كشف المشكل من
حديث الصحيحين (115) كشف الْمُشكل من مُسْند وَاثِلَة بن
الْأَسْقَع
وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سِتَّة وَخَمْسُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي
الصَّحِيحَيْنِ حديثان.
2346 - / 2977 - فَفِي الحَدِيث الأول: " أعظم الفرى أَن
يَدعِي الرجل إِلَى غير أَبِيه ".
يَدعِي بِمَعْنى ينتسب. وَقد شرحنا هَذَا الحَدِيث فِي
مُسْند ابْن عمر.
2347 - / 2978 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " إِن الله
اصْطفى كنَانَة من بني إِسْمَاعِيل ".
الْمَعْنى: اخْتَار، وصفوة الشَّيْء: خالصه. أخبرنَا عبد
الله بن سعيد الْأَزجيّ قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أَيُّوب
قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْعَلَاء الوَاسِطِيّ قَالَ:
أخبرنَا أَبُو عَليّ الْفَارِسِي قَالَ: قَالَ الزّجاج:
اصْطفى فِي اللُّغَة بِمَعْنى اخْتَار، أَي جعلهم صفوة
خلقه، وَهَذَا تَمْثِيل بِمَا يرى؛ لِأَن الْعَرَب تمثل
الْمَعْلُوم بالشَّيْء المرئي، فَإِذا سمع السَّامع ذَلِك
الْمَعْلُوم كَانَ عِنْده بِمَنْزِلَة
(4/135)
مَا يُشَاهد عيَانًا، وَنحن نعاين الشَّيْء
الصافي أَنه النقي من الكدر، فَكَذَلِك صفوة الله من خلقه.
(4/136)
(116) كشف الْمُشكل من مُسْند عقبَة بن
عَامر الْجُهَنِيّ
جملَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خَمْسَة وَخَمْسُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي
الصَّحِيحَيْنِ سَبْعَة عشر.
2348 - / 2979 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: "
إِنِّي فرط لكم ".
الفرط: الْمُتَقَدّم، وَقد سبق شَرحه.
ومفاتيح الخزائن: مَا يفتح على أمته من الْغَنَائِم.
والمنافسة فِي الشَّيْء: الْمُنَازعَة على الِانْفِرَاد
بِهِ.
2349 - / 2980 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: اهدي لرَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فروج جَدِيد فلبسه.
الَّذِي ضبطناه عَن أشياخنا فِي كتاب أبي عبيد وَغَيره
فروج بِفَتْح الْفَاء مَعَ تَشْدِيد الرَّاء، وَأخْبرنَا
ابْن نَاصِر قَالَ: أخبرنَا أَبُو زَكَرِيَّا التبريزي
قَالَ: قَالَ المعري: وَيُقَال: فروج بِضَم الْفَاء
وَالرَّاء من غير تَشْدِيد على وزن
(4/137)
خُرُوج. قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ القباء
الَّذِي فِيهِ شقّ من خَلفه.
2350 - / 2981 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: فَبَقيَ عتود
فَقَالَ: " ضح بِهِ ".
العتود من أَوْلَاد الْمعز فَوق الجفر، والجفر: الَّذِي
فصل عَن أمه بعد أَرْبَعَة أشهر، وَجمع العتود أعتدة
وعدان، وَهَذَا مَحْمُول على أَنه قد بلغ سِتَّة أشهر
وأجذع.
2351 - / 2982 - والْحَدِيث الرَّابِع: قد سبق فِي مُسْند
أبي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ.
2352 - / 2983 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " أَحَق
الشُّرُوط أَن توفوا بِهِ مَا استحللتم بِهِ الْفروج ".
وَفِي يَفِي، وأوفى يُوفي، لُغَتَانِ، وَمَعْنَاهُ الْقيام
بِمَا ضمنه، مثل أَن يَتَزَوَّجهَا على أَلا يُخرجهَا من
دارها أَو من بَلَدهَا وَنَحْو ذَلِك، فَعَلَيهِ الْوَفَاء
بِهَذَا، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد بن حَنْبَل خلافًا
لأكثرهم.
2353 - / 2984 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " إيَّاكُمْ
وَالدُّخُول على
(4/138)
النِّسَاء "، فَقَالَ رجل: أَفَرَأَيْت
الحمو؟ قَالَ: " الحمو الْمَوْت ".
قَالَ أَبُو عبيد: الحمو: أَبُو الزَّوْج، وَفِيه لُغَات:
حموها مثل " أَبوهَا " وحماها مثل قفاها، وحمؤها مَقْصُور
مَهْمُوز، وحمؤها وحمها. قَالَ: وَقَوله: " الْمَوْت "
يَقُول: فليمت وَلَا يفعل ذَلِك. فَإِذا كَانَ هَذَا من
رَأْيه فِي أبي الزَّوْج وَهُوَ محرم فَكيف بالغريب.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: الْمَعْنى: احذر الحمو كَمَا
تحذر الْمَوْت. وَفِي هَذَا الحَدِيث: قَالَ اللَّيْث:
الحمو: أَخُو الزَّوْج وَمَا أشبهه من أقَارِب الزَّوْج:
ابْن الْعم وَنَحْوه. وَلَا أَدْرِي من أَي وَجه قَالَ
هَذَا اللَّيْث إِلَّا أَن يكون أَرَادَ ذكر من يحرم على
الْمَرْأَة، فَلَا يكون تَفْسِيرا للحمو.
2354 - / 2985 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: نذرت أُخْتِي
أَن تمشي إِلَى بَيت الله، وأمرتني أَن أستفتي لَهَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " لتمشي
ولتركب ".
إِذا مشت فتعبت فقد فعلت قدر طاقتها، فَإِذا ركبت لموْضِع
عجزها
(4/139)
عَن الْمَشْي فعلَيْهَا كَفَّارَة يَمِين.
2355 - / 2986 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ:
أتيت عقبَة فَقلت: أَلا أعْجبك من أبي تَمِيم؟ يرْكَع
رَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْمغرب. فَقَالَ عقبَة: إِنَّا
كُنَّا نفعله على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. قلت فَمَا يمنعك الْآن؟ قَالَ: الشّغل.
أَبُو تَمِيم هُوَ الجيشاني، واسْمه عبد الله بن مَالك،
وَلَيْسَ من الصَّحَابَة؛ إِنَّمَا هُوَ تَابِعِيّ سمع من
عمر بن الْخطاب وَأبي ذَر.
وَأما الرُّكُوع قبل الْمغرب فَلقَوْله عَلَيْهِ
السَّلَام: " بَين كل أذانين صَلَاة، لمن شَاءَ "، وَلِأَن
وَقت النَّهْي قد خرج بغيبوبة الشَّمْس.
2356 - / 2987 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم:
" كَفَّارَة النّذر كَفَّارَة الْيَمين ".
وَذَلِكَ أَن من نذر فعل شَيْء يجوز فعله وَجب عَلَيْهِ
الْإِتْيَان بِمَا نذر، فَإِن عجز كفر كَفَّارَة يَمِين.
(4/140)
2357 - / 2988 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي:
" ألم تَرَ آيَات أنزلت هَذِه اللَّيْلَة لم ير مِثْلهنَّ
قطّ؟ {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} ، و {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس}
، وَفِي لفظ: " المعوذتين ".
أعوذ بِمَعْنى: ألجأ وألوذ.
وَفِي {الفلق} أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: الصُّبْح،
وَالثَّانِي: الْخلق كُله. وَالثَّالِث: سجن فِي جَهَنَّم،
وَهَذِه الْأَقْوَال عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ وهب:
حَيَّة فِي جَهَنَّم. وَقَالَ السّديّ: وَاد فِي جَهَنَّم.
وَالرَّابِع: أَنه كل مَا انْفَلق عَن شَيْء كالصبح
وَالْحب والنوى، قَالَه الْحسن.
وَفِي أَحْدَاث الطلاب من يَقُول: المعوذتين بِفَتْح
الْوَاو، وَالصَّوَاب الْكسر.
2358 - / 2989 - والْحَدِيث الثَّالِث: قد تقدم.
2359 - / 2990 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " من علم
الرَّمْي ثمَّ تَركه فَلَيْسَ منا. أَو قد عصى ".
قَوْله: " لَيْسَ منا " أَي لَيْسَ على سيرتنا , وَهَذَا
لِأَن الرَّمْي من آلَة الْجِهَاد، فَإِذا تَركه من علمه
نَسيَه.
(4/141)
2360 - / 2991 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس:
قَالَ عبد الله بن عَمْرو: لَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على
شرار الْخلق، هم شَرّ من أهل الْجَاهِلِيَّة. فَقَالَ
عقبَة: أما أَنا فَسمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: " لَا تزَال عِصَابَة من أمتِي يُقَاتلُون
ظَاهِرين ".
وَجه الْجمع بَين الْقَوْلَيْنِ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا:
أَنه إِذا أَرَادَ الله تَعَالَى إِقَامَة السَّاعَة أمات
الأخيار فَقَامَتْ على الأشرار. وَالثَّانِي: أَن يكون
الأخيار نَادرا فِي ذَلِك الزَّمَان ويعم الشَّرّ.
2361 - / 2992 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: خرج رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن فِي الصّفة فَقَالَ: "
أَيّكُم يحب أَن يَغْدُو إِلَى بطحان أَو إِلَى العقيق
فَيَأْتِي مِنْهُ بناقتين كوماوين؟ ".
الصّفة: مَوضِع مظلل من الْمَسْجِد كَانَ الْفُقَرَاء
يأوون إِلَيْهِ.
وبطحان مَوضِع مَعْرُوف، وَسمي بذلك لسعته، وَكَذَلِكَ
الأبطح. والعقيق مَوضِع.
والكوماء من الأبل: الْعَظِيمَة السنام.
2362 - / 2993 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: ثَلَاث سَاعَات
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينهانا أَن
نصلي فِيهِنَّ أَو أَن نقبر فِيهِنَّ مَوتَانا: حِين تطلع
الشَّمْس بازغة، وَحين يقوم قَائِم الظهيرة، وَحين تضيف
الشَّمْس للغروب.
(4/142)
يُقَال: بزغت الشَّمْس فَهِيَ بازغة لأوّل
طُلُوعهَا.
والظهيرة: اشتداد الْحر قبل الزَّوَال.
وتضيفت الشَّمْس للغروب وضافت: مَالَتْ. وَيُقَال: ضاف
السهْم عَن الهدف: إِذا مَال عَنهُ، وأضفته أَنا. قَالَ
امْرُؤ الْقَيْس:
(فَلَمَّا دخلناه أضفنا ظُهُورنَا ... إِلَى كل حاري
حَدِيد مشطب)
قَالَ أَبُو عبيد: وتصيفت بالصَّاد مثل تضيفت.
(4/143)
(117) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي
ثَعْلَبَة الْخُشَنِي
قد اخْتلفُوا فِي اسْمه على أَقْوَال قد ذكرتها فِي "
التلقيح "، أثبتها جرهم ابْن ناشب. وَأخرج لَهُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة أَحَادِيث.
2363 - / 2996 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: قلت:
يَا رَسُول الله، إِنَّا بِأَرْض قوم أهل كتاب، أفنأكل فِي
آنيتهم؟ قَالَ: " إِن وجدْتُم غَيرهَا فَلَا تَأْكُلُوا
فِيهَا، وَإِن لم تَجدوا فَاغْسِلُوا وكلوا فِيهَا ".
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: إِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي أواني
الْمَجُوس وَمن يذهب مَذْهَبهم فِي مس النَّجَاسَات،
وَكَذَلِكَ فِيمَن يعْتَاد أكل لُحُوم الْخَنَازِير،
فَأَما من مذْهبه توقي النَّجَاسَات فَإِن أصل آنيتهم
الطَّهَارَة.
2364 - / 2997 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: نهى عَن أكل كل
ذِي نَاب من السبَاع. وَقد تقدم.
وَفِيه: قَالَ يُونُس: سَأَلت ابْن شهَاب: هَل يتَوَضَّأ
أَو يشرب ألبان الْإِبِل أَو مرَارَة السَّبع أَو أَبْوَال
الْإِبِل؟ فَقَالَ: كَانَ الْمُسلمُونَ يتداوون بهَا،
(4/144)
وَأما ألبان الأتن فقد بلغنَا أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن لحومها، وَلم يبلغنَا عَن
أَلْبَانهَا أَمر وَلَا نهي.
فِي كَلَام الزُّهْرِيّ اخْتِصَار، وَالْمعْنَى: هَل
يتَوَضَّأ من أكل لُحُوم الْإِبِل أَو من شرب أَلْبَانهَا؟
وَأما التَّدَاوِي بأبوال الْإِبِل فقد سُئِلَ أَحْمد عَن
ذَلِك فَقَالَ: لَا بَأْس. وَسُئِلَ مرّة أُخْرَى فَقَالَ:
أما من عِلّة فَنعم، وَأما رجل صَحِيح فَلَا يُعجبنِي أَن
يشرب أَبْوَال الْإِبِل. قَالَ الْخلال: وَالرِّوَايَة
الصَّحِيحَة جَوَاز شربهَا لغير ضَرُورَة.
والأتن: الْحمير، وَأَلْبَانهَا تَابِعَة لَهَا،
وَكَذَلِكَ مرَارَة السَّبع تَابِعَة لجملته.
2365 - / 2998 - والْحَدِيث الثَّالِث: قد تقدم.
2366 - / 2999 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم:
" إِذا رميت بسهمك فَغَاب عَنْك فَأَدْرَكته فكله مَا لم
ينتن ".
اخْتلف الْعلمَاء فِيمَن أصَاب صيدا بِالرَّمْي فَغَاب
عَنهُ ثمَّ وجده مَيتا،
(4/145)
فالمنصور عندنَا أَنه يحل. وَعَن أَحْمد
أَنه إِن وجده فِي يَوْمه حل وَإِن غَابَ عَنهُ لم يحل،
وَعنهُ: إِن كَانَت الْإِصَابَة مُوجبَة حل وَإِلَّا
فَلَا، وَهَكَذَا الحكم فِيهِ إِذا أرسل الْكَلْب عَلَيْهِ
فَغَاب عَنهُ ثمَّ وجده قَتِيلا، وَعَن مَالك كالروايتين
الْأَوليين. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن اشْتغل بِطَلَبِهِ
حل وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه:
لَا يحل بِحَال، وَالْقَوْل الآخر كالرواية الأولى.
(4/146)
|