كشف المشكل من حديث الصحيحين

 (112) كشف الْمُشكل من مُسْند عَمْرو بن الْعَاصِ

وَعَامة أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: ابْن الْعَاصِ بِغَيْر يَاء، وَهُوَ خطأ، وَالَّذِي حفظناه عَن أهل اللُّغَة، مِنْهُم أَبُو مُحَمَّد بن الخشاب إِثْبَات الْيَاء، أسلم قبيل الْفَتْح.
وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِسْعَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة أَحَادِيث.
2303 - / 2921 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الثَّانِي: " وَلَكِن لَهُم رحم أبلها بِبلَالِهَا ".
أبلها من البلل والنداوة: أَي أنديها بالصلة وَالْبر، وَهَذِه اسْتِعَارَة وَقد سبق بَيَان هَذَا الحَدِيث.
2304 - / 2922 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " إِذا حكم الْحَاكِم فاجتهد ثمَّ أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ، وَإِذا حكم واجتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر ".

(4/109)


وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وسع الْإِنْسَان سوى الِاجْتِهَاد، فَمَا خلا الْمُجْتَهد من أجر.
فَإِن قيل: فقد تساوى الِاجْتِهَاد فِي مَوضِع الْإِصَابَة وَمَوْضِع الْخَطَأ، فَلم ضوعف الْأجر هُنَاكَ؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْمُخطئ وَإِن كَانَ مُجْتَهدا فَفِي اجْتِهَاده تَقْصِير، فَلَو أمعن فِي طلب الْأَدِلَّة لوقع بِالصَّوَابِ، فقصر فِي أجره لتَقْصِيره فِي الطّلب. وَالثَّانِي: أَن الْمُصِيب موفق، والموفق مصطفى، فضوعف لَهُ الْأجر لمَكَان اصطفائه، كَمَا ضوعف الْأجر لهَذِهِ الْأمة دون سَائِر الْأُمَم.

2305 - / 2923 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم:
" فصل مَا بَين صيامنا وَصِيَام أهل الْكتاب أَكلَة السحر ".
اعْلَم أَن الْأكل فِي ليَالِي الصَّوْم كَانَ مُبَاحا لأهل الْكتاب مَا لم يَنَامُوا، فَإِذا نَامُوا حرم عَلَيْهِم، وَكَذَلِكَ كَانَ فِي أول الْإِسْلَام حَتَّى نزل قَوْله تَعَالَى: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض} [الْبَقَرَة: 187] وَقد سبق شرح هَذَا. فندب الشَّرْع إِلَى السّحُور لسِتَّة أوجه:
أَحدهَا: اسْتِعْمَال رخصَة الشَّرْع فِي قَوْله: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر} ، وَفِي الحَدِيث: " إِن الله تَعَالَى يحب أَن يُؤْخَذ بِرُخصِهِ كَمَا يحب أَن يُؤْخَذ بِعَزَائِمِهِ.

(4/110)


وَالثَّانِي: لظُهُور الْفرق؛ فَإِن صَاحب الشَّرْع كَانَ يَأْمر بمخالفة أهل الْكتاب.
وَالثَّالِث: لبَيَان أَن هَذَا الدّين سمح سهل.
وَالرَّابِع: ليظْهر رفق الْحق بِهَذِهِ الْأمة فيبدو أثر حبه لَهَا فِي اللطف بهَا.
وَالْخَامِس: ليتقوى الصَّائِم على أَدَاء الْفَرْض.
وَالسَّادِس: لدفع مَا يُوجب التأفف بالتكليف.
2306 - / 2924 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: إِن أفضل مَا نعد شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله.
بعض قرأة الحَدِيث يَقُول: أفضل مَا تعد بِالتَّاءِ الْمَفْتُوحَة؛ لِأَن ابْنه ذكره لَهُ أَشْيَاء، وَالصَّوَاب نعد بالنُّون وَكسر الْعين.
والاطباق: الْأَحْوَال، وَاحِدهَا طبق.
وَقَوله: فسنوا عَليّ التُّرَاب سنا: أَي صبوه صبا. وَالسّن: الصب مَعَ تَفْرِيق.
وَقَوله: حَتَّى أستأنس بكم. وَقد سبق فِي مُسْند أنس وَغَيره أَن الْمَيِّت يسمع خَفق النِّعَال إِذا ولوا، وَإِذا كَانَ كَذَلِك حسن أَن يَقُول: حَتَّى أستأنس بكم.
وَالْمرَاد بالرسل هُنَا مُنكر وَنَكِير.

(4/111)


(113) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ

أسلم قبل أَبِيه، وَكَانَ متعبدا زاهدا، وَاسْتَأْذَنَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كِتَابَة مَا يسمع مِنْهُ فَأذن لَهُ.
وَجُمْلَة مَا ضبط عَنهُ سَبْعمِائة حَدِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا.
2307 - / 2925 - فَفِي الحَدِيث الأول: " أَربع من كن فِيهِ كَانَ منافقا خَالِصا: إِذا اؤتمن خَان، وَإِذا حدث كذب، وَإِذا عَاهَدَ غدر، وَإِذا خَاصم فجر "، وَفِي رِوَايَة: " إِذا وعد أخلف " مَكَان قَوْله: " إِذا اؤتمن خَان ".
هَذَا الحَدِيث قد سبق فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة قبل الْأَرْبَعين وَمِائَة، وَبينا هُنَالك معنى النِّفَاق، إِلَّا أَن فِي هَذَا الحَدِيث زِيَادَة، وَهِي: " إِذا عَاهَدَ غدر، وَإِذا خَاصم فجر ".
والعهد: العقد، يُقَال: عَاهَدَ فلَان: أَي عقد عقدا يُوجب عَلَيْهِ الْقيام بِمَا ضمن. والغدر: نقض الْعَهْد.
والفجور: الْخُرُوج عَن الْحق والانبعاث فِي الْبَاطِل.

(4/112)


2308 - / 2926 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: لم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاحِشا وَلَا متفحشا.
الْفَاحِش: ذُو الْفُحْش، وَالْفُحْش: زِيَادَة الشَّيْء على المألوف من مِقْدَاره. والمتفحش: الَّذِي يتَكَلَّف ذَلِك ويتعمده.
2309 - / 2928 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي أَقُول: وَالله لأصومن النَّهَار ولأقومن اللَّيْل مَا عِشْت. فَقَالَ: " أَنْت الَّذِي تَقول ذَلِك؟ ".
لما أقسم على فعل نَافِلَة وَلم يسْتَثْن زمَان مرض أَو ضعف صلح أَن يُنكر عَلَيْهِ فَيَقُول: " أَنْت الَّذِي تَقول ذَلِك؟ " وَحقّ الْجَسَد اللطف بِهِ، فَإِنَّهُ كالراحلة ترَاد للتبليغ، فَإِذا لم يرفق بهَا لم تبلغ، وَكَذَلِكَ الْعين إِذا لم يرفق بهَا ضعفت وَذَهَبت فتأذى الْبدن، وإدامة الصَّوْم والتعبد يُؤثر فِيهَا.
وَالزَّوْج يُرَاد بِهِ الْمَرْأَة، وَفِيه لُغَتَانِ: زوج وَزَوْجَة، إِلَّا أَن حذف الْهَاء أفْصح، وَبهَا ورد الْقرَان. وَمَتى أجهد الرجل نَفسه فِي الْعِبَادَة ضعف عَن قَضَاء حق الْمَرْأَة.
والحظ: النَّصِيب، وَجمع الْحَظ أحاظ على غير قِيَاس.
والزور: الْجَمَاعَة الزائرون، وَيُقَال ذَلِك للْوَاحِد وَالْجَمَاعَة.

(4/113)


وَقد دلّ هَذَا على أَنه يسْتَحبّ لمن نزل بِهِ ضيف أَن يفْطر مُوَافقَة لَهُ؛ لِئَلَّا يقصر فِي الْأكل.
وَأما صَوْم دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ صَوْم يَوْم وإفطار يَوْم , وَفِيه لطف من وَجه ومشقة من وَجه: أما اللطف فَإِنَّهُ بإفطار يَوْم يتقوى ليَوْم الصَّوْم , وَأما الْمَشَقَّة فَإِن النَّفس تسكن إِلَى الْإِفْطَار فتصوم، وتسكن إِلَى الصَّوْم فتفطر.
قَوْله: " كَانَ أعبد النَّاس " قد بَين عِبَادَته فِي صَوْمه وتهجده، فَجمع بَين التَّعَبُّد والرفق بِالنَّفسِ.
وَقَوله: " كَانَ لَا يفر إِذا لَاقَى " المُرَاد أَنه كَانَ يستبقي قوته للْجِهَاد، فَكَأَنَّهُ أمره باستبقاء قوته للْجِهَاد وَغَيره من الْحُقُوق.
وَقَوله: " اقْرَأ الْقُرْآن فِي سبع " وَذَلِكَ أَن المُرَاد من الْقِرَاءَة التدبر.
وَقَوله: " هجمت لَهُ الْعين " أَي غارت وَدخلت، مِنْهُ: هجمت على الْقَوْم: دخلت عَلَيْهِم، وهجم عَلَيْهِم الْبَيْت: سقط.
ونهكت: جهدت.
و" نفهت لَهُ النَّفس " أَي أعيت وكلت، وَيُقَال للمعيى: نافه ومنفه، قَالَ رؤبة:
(بِهِ تمطت غول كل ميله ... )

(بِنَا مراجيح المهاري النفه ... )

وميله: يَعْنِي الْبِلَاد الَّتِي يوله النَّاس فِيهَا.

(4/114)


وَقَوله: " لَا صَامَ من صَامَ الْأَبَد " قد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند أبي قَتَادَة.
وَقَوله: " ذَات حسب " قد سبق شرح الْحسب فِي مُسْند أبي سُفْيَان بن حَرْب.
والكنة: امْرَأَة الْوَلَد.
والكنف: السّتْر.
وَإِنَّمَا قَالَ: يَا لَيْتَني أخذت بِالرُّخْصَةِ؛ لِأَنَّهُ كره أَن يُفَارق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عَزِيمَة ثمَّ يتَغَيَّر عَنْهَا، لَا أَن ذَلِك يجب عَلَيْهِ.
وَقد سبق شرح مَا بعد هَذَا.
2310 - / 2933 - والْحَدِيث التَّاسِع: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عَبَّاس.
2311 - / 2935 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: ذكر الْحَوْض: " مَاؤُهُ أَبيض من الْوَرق، من شرب بِهِ فَلَا يظمأ ".
الْوَرق: الْفضة.
والظمأ: الْعَطش.

(4/115)


و " بِهِ " بِمَعْنى مِنْهُ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {عينا يشرب بهَا عباد الله} [الْإِنْسَان: 6] ، وأنشدوا:
(شربت بِمَاء الدحرضين فَأَصْبَحت ... زوراء تنفر عَن حِيَاض الديلم)

2312 - / 2936 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: أرهقتنا الصَّلَاة.
أَي قربت منا فاستعجلنا إِلَيْهَا. يُقَال: رهقه الْأَمر: إِذا غشيه، وَقد رَوَاهُ الْخطابِيّ: أَرْهقنَا الصَّلَاة، وَقَالَ: مَعْنَاهُ: أخرناها، وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيح؛ لِأَنَّهُ فِي بعض أَلْفَاظ الصَّحِيح: أرهقتنا الْعَصْر. وَفِي لفظ: وَقد حضرت صَلَاة الْعَصْر.
2313 - / 2937 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: أَي الْإِسْلَام خير؟ قَالَ: " تطعم الطَّعَام ".
أَرَادَ: أَي الْأَفْعَال فِي الْإِسْلَام أَكثر أجرا.
2314 - / 2938 - وَالرَّابِع عشر: قد تقدم فِي مُسْند أبي بكر. وَقد سبق مَا بعده.
2315 - / 2940 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: " الْمُسلم من سلم

(4/116)


الْمُسلمُونَ من يَده وَلسَانه ".
الْمَعْنى: إِن هَذَا هُوَ الْمُسلم الْكَامِل، كَمَا تَقول الْعَرَب: المَال الْإِبِل: أَي هِيَ أفضل الْأَمْوَال. وَالشعر زُهَيْر، والجود حَاتِم. وَالْمرَاد: إِن سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده فَهُوَ الَّذِي قَامَ بِحُقُوق الْإِسْلَام؛ لِأَنَّهُ عمل بِمُقْتَضى مَا قَالَ، وَنَظِير هَذَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم} [الْأَنْفَال: 2] ، فَلَمَّا وَصفهم بأعمال الْمُؤمنِينَ قَالَ: {أُولَئِكَ هم الْمُؤْمِنُونَ حَقًا} [الْأَنْفَال: 4] ، وَكَذَلِكَ المُهَاجر الممدوح حَقًا هُوَ الَّذِي جمع إِلَى هِجْرَة وَطنه هجران المناهي.
2316 - / 2941 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: لما كَانَ بَين عبد الله بن عَمْرو وَعبد الله بن عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان مَا كَانَ تيسروا لِلْقِتَالِ، فَركب خَالِد بن الْعَاصِ إِلَى عبد الله فوعظه، فَقَالَ عبد الله: أما علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد "؟ .
ظَاهر هَذِه الْخُصُومَة أَنَّهَا كَانَت على شَيْء من المَال، وَقد روينَا أَن مُعَاوِيَة أَرَادَ أَن يَأْخُذ أَرضًا لعبد الله.
وتيسروا: تهيؤوا لِلْقِتَالِ.
وَإِنَّمَا جعل الْمَقْتُول على المدافعة عَن مَاله شَهِيدا لِأَنَّهُ مَأْذُون لَهُ فِي المدافعة عَن مَاله، فَإِذا قتل كَانَ مَظْلُوما.

(4/117)


2317 - / 2942 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ:
قَول قُرَيْش: سفه أَحْلَامنَا: أَي نسب عقولنا إِلَى السَّفه، وَهُوَ خفَّة الْعقل، يُقَال: ثوب سَفِيه: إِذا كَانَ رَقِيقا بَالِيًا، وأنشدوا:
(فمادت كَمَا مادت ريَاح تسفهت ... أعاليها مر الرِّيَاح النواسم)

وَقَوله: غَمَزُوهُ: أَي نالوا مِنْهُ بألسنتهم.
وَالذّبْح: الْقَتْل.
وَقَوله: كَأَنَّمَا على رَأسه طَائِر. لِأَنَّهُ إِذا تحرّك ذهب الطَّائِر.
وَقَوله: أَشَّدهم فِيهِ وصاة: أَي إِن أَشد من كَانَ يُوصي غَيره بأذاه.
يرفؤه: يسكنهُ ويلين لَهُ القَوْل ويترضاه، وَالْأَصْل الْهَمْز، وَقد يُخَفف، يُقَال: رفوت الرجل ورفأته: إِذا سكنته من غضب.
وَأما مَا نهى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُقَال للمتزوج: بالرفاء والبنين، فَإِن الرفاء يكون بمعنيين: أَحدهمَا من الِاتِّفَاق وَحسن الِاجْتِمَاع، وَمِنْه أَخذ رفء الثَّوْب؛ لِأَنَّهُ يرفأ فيضم بضعه إِلَى بعض ويلأم بَينه. وَيكون من الهدوء والسكون، قَالَ أَبُو خرَاش:
(رفوني وَقَالُوا: يَا خويلد لم ترع ... فَقلت وَأنْكرت الْوُجُوه: هم هم)

(4/118)


وَحكى أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: الرفاء: الْمُوَافقَة، وهى المرافاة بِلَا همز، وأنشدوا:
(وَلما أَن رَأَيْت أَبَا رُوَيْم ... يرافينى وَيكرهُ أَن يلاما)
وَلما كَانَ من عَادَة الْجَاهِلِيَّة أَن يَقُولُوا: بالرفاء والبنين نهى عَن ذَلِك؛ لِأَنَّهُ قد لَا يكون ذَلِك. وَقد قَالَ رجل لرجل ولد لَهُ: لِيَهنك الْفَارِس. فَقَالَ لَهُ الْحسن: وَمن أَيْن لَك أَنه فَارس؟ .
وَقَوله: انْصَرف راشدا: أَي مَحْفُوظًا عَن أَن تخاطب بمكروه.
وَقَوله: بمجمع الرِّدَاء: وَهُوَ مَا اجْتمع مِنْهُ حول الْعُنُق.
2318 - / 2943 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: فِي صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة: إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا، وحرزا للأميين.
أَي حَافِظًا لدينهم، وَالْمرَاد الْعَرَب، وَسموا بالأميين لِأَن الْكِتَابَة كَانَت فيهم قَليلَة، وكل من لَا يكْتب وَلَا يقْرَأ أُمِّي، نسب بذلك إِلَى أمه.
وَقَوله: لَيْسَ بِفَظٍّ. أصل الْفظ مَاء الكرش يعتصر فيشرب عِنْد عوز المَاء. وَسمي فظا لكَرَاهَة طعمه وَغلظ مشربه.
والغليظ: الجافي القاسي الْقلب.
والسخاب يرْوى بِالسِّين وَالصَّاد. والصخب: الصياح والجلبة. وَالْمعْنَى: لَيْسَ مِمَّن ينافس فِي الدُّنْيَا وَجَمعهَا، فيحضر الْأَسْوَاق لأَجلهَا

(4/119)


ويصخب مَعَ أَصْحَابهَا فِي ذَلِك.
وَالْملَّة العوجاء: مَا كَانَت عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة من جحد التَّوْحِيد وَعبادَة الْأَصْنَام.
والغلف: الَّتِي كَأَنَّهَا فِي غلاف لَا تصل إِلَى فهم شَيْء من الْخَيْر.
2319 - / 2944 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " من قتل معاهدا لم يرح رَائِحَة الْجنَّة ".
اخْتلفت الرِّوَايَة فِي يرح على ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: يرح بِفَتْح الْيَاء وَكسر الرَّاء. وَالثَّانِي: بِضَم الْيَاء وَكسر الرَّاء. وَالثَّالِث: بِفَتْح الْيَاء وَالرَّاء، وَهِي اخْتِيَار أبي عبيد، وَهِي الصَّحِيحَة، فَيُقَال: رحت الشَّيْء أراحه وأريحه، وأرحته أريحه: إِذا وجدت رِيحه.
والمعاهد: الْمُشرك الَّذِي يَأْخُذ من الْمُسلمين عهدا، فَوَاجِب حفظ مَا عوهد عَلَيْهِ.
2320 - / 2945 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " لَيْسَ الْوَاصِل بالمكافئ، وَلَكِن الْوَاصِل الَّذِي إِذا قطعت رَحمَه وَصلهَا ".
اعْلَم أَن المكافئ مُقَابل الْفِعْل بِمثلِهِ. والواصل للرحم لأجل الله تَعَالَى يصلها تقربا إِلَيْهِ وامتثالا لأَمره وَإِن قطعت، فَأَما إِذا وَصلهَا حِين تصله فَذَاك كقضاء دين، وَلِهَذَا الْمَعْنى قَالَ: " أفضل الصَّدَقَة على ذِي الرَّحِم

(4/120)


الْكَاشِح "، وَهَذَا لِأَن الْإِنْفَاق على الْقَرِيب المحبوب مشوب بالهوى , فَأَما على الْمُبْغض فَهُوَ الَّذِي لَا شوب فِيهِ.
2321 - / 2946 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " الْكَبَائِر الْإِشْرَاك بِاللَّه، وعقوق الْوَالِدين، وَقتل النَّفس، وَالْيَمِين الْغمُوس ".
العقوق من العق: وَهُوَ الْقطع والشق.
والغموس: الَّتِي تغمس صَاحبهَا فِي الْإِثْم ثمَّ فِي النَّار، وَصفَة هَذِه الْيَمين أَن يَقُول: وَالله مَا فعلت، وَقد فعل. أَو: لقد فعلت، وَمَا فعل. وَقد اخْتلفت الْعلمَاء: هَل تجب الْكَفَّارَة بِهَذِهِ الْيَمين؟ وفيهَا رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد: المنصورة أَنَّهَا لَا تجب؛ لِأَنَّهَا أعظم من أَن تكفر. وَالثَّانيَِة: تجب كَقَوْل الشَّافِعِي.
وَاعْلَم أَن الْمَذْكُور من الْكَبَائِر فِي هَذَا الحَدِيث كَأَنَّهُ أُمَّهَات الْكَبَائِر. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود وَأبي بكرَة وَأبي هُرَيْرَة وَغَيرهم ذكر أَشْيَاء من الْكَبَائِر، وَكَأَنَّهُ يذكر مَا يعظم أمره، وكل الْمَذْكُور باسم الْكَبَائِر عَظِيم، وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي الْكَبَائِر وأطالوا الْكَلَام فِيهَا على مَا ذكرته فِي " التَّفْسِير "، وَقد أَشرت إِلَى ذَلِك فِي مُسْند ابْن مَسْعُود.

(4/121)


2322 - / 2947 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: منيحة العنز.
وَقد سبق بَيَان المنيحة، وَأَنَّهَا الْعَطِيَّة، وَقد تكون هبة للْأَصْل، وَقد تكون هبة للمنافع.
2323 - / 2948 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " حدثوا عَن بني إِسْرَائِيل وَلَا حرج "، وَقد تقدم فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ.
و" من كذب عَليّ " قد تقدم فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام.
2324 - / 2949 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: كَانَ على ثقل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل يُقَال لَهُ كركرة فَمَاتَ , فَقَالَ: " هُوَ فِي النَّار " فوجدوا عباءة قد غلها.
الثّقل: الْمَتَاع الْمَحْمُول فِي السّفر مِمَّا يَسْتَعْمِلهُ الْمُسَافِر.
وَبَعض الروَاة يَقُول: كركرة بِكَسْر الْكَاف، وَبَعْضهمْ يفتحها.
والعباءة والعباية: ضرب من الأكسية. وَقد سبقت قصَّة هَذَا الرجل فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة.

(4/122)


2325 - / 2950 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم:
" إِن المقسطين على مَنَابِر من نور ".
المقسط: الْعَادِل، والقاسط: الجائر.
2326 - / 2951 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنزلنا منزلا، فمنا من يصلح خباءه، وَمنا من ينتضل، وَمنا من هُوَ فِي جشره.
قَالَ أَبُو عبيد: الخباء من وبر أَو صوف، وَلَا يكون من شعر.
وينتضل " يفتعل " من النضال، وَهُوَ الرَّمْي بِالسِّهَامِ، يُقَال: نضل فلَان فلَانا فِي المراماة: إِذا غَلبه.
وَأما الجشر فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُرِيد بِهِ أَنهم أخرجُوا دوابهم من الْمنزل الَّذِي نزلوه يرعونها قرب الْبيُوت. والجشر: أَن يخرج الْقَوْم دوابهم من الْمنَازل يرعونها، يُقَال: بَنو فلَان جشر: إِذا كَانُوا يُقِيمُونَ فِي المرعى لَا يرجعُونَ إِلَى الْبيُوت كل لَيْلَة، قَالَ عُثْمَان بن عَفَّان: لَا يَغُرنكُمْ جشركم من صَلَاتكُمْ، يُرِيد عُثْمَان أَن هَذَا لَيْسَ بسفر فَلَا تقصرُوا فِيهِ الصَّلَاة.
وَقَوله: " تَجِيء فتْنَة يزلق بَعْضهَا بَعْضًا " أَي يدْفع بَعْضهَا بَعْضًا، كَأَن الثَّانِيَة تزحم الأولى لعجلة وُرُودهَا عَلَيْهَا، يُقَال: مَكَان مزلق: أَي لَا تثبت عَلَيْهِ قدم.

(4/123)


ويرهق: يغشى، وَيقرب بَعْضهَا من بعض.
وَقَوله: " من بَايع إِمَامًا فَأعْطَاهُ صَفْقَة يَده وَثَمَرَة قلبه " صَفْقَة الْيَد: الْمُبَايعَة: وَثَمَرَة الْقلب: الْإِخْلَاص فِي المعقد والمعاهدة.
قَوْله: " فَإِن جَاءَ آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر " قد سبق فِي مُسْند أبي سعيد معنى هَذَا، وَأَن المُرَاد: قَاتلُوهُ، فَإِن آل الْأَمر إِلَى قَتله جَازَ.
وَقَوله: هَذَا ابْن عمك - يُشِير إِلَى مُعَاوِيَة.
2327 - / 2953 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا، وَخُرُوج الدَّابَّة، وَكِلَاهُمَا قد تقدم فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة.
2328 - / 2954 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ ثَوْبَيْنِ معصفرين، فَقَالَ: " أمك أَمرتك بِهَذَا؟ " قلت: أغسلهما؟ قَالَ: " بل احرقهما " وَفِي لفظ: " إِن هَذِه من ثِيَاب الْكفَّار ".
الثِّيَاب المعصفرة لَيست من ملابس الرِّجَال، وَإِنَّمَا تلبسها النِّسَاء، فَإِذا لبسهَا الرجل تشبه بِالْمَرْأَةِ، وَقد لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المتشبهين من الرِّجَال بِالنسَاء، ولعلها قد كَانَت من ملابس الرّوم أَو فَارس، فَلذَلِك قَالَ: " من ثِيَاب الْكفَّار ".

(4/124)


وَقَوله: " احرقها " مُبَالغَة فِي النَّهْي عَنْهُمَا لَا أَنه أَرَادَ الإحراق حَقِيقَة. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لهَذَا الرجل: " إِن ثَوْبك هَذَا لَو كَانَ فِي تنور أهلك أَو تَحت قدر أهلك لَكَانَ خيرا لَك " فَذهب الرجل، فَلَا يدرى، أجعله فِي التَّنور أَو تَحت الْقدر، ثمَّ غَدا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " مَا فعل الثَّوْب؟ " قَالَ: صنعت مَا أَمرتنِي بِهِ. فَقَالَ: " مَا كَذَا أَمرتك، أَفلا أَلقيته على بعض نِسَائِك؟ ". قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّك لَو بِعته ثمَّ اشْتريت بِثمنِهِ دَقِيقًا تخبزه وحطباً توقده لَكَانَ خيرا لَك من أَن تلبسه، وَلم يرد إحراقه، لِأَن ذَلِك فَسَاد، فَلَمَّا أحرقه الرجل قَالَ: " مَا كَذَا أَمرتك " أَفلا إِذْ لم تفهم مَا أَمرتك بِهِ كسوته بعض نِسَائِك، وَهَذَا لِأَن المعصفر مَكْرُوه للرِّجَال وَلَيْسَ بمكروه للنِّسَاء.
2329 - / 2955 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " سلوا الله لي الْوَسِيلَة ".
الْوَسِيلَة: الْقرْبَة والمنزلة عِنْد الله عز وَجل. وَكَأن الْمنزلَة الَّتِي ذكرهَا فِي الْجنَّة ثَمَرَة الْقرب إِلَى الله والمنزلة عِنْده.
2330 - / 2956 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا: {رب إنَّهُنَّ أضللن كثيرا من النَّاس} [إِبْرَاهِيم: 36] .

(4/125)


الْإِشَارَة إِلَى الْأَصْنَام، وَإِنَّمَا نسب الإضلال إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَت سَببا للضلال، فَكَأَنَّهَا أضلت.
2331 - / 2957 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: " لَا يدخلن رجل على مغيبة ".
المغيبة: الْمَرْأَة الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوجهَا، يُقَال: أغابت الْمَرْأَة، فَهِيَ مغيبة.
2332 - / 2958 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: " يُرْسل الله ريحًا من قبل الشَّام فَلَا يبْقى أحد فِي قلبه مِثْقَال ذرة إِلَّا قَبضته، حَتَّى لَو أَن أحدكُم دخل فِي كبد جبل لدخلته عَلَيْهِ ".
كبد جبل اسْتِعَارَة، وَالْمرَاد مَا غمض من بَاطِنه.
وَقَوله: " فِي خفَّة الطير وأحلام السبَاع " الْإِشَارَة بخفة الطير إِلَى سرعَة حركته وطيرانه.
والأحلام: الْعُقُول. والسبع لَا يردهُ عقله عَن الافتراس والقهر، فَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى مبادرتهم إِلَى قهر النَّاس وظلمهم من غير عقل صَاد عَن غَرَض.
وَقَول الشَّيْطَان للنَّاس: " أَلا تستحيون " أَي من كونكم لَا تَعْبدُونَ إِلَهًا، وَهَذَا من خَفِي مكره، فَإِذا مالوا إِلَى قَوْله أَشَارَ عَلَيْهِم بالأصنام.
والصور: قرن ينْفخ فِيهِ فَيَمُوت النَّاس عِنْد النفخ، لَا بِهِ، وَإِنَّمَا النفخ كالتنبيه لمن يسمع، لذَلِك الْحَيَاة تكون عِنْده لَا بِهِ، وَلَو كَانَت النفخة

(4/126)


توجب الْمَوْت لما أوجبت الْحَيَاة؛ لِأَن الشَّيْء لَا يُوجب ضدين.
وأصغى: بِمَعْنى مَال بسمعه.
والليت: صفحة الْعُنُق، وهما ليتان من جَانِبي الْعُنُق.
ويليط حَوْضه: أَي يطينه بالطين ويسد خروقه.
ويصعق: بِمَعْنى يَمُوت.
والطل: أَضْعَف الْمَطَر. وَأما الظل بالظاء فتصحيف مِمَّن رَوَاهُ.
وَقد سبق معنى: " يكْشف عَن سَاق " فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ.
2333 - / 2959 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: هجرت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسمع صَوت رجلَيْنِ اخْتلفَا فِي آيَة، فَخرج يعرف فِي وَجهه الْغَضَب.
هجرت: أَي أَتَيْته وَقت الهاجرة، وَهُوَ نصف النَّهَار عِنْد اشتداد الْحر، كَذَا فسره بعض الْعلمَاء، وَالْأَشْبَه أَن يكون معنى هجرت: بكرت، وَمِنْه التهجير إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة، وَهُوَ التبكير، وَقد سبق فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة: " مثل المهجر إِلَى الْجُمُعَة كَمثل الَّذِي يهدي بَدَنَة ".
وَقد سبق بَيَان الِاخْتِلَاف فِي الْآيَات، وَأَنه اخْتِلَاف فِي اللُّغَات، وَقد أجَاز لَهُم الْقِرَاءَة على لغاتهم، وَإِنَّمَا خَافَ من اخْتلَافهمْ لِئَلَّا يجْحَد بَعضهم مَا هُوَ من الْقُرْآن فيكفر.

(4/127)


2334 - / 2960 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: " ثمَّ ينطلقون إِلَى مَسَاكِين الْمُهَاجِرين فيحملون بَعضهم على رِقَاب بعض ".
كَأَن الْإِشَارَة إِلَى تَقْدِيم بَعضهم على بعض فِي الولايات.
2335 - / 2961 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " وَوقت الْمغرب مَا لم يسْقط ثَوْر الشَّفق ".
الشَّفق: الْحمرَة الَّتِي تكون من وَقت الْمغرب إِلَى وَقت الْعشَاء. وثور الشَّفق: انتشاره وثورانه، قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: ثار يثور ثورا وثورانا: إِذا انْتَشَر فِي الْأُفق.
وَقد سبق بَيَان قَوْله: " بَين قَرْني شَيْطَان " فِي مَوَاضِع.
2336 - / 2964 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: " أَفْلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بِمَا آتَاهُ ".
أَفْلح: بِمَعْنى فَازَ وَنَجَا.
والكفاف: مَا كف عَن الِاحْتِيَاج وَكفى.
والقناعة: الرِّضَا بالكفاف وَترك الشره إِلَى الازدياد
2337 - / 2965 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: " مَا من غَازِيَة أَو

(4/128)


سَرِيَّة تخفق وتصاب إِلَّا تمت أُجُورهم ".
الغازية: الْجَمَاعَة الغازية.
والسارية: جمَاعَة تسري إِلَى الْعَدو. وَقَالَ ابْن السّكيت: السّريَّة: مَا بَين الْخَمْسَة إِلَى ثَلَاثمِائَة. وَالْخَمِيس: مَا زَاد على ذَلِك.
وَقَوله: " تخفق " يُقَال: أخفق الرجل يخْفق فَهُوَ مخفق: إِذا غزا وَلم يغنم، ثمَّ يسْتَعْمل هَذَا فِي كل من خَابَ فِي مطلبه.
2338 - / 2966 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: " الدُّنْيَا مَتَاع، وَخير مَتَاع الدُّنْيَا الْمَرْأَة الصَّالِحَة ".
الْمَتَاع: مَا ينْتَفع بِهِ ويستمتع.
وَصَلَاح الْمَرْأَة دينهَا، وصاحبة الدّين تجتنب الأنجاس والأوساخ، وتحسن أخلاقها، وتصبر على جفَاء زَوجهَا وَقلة نَفَقَته، وَلَا تخونه فِي مَاله، فيطيب لذَلِك عيشه.
2339 - / 2967 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: " كتب الله مقادير الْخَلَائق قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ ألف سنة ".
كَأَن الْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى خلق اللَّوْح وَالْكِتَابَة فِيهِ، وَذَلِكَ قد كَانَ قبل خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض.
2340 - / 2968 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: " إِن قُلُوب بني آدم كلهَا

(4/129)


بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع الرَّحْمَن كقلب وَاحِد يصرفهُ حَيْثُ يَشَاء ".
قَالَ بعض الْعلمَاء: لما كَانَ المتقلب بَين إِصْبَعَيْنِ دَلِيلا لمقلبه، مقهورا فِي قسره، دلّ على أَن الْقُلُوب متصرفة على مَا يصرفهَا.
2341 - / 2970 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: " فرَاش للرجل، وفراش لامْرَأَته، وَالثَّالِث للضيف، وَالرَّابِع للشَّيْطَان ".
هَذَا الحَدِيث قد نبه على حسن المعاشرة للزَّوْجَة باتخاذ فرَاش لَهَا وفراش لزَوجهَا، وَذَلِكَ ضد مَا أكبر الْعَوام عَلَيْهِ من النّوم إِلَى جَانب الزَّوْجَة؛ فَإِن النّوم قد يحدث فِيهِ حوادث يكرهها أَحدهمَا من الآخر، وَلَا يَنْبَغِي أَن يجتمعا إِلَّا على أحسن حَال لتدوم الْمحبَّة؛ فَإِن ظُهُور الْعُيُوب تسلي عَن المحبوب، وَيَنْبَغِي أَن يكون الْفراش قَرِيبا من الآخر ليجتمعا إِذا أَرَادَا وينفصلا إِذا شاءا.
وَقد نبه على هَذَا مَا تقدم فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا دَعَا الرجل امْرَأَته إِلَى فرَاشه ... "، وعَلى هَذَا جُمْهُور الْمُلُوك والحكماء. وَمَتى كَانَت الْمَرْأَة عَاقِلَة احترزت أَن يرى الرجل مِنْهَا مَكْرُوها، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي للرجل أَن يحْتَرز. قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنِّي لأحب أَن أتزين للْمَرْأَة كَمَا تتزين لي، وَقَالَت بدوية لابنتها حِين أَرَادَت زفافها: لَا يطلعن مِنْك على قَبِيح، وَلَا يشمن إِلَّا طيب ريح.

(4/130)


وَأما قَوْله: " فالرابع للشَّيْطَان " فَإِن اتِّخَاذه إِسْرَاف؛ إِذْ لَا حَاجَة إِلَيْهِ وَرُبمَا قصد بِهِ مَا لَا يحسن.
وَفِي هَذَا الحَدِيث: برك بِهِ بعير، وَفِي لفظ: أزحف بِهِ. إِنَّمَا قيل: برك الْبَعِير؛ لِأَنَّهُ يَقع على صَدره وَيثبت عَلَيْهِ، والبرك: الصَّدْر، وَسميت بركَة المَاء لثُبُوت المَاء فِيهَا.
وَقَوله: أزحف بِهِ، يُقَال: أزحف الْبَعِير: إِذا قَامَ من الإعياء، وزحف، وأزحفه السّير.

(4/131)


(114) كشف الْمُشكل من مُسْند عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ

جملَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة وَسِتُّونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة:
2342 - / 2971 - فَفِيمَ انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: " ثمَّ موتان يَأْخُذ فِيكُم كقعاص الْغنم ".
الموتان بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْوَاو: الْمَوْت، يُقَال: وَقع الموتان فِي المَال. ويغلط بعض أَصْحَاب الحَدِيث فِي هَذَا فَيَقُول: موتان بِفَتْح الْمِيم وَالْوَاو، وَإِنَّمَا ذَلِك اسْم للْأَرْض لم تحي بعد بزرع وَلَا إصْلَاح، وفيهَا لُغَة أُخْرَى: فتح الْمِيم وَإِسْكَان الْوَاو. فالموات بِفَتْح الْمِيم وَالْوَاو اسْم لتِلْك الأَرْض.
والقعاص: دَاء يَأْخُذ الْإِبِل فَلَا يلبثها أَن تَمُوت، وَمِنْه أَخذ الإقعاص، وَهُوَ الْقَتْل على الْمَكَان، يُقَال: ضربه فأقعصه. وَأما استفاضة المَال فكثرته، وَمِنْه يُقَال: حَدِيث مستفيض، وَلَا يجوز أَن يُقَال: مستفاض إِلَّا أَن يُقَال: مستفاض فِيهِ: أَي كثير الجريان فِي كَلَام النَّاس.

(4/132)


والهدنة: أَصْلهَا السّكُون. يُقَال: هدنت أهدن، فَسُمي الصُّلْح على ترك الْقِتَال هدنة ومهادنة؛ لِأَنَّهُ سُكُون عَن الْقِتَال بعد التحرك فِيهِ.
وَبَنُو الْأَصْفَر: الرّوم. وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند أبي سُفْيَان.
والراية مَعْرُوفَة. وَقد جَاءَ فِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق آخر: غَايَة بالغين، قَالَ لنا شَيخنَا أَبُو مَنْصُور اللّغَوِيّ: راية وَغَايَة وَالْمعْنَى وَاحِد، وَقد رَوَاهُ بَعضهم بِالْبَاء مَعَ الْغَيْن، والغابة: الأجمة، فَشبه كسر الرماح بالأجمة، كَذَلِك حكى أَبُو عبيد، قَالَ: وَقد رَوَاهُ بَعضهم غياية، وَلَا مَوضِع للغياية هَاهُنَا.

2343 - / 2973 - وَقد سبق تَفْسِير الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد مُسلم.

2344 - / 2974 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث من أَفْرَاد مُسلم: كُنَّا نرقي فِي الْجَاهِلِيَّة، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، كَيفَ ترى فِي ذَلِك؟ فَقَالَ: " اعرضوا عَليّ رقاكم , لَا بَأْس بالرقى مَا لم يكن شرك ".
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: الْمنْهِي عَنهُ فِي الرقى مَا كَانَ بِغَيْر لِسَان الْعَرَب , فَلَا يدرى مَا هُوَ , وَلَعَلَّه قد دخله سحر وَكفر , فَإِذا كَانَ مَفْهُوم الْمَعْنى , وَكَانَ فِيهِ ذكر الله تَعَالَى فَإِنَّهُ مُسْتَحبّ متبرك بِهِ.

(4/133)


2345 - / 2975 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " مثلكُمْ وَمثلهمْ كَمثل رجل استرعى غنما فأوردها حوضا فشرعت فِيهِ ".
أَي وَردت شَرِيعَته، وَهِي مَوضِع الْوُرُود إِلَى المَاء.
وَقَوله: قضى بالسلب للْقَاتِل. السَّلب: كل مَا كَانَ على الْمَقْتُول فِي حَال الْقِتَال من ثِيَاب وَسلَاح وَحلية. فَأَما الْفرس فَهَل هُوَ من السَّلب أم لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأما نَفَقَته ورحله فغنيمة. وَقد سبق الْكَلَام فِي السَّلب فِي مُسْند أبي قَتَادَة.

(4/134)