كشف المشكل من
حديث الصحيحين (218) كشف الْمُشكل من مُسْند جوَيْرِية
بنت الْحَارِث
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَصَابَهَا فِي غزَاة
بني المصطلق، وَكَانَت قبله عِنْد مسافع ابْن صَفْوَان
فَوَقَعت فِي سهم ثَابت بن قيس بن شماس، فكاتبها، فَقضى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتَابَتهَا
وَتَزَوجهَا فِي شعْبَان سنة سِتّ، فَلَمَّا سمع النَّاس
ذَلِك أرْسلُوا مَا فِي أَيْديهم من سَبَايَا بني المصطلق،
فَأعتق بتزوجه إِيَّاهَا مائَة أهل بَيت. وَكَانَ اسْمهَا
برة فسماها جوَيْرِية. وَأخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ
ثَلَاثَة أَحَادِيث.
2698 - / 3496 - فَفِي الحَدِيث الأول: نَهْيه إِيَّاهَا
عَن إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة بِالصَّوْمِ. وَقد سبق فِي
مُسْند أبي هُرَيْرَة وَجَابِر.
2699 - / 3497 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " سُبْحَانَ
الله وَبِحَمْدِهِ ".
الْمَعْنى: وَبِحَمْدِهِ سبحته.
وَقَوله: " وزنة عَرْشه " هَذَا من الْوَزْن والمقابلة
بالثقل.
فَإِن قيل: التَّسْبِيح لَيْسَ لَهُ وزانة، وَالْعرش جسم
لَهُ ثقل. فَالْجَوَاب: أَنه يحْتَمل أَمريْن: أَحدهمَا:
أَن تكون الْإِشَارَة إِلَى الصُّحُف الَّتِي يكْتب
(4/436)
فِيهَا التَّسْبِيح، فتجمع حَتَّى توازن
الْعَرْش.
وَالثَّانِي: أَن يُرَاد بذلك الْكَثْرَة وَالْعَظَمَة،
فشبهت بأعظم الْمَخْلُوقَات.
وَقَوله: " ومداد كَلِمَاته " أَي قدر مَا يوازنها فِي
الْعدَد وَالْكَثْرَة. والمداد بِمَعْنى المدد، قَالَ
الشَّاعِر:
(رَأَوْا بارقات بالأكف كَأَنَّهَا ... مصابيح سرج أوقدت
بمداد)
أَي بمدد من الزَّيْت. فَيكون الْمَعْنى: أَنه يسبح الله
على قدر كَلِمَاته عيار كيل أَو وزن. وَهَذَا تَمْثِيل
يُرَاد بِهِ التَّقْرِيب؛ لِأَن الْكَلَام لَا يدْخل فِي
الْوَزْن وَلَا يَقع فِي المكاييل.
وَقَوله: " لقد قلت كَلِمَات لَو وزنت بِمَا قلت وزنتهن "
فِي هَذَا تَنْبِيه على فَضِيلَة الْعلم؛ فَإِن الْعَاميّ
يكثر من التَّسْبِيح، فيهتدي الْعَالم بِالْعلمِ إِلَى
جَمِيع مَا فعله ذَلِك فِي كَلِمَات يسيرَة، وينال فِي
التَّعَبُّد الْقَلِيل بِالْعلمِ مَا لَا يَنَالهُ
الْعَاميّ فِي الْكثير، فمثلهما كَمثل مسافرين أَحدهمَا
جَاهِل بالجادة، فَإِن طَرِيقه تطول، وَالْآخر خَبِير
بهَا، فَإِنَّهُ يقطع الطَّرِيق وينام فِي الظل إِلَى أَن
يصل الْجَاهِل.
2700 - / 3498 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: قَوْله فِي
الصَّدَقَة: " قد بلغت محلهَا ".
الْمحل بِكَسْر الْحَاء: مَوضِع الْحُلُول والاستقرار.
وَالْمعْنَى: أَنه قد حصل الْمَقْصُود مِنْهَا من ثَوَاب
التَّصَدُّق، ثمَّ صَارَت ملكا لمن وصلت إِلَيْهِ.
(4/437)
(219) كشف الْمُشكل من مُسْند زَيْنَب بنت
جحش
أمهَا أُمَيْمَة بنت عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَت قبله عِنْد زيد ابْن حَارِثَة
فَطلقهَا، فَتَزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي سنة خمس. وَأخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ
حديثان.
2701 - / 3499 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " فتح
الْيَوْم من ردم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مثل هَذِه " وَحلق
بإصبعه الْإِبْهَام وَالَّتِي تَلِيهَا.
الرَّدْم: السد.
وَقد سبق ذكر يَأْجُوج وَمَأْجُوج فِي مُسْند أبي سعيد
الْخُدْرِيّ.
وَحلق: بِمَعْنى جعلهَا حَلقَة.
وَأما الْخبث فَقَالَ الْخطابِيّ: هُوَ الزِّنَا.
فَإِن قيل: فَمَا ذَنْب الصَّالِحين؟ فَالْجَوَاب: أَنهم
يموتون بآجالهم لَا بالعقوبة.
(4/438)
2702 - / 3500 - وَقد شرحنا الحَدِيث
الثَّانِي فِي مُسْند أم سَلمَة.
وَفِيه: دخلت حفشا: وَهُوَ الْبَيْت الصَّغِير. وَقد
ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند عَائِشَة.
وَقَوْلها: تفتض بِهِ. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ من فضضت
الشَّيْء: إِذا كَسرته أَو فرقته، وَمِنْه فض خَاتم
الْكتاب. وَأَرَادَ أَنَّهَا كَانَت تكون فِي عدَّة من
زَوجهَا فتكسر مَا كَانَت فِيهِ وَتخرج مِنْهُ بالدابة.
قَالَ: وَبَعض الْمُحدثين يرويهِ: فتفتض بِهِ، وَالصَّوَاب
الأول، وَكَذَلِكَ رَأَيْت الْحِجَازِيِّينَ يَرْوُونَهُ
وسألتهم عَن الافتضاض فَذكر لي بَعضهم: أَن الْمُعْتَدَّة
كَانَت لَا تَغْتَسِل، وَلَا تمس مَاء، وَلَا تقلم ظفرا
وَلَا تقرب شَيْئا من أُمُور التنظف، ثمَّ تخرج بعد الْحول
بأقبح منظر فتفتض بطائر تمسح بِهِ قبلهَا وتنبذه، فَلَا
يكَاد يعِيش.
وَقَالَ الْأَزْهَرِي: روى الشَّافِعِي هَذَا الْحَرْف:
فتقبص بِالْقَافِ وَالْبَاء وَالصَّاد. والقبص: الْأَخْذ
بأطراف الْأَصَابِع. فَأَما الْقَبْض بالضاد الْمُعْجَمَة
فبالكف كلهَا.
(4/439)
(220) كشف الْمُشكل من مُسْند صَفِيَّة بنت
حييّ
تزَوجهَا سَلام بن مشْكم الْقرظِيّ، ثمَّ فَارقهَا
فَتَزَوجهَا كنَانَة بن الرّبيع ابْن أبي الْحقيق فَقتل
عَنْهَا يَوْم خَيْبَر، فسباها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَوْمئِذٍ واصطفاها لنَفسِهِ، وَأسْلمت وأعتقها،
وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا. وَقيل: وَقعت فِي سهم دحْيَة
الْكَلْبِيّ فاشتراها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بسبعة آرس. وَأخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث
وَاحِد.
2703 - / 3501 - وَفِيه: أَن رجلَيْنِ مرا على رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يمشي مَعَ صَفِيَّة فِي
الْمَسْجِد إِلَى بَيتهَا، فَقَالَ: " إِنَّهَا صَفِيَّة
".
هَذَا الحَدِيث يَأْمر بالتحرز من كل مَكْرُوه يخْطر
بالظنون، وَينْهى عَن مقَام الريب، ويحث على حفظ الْعرض من
أَلْسِنَة النَّاس. قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ:
لَو ظنا بِهِ شرا لكفرا، فبادر إِلَى إعلامهما لِئَلَّا
يَقع فِي ظنونهما مَا يخرجهما إِلَى الْكفْر.
قلت: وَلَو قَدرنَا امْتنَاع الظَّن مِنْهُمَا لذَلِك
لِأَن إيمانهما يدْفع سوء الظَّن عَنْهُمَا، فوساوس
الشَّيْطَان لَا يملكانها فِي بواطن الْقُلُوب، فَأَرَادَ
تَطْهِير الْقُلُوب من درن الوساوس.
(4/440)
(221) كشف الْمُشكل من مُسْند سَوْدَة بنت
زَمعَة
أسلمت قَدِيما وبايعت، وَكَانَت عِنْد ابْن عَم لَهَا
يُقَال لَهُ السَّكْرَان بن عَمْرو، وَأسلم أَيْضا،
وَهَاجَر بهَا، فَلَمَّا كَبرت أَرَادَ طَلاقهَا فَسَأَلته
أَلا يفعل، وَجعل لَيْلَتهَا لعَائِشَة. وَأخرج لَهَا فِي
الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد.
قَالَ الْحميدِي: هُوَ للْبُخَارِيّ وَحده. وَذكرهَا أَبُو
الْفَتْح بن أبي الفوارس فِيمَن اتّفق عَلَيْهِنَّ.
2704 - / 3502 - وَفِي ذَلِك الحَدِيث: مَاتَت شَاة لنا،
فدبغنا مسكها، فَمَا زلنا ننتبذ فِيهِ حَتَّى صَار شنا.
الْمسك: الإهاب.
والشن: الْجلد الْبَالِي.
وَهَذَا مَحْمُول على مَا قبل النّسخ بِحَدِيث ابْن عكيم.
(4/441)
(222) كشف الْمُشكل من حَدِيث أم هَانِئ
بنت أبي طَالب
وَكَانَ هِشَام بن الْكَلْبِيّ يَقُول: اسْمهَا هِنْد،
وَالْأول أصح. كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قد خطبهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وخطبها هُبَيْرَة بن أبي
وهب المَخْزُومِي، فَزَوجهَا أَبُو طَالب من هُبَيْرَة،
فَولدت لَهُ جعدة وعمرا ويوسف وهانئا، وَأسْلمت فَفرق
الْإِسْلَام بَينهمَا، وخطبها رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: وَالله إِن كنت لَأحبك فِي
الْجَاهِلِيَّة فَكيف فِي الْإِسْلَام؟ وَلَكِنِّي
امْرَأَة مصبية. فَسكت عَنْهَا. وَأخرج لَهَا فِي
الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد فِي صَلَاة الضُّحَى.
2705 - / 3503 - وَفِيه: يَا رَسُول الله! ، زعم ابْن
أُمِّي عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَاتل رجلا قد أجرته،
فلَان بن هُبَيْرَة. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: " قد أجرنا من أجرت ".
قد اخْتلفت الْأَحَادِيث: هَل صلى رَسُول الله الضُّحَى أم
لَا؟ وَوجه الِاخْتِلَاف أَن من رَآهُ يُصليهَا روى ذَلِك،
وَمن لم يره قَالَ: مَا صلاهَا.
فَأَما عدد ركعاتها: فَفِي حَدِيث أم هَانِئ أَنه صلاهَا
ثَمَان رَكْعَات , وَهُوَ أصح حَدِيث فِي الْبَاب. وَفِي
حَدِيث عَائِشَة أَربع رَكْعَات , وَفِي
(4/442)
حَدِيث جَابر سِتّ رَكْعَات , وروى جُبَير
بن مطعم أَنه صلاهَا رَكْعَتَيْنِ.
وَالْوَجْه فِي هَذِه الْأَحَادِيث أَنه من شَاءَ أقل وَمن
شَاءَ أَكثر: وَفِي حَدِيث أبي ذَر عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " إِن صليت الضُّحَى
رَكْعَتَيْنِ لم
تكْتب من الغافلين , فَإِن صليت أَرْبعا كتبت من العابدين
, فَإِن صليت سِتا لم يتبعك فِي ذَلِك الْيَوْم ذَنْب ,
وَإِن صليت ثمانيا كتبت من القانتين , وَإِن صليت ثِنْتَيْ
عشرَة بنى الله عز وَجل لَك بَيْتا فِي الْجنَّة ".
وَأما وَقتهَا فقد سبق فِي مُسْند زيد بن أَرقم عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " صَلَاة
الْأَوَّابِينَ حِين ترمض الفصال ".
وَقَوْلها: أجرته: أَي آمنته.
وَقَوْلها: فلَان بن هُبَيْرَة. قد ذكرنَا ابْن هُبَيْرَة
زَوجهَا، وَذكرنَا من ولدت مِنْهُ فَإِن كَانَ من
أَوْلَاده مِنْهَا فَالظَّاهِر أَنه جعدة.
وَأما الْأمان فَإِنَّهُ يجوز للْإِمَام أَن يعْقد الْأمان
لجَمِيع الْمُشْركين ولآحادهم، وَيجوز للأمير أَن يعْقد
للبلد الَّذِي أقيم بإزائه. وَأما آحَاد الرّعية فَيجوز
لَهُم أَن يعْقد للْوَاحِد وَالْعشرَة والقافلة. وَيصِح
أَمَان الْمُسلم
(4/443)
الْعَاقِل سَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى
حرا أَو مَمْلُوكا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح أَمَان
العَبْد إِلَّا أَن يكون مَأْذُونا لَهُ فِي الْقِتَال.
وَيصِح أَمَان الصَّبِي الْمُمَيز الَّذِي يعقل، خلافًا
لأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ.
(4/444)
(223) كشف الْمُشكل من مُسْند أم الْفضل
لبَابَة بنت الْحَارِث بن حزن
وَهِي أول امْرَأَة أسلمت بعد خَدِيجَة، تزَوجهَا
الْعَبَّاس فَولدت لَهُ الْفضل وَعبد الله وَعبيد الله
ومعبدا وقثما وَعبد الرَّحْمَن وَأم حبيب، وفيهَا يَقُول
عبد الله بن يزِيد الْهِلَالِي:
(وَمَا ولدت نحبيبة من فَحل ... )
(كستة من بطن أم الْفضل ... )
(أكْرم بهَا من كهلة وكهل ... )
وَقَالَ مُسَدّد: هن أَربع أَخَوَات: ثِنْتَانِ لأَب وَأم
وثنتان لأم، فلبابة بنت الْحَارِث ومَيْمُونَة بنت
الْحَارِث أختَان لأَب وَأم. وَأَسْمَاء بنت عُمَيْس وسلمى
بنت عُمَيْس أختَان لأَب وَأم، وكلهن بَنَات أم وَاحِدَة
اسْمهَا هِنْد بنت عَمْرو بن حماطة الجرشِي. وَأخرج لأم
الْفضل فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة أَحَادِيث:
2706 - / 3504 - فَفِي الحَدِيث الأول: سَمِعت رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب {والمرسلات
عرفا}
(4/445)
فِي {المرسلات} قَولَانِ: أَحدهمَا:
أَنَّهَا الرِّيَاح يتبع بَعْضهَا بَعْضًا، قَالَه ابْن
عَبَّاس.
وَالثَّانِي: الْمَلَائِكَة الَّتِي أرْسلت بِالْمَعْرُوفِ
من أَمر الله تَعَالَى وَنَهْيه، قَالَه أَبُو هُرَيْرَة.
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَصله من عرف الْفرس، لِأَنَّهُ سطر
مستو بعضه فِي إِثْر بعض.
2707 - / 3505 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ حَدِيث
قد تقدم فِي مُسْند مَيْمُونَة.
2708 - / 3506 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم:
" لَا تحرم الإملاجة والإملاجتان ".
الإملاجة: المصة. والملج: المص. يُقَال: ملج الصَّبِي أمه
يملجها. وَقيل: الملج: تنَاول الصَّبِي الثدي بِأَدْنَى
الْفَم.
وَقد بَينا الْخلاف فِي قدر مَا يحرم من الرَّضَاع فِي
مُسْند عَائِشَة.
(4/446)
|