معالم السنن كتاب النكاح
ومن باب التحريض على النكاح
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حَدَّثنا
جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال إني لأمشي مع عبد
الله بن مسعود بمنى إذ لقيه عثمان فاستحلاه فلما رأى عبد
الله أن ليست له حاجة قال لي تعال يا علقمة فجئت فقال له
عثمان ألا نزوجك يا أبا عبد الرحمن بجارية بكراً لعله يرجع
إليك عن نفسك ما كنت تعهد، فقال عبد الله لئن قلت ذلك لقد
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من استطاع منكم
الباءة فليزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع
منكم فعليه بالصوم فإنه له وجاء.
قال الشيخ الباءة كناية عن النكاح، وأصل الباءة الموضع
الذي يأوي إليه الإنسان، ومنه اشتق مباءة الغنم وهو المراح
الذي تأوي إليه عند الليل، والوجاء رض الأنثيين والخصا
نزعهما.
(3/179)
وفيه من الفقه استحباب النكاح لمن تاقت
إليه نفسه، وفيه دليل على أن النكاح غير واجب، ويحكى عن
بعض أهل الظاهر أنه كان يراه على الوجوب وفيه دليل على
جواز التعالج لقطع الباءة بالأدوية ونحوها.
وفيه دليل على أن المقصود في النكاح الوطء وأن الخيار في
العُنَّة واجب.
ومن باب ما يؤمر من ترويج ذات
الدين
قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حَدَّثنا يحيى بن سعيد قال
حدثني عبيد الله قال حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه، عَن
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تنكح النساء
لأربع لمالها ولحسبها ولدينها ولجمالها فاظفر بذات الدين
تربت يداك.
قال الشيخ فيه من الفقه مراعاة الكفاءة في المناكح وأن
الدين أولى ما اعتبر فيها.
وقوله تربت يداك كلمة معناها الحث والتحريض وأصل ذلك في
الدعاء على الإنسان، يقال ترب الرجل إذا افتقر وأترب إذا
أثرى وأيسر، والعرب تطلق ذلك في كلامها ولا يقصد بها وقوع
الأمر.
وزعم بعض أهل العلم إن القصد به في هذا الحديث وقوع الأمر
وتحقيق الدعاء. وأخبرني بعض أصحابنا عن ابن الأنباري أحسبه
رواه عن الزهري أنه قال إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم
له ذلك لأنه رأى أن الفقر خير من الغنى.
واختلف العلماء في تحديد الكفاءة فقال مالك بن أنس الكفاءة
في الدين وأهل الإسلام كلهم بعضهم لبعض أكفاء وهو غالب
مذهب الشافعي، وقد اعتبر فيها أيضاً الحرية وربما اعتبر
غير ذلك أيضاً.
وقد روي معنى قول مالك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن
مسعود وعبيد بن عمير وعمر بن عبد العزيز وابن سيرين وابن
عون وحماد بن أبي سليمان.
(3/180)
وقال سفيان الثوري الكفاءة الدين والحسب،
وكان يرى التفريق إذا نكح المولى عربية، وكذلك قال أحمد بن
حنبل.
وقال أصحاب الرأي قريش بعضهم لبعض أكفاء وكل من كان من
الموالي له أبوان أو ثلاثة في الإسلام فبعضهم لبعض أكفاء،
وإذا أعتق عبد أو أسلم ذمي فإنه ليس بكفؤ لامرأة لها أبوان
أو ثلاثة في الإسلام من الموالي. وإذا تزوجت المرأة غير
كفؤ فسلم أحد من الأولياء فليس لمن بقي من الأولياء أن
يفرقوا بينهما.
وروي عن ابن عباس أنه لم ير المولى كفؤاً للعربية، وروي
مثل ذلك عن سلمان الفارسي.
ومن باب تزويج الابكار
قال أبو داود: كتب إلي حسين بن حريث المروزي حدثنا الفضل
بن موسى عن الحسين بن واقد عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة
عن ابن عباس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال إن امرأتي لا تمنع يد لامس، قال غربها قال أخاف أن
تتبعها نفسي، قال فاستمتع منها.
قال الشيخ قوله لا تمنع يد لامس، معناه الريبة وأنها
مطاوعة لمن أرادها لا ترد يده وقوله غربها معناه أبعدها
يريد الطلاق وأصل الغرب البعد.
وفيه دليل على جواز نكاح الفاجرة وإن كان الاختيار غير
ذلك.
وأما قوله {والزانية لا ينكحنها إلاّ زان أو مشرك وحرم ذلك
على المؤمنين} [النور: 3] فإنما نزلت في امرأة من الكفار
خاصة وهي بغي بمكة يقال لها عناق، فأما الزانية المسلمة
فإن العقد عليها لا يفسخ.
ومعنى قوله فاستمتع منها أي لا تسمها إلاّ بقدر ما تقضي
متعة النفس منها
(3/181)
ومن وطئها والاستمتاع من الشيء الانتفاع به
إلى مدة، ومن هذا نكاح المتعة الذي حرمه رسول الله صلى
الله عليه وسلم ومنه قوله تعالى {إنما هذه الحياة الدنيا
متاع} [غافر: 39] أي متعة إلى حين ثم تنقطع.
ومن باب الرجل يعتق أمته ثم
يتزوجها
قال أبو داود: حدثنا عمر بن عون، قال: حَدَّثنا أبو عَوانة
عن قتادة وعبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن النبي صلى
الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها.
قال الشيخ قد ذهب غير واحد من العلماء إلى ظاهر هذا الحديث
ورأوا أن من أعتق أمة كان له أن يتزوجها بأن يجعل عتقها
عوضاً عن بعضها، وممن قال ذلك سعيد بن المسيب والحسن
البصري وإبراهيم النخعي والزهري وهو قول أحمد بن حنبل
وإسحاق بن راهويه ويحكى ذلك أيضاً عن الأوزاعي.
وكره ذلك مالك بن أنس وقال هذا لا يصلح، وكذلك قال أصحاب
الرأي.
وقال الشافعي إذا قالت الأمة أعتقني على أن أنكحك وصداقي
عتقي فأعتقها على ذلك فلها الخيار في أن تنكح أو تدع ويرجع
عليها بقيمتها فإن نكحته ورضيت بالقيمة التي عليها فلا
بأس.
وتأول هذا الحديث من لم يجز النكاح على أنه خاص للنبي صلى
الله عليه وسلم إذ كانت له خصائص في النكاح ليست لغيره
وقال بعضهم معناه أنه لم يجعل لها صداقا؛ وإنما كانت في
معنى الموهونه التي كان النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا
بها، إلاّ أنها لما استبيح نكاحها بالعتق صار العتق
كالصداق لها وهذا كقول الشاعر:
* وأُمهرن أرماحاً من الحظ ذبلاُ *
أي استبحن بالرماح فصرن كالمهيرات، وكقول الفرزدق.
(3/182)
وذات حليل أنكحتنا رماحنا ... حلالاً لمن
يَبني بها لم تطلق
واحتج أهل المقالة الأولى بأنها لو قالت طلقني على أني
أخيط لك ثوباً لزمها ذلك إذا طلقها: فكذلك إذا قالت أعتقني
على أن أنكحك.
وحكوا عن أحمد بن حنبل أنه قال لا خلاف أن صفية كانت زوجة
النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل من نكاحها غير هذه
اللفظة فدل أنها سبب النكاح.
قال الشيخ وأجاب عن الفصل الأول بعض من خالفهم فقال إنما
صح هذا في الثوب لأنه فعل والفعل يثبت في الذمة كالعين
والنكاح عقد والعقد لا يثبت في الذمة والعتق على النكاح
كالسلم فيه ولو أسلم رجل امرأة عشرة دراهم على أن يتزوج
بها لم يصح كذلك هذا.
فأما الفصل الاخر وهو ما حكي عن أحمد فقد يحتمل أن يكون
ذلك خصوصاً للنبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يكون صلى
الله عليه وسلم قد استأنف عقد النكاح عليها ولم ينقل ذلك
مقروناً بالحديث لأن من سنته صلى الله عليه وسلم أن النكاح
لا ينعقد إلاّ بالكلام أو بما يقوم مقامه من الإيماء في
الأخرس ونحوه، ويحمل ما خفي من ذلك على حكم ما ظهر، وروي
أنه نكحها وجعل عتقها صداقها فإن ثبت ذلك فلا حاجة بنا معه
إلى التأويل والله أعلم.
ومن باب من قال يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد
الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة عن عائشة رضي
الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحرم من
الرضاع ما يحرم من الولادة.
وفي هذا الحديث بيان أن حرمة الرضاع في المناكح كحرمة
الأنساب وأن
(3/183)
المرتضعين من الرجال والنساء باللبن الواحد
كالمنتسبين منهم إلى النسب الواحد وهذا قد يجري على عمومه
في تحريم المرضعة وذوي أرحامها على المرضع مجرى النسب،
وذلك أنه إذا أرضعته صارت أماً له فحرم عليه نكاحها ونكاح
ذات محارمها، وهي لا تحرم على أبيه ولا على أخيه ولا على
ذوي أنسابه غير أولاده وأولاد أولاده.
وفيه دليل على أن الرضاع بلبن السفاح لا يوقع الحرمة بين
الرضيع وبين المسافح وأولاده كما تقع الحرمة من لادته ولا
يثبت به النسب.
وفيه أن ما يلحق به النسب من نكاح صحيح أونكاح بشبهة من
مسلمة أو ذمية فإنه يحرم بالرضاع فيه النكاح.
وفيه أن الجمع بين الأختين من الرضاع محرم، وكذلك بين
المرأة وعمتها أو خالتها من الرضاع.
وفيه أن لبن الضِرار محرم كغيره من اللبن الذي ليس بضرار،
وكان ابن أبي ذئب يقول لبن الضرار لا يحرم من النكاح وعامة
أهل العلم على خلافه.
ومن باب لبن الفحل
قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير العبدي قال أخبرنا سفيان
عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت دخل عليّ أفلح بن
أبي القعيس فاستترت منه فقال تستترين مني وأنا عمك، قالت
قلت من أين، قال أرضعتك امرأة أخي قالت إنما أرضعتني
المرأة ولم يرضعني الرجل فدخل عليَّ رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: أنه عمك فليلج عليك.
قال الشيخ تنزيل هذا الباب أن يجعل المرضع بمنزلة الولد من
زوج المرضعة
(3/184)
وهو لوكان ولد من مائه حرم على أخيه إذ كان
له عما، فكذلك إذا رضع من لبن كان حدوثه بفعله لأن النبي
صلى الله عليه وسلم جعل الرضاع في التحريم كالولادة، وقد
قال عامة الفقهاء بتحريم لبن الفحل وانتشار الحرمة به إلاّ
نفر يسير منهم إسماعيل بن علية وداود الأصفهاني، وقد روي
ذلك عن ابن المسيب.
ومن باب رضاعة الكبير
قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر، قال: حَدَّثنا شعبة قال
وحدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أشعث بن سليم عن أبيه
عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها المعنى واحد أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل قال حفص فشق ذلك
عليه وتغير وجهه ثم اتفقا قالت يا رسول الله إنه أخي من
الرضاعة، فقال، يَعني انظرن من أخوانكن فإنما الرضاعة من
المجاعة.
قال الشيخ معناه أن الرضاعة التي تقع بها الحرمة هي ما كان
في الصغر، والرضيع طفل يقوته اللبن ويسد جوعه؛ وأما ما كان
منه بعد ذلك في الحال التي لا تسد جوعه اللبن ولا يشبعه
إلاّ الخبز واللحم وما في معناهما من الثقل فلا حرمة له.
وقد اختلف العلماء في تحديد مدة الرضاع فقالت طائفة منهم
أنها حولان، وإليه ذهب سفيان الثوري والأوزاعي والشافعي
وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه، واحتجوا بقوله تعالى
{والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم
الرضاعة} [البقرة: 233] قالوا فدل أن مدة الحولين إذا
انقضت فقد انقطع حكمها ولا عبرة لما زاد بعد تمام المدة.
(3/185)
وقال أبو حنيفة حولان وستة أشهر وخالفه
صاحباه، وقال زفر بن الهذيل ثلاث سنين.
ويحكى عن مالك أنه جعل حكم الزيادة على الحولين إذا كانت
يسيراً حكم الحولين.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، قال:
حَدَّثنا وكيع عن سليمان بن المغيرة، عَن أبي موسى الهلالي
عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا
رضاع إلاّ ما أنشر العظم وأنبت اللحم.
قال الشيخ أنشر العظم معناه ما شد العظم وقواه، والإنشار
بمعنى الإحياء في قوله تعالى {ثم إذا شاء أنشره} [عبس: 22]
ويروى أنشز العظم بالزاي معجمة ومعناه زاد في حجمه فنشره.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن أبي صالح حدثنا عنبسة قال
حدثني يونس عن ابن شهاب قال حدثني عروة بن الزبير عن عائشة
وأم سلمة رضي الله عنهما أن أبا حذيفة بن عتبة بن عبد شمس
تبنىَّ سالماً وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن
ربيعة وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله صلى
الله عليه وسلم زيداً وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه
الناس إليه وورث ميراثه حتى أنزل الله تعالى في ذلك
{ادعوهم لآبائهم} [الأحزاب: 5] إلى قوله {فاخوانكم في
الدين ومواليكم} [الأحزاب: 5] فردوا إلى آبائهم فمن لم
يعلم أن له أباً كان مولى وأخاً في الدين فجاءت سهلة بنت
سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري وهي امرأة أبي حذيفة فقالت
يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا نرى سالماً ولداً
فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فُضُلاً
وقد أنزل الله تعالى فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه فقال
لها رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3/186)
أرضعيه فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة
ولدها من الرضاعة فبذلك كانت عائشة تأمر بنات أخواتها
وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها
وإن كان كبيراً خمس رضعات ثم يدخل عليها وأبت أم سلمة
وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك
الرضاعة أحداً من الناس حتى ترضع في المهد، وقلن لعائشة
والله ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي صلى الله عليه
وسلم لسالم دون الناس.
قال الشيخ ذهب عامة أهل العلم في هذا إلى قول أم سلمة
وحملوا الأمر في ذلك على أحد الوجهين إما على الخصوص وإما
على النسخ ولم يروا العمل به.
وقد استدل الشافعي بهذا الحديث على أن العدد الذي يقع به
حرمة الرضاع هو الخمس وهو مع ذلك لا يقول برضاع الكبير
فكأنه يقول إن الخبر تضمن أمرين رضاع الكبير وتعليق الحكم
على عدد الخمس فإذا جرى النسخ في أحدهما لمعنى لم يوجب نسخ
الآخر مع عدم ذلك المعنى، وقد يصح الاستدلال للواجب بما
ليس بواجب ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم حين مر به
الرجل فسلم عليه وهو يبول لم يرد عليه السلام حتى تيمم
بالتراب فضرب كفيه فمسح بهما وجهه ثم ضرب ضربة أخرى فمسح
بها ذراعيه فاتخذه العلماء أصلا في إيجاب الضربتين في
التيمم ومسح الذراعين وإن كان ذلك منه في غير موضع الوجوب.
وقولها ويراني فضلاً أي يراني مبتذلة في ثياب مهنتي، يقال
تفضلت المرأة إذا تبذلت في ثياب مهنتها.
ومن باب هل يحرم ما دون خمس
رضعات
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن
عبد الله بن
(3/187)
أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة
بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان فيما
أنزل الله عز وجل من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس
معلومات يحرمن فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما
يقرأ من القرآن.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل عن أيوب عن ابن
أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير عن علئشه رضي الله عنها
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحرم المصة ولا
المصتان.
قال الشيخ وهذا يؤيد ما ذهب إليه الشافعي من اعتبار عدد
الخمس في التحريم إلاّ أن أكثر الفقهاء قد ذهبوا إلى أن
القليل من الرضاع وكثيره محرم وهو قول سفيان الثوري ومالك
والأوزاعي وإليه ذهب أصحاب الرأي.
وقال أبو عبيد لا يحرم أقل من ثلاث رضعات كأنه ذهب إلى
استعمال دليل الخطاب من قوله لا يحرم المصة والمصتان فكان
ما زاد على المصتين وهو الثلاث بخلاف حكم ما دونها وهو قول
أبي ثور وداود.
وقد حكي عن بعضهم أن التحريم لا يقع بأقل من عشر رضعات وهو
قول شاذ لا اعتبار به.
وأما قولها فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مما
يقرأ من القرآن فإنها تريد بذلك قرب عهد النسخ من وفاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار بعض من لم يبلغه
النسخ يقرأه على الرسم الأول.
وفيه دليل على جواز نسخ رسم التلاوة وبقاء الحكم ونظيره
نسخ التلاوة في الرجم وبقاء حكمه، إلاّ أن القرآن لا يثبت
بأخبار الآحاد فلم يجز أن يثبت ذلك بين الدفتين والأحكام
تثبت بأخبار الآحاد فجاز أن يقع العمل بها والله أعلم.
(3/188)
ومن باب الرضخ عند
الفصال
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد بن النفيلي، قال:
حَدَّثنا أبو معاوية وحدثنا ابن العلاء، قال: حَدَّثنا ابن
إدريس عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج بن حجاج عن أبيه،
قال قلت يا رسول الله ما يذهب عني مذَمة الرضاع قال الغرة
العبد أو الأمة.
قوله مذمة الرضاع يريد ذمام الرضاع وحقه، وفيه لغتان
مَذَمَّة ومَذِمَّة بكسر الذال وفتحها تقول أنها قد خدمتك
وأنت طفل وحضنتك وأنت صغير فكافئها بخادم يخدمها تكفيها
المهنة قضاء لذمامها وجزاء لها على إحسانها.
ومن باب ما يكره الجمع بينهن
من النساء
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير
حدثنا داود بن أبي هند عن عامر، عَن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنكح المرأة على عمتها
ولا العمة على ابنة أخيها ولا المرأة على خالتها ولا
الخالة على بنت أختها ولا تنكح الكبرى على الصغرى ولا
الصغرى على الكبرى.
قال الشيخ يشبه أن يكون المعنى في ذلك ما يخاف من وقوع
العداوة بينهن ما لأن المشاركة في الحظ من الزوج توقع
المنافسة بينهن فيكون منها قطيعة الرحم، وعلى هذا المعنى
تحريم الجمع بين الأختين المملوكتين في الوطء وهو أكثر قول
أهل العلم.
وقياسه أن لا يجمع بين الأمة وبين عمتها أو خالتها في
الوطء.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح المصري، قال:
حَدَّثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني
عروة بن الزبير أنه سأل عائشة
(3/189)
رضي الله عنها عن قول الله تعالى {وإن خفتم
أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء}
[النساء: 3] الآية قالت يا ابن أخي هي اليتيمة تكون في حجر
وليها فتشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها
أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها.
قوله بغير أن يقسط في صداقها، معناه بغيرأن يعدل فيه فيبلغ
به سنة مهر مثلها، يقال أقسط الرجل في الحكم اذا عدل، وقسط
إذا جار قال الله تعالى {واقسطوا إن الله يحب المقسطين}
[الحجرات: 9] وقال {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً}
[الجن: 15] قال وتأويل الآية وبيان معناها أن الله تعالى
خاطب أولياء اليتامى فقال {وإن خفتم من أنفسكم المشاحة في
صدقاتهن وأن لا تعدلوا فتبلغوا بهن صداق أمثالهن فلا
تنكحوهن وانكحوا غيرهن من الغائب اللواتي أحل الله لكم
خطبتهن من واحدة إلى أربع وإن خفتم أن تجوروا إذا نكحتم من
الغرائب أكثر من واحدة فانكحوا منهن واحدة أو ما ملكتم من
الإماء} .
ومن باب نكاج المتعة
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن إسماعيل بن
أمية عن الزهري، قال كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا
متعة النساء فقال له رجل يقال له الربيع بن سبرة أشهد على
أبي أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في
حجة الوداع.
قال الشيخ تحريم نكاح المتعة كالإجماع بين المسلمين وقد
كان ذلك مباحاً في صدر الإسلام ثم حرمه في حجة الوداع وذلك
في آخر أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق اليوم
فيه خلاف بين الأئمة إلاّ شيئا ذهب إليه بعض الروافض.
(3/190)
وكان ابن عباس يتأول في إباحته للمضطر إليه
بطول العزبة وقلة اليسار والجدة ثم توقف عنه وأمسك عن
الفتوى به. حدثنا ابن السماك، قال: حَدَّثنا الحسن بن سلام
السواق، قال: حَدَّثنا الفضل بن دكين، قال: حَدَّثنا عبد
السلام عن الحجاج، عَن أبي خالد عن المنهال عن سعيد بن
جبير قال: قلت لابن عباس هل تدري ما صنعت وبما أفتيت قد
سارت بفتياك الركبان وقالت فيه الشعراء، قال وما قالت، قلت
قالوا:
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه ... يا صاح هل لك في فتيا ابن
عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة ... تكون مثواك حتى تصدر الناس
فقال ابن عباس إنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما بهذا
أفتيت ولا هذا أردت ولا حللت إلاّ مثل ما أحل الله من
الميتة والدم ولحم الحنزير وما تحل إلاّ للمضطر وما هي
إلاّ كالميتة والدم ولحم الخنزير.
قال الشيخ فهذا يبين لك أنه إنما سلك فيه مذهب القياس
وشبهه بالمضطر إلى الطعام وهو قياس غير صحيح لأن الضرورة
في هذا الباب لاتتحقق كهي في باب الطعام الذي به قوام
النفس وبعدمه يكون التلف، وإنما هذا من باب غلبة الشهوة
ومصابرتها ممكنة وقد تحسم حدتها بالصوم والعلاج فليس
أحدهما في حكم الضرورة كالآخر.
ومن باب في الشغار
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك وحدثنا مسدد،، قال:
حَدَّثنا يحيى عن عبيد الله كلاهما عن نافع عن ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار قال مسدد في حديثه
قلت لنافع ما الشغار، قال ينكح ابنة الرجل وينكحه ابنته
بغير
(3/191)
صداق وينكح أخت الرجل وينكحه أخته بغير
صداق.
قال الشيخ تفسير الشغار ما بينه نافع، وقد روى أبو داود
أيضاً في هذا الباب بإسناده عن الأعرج أن العباس بن عبد
الله بن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد
الرحمن ابنته وكانا جعلاه صداقاً فأمر معاوية بالتفرقة
بينهما وقال هذا الشغار الذي نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عنه.
قال الشيخ فإذا وقع النكاح على هذه الصفة كان باطلاً لأن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وأصل الفروج على الحظر
والحظر لا يرتفع بالحظر وإنما يرتفع بالإباحة.
ولم يختلف الفقهاء أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن
نكاح المرأة على عمتها أو خالتها على التحريم، وكذلك نهيه
عن نكاح المتعة فكذلك هذا.
وممن أبطل هذا النكاح مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق
بن راهويه وأبو عبيد.
وقال أصحاب الرأي وسفيان الثوري النكاح جائز ولكل واحدة
منهما مهر مثلها، ومعنى النهي في هذا عندهم أن يستحل الفرج
بغير مهر.
وقال بعضهم أصل الشغر في اللغة الرفع، يقال شغر الكلب
برجله إذا رفعها عند البول قال فإنما يسمى هذا النكاح
شغاراً لأنهما رفعا المهر بينهما.
قال الشيخ وهذا القائل لا ينفصل ممن قال بل سمي شعارا لأنه
رفع العقد من أصله فارتفع النكاح والمهر معاً ويبين لك أن
النهي قد انطوى على الأمرين معاً أن البدل ههنا ليس شيئاً
غير العقد ولا العقد شيئاً غير البدل فهو إذا فسد مهراً
فسد عقداً وإذا أبطلته الشريعة فإنما أفسدته على الجهة
التي كانوا يوقعونه وكانوا يوقعونه مهراً وعقدا فوجب أن
يفسدا معاً.
(3/192)
وكان ابن أبي هريرة يشبهه برجل تروج امرأة
واستثنى عضوا من أعضائها وهو ما لا خلاف في فساده.
قال فكذلك الشغار لأن كل واحد منهما قد زوج وليته واستثنى
بعضه حتى جعله مهراً لصاحبتها.
وعلله بعضهم فقال لأن المعقود له معقود به وذلك لأن العقد
لها وبها فصار كالعبد تزوج على أن يكون رقبته صداقا
للزوجة.
ومن باب في التحليل
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حَدَّثنا زهير قال
حدثني إسماعيل عن عامر عن الحارث عن علي قال إسماعيل وأراه
قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: لعن المحلل والمحلل له.
قال الشيخ أما إذا كان ذلك عن شرط بينهما فالنكاح فاسد
لأنه عقد تناهى إلى مدة كنكاح المتعة، وإذا لم يكن ذلك
شرطاً وكان نية وعقيدة فهو مكروه، فإن أصابها الزوج ثم
طلقها وانقضت العدة فقد حلت للزوج الأول وقد كره غير واحد
من العلماء أن يضمرا أو ينويا أو أحدهما التحليل وإن لم
يشترطاه.
وقال إبراهيم للنخعي لا يحللها لزوجها الأول إلاّ أن يكون
نكاح رغبة فإن كان نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الثانى
أو المرأة أنه محلل فالنكاح باطل ولا تحل للأول.
وقال سفيان الثوري إذا تزوجها وهو يريد أن يحلها لزوجها ثم
بدا له أن يمسكها
(3/193)
لا يعجبني إلاّ أن يفارقها ويستأنف نكاحاً
جديداً، وكذلك قال أحمد بن حنبل، وقال مالك بن أنس يفرق
بينهما على كل حال.
ومن باب نكاج العبد بغير إذن
سيده
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن وكيع،، قال:
حَدَّثنا الحسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن
جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد تروج
بغير إذن مواليه فهو عاهر.
قال الشيخ العاهر الزاني والعهر الزنى، وإنما بطل نكاح
العبد من أجل أن رقبته ومنفعته مملوكتان لسيده وهو إذا
اشتغل بحق الزوجة لم يتفرغ لخدمة سيده وكان في ذلك ذهاب
حقه فأبطل النكاح إبقاء لمنفعته على صاحبه، وممن أبطل عقد
هذا النكاح الأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن
راهويه.
وقال مالك وأصحاب الرأي إن أجازه السيد جاز وإن أبطله بطل،
وعند الشافعي لا يثبت النكاح وإن أجازه السيد لأن عقد
النكاح لا يقع عنده موقوفاً على إجازة الولي.
ومن باب الرجل يخطب على خطبة
أخيه
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا سفيان
عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عَن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: لا يخطب الرجل على خطبة أخيه.
قال الشيخ نهيه عن ذلك نهي تأديب وليس بنهي تحريم يبطل
العقد، وهو قول أكثر العلماء، إلاّ أن مالك بن أنس قال إن
خطبها على خطبة أخيه فملكها فرق بينهما إلاّ أن يكون قد
دخل بها فلا يفرق بينهما.
وقال داود إن خطبها رجل بعد الأول وعقد عليها فالنكاح
باطل.
(3/194)
وفي قوله على خطبة أخيه دليل على أن ذلك
إنما نهي عنه إذا كان الخاطب الأول مسلماً ولا يضيق ذلك
إذا كان الخاطب الأول يهودياً أو نصرانياً لقطع الله
الأخوة بين المسلمين وبين الكفار.
وقال الشافعي إنما نهي عن ذلك في حال دون حال وهو أن تأذن
المخطوبة في إنكاح رجل بعينه فلا يحل لأحد أن يخطبها في
تلك الحالة حتى يأذن الخاطب له واحتج بحديث فاطمة بنت قيس.
حدثناه الأصم حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن
عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عَن أبي سلمة بن
عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لها في عدتها من طلاق زوجها إذا حللت فآذنيني،
قالت فلما حللت أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أما معاوية فصعلوك لا مال
له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه على عاتقه أنكحي أسامة،
قالت ففعلت فاغتبطت به.
قال الشيخ فخطبته إياها لأسامة على خطبة معاوية وأبي جهم
تدل على جواز ذلك إن لم يكن وقع الركون منها إلى الخاطب
الأول أو الإذن منها فيه.
وفي هذا الحديث أنواع من الفقه منها جواز التعريض للمرأة
بالخطبة في عدتها وفيه أن المال معتبر في بعض أنواع
المكافأة. وفيه دليل على جواز نكاح المولى القرشية. وفيه
دليل على جواز تأديب الرجل امرأته.
وفيه دليل على أن المستشار إذا ذكر الخاطب عند المخطوبة
ببعض ما فيه من العيوب على وجه النصيحة لها والإرشاد إلى
ما فيه حظها لم يكن ذلك غيبة يأثم فيها.
وقوله لا يضع عصاه عن عاتقه يتأول على وجهين أحدهما
التأديب والضرب لها والآخر أن يكون معناه الأسفار والظعن
عن وطنه، يقال رفع الرجل عصاه
(3/195)
إذا سار ووضع عصاه إذا نزل وأقام.
ومن باب الرجل ينظر إلى المرأة
وهو يريد أن يتزوجها
قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حَدَّثنا عبد الواحد بن
زياد، قال: حَدَّثنا محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن
واقد بن عبد الرحمن، يَعني ابن سعد بن معاذ عن جابر بن عبد
الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب
أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها
فليفعل.
قال الشيخ إنما أبيح له النظر إلى وجهها وكفيها فقط ولا
ينظر إليها حاسراً ولا يطلع على شيء من عورتها وسواء كانت
أذنت له في ذلك أو لم تأذن وإلى هذه الجملة ذهب الشافعي
وأحمد بن حنبل، وإلى نحو هذا أشار سفيان الثوري.
ومن باب الولي
قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان، قال:
حَدَّثنا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن
عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل ثلاث مرات
فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها فإن تشاجروا
فالسلطان ولي من لا ولي له.
قوله أيما امرأة كلمة استيفاء واستيعاب، وفيه إثبات
الولاية على النساء كلهن ويدخل فيها البكر والثيب والشريفة
والوضيعة والمولى ههنا العصبة.
وفيه بيان أن المرأة لا تكون ولية نفسها وفيه دليل على أن
ابنها ليس من أوليائها إذا لم يكن عصبة لها.
(3/196)
وفيه بيان أن العقد إذا وقع لا بإذن
الأولياء كان باطلاً، وإذا وقع باطلاً لم يصححه إجازة
الأولياء، وفي إبطال هذا النكاح وتكراره القول ثلاثاً
تأكيد لفسخه ورفعه من أصله، وفيه إبطال الخيار في النكاح.
وفيه دليل على أن وطء الشبهة يوجب المهر وايجاب المهر
إيجاب درء الحدود وإثبات النسب ونشر الحرمة.
وفي قوله فالمهر لها بما أصاب منها دليل على أن المهر إنما
يجب بالإصابة فإن الدخول إنما هو كناية عنها.
وقوله فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له، يريد به
تشاجر العضل والممانعة في العقد دون تشاجر المشاحة في
السبق إلى العقد، فأما إذا تشاجروا في العقد ومراتبهم في
الولاية سواء فالعقد لمن سبق إليه منهم إذا كان ما فعل من
ذلك نظراً لها.
ومعنى قوله بغير إذن مواليها هو أن يلي العقد الولي أو
يوكل بتزويجها غيره فيأذن له في العقد عليها.
وزعم أبو ثور أن الولي إذا أذن للمرأة في أن تعقد على
نفسها صح عقدها النكاح على نفسها، واستدل بهذه اللفظة في
الحديث، ومعناه التوكيل بدليل ما روي أن النساء لا تلين
عقد النكاح.
وقد تكلم بعض أهل العلم في إسناد هذا الحديث وضعفه بشيء
حدثنيه الحسن بن يحيى بن حمويه عن علي بن عبد العزيز، عَن
أبي عبيد،، قال: حَدَّثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج
عن سليمان بن موسى، وذكر الحديث قال وزاد في آخره شيئا ما
أرى أحداً يذكره غيره.
(3/197)
قال ابن جريج ثم لقيت الزهري فذكرت ذلك له
فلم يعرفه.
قال الشيخ ذكر أبو عيسى الترمذي عن يحيى بن معين أنه قال
لم يذكر هذا الحديث عن ابن جريج إلاّ إسماعيل بن علية، قال
يحيى وسماع إسماعيل من ابن جريج ليس بذلك إنما صحح كتبه
على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد فيما سمع من
ابن جريج وضعف يحيى رواية إسماعيل عن ابن جريج.
قال أبوعيسى وحديث عائشة رضي الله عنها هذا عندي حديث حسن
صحيح وقد رواه الحجاج بن أرطاة وجعفر بن ربيعة عن الزهري
عن عروة عن عائشة ورواه هشام بن عروة أيضاً.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن قدامة بن أعين،، قال:
حَدَّثنا أبو عبيدة الحداد عن يونس وإسرائيل، عَن أبي
إسحاق، عَن أبي بردة، عَن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: لا نكاح إلاّ بولي.
قال الشيخ قوله لا نكاح إلاّ بولي فيه نفي ثبوت النكاح على
معمومه ومخصوصه إلاّ بولي.
وقد تأوله بعضهم على نفي الفضيلة والكمال وهذا تأويل فاسد
لأن العموم يأتي على أصله جوازاً أو كمالاً، والنفي في
المعاملات يوجب الفساد لأنه ليس لها إلاّ جهة واحدة، وليس
كالعبادات والقرب التي لها جهتان من جواز ناقص وكامل،
وكذلك تأويل من زعم أنها ولية نفسها. وتأول معنى الحديث
على أنها إذا عقدت على نفسها فقد حصل نكاحها بولي، وذلك أن
الولي هو الذي يلي على غيره، ولو جاز هذا في الولاية لجاز
مثله في الشهادة فتكون هي الشاهدة
(3/198)
على نفسها فلما كان في الشاهد فاسداً كان
في الولي مثله.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس،، قال: حَدَّثنا
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أم
حبيبة أنها كانت عند ابن جحش فهلك عنها، وكان فيمن هاجر
إلى أرض الحبشة فزوجها النجاشي رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهي عندهم.
قال الشيخ إنما ساق النجاشي المهر عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأضيف التزويج إليه وكان الذي عقد عليها رسول
الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ووكله بذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث به إلى الحبشة في ذلك،
وقد روي أن الذي ولي تزويجها بالعقد عليها خالد بن سعيد بن
العاص وهو ابن عم أبي سفيان إذ كان أبوها أبو سفيان كافراً
لا ولاية له على مسلمة.
وقد يحتمل أيضاً أن يكون النجاشي قد عقد أولاً فكان ذلك
بمعنى التسمية فلم يعتبر صحته ثم أرسل رسول الله صلى الله
عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري فاستأنف العقد وألزمه والله
أعلم.
ومن باب في العضل
قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى قال حدثني أبو عامر
عبد الملك بن عمرو، قال: حَدَّثنا عباد بن راشد عن الحسن
قال حدثني معقل بن يسار، قال كانت لي أخت تخطب إليّ فأتاني
ابن عم لي فأنكحتها إياه ثم طلقها طلاقا له رجعة ثم تركها
حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إلي أتاني يخطبها فقلت والله
لا أنكحها أبداً، قال ففيّ نزلت هذه الآية {وإذا طلقتم
النساء فبلغن أجلهن فلا
(3/199)
تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة: 232]
الاية قال فكفرت عن يميني فأنكحتها إياه.
قال الشيخ هذا أدل آية في كتاب الله تعالى على أن النكاح
لا يصح إلاّ بعقد ولي ولو كان لها سبيل إلى أن تنكح نفسها
لم يكن للعضل معنى ولا كان المنع يتحقق من جهة الولي. ولو
كان عقد المرأه على نفسها يصح إذا تروجها كفء لم يتعذر
عليها أن تفعل ذلك، وقد كان الذي خطبها إنما هو ابن عمها
المكافىء لها في النسب المتقدم لها في الصحبة فدل ما قلناه
على صحة ما ذهبنا إليه والله أعلم.
وقد اختلف الناس في عقد النكاح بغير ولي، فقال بظاهر
الحديث جماعة منهم سفيان الثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة
والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد، وروي
هذا القول عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وعبد الله
بن مسعود وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم، وبه قال ابن
المسيب والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وقتادة.
وفرق مالك بن أنس بين المرأة الشريفة والدنيئة فقال لا بأس
أن تستخلف المرأه الدنيئة على نفسها من يزوجها، فأما على
امرأة لها قدر وغنى فإن تلك لا ينبغى أن يزوجها إلاّ
الأولياء أو السلطان.
وقال أبو حنيفة إذا زوجت المرأة نفسها بشاهدين من كفوٍ فهو
جائز.
وقال يعقوب ومحمد النكاح موقوف حتى يجيزه الولي والحاكم.
ومن باب إذا نكح الوليان
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل،، قال: حَدَّثنا حماد
عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما.
(3/200)
قال الشيخ اتفق أهل العلم على هذا ما لم
يقع الدخول من الثاني بها فإن وقع الدخول بها فإن مالكاً
زعم أنه لا يفرق بينهما، وكذلك روي عن عطاء، وهذا إذا كان
قد علم نكاح المتقدم منهما من المتأخر فإن زوجاها معاً هذا
من زيد وهذا من عمرو ولا يعلم أيهما المتقدم فالنكاح مفسوخ
في قول أكثر الفقهاء.
وزعم بعضهم أنه يفرق بينهما ويقال لهما طلقاها جميعاً حتى
تبين ممن كانت زوجة له، وهو قول أبي ثور.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي، قال
حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن
عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى {لا يحل لكم أن ترثوا
النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلاّ أن
يأتين بفاحشة مبينة} [النساء: 19] وذلك أن الرجل كان يرث
امرأة ذي قرابة فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها فاحكم
الله عن ذلك أو نهى عن ذلك.
قال الشيخ قوله أحكم الله معناه منع، قال جرير بن
الخَطَفي:
ابني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا
ومن باب الاستئمار
قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان، قال
حدثني يحيى، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر
إلاّ بإذنها، قالوا يا رسول الله وما إذنها قال: أن تسكت.
قال ظاهر الحديث يدل على أن البكر إذا أنكحت قبل أن تستأذن
فتصمت أن النكاح باطل كما يبطل نكاح الثيب قبل أن تستأمر
فتأذن بالقول،
(3/201)
وإلى هذا ذهب الأوزاعي وسفيان الثوري وهو
قول أصحاب الرأي.
وقال مالك بن أنس وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد بن حنبل
واسحاق بن راهويه إنكاح الأب البكر البالغ جائز وإن لم
تستأذن، ومعنى استئذانها عندهم إنما هو على استطابة النفس
دون الوجوب كما جاء الحديث باستئمار أمهاتهن وليس ذلك بشرط
في صحة العقد.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حَدَّثنا حماد
(ح) وحدثنا أبو كامل حدثنا يزيد بن زريع المعنى قال حدثني
محمد بن عمرو، قال: حَدَّثنا أبو سلمة، عَن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تستأمر اليتيمة في
نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها.
قال الشيخ فيه دليل على أن الصغيرة لا يزوجها غير الأب
وذلك لأنها لا تستأمر إلاّ بعد البلوغ إذ لا معنى لإذنها
ولا عبرة لإبائها قبل ذلك فثبت أنها لا تزوج حتى تبلغ
الوقت الذي يصح منها الإذن أو الامتناع، واليتيمة ههنا هي
البكر البالغ التي مات أبوها قبل بلوغها فلزمها اسم اليتم
فدعيت به وهي بالغ، والعرب ربما ادعت الشيء بالاسم الأول
الذي إنما سمي به لمعنى متقدم ثم ينقطع ذلك المعنى ولا
يزول الاسم من ذلك أنهم يسمون الرجل المستجمع السن غلاماً
وحد الغلومة ما بين أيام الصبى إلى أوقات الشباب.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال كان الغلام الذي قتله الخضر
رجلاً مستجمع السن وقالت ليلى الأخيلية:
إذا ورد الحجاج أرضاً مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العقام الذي بها ... غلام إذا هز القناة
سقاها
(3/202)
فجعلته غلاماً وهو رجل محتنك السن وكذلك
مذهبهم في نسبة الشيء واضافته إلى من كان مرة يملكه،
كقولهم دار عمرو بن حُريث، وبستان ابن عامر، وقصر أوس،
وقبة الحجاج. وقد يلي الرجل الإمارة والقضاء زماناً ثم
يعزل فيدعى أميراً أو قاضياً، ومثل هذا كثير في كلامهم.
وكذلك اليتيمة المذكورة في هذا الحديث هي التي قد لزمها
اسم اليتم في صغرها بموت أبيها فاشتهرت به ثم دعيت بذلك في
الكبر على هذا المعنى الذي وصفناه بدليل ما تقدم ذكره من
الكلام في أول الفصل والله أعلم.
وقد اختلف أهل العلم في جواز نكاح غير الأب الصغيرة، فقال
الشافعي لا يزوجها غير الأب والجد، ولا يزوجها الأخ ولا
العم ولا الوصي.
وقال الثوري لا يزوجها الوصي. وقال حماد بن أبي سليمان
ومالك بن أنس للوصي أن يزوج اليتيمة قبل البلوغ، وروي ذلك
عن شريح.
وقال أصحاب الرأي لا يزوجها الوصي حتى يكون ولياً لها.
وللولي أن يزوجها وإن لم يكن وصياً إلاّ أن لها الخيار إذا
بلغت.
ومن باب البكر يزوجها أبوها
ولا يستأمرها
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حَدَّثنا
حسين بن محمد، قال: حَدَّثنا جرير بن حازم عن أيوب عن
عكرمة عن ابن عباس أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه
وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى
الله عليه وسلم.
قال الشيخ ففى هذا الحديث حجة لمن لم ير نكاح الأب ابنته
البكر جائزاً إلا يإذنها. وفيه أيضاً حجة لمن رأى عقد
النكاح يثبت مع الخيار؛ غير أن أبا داود ذكر على أثره في
هذا الباب أن المعروف من هذا الحديث أنه مرسل غير
(3/203)
متصل؛ كذا رواه حماد بن زيد عن أيوب عن
عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه ابن عباس.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا معاوية بن
هشام عن سفيان عن إسماعيل بن أمية، قال أخبرني الثقة عن
ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمروا
النساء في بناتهن.
قال الشيخ مؤامرة الأمهات في بضع البنات ليس من أجل أنهن
تملكن من عقد النكاح شيئاً، ولكن من جهة استطابة أنفسهن
وحسن العشرة معهن، ولأن ذلك أبقى للصحبة وأدعى إلى الإلفة
بين البنات وأزواجهن إذا كان مبدأ العقد برضاء من الأمهلت
ورغبة منهن، وإذا كان بخلاف ذلك لم يؤمن تضريتهن ووقوع
الفساد من قبلهن والبنات إلى الأمهات أميل ولقولهن أقبل،
فمن أجل هذه الأمور يستحب مؤامرتهن في العقد على بناتهن
والله أعلم.
وقد يحتمل أن يكون ذلك لعلة أخرى غير ما ذكرناه، وذلك أن
المرأة ربما علمت من خاص أمر ابنتها ومن سر حديثها أمراً
لا يستصلح لها معه عقد النكاح، وذلك مثل العلة تكون بها،
والآفة تمنع من إيفاء حقوق النكاح وعلى نحو هذا يتأول قوله
ولا تزوج البكر إلاّ بإذنها وإذنها سكوتها، وذلك أنها قد
تستحي من أن تفصح بالإذن وأن تظهر الرغبة في النكاح فيستدل
بسكوتها على سلامتها من آفة تمنع الجماع، أو بسبب لا يصلح
معه النكاح لا يعلمه غيرها والله أعلم.
ومن باب الثيب
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس وعبد الله بن مسلمة
قالا: حَدَّثنا مالك
(3/204)
عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن
ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأيّم
أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها واذنها
صماتها.
قال الشيخ قد استدل أصحاب الشافعي بقوله الأيم أحق بنفسها
من وليها، على أن ولي البكر أحق بها من نفسها، وذلك من
طريق دلالة المفهوم لأن الشيء إذا قيد بأخص أوصافه دل على
أن ما عداه بخلافه، وقالوا والأسماء للتعريف والأوصاف
للتعليل.
قالوا والمراد بالأيم ههنا الثنيب لأنه قابلها بالبكر فدل
على أنه أراد بالأيم الثيب.
وقد جاء ذكر الثيب في هذا الحديث من رواية زياد بن سعد عن
عبد الله بن الفضل بإسناده، قال الثيب أحق بنفسها من وليها
والبكر يستأمرها أبوها.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن زياد عن
زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل بإسناده، قال الثيب أحق
بنفسها من وليها، والبكر يستأمرها أبوها، قال أبو داود
أبوها ليس بمحفوظ.
قالوا فقوله الثيب أحق بنفسها من وليها يجمع نصاً ودلالة
والعمل واجب بالدلالة وجوبه بالنص ودلالته أن غير الثيب
وهي البكر حكمها خلاف حكم الثيب في كونها أحق بنفسها،
وتأولوا استئمار البكر على معنى استطابة النفس دون الوجوب.
قالوا ومعنى قوله أحق بنفسها أي في اختيار الغير لا في
العقد بدليل أنها لو عقدت على نفسها لغير كفوء رد النكاح
من غير خلاف فيه.
وقد استدل به أصحاب أبي حنيفة في أن للمرأة أن تعقد على
نفسها بغيرإذن الولي، إلاّ أنهم لم يفرقوا بين البكر
البالغ والثيب في ذلك، وقد دل الحديث
(3/205)
على التفرقة.
وقد يحتج به أصحاب داود أيضاً لمذهبهم أن البكر لا يزوجها
غير الولي، وأن للثيب أن تعقد على نفسها.
وفيه حجة لمن رأى الإشارة والإيماء من الصحيح الناطق يقوم
مقام الكلام.
وعند الشافعي أن إذن البكر والاستدلال بصماتها على رضاها
إنما هو بمعنى الاستحباب دون الوجوب وذلك خاص في الأب
والجد فإن زوجها غير أبيها فإنه لا يرى صماتها إذناً في
النكاح.
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عى مالك عن عبد الرحمن بن
القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد الأنصاريين
عن خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت
ذلك فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له فرد
نكاحها.
قال الشيخ ذكرها الثيوبة في هذا الحديث يدل على أن حكم
البكر بخلاف ذلك، والأوصاف إنما تذكر تعليلاً.
وأما خبر عكرمة أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه
وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى
الله عليه وسلم فقد ذكر أبو داود أنه خبر مرسل.
وإسناد حديث خنساء بنت خدام إسناد جيد متصل وقد قيل أنه
كان نكاح ضرار ورووا فيه سبباً لم يحضرني إسناده.
ومن باب الاكفاء
قال أبو داود: حدثنا عبد الواحد بن غياث، قال: حَدَّثنا
حماد، قال: حَدَّثنا محمد بن عمرو، عَن أبي سلمة، عَن أبي
هريرة أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ
(3/206)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا بني
بياضة انكحوا أبا هند وانكحوا إليه، قال وإن كان في شيء
مما تداوون به خير فالحجامة.
قال الشيخ في هذا الحديث حجة لمالك ولمن ذهب مذهبه في أن
الكفاءة بالدين وحده دون غيره وأبو هند مولى بني بياضة ليس
من أنفسهم. والكفاءة معتبرة في قول أكثر العلماء بأربعة
أشياء بالدين والحرية والنسب والصناعة، ومنهم من اعتبر
فيها السلامة من العيوب واليسار فيكون جماعها ست خصال.
ومن باب تزويج من لم تولد
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن المثنى قالا:
حَدَّثنا يزيد بن هارون أخبرنا عبد الله بن يزيد بن
مِقْسَم الثقفي من أهل الطائف، قال حدثتني سارة بنت مقسم
أنها سمعت ميمونه بنت كَرْدَمٍ قالت خرجت مع أبي في حجة
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فدنا إليه أبي وهو على ناقة له ومعه درة كدرة
الكتاب فسمعت الأعراب والناس وهم يقولون الطبطبية الطبطبية
الطبطبية فدنا إليه أبي فأخذ بقدمه فأقرَّ له ووقف عليه
واستمع منه فقال إني حضرت جيش عِثران قال ابن المثنى جيش
غثران فقال طارق بن المرقع من يعطيني رمحاً بثوابه، فقلت
وما ثوابه، قال أزوجه أول بنت تكون لي فأعطيته رمحي ثم غبت
عنه حتى علمت أنه قد ولد له جارية وبلغت ثم جئته فقلت له
أهلي جهزهن إليّ فحلف أن لا يفعل حتى أصدقه صداقاً جديداً
غير الذي كان بيني وبينه وحلفت أن لا أصدق غير الذي
أعطيته، فقال رسول
(3/207)
الله صلى الله عليه وسلم: وبقرن أيّ النساء
هي اليوم، قال قد رأت القتير قال أرى أن تتركها قال فراعني
ذلك ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى ذلك
مني، قال: لا تأثم ولا يأثم صاحبك.
قال الشيخ قولها يقولون الطبطبية يحتمل وجهين أحدهما أن
يكون أرادت بها حكاية وقع الأقدام أي يقولون بأرجلهم على
الأرض طب طب.
والوجه الآخر أن يكون كناية عن الدرة يريد صوتها إذا خفقت.
وقوله بقرن أي النساء يريد سن أي النساء هي، والقرن بنو
سنٍ واحد، يقال هؤلاء قرن زمان كذا، وأنشدني أبو عمر قال
أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
إذا مضى القرن الذي أنت فيهم …وخلفت في قرن فأنت غريب
والقتير الشيب، ويشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم
إنما أشار عليه بتركها لأن عقد النكاح على معدوم العين
فاسد، وإنما كان ذلك منه موعداً له، فلما رأى أن ذلك لا
يفي بما وعد وأن هذا لا يقلع عما طلب أشار عليه بتركها
والإعراض عنها لما خاف عليهما من الإثم إذا تنازعا وتخاصما
إذ كان كل واحد منهما قد حلف أن يفعل غير ما حلف عليه
صاحبه وتلطف صلى الله عليه وسلم في صرفه عنها بالمسألة عن
سنها حتى قرر عنده أنها قد رأت القتير أي الشيب وكبرت وأنه
لا حظ له في نكاحها.
وفيه دليل على أن للحاكم أن يشير على أحد الخصمين بما هو
أدعى إلى الصلاح وأقرب إلى التقوى.
ومن باب في الصداق
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، قال:
حَدَّثنا عبد العزيز بن محمد، قال: حَدَّثنا يزيد بن الهاد
عن محمد بن إبراهيم، عَن أبي سلمة قال سألت عائشة
(3/208)
رضي الله عنها عن صداق النبي صلى الله عليه
وسلم فقالت ثنتا عشرة أوقية ونَش فقلت وما نش قالت نصف
أوقية.
قال الشيخ الأوقية أربعون درهماً والنش عشرون درهماً، وهو
اسم موضوع لهذا القدر من الدراهم غير مشتق من شيء سواه
والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا حجاج بن أبي يعقوب الثقفي، قال:
حَدَّثنا مُعلى بن منصور، قال: حَدَّثنا ابن المبارك،،
قال: حَدَّثنا معمر عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة أنها
كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة فزوجها
النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف
وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن
حسنة.
قال الشيخ معنى قوله زوجها النجاشي أي ساق إليها المهر
فأضيف عقد النكاح إليه لوجود سببه منه وهو المهر.
وقد روى أصحاب السير أن الذي عقد النكاح عليها خالد بن
سعيد بن العاص وهو أبو عمر بن أبي سفيان وأبو سفيان إذ ذلك
مشرك وقبل نكاحها عمرو بن أمية الضمري وكله رسول الله صلى
الله عليه وسلم بذلك وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
ومن باب أقل المهر
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حَدَّثنا حماد
عن ثابت البناني وحميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردغ زعفران
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مَهيم فقال يا رسول الله
تزوجت امرأة قال ما أصدقتها، قال وزن نواة من ذهب قال أولم
ولو بشاة.
(3/209)
قال الشيخ ردغ الزعفران أثر لونه وخضابه،
وقوله مَهيم كلمة يمانية معناه مالك وما شأنك، ويشبه أن
يكون المسألة إنما عرضت من حاله من أجل الصفرة التي رآها
عليه من ردغ الزعفران، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم
أن يتزعفر الرجل فأنكرها، ويشبه أن يكون ذلك شيئاً يسيراً
فرخص له فيه لقلته.
ووزن نواة من ذهب فسروها خمسة دراهم من ذهب وهو اسم معروف
لمقدار معلوم.
وقوله أولم ولو بشاة من الوليمة وهو طعام الأملاك.
قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن جبريل البغدادي أخبرنا يزيد
أخبرنا موسى بن مسلم بن رومان، عَن أبي الزبير عن جابر بن
عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أعطى في
صداق امرأة ملء عكفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل.
قال الشيخ فيه دليل على أن أقل المهر غير موقت بشيء معلوم
وإنما هو على ما تراضى به المتناكحان.
وقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال سفيان الثوري والشافعي
وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه لا توقيت في أقل المهر
وأدناه هو ما تراضوا به. قال سعيد بن المسيب لو أصدقها
سوطاً لحملت له. وقال مالك أقل المهر ربع دينار.
وقال أصحاب الرأي أقله عشرة دراهم، وقدروه بما يقطع فيه يد
السارق عندهم، وزعموا أن كل واحد منهما إتلاف عضو.
ومن باب التزويج على العمل
يعمل
قال أبو داود: حدثنا القعنبي، عَن أبي حازم بن دينار عن
سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته
امرأة فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك
(3/210)
فقامت قياما طويلاً، فقام رجل فقال يا رسول
الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: هل عندك من شيء تصدقها إياه فقال ما عندي
إلاّ إزاري هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك إن
أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك فالتمس شيئاً، قال لا أجد
شيئاً، قال فالتمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل معك من القرآن شيء
قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها، فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم: قد زوجتكها بما معك من القرآن.
قال الشيخ فيه من الفقه أن منافع الحر قد يجوز أن يكون
صداقاً كأعيان الأموال ويدخل فيه الإجارة وما كان في
معناها من خياطة ثوب ونقل متاع ونحو ذلك من الأمور.
وفيه دليل على جواز الأجرة على تعليم القرآن والباء في
قوله بما معك باء التعويض كما تقول بعتك هذا الثوب بدينار
أو بعشرة دراهم؛ ولو كان معناها ما تأوله بعض أهل العلم من
أنه إنما زوجه إياها لحفظه القرآن تفضيلاً له لجعلت المرأة
موهوبة بلا مهر وهذه خصوصية ليست لغير النبي صلى الله عليه
وسلم ولولا أنه أراد به معنى المهر لم يكن لسؤاله إياها هل
معك من القرآن شيء معنى لأن التزويج ممن لا يحسن القرآن
جائز جوازه ممن يحسنه. وليس في الحديث أنه جعل المهر ديناً
عليه إلى أجل فكان الظاهر أنه جعل تعليمه القرآن إياها
مهراً لها.
وفي للخبر دليل على أن المكافأة إنما هي في حق الدين
والحرية دون النسب والمال، ألا ترى أنه لم يسأل هل هو كفؤ
لها أم لا، وقد علم من حاله أنه لا مال له.
وفيه دليل على أنه لا حد لأقل المهر، وفيه أنه لم يسألها
هل أنت في عدة من
(3/211)
زوج أو وطء شبهة أو نحو ذلك أم لا، وهذا
شيء يفعله الحكام احتياطاً فلو ترك تارك وحمل الأمر على
ظاهر الحال وصدقها على قولها كان ذلك جائزاً ما لم يعلم
خلافه.
وقد اختلف الناس في جواز النكاح على القرآن، فقال الشافعي
بجوازه على ظاهر الحديث، وقال مالك لا يجوز وهو قول أصحاب
الرأي.
وقال أحمد بن حنبل أكرهه، وكان مكحول يقول ليس لأحد بعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعله.
وقال الشافعي فيمن نكح هذا النكاح إذا طلقها قبل أن يدخل
بها ففيه قولان أحدهما أن لها نصف المثل والآخر أن لها نصف
أجر التعليم.
ومن باب من تزوج ولم يفرض
لها صداقاً ومات عنها
قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة، قال:
حَدَّثنا يزيد بن زريع، قال: حَدَّثنا سعيد بن أبي عروبة
عن قتادة عن خلاس وأبي حسان عن عبد الله بن عتبة بن مسعود
أن عبد الله بن مسعود أتى في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم
يدخل بها ولم يفرض لها الصداق فاختلفوا إليه شهراً أو قال
مرات؛ قال فإني أقول فيها إن لها صداقا كصداق نسائها لا
وكس ولا شطط وإن لها الميراث وعليها العدة فإن يكن صواباً
فمن الله عز وجل، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان. والله
ورسواه بريئان، فقام ناس من أشجع فيهم الجراح وأبو سنان
فقالوا يا ابن مسعود نحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قضاها فينا في بروع بنت واشق بمثل ما قضيت ففرح بها
ابن مسعود فرحاً شديداً.
قال الشيخ قوله لا وكس ولا شطط الوكس، النقصان والشطط
العدوان
(3/212)
وهو الزيادة على قدر الحق، يقال أشط الرجل
في الحكم إذا تعدى الحق وجاوزه قال الشاعر:
ألا يا لقومي قد أشطت عواذلي …فيزعمن أن أودي بحقي باطل
وفيه من الفقه جواز الاجتهاد في الحوادث من الأحكام فيما
لم يوجد فيه نص مع إمكان أن يكون فيها نص وتوقيف.
وقوله فإن يكن صواباً فمن الله أي من توفيق الله وان يكن
خطأ فمني ومن تسويل الشيطان وتلبيسه على وجه الحق فيه.
وقوله والله ورسوله بريئان، يريد أن الله تعالى ورسوله صلى
الله عليه وسلم لم يتركا شيئاً لم يبينّاه في الكتاب أو في
السنة ولم يرشدا إلى صواب الحق فيه إما نصاً وإما دلالة
فهما بريئان من أن يضاف إليهما الخطأ الذي يؤتي المرء فيه
من جهة عجزه وتقصيره.
وفيه بيان أن المفوضة إذا مات عنها زوجها قبل الدخول بها
كان لها مهر المثل وإليه ذهب أصحاب الرأي وهو أصح قولين
للشافعي فإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة ولها نصف مهر،
واعتبر الشافعي مهر المثل بنساء عصبتها اختها وعمتها وبنات
أعمامها وليست أمها ولا خالتها من نسائها.
ومن باب في تزويج الصغار
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب وأبو كامل قالا:
حَدَّثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
رضي الله عنها قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنا بنت سبع سنين، قال سليمان أو ست ودخل بي وأنا بنت
تسع.
قال الشيخ في هذا دلالة على أن البكر التي أمر باستئذانها
في النكاح إنما هي البالغ دون الصغيرة التي لم تبلغ لأنه
لا معنى لاذن من لم تكن بالغاً ولا
(3/213)
اعتبار برضاها ولا بسخطها.
وكان أحمد بن حنبل يجعل هذا حداً في تزويج الأبكار لغير
الآباء والأجداد ويقول لا أرى للولي ولا للقاضي أن يزوج
اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين فإذا بلغت تسع سنين فرضيت فلا
خيار لها.
قال الشيخ ولعله قد بلغه أن نساء العرب أو أكثرهن يدركن
إذا بلغن هذا السن والله أعلم.
ومن باب المقام عند البكر
قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب قال حدثني يحيى عن سفيان
قال حدثني محمد بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر عن
أبيه عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج
أم سلمة أقام عندها ثلاثا، ثم قال ليس لك على أهلك هوان إن
شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي.
قال الشيخ اختلف العلماء في تأويل ذلك، فقال بعضهم الثلاث
تخصيص للثيب لا يحتسب بها عليها ويستأنف القسم فيما
يستقبل، وكذلك السبع للبكر وإلى هذا ذهب مالك والشافعي
وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وقد روي ذلك عن الشعبي.
وقال أصحاب الرأي البكر والثيب في القسم سواء وهو قول
الحكم وحماد. وقال الأوزاعي إذا تزوج البكر على الثيب مكث
ثلاثا وإذا تزوج الثيب على البكر يمكث يومين.
قال الشيخ السبع في البكر والثلاث في الثيب حق العقد
خصوصاً لا يحاسبان على ذلك ولكن يكون لهما عفواً بلا قصاص.
(3/214)
وقوله إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت
لنسائي ليس فيه دليل على سقوط حقها الواجب لها إذا لم يسبع
لها وهو الثلاث التي هي بمعنى التسويغ لها ولو كان ذلك
بمعنى التبدئة ثم يحاسب عليها لم يكن للتخيير معنى لأن
الإنسان لا يخير بين جميع الحق وبين بعضه فدل على أنه
بمعنى التخصيص.
قال الشيخ ويشبه أن يكون هذا من المعروف الذي أمر الله
تعالى به في قوله {وعاشروهن بالمعروف} [النساء: 19] وذلك
أن البكر لما فيها من الخفر والحياء تحتاج إلى فضل إمهال
وصبر وحسن تأن ورفق ليتوصل الزوج إلى الأرب منها، والثيب
قد جربت الأزواج وارتاضت بصحبة الرجال فالحاجة إلى ذلك في
أمرها أقل إلاّ أنها تخص بالثلاث تكرمة لها وتأسيساً
للإلفة فيما ببنه وبينها والله أعلم.
ومن باب الرجل يدخل بامرأته
قبل أن ينقد
قال أبو داود: حدثنا إسماعيل بن اسحاق الطالقاني، قال:
حَدَّثنا عبدة، قال: حَدَّثنا سعيد عن أيوب عن عكرمة عن
ابن عباس قال لما تزوج عليٌ فاطمة رضي الله عنهما، قال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطها شيئاً، قال ما عندي
شيء، قال أين درعك الحُطمية.
قال الشيخ الحطمية منسوبة إلى حطمة بطن من عبد القيس كانوا
يعملون الدروع. ويقال إنها الدرع السابغة التي تحطم
السلاح.
وقد اختلف الناس في الدخول قبل أن يعطي من المهر شيئاً
فكان ابن عمر يقول لا يحل لمسلم أن يدخل على امرأته حتى
يقدم إليها حقل أو كثر.
وروي عن ابن عباس الكراهية في ذلك وكذلك عن قتادة والزهري.
وقال مالك بن أنس لا يدخل حتى يقدم شيئاً من صداقها أدناه
ربع دينار
(3/215)
أو ثلاثة دراهم سواء فرض لها أو لم يكن
فرض.
وكان الشافعي يقول في القديم إن لم يسم لها مهراً كرهت أن
يطأها قبل أن يسمي أو يعطيها شيئاً، وقول سفيان الثوري
قريب من هذا ورخص في ذلك سعيد بن المسيب والحسن البصري
والنخعي وهو قول أحمد وإسحاق.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن معمر، قال: حَدَّثنا محمد بن
بكر البرساني قال أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة
نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما
كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما أكرم عليه
الرجل ابنته أو أخته.
قال الشيخ وهذا يتأول على ما يشترطه الولي لنفسه سوى
المهر، وقد اختلف الناس في وجوبه فقال سفيان الثوري ومالك
بن أنس في الرجل ينكح المرأة على أن لأبيها كذا وكذا شيئاً
اتفقا عليه سوى المهر أن ذلك كله للمرأة دون الأب وكذلك
روي عن عطاء وطاوس، وقال أحمد هو للأب ولا يكون ذلك لغيره
من الأولياء لأن يد الأب مبسوطة في مال الولد.
وروي عن علي بن الحسين أنه زوج ابنته رجلاً واشترط لنفسه
مالاً، وعن مسروق أنه زوج ابنته رجلاً واشترط لنفسه عشرة
آلاف درهم يجعلها في الحج والمساكين.
وقال الشافعي إذا فعل ذلك فلها مهر المثل ولا شيء للولي.
ومن باب ما يقال للمتزوج
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حَدَّثنا عبد
العزيز بن محمد عن سهيل عن أبيه، عَن أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال:
بارك الله لك وبارك
(3/216)
عليك وجمع بينكما في خير.
قال الشيخ قوله رفأ يريد هناه ودعا له وكان من عادتهم أن
يقولوا بالرفاء والبنين وأصله من الرفىء وهو على معنيين
أحدهما التسكين؛ يقال رفوت الرجل إذا سكنت ما به من روع
قال الشاعر:
رفوني وقالوا يا خويلد لم تُرع …فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
والآخر أن يكون بمعنى الموافقة والملائمة ومنه رفوت الثوب،
وفيه لغتان يقال رفوت الثوب ورفأته وأنشد أبو زيد:
عمامة غير جد واسعة …أخيطها تارة وأرفأها
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يقال
للمتزوج بالرفاء والبنين.
ومن باب من تزوج امرأة فوجدها
حبلى
قال أبو داود: حدثنا مخلد بن خالد والحسن بن علي وابن أبي
السري العسقلاني المعنى قالوا أخبرنا عبد الرزاق، قال:
حَدَّثنا ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن
رجل من الأنصار قال ابن أبي السري من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم ولم يقل من الأنصار ثم اتفقوا يقال له بصرة، قال
تزوجت امرأة بكراً في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لها الصداق بما استحللت من
فرجها والولد عبد لك فإذا ولدت فاجلدوها أو قال فحدوها.
قال أبو داود: روى هذا الحديث قتادة عن سعيد بن يزيد عن
ابن المسيب ويحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم عن ابن
المسيب وعطاء الخراساني عن ابن المسيب أرسلوه عن النبي صلى
الله عليه وسلم.
(3/217)
قال الشيخ هذا الحديث لا أعلم أحداً من
الفقهاء قال به وهو مرسل ولا أعلم أحداً من العلماء اختلف
في أن ولد الزنا حر إذا كان من حرة فكيف يستعبده ويشبه أن
يكون معناه أن ثبت الخبر أنه أوصاه به خيراً أو أمره
باصطناعه وتربيته واقتنائه لينتفع بخدمته إذا بلغ فيكون
كالعبد له في الطاعة مكافأة له على إحسانه وجزاء لمعروفه.
وفيه حجة إن ثبت الحديث لمن رأى الحمل من الفجور يمنع عقد
النكاح وهو قول سفيان الثوري وأبي يوسف وأحمد بن حنبل
وإسحاق.
وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن النكاح جائز وهو قول
الشافعي والوطء على مذهبه مكروه ولا عدة عليها في قول أبي
يوسف وكذلك عند الشافعي.
قال الشيخ ويشبه أن يكون إنما جعل لها صداق المثل دون
المسمى لأن في هذا الحديث من رواية زيد بن نعيم عن ابن
المسيب أنه فرق بينهما ولو كان النكاح وقع صحيحاً لم يجب
التفريق لأن حدوث الزنا بالمنكوحة لا يفسخ النكاح ولا يوجب
للزوج الخيار. ويحتمل أن يكون الحديث إن كان له أصل منسوخا
والله أعلم.
ومن باب في القسم بين النساء
قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: حَدَّثنا
همام، قال: حَدَّثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن
نهيك، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من
كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه
مائل.
قال الشيخ في هذا دلالة على توكيد وجوب القسم بين الضرائر
الحرائر وإنما المكروه من الميل هو ميل العشرة الذي يكون
معه بخس الحق دون ميل
(3/218)
القلوب فإن القلوب لا تملك فكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يسوي في القسم بين نسائه ويقول اللهم
هذا قسمي فيما أملك فلا تواخذني فيما لا أملك، وفي هذا نزل
قوله تعالى {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولوحرصتم
فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة} [النساء: 129] .
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، قال: حَدَّثنا
ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن
عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج
بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غيرأن
سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة.
قال الشيخ فيه إثبات القرعة وفيه أن القسم قد يكون بالنهار
كما يكون بالليل وفيه أن الهبة قد تجري في حقوق عشرة
الزوجية كما تجري في حقوق الأموال.
واتفق أكثر أهل العلم على أن المرأة التي تخرج بها في
السفر لا يحسب عليها بتلك المدة للبواقي ولا تقاص بما
فاتهن في أيام الغيبة إذا كان خروجها بقرعة.
وزعم بعض أهل العلم أن عليه أن يوفي للبواقي ما فاتهن أيام
غيبته حتى يساوينها في الحظ. والقول الأول أولى لاجتماع
عامة أهل العلم عليه، ولأنها إنما أرفقت بزيادة الحظ بما
يلحقها من مشقة السفر وتعب السير والقواعد خليات من ذلك
فلو سوى بينها وبينهن لكان في ذلك العدول عن الانصاف والله
أعلم.
ومن باب الرجل يتزوج امرأة
ويشرط لها دارها
قال أبو داود: حدثنا عيسى بن حماد المصري، قال: حَدَّثنا
اليث عن يزيد بن أبي حبيب، عَن أبي الخير عن عقبة بن عامر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أحق
(3/219)
الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج.
قال الشيخ كان أحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه يريان أن من
تزوج امرأة على أن لا يخرجها من دارها أو لا يخرج بها إلى
البلد أو ما أشبه ذلك أن عليه الوفاء بذلك وهو قول
الأوزاعى وقد روي معناه عن عمر رضي الله عنه.
وقال سفيان وأصحاب الرأي إن شاء ينقلها عن دارها كان له؛
وكذلك قال الشافعي ومالك، وقال النخعي كل شرط في نكاح فإن
النكاح يهدمه إلاّ الطلاق وهو مذهب عطاء والشعبي والزهري
وقتادة وابن المسيب والحسن وابن سيرين قال وتأويل الحديث
على مذهب هؤلاء أن يكون ما يشترطه من ذلك خاصاً في المهر
والحقوق الواجبة التي هي مقتضى العقد دون غيرها مما لا
يقتضيه والله أعلم.
ومن باب في ضرب النساء
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، قال: حَدَّثنا
سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أياس بن عبد
الله بن أبي ذباب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا تضربوا إماء الله فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال ذئِرن النساء على أزواجهن فرخص في ضربهن فأطاف
بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن
فقال صلى الله عليه وسلم: لقد طاف بآل محمد نساء كثير
يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم.
قوله ذئرن معناه سوء الخلق والجرأة على الأزواج والذائر
المغتاظ على خصمه المستعد للشر، ويقال اذرأت الرجل بالشر
إذا اغريته به فيكون معناه على هذا أنهن أغرين بأزواجهن
واستخففن بحقوقهم.
وفي الحديث من الفقه أن ضرب النساء في منع حقوق النكاح
مباح إلاّ أنه ضرب غير مبرح.
(3/220)
وفيه بيان أن الصبر على سوء أخلاقهن
والتجافي عما يكون منهن أفضل.
ومن باب حق المرأة على الزوج
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حَدَّثنا حماد
قال أخبرنا أبو قزعة سويد بن حجر الباهلي عن حكيم بن
معاوية القشيري عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة
أحدنا عليه، قال أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت
ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلاّ في البيت.
قال الشيخ في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها وليس في ذلك حد
معلوم، وإنما هو على المعروف وعلى قدر وسع الزوج وجِدته
وإذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقا لها فهولازم للزوج
حضر أو غاب وإن لم يجده في وقته كان ديناً عليه إلى أن
يؤديه إليها كسائر الحقوق الواجبة، وسواء فرض لها القاضي
عليه أيام غيبته أو لم يفرض.
وفي قوله ولا تضرب الوجه دلالة على جواز الضرب على غير
الوجه إلاّ أنه ضرب غير مبرح، وقد نهى صلى الله عليه وسلم
عن ضرب الوجه نهياً عاماً لا تضرب آدمياً ولا بهيمة على
الوجه.
وقوله ولا تقبح معناه لا يسمعها المكروه ولا يشتمها بأن
يقول قبحك الله وما أشبهه من الكلام.
وقوله لا تهجر إلاّ في البيت أي لا تهجرها إلاّ في المضجع
ولا تتحول عنها أو تحولها إلى دار أخرى.
ومن باب ما يؤمر به من غض
البصر
قال أبو داود: حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال أخبرنا
شريك، عَن أبي
(3/221)
ربيعة الإيادي عن ابن بريدة عن أبيه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي
الله عنه لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليس لك
الآخرة.
قال الشيخ النظرة الأولى إنما تكون له لا عليه إذا كانت
فجأة من غير قصد أو تعمد وليس له أن يكرر النظر ثانية ولا
له أن يتعمده بدءا كان أو عودا.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير، قال: حَدَّثنا سفيان،
قال: حَدَّثنا يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد، عَن أبي زرعة
عن جرير، قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة
الفجأة فقال اصرف بصرك.
قال الشيخ ويروى اطرق بصرك حدثنا ابن الأعرابي، قال:
حَدَّثنا علي بن عبد العزيز، قال: حَدَّثنا أبو نعيم حدثنا
سفيان عن يونس بن عبيد عن عمر بن سعيد، عَن أبي زرعة عن
جرير، قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة
الفجأة فقال اطرق بصرك.
قال الشيخ الأطراق أن يقبل ببصره إلى صدره والصرف أن يقبله
إلى الشق الآخر أو الناحية الأخرى.
قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حَدَّثنا أبو عَوانة عن
الأعمش، عَن أبي وائل، عَن أبي مسعود قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها
لزوجها كأنما ينظر إليها.
قال الشيخ فيه دلالة على أن الحيوان قد يضبط بالصفة ضبط
حصر وإحالة واستدلوا به على جواز السلم في الحيوان.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد، قال: حَدَّثنا أبو ثور
عن معمر قال أخبرنا طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال ما رأيت
شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة
(3/222)
عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى
كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا
العينين النظر، وزنا اللسان النطق تمنّى وتشتهي والفرج
يصدق ذلك ويكذبه.
قال الشيخ قوله اشبه باللمم يريد بذلك ما عفا الله عنه من
صغائر الذنوب وهو معنى قوله تعالى {الذين يجتنبون كبائر
الاثم والفواحش إلاّ اللمم} [الشورى: 37] وهو ما يلم به
الإنسان من صغائر الذنوب التي لا يكاد يسلم منها إلاّ من
عصمه الله تعالى وحفظه وإنما سمي النظر زنا والقول زنا
لأنهما مقدمتان للزنا فإن البصر رائد واللسان خاطب والفرج
مصدق للزنا ومحقق له بالفعل.
وفي قوله والفرج يصدق ذلك ويكذبه مستدل لمن جعل المتلوط
زانياً يجلد أو يرجم كسائر الزناة وذلك أنه قد واقع الفرج
بفرجه وهو صورة الزنا حقيقة.
ومن باب وطء السبايا
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن عمر بن ميسرة، قال:
حَدَّثنا يزيد بن زريع، قال: حَدَّثنا سعيد عن قتادة عن
صالح بن أبي الخليل، عَن أبي علقمة الهاشمي، عَن أبي سعيد
الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين
بعثاً إلى أوطاس فلقوا العدو فقاتلوهم وظهروا عليهم
وأصابوا لهم سبايا فكأن أناساً من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من
المشركين فأنزل الله في ذلك {والمحصنات من النساء إلاّ ما
ملكت أيمانكم} [النساء: 24] أي فهن لهم حلال إذا انقضت
عدتهن.
قال الشيخ المحصنات من النساء معناه المتزوجات، وفيه بيان
أن الزوجين إذا سبيا معاً فقد وقعت الفرقة بينهما كما لو
سبي أحدهما دون الآخر.
وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأبو ثور واحتجوا بأن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قسم السبي، وأمر أن لا توطأ حامل
حتى تضع ولا حائض حتى تحيض، ولم
(3/223)
يسأل عن ذات زوج وغيرها ولا عمن كانت سبيت
منهن مع الزوج أو وحدها فدل أن الحكم في ذلك واحد.
وقال أبو حنيفة إذا سبيا جميعاً فهما على نكاحهما الأول
وقال الأوزاعي ما كان في المقاسم فهما على نكاحهما فإن
اشتراهما رجل فشاء أن يجمع بينهما جمع وإن شاء فرق بينهما
واتخذها لنفسه بعد أن يستبرئها بحيضة.
وفي قوله إذا انقضت عدتهن دليل على ثبوت أنكحة أهل الشرك
ولولا ذلك لم يكن للعدة معنى.
وقد تأول ابن عباس الاية في الأمة يشتريها ولها زوج، فقال
بيعها طلاقها وللمشتري اتخلذها لنفسه وهو خلاف أقاويل عامة
العلماء، وحديث بريرة يدل على خلاف قوله.
قال أبو داود: حدثنا النفيلي، قال: حَدَّثنا مسكين، قال:
حَدَّثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الرحمن بن جبير بن
نفير عن أبيه، عَن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان في غزوة فرأى امرأة مُخجاً فقال لعل صاحبها ألمَّ
بها قالوا نعم، قال لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في
قبره كيف يورثه وهولا يحل له.
قال الشيخ المخج الحامل المقرب، وفيه بيان أن وطئ الحبالى
من النساء لا يجوز حتى يضعن حملهن.
وقوله كيف يورثه وهو لا يحل له أم كيف يستخدمه وهو لا يحل
له، يريد أن ذلك الحمل قد يكون من زوجها المشرك فلا يحل له
استلحاقه وتوريثه، وقد يكون منه إذا وطئها أن ينفش ما كان
في الظاهر حملاً وتعلق من وطئه فلا يجوز له سبيه
واستخدامه.
(3/224)
وفي هذا دليل على أنه لا يجوز استرقاق
الولد بعد الوطء إذا كان وضع الحمل بعده بمدة تبلغ أدنى
مدة الحمل وهو ستة أشهر.
قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون، قال: حَدَّثنا شريك عن
قيس بن وهب، عَن أبي الودّاك، عَن أبي سعيد الخدري ورفعه
أنه صلى الله عليه وسلم قال في سبايا أوطاس لا توطأ حامل
حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة.
قال الشيخ فيه من الفقه أن السبي ينقض الملك المتقدم ويفسخ
النكاح.
وفيه دليل على أن استحداث الملك يوجب الاستبراء في الإماء
فلا توطأ ثيب ولا عذراء حتى تستبري بحيضة ويدخل في ذلك
المكاتبة إذا عجزت فعادت إلى الملك المطلق؛ وكذلك من رجعت
إلى ملكه بإقالة بعد البيع وسواء كانت الأمة مشتراة من رجل
أو امرأة لأن العموم يأتي على ذلك أجمع.
وفي قوله حتى تحيض دليل على أنه إذا اشتراها وهي حائض فإنه
لا يعتد بتلك الحيضة حتى تستبرىء بحيضة مستأنفة.
وقد يستدل بهذا الحديث من يى أن الحامل لا تحيض وأن الدم
الذي ترام أيام حيضها غير محكوم له بحكم الحيض في ترك
الصلاة والصيام، قال وذلك لأنه جعل الحيض دليل براءة الرحم
فلو صح وجوده مع الحمل لانتقضت دلالته في الاستبراء ولم
يكن للفرق الذي جاء في هذا الحديث بينهما معنى، وإلى هذا
ذهب أصحاب الرأي.
وقال الشافعي الحامل تحيض وإذا رأت الدم المعتاد أمسكت عن
الصلاة وإنما جعل الحيض في الحامل علماً لبراءة الرحم من
طريق الظاهر فإذا جاء ما هو
(3/225)
أظهر منه وأقوى في الدلالة سقط اعتباره
ويأمرها بأن تمسك عن الصلاة ولا تنقضي عدتها إلاّ بوضع
الحمل، وذهب إلى أن وجود الدم لا يمنع من وجود الاعتداد
بالحمل كما لم يمنع وجوده في المتوفى عنها زوجها من
الاعتداد بالأربعة الأشهر والعشر.
قال أبو داود: حدثنا النفيلي، قال: حَدَّثنا محمد بن سلمة
عن محمد بن إسحاق، قال حدثني يزيد بن أبي حبيب، عَن أبي
مرزوق عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين لا يحل لامرىء يؤمن
بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره، يَعني اتيان
الحبالى.
قال الشيخ شبه صلى الله عليه وسلم الولد إذا علق بالرحم
بالزرع إذا نبت ورسخ في الأرض وفيه كراهة وطء الحبلى إذا
كان الحبل من غير الواطىء على الوجوه كلها، وقد يستدل به
من يرى الحاق الولد بالواطئين إذا كان ذلك منهما، وقالوا
قد شبه النبي صلى الله عليه وسلم الولد بالزرع أي كما يزيد
الماء في الزرع كذلك يزيد المني في الولد.
قال الشيخ وهذا تشبيه علي معنى التقريب وهو في قوله زرع
غيره قطع إضافة ملك الزرع عن الساقى وإثباته لرب الزرع وهو
الزارع فقياسه في التشبيه به أن لا يكون الولد لهما جميعاً
وإنما يكون لأحدهما.
ومن باب جامع النكاج
قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ قال
حدثني محمد بن يونس بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبان بن
صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال إن ابن عمر والله يغفر له.
أوهم إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا
الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم
(3/226)
في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم،
وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلاّ على حرف
واحد، وذلك أستر ما تكون المرأة فكان هذا الحي من الأنصار
قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون
النساء شريحاً منكراً ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات
ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة
من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت إنما كنا
نؤتى على حرف فأصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى شرى أمرهما فبلغ
ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى
{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة: 223] أي
مقبلات ومدبرات، يَعني بذلك موضع الولد.
قال الشيخ قوله أوهم ابن عمر هكذا وقع في الرواية والصواب
وهم بغير ألف يقال وهم الرجل إذا غلط في الشيء، ووهم
مفتوحة الهاء إذا ذهب وهمه إلى الشيء وأوهم بالألف إذا
أسقط من قراءته أو كلامه شيئاً، ويشبه أن يكون قد بلغ ابن
عباس عن ابن عمر في تأويل الآية شيء خلاف ما كان يذهب إليه
ابن عباس.
وقوله يشرحون النساء أصل الشرح في اللغة البسط ومنه انشراح
الصدر بالأمر وهو انفتاحه ومن هذا قولهم شرحت المسألة إذا
فتحت المنغلق منها وبينت المشكل من معناها.
وقوله حتى شرى أمرهما أي ارتفع وعظم، وأصله من قولك شرى
البرق إذا لج في اللمعان واستشرى الرجل إذا لج في الأمر.
وفيه بيان تحري إتيان النساء في أدبارهن مع ما جاء في
النهي في ذلك في سائر الأخبار.
(3/227)
ومن باب في اتيان
الحائض
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حَدَّثنا حماد،
قال: حَدَّثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن اليهود كانت
إذا حاضت منهم امرأة اخرجوها من البيت ولم يواكلوها ولم
يشاربوها ولم يجامعوها في البيت فسأل رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل
هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} [البقرة: 222] إلى آخر
الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعوهن في
البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح، فقالت اليهود ما يريد
هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه فجاء
أُسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن
في المحيض فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
ظننا أنه قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فظننا أنه
لم يجد عليهما.
معناه علمناه وذلك أنه لا يدعوهما إلى مجالسته ومواكلته
إلاّ وهو غير واجد عليهما والظن يكون بمعنيين أحدهما بمعنى
الحسبان والآخر بمعنى اليقين فكان اللفظ الأول منصرفاً إلى
الحسبان والآخر إلى العلم وزوال الشك كقول دريد بن الصمة:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ... سراتهم بالفارسي المسردد
قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء ومسدد قالا: حَدَّثنا
حفص عن الشيباني عن عبد الله بن شداد عن خالته ميمونه بنت
الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن
يباشر امرأة من نسائه وهي حائض أمرها أن تتزر ثم يباشرها.
قال الشيخ في هذا دليل على أن ما تحت الازار من الحيض حمى
لا يقرب،
(3/228)
وإليه ذهب مالك بن أنس وأبو حنيفة وهو قول
سعيد بن المسيب وشريح وعطاء وطاوس وقتادة.
ورخص بعضهم في اتيانها دون الفرج وهو قول عكرمة، وإلى نحو
من هذا أشار الشافعي.
وقال إسحاق إن جامعها دون الفرج لم يكن به بأس، وقول أبي
يوسف ومحمد قريب من ذلك.
ومن باب في العزل
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حَدَّثنا
الفضل بن دُكين، قال: حَدَّثنا زهير، عَن أبي الزبير عن
جابر، قال جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال إن لي جارية أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل، فقال
أعزل عنها إن شئت فأنه سيأتيها ما قدر لها، قال فلبث الرجل
ثم أتاه فقال إن الجارية قد حملت، قال قد أخبرتك أنه
سيأتيها ما قدر لها.
قال في هذا الحديث من العلم اباحة العزل عن الجواري، وقد
رخص فيه غير واحد من الصحابة والتابعين وكرهه بعض الصحابة.
وروي عن ابن عباس أنه قال تستأمر الحرة في العزل ولا
تستأمر الجارية وإليه ذهب أحمد بن حنبل.
وقال مالك لا يعزل عن الحرة إلاّ بإذنها ولا يعزل عن
الجارية إذا كانت زوجة إلاّ بإذن أهلها ويعزل عن أمته بغير
إذن.
وفي الحديث دلالة على أنه إذا أقر بوطء أمته وادعى العزل
فان الولد لاحق به إلاّ أن يدعي الاستبراء وهذا على قول من
يرى الأمة فراشاً وإليه ذهب الشافعي.
(3/229)
ومن باب ما يكره من ذكر الرجل
ما يكون بينه وبين أهله
قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حَدَّثنا بشر، قال:
حَدَّثنا الجريري، عَن أبي نضرة قال حدثني شيخ من طفاوة
قال تثوّيت أبا هريرة بالمدينة فلم أر رجلا من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم أشد تشميراً وأقوم على ضيف منه وساق
الحديث إلى أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن
نَّساني الشيطان شيئاً من صلواتي فليسبح القوم وليصفق
النساء.
قوله تثويت أبا هريرة معناه جئته ضيفاً، والثوى معناه
الضيف وهذا كما تقول تضيفته إذا ضفته وقوله فليسبح القوم
يريد الرجال دون النساء ومرسل اسم القوم في اللغة إنما
ينطلق على الرجال دون النساء قال زهير:
وما أدري وسوف أخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء
ويدل على ذلك قوله وليصفق النساء فقابل النساء فدل أنهن لم
يدخلن فيهم. |