْتَفع بَين جبلين، وَالْإِشَارَة إِلَى مَوضِع بِالْمَدِينَةِ.
2279 - / 2887 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: جلد عمر أَرْبَعِينَ حَتَّى إِذا عتوا وفسقوا جلد ثَمَانِينَ.
العتو: الْمُبَالغَة فِي ركُوب الْمعاصِي. والعاتي: هُوَ الَّذِي لَا يُؤثر عِنْده

(4/81)


الْوَعْظ والزجر.
وَالْفِسْق: الْخُرُوج عَن الطَّاعَة. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَلم يسمع فِي كَلَام الْجَاهِلِيَّة لَا فِي شعر وَلَا فِي كَلَام: فَاسق، وَهَذَا عجب وَهُوَ كَلَام عَرَبِيّ، وَلم يَأْتِ فِي شعر جاهلي.

(4/82)


(106) كشف الْمُشكل من مُسْند عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي

وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرُون حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان.
2280 - / 2888 - فَفِي الحَدِيث الأول: أَنه رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحتز من كتف شَاة فِي يَده فدعي إِلَى الصَّلَاة، فَألْقى السكين وَصلى وَلم يتَوَضَّأ.
أصل الحز الْقطع، وَقد يكون بَائِنا وَغير بَائِن، وَقد كَانُوا يقطعون اللَّحْم بالسكين.
وَفِي هَذَا الحَدِيث ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار.
2281 - / 2889 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسح على عمَامَته وخفيه.
أما جَوَاز الْمسْح على الْعِمَامَة فَهُوَ مَذْهَب الْحسن الْبَصْرِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَحَكِيم بن جَابر فِي آخَرين، وَبِه يَقُول أَحْمد بن حَنْبَل خلافًا

(4/83)


لأكْثر الْعلمَاء فِي قَوْلهم: لَا يجوز.
وَمن شُرُوط جَوَاز الْمسْح على الْعِمَامَة أَن تكون تَحت الحنك، ساترة لجَمِيع الرَّأْس، إِلَّا مَا جرت الْعَادة بكشفه، كمقدم الرَّأْس والأذنين. فَإِن لم تكن تَحت الحنك بل كَانَت مُدَوَّرَة لَا ذؤابة لَهَا لم يجز الْمسْح عَلَيْهَا، فَإِن كَانَ لَهَا ذؤابة فلأصحابنا وَجْهَان فِي جَوَاز الْمسْح عَلَيْهَا. وَيمْسَح أَكثر الْعِمَامَة، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: لَا يُجزئ إِلَّا مسح جَمِيعهَا.
وَأما الْمسْح على الْخُفَّيْنِ فقد تقدم فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام.

(4/84)


(107) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ الكعبي

واسْمه خويلد بن عَمْرو، كَذَلِك سَمَّاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم. وَقَالَ مُحَمَّد ابْن سعد: اسْمه خويلد بن صَخْر بن عبد الْعُزَّى. وَقَالَ أَبُو بكر البرقي: اسْمه كَعْب.
وَجُمْلَة مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرُون حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة.
2282 - / 2890 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَنه قَالَ لعَمْرو بن سعيد وَهُوَ يبْعَث الْبعُوث إِلَى مَكَّة: ائْذَنْ لي أحَدثك مَا قَامَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغَد من يَوْم الْفَتْح، قَالَ: " إِن مَكَّة حرمهَا الله فَلَا يحل لامرئ يُؤمن بِاللَّه أَن يسفك فِيهَا دَمًا، وَلَا يعضد بهَا شَجَرَة ... " فَذكر الحَدِيث. فَقَالَ: يَا أَبَا
شُرَيْح، إِن الْحرم لَا يعيذ عَاصِيا وَلَا فَارًّا بِدَم وَلَا بخربة.
أما الْبعُوث الْمَذْكُورَة فَإِن عبد الله بن الزبير لم يزل بِالْمَدِينَةِ إِلَى أَن توفّي مُعَاوِيَة، فَبعث الْوَلِيد بن عتبَة وَالِي الْمَدِينَة إِلَيْهِ يَأْمُرهُ بالبيعة ليزِيد، فَخرج إِلَى مَكَّة، وَلم يزل يحرض النَّاس على بني أُميَّة، فَغَضب يزِيد فَمضى ابْن الزبير إِلَى يحيى بن حَكِيم وَالِي مَكَّة فَبَايعهُ ليزِيد، فَكتب بذلك يحيى، فَقَالَ يزِيد: لَا أقبل حَتَّى يُؤْتى بِهِ فِي وثاق، فَأبى ابْن

(4/85)


الزبير وَقَالَ: أَنا عَائِذ بِالْبَيْتِ، فعزل يزِيد الْوَلِيد عَن الْمَدِينَة وَولى عَمْرو ابْن سعيد بن الْعَاصِ، وَكتب إِلَيْهِ: أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ يقسم بِاللَّه لَا يقبل من ابْن الزبير شَيْئا حَتَّى يُؤْتى بِهِ فِي جَامِعَة، فعرضوا ذَلِك على ابْن الزبير، فَأبى فَكتب يزِيد إِلَى عَمْرو بن سعيد أَن يُوَجه إِلَيْهِ جندا، فَبعث الْبعُوث.
وَقَوله: " أَن يعضد بهَا شَجَرَة " أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: يعضد بِضَم الضَّاد، وَقَالَ لنا عبد الله بن أَحْمد النَّحْوِيّ: يعضد بِكَسْر الضَّاد.
ويعيذ بِمَعْنى يجير؛ يُقَال: عاذ بالشَّيْء: إِذا استجار بِهِ ولجأ إِلَيْهِ، وأعاذه: أَي مَنعه وحماه.
والخربة: السّرقَة، وَالْخَاء مَضْمُومَة، والخارب: اللص، وَيُقَال فِي سَارِق الْإِبِل خَاصَّة ثمَّ استعير لكل سَارِق.
وَاعْلَم أَن الْإِجْمَاع انْعَقَد على أَن من جنى فِي الْحرم لَا يُؤمن؛ لِأَنَّهُ هتك حُرْمَة الْحرم ورد الْأمان. وَاخْتلف الْعلمَاء فِيمَن جنى خَارِجا ثمَّ لَجأ إِلَيْهِ: فروى أَبُو بكر الْمروزِي عَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: إِذا قتل أَو قطع يدا أَو أَتَى حدا فِي غير الْحرم ثمَّ دخل لم يقم عَلَيْهِ الْحَد وَلم يقْتَصّ مِنْهُ، وَلَكِن لَا يُبَايع وَلَا يشارى ولايؤاكل حَتَّى يخرج. فَإِن فعل شَيْئا من ذَلِك فِي الْحرم استوفي مِنْهُ. وروى عَنهُ حَنْبَل أَنه قَالَ: إِذا قتل خَارج الْحرم ثمَّ دخل لم يقتل، وَإِن كَانَت الْجِنَايَة دون النَّفس فَإِنَّهُ يُقَام عَلَيْهِ

(4/86)


الْحَد وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يُقَام الْحَد فِي جَمِيع ذَلِك فِي النَّفس وَفِيمَا دون النَّفس.
2283 - / 2891 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم ضَيفه " قَالُوا: وَمَا جائزته؟ قَالَ: " يَوْمه وَلَيْلَته ".
الضَّيْف يَقع على الْوَاحِد وعَلى الْجَمَاعَة. يُقَال: هَذَا ضيف، وَهَؤُلَاء ضيف.
والجائزة: الْعَطِيَّة. وجوائز السُّلْطَان: عطاياه. وَالْمرَاد بالجائزة هَاهُنَا مَا يجوز بِهِ مَسَافَة يَوْم وَلَيْلَة. وَهَذَا عِنْد أَكثر الْعلمَاء مُسْتَحبّ، وَقَالَ أَحْمد: يجب على الْمُسلم ضِيَافَة الْمُسلم الْمُسَافِر المجتاز بِهِ لَيْلَة، لحَدِيث آخر رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " لَيْلَة الضَّيْف وَاجِبَة على كل مُسلم ".
وَمن نزل بِهِ الضَّيْف فَامْتنعَ عَن ضيافته كَانَ الضَّيْف مُخَيّرا بَين مُطَالبَته بذلك عِنْد الْحَاكِم أَو إعفائه. وَلَا يجب إنزاله فِي بَيته إِلَّا أَن يجد مَسْجِدا أَو رِبَاطًا يبيت فِيهِ. وَسَيَأْتِي فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عقبَة بن عَامر قَالَ: قلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّك تبعثنا فَنَنْزِل بِقوم لَا يقرونا، فَمَا ترى؟ فَقَالَ: " إِن لم يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُم حق الضَّيْف الَّذِي يَنْبَغِي لَهُم " وَأما ضِيَافَة ثَلَاثَة أَيَّام فمستحبة.

(4/87)


وَقَوله: " حَتَّى يؤثمه " وَذَلِكَ أَنه إِذا لم يكن لَهُ مَا يقربهُ بِهِ تسخط بإقامته، وَرُبمَا ذكره بقبيح، وَرُبمَا أَثم فِي كسب مَا يُنْفِقهُ عَلَيْهِ.

2284 - / 2892 - والْحَدِيث الَّذِي للْبُخَارِيّ قد سبق فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة.

(108)

ومافي مُسْند خفاف بن إِيمَاء قد سبق شَرحه.

(4/88)