تهذيب اللغة

(أَبْوَاب الْعين وَالْقَاف)
ع ق ك
ع ق ج. أهملت وجوهها

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الشين)
عقش، عشق، قشع، قعش، شقع: مستعملة.
عشق: سُئِلَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى عَن الحبّ والعِشْق أَيهمَا أَحْمد؟ فَقَالَ الحبّ؛ لِأَن العِشق فِيهِ إفراط. قَالَ: وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: العُشُق المصلحون غُروسَ الرياحين ومُسوُّوها. قَالَ: والعُشُق من الْإِبِل: الَّذِي يلْزم طَروقتَه وَلَا يحنُّ إِلَى غَيرهَا. قَالَ: والعَشَق: اللَّبلابُ، واحدتها عَشَقةٌ. قَالَ والعُشُق: الْأَرَاك أَيْضا. قَالَ: وسمِّي العاشق عَاشِقًا لأنّه يذبُل من شدَّة الْهوى كَمَا تذبُل العَشقَة إِذا قُطعت.
وَقَالَ أَبُو عبيد: امرأةٌ عاشقٌ بِغَيْر هَاء، ورجلٌ عاشقٌ مثله.
قلت: وَالْعرب خذَفت الْهَاء من نعت الْمَرْأَة من حُروف كَثِيرَة. مِنْهَا قَوْلهم: (تحسبها حَمقاء وَهِي باخس) . وَيَقُولُونَ: امرأةٌ بالغٌ، إِذا أدْركْت. وَيَقُولُونَ للْأمة خَادِم، والرجلُ كَذَلِك فِي هَذِه الْحُرُوف.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال عَشِق يَعشَق عِشْقاً. قَالَ والعَشَق الْمصدر والعِشْق الِاسْم. وَقَالَ رؤبة يصف العَير والأتان:
وَلم يُضِعْها بَين فِركٍ وعَشَق
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: العَشَق والعَسَق، بالشين وَالسِّين: اللّزوم للشَّيْء لَا يُفَارِقهُ، وَلذَلِك قيل للكَلِيفِ عاشقٌ للزومه هَوَاهُ. والمَعْشَق

(1/118)


والعِشْقُ وَاحِد وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَمَا بِي من سُقْم وَمَا بِي مَعْشَقُ
عقش: أَبُو سعيد: العَقْش: أَطْرَاف قُضبان الْكَرم. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ العَقَش: ثَمر الْأَرَاك، وَهُوَ الحَثَر، والجَهَاض، والغَيْلة والكبَاث.
قعش: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القُعوش من مراكب النِّسَاء شبه الهوادج، وَقَالَ رؤبة يصف السَّنَة:
حدباء فكّت أُسُر القُعوشِ
قَالَ: وَاحِدهَا قَعْش.
وَقَالَ اللَّيْث نَحوا مِمَّا قَالَه، قَالَ: والقَعْش كالقَعْض وَهُوَ الْعَطف.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: تَقَعْوَشَ الْبناء وتقعوَسَ، إِذا انهدمَ. قَالَ: وانقعش الْحَائِط، إِذا انقلع. وانقعشَ القومُ، إِذا انقلعوا فَذَهَبُوا.
قشع: رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: (لَو حدّثتكم بكلِّ مَا أعلم لرميتموني بالقشع) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ وَغَيره: القِشَع: الْجُلُود الْيَابِسَة، الْوَاحِد مِنْهَا قَشْع.
قَالَ أَبُو عبيد: وَهَذَا على غير قِيَاس الْعَرَبيَّة ولكنّه هَكَذَا يُقَال. وَأنْشد قَول متمِّم يرثي أَخَاهُ:
وَلَا بَرَمٍ تُهدِي النساءُ لعِرْسِهِ
إِذا القَشْع من حِسِّ الشتَاء تقعقعا
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: القَشْعة: النُّخامة، وَجَمعهَا قِشَع. كأنّه أَرَادَ رميتموني بهَا اسْتِخْفَافًا بِي. وَقَالَ غَيره: القَشْعة: مَا تقلَّف من يَابِس الطِّين إِذا نَشّت الغُدران عَنهُ ورسَب فِيهَا طينُ السَّيل فجفَّ وتشقَّق. وَجَمعهَا قِشَع. فَكَأَنَّهُ أَرَادَ: لَو حدثتكم بكلِّ مَا أعلم لرميتموني بِالْحجرِ والمدر تَكْذِيبًا لحديثي. وَيُقَال للجلد الْيَابِس قَشْع وقِشْع.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: قشعت الرّيح السَّحابة فأقشعت. قَالَ: وأقشع القومُ إِذا تفرّقوا.
وَقَالَ اللَّيْث: القَشْع: السَّحاب المتقشِّع عَن وَجه السَّمَاء. قَالَ: وانقشعَ الهمُّ عَن الْقلب. قَالَ: والقَشْعة: قطعةٌ من السَّحَاب، إِذا انقشع الْغَيْم تبقى القَشْعة فِي نواحي الأفُق. قَالَ: والقَشْعة: بيتٌ من أدَمٍ يُتّخَد من جُلُود الْإِبِل، والجميع قَشْع. قَالَ: وربّما اتُّخِد من جُلُود الْإِبِل صِوانٌ للمتاع يسمَّى قَشْعاً.
قَالَ شمر: قَالَ ابْن الْمُبَارك: القَشْعة: النِّطَع. قَالَ: وَقَالَ غَيره: هِيَ القِربة البالية.
قَالَ: وَمَات رجلٌ بالبادية فأوصى أَن ادفنوني فِي مَكَاني هَذَا وَلَا تنقُلوني عَنهُ، فَقَالَ:
لَا تَجْتَوِي القَشْعةُ الخرقاءُ مَبناها
النَّاس ناسٌ وَأَرْض الله سَوَّاها
قَالَ: الخرقاء: المتخرِّقة. وَقَوله مبناها، يَعْنِي بِهِ حَيْثُ بُنِيت القَشْعة. قَالَ: والاجتواء: ألاّ يوافقَك المكانُ وَلَا مَاؤُهُ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القِشَع: الأنطاعُ المُخْلِقة. قَالَ: وَقَول أبي

(1/119)


هُرَيْرَة: (لرميتموني القِشَع) قَالَ: القِشَع هَاهُنَا: البُزَاق. وَقَالَ أَبُو سعيد: القِشَع: النُّخامة يقشمها الرجلُ من صَدره، أَي يُخرجهَا بالتنخُّم، أَي لبزقتم فِي وَجْهي.
شقع: قَالَ اللَّيْث: يُقَال شَقَع الرجل فِي الْإِنَاء، إِذا كرَع فِيهِ. وَمثله قَمَع، ومَقَع، وقَبَع، كلُّ ذَلِك من شدّة الشُّرب.
وَقَالَ غيرُه: شَقَعه بِعَيْنِه، إِذا لَقَعَه.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الضَّاد)
اسْتعْمل من وجوهه: قعض، قضع.
قعض: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: القَعْض: عطفك الْخَشَبَة، كَمَا تُعطَف عُروش الكَرْم. وَقد قعضه فانقعضَ، أَي انحنى. وَقَالَ رؤبة:
أَطْرَ الصَّنَاعَيْنِ العريشَ القَعْضا
قضع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: قُضاعة مَأْخُوذ من القَضْع، وَهُوَ الْقَهْر. يُقَال قَضَعه قَضْعاً. قَالَ: والقُضاعة أَيْضا: كلبة المَاء. قَالَ: وَكَانُوا أشدّاء كَلِبينَ فِي الحروب ونحوِ ذَلِك.
قَالَ اللَّيْث: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي مَوضِع آخر القُضاعة: القَهْر. وَبِه سمِّيت قضاعة.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الصَّاد)
عقص، صقع، صعق، قصع، قعص: مستعملة.
عقص: رُوِيَ عَن عمر بن الخطّاب أَنه قَالَ: (من لبّد أَو عَقَص فَعَلَيهِ الْحلق) يَعْنِي من المحرِمينَ بِالْحَجِّ أَو الْعمرَة. قَالَ أَبُو عبيد: العَقْص: ضربٌ من الضَّفْر، وَهُوَ أَن يُلوَى الشَّعَر على الرَّأْس، وَلِهَذَا يُقَال: للْمَرْأَة عِقْصة وَجَمعهَا عِقَصٌ وعِقاص. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس يصف شعر امْرَأَة:
غدائره مستشزِراتٌ إِلَى العُلاَ
تَضِلُّ العِقاصُ فِي مثنَّى ومرسَلِ
وصفهَا بِكَثْرَة الشّعْر والتفافِه.
وَقَالَ اللَّيْث: العَقْص: أَن تَأْخُذ الْمَرْأَة كل خُصْلة من شعرهَا فتلويَها ثمَّ تَعقِدَها حتّى يبْقى فِيهَا التواءٌ ثمَّ تُرسلها؛ وكلُّ خُصلة عقيصة. قَالَ: وَالْمَرْأَة ربّما اتّخذَتْ عقيصةً من شعر غَيرهَا.
وَقَالَ شمر: سمعتُ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: العِقاص: المَدَارِي فِي قَول امرىء الْقَيْس. قَالَ: العَقْص والضَّفر ثَلَاث قُوًى، وقُوَّتان. قَالَ: وَالرجل يَجْعَل شعره عقيصتين وضفيرتين فيرُخيهما من جانبيه.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: العِقاص، والرَّبَض، والحوِيّة، والحاوية وَاحِد، وَهِي الدُّوَّارة الَّتِي فِي بطن الشَّاة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: العَقْصاء من المِعْزى: الَّتِي قد التوَى قرناها على أذنيها من خلفهَا. والقَصماء: الْمَكْسُورَة الْقرن الْخَارِج. والعَضْباء: الْمَكْسُورَة الْقرن الدَّاخِل، وَهُوَ المُشاش. والنَّصْباء: المنتصبة القرنين. وَقَالَ أَبُو عبيد: العَقِص من الرِّجَال: الضيِّق الْبَخِيل. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَقِص من الرَّمل كالعَقِد. وَقَالَ الأصمعيّ: المِعقَص: السهْم ينكسر نصله فَيبقى سِنْخُه فِي السهْم، فيُخرج ويُضرب حَتَّى يُطَوَّل ويردّ إِلَى مَوْضِعه فَلَا يسدّ

(1/120)


مسدّهُ؛ لِأَنَّهُ دُقِّق وطُوِّل. قَالَ الْأَصْمَعِي: وَلم يدر النَّاس مَا مَعاقص فَقَالُوا مَشاقص، للنصال الَّتِي لَيست بعريضة. وَأنْشد للأعشى:
وَلَو كنتُم نبْلاً لكنتم معاقصا
وَرَوَاهُ غَيره: (مشاقصا)
قَالَ: وعقص أمره، إِذا لواه فلبَّسَه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِعقاص من الْجَوَارِي: السيِّئة الخُلُق. قَالَ: والمِعقاص هِيَ النِّهاية فِي سوء الْخلق. قَالَ: والمِعقاص: الشَّاة المعوّجة الْقرن.
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال أخذْتُه معاقصة ومقاعصة، أَي مُعازَّةً ومُغالبة.
قعص: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه قَالَ: (مَن خَرج فِي سبيلِ الله فقُتِل قَعْصاً فقد اسْتوْجبَ المآب) . قلت: أَرَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه اسْتوْجبَ حُسن المآب، وَهُوَ قَول الله جلّ وعزَّ: {ذَالِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ} (ص: 25) ، فاختصر الْكَلَام.
قَالَ أَبُو عبيد: القَعْص: أَن يُضرب الرجلُ بالسِّلاح أَو بِغَيْرِهِ فَيَمُوت مكانَه قبلَ أَن يَرِيمَه. وَقد أقعصَه الضاربُ إقعاصاً. وَكَذَلِكَ الصَّيد.
وَفِي حَدِيث آخر جَاءَ فِي أَشْرَاط السّاعة قَالَ: (ومُوتانٌ يكون فِي النَّاس كقُعاص الْغنم) ، قَالَ أَبُو عبيد: القُعاص: داءٌ يأخُذ الْغنم لَا يُلبِثها إِلَى أَن تَمُوت. قَالَ: وَمِنْه أُخذ الإقعاص فِي الصَّيْد، يُرمى فَيَمُوت مكانَه.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: المِقعاص: الشَّاة الَّتِي بهَا القُعاص، وَهُوَ داءٌ قَاتل.
وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: انقعص وانقعف وانغرفَ، إِذا مَاتَ. وَأخذت المَال مِنْهُ قَعصاً، وقعصتُه إِيَّاه، إِذا اعتززته.
اللَّيْث: شاةٌ قَعوص: تضرب حالبَها وتمنع دِرَّتها. وَمَا كَانَت قعوصاً وَلَقَد قَعِصتْ قَعَصاً.
قصع: فِي حَدِيث رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّه (خطب على نَاقَة وَهِي تَقصَع بجِرّتها) قَالَ أَبُو عبيد: القَصْع: ضمُّك الشَّيْء على الشَّيْء حتّى تقتله أَو تهشمه. قَالَ: وَمِنْه قَصْع القملة. وإنّما قيل للصبيّ إِذا كَانَ بطيء الشَّبَاب قَصِيع يُرِيدُونَ أنّه مردّد الْخلق بعضه إِلَى بعضٍ فَلَيْسَ يَطُول. قَالَ: وقَصْع الجِرَّة: شدّة المضْغ وضمّ بعض الْأَسْنَان إِلَى بعض.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثعلبٍ عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: قُصَعة اليربوع وقاصعاؤه: أَن يحْفر حُفيرةً ثمَّ يسدُّ بابَها بترابها. وَقَالَ الفرزدَق يهجو جَرِيرًا:
وَإِذا أخذتُ بقاصعائك لم تَجِدْ
أحدا يُعِينُك غيرَ من يتقصَّعُ
يَقُول: أَنْت فِي ضعفك إِذا قصدتُ لَك كبني يَرْبُوع لَا يُعينك إِلَّا ضعيفٌ مثلك. وإنّما شبههم بِهَذَا لأنّه عَنى جَرِيرًا، وَهُوَ من بني يَرْبُوع.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: القاصعاء والقُصَعة: فَم حُجر اليربوع أوّلَ مَا يبتدىء فِي حَفره. قَالَ: ومأخذه من القَصْع، وَهُوَ ضمُّ الشَّيْء إِلَى الشَّيْء.

(1/121)


أَبُو عبيد: قَصَع العطشانُ غُلَّته بِالْمَاءِ، إِذا سكّنها. وَمِنْه قَول ذِي الرمة يصف الْوَحْش:
فانصاعت الحُقْبُ لم تقصَعْ جرائرَها
وَقد نَشَحْنَ فَلَا ريٌّ ولاهِيمُ
وَقَالَ أَبُو سعيدٍ الضَّرير: قَصْع الناقةِ الجرَّةَ: استقامة خُرُوجهَا من الْجوف إِلَى الشِّدق غير منقطعةٍ وَلَا نَزْرة، ومتابعةُ بَعْضهَا بَعْضًا. وإنّما تفعل الناقةُ ذَلِك إِذا كَانَت مطمئنّةً سَاكِنة لَا تسير، فَإِذا خَافت شَيْئا قطعت الجِرّة. قَالَ: وأصل هَذَا من تقصيع اليربوع، وَهُوَ إخراجُه ترابَ جُحْره وقاصعائه. فجعلَ هَذِه الجرَّةَ إِذا دَسَعتْ بهَا النَّاقة بِمَنْزِلَة التُّراب الَّذِي يُخرجه اليربوع من قاصعائه.
وَقَالَ أَبُو زيد: قصعت الناقةُ بجِرتها قَصْعاً، وَهُوَ المضغ، وَهُوَ بعد الدّسْع. والدسْع: أَن تنْزع الجِرّة من كَرشها، ثمَّ القَصْع بعد ذَلِك، والمضْغ، والإفاضة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: قصّع الزرعُ تقصيعاً، إِذا خرجَ من الأَرْض قَالَ: وَإِذا صَار لَهُ شُعَبٌ قيل: قد شعّبَ.
وَقَالَ غَيره: قصَّع أوّلُ الْقَوْم من نَقْب الْجَبَل، إِذا طلعوا. وسيفٌ مِقْصَعٌ ومِقصَلٌ: قطّاع.
وَقَالَ أَبُو سعيد: القَصِيع: الرَّحَى. وَيُقَال تقصَّع الدُّمّل بالصَّديد، إِذا امْتَلَأَ مِنْهُ. وقَصَّع مثلُه. وَيُقَال قصعتُه قصعاً وقمعتُه قمعاً بِمَعْنى واحدٍ. وقصَّع الرجل فِي بَيته، إِذا لزمَه وَلم يبرحه. وَقَالَ ابْن الرُّقيات:
إنِّي لأُخلي لَهَا الفراشَ إِذا
قَصَّع فِي حِضْنِ عِرْسِه الفَرِقُ
وَجمع القَصْعة قِصاع.
صعق: قَالَ الله جلّ وعزّ: {يُشْرِكُونَ وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الاَْرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ} (الزُّمَر: 68) فسَّروه الموتَ هَا هُنَا. وَقَوله جلّ وعزّ: {وَخَرَّ موسَى صَعِقًا} (الأعرَاف: 143) مَعْنَاهُ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ. وَنصب {صَعِقًا} (الأعرَاف: 143) على الْحَال، وَقيل إنّه خرَّ مَيتا. وَقَوله: {فَلَمَّآ أَفَاقَ} (الأعرَاف: 143) دليلٌ على الغَشْي؛ لأنّه يُقَال للَّذي غُشِي عَلَيْهِ وَالَّذِي يذهب عقله: قد أَفَاق. وَقَالَ الله فِي الَّذين مَاتُوا: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ} (البَقَرَة: 56) .
والصَّاعقة والصَّعْقة: الصَّيحة يُغْشى مِنْهَا على من يسْمعهَا أَو يَمُوت. قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ} (الرّعد: 13) يَعْنِي أصواتَ الرَّعْد. وَيُقَال لَهَا الصَّواقع أَيْضا، وَمِنْه قولُ الأخطل:
كأنّما كَانُوا غراباً وَاقعا
فطار لمّا أبصَر الصواقعا
وَقَالَ رؤبة:
إذَا تتلاَّهنّ صلصالُ الصَّعَقْ
أَرَادَ الصَّعْق فثقّله، وَهُوَ شدّة نهيقه وصوته.
وَقَالَ جلّ وعزّ: (فذرهم حَتَّى يلاقوا يومهم الَّذِي فِيهِ يَصعقون) وقرئت (يُصْعَقُونَ) (الطّور: 45) : أَي فذرْهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة حِين يُنفَخ فِي الصُّور فيصعق

(1/122)


الخلقُ، أَي يموتون.
وَقَالَ اللَّيْث: الصَّعق: مثل الغَشْي يَأْخُذ الإنسانَ من الحرّ وَغَيره. وَيُقَال أصعقته الصيحةُ: قتلتْه. وَأنْشد الفرّاء:
أُحادَ ومَثْنَى أصعقتها صواهلُه
أَي قَتلهَا صَوتُه. وَيُقَال للبرق والرعد إِذا قتلا إنْسَانا: أَصَابَته صَاعِقَة. وَقَالَ لبيد يرثي أَخَاهُ:
فجّعنِي الرعدُ والصَّواعق بَال
فَارس يَوْم الكريهة النَّجُدِ
وَقيل: أَرَادَ بالصواعق صَوت الرَّعْد، يدلّ على ذَلِك قَوْله جلّ وعزّ: {يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءَاذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} (البَقَرَة: 19) فَلَا يسدُّون آذانهم إلاّ من شدّة صَوت الرَّعْد.
وَيُقَال صَعِق وصُعِق. فَمن قَالَ صَعِق قَالَ: فَهُوَ صَعِقٌ، وَمن قَالَ صُعِق قَالَ: فَهُوَ مصعوق. وقرىء: (يَصعَقون) و (يُصعَقون) ، يُقَال صعقتْه الصاعقةُ وأصعَقته.
صقع: أَبُو عبيد: صُقِعت الأَرْض، إِذا أَصَابَهَا الصقيع.
شِمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: صُقِعت الأَرْض وأُصقِعْنا، وَأَرْض صَقِعةٌ ومصقوعة. وَكَذَلِكَ ضُرِبت الأرضُ وأُضرِبْنا، وجُلِدت وأُجلِدَ الناسُ. وَقد ضُرِبَ البقل، وجُلِدَ، وصُقِعَ.
وَقَالَ ابْن بُزرج: يُقَال أصقع الصقيعُ الشجرَ، فالشجر صَقِعٌ ومُصْقَع. وأصبحت الأرضُ صَقِعةً وضَرِبة. وَيُقَال أضْربَ الضريبُ النباتَ، فالنباتُ ضريبٌ ومُضرَبٌ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: صَقِعت الرّكيةُ تَصقَع صَقَعاً، إِذا انهارت.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الصِّقاع: خِرقة تكون على رَأس الْمَرْأَة توقِّي بهَا الخِمَار من الدُّهن.
وَقَالَ غَيره: الصِّقاع: صِقاع الخباء، وَهُوَ أَن يؤخذَ حَبلٌ فيمدَّ على أَعْلَاهُ ويوتَّر ويشدّ طرفاه إِلَى وَتَدين رُزَّا فِي الأَرْض من ناحيتي الخباء، وَذَلِكَ إِذا اشتدَّت الريحُ فخافوا تقويضَها الأخبية.
وسمِعتُ الْعَرَب تَقول: اصقعوا بَيتكُمْ فقد عَصَفت الرّيح. فيَصعقونه بالحبل كَمَا وَصفته.
والصَّقيع: صَوت الدِّيك. وَقد صقَع يصقَع إِذا صاحَ.
قلت: والصِّقاع: حَدِيدَة تكون فِي مَوضِع الحَكَمة من اللجام. وَقَالَ ربيعَة بن مقروم الضبِّيُّ:
وخصمٍ يركب العَوصَاء طاطٍ
على المُثْلى غُناماه القِذاعُ
طَموحِ الرّأس كنتُ لَهُ لجاماً
يُخَيِّسُه، لَهُ مِنْهُ صِقاعُ
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال للخِرقة الَّتِي يشدُّ بهَا أنف النَّاقة إِذا ظُئرت على ولد غَيرهَا: الغِمامة، وللذي يُشَدُّ بِهِ عَيناهَا: الصِّقاع. وأَنشد:
إِذا رأسٌ رأيتُ بِهِ طِماحاً
شددت لَهُ الغمائم والصِّقاعا
وَيُقَال: مَا أَدْرِي أَيْن صَقَع وبَقَع، أَي

(1/123)


مَا أَدْرِي أَيْن ذهَب؛ قلّما يُتكلَّم بِهِ إلاّ بِحرف نفي.
وَقَالَ أَبُو زيد: الصَّقَعيّ: الحُوار الَّذِي يُنتَج فِي الصَّقيع، وَهُوَ من خير النِّتَاج. وَأنْشد بَيت الرَّاعِي:
خَراخر تُحسِب الصَّقعيَّ حتّى
يظلُّ يقُرُّه الرَّاعِي سِجالا
قَالَ: الخراخر: الغزيرات اللَّبن، الْوَاحِد خِرخِرٌ. يَعْنِي أنَّ اللبَن يكثُر حَتَّى يَأْخُذهُ الرَّاعِي فيصبّه فِي سقائه سِجالاً سِجالاً. قَالَ: والإحساب: الإكفاء.
وَقَالَ أَبُو نصر: الصَّقعيّ: أوّل النِّتَاج، وَذَلِكَ حِين تَصقَع الشمسُ فِيهِ رؤوسَ البَهْم صَقْعاً. قَالَ: وبعضُ الْعَرَب يسمِّيه الشمسيَّ والقيظِيَّ، ثمَّ الصَّفَريُّ بعد الصَّقعيّ. وَأنْشد بيتَ الرَّاعِي:
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: سَمِعت طائفيّاً يَقُول لزُنبور عِنْدهم: الصَّقيع.
والصُّقْع: النَّاحِيَة، والجميع الأصقاع. وَقد صَقَع فلانٌ نَحْو صُقْع كَذَا وَكَذَا، أَي قَصَده.
ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيّ: مَا أَدْرِي أَيْن صَقَع وبَقَع. والصَّقِع: الْغَائِب الْبعيد الَّذِي لَا يُدرى أَيْن هُوَ. قَالَ: وَيُقَال صَهٍ صاقعُ إِذا سمِع رجلا يكذب قَالَ: اسكتْ، قد ضَلَلتَ عَن الحقّ. قَالَ: والصَّاقع: الَّذِي يَصقع فِي كلّ النواحي.
وَيُقَال صقعتُه بكَيَ، إِذا وسمتَه على رَأسه أَو وَجهه. وصُقِع الرجلُ آمَّةً، إِذا شُجَّ آمَّة.
وظليمٌ أصقعُ: قد ابيضَّ رأسُه. وعُقَابٌ أصقع والجميع صُقْع، إِذا كَانَ فِي رؤوسها بَيَاض. وَقَالَ ذُو الرمّة:
من الزُّرق أَو صُقْع كأنَّ رؤوسها
من القَهْزِ والقُوهيّ بيضُ المقانعِ
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: الصَّوقعة من البرقُع: رَأسه. قَالَ: وَيُقَال لكفِّ عين البرقُع الضَّرس، ولخيطه الشَّبامان. وَيُقَال صَوقعَ الثريدةَ، إِذا سطَحها. قَالَ: وصومعَها وصعنَبَها إِذا طوّلها.
أَبُو زيد: يُقَال مَا يُدرَى أَيْن صَقَع فلانٌ، أَي مَا يُدرى أَيْن توجَّه. وَأنْشد:
فللَّه صُعلوكٌ تشدَّد همُّه
عَلَيْهِ وَفِي الأَرْض العريضة مَصقَعُ
يَقُول: متوجَّه.
وَقَالَ اللَّيْث: الأصقَع من الْفرس: ناصيتُه الْبَيْضَاء.
وَقَالَ غَيره: الأصقع طَائِر، وَهُوَ الصُّفاريّة، قَالَه قطرب.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الصَّقْعاء: دُخَّلة كدراء اللَّوْن صَغِيرَة، ورأسها أصفر، قصيرةُ الزمِكَّى.
قَالَ أَبُو الْوَازِع: الصُّقعة: بياضٌ فِي وسط رَأس الشَّاة السَّوْدَاء؛ وموقعُها من الرَّأْس الصَّوقعة.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ السِّين)
عسق، عقس، قعس، سقع: مستعملة
عسق: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: عَسِق بِهِ الشيءُ يَعسَق عَسَقاً، إِذا لصِق بِهِ.

(1/124)


ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: عَسِقَ بِهِ وعَكِس بِهِ بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ: والعُسُق: المتشدِّدُون على غرمائهم فِي التقاضي. قَالَ: والعُسُق: اللقَّاحون. والعُسُق: عراجين النَّخل، وَاحِدهَا عَسَق.
وَقَالَ اللَّيْث وَابْن دُرَيْد: هُوَ العَسَق للعُرجون الرديّ. وَالْعرب تَقول: عَسِق بِي جُعَلُ فلانٍ، إِذا ألحَّ عَلَيْهِ فِي شَيْء يُطَالِبهُ بِهِ.
عقس: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الأعقَس من الرِّجَال: الشَّديد السّكّة فِي شِرَائِهِ وَبيعه. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مذموماً لأنّه يخَاف الغَبْن وَمِنْه قَول عمر فِي بَعضهم: (عَقِسٌ لَقِسٌ) .
وَقَالَ أَبُو زيد: العَوقس: ضربٌ من النبت. وَقد ذكره ابْن دُرَيْد فِي (كِتَابه) وَقَالَ: هُوَ العَسَق.
وَقَالَ اللَّيْث: فِي خُلُقه عَقَسٌ، أَي التواء.
قعس: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: عزّة قعساء: ثَابِتَة قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأقعَس: الَّذِي فِي عُنقه انكبابٌ إِلَى ظَهره. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الأقعس: الَّذِي فِي ظَهره انكبابٌ وَفِي عُنُقه ارتداد. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الأقعس الَّذِي قد خرجتْ عَجيزتُه. وَقَالَ غَيره: هُوَ المنكبُّ على صَدره. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَالْقَوْل قَول صاحبنا. وَأنْشد:
أقعس أبْزى فِي استه استئخار
أَبُو زيد: بعيرٌ أقعَس: فِي رجلَيْهِ قِصَر وَفِي حاركه انصِباب.
وَقَالَ الأصمعيّ: ليل أقعَس: شَدِيد. وتقاعسَ الليلُ، إِذا طَال.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الأقعسان هما أقعَس ومُقاعِس ابْنا ضَمرة، من بني مُجاشع.
وَقَالَ أَبُو عبيد: المُقْعنسس: الشَّديد. قَالَ: وَهُوَ المتأخِّر أَيْضا.
وَقَالَ اللِّحياني: اقعنسس الْبَعِير وغيرُه، إِذا امْتنع فَلم يتبع. وكلُّ مُمْتَنع فَهُوَ مقعنسس.
وَقَالَ اللَّيْث: القعَس: نقيض الحدَب. قَالَ: والقعساء من النَّمل: الرّافعةُ صدرها وذنبَها. قَالَ والقُعاس: التواءٌ يَأْخُذ فِي الْعُنُق من ريح كَأَنَّهَا تهصره إِلَى مَا وَرَاءه. قَالَ: والقَوعس: الغليظ الْعُنُق الشَّديد الظّهْر من كلِّ شَيْء. قَالَ: والقَعْوَس: الشَّيْخ الْكَبِير.
وتقعْوَسَ الْبَيْت إِذا تهدَّم. وتقعوسَ الشَّيْخ، إِذا كبِر. ذكر ذَلِك أَبُو عبيدٍ عَن الْفراء.
سقع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الْأَسْقَع: المتباعِد من الْأَعْدَاء والحسَدة. وَقَالَ الْخَلِيل: كلُّ صادٍ تَجِيء قبل الْقَاف وكل سينٍ تَجِيء قبل الْقَاف فللعرب فِيهِ لُغَتَانِ: مِنْهُم من يَجْعَلهَا سيناً وَمِنْهُم من يَجْعَلهَا صاداً، لَا يبالون أمتصلة كَانَت بِالْقَافِ أَو مُنْفَصِلَة، بعد أَن تَكُونَا فِي كلمةٍ وَاحِدَة، إلاّ أَن الصَّاد فِي بعضٍ أحسنُ والسينَ فِي بَعْضهَا أحسن.
قَالَ: والسُّقع: مَا تَحت الرَّكية وجُولُها من نَوَاحِيهَا، والجميع الأسقاع، وكلُّ ناحيةٍ سُقْع وصُقْع، وَالسِّين أحسن.

(1/125)


والعُقاب أسقع وأصقع. والأسقع: اسْم طويئرٍ كأنّه عُصْفُور فِي ريشه خضرةٌ وَرَأسه أَبيض، يكون بقُرب المَاء. والجميع الأساقع. وَإِن أردْت بالأسقَع نعتاً فالجميع السُّقْع.
قَالَ: والسَّوقعة من الْعِمَامَة والرداء والخِمار: الْموضع الَّذِي يَلِي الرَّأْس، وَهُوَ أسرعه وسَخاً، بِالسِّين أحسن. قَالَ: ووَقْبة الثَّريد سَوقعة، بِالسِّين أحسن.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ النَّضر: هُوَ صُقْع الركيّة وأصقاعها، لنواحيها. قَالَ: وَيُقَال سُقْع. والديك يسقَع ويَصقَع.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: ضاف رجلٌ من الْعَرَب رجلا فقدَّم إِلَيْهِ ثريدةً وَقَالَ لَهُ المُضيف: لَا تَصقَعها وَلَا تَقعَرْهَا وَلَا تَشرِمْها. قَالَ: فَقَالَ لَهُ الضَّيْف: فَمن أَيْن آكل؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَانْصَرف جائعاً.
قلت: قَوْله لَا تَصقَعْها، أَي لَا تأكلها من أَعْلَاهَا. وَقَوله لَا تَقعَرها، أَي لَا تبتدىء فِي أكلهَا من أَسْفَلهَا. وَقَوله لَا تشرِمْها، أَي تأكلها من حروفها وجوانبها. فلمَّا قَالَ لَهُ المضيفُ ذَلِك لم يجد سَبِيلا إِلَى أكلهَا.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الزَّاي)
عزق، زعق، زقع، قزع: مستعملة
عزق: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أرضٌ معزوقة، إِذا شققتَها بفأسٍ أَو غَيرهَا. عزقتها أعزِقُها عَزْقاً. وَلَا يُقَال فِي غير الأَرْض.
قَالَ شمِر: وَيُقَال للفأس والمِسحاة مِعزَق، وَجمعه المَعَازق. وَأنْشد:
وَإِنَّا لنُمضِي بالأكفِّ رماحَنا
إِذا أُرعِشَت أيديكمُ بالمعازقِ
قَالَ: وَهِي البِيلة المعقَّفة. وَقَالَ بَعضهم: هِيَ الفؤوس، وَاحِدهَا معزَقة. قَالَ: وَهِي فأسٌ لرأسها طَرَفان.
وَقَالَ اللَّيْث: رجلٌ عَزِقٌ، أَي فِي خُلقه عُسر وبُخل. قَالَ: والعَزْوَقُ: حمل الفستق فِي السّنة الَّتِي لَا ينْعَقد لُبُّه. وَهُوَ دباغٌ. قَالَ: وعَزْوَقتُه: تقبُّضه. وَأنْشد هُوَ أَو غَيره:
مَا تَصنع العنزُ بِذِي عَزْوَق
يثبتها فِي جِلْدِها العَزْوَقُ
وَذَلِكَ أنّه يدبغ جلدُها بالعَزْوَق
قَالَ: والعَزَق: علاج فِي عسر.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَزْوَق: الفُستُق. قَالَ: والعُزُق: السَّيِّئو الْأَخْلَاق، واحدهم عَزِق. يُقَال هُوَ عَزِقٌ نَزِقٌ زَنِقٌ زَعِق. قَالَ: والعُزُق: مُذرُّو الحِنطة. والعُزُق: الحفّارون. قَالَ: وأعزَقَ، إِذا عمِل بالمِعْزقة، وَهِي الحِفراءة والعَضْم. وأعزقَ بالمِعزَقة، وَهِي المَرُّ الَّذِي يكون مَعَ الحفّارين. وَأنْشد المفضّل:
يَا كفّ ذوقي نَزوانَ المِعزقه
زعق: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: أزعقتُه فَهُوَ مزعوق، وَمَعْنَاهُ المذعور، فِي بَاب أفعلته فَهُوَ مفعول. قَالَ: وَقَالَ الأمويّ: زعقته بِغَيْر ألف فانزعق، أَي فَزِع. وأنشدنا:
تعلَّمي أنَّ عليكِ سائقاً

(1/126)


لَا مبطئاً وَلَا عنيفاً زاعقا
لَبّاً بأعجاز المطيّ لاحقا
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: الزُّعاق المَاء المُرُّ الغليظ الَّذِي لَا يُطاق شُربه من أُجوجته. قَالَ: وَطَعَام مزعوق: أَكثر مِلحُه. وأزعق القومُ، إِذا حفَروا فَهَجَمُوا على ماءٍ زُعاق.
قَالَ: والزّعقوقة: فَرخُ القَبَج. وَأنْشد اللَّيْث:
كأنَّ الزَّعاقيق والحَيقُطَانَ
يُبادِرْنَ فِي الْمنزل الضَّيْوَنا
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : أرضٌ مزعوقة، ومدعوقة، وممعوقة، ومبعوقة، ومشحوذة، ومَسْنِيَّة، إِذا أصابَها مطرٌ وابلٌ شَدِيد.
قزع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن القَزَع. قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ أَن يُحلق رَأس الصبيّ وَيتْرك مِنْهُ مَوَاضِع فِيهَا الشَّعَر متفرِّقة. وَكَذَلِكَ كل شَيْء يكون قطعا متفرِّقة فَهُوَ قَزَع. وَمِنْه قيل لقطع السَّحَاب فِي السَّمَاء قَزَع.
وَفِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ حِين ذكر يعسوبَ الدّين فَقَالَ: (يَجْتَمعُونَ إِلَيْهِ كَمَا يجْتَمع قَزَع الخريف) ، يَعْنِي قِطَع السَّحاب. وَقَالَ ذُو الرمّة:
ترى عُصَب القطا هَمَلاً عَلَيْهِ
كأنَّ رِعالَه قَزَعُ الجَهَامِ
وَقَالَ الأصمعيّ قَزَع الفرسُ يعدو، ومَزَع يعدو، إِذا أحْضَر. قَالَ: ورجلٌ مقزَّعٌ، إِذا كَانَ خَفِيفا. وَبشير مُقزَّعٌ، إِذا جُرِّد للبُشارة. قَالَ متمّم:
وجئتَ بِهِ تعدو بشيراً مقزَّعا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: كلُّ إنسانٍ جرّدتَه لأمرٍ وَلم تشغَلْه بِغَيْرِهِ فقد قَزَّعتَه. والمقزَّع من الْخَيل: المهلوب الَّذِي جُزَّ عُرفُه وناصيتُه. وَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ الْفرس الشَّديد الخَلْق والأَسْر. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: التقزيع: الحُضْر الشَّديد.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: المقزّع: السَّريع الْخَفِيف: قَالَ ذُو الرمة:
مُقَزَّعٌ أطلسُ الأطمارِ لَيْسَ لَهُ
إلاّ الضِّراءَ وإلاّ صيدَها نشَبُ
وَقَالَ اللَّيْث: رجلٌ مقزّع: لَا يُرى على رَأسه إِلَّا شُعَيرات متفرِّقة تَطايَرُ فِي الرِّيح. قَالَ: والمقزَّع من الْخَيل مَا تَنَتَّفُ ناصيتُه حتَّى تَرقّ. وَأنْشد:
نزائع لِلصّريحِ وأعْوَجِيَ
من الجُرْدِ المقزَّعةِ العِجالِ
قَالَ: والمقزَّع: الرَّقِيق الناصيةِ خِلْقةً.
قَالَ أَبُو سعيد: قَزَعُ الْوَادي: غُثاؤه. وقَزَع الْجمل: لُغامه على نُخْرته.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال قَوزَعَ الديك وَلَا يُقَال قنزعَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ: تَقول الْعَامَّة إِذا اقتتل الديكان فهرب أحدُهما: قَنَزَع الدِّيك؛ وَإِنَّمَا يُقَال قَوزَع الدِّيك إِذا غُلِب؛ وَلَا يُقَال: قَنزعَ.
قلت: وَالْأَصْل فِيهِ قَزَع، إِذا عدا هَارِبا وقَوزَعَ فَوعَلَ مِنْهُ.
وَقَالَ إِسْحَاق بنُ الْفرج: تَقول الْعَرَب: أقزَع لَهُ فِي الْمنطق وأقذعَ وأزهف، إِذا تعدَّى فِي القَوْل.
وَفِي (النَّوَادِر) : القَزَعة: ولد الزِّنى.

(1/127)


سَلمَة عَن الْفراء: قَزَع قَزَعاناً، وزمَعَ زَمَعاناً، وَهُوَ مَشْيٌ مُتَقَارب.
وَقَالَ النَّضر نحوَه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: مَا عَلَيْهِ قِزَاع وَلَا قَزَعة، أَي مَا عَلَيْهِ شَيْء من الثِّياب.
زقع: قَالَ اللَّيْث: الزَّقْع: أشدُّ ضُراطِ الْحمار وَقد زَقَعَ زَقْعاً.
وَقَالَ النَّضر: الزَّقاقيع: فِراخ القَبَج. وَقَالَ الْخَلِيل: هِيَ الزعاقيق، واحدتها زُعقوقة.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الطَّاء)
اسْتعْمل من وجوهه: قعط، قطع.
قعط: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه أَمر المتعمِّم بالتلحِّي وَنهى عَن الاقتعاط.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى: قَالَ ابنُ الأعرابيّ: يُقَال للعمامة المِقْعطة. وَجَاء فلانٌ مقتعِطاً، إِذا جَاءَ متعمِّماً طابِقيّاً. وَقد نُهي عَنْهَا.
ونحوَ ذَلِك قَالَ اللَّيْث. قَالَ: وَيُقَال قعطت الْعِمَامَة قعطاً. وَأنْشد:
طُهَيّة مقعوطاً عَلَيْهَا العمائمُ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: القاعط: الْيَابِس. وقَعَط شعرُه من الحُفوف إِذا يبس.
وَقَالَ الأصمعيّ: قَعَط فلانٌ على غَرِيمه، إِذا شدَّد عَلَيْهِ فِي التقاضي. وقعَّط وَثاقه، إِذا شدّده.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: المِعْسَر: الَّذِي يقعِّط على غَرِيمه فِي حَال عُسرته.
وَيُقَال قعّط على غَرِيمه، إِذا ألحّ عَلَيْهِ. قَالَ: والقاعط: المضيِّق على غَرِيمه.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : يُقَال قعَّط فلانٌ على غَرِيمه، إِذا صَاح أَعلَى صِياحه. وَكَذَلِكَ جَوَّق، وثَهَّتَ، وجوَّر.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال للْأُنْثَى من الحِجْلان قُعَيطة.
قَالَ أَبُو عَمْرو: القَعْوطة: تقويض الْبناء، مثل القَعْوشة.
وَقَالَ ابْن السكّيت: القَعْط: الطَّرْد. ورجلٌ قَعَّاطٌ: شَدِيد السَّوق. قَالَ: والقعط: الكَشْف. وَقد أقعط الْقَوْم عَنهُ إقعاطاً، إِذا انكشفوا انكشافاً.
قطع: قَالَ الله جلّ وَعز: {قِطَعًا مِّنَ الَّيْلِ مُظْلِماً} (يُونس: 27) و (قِطْعاً) : والقِطْع: اسْم مَا قُطِع. يُقَال قطعتُ الشَّيْء قَطْعا، وَاسم مَا قُطِع فسقَطَ قِطْع.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: من قَرَأَ (قِطْعاً) جعل المظلم من نَعته، وَمن قَرَأَ {قِطَعًا مِّنَ الَّيْلِ} (يُونس: 27) فَهُوَ الَّذِي لَهُ يَقُول البصريُّون الْحَال.
وَأَخْبرنِي عَن الحرَّانيّ عَن ابْن السّكيت قَالَ: القَطْع: مصدر قطعتُ. والقِطْع: الطَّائِفَة من اللَّيْل. قَالَ: والقِطْع: طِنْفسة تكون تَحت الرحل على كتفَي الْبَعِير. والجميع قُطوع. وَأنْشد:
أتتك العِيسُ تنفُخُ فِي بُراها
تَكَشَّفُ عَن مناكبها القُطوعُ
قَالَ: والقِطْع: نصلٌ قصير، وَجمعه أقطاع.

(1/128)


وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الاَْرْضِ أُمَمًا} (الأعرَاف: 168) أَي فرَّقناهم فرقا. قَالَ: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الاَْسْبَابُ} (البَقَرَة: 166) . أَي انْقَطَعت أسبابُهم ووُصَلهم. وَأما قَوْله: {فَتَقَطَّعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً} (الْمُؤْمِنُونَ: 53) فَإِنَّهُ واقعٌ، كَقَوْلِك: قطَّعوا أمرَهم. وَقَالَ لبيدٌ بِمَعْنى اللَّازِم:
وتقطّعَتْ أسبابُها ورِمامُها
أَي انْقَطَعت حبالُ مودّتها.
وَقَوله: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} (يُوسُف: 31) أَي قطعنها قَطْعاً بعد قطع، وخدشْنَ فِيهَا خدوشاً كَثِيرَة، وَلذَلِك ثُقِّل.
وَقَالَ جلّ وعزّ: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ} (الحَجّ: 15) أجمع المفسّرون على أنّ تَأْوِيل قَوْله (ثمَّ ليقطَعْ) : ثمَّ ليختنق. وَهُوَ محتاجٌ إِلَى شرحٍ يزِيد فِي بَيَانه، وَالْمعْنَى وَالله أعلمُ من كَانَ يظنُّ من الكفّار أنّ الله لَا ينصُر مُحَمَّدًا حتّى يُظْهره على المِلل كلّها فليمُتْ غيظاً، وَهُوَ تَفْسِير قَوْله {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَآءِ} (الحَجّ: 15) والسَّبب: الْحَبل يشدُّه المختنقُ إِلَى سَقْف بَيته. وسماءُ كلِّ شيءٍ: سقفُه. {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} (الحَجّ: 15) ، أَي ليمدَّ الْحَبل مشدوداً على حَلْقه مدّاً شَدِيدا يوتِّره حتَّى يقطع حياتَه ونَفْسَه خَنْقاً.
وَقَالَ الْفراء: أَرَادَ ثمَّ ليجعل فِي سَمَاء بَيته حبلاً ثمَّ ليختنقْ بِهِ، فَذَلِك قَوْله ثمَّ ليقطع اختناقاً. قَالَ: وَفِي قِرَاءَة عبد الله: (ثمَّ ليقطعه) يَعْنِي السَّبَب، وَهُوَ الحبْلُ المشدودُ فِي عُنُقه حَتَّى تَنْقَطِع نفسُه فَيَمُوت.
وَقَالَ جلّ ذكره: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ} (الحَجّ: 19) أَي خِيطَتْ وسُوِّيت وجُعِلتْ لَبُوساً لَهُم.
وَفِي حَدِيث ابْن عبَّاسٍ قَالَ: (نخل الجنّة سَعَفُها كِسوةٌ لأهل الجنّة، مِنْهَا مقطّعاتُهم وحُلَلُهم) . وَفِي حَدِيث آخر (أنَّ رجلا أَتَى النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ مقطَّعات لَهُ) ، وَفِي حَدِيث ثالثٍ (وَقت الضُّحَى إِذا تقطَّعت الظّلال) أَي قَصُرت. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الكسائيّ: المقطَّعات: الثِّياب الْقصار. قَالَ: وسمِّيت الأراجيزُ مقطَّعاتٍ لقِصَرها. وَقَالَ شَمِر فِي كِتَابه فِي (غَرِيب الحَدِيث) : المقطَّعات من الثِّيَاب: كل ثوبٍ يقطَع من قَمِيص وَغَيره. أَرَادَ أَن من الثِّيَاب الأردية والمطارف، والأكسيةَ والرِّياط الَّتِي لم تقطع وإنّما يتعطَّف بهَا مَرَّةً ويُتَلفَّع بهَا أُخْرَى؛ وَمِنْهَا القُمُص والجِبَاب والسَّراويلات الَّتِي تقطع ثمَّ تخاط؛ فَهَذِهِ هِيَ المقطَّعات. وَأنْشد شمر لرؤبة يصف ثوراً وحشياً:
كأنَّ نصِعاً فَوْقه مقطَّعا
مخالطَ التقليص إذْ تدرَّعا
قَالَ: وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: يَقُول: كَأَن عَلَيْهِ نِصعاً مقلِّصا عَنهُ. يَقُول: تخال أَنه ألبس ثوبا أَبيض مقلِّصا عَنهُ لم يَبلُغْ كُراعَه، لأنَّها سُودٌ لَيست على لَونه. قَالَ: والمقَطَّعات: برودٌ عَلَيْهَا وشيٌ مقطَّع. قَالَ: وَلَا يُقَال للثياب الْقصار مقطَّعات. قَالَ شمر: وممّا يقوّي قَوْله حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي وصف سَعَف نخل الْجنَّة: (مِنْهَا مقطَّعاتهم) . وَلم يكن ليصف ثيابَهم بالقصَر، لِأَنَّهُ ذمٌّ وعيب. وأمّا قَوْله (إِذا

(1/129)


تقطَّعت الظلال) فإنّ أَبَا عبيد قَالَ: الظِّلال تكون ممتدَّةً فِي أول النَّهَار، فكلَّما ارْتَفَعت الشمسُ قصُرت الظلال؛ فَذَلِك تقطُّعها.
وَفِي حَدِيث الأبيَض بن حَمّال المأرِبيّ أَنه (استقطع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المِلْح الَّذِي بمأرب فأقطعَه إيّاه) . يُقَال استَقطع فلانٌ الإمامَ قَطيعةً من عَفْو الْبِلَاد فأقطعه إِيَّاهَا، إِذا سَأَلَهُ أَن يُقطعها لَهُ مفروزةً محدودة يملّكه إِيَّاهَا، فَإِذا أعطَاهُ إِيَّاهَا كَذَلِك فقد أقطعه إِيَّاهَا. والقطائع من السُّلطان إِنَّمَا تجوز فِي عَفو الْبِلَاد الَّتِي لَا ملك لأحدٍ عَلَيْهَا وَلَا عمارةَ توجب مِلْكاً لأحد، فيُقْطع الإمامُ المستقطِعَ مِنْهَا قدرَ مَا يتهيّأ لَهُ عِمارته بإجراء المَاء إِلَيْهِ، أَو باستخراج عينٍ فِيهِ، أَو بتحجيرٍ عَلَيْهِ ببناءٍ أَو حائطٍ يُحرزه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ أَبُو عَمْرو: قِطاع النّخل وقَطاعه، مثل الصِّرام والصَّرام، والجِداد والجَدَاد. قَالَ: وأقطع النخلُ إقطاعاً، إِذا أصرمَ وحانَ قِطافُه. ومقاطع الْقُرْآن: مَوَاضِع الْوُقُوف، ومبادئه: مَوَاضِع الِابْتِدَاء. وعَودٌ مُقْطَع، إِذا انْقَطع عَن الضِّراب. قَالَ النَّمر بن تولب يصف امْرَأَته:
قَامَت تَبَاكَى أَن سَبأتُ لفتيةٍ
زِقّاً وخابيةً بعَودٍ مُقْطَعِ
وَقد أُقطِعَ، إِذا جَفَر. وناقةٌ قَطُوع: يَنْقَطِع لبنُها سَرِيعا. وَيُقَال هَذَا فرسٌ يقطِّع الجري، أَي يَجري ضروباً من الجري لمرحِهِ ونشاطه. وقطّعت الخمرَ بِالْمَاءِ، إِذا مَزَجتَها. وَقد تقطّع فِيهَا المَاء. وَقَالَ ذُو الرمة:
تقطُّعَ مَاء المُزْن فِي نُطف الخمرِ
وَيُقَال أقطعَ القومُ، إِذا انْقَطَعت مياه السماءِ المزنِ فَرَجَعُوا إِلَى أعداد الْمِيَاه. وَقَالَ أَبُو وَجْزة السَّعْدِيّ:
تَزُور بِي القَرْمَ الحَواريَّ إنّهم
مناهلُ أعدادٌ إِذا الناسُ أَقطعوا
وبئر مِقطاع: يَنْقَطِع مَاؤُهَا سَرِيعا. وأقطعت الدجاجةُ، إِذا انقطعَ بيضُها.
أَبُو عبيد فِي (الشيات) : وَمن الغُر المتقطِّة، وَهِي الَّتِي ارْتَفع بياضها من المنخرين حتَّى تبلغ الغُرَّةُ عينَيه دون جَبهته.
وَقَالَ غَيره: المقطع من الحَلْي هُوَ الشَّيْء الْيَسِير مِنْهُ الْقَلِيل. وَفِي الحَدِيث: (نُهي عَن لُبْس الذَّهَب إلاَّ مقطَّعاً) ، وَهُوَ مثل الحَلْقَة والخُرْص وَمَا أشبهه.
والقُطَيعاء مَمْدُود: التَّمْر الشِّهريز. وَقَالَ الشَّاعِر:
باتوا يعشُّون القُطَيعاءَ ضيفَهم
وَعِنْدهم البَرنيُّ فِي جُلَل دُسْمِ
وَيُقَال: مدَّ فلانٌ إِلَى فلانٍ بثدي غير أقطعَ، ومَتَّ بالتَّاء مثلُه، إِذا توسَّلَ إِلَيْهِ بقرابةٍ. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
دَعَاني فَلم أُورَأ بِهِ فأجبتُه
فمدَّ بثدي بَيْننَا غيرِ أقطعا
وَيُقَال قطَّع فلانٌ على فلانٍ العذابَ، إِذا لَوَّن عَلَيْهِ ضروباً من الْعَذَاب.
وَيُقَال قَطَعَ فلانٌ رحِمَه قَطْعاً، إِذا لم يَصِلْها، وَالِاسْم القَطِيعة. وَجَاء فِي

(1/130)


الحَدِيث: (مَن زَوّج كريمتَه من فَاسق فقد قَطَع رحِمَها) . وَذَلِكَ أنّ الْفَاسِق يطلِّقها ثمَّ لَا يُبالي أَن يَغشاها.
وَيُقَال قطعت الْحَبل قَطْعاً فَانْقَطع، وَقطعت النَّهر قَطعاً وقُطوعاً. وقطعَتِ الطير تقطع قُطوعاً، إِذا جَاءَت من بلد إِلَى بلد فِي وقتِ حرَ أَو برد؛ وَهِي قواطع الطير.
وَقَالَ أَبُو زيد: قطعت الغِربانُ إِلَيْنَا فِي الشتَاء قُطوعاً. وَرجعت فِي الصَّيف رُجوعاً. والطَّير المقيمة بِبَلَد شتاءَها وصيفَها هِيَ الأوابد.
وقُطِع بالرجُل، إِذا انْقَطع رجاؤه. ورجلٌ منقَطَعٌ بِهِ، إِذا كَانَ مُسَافِرًا فأُبدع بِهِ وعَطِبتْ راحلتُه وَذهب زادُه ومالُه. ومنقطَع كلِّ شيءٍ: حَيْثُ يَنْقَطِع، مثل منقطَع الرَّمل والحَرَّة وَمَا أشبههما. والمنْقطِع الشيءُ نفسُه.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: مَا كَانَ من شيءٍ قُطِع من شيءٍ فإنْ كَانَ الْمَقْطُوع قد يبْقى مِنْهُ الشَّيْء وَيقطع قلت أَعْطِنِي قِطعة. وَمثله الْخِرْقَة. وَإِذا أردْت أَن تجمع الشَّيْء بأسره حتَّى تسمي بِهِ قلت: أَعْطِنِي قُطعة. قَالَ: وَأما المرَّة من الْفِعْل فبالفتح قطعت قَطْعة. وَقَالَ الْفراء: سمعتُ بعضَ الْعَرَب يَقُول: غلبني فلانٌ على قُطعةٍ من أرضٍ، يُرِيد أَرضًا مفروزة مثل القطيعة. فَإِذا أردتَ بهَا قِطعةً من شَيْء قُطِع مِنْهُ قلت قِطعة. وَقَالَ غَيره: القَطَعة مَوضِع الْقطع من يَد الأقطع، يُقَال ضربَه بقطَعَتِه.
وَقَالَ اللَّيْث: يَقُولُونَ قُطِع الرجل، وَلَا يَقُولُونَ قَطِع الأقطع لأنّ الأقطع لَا يكون أقطعَ حتَّى يقطعهُ غَيره. وَلَو لزمَه ذَلِك من قِبَل نَفسه لقيل قَطِع أَو قَطُع. وَيجمع الأقطع قُطعاناً. وَامْرَأَة قطيع الْكَلَام، إِذا لم تكن سليطة. ورجلٌ قطيع الْقيام، إِذا كَانَ ضَعِيفا. وَقد قطعت المرأةُ، إِذا صَارَت قطيعاً. وَيُقَال أقطعَني فلانٌ نَهرا، إِذا أذِن لَهُ فِي حفره. وأقطعَني قُضباناً. من كرمه، إِذا أذن لَهُ فِي قطعهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: القِطْع: الْقَضِيب الَّذِي يُقطع لِبَرْي السِّهام، وَجمعه قُطعانٌ وأَقطُع. قَالَ الهذليّ:
فِي كفِّه جَشْءٌ أجَشُّ وأقطُعُ
أَرَادَ بالأقطُع السِّهام.
قلت: هَذَا غلط، قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: القِطع من النِّصال: الْقصير العريض. وَكَذَلِكَ قَالَ غَيره، وسواءٌ كَانَ النصل مركَّباً فِي السهْم أَو لم يكن مركَّباً. وسمِّي النَّصل قِطْعاً لأنّه مَقْطُوع من الْحَدِيد، وربَّما سمَّوه مَقْطُوعًا وَجمعه المقاطيع. وَقَالَ الشَّاعِر:
أشفَّتْ مقاطيع الرُّماةِ فؤادَها
إِذا سمعَتْ صوتَ المغرِّد تَصلِدُ
قَالَ: المقاطيع: النصال هَاهُنَا.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال هَذَا الثوبُ يُقْطِعك قَمِيصًا، ويقطِّع لَك تقطيعاً، إِذا صلح أَن يقطع قَمِيصًا. وروى أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: لَا أعرف هَذَا ثوبٌ يُقْطِع وَلَا يُقطِّع، وَلَا يقطِّعني وَلَا يَقْطعني، هَذَا كلُّه من كَلَام المولَّدين.

(1/131)


قَالَ أَبُو حَاتِم: وَقد حَكَاهَا أَبُو عُبَيْدَة عَن الْعَرَب.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال قاطعتُ فلَانا على كَذَا وَكَذَا من الْأجر وَالْعَمَل مقاطعَةً. وَقَالَ: ومقطَّعة الشَّعَر: هَناتٌ صغارٌ مثل شعر الأرانب.
قلت: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء، وأُراه أَرَادَ مَا قَالَه ابْن شُميل فِي كتاب (الصِّفَات) : يُقَال للأرنب السَّريعة مقطِّعة النِّياط، ومقطِّعة الأسحار، ومقطِّعة السُّحور، لشدّة عَدْوها، أنَّها تقطّع رئاتِ مَن يعدو على إثْرهَا ليصيدَها فَلَا يلْحقهَا. وَيُقَال للْفرس الْجواد: إنّه ليقطِّع الخَيْل تقطيعاً، إِذا كَانَ يسبقهنَّ فَلَا يلحقنه. وَمِنْه قولُ الجعديّ يصف فرسا:
يقطّعهنّ بتقريبه
ويأوي إِلَى حُضُرٍ مُلْهِبِ
وَمن هَذَا قَول عُمر فِي أبي بكر: (وَلَيْسَ فِيكُم من تَقَطَّعُ عَلَيْهِ الأعناقُ مثلُ أبي بكر) مَعْنَاهُ لَيْسَ فِيكُم سابقٌ إِلَى الْخيرَات تَقَطَّعُ أعناقُ مسابقيه سبقاً إِلَى كلّ خير حَتَّى يلْحق شأوَه أحدٌ مثل أبي بكر، رَضِي الله عَنْهُمَا.
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال فلانٌ قطيعُ فلانٍ، أَي شبيهُه فِي قدِّه وخَلْقه، وَجمعه أقطعاء. والتقطيع: مَغْص يجده الْإِنْسَان فِي بَطْنه وأمعائه. وَيُقَال جَاءَت الطَّيرَ مُقْطَوطِعاتٍ وقواطعَ، بِمَعْنى وَاحِد. وفلانٌ مُنْقَطع القرين، إِذا لم يكن لَهُ مِثْلٌ فِي سخاءٍ أَو فضل. وَيُقَال قَاطع فلانٌ فلَانا بسيفيهما، إِذا نظرا أيُّهما أقطع. وسيفٌ قاطعٌ وقطّاع ومِقطَع. وكل شيءٍ يُقطع بِهِ فَهُوَ مِقطَع.
قَالَ: والمَقطَع: مَوضِع القَطْع. والمَقْطع: مصدر كالقَطع. والمَقْطَع: غَايَة مَا قُطِع. وَيُقَال مَقْطع الثَّوب، ومَقطع الرمل إِلَى حَيْثُ لَا رمل وَرَاءه. والمقطع: الْموضع الَّذِي يُقطع فِيهِ النهرُ من المعابر.
وَرجل قَطُوعٌ لإخوانه ومِقطاع: لَا يثبتُ على مؤاخاةٍ.
وَشَيْء حسنُ التقطيع، إِذا كَانَ حسنَ القَدّ.
وَيُقَال لقاطع رَحمَه: إنّه لقُطَعةٌ قُطَعٌ.
وَبَنُو قُطَيعة: حيٌّ من الْعَرَب، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِم قُطَعيّ.
وَقَالَ اللَّيْث: القَطِيع: السَّوط المتقطّع.
قلت: سمِّي السَّوط قَطِيعاً لأنَّهم يَأْخُذُونَ القِدَّ المحرَّم فيقطّعونه أَرْبَعَة سيور، ثمَّ يفتلونه ويلوونه ويعلِّقونه حتّى يجفَّ، فَيقوم قَائِما كَأَنَّهُ عَصا. سمِّي قطيعاً لِأَنَّهُ يقطع أربعَ طاقاتٍ ثمَّ يلوي.
ومَقطَع الْحق: حَيْثُ يُفصَل بَين الْخُصُوم بنصِّ الحكم. وَقَالَ زُهَيْر:
فإنّ الحقَّ مقطَعُه ثلاثٌ
يمينٌ أَو نفارٌ أَو جِلاءُ
وقُطَّاع الطُّرق: الَّذين يُعارضون أَبنَاء السَّبِيل فيقطعون بهم الطَّرِيق.
وَقَالَ اللَّيْث: الْقَاطِع: مِثالٌ كالمِقْطَع يُقطَع عَلَيْهِ الأديمُ والثوبُ وَنَحْوه.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: إِنَّمَا هُوَ القِطاع لَا الْقَاطِع. قَالَ: وَهُوَ مثل لِحاف ومِلحف، وسراد ومِسرد وقِرام ومِقرم، وَإِزَار ومئزر، ونِطاق ومِنطَق.

(1/132)


وقَطَعات الشّجر: أَطْرَاف أُبَنها الَّتِي تخرج مِنْهَا إِذا قُطِعت، الْوَاحِدَة قَطَعة.
والقُطع: البُهر. يُقَال قُطع الرجلُ فَهُوَ مَقْطُوع. وَالْفرس أَيْضا يأخُذه القُطْع.
وَيُقَال للْفرس إِذا انْقَطع عِرقٌ فِي بَطْنه أَو شحمٌ: مقطوعٌ، وَقد قُطِع.
وَقَالَ اللَّيْث: الأُقطوعة: شَيْء تبْعَث بِهِ الجاريةُ إِلَى صاحبِها عَلامَة أنَّها صارَمته. وَأنْشد:
قَالَت لجاريتيها اذْهَبَا
إِلَيْهِ بأُقطوعةٍ إذْ هَجَرْ
وتقطيع الْبَيْت فِي بيُوت الشّعْر: تجزئته بالأفعال.
قَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
كأنّ ابنةَ السَّهميّ دُرَّةُ قامسٍ
لَهَا بعد تقطيع النُّبوح وهيجُ
أَرَادَ بعد هَدْءِ من اللَّيْل، وَالْأَصْل فِيهِ القِطع وَهُوَ طائفةٌ من اللَّيْل. والنُّبُوح: الْجَمَاعَات.
وَيُقَال قطعتُ الحوضَ قَطْعاً، إِذا ملأته إِلَى نصفه أَو ثلثه ثمَّ قطعتَ الماءَ مِنْهُ. وَمِنْه قَول ابْن مُقْبل، يذكر إبِلا سقى لَهَا فِي الْحَوْض على عَجَلةٍ وَلم يُروها:
قَطعنَا لهنَّ الحوضَ فابتلَّ شَطرُه
بشُربٍ غِشاشٍ وَهُوَ ظمآنُ سائرُه
وأقطعت السماءُ بِموضع كَذَا وَكَذَا، إِذا انْقَطع المطرُ هُنَاكَ وأقلعت. وَيُقَال: مَطرت السَّمَاء بِبَلَد كَذَا وأقطعتْ بِبَلَد كَذَا.
ورجلٌ مُقْطَعٌ: لَا ديوانَ لَهُ.
وَقَالَ شمر: القَطْع: مَغَسٌ يجده الْإِنْسَان فِي بَطْنه. يُقَال قُطِّع فلانٌ فِي بَطْنه تقطيعاً، وَهُوَ مَغَس يجده فِي أمعائه. قَالَ: وَيُقَال للْقَوْم إِذا جفّتْ مياه ركاياهم: أَصَابَتْهُم قُطعة مُنكرَة. وَقد قَطَع مَاء قليبكم، إِذا ذهب ماؤُها.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: تَقول العربُ: اتَّقُوا القُطَيعاءَ، أَي أَن يَنْقَطِع بعضُكم من بعضٍ فِي الْحَرْب.
وَيُقَال للرجل الْقصير: إنّه لمقطَّع مجذَّر.
أَبُو زيد: أقطعَ الرجلُ إقطاعاً فَهُوَ مُقطِعٌ، إِذا لم يُرد النِّسَاء وَلم ينقشر عُجارِمُه. قَالَ: وقُطع بفلانٍ قَطعاً، إِذا قطع بِهِ الطَّرِيق وَإِذا عجَز عَن سَفَره لنفقةٍ هَلَكت أَو رَاحِلَة عَطِبتْ، فقد انقُطِع بِهِ. وَيُقَال للرجل الْغَرِيب بِالْبَلَدِ: قد أُقطِع عَن أَهله إقطاعاً فَهُوَ مُقْطَعٌ عَنْهُم. وأَقطعَ كَلَام الرجل إقطاعاً فَهُوَ مُقْطِع، إِذا بكتوه بالحقّ فَلم يقدر على الْجَواب. وقَطَع مَاء قليبكم قُطوعاً، إِذا قل مَاؤُهَا وَذهب.
وروى ابْن شُميل حَدِيثا مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه (نَهى عَن لُبْس الذَّهَب إلاّ مقطَّعاً) . قَالَ النَّضر: المقطَّع: الخاتَم، والقُرطُ، والشَّنْف.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: المقطَّع هُوَ الشَّيْء الْيَسِير مِنْهُ: مثل الحَلْقة والشَّذرة وَنَحْوهَا.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال: لأقطِّعن عُنق دابّتي، أَي لأبيعنَّه. وَأنْشد لأعرابيَ تزوّجَ امْرَأَة وسَاق إِلَيْهَا مهرهَا إبِلا فَقَالَ:
أَقُول والعَيساءُ تمشي والفُضُلْ
فِي جِلّةٍ مِنْهَا عَراميسَ عُطُلْ

(1/133)


قطّعْتُ بالأحراحِ أعناقَ الإبلْ
يَقُول: اشتريتُ الأحراحَ بإبلي.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الأقطع: الأصمّ. قَالَ: وأنشدني أَبُو المكارم:
إنَّ الأحيمِر حِين أَرْجُو رِفده
غَمْراً لأَقطَعُ سيِّىءٌ الإصْرَانِ
قَالَ: والإصران: جمع إصْر، وَهُوَ الخِنّابة، وَهُوَ سَم الْأنف. قَالَ: والخنّابتان: مَجرَيَا النفَس فِي المنخرين. أَرَادَ أَنه يتصامم عليَّ وَلَا مَشَمَّ لَهُ مَعَ ذَلِك، فَهُوَ أخشَمُ أصمّ.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: القُطْعة فِي طيِّىءٍ كالعنعنة فِي تَمِيم، وَهُوَ أَن يَقُول يَا أَبَا الحَكَا، يُرِيد يَا أَبَا الحكم، فَيقطع كلامَه.
قلت: وكلُّ مَا مرَّ فِي الْبَاب من هَذِه الْأَلْفَاظ وَاخْتِلَاف مَعَانِيهَا فَالْأَصْل واحدٌ والمعاني مُتَقَارِبَة وَإِن اخْتلفت الْأَلْفَاظ. وَكَلَام الْعَرَب آخذٌ بعضُه برقاب بعض، وَهَذَا يدلُّك على أنَّ لسانَ الْعَرَب أوسع الْأَلْسِنَة نطقاً وكلاماً.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الدَّال)
عقد، عدق، قعد، قدع، دقع، دعق: مستعملان
عقد: قَالَ الله جلّ وعزّ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} (المَائدة: 1) قيل العُقود العهود، وَقيل الْفَرَائِض الَّتِي أُلزِموها. وَقَالَ الزَّجاج فِي قَوْله: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} (المَائدة: 1) : خَاطب الله جلّ وعزّ الْمُؤمنِينَ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ الَّتِي عقدهَا عَلَيْهِم والعقود الَّتِي يَعقدها بعضُهم على بعضٍ على مَا يُوجِبهُ الدِّين. قَالَ: والعُقود: العهود، واحدُها عَقْد، وَهِي أوكدُ العهود. يُقَال: عهِدتُ إِلَى فلانٍ فِي كَذَا وَكَذَا، فتأويله ألزمتُه ذَلِك، فَإِذا قلت عاقدتُه أَو عَقَدتُ عَلَيْهِ، فتأويله أَنَّك ألزمته ذَلِك باستيثاق. وَيُقَال: عقدتُ الحبلَ فَهُوَ مَعْقُود، وَكَذَلِكَ الْعَهْد. وأعقدت الْعَسَل وَنَحْوه فَهُوَ مُعْقَدٌ وعَقيد. وروى بَعضهم: عقدت الْعَسَل والكلامَ: أعقدت. وَأنْشد:
وكأنَّ رُبَّاً أَو كُحَيلاً مُعْقداً
وَيُقَال عقَد فلانٌ الْيَمين، إِذا وكَّدها.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ابْن اليزيديّ عَن أبي زيد فِي قَوْله عزّ وجلّ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (النِّساء: 33) و (عقدت أَيْمَانكُم) وقرىء: (عَقَّدت) بِالتَّشْدِيدِ، مَعْنَاهُ التوكيد كَقَوْلِه: {وَلاَ تَنقُضُواْ الاَْيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} (النّحل: 91) فِي الْحلف أَيْضا. قَالَ: فَأَما الْحَرْف فِي سُورَة الْمَائِدَة: {وَلَاكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الاَْيْمَانَ} (المَائدة: 89) بِالتَّشْدِيدِ فِي الْقَاف قِرَاءَة الْأَعْمَش وَغَيره، وَقد قرىء بِالتَّخْفِيفِ: (عَقَدتم) . وَقَالَ الحطيئة:
أُولَئِكَ قومِي إنْ بَنوْا أَحسنوا الْبَنَّا
وَإِن عَاهَدُوا أوفَوْا وَإِن عاقدوا شدُّوا
وَقَالَ فِي عَقَد:
قومٌ إِذا عَقدوا عَقْداً لجارهم
فَقَالَ فِي بيتٍ: عقدوا، وَفِي بيتٍ: عاقدوا. والحرف قرىء بِالْوَجْهَيْنِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: عُقدة الْكَلْب: قضيبه. وإنّما قيل لَهُ عُقدة إِذا عَقَدت عَلَيْهِ

(1/134)


الكلبة فانتفخ طرَفه. قَالَ: والعَقَد: تشبُّث ظَبية اللَّعوة ببُسرة قضيب الثَّمثَم. والثَّمثَم: كلب الصَّيْد. واللَّعوة: الْأُنْثَى. وظَبيتُها: حياؤها.
وَقَالَ الأصمعيّ: العُقدة من الأَرْض: البُقعة الْكَثِيرَة الشّجر، ذكره أَبُو عبيد عَنهُ.
وَقَالَ غَيره: كلُّ مَا يَعْتَقِدهُ الْإِنْسَان من العَقَار فَهُوَ عُقْدَةٌ لَهُ.
وَيُقَال: فِي أَرض بني فلَان عُقدةٌ تكفيهم سنَتَهم. مَعْنَاهُ الْبَلَد ذُو الشّجر والكلأ والمرتع.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَقِدة من الرمل والعَقَدة: المتعقِّد بعضُه على بعض، والجميع عَقِدٌ وعَقَد. وَقَالَ هميان:
يفتُق طُرْقَ العَقدِ الرَّواتجا
قَالَ: وَقَالَ الْأَحْمَر: التعقُّد فِي الْبِئْر: أَن يخرُج أَسْفَل الطيّ وَيدخل أَعْلَاهُ إِلَى جِراب الْبِئْر. وجرابُها: اتساعها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الذّنَب الأعقَد: المعْوَجّ. وفحلٌ أعقدُ، إِذا رفعَ ذنبَه، وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك من النشاط.
وَالْعرب تَقول: عَقد فلانٌ ناصيته، إِذا غضِب وتهيّأ للشرّ. وَقَالَ ابنُ مُقْبل:
أثابوا أَخَاهُم إذْ أَرَادوا زياله
بأسواط قِدَ عاقدين النواصيا
والعَقْد: عَقد طاق الْبناء، وَجمعه عُقود، وَقد عقَّده البنَّاءُ تعقيداً. وَمَوْضِع العَقْد من الْحَبل عُقْدة، وَمِنْه عُقدة النِّكَاح.
والأعقد من التيوس: الَّذِي فِي قرْنه التواء. ورجلٌ أعقد، إِذا كَانَ فِي لِسَانه رَتَج.
وأعقدت الْعَسَل فعَقَد وانعقَد، وعسلٌ عقيد، وَكَذَلِكَ عقيد عصير الْعِنَب. وتعقَّد القوسُ فِي السَّمَاء، إِذا صَار كأنّه عَقْدٌ مبنّي.
والعاقد من الظباء: الَّذِي ثنى عنقَه، والجميع العواقد. وَقَالَ النَّابِغَة الذبياني:
حسانِ الوُجوهِ كالظِّباء العواقدِ
وَهِي العواطف أَيْضا.
واليعقيد: طَعَام يُعقَد بالعسل.
والعِقْد: القلادة، وجمعُه الْعُقُود.
وَإِذا أَرتَجَت الناقةُ على مَاء الْفَحْل فَهِيَ عاقدٌ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَعقِد بذنبها فَيعلم أَنَّهَا قد حَمَلت وعَقَدت فمَ الرَّحِم على المَاء فارتتج.
والحاسب يعْقد بأصابعه إِذا حَسَب.
والعَقَد: قَبيلَة من الْعَرَب ينْسب إِلَيْهِم فلانٌ العَقَديّ.
وناقة معقودة القَرَا، إِذا كَانَت وَثِيقَة الظَّهر.
وانعقَد النكاحُ بَين الزَّوجين، وَالْبيع بَين البيِّعين. وانعقد عَقدُ الْحَبل انعقاداً. ومَوضع العقد من الْحَبل مَعقِد، وَجمعه مَعاقد.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: العَقَد: ترطُّب الرمل من كَثْرَة الْمَطَر. وروضة عَقِدةٌ، إِذا اتَّصلَ نبتُها. والعَقْد: الْجمل الْقصير الصَّبور على الْعَمَل.
وَقَالَ عرّام: عَقدَ فلانٌ عنقَه إِلَى فلانٍ وعكَدها، إِذا لَجأ إِلَيْهِ.
شمر عَن ابْن الأعرابيّ: العُقدة من المرعى هِيَ الجنْبة مَا كَانَ فِيهَا من مَرعَى

(1/135)


عامٍ أوّل فَهُوَ عُقدةٌ وعُروة، فَهَذَا من الجَنْبة. وَقد يُضطرُّ المالُ إِلَى الشّجر فيسمَّى عُقدةً وَعُرْوَة. فَإِذا كَانَت الجنبة لم يقل للشجر عقدَة وَلَا عُرْوَة. قَالَ: وَمِنْه سمِّيت العُقدة. وَأنْشد:
خضَبَتْ لَهَا عُقَدُ البِراق جَبينَها
من عَركها عَلجانَها وعرادَها
عدق: ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: هِيَ العَودقة والعَدْوقة لخُطَّاف الدّلو. قَالَ: وَجَمعهَا عُدُق.
وَقَالَ اللَّيْث: العودقة: حَدِيدَة ثلاثُ شعب يسْتَخْرج بهَا الدَّلو من الْبِئْر. وأعدقَ بِيَدِهِ فِي نواحي الْبِئْر والحوض كَأَنَّهُ يطْلب شَيْئا وَلَا يرَاهُ.
وَقَالَ غَيره: رجلٌ عادقُ الرَّأْي؛ لَيْسَ لَهُ صَيُّورٌ يصير إِلَيْهِ. يُقَال عَدَق بظنِّه عدقاً، إِذا رجمَ بظنِّه ووجّه الرَّأْي إِلَى مَا لَا يستبين رُشده.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: العَدَق: الخطاطيف الَّتِي تُخرج بهَا الدِّلاء، وَاحِدهَا عَدَقة.
قعد: قَالَ الله عزّ وجلّ: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ الَّلَاتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً} (النُّور: 60) .
أَخْبرنِي المنذريّ عَن الحرّانيّ عَن ابْن السّكيت قَالَ: امرأةٌ قاعدٌ، إِذا قعدَتْ عَن المَحيض. فَإِذا أردتَ القُعود قلتَ قَاعِدَة. قَالَ: وَيَقُولُونَ: امرأةٌ واضعٌ، إِذا لم يكن عَلَيْهَا خِمار. وأتانٌ جَامع، إِذا حملتْ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الْقَوَاعِد من صِفَات الْإِنَاث، لَا يُقَال رجالٌ قَوَاعِد.
قَالَ: وَيُقَال رجلٌ قاعدٌ عَن الغَزْو، وَيقوم قُعَّادٌ وقاعدون.
قَالَ: وقعيدة الرجُل: امْرَأَته، وَالْجمع قعائد، سمِّيت قعيدةً لِأَنَّهَا تقاعده.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: يَقُول قِعْدَك الله مثل نشدتك الله. وَقَالَ أَيْضا قعِدَك الله، أَي الله مَعَك. وَأنْشد:
قَعيدَكما الله الَّذِي أَنْتُمَا لَهُ
ألم تسمعا بالبيضَتَين المناديا
قَالَ وَأنْشد غَيره عَن قُرَيبة الأعرابية:
قعيدَكِ عَمرَ الله يَا بنت مالكٍ
ألم تعلمينا نعِمَ مأوَى المعصِّبِ
قَالَ: وَلم أسمعْ بَيْتا اجْتمع فِيهِ العَمْر والقَعِيد إلاّ هَذَا.
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: قِعدَك لَا أفعلُ ذَاك وقعيدَك. وَقَالَ متمِّم:
قَعيدَكِ أَلا تُسمِعيني مَلامةً
وَلَا تنكئي قَرْحَ الْفُؤَاد فييجَعا
وَقَالَ أَبُو عبيدٍ أَيْضا فِي كِتَابه فِي (النَّحْو) : عُليا مُضَر تَقول: قَعيدَك لتفعلنَّ كَذَا. قَالَ: القَعيد: الْأَب.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم قَالَ: القَعيد: المُقاعد. وَأنْشد:
قعيدَكما الله الَّذِي أَنْتُمَا لَهُ
ألم تسمعا بالبيضتين المناديا
يَقُول: أَيْنَمَا قَعدت فَأَنت مُقاعِد لله، أَي هُوَ مَعَك. قَالَ: وَيُقَال قعيدَك الله لَا تفعل كَذَا، وقَعدك الله بِفَتْح الْقَاف، وَأما قِعْدَكَ فَلَا أعرفهُ.
وَيُقَال قَعَدَ قَعْداً وقُعوداً. وَأنْشد:
فقَعْدكِ أَلا تُسمعيني مَلامةً

(1/136)


قَالَ: وَيُقَال قعّدت الرجلَ وأقعدته، أَي خدمته، فَأَنا مُقْعِدٌ لَهُ ومقعّد لَهُ. وَأنْشد:
تَخِذها سُرِّيّةً تقعِّده
أَي تخدمه. وَقَالَ الآخر:
وَلَيْسَ لي مُقعِدٌ فِي الْبَيْت يُقْعدني
وَلَا سَوامٌ وَلَا مِن فضّةٍ كيسُ
وَأما قَول الله عزَّ وجلّ: {الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ} (ق: 17) فَإِن النَّحْوِيين قَالُوا: مَعْنَاهُ عَن الْيَمين قعيد وَعَن الشمَال قعيد، فَاكْتفى بِذكر الْوَاحِد عَن صَاحبه، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا
عنْدك راضٍ والرأي مختلفُ
أَرَادَ: نَحن بِمَا عندنَا راضون، وَأَنت بِمَا عنْدك راضٍ. وَقَالَ الفرزدق:
إنّي ضمنت لمن أَتَانِي مَا جنى
وأبى وَكَانَ وَكنت غير غَدُورِ
وَلم يقل غدورين.
سَلمَة عَن الْفراء: تَقول الْعَرَب: قعد فلانٌ يشتُمني وَقَامَ يشتُمني، بِمَعْنى طفِق. وَأنْشد لبَعض بني عَامر:
لَا يُقنِع الجاريةَ الخِضابُ
وَلَا الوشاحانِ وَلَا الجلبابُ
من دون أَن تلتقي الأركابُ
ويَقعُدَ الأير لَهُ لعابُ
كَقَوْلِك يصير.
وَقَول الله جلّ وعزّ {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} (البَقَرَة: 127) الْقَوَاعِد: الآساس، واحدتها قَاعِدَة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَوَاعِد السَّحاب: أصولُها المعترِضة فِي آفَاق السَّماء، شبِّهت بقواعد البِناء، قَالَه فِي تَفْسِير حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سَأَلَ عَن سحابةٍ: (كَيفَ ترَوْنَ قواعدها وبواسقَها؟) . فالقواعد: أسافلها. والبواسق: أعاليها.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب السائرة: (إِذا قَامَ بك الشَّرُّ فاقعُدْ) يفسَّر على وَجْهَيْن: أَحدهمَا أنّ الشرَّ إِذا غلبَك فذِلّ لَهُ وَلَا تضطربْ فِيهِ. وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّ مَعْنَاهُ إِذا انتصبَ لَك الشرُّ وَلم تجدْ مِنْهُ بدّاً فانتصبْ وجاهدْه. وَهَذَا يُروَى عَن الْفراء.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبيدة قَالَ: القعيد: الَّذِي يَجِيء مِن ورائك من الظباء الَّتِي يُتطيَّر مِنْهَا. قَالَ: وَمِنْه قَول عَبِيد بن الأبرص:
تَيسٌ قعيدٌ كالوشيجة أعضبُ
ذكره فِي بَاب السانح والبارح.
وَمن دُعاء الْأَعْرَاب على الرجل بالشرّ يَقُول أحدُهم للرجل: (حلبت قَاعِدا وشربتَ قَائِما) ، يَقُول: لَا ملكتَ غير الشَّاء الَّتِي تُحلب مِن قُعود، وَلَا ملكت إبِلا تحلبها قَائِما. والشاءُ مَال الضَّعْفَى والذُّلاّن، وَالْإِبِل مَال الْأَشْرَاف والأقوياء.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا صَارَت الفسيلة لَهَا جِذع قيل قد قَعَدت، وَفِي أَرض فلانٌ من القاعِدِ كَذَا وَكَذَا أصلا.
وَقَالَ: فلانٌ مُقْعَد الْحسب، إِذا لم يكن شرفٌ. وَقد أقعَدَه آباؤه وتقعَّدوه. وَمِنْه قَول الطرِماح يهجو رجلا:

(1/137)


ولكنَّه عبدٌ تقَعَّد رأيَه
لئامُ الفحول وارتخاصُ المناكح
أَي أقعدَ حسبَه عَن الْكَرم لؤمُ آبَائِهِ.
وَقَالَ الْخَلِيل: إِذا كَانَ بيتٌ فِيهِ زحافٌ قيل لَهُ مُقْعَد.
قلتُ: وَأما قَوْلهم رجلٌ قُعدُدٌ وقُعدَدٌ إِذا كَانَ لئيماً، فَهُوَ من الْحسب المُقْعَد.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الإقواء: نُقصان الْحَرْف من الفاصلة، كَقَوْلِه:
أفبعدَ مقتلِ مَالك بن زُهَيرٍ
ترجو النساءُ عواقبَ الأطهارِ
فنقَص من عروضه قوّة. قَالَ: وَكَانَ يسمِّي هَذَا المُقْعَد.
قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عَن الْخَلِيل، وَهَذَا غير الزِّحاف، وَهُوَ عيبٌ فِي الشّعْر، والزحاف لَيْسَ بِعَيْب.
قلت: وَيُقَال رجلٌ قعيدُ النّسَب ذُو قُعدُد، إِذا كَانَ قَلِيل الْآبَاء إِلَى الجدّ الْأَكْبَر. وفلانٌ أقعدُ بني فلانٍ، إِذا كَانَ أقربَهم إِلَى الجدّ الْأَكْبَر. وَكَانَ عبد الصَّمد بن عَليّ بن عبد الله بن العبّاس الهاشميّ أقعدَ بني الْعَبَّاس نسبا فِي زَمَانه. وَلَيْسَ هَذَا ذمّاً عِنْدهم، وَأما القعدد المذموم فَهُوَ اللَّئِيم فِي حَسبه. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عمرٍ وَعَن أَبِيه قَالَ: القُعدُد الْقَرِيب النّسَب من الجدّ الْأَكْبَر. والقُعدُد: الْبعيد النّسَب من الجدّ الْأَكْبَر، وَهُوَ من الأضداد.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَول البعيث:
لقىً مُقعَد الْأَنْسَاب منقَطَعٌ بِهِ
قَالَ مَعْنَاهُ أنّه قصير النَّسب، من القُعدد. وَقَوله (منقطَع بِهِ) أَي لَا سَعْيَ بِهِ، إِن أَرَادَ أَن يسْعَى لم يكن بِهِ على ذَلِك قُوّةُ بُلْغةٍ، أَي شَيْء يَتَبلّغ بِهِ.
وَقَالَ ابْن شُميل: رجل مُقعَد الْأنف، وَهُوَ الَّذِي فِي مَنْخرَيْهِ سَعةٌ وَقصر.
وَأما قَول عَاصِم بن ثَابت الأنصاريّ:
أَبُو سُلَيْمَان وريشُ المقعَدِ
ومُجْنأ من مَسْكِ ثَورٍ أجردِ
فإنّ أَبَا الْعَبَّاس قَالَ: قَالَ ابنُ الأعرابيّ: المُقْعَد: فَرخ النَّسر، وريشُه أجودُ الرِّيش. قَالَ: وَمن رَوَاهُ (المُعقد) فَهُوَ اسْم رجلٍ كَانَ يَريشُ السِّهام.
وَقيل: المقعَد: النَّسر الَّذِي قُشِّب لَهُ حتّى صِيدَ فأُخِذ ريشُه.
ورجلٌ مُقعَدٌ، إِذا أزمَنَه داءٌ فِي جَسَده حتّى لَا حَرَاكَ بِهِ والإقعاد والقُعاد: داءٌ يَأْخُذ النجائبَ فِي أوراكها، وَهُوَ شِبهُ ميل العجُز إِلَى الأَرْض. يُقَال أُقعِدَ البعيرُ فَهُوَ مُقعَد.
والمقعَدة من الْآبَار: الَّتِي احتفِرت فَلم يُنبَط مَاؤُهَا فتُركت. وَهِي المُسهَبة عِنْدهم.
وَيُقَال: اقتعَد فلَانا عَن السَّخاء لؤمُ جِنْثِه. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فَازَ قِدْحُ الكلبيِّ واقتعدت مَغْ
رَاء عَن سَعْيه عروقُ لئيم
وَقَالَ اللَّيْث: القُعْدة من الدوابّ: الَّذِي يقتعده الرجلُ للرُّكُوب خاصّة. قَالَ: والقَعُود والقَعودة من الْإِبِل خاصّةً: مَا اقتعده الرَّاعِي فَرَكبهُ وَحمل عَلَيْهِ زادَه ومتاعَه. والجميع قِعدان. وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: القَعود من الذُّكُور، والقَلوص من

(1/138)


الْإِنَاث.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: هِيَ قَلوصٌ للبكْرة الْأُنْثَى، وَالْبكْر قَعودٌ مثل القلوص، إِلَى أَن يُثْنِيا، ثمَّ هُوَ جَمَلٌ.
قلت: وعَلى هَذَا التَّفْسِير قولُ من شاهدتُ من الْعَرَب: لَا يكون القَعودُ إلاّ البكرَ الذّكَر، وَجمعه قِعدانٌ، ثمَّ القَعَادين جمع الْجمع. وَلم أسمعْ قعودة بِالْهَاءِ لغير اللَّيْث.
وَأَخْبرنِي المنذريّ أَنه قَرَأَ بخطّ أبي الْهَيْثَم للكسائي أَنه سمع من يَقُول قَعودةٌ للقلوص، وللذكر قَعود.
قلت: وَهَذَا للكسائي من نَوَادِر الْكَلَام الَّذِي سمِعه من بَعضهم، وَكَلَام أَكثر الْعَرَب على غَيره.
وَقَالَ النضْر: القُعدة: أَن يقتعد الرَّاعِي قَعوداً من إبِله فيركبه. فَجعل القُعدة والقَعودَ شَيْئا وَاحِدًا.
وَقَالَ اللَّيْث: القعيدة الْجَرَاد الَّذِي لم يستوِ جناحاه.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: القَعَد: الشُّراة الَّذين يحكِّمون وَلَا يُحَاربُونَ. قَالَ: والقَعَد النَّخْلُ الصغار.
قلت: القَعَد جمع قاعدٍ فِي الْمَعْنيين، كَمَا يُقَال خادمٌ وخَدَم، وحارسٌ وحَرَس. والقَعَديّ من الْخَوَارِج: الَّذِي يرى رَأْي القَعَد الَّذين يَرَون التَّحْكِيم حقّاً غير أنَّهم قعدوا عَن الْخُرُوج على النَّاس.
وَجعل ذُو الرمّة فِراخ القَطَا قبل نهوضها للطَّيرَان مُقْعَدات، فَقَالَ:
إِلَى مُقعَداتٍ تطرُد الريحُ بالضَّحى
عليهنَّ رَفْضاً من حَصاد القلاقلِ
والمقعَدات: الضَّفادع أَيْضا.
وثَديٌ مقعَد، إِذا كَانَ ناهداً.
والقِعدة: ضربٌ من الْقعُود كالجِلسَة. والقَعْدة: ب 1 جلْسَة وَاحِدَة. وَذُو القَعْدة: الشَّهر الَّذِي يَلِي شوالاً.
وقواعد الهودج: خشَبات معْترضاتٌ فِي أَسْفَله يركّب عِيدان الهَودج فِيهَا.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: القعيدة من الرمال: الَّتِي لَيست بمستطيلة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: القُعُدات: الرّحال والسُّروج.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: المُقعَدة: الدَّوخلة من الخوص. قَالَ: ورجلٌ قُعدَد: لئيم الأَصْل. وَقَالَ: الإقعاد: قلّة الأجداد، والإطراف كَثْرَة الأجداد؛ وَكِلَاهُمَا مدحٌ.
وَقَالَ النَّضر: القُعدة: أَن يقتعد الرَّاعِي قَعُوداً من إبِله فيركبه. والاقتعاد: الرّكُوب. يَقُول الرجل لِلرَّاعِي: نستأجرك بِكَذَا وعلينا قُعدتك، أَي علينا مركبك، تركب من الْإِبِل مَا شِئْت وَمَتى مَا شِئْت. وَأنْشد أَبُو عبيد للكميت:
لم يقتعدها المعجِّلون وَلم
يَمسخْ مطاها الوُسوقُ والحَقَبُ
وَقَالَ ابْن بُزْرُج: قَالُوا: أقْعَدَ بذلك الْمَكَان، كَمَا يُقَال أقامَ. وَأنْشد:
أقعدَ حتّى لم يجد مُقْعندَدا

(1/139)


وَلَا غَدا وَلَا الَّذِي يَلِي غَدا
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول الراجز:
تُعجِل إضجاعَ الجَشير القاعدِ
قَالَ: الْقَاعِد: الجوالق الممتلىء حبًّا، كأنّه من امتلائه قَاعد. والجشير: الجُوالق.
ورحًى قَاعِدَة: بطحن الطاحن بهَا بالرائد بِيَدِهِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: مَا تقعَّدني عَن ذَلِك الْأَمر إلاّ شُغل، أَي مَا حَبَسَنِي.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رجلٌ قُعدُد: قريب من الجدّ الْأَكْبَر، ورجلٌ قُعدُد إِذا كَانَ خاملاً.
دعق: أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: دعق الخيلَ يدعقُها دعقاً، إِذا دفَعها فِي الْغَارة. وَقَالَ: أساءَ لبيدٌ فِي قَوْله:
لَا يهمُّون بإدعاق الشَّلَلْ
وَقَالَ غَيره: دعقَها وأدعقها لُغَتَانِ.
وَيُقَال دعقت الْإِبِل الحوضَ، إِذا خبطتْه حَتَّى تَثلمه قَالَ: وطريقٌ دعْق ومدعوقٌ، أَي موطوء. ودعقَت الإبلُ الحوضَ دعقاً، إِذا وردَت فازدحمت على الحوضِ. وَقَالَ الراجز:
كَانَت لنا كدَعقةٍ الوِرد الصَّدِي
وَقَالَ إِسْحَاق بن الْفرج: قَالَ أَبُو عَمْرو: طريقٌ مدعوس ومدعوق، وَهُوَ الَّذِي دعقَه النَّاس. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: طَرِيق دَعْسٌ ودعقٌ، أَي موطُوء كثير الْآثَار.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : مداعق الْوَادي، ومَثادقه، ومذابحه، ومهارقه: مَدافعه. وَيُقَال أصابتنا دَعقةٌ من مطر، أَي دُفعة شَدِيدَة.
دقع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ للنِّسَاء: (إنكنّ إِذا جُعْتُنَّ دَقِعْتُنَّ، وَإِذا شبعتُنُّ خجِلتُنَّ) قَالَ أَبُو عبيد؛ قَالَ أَبُو عَمْرو: الدَّقَع: الخضوع فِي طلب الْحَاجة والحرصُ عَلَيْهَا. والخجَل: الكسل والتواني عَن طلب الرزق. قَالَ أَبُو عبيد: والدَّقَع مَأْخُوذ من الدقعاء، وَهُوَ التُّرَاب، يَعْنِي أنهنَّ يلصقن بِالْأَرْضِ من الْفقر والخضوع. وَقَالَ الْكُمَيْت:
وَلم يَدقعوا عِنْدَمَا نابهم
لوقْع الحروب وَلم يخجلوا
يَقُول: لم يستكينوا للحرب.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الدَّقَع: سوء احْتِمَال الْفقر. والخجَل: سوء احْتِمَال الْغنى.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: الجُوع الدَّيقوع: الشَّديد، وَهُوَ اليرقوع أَيْضا.
وَقَالَ النَّضر: جوعٌ أدقَع ودَيْقوع، وَهُوَ من الدَّقعاء.
أَبُو عبيد: قَالَ الْفراء: المداقيع: الْإِبِل الَّتِي تَأْكُل النّبتَ حتّى تُلصقَه بِالْأَرْضِ. وَقَالَ أَبُو زيد: أدقعَ إليَّ فلانٌ فِي الشتيمة، إِذا لم يتكرَّم عَن قَبِيح القَوْل وَلم يألُ قَذْعاً. والمُدقِع: الْفَقِير الَّذِي قد لصِق بالتُراب من الْفقر.
وَقَالَ اللَّيْث: الداقع من الرِّجَال: الَّذِي يطْلب مداقّ الكَسْب. قَالَ: والداقع: الكئيب المهتمُّ أَيْضا.
وَقَالَ شمر: أدقعَ فلانٌ فَهُوَ مُدقع، إِذا

(1/140)


لزِق بِالْأَرْضِ فقرا. وَيُقَال قد دَقِع أَيْضا. وَرَأَيْت الْقَوْم صَقْعى دَقْعى، أَي لازقين بِالْأَرْضِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل. يُقَال بِفِيهِ الدَّقعاء والأدقَع، يَعْنِي التُّراب. قَالَ: والدُّقَاع: التُّراب. وَقَالَ الْكُمَيْت يصف الْكلاب:
مَجازيع قَفرٍ مَداقيعُه
مَسَاريفُ حينَ يُصِبْن اليسارا
قَالَ: ومَداقيع: ترْضى بِشَيْء يسير. قَالَ: والداقع الَّذِي يرضى بالشَّيْء الدُّون.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: يُدعَى على الرجل فَيُقَال: رماك الله بالدَّوقَعة، فوعلة من الدقَع.
قدع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القَدَع: الكفّ قلت: جعله من قدِع يَقدع قَدَعاً وَفُلَان لَا يَقدع، أَي لَا يَرتدع قَالَ: والقَدَع: انسلاق الْعين من كَثْرَة الْبكاء. وَكَانَ عبد الله بن عمر قَدِعاً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: قدِعَتْ عينُه قَدَعاً، إِذا ضعُفتْ من طول النَّظر إِلَى الشَّيْء. وَأنْشد شِمر:
كم فيهم من هجين أمُّه أمَةٌ
فِي عينهَا قَدَعٌ فِي رجلهَا فَدَعُ
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: تقادع الْقَوْم تقادُعاً، وَهُوَ أَن يَمُوت بعضُهم فِي إِثْر بعض.
قَالَ: وَقَالَ الفرّاء: قُدِعت لي الْخَمْسُونَ، إِذا دنت مِنْهُ. وَأنْشد:
مَا يسْأَل الناسُ عَن سِنّي وَقد قُدِعَتْ
لي أَرْبَعُونَ وطالَ الوِردُ والصَّدَرُ
وَقَالَ شمر: سمعتُ ابنَ الأعرابيّ يَقُول قُدِعَتْ لي أَرْبَعُونَ، أَي أُمضِيَتْ. وَيُقَال قَدَعها، أَي أمضاها، كَمَا يُقدع الرجل عَن الشَّيْء.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: قَدَع السِّتِّينَ: جازها.
قلت: فَاحْتمل أَن تُقدع فتَقْدَع، كَمَا تَقول: قدعت الرجلُ عَن الْأَمر فقَدِع، أَي كففتُه فكفّ وارتدع. والقَدوع: الَّذِي يُقدَع، فَعول بِمَعْنى مفعول.
وَقَالَ عرّام: امرأةٌ قَدوع: تأنف من كل شَيْء. وَقَالَ الطرمّاح:
وإلاّ فمدخول الفِناء قَدوعُ
قَدوع بِمَعْنى مقدوع هَاهُنَا.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قدعتُ الرجلَ وأقدعتُه، إِذا كففتُه عَنْك. والقِدعة من الثِّيَاب: دُرّاعة قَصِيرَة. وَقَالَ مُليحٌ الهذليّ:
بِتِلْكَ عَلِقتُ الشوقَ أيامِ بِكرُها
قصيرُ الخُطَى فِي قِدعةٍ يَتعطَّفُ
وأمرأة قَدِعة: حيّيةٌ قَليلَة الْكَلَام. وانقدعَ فلانٌ عَن الشَّيْء، إِذا استحيا مِنْهُ.
والمِقدعة: عَصا يَقدع بهَا الإنسانُ عَن نَفسه. وتقادعَ الْقَوْم بالرّماح، إِذا تطاعنوا. وتقادعت الذِّبّان فِي المَرَق، إِذا تهافتت فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو مَالك؛ يُقَال: مرَّ بِهِ فرسُه يَقْدَع. وَيُقَال: اقدعْ من هَذَا الشَّرَاب، أَي اقْطَعْ مِنْهُ، أَي اشربه قِطَعاً قِطعاً.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: المِجْوَل: الصُّدرة، وَهِي الصِّدار، والقِدعة، والعِدقة.

(1/141)


(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ التَّاء)
اسْتعْمل من وجوهه: عتق، قتع.
عتق: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (الحَجّ: 29) قَالَ الْحسن: هُوَ الْبَيْت الْقَدِيم؛ وَدَلِيله قَول الله تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً} (آل عِمرَان: 96) . وَقَالَ غَيره: الْبَيْت الْعَتِيق أُعتِق من الغرقِ أَيَّام الطُّوفان، وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} (الحَجّ: 26) ، وَهَذَا دليلٌ على أَن الْبَيْت رفع وَبَقِي مَكَانَهُ. وَقيل إِنَّه أُعتِق من الْجَبَابِرَة وَلم يدَّعه مِنْهُم أحدٌ.
أَبُو عبيدٍ عَن الْأَصْمَعِي: عَتَقَت الفرسُ، إِذا سبقت الخيلَ فنجَتْ. وَيُقَال فلانٌ مِعتاق الوَسِيقة، إِذا أنجاها وسبقَ بهَا. وَيُقَال عَتَّق بِفِيهِ يعتِّق، إِذا بزَمَ، أَي عضَّ. وعتَق التمرُ وَغَيره وعَتُق يعْتق، إِذا صَار قَدِيما. وعتُق فلانٌ بعد استعلاج، إِذا صَار عتيقاً، وَهُوَ رقّة الْجلد. ورجلٌ عَتيق وَامْرَأَة عتيقة، إِذا عَتَقا من الرِّقّة. وَيُقَال هَذَا فرخ قطاةٍ عاتقٌ، إِذا كَانَ قد استقلّ وطار، ونُرى أَنه من السَّبْق. وَقَالَ غَيره: عَتَق من الرقّ يَعتق عِتقاً، وعَتاقاً، وعَتاقة.
أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: العِتْق: صلاحُ المَال. يُقَال عتقتُ المالَ فَعَتَق. أَي أصلحتُه فصَلَح.
وَأَخْبرنِي الْإِيَادِي عَن شمِر أَنه قَالَ: العاتق: الْجَارِيَة الَّتِي قد أدركتْ وبلغَتْ وَلم تتزوَّج بعدُ. وَأنْشد:
أقيدي دَماً يَا أمَّ عمرٍ وهرقتِهِ
بكفَّيك يَوْم السِّتْر إِذْ أَنْت عاتقُ
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العاتق: الْجَارِيَة الَّتِي قد بلغت أَن تدَّرع وعتَقَت من الصِّبا والاستعانة بهَا فِي مِهْنةِ أَهلهَا، سمِّيت عاتقاً بِهَذَا.
وَقَالَ شمر: يُقَال لجيِّد الشَّرَاب عاتق.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عتَقت منّي يمينٌ، أَي سبَقَتْ. وَقَالَ أَوْس:
عليَّ ألِيَّةٌ عَتَقَتْ قَدِيما
وَقَالَ أَبُو زيد: أعتق يمينَه، أَي لَيْسَ لَهَا كفّارة. قَالَ: وَقَوله: (عليّ أليّةٌ عتقت قَدِيما) ، أَي لزمَتْني.
وَقَالَ اللَّيْث: فرسٌ عتيقٌ: رائعٌ بيِّن العِتْق. قَالَ: والعاتقان: مَا بَين المنكبِين والعُتق، والجميع الْعَوَاتِق. قَالَ: والعاتق من الزِّقاق: الجيِّد الْوَاسِع. وَقَالَ لبيد:
أُغلِي السِّباءَ بكلِّ أدكنَ عاتقٍ
أوجَونةٍ قُدِحَتْ وفُتَّ خِتامُها
قلت: جعلَ العاتق تبعا للأدكن، لِأَنَّهُ أَرَادَ بكلّ أدكن عاتقٍ خمره الَّتِي فِيهِ، وَهُوَ كَقَوْلِه (أَو جونة قُدحت) وَهِي الخابية، وَإِنَّمَا يُقدح مَا فِيهَا. والقَدْح: الغَرْف.
والمعتَّقة: ضرب من العِطْر.
وَأما قَول عنترة:
كذَب العتيقُ وماءُ شَنٍ باردٌ
فَإِنَّهُ أَرَادَ بالعتيق التمرَ الَّذِي قد عَتَق. خَاطب امْرَأَته حِين عاتبتْه على إيثاره فرسَه بألبان إبِله فَقَالَ لَهَا: عَلَيْك بِالتَّمْرِ وَالْمَاء الْبَارِد، وذَرِي اللَّبن لفرسي الَّذِي أحميكِ

(1/142)


بركوبي ظَهره.
وعتِيق الطَّير هُوَ الْبَازِي، فِي قَول لبيد:
كعتيق الطَّيرِ يُغْضي ويُجَلّ
وَقَالَ أَبُو عبيد: العاتق: الْخمر الْقَدِيمَة. قَالَ: وَيُقَال هِيَ الَّتِي لم يفُضَّ ختامَها أحدٌ.
وَقَالَ حسَّان:
أَو عاتقٍ كَدم الذَّبيح مُدامِ
وَقَالَ اللَّيْث: المعتَّقة من أَسمَاء الطِّلاَ وَالْخمر. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وسَبِيّةٍ ممّا تعتِّق بابلٌ
كَدم الذَّبيح سلبتُها جريالَها
وبَكْرةٌ عتيقة، إِذا كَانَت نجيبةً كَرِيمَة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: كل شَيْء بلغ النِّهَايَة فِي جودةٍ أَو رداءةٍ، أَو حُسْنٍ أَو قُبحٍ، فَهُوَ عَتيق وَجمعه عُتُقٌ. قَالَ: والعتيق: التَّمر السِّهريز.
قتع: قَالَ اللَّيْث: القَتَع: دُودٌ حُمر تَأْكُل الْخشب، الْوَاحِدَة قَتَعة. وَقيل: القَتَع: الأَرَضة. وَأنْشد:
غادرتُهمْ باللِّوى صَرْعَى كأنهُم
خُشْبٌ تقصَّف فِي أجوافها القَتَعُ
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: هِيَ السُّرْفة، والقَتَعة، والهِرنِصانة، والْحُطيِّطة، والبُطيِّطة، والسَّرْوَعة، والعَوَانة، والطُّحَنة.
أَبُو عبيد: قاتَعه، إِذا قَاتله. وَهِي المقاتعة.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الظَّاء)
قعظ: أهمل غيرَ حرفٍ وَاحِد جَاءَ بِهِ العجاج:
أُقعِظوا إقعاظا
قَالَ اللَّيْث: أقعظَني فلانٌ إقعاظاً، إِذا أدخلَ عَلَيْك مشقَّةً فِي أمرٍ كنت عَنهُ بمَعزِل.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الذَّال)
اسْتعْمل من وجوهه: عذق، قذع، ذعق.
عذق: قَالَ الأصمعيّ وَغَيره: العَذْق بِالْفَتْح: النَّخلة نَفسهَا؛ والعذق بِالْكَسْرِ: الكِباسة، وَجمعه عُذوق وأعذاق. قَالَ: وأعذَقَ الإذخرُ، إِذا أخرَجَ ثمرَه.
وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: عَذَق السَّخبَرُ، إِذا طَال نباتُه، وثمرته عَذَقةٌ. وخَبْراء العَذَق مَعْرُوفَة بِنَاحِيَة الصَّمَّان.
وَقَالَ الأصمعيّ: عذَقَ فلانٌ شَاة لَهُ، إِذا علَّق عَلَيْهَا صوفةً يَعرِفُها بهَا.
قلت: وَقد سَمِعت غير واحدٍ من الْعَرَب يَقُول اعتذقت بكْرةً لأقتضبَها، أَي أعلمت عَلَيْهَا لنَفْسي.
وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: اعتذقَ الرجلُ واعتذبَ، إِذا أسبلَ لعمامته عَذَبتين من خلف. وَقَالَ أعرابيٌّ: مِنّا من عُذِق باسمه، أَي شُهر وعُرِف بِهِ. وَيُقَال للَّذي يقوم بِأَمْر النَّخْل وإباره وتذليل عُذوقه: عاذق. وَقَالَ كَعْب بن زُهَيْر يصف نَاقَة لَهُ:
تنجو ويقطُر ذِفْراها على عُنقٍ
كالجِذْع شذَّب عَنهُ عاذقٌ سَعَفا
وَيُقَال: فِي بني فلانٍ عِذْقٌ كهل، أَي عزٌّ قد بلغَ غايتَه، وَأَصله الكِباسة إِذا أينعت،

(1/143)


تضرب مثلا للشرف الْقَدِيم. قَالَ ابنُ مُقْبل:
وَفِي غَطَفَانَ عِذْق صِدقٍ ممنَّعٌ
على رغم أقوامٍ من النَّاس يانعُ
فَقَوله عذقٌ يَانِع، كَقَوْلِك: عِزٌّ كهل، وعِذْقٌ كهل.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سمعتُ عرّاماً يَقُول: كذبَتْ عَذَّاقته وعذّانته، وَهِي استه. وامرأةٌ عَذَقانة، وشَقَذانة، وغَذَوانةٌ، أَي بذيَّةٌ سليطة. وَكَذَلِكَ امرأةٌ سَلَطانة وسَلَتَانة.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : فلانٌ عَذِق بالقلوب ولَبِق. وطِيبٌ عَذِق، إِذا كَانَ ذكيَّ الرّيح طيّباً.
ذعق: قَالَ اللَّيْث: الذُّعاق بِمَنْزِلَة الزُّعاق: المُرّ. سمعنَا ذَلِك من بَعضهم، فَلَا أَدْرِي ألغةٌ هِيَ أَو لُثغة.
قلت: وَلم أسمع ذُعاق بِالذَّالِ فِي شَيْء من كَلَام الْعَرَب، وَلَيْسَ بمحفوظٍ عِنْدِي.
قذع: جَاءَ فِي الحَدِيث: (من رَوى فِي الْإِسْلَام هجاء مُقْذِعاً فَهُوَ أحد الشاتِمَيْنِ) . والهِجاء المُقْذِع: الَّذِي فِيهِ فُحش وقَذْفٌ وسَبٌّ يقبُح ذِكره. يُقَال أقذعَ فلانٌ لفلانٍ إقذاعاً، إِذا شَتَمه شتماً يُستفحَش، وَهُوَ القَذْع. وَقَالَ اللَّيْث: قذعتُ الرجل أقذَعه قَذْعاً، إِذا رميتَه بالفُحش من القَوْل.
قلت: وَلم أسمع قَذَعت بِغَيْر ألفٍ لغير اللَّيْث. وَقَالَ العجّاج:
بل أيُّها القائلُ قولا أقذَعا
أَرَادَ أَنه أقذَع فِيهِ، وَقيل أقذعا نعتٌ لِلْقَوْلِ، أَرَادَ قولا ذَا قَذَع.
وَقَالَ أَبُو زيدٍ عَن الكلابيين: أقذعتُه، بلساني إقذاعاً، إِذا قهرتَه بلسانك. وقذعته بالعصا، إِذا ضربتَه.
قلت: أَحسب الَّذِي رُوي لأبي زيد عَن الكلابيين بِالدَّال لَا بِالذَّالِ.
وروى أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: قدَعته عَن الْأَمر، إِذا كففته، وأقذعته بِالذَّالِ، إِذا شتمتَه. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الغايةُ.
وقرأت فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : تقذَّعَ لَهُ بِالذَّالِ وَالدَّال، وتقذّح وتقزَّح، إِذا استعدَّ لَهُ بالشرّ.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: ذَعقه وزَعقَه، إِذا صَاح بِهِ وأفزعه.
قلت: وَهَذَا من زيادات ابْن دُرَيْد.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الثَّاء)
قعث، عثق
قعث: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: إِذا حفَن لَهُ من مالِه حَفنةً قَالَ: قَعثْتُ لَهُ قَعثةً. وَقَالَ أَبُو زيد مثله. قَالَ: وَكَذَلِكَ هِثْت هَيْثاً لَهُ، إِذا حَثَوتَ لَهُ.
وَقَالَ ابْن المظفر: الإقعاث: الْإِكْثَار من العطيَّة.
قلت: وَقد أَبَاهُ الأصمعيّ. وَقَالَ رؤبة فِي أرجوزة لَهُ:
أقعَثَني مِنْهُ بسيبٍ مُقْعَثِ
لَيْسَ بمنزورٍ وَلَا بريِّثِ
وَقَالَ الأصمعيّ: قد أساءَ رؤبة حِين قَالَ (بسَيبٍ مُقْعَثِ) فَجعل سيبَه قعثاً، وَإِنَّمَا

(1/144)


القَعْثُ الهيِّن الْيَسِير.
وَقَالَ غَيره: يُقَال إِنَّه لقَعيث كثير، أَي وَاسع. ومطر قعيثٌ: غزير.
وروى ابْن الْفرج للأصمعي أَنه قَالَ: انقعثَ الجدارُ وانقعر وانقعف، إِذا سقط من أَصله. وروى عَنهُ أَيْضا أَنه قَالَ: اقتعثَ الحافرُ اقتعاثاً، إِذا استخرجَ تُرَابا كثيرا من الْبِئْر.
قَالَ أَبُو تُرَاب: وَقَالَ عَرّام: القُعَاث: داءٌ يَأْخُذ الغنَمَ فِي أنوفها. قَالَ: وانقعثَ الشَّيْء وانقعف، إِذا انقلع.
عثق: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: سحابٌ متعثِّق، إِذا اختلطَ بعضُه بِبَعْض. وَفِي (لُغَات هُذَيْل) : أعثقت الأرضُ، إِذا أخصبَت.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الرَّاء)
عقر، عرق، قرع، قَعْر، رقع، رعق: مستعملات
عقر: أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: العاقر الْعَظِيم من الرمل. وَعنهُ عَن الأصمعيّ: العاقر من الرمال: الرَّملة الَّتِي لَا تنبِتُ شَيْئا.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: يُقَال نَاقَة عقير وجملٌ عَقير. قَالَ: والعَقْر لَا يكون إلاّ فِي القوائم. عَقَره، إِذا قطع قَائِمَة من قوائمه.
وَقَالَ الله فِي قصّة ثَمُود: {صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى} (القَمَر: 29) ، أَي تعاطَى الشقيُّ عَقر النَّاقة فبلغَ مَا أَرَادَ. قلت: والعَقْر عِنْد الْعَرَب: كَسْف عرقوب الْبَعِير، ثمَّ جُعِل النَّحر عقراً لأنّ العَقْر سببٌ لنحره، وناحِرُ الْبَعِير يَعقِره ثمَّ ينحره.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قيل لَهُ يومَ النَّفْر فِي أَمر صفيّة: إِنَّهَا حَائِض، فَقَالَ: (عَقْرى حَلْقَى، مَا أُراها إلاّ حابستَنا) . قَالَ أَبُو عبيد: معنى عَقْرَى عقَرها الله، وحَلْقَى: حَلَقَها. فَقَوله عقَرها يَعْنِي عقر جسَدها. وحَلَقَها: أَصَابَهَا الله بوجعٍ فِي حَلْقها. قَالَ أَبُو عبيد: أصحابُ الحَدِيث يَرْوُونَهُ (عَقْرَى حَلْقَى) ، وَإِنَّمَا هُوَ (عَقْراً حَلْقاً) . قَالَ: وَهَذَا على مَذْهَب الْعَرَب فِي الدُّعَاء على الشَّيْء من غير إرادةٍ لوُقُوعه، لَا يُرَاد بِهِ الْوُقُوع.
وَقَالَ شمر: قلتُ لأبي عبيد: لم لَا تجيز عَقْرَى؟ فَقَالَ: لِأَن فعَلَى تَجِيء نعتاً، وَلم تجىء فِي الدُّعَاء. فقلتُ: روى ابْن شُميل عَن الْعَرَب: (مُطَّيرَى) وعَقرى أخفُّ مِنْهَا؟ فَلم يُنكره وَقَالَ: صيِّروه على وَجْهَيْن.
وَفِي حَدِيث عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمّا مَاتَ قَرَأَ أَبُو بكر حِين صعِد إِلَى منبره فَخَطب: {يَعْلَمُونَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} (الزُّمَر: 30) قَالَ عمر: (فعَقِرتُ حتّى خَرَرتُ إِلَى الأَرْض) قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال عَقِر وبَعِل، وَهُوَ مثل الدَّهَش.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن إِبْرَاهِيم الحربيّ عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن النَّضر بن شُمَيْل عَن الهرماس بن حبيبٍ عَن أَبِيه عَن جدِّه قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُيينةَ بن بدر حِين أسلمَ الناسُ ودجَا الْإِسْلَام، فهجَم على بني عديّ بن جُندَب بِذَات الشُّقوق، فَأَغَارُوا عَلَيْهِم وَأخذُوا أَمْوَالهم حتّى أحضروها المدينةَ عِنْد نَبِيّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/145)


فَقَالَت وُفُود بني العنبر أُخِذنا يَا رسولَ الله مُسلمين غيرَ مشْركين حِين خَضْرَمنا النَّعَم. فردَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذراريَّهم وعَقارَ بُيُوتهم. قَالَ أَبُو الْفضل: قَالَ الحربيّ: ردّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذراريَّهم لِأَنَّهُ لم يَرَ أَن يَسبيَهم إلاَّ على أمرٍ صَحِيح، ووجَدَهم مُقِرّين بِالْإِسْلَامِ. قَالَ إِبْرَاهِيم: أَرَادَ بعَقار بُيُوتهم أرَضِيهم.
قلت: غلط أَبُو إِسْحَاق فِي تَفْسِير العَقَار هَاهُنَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بعقار بُيُوتهم أمتعةَ بُيُوتهم من الثِّيَاب والأدوات.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: أَنْشدني أَبُو مَحْضَة قصيدةً وأنشدَني مِنْهَا أبياتاً، فَقَالَ: هَذِه الأبياتُ عَقَار هَذِه القصيدة، أَي خيارُها. قَالَ: وعَقارُ الْبَيْت ونَضَده: متاعُه الَّذِي لَا يبتذَل إِلَّا فِي الأعياد والحقوقِ الْكِبَار.
قَالَ: وَمِنْه قيل: البُهْمَى عُقْر الْكلأ، أَي خير مَا رعَت الْإِبِل. وَقَالَ: بيتٌ حسنُ الأَهَرة، والظَّهَرَة، والعَقار.
قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَ ابنُ الأعرابيّ: وعَقار كلّ شيءٍ: خِيَاره.
وَقَالَ أَبُو عبيد: سمعتُ الأصمعيّ يَقُول: عُقر الدَّار: أصلُها فِي لُغَة أهل الْحجاز، فأمّا أهل نجدٍ فَيَقُولُونَ عَقْر. قَالَ: وَمِنْه قيل العَقَار، وَهُوَ الْمنزل، والأرضُ، والضِّياع. [قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العُقْر والعُقُر، يخفّف ويثقّل: مؤخّر الْحَوْض. قَالَ: وَيُقَال للناقة الَّتِي تشرب من عُقر الْحَوْض عَقِرة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: مَفْرغ الدَّلْو من مؤخّره عُقْره، وَمن مقدَّمه إزاؤه.
قَالَ أَبُو عبيد: العَقَاراء: اسْم مَوضِع. وَأنْشد لحميد بن ثَوْر يصف الْخمر:
ركودُ الحُميَّا طَلَّةٌ شابَ ماءَها
لَهَا من عَقاراء الكروم زَبيبُ
قَالَ شمر: ويروى هَذَا الْبَيْت لحميد: (لَهَا من عُقارات الكروم رَبيبُ) . قَالَ: والعُقارات: الْخُمُور. رَبيب، من يربُّها ويملكها.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العُقار: اسْم للخمر.
وروى شمرٌ عَن ابْن الأعرابيّ: سمّيت الْخمر عُقاراً لِأَنَّهَا تَعقِر الْعقل. وَقَالَ غَيره: سمِّيت عُقاراً لِأَنَّهَا تلْزم الدَّنَّ. يُقَال عاقَره، إِذا لازمَه وداومَ عَلَيْهِ. والمعاقرة: الإدمان. وَقيل: سمِّيت عقارا لمعاقرتها الدنَّ، أَي ملازمتها إِيَّاه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: المِعقَر من الرِّحال: الَّذِي لَيْسَ بواقٍ. قَالَ أَبُو عبيد: لَا يُقَال مِعقَرٌ إلاّ لما كَانَت تِلْكَ عادتَه. فأمّا مَا عَقَر مَرَّةً فَلَا يكون إلاّ عاقراً. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ أَبُو زيد: سَرج عُقر. وَأنْشد قَول البَعيث:
ألحَّ على أكتافهم قَتَب عُقَرْ
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (خَمسٌ مَن قتلهنَّ وَهُوَ حرامٌ فَلَا جُناح عَلَيْهِ: الْعَقْرَب، والفأرة، والغراب، والحِدأ، وَالْكَلب الْعَقُور) . قَالَ أَبُو عبيد: بَلغنِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ كل سبع عَقور وَلم يخصّ بِهِ الْكَلْب. قَالَ أَبُو

(1/146)


عبيد: وَلِهَذَا يُقَال لكل جارح أَو عَاقِر من السبَاع: كلب عَقور، مثل الْأسد والفهد والنمر وَالذِّئْب وَمَا أشببهَا.
قلت: ولنساء الْأَعْرَاب خَرزة يُقَال لَهَا العُقَرَة، يزعمن أنَّها إِذا علِّقت على حَقْو الْمَرْأَة لم تحمل إِذا وطِئت.
وَرُوِيَ عَن ابْن بزرج أَنه قَالَ: يُقَال امْرَأَة عَاقِر، وَلَقَد عَقُرت أشدَّ العُقْر، وأعقر الله رَحمهَا فَهِيَ مُعقَرة، وَقد عَقُر الرجل مثل الْمَرْأَة، وَرِجَال عُقُر وَنسَاء عُقر. وَقَالُوا: امْرَأَة عُقَرة مثل هُمَزة، وَهُوَ دَاء فِي الرَّحِم. وَأنْشد ابْن بزرج:
سقَى الكلابيُّ العُقيليَّ العُقُرْ
قَالَ: والعُقُر: كلُّ مَا شربه إنسانٌ فَلم يُولَد لَهُ، فَهُوَ عُقُر لَهُ. قَالَ: وَيُقَال أَيْضا عَقَرَ وعَقِر، إِذا عَقُر فَلم يحمَل لَهُ. قَالَ: وعُقَرة الْعلم النِّسيان. وَيُقَال عَقرتُ ظهر الدَّابَّة، إِذا أدبرتَه فانعقر، وَمِنْه قَوْله:
عقرتَ بَعِيري يَا امْرأ القيسِ فانزلِ
وَأما قَوْله:
وَيَوْم عقرتُ للعذارى مطيّتي
فَمَعْنَاه أنّه نحرها لهنَّ.
والعُقْر للمغتَصَبة من الْإِمَاء كمهر الْمثل للحُرَّة.
وبَيْضة العُقْر يُقَال هِيَ بَيْضَة الديك، يُقَال إِنَّه يبيض فِي السّنة بَيْضَة وَاحِدَة ثمَّ لَا يعود، يضْرب مثلا للعطِية النَّزْرة الَّتِي لَا يربُّها مُولِيها ببرَ يتلوها.
وَقَالَ اللَّيْث: بَيْضَة الْعقر: بَيْضَة الديك، تُنسب إِلَى العُقر لأنَّ الْجَارِيَة الْعَذْرَاء يُبلَى ذَلِك مِنْهَا بَيْضَة الديك، فَيعلم شَأْنهَا، فَتضْرب بَيْضَة الديك مثلا لكلِّ شَيْء لَا يُسْتَطَاع مَسُّه رخاوةً وضعفاً.
وخلَّط اللَّيْث فِي تَفْسِير عَقْر الدَّار وعُقْر الْحَوْض، فَخَالف بِمَا قَالَ الأئمةَ، وَقد أمضيت تفسيرهما على الصِّحَّة، وَلذَلِك أضربت عَن ذكر مَا قَالَ اللَّيْث.
قَالَ: وَقَالَ الْخَلِيل: سمعتُ أعرابيّاً من أهل الصَّمَّان يَقُول: كلُّ فُرجة تكون بَين شَيْئَيْنِ فَهُوَ عَقْر وعُقْر لُغَتَانِ. قَالَ: وَوضع يَدَيْهِ على قائمتي الْمَائِدَة وَنحن نتغدَّى فَقَالَ: مَا بَينهمَا عُقْر. قَالَ والعَقْر: الْقصر الَّذِي يكون مُعْتَمدًا لأهل الْقرْيَة. وَقَالَ لبيد:
كعَقْر الهاجريّ إِذا ابتناه
بأشباهٍ حُذِينَ على مثالِ
وَقَالَ غَيره: العَقْر: الْقصر على أيّ حَال كَانَ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعقر: غيم ينشأ من قِبَل الْعين فيغشى عين الشَّمْس وَمَا حواليها. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الْعقر غيمٌ ينشأ فِي عُرض السَّمَاء ثمَّ يقصِدُ على حياله من غير أَن تبصره إِذا مرَّ بك، وَلَكِن تسمع رعدَه من بعيد. وَأنْشد لحميد بن ثَوْر يصف نَاقَة:
وَإِذا احزألَّت فِي المُنَاخ رأيتَها
كالعَقْر أفرده العَماءُ الممطرُ
قَالَ: وَقَالَ بعضُهم: العَقْر فِي هَذَا الْبَيْت: الْقصر، أفردَه العماء فَلم يظَلِّلْه وأضاء لعين النَّاظر لإشراق نور الشَّمْس عَلَيْهِ من

(1/147)


خلال السَّحاب.
وَقَالَ بَعضهم: العَقْر: الْقطعَة من الْغَمَام. ولكلَ مقَال؛ لأنَّ قطع السَّحَاب تشبه بالقصور.
وأمّا قَول لبيد:
لما رأى لُبَدُ النُّسورَ تطايرتْ
رفَعَ القوادمَ كالعقير الأعزلِ
من رَوَاهُ (العقير) قَالَ: شبَّه النَّسر لمَّا تساقطَ ريشُه فَلم يَطِرْ بفرَسٍ كُسِف عرقوباهُ فَلم يُحضِر. والأعزل: المائل الذنَب.
وَقَالَ بَعضهم: عَقْر النَّخْلَة: أَن يُكشَط ليفُها عَن قُلْبها ويُستخرج جَذَبُها، وَهُوَ جُمَّارُها، فَإِذا فُعِل بهَا ذَلِك يَبِسَتْ وَلم تصلح إِلَّا للحطَب. يُقَال عَقر فلانٌ النخلةَ، فَهِيَ معقورة وعقير.
ومعاقرة الْخمر: إدمانُ شُربها، أُخذ من عُقر الْحَوْض، وَهُوَ مقَام الْوَارِدَة، فكأنَّ شاربَها يلازم شربهَا ملازمةَ الْإِبِل الْوَارِدَة عُقرَ الْحَوْض حتّى تَروَى.
وَيُقَال رفع فلانٌ عقِيرتَه يتغنّى، إِذا رفع صوتَه بالغِناء. وَأَصله أَن رجلا أُصِيب عضوٌ من أَعْضَائِهِ وَله إبلٌ اعتادت حُداءَه، فانتشرت عَلَيْهِ إبلُه فرفَع صَوته بالأنين لما أَصَابَهُ من الْعقر فِي بدنه، فتسمَّعت لَهُ إبلُه فخُيِّلَ إِلَيْهَا أنَّه يَحْدُو بهَا فاجتمعت وراعَتْ إِلَى صَوته، فَقيل لكلِّ مَن رفع صوتَه بِالْغنَاءِ: قد رفَع عقيرتَه.
وَأما قَول طُفيل يصف هوادج الظعائن:
عَقاراً يظلُّ الطَّيرُ يخطف زهوَه
وعالَيْنَ أعلاقاً على كلِّ مُفْأمِ
فَإِن الأصمعيّ رفع الْعين من قَوْله (عُقارا) ، وَقَالَ: هُوَ مَتَاع الْبَيْت. وَأما أَبُو زيد وابنُ الأعرابيّ فروياه (عَقارا) بِالْفَتْح، وَقد مرَّ تَفْسِيره فِي حَدِيث الهِرماس. وَقَالَ أَبُو زيد: عَقار الْبَيْت: مَتاعُه الحَسَن. قَالَ: وَيُقَال للنَّخل خاصّة من بَين المَال عَقَار.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: العُقَرة: خَرزةٌ تعلَّق على العاقر لتلد. قَالَ: والقُرَرة: خرزة للعَين. والسُّلْوانة: خرزة للإبغاض بعد المحبّة.
وَقَالَ الأصمعيّ: العَقَر: أَن يُسلم الرجل قوائمه فَلَا يقدر أَن يمشيَ من الفَرَق. وَيُقَال رجَعت الحربُ إِلَى عُقْرٍ، إِذا سكنت وعَقْر النَّوى: صرفهَا حَالا بعد حَال. وَقَالَ أَبُو وَجْزةَ:
حلّت بِهِ حَلّةً أسماءُ ناجعة
ثمَّ استمرت بِعقرٍ من نَوًى قَذَفِ
والعَقْر: مَوضِع. والعُقير: قَرْيَة على شاطىء الْبَحْر بحذاء هَجَر.
وَقَالَ أَبُو سعيد: المعاقَرة: المُلاعَنة، وَبِه سمَّى أَبُو عبيدةَ كتاب (المعاقرات) . وكلأٌ عُقار: يَعقِر الإبلَ ويقتلُها. قَالَ: وَمِنْه سمِّي الْخمر عُقاراً لِأَنَّهَا تعقر الْعقل. وَقد قَالَه ابْن الأعرابيّ. وعُقْر النَّار: مُعظَمها ووسطها، وَمِنْه قَول الْهُذلِيّ:
كأنَّ ظُباتِها عُقُرٌ بعيجُ
شبّه النصالَ وحدَّها بالجمرِ إِذا سُخِيَ. وتعقَّر شَحم النَّاقة، إِذا اكتنز كلُّ مَوضِع مِنْهَا شحماً. وَيُقَال عُقِر كلأُ هَذِه الأَرْض،

(1/148)


إِذا أُكل. وَقد أعقرتك كلأَ مَوضِع كَذَا فاعقِره، أَي ارعَهُ.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: العَقَّار والعقاقير: كل نبتٍ ينبُت ممّا فِيهِ شِفَاء يُستَمشى بِهِ. قَالَ: وَلَا يسمَّى شيءٌ من العقاقير فُوهاً، يَعْنِي وَاحِد أَفْوَاه الطِّيب إلاَّ الَّتِي لَهَا رائحةٌ تُشَمُّ.
ورُوى عَن الشعبيّ أَنه قَالَ: لَيْسَ على زانٍ عُقرٌ. قَالَ ابْن شُمَيْل: عُقر الْمَرْأَة: مَهرها، وَجمعه أَعقار. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: العُقر: الْمهْر. وَقَالَ ابْن المظفَّر: عُقر الْمَرْأَة: دِيَة فرجهَا إِذا غُصِبت فَرجَها. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عُقر الْمَرْأَة: ثوابٌ تُثابُه المرأةُ من نِكَاحهَا.
وَيُقَال عُقِرت ركيّتهم، إِذا هُدمت.
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي بَاب الْبَخِيل يُعطى مَرّةً ثمّ لَا يعود: (كَانَت بيضةَ الدِّيك) . قَالَ: فَإِن كَانَ يُعطى شَيْئا ثمَّ يقطعهُ آخر الدَّهْر قيل للمرة الْأَخِيرَة: (كَانَت بَيْضَة العُقْر) .
عرق: شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: العِراق مياه بني سعد بن مَالك، وَبني مَازِن بن عَمْرو بن تَمِيم. وَيُقَال: هَذِه إبلٌ عراقية. قَالَ: وسمِّيت العِراق عِراقاً لقُربها من الْبَحْر. قَالَ: وَأهل الْحجاز يسمُّون مَا كَانَ قَرِيبا من الْبَحْر عِراقاً. وَيُقَال أعرق الرجلُ فَهُوَ مُعرِقٌ، إِذا أخَذَ فِي بلد العراقِ.
وَقَالَ أَبُو سعيد: المُعْرِقة: طريقٌ كَانَت قُرَيْش تسلكه إِذا سَارَتْ إِلَى الشَّام تَأْخُذ على سَاحل الْبَحْر، وَفِيه سلكت عيرُ قُرَيْش حِين كَانَت وقعةُ بدر. وَمن هَذَا قَول عمر لسَلْمان: (أَيْن تَأْخُذ إِذا صَدَرت، أعلَى المُعْرِقة أم عَلى الْمَدِينَة) .
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ أَنه قَالَ فِي تَفْسِير الحَدِيث الَّذِي جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه (وقّتَ لأهل الْعرَاق ذَات عِرق) قَالَ: العِراق شاطىء الْبَحْر أَو النَّهر، فَقيل الْعرَاق لأنّه على شاطىء دجلة والفرات حَتَّى يتّصل الْبَحْر، وَهُوَ اسمٌ للموضع. وعَلِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم سيُسلمون ويحجُّون، فبيَّن ميقاتهم.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعرَاق: شاطىء الْبَحْر على طوله، وَقيل لبلد الْعرَاق عِراقٌ لِأَنَّهُ على شاطىء دجلة والفرات عِدَاءً حَتَّى يتَّصل بالبحر.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي والأصمعي: أعرقنا، أَي أَخذنَا فِي الْعرَاق. وَقَالَ بَعضهم: الْعرَاق مُعَرَّبٌ، وَأَصله إيران فعرّبته الْعَرَب فَقَالَت: عراق. قلت: وَالْقَوْل هُوَ الأوّل.
وَقَالَ أَبُو زيد: استعرقت الْإِبِل، إِذا رعَت قُرب الْبَحْر، وكلُّ مَا اتَّصل بالبحر من مَرعًى فَهُوَ عِراق.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: إِذا كَانَ الجِلد فِي أسافل الْإِدَاوَة مثْنيّاً ثمَّ خُرِزَ عَلَيْهِ فَهُوَ عِراق، فَإِذا سُوِّي ثُمَّ خُرِزَ عَلَيْهِ غير مَثنيَ فَهُوَ طِباب.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: العُرُق: أهل الشّرف، واحدهم عَريق وعَرُوق. قَالَ: والعُرُق: أهل السَّلامة فِي الدّين. وغلامٌ عَريق: نحيف الْجِسْم

(1/149)


خَفِيف الرُّوح. والمِعْرق: حَدِيدَة يُبرَى بهَا العُراق من العِظام. يُقَال عَرقت مَا عَلَيْهِ من اللَّحْم بمِعرق، أَي بشفرة.
وَفِي حديثٍ مَرْفُوع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِيَ بعَرَقٍ من تَمْر. هَكَذَا رَوَاهُ ابْن جَبَلة وَغَيره عَن أبي عُبيد، وَأَصْحَاب الحَدِيث يخفّفون فَيَقُولُونَ عَرْق.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: العَرَق: السَّفيفة المنسوجة من الخُوص قبل أَن يسوَّى مِنْهَا زَبيلٌ، فسمِّي الزَّبيل عَرَقاً لذَلِك، وَيُقَال لَهُ عَرَقَةٌ أَيْضا. قَالَ: وَكَذَلِكَ كلُّ شَيْء يصطفُّ، مثل الطَّير إِذا اصطفَّتْ فِي السَّمَاء، فَهُوَ عَرَقة. وَقَالَ غَيره: وَكَذَلِكَ كلُّ شَيْء مضفورٍ عَرْضاً فَهُوَ عَرَق. وَقَالَ أَبُو كَبِير الهذليّ:
نغدو فنترك فِي المزاحف مَن ثَوى
ونُمِرُّ فِي العَرقات من لم نقتلِ
يَعْنِي نأسرهم فنشُدُّهم فِي العَرَقات، وَهِي النُّسوع.
وَفِي حَدِيث آخر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قَالَ مَن أَحْيَا أَرضًا مَيْتةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لعرقٍ ظالمٍ حقّ) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ هِشَام بن عُرْوَة وَهُوَ الَّذِي روى الحَدِيث العِرق الظَّالِم: أَيْن يَجِيء الرجل إِلَى أَرض قد أَحْيَاهَا رجلٌ قبلَه فيَغرِس فِيهَا غَرساً، أَو يُحدث فِيهَا شَيْئا ليستوجب بِهِ الأَرْض. فَلم يَجْعَل لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ شَيْئا، وَأمره بقلع غِراسه وَنقض بنائِهِ، وتفريغه لمَالِكه.
وَفِي حَدِيث آخر رُوي عَن عِكراش بن ذُؤَيْب أَنه قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإبلٍ من صَدَقات قومه كَأَنَّهَا عُروق الأرطَى. قلت: عُروق الأرطى طِوالٌ ذاهبةٌ فِي ثرى الرمال الممطورة فِي الشتَاء، ترَاهَا إِذا استُخرِجت من الثَّرى حُمراً تقطر مَاء وفيهَا اكتناز. فشبَّه الْإِبِل فِي ألوانها وسمنها وحسنها واكتناز لحومها وشحومها، بعُروق الأرطى. وعُروق الأرطى يقطُر مِنْهَا الماءُ لانسرابها فِي رِيّ الثَّرى الَّذِي انسابت فِيهِ. والظِّباء وبقر الْوَحْش تَجِيء إِلَيْهَا فِي حَمْرَاء القيظ فتستثيرها من مساربها وتترشّف ماءها، فتَجزأ بِهِ عَن وُرُود المَاء. وَقَالَ ذُو الرّمة يصف ثوراً حفر أصل أَرْطَاة ليكنس فِيهِ من الحَر فَقَالَ:
تَوخّاه بالأظلاف حتّى كأنّما
يُثير الكُبابَ الجعدَ عَن مَتنِ مِحمَلِ
الكُباب: مَا تكبَّب من الثرى وجَعُد لرطوبته. والمِحْمَل: حِمالة السَّيف من السُّيور. شبّه حمرةَ عروقِ الأرطى بحمرتها.
وَفِي حَدِيث آخر أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دخل على أمِّ سَلمَة وَتَنَاول عَرْقاً ثمَّ صلَّى وَلم يتَوَضَّأ) . العَرْق جمعُه عُراق، وَهِي الْعِظَام الَّتِي اعترِق مِنْهَا هَبْر اللَّحْم وبقيَ عَلَيْهَا لحومٌ رقيقَة طيّبة، فتكسَّر وتُطبَخ، وَيُؤْخَذ إهالتها من طُفاحتها، ويؤكل مَا على الْعِظَام من عُوَّذ اللَّحْم الرَّقِيق، ويُتمَشش مُشاشُها. ولحمُها من أمرأ اللُّحمان وأطيبها. يُقَال عرقت الْعظم وتعرَّقته واعترقتُه، إِذا أخذت اللحمَ عَنهُ نَهْساً بأسنانك. وعظمٌ معروق، إِذا نُفِيَ عَنهُ لحمُه.
وَأنْشد أَبُو عبيد لبَعض الشُّعراء:

(1/150)


وَلَا تُهدِي الأمرَّ وَمَا يَلِيهِ
وَلَا تُهدِنَّ معروقَ العظامِ
والعُرام مثل العُراق، قَالَه الرياشيّ. يُقَال عَرَمت الْعظم أعرُمه. قَالَ: والعِظامُ إِذا كَانَ عَلَيْهَا شَيْء من اللَّحْم تسمَّى عُراقا. وَإِذا جرِّدت من اللَّحْم تسمَّى عُراقاً أَيْضا، وَهُوَ قَول أبي زيد.
وفرسٌ معروق ومُعتَرق، إِذا لم يكن على قصبه لحْمٌ. وَقَالَ الشَّاعِر:
قد أشهد الغارةَ الشَّعواءَ تَحملني
جرداءُ معروقة اللَّحيينِ سُرحُوبُ
وَإِذا عرِي لَحْياها من اللَّحْم فَهُوَ من عَلَامَات العِتْق.
وَفرس معرَّق، إِذا كَانَ مضمَّراً، يُقَال عرّق فرسَه تعريقاً، إِذا أجراه حَتَّى سَالَ عَرقُه وضَمَر وَذهب رَهَلُ لَحْمه.
والعريق من الْخَيل: الَّذِي لَهُ عِرْقٌ كريم. وَقد أعرقَ الفرسُ، إِذا صَار عريقاً كَرِيمًا.
وَالْعرب تَقول: إنَّ فلَانا لمُعرَقٌ لَهُ فِي الْكَرم، وَفِي اللؤم أَيْضا. وَيُقَال أعرق فِي أَعْمَامه وأخواله وعرَّقُوا فِيهِ. وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز: إِن امْرأ لَيْسَ بَينه وَبَين آدم أبٌ حَيٌّ لمُعْرَق لَهُ فِي الْمَوْت.
وَيُقَال أعرقتِ الشجرةُ، إِذا انساب عروقُها فِي الأَرْض. وتعرّقَتْ مثله.
وَالْعُرُوق: عُروق نباتٍ فِيهَا صُفرة يصْبغ بهَا. وَمِنْهَا عروق حُمر يصبَغ بهَا أَيْضا.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العَرَقة: الطُّرَّة. تنسج على جَوَانِب الفُسطاط. والعَرَقة: خَشَبَة تُعرض على الْحَائِط بَين اللَّبِن. وجَرَى الْفرس عَرَقاً أَو عَرَقين، أَي طَلَقاً أَو طَلَقين. والمُعْرَق من الشَّرَاب: الَّذِي قُلِّل مِزاجُه، كأنّه جُعل فِيهِ عِرقٌ من المَاء. والعَرَق: السَّطْر من الْخَيل، وَهُوَ الصفّ. وَقَالَ طُفيلٌ الغَنَوَيُّ يصف الْخَيل:
كأنّهنَّ وَقد صَدَّرن مِن عَرَقٍ
سيدٌ تمَطَّرُ جُنْحَ اللَّيلُ مبلولُ
قَالَ شمِر: صدَّرن، أَي أخرجن صدورهنَّ من الصفّ، زعم ذَلِك أَبُو نصر. قَالَ: وَخَالفهُ ابنُ الْأَعرَابِي فَرَوَاهُ (صُدِّرنَ من عَرَق) ، أَي صُدِّرن بَعْدَمَا عَرِقْن، يذهب إِلَى العَرَق الَّذِي يخرج منهنَّ إِذا أُجرِينَ.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: أعرقت الكأس وعرّقتها، إِذا أقللتَ ماءها. وَأنْشد قَول الْقطَامِي:
ومصرَّعِينَ من الكَلالِ كأنَّما
شرِبوا الطِّلاءَ من الغبوقِ المُعْرَقِ
قَالَ: وعرَّقت فِي الدَّلو وأعرقت فِيهَا، إِذا جعلتَ فِيهَا مَاء قَلِيلا وَأنْشد هُوَ أَو غَيره:
لَا تملأ الدَّلوَ وعرِّقْ فِيهَا
ألاَ تَرَى حَبارَ من يسقيها
وَفِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ: (ألاَ لَا تُغالوا صُدُقَ النِّساء فإنّ الرجل يغالي بصداقها حَتَّى يَقُول جَشِمتُ إليكِ عَرَق القِربة) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: عَرَق القِربة: أَن يَقُول نَصِبتُ لكِ وتكلَّفتُ حَتَّى عرِقتُ كعرَق القِربة. وعَرَقَها: سيلان مَائِهَا. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عَرَق القِربة: أَن يَقُول تكلَّفتُ إِلَيْك مَا لم يبلغهُ أحدٌ حتّى جَشِمتُ مَا لَا يكون؛ لِأَن الْقرْبَة لَا تعرق.

(1/151)


وَهَذَا مثلُ قَوْلهم: (حتّى يَشيب الغُرابُ ويبيضَّ القار) وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عَرَق القِربة وعلَقها وَاحِد، وَهُوَ مِعلاقٌ تُحمَل بِهِ القِربة.
قَالَ: وَيُقَال فلانٌ عِلْق مَضِنَّةٍ وعِرقُ مَضَنَّةٍ، بِمَعْنى وَاحِد، سمِّي عِلْقاً لأنّه عَلِق بِهِ لحبِّه إِيَّاه. يُقَال ذَلِك لكلِّ مَا أحبَّه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الأصمعيّ: عَرَق الْقرْبَة كلمة مَعْنَاهَا الشدَّة. قَالَ: وَلَا أَدْرِي مَا أَصْلهَا. وَأنْشد قَول ابْن الْأَحْمَر:
لَيست بمَشْتَمةٍ تُعدُّ وعَفوُها
عَرَق السِّقاء على القَعود اللاغبِ
قَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ أنّه يسمع الكلمةَ تغيظه وَلَيْسَت بمشتمةٍ فَيَأْخُذ بهَا صَاحبهَا وَقد أُبلِغَتْ إِلَيْهِ كعَرَق السِّقاء على القَعود اللاغب وَأَرَادَ بالسِّقاء الْقرْبَة.
وَقَالَ شمر: والعَرَق: النَّفْع والثَّواب. تَقول الْعَرَب: اتَّخذْت عِنْد فلانٍ يدا بَيْضَاء وَأُخْرَى خضراءَ فَمَا نِلتُ مِنْهُ عَرَقاً. وَأنْشد:
سأجعلُه مكانَ النُّون منِّي
وَمَا أُعطِيتُه عَرَقَ الخلالِ
يَقُول: لم أُعطَه للمخالَّة والموادَّة كَمَا يُعطى الخليلُ خليلَه، ولكنّي أخذتُه قَسراً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: يُقَال لقيتُ مِنْهُ ذاتَ العَرَاقِي، وَهِي الداهية. قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال للخشبتين اللَّتَيْنِ تُعرَضان على الدَّلو كالصَّليب: العَرْقُوَتان، وَهِي العَراقي. وَقَالَ الكسائيّ: يُقَال إِذا شددتهما عَلَيْهَا: قد عَرقَيتُ الدَّلوَ عَرقاةً. وَقَالَ الأصمعيّ أَيْضا: العَرقوتان: الخشبتان اللَّتَان تضُمّان مَا بَين وَاسِط الرّحل والمؤخّرة. وَالْعرب تَقول فِي الدُّعاء على الرجُل: استأصل الله عِرقاتَهُ، ينصبون التَّاء لأَنهم يجعلونها وَاحِدَة مُؤَنّثَة.
وَقَالَ اللَّيْث: العِرقاة من الشّجر أرومُه الْأَوْسَط، وَمِنْه تنشعب العروقُ، وَهِي على تَقْدِير فِعلاة.
قلت: وَمن كسر التَّاء فِي مَوضِع النصب وَجعلهَا جمع عِرْقةٍ فقد أَخطَأ.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن شُمَيْل: العَرقُوة أكَمة تنقاد لَيست بطويلة فِي السَّماء، وَهِي على ذَلِك تُشرِف على مَا حولهَا، وَهِي قريبٌ من الرَّوض أَو غير قريب من الرّوض. قَالَ: وَهِي مُخْتَلفَة، مكانٌ مِنْهَا ليِّن ومكانٌ مِنْهَا غليظ، وَإِنَّمَا هِيَ جانبٌ من أرضٍ مستوية، مشرفٌ على مَا حوله. والعَرَاقي: مَا اتَّصل من الإكام وآضَ كأنّه حَرفٌ واحدٌ طَوِيل على وَجه الأَرْض. وَأما الأكمة فَإِنَّهَا تكون ملمومة. وَأما العَرقُوةُ فتطول على وَجه الأَرْض وظهرِها، قَليلَة الْعرض، لَهَا سَنَدٌ، وقُبْلها نِجافٌ وبِرَاقٌ، لَيْسَ بسهلٍ وَلَا غليظ جدا، يُنبت، فأمّا ظَهره فغليظٌ خَشِنٌ لَا يُنبت خيرا.
وَقَالَ أَبُو خيرة: العَرقُوة والعَراقي: مَا غلُظ مِنْهُ فمنعَكَ من عُلوِّه.
قلت: وَبهَا سمِّيت الدَّاهيةُ الْعَظِيمَة ذاتَ الْعِرَاقِيّ، وَمِنْه قَول عوفِ بن الْأَحْوَص:
لقِينا من تدرُّئكم علينا
وقَتْلِ سَراتنا ذاتَ العَرَاقي

(1/152)


وَيُقَال: إنّ بغنَمك لعِرْقاً من لبن، قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العِراق تقَارب الخَرْز، يضْرب مثلا لِلْأَمْرِ فَيُقَال: لأَمره عِرَاقٌ، إِذا اسْتَوَى. وَإِذا لم يستو قيل: لَيْسَ لأَمره عِراق. وَيُقَال عَرَقْت القربةَ فَهِيَ معروقة من العِراق.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال مَا أكثَرَ عَرَقَ غنمِه، إِذا كثُر لبنُها عِنْد ولادِها.
وَقَالَ اللَّيْث: اللبَن: عَرَق: بتحلَّب فِي الْعُرُوق حتَّى ينتهيَ إِلَى الضَّرْع. وَقَالَ الشمّاخ يصف إبِلا:
تُضحي وَقد ضَمِنَتْ ضَرّاتُها عَرَقاً
من ناصع اللَّون حُلو الطَّعم مجهودِ
قلت: وَرَوَاهُ الرواةُ (غُرَقاً) ، وَهُوَ جمع الغُرقة، وَهِي الجُرعة من اللَّبَن.
وَقَالَ اللَّيْث: لبَن عَرِقٌ، وَهُوَ الَّذِي يُخضُّ فِي السِّقاء ويعلَّق على الْبَعِير لَيْسَ بَينه وَبَين جنب الْبَعِير وِقاء، فيعرق وَيفْسد طعمُه من عَرَقه. قَالَ: والعِرق: الحَبْل الصَّغِير. وَقَالَ الشماخ:
مَا إنْ يزَال لَهَا شأوٌ يقدِّمها
مُحرَّبٌ مثلُ طوطِ العِرق مجدولُ
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال تركتُ الحقَّ مُعْرِقاً وصادحاً، وسائحاً، أَي لائحاً بيّناً.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: عَرَق فِي الأَرْض عُروقاً، إِذا ذهبَ فِيهَا. وَقَالَ غَيره: العِرْق الْوَاحِد من أعراق الْحَائِط؛ يُقَال رفَع الْحَائِط بعِرقٍ أَو عِرْقين. ورجلٌ عُرَقةٌ: كثير العَرَق. وَقد تعرَّقَ فِي الحمّام.
قَعْر: قَالَ الله جلّ وعزّ: {النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} (القَمَر: 20) معنى المنقعر المنقلع من أَصله. وَقَالَ ابْن السكّيت: يُقَال قعرتُ النخلةَ، إِذا قلعتَها من أَصْلهَا حتّى تسقُط. وَقد انقعرت هِيَ. وَقَالَ لبيد يرثي أَخَاهُ:
وأربَدُ فارسُ الهيجا إِذا مَا
تقعّرت المَشاجر بالفئامِ
وَأَخْبرنِي الإياديّ عَن شمر عَن ابْن الأعرابيّ أنّه قَالَ: صحّف أَبُو عُبَيْدَة فِي مجلسٍ واحدٍ فِي ثَلَاثَة أحرف فَقَالَ: ضَربته فانعقر، وَإِنَّمَا هُوَ فانقعر. وَقَالَ: فِي صَدره حَشك وَالصَّحِيح حَسَك. وَقَالَ: شُلَّت يدُه، وَالصَّوَاب شَلَّت يَده.
أَبُو عبيدٍ عَن الكسائيّ: إناءٌ نَصْفانُ وشَطْرانُ: بلغ مَا فِيهِ شَطرَه، وَهُوَ النِّصف. وإناءٌ قَعرَانُ: فِي قَعْره شَيْء. ونَهْدَانُ، وَهُوَ الَّذِي علا وأشرفَ. والمؤنّث من هَذَا كلِّه فَعْلَى. وَقَالَ الكسائيّ: قَعَرْتُ الإِناءَ، إِذا شربتَ مَا فِيهِ حتّى تَنْتَهِي إِلَى قَعْرهِ. وأقعرْت الْبِئْر، إِذا جعلتَ لَهَا قعراً. وَيُقَال بِئْر قَعِيرة، وَقد قَعُرتْ قَعارةً. وقَعَرتُ شَجَرَة من أَرومتها فانقعرت. وَامْرَأَة قعيرةٌ وقَعِرةٌ، نَعتُ سَوءٍ فِي الْجِمَاع. وقَعر كلِّ شيءٍ: أقصاه. وقعَّر الرجلُ، إِذا روّى فَنظر فِيمَا يَغمُضُ من الرَّأْي حتَّى يَسْتَخْرِجهُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: القَعَر: الْعقل التامّ. وَيُقَال هُوَ يتقعَّر فِي كَلَامه، إِذا كَانَ يتنحَّى وَهُوَ لحَّانة، ويتعاقل وَهُوَ هِلباجة.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال مَا خرجَ من أهل هَذَا القعر أحَدٌ مثله، كَقَوْلِك: من أهل هَذَا

(1/153)


الْغَائِط، مثل الْبَصْرَة والكوفة.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: قَالَت الدُّبيرية: القَعْر: الجَفْنة، وَكَذَلِكَ المِعجَن، والشِّيزى والدَّسيعة. روى ذَلِك الْفراء عَن الدُّبيريّة.
قرع: يُقَال أقرعت بَين الشُّركاء فِي شَيْء يقتسمونه فاقترعوا عَلَيْهِ وتقارعوا فقرعَهم فلَان وَهِي القُرعة.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّ رجلا أَعتق ستّةَ أعبدٍ لَهُ عِنْد مَوته لَا مَال لَهُ غَيرهم، قأقرعَ بَينهم وَأعْتق اثْنَيْنِ وأرَقَّ أَرْبَعَة.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ القَرَع والسَّبَق والنَّدَب: الخَطَر الَّذِي يُستَبَقُ عَلَيْهِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: القَرَع: بثْرٌ يخرج بأعناق الفُصلان وقوائمها، فَإِذا أَرَادوا أَن يعالجوها نَضَحوها بِالْمَاءِ ثمَّ جرُّوها فِي التُّراب. يُقَال قرَّعت الفصيلَ تقريعاً. وَقَالَ أَوْس بن حجَر يذكر الْخَيل:
لَدَى كلِّ أخدُود يغادرنَ دارِعاً
يُجَرُّ كَمَا جُرَّ الفصيلُ المُقَرَّعُ
وَمن أمثالهم السائرة: (استنَّتِ الفِصالُ حتَّى القَرْعَى) ، يُضرب مثلا لمن تعدَّى طورَهُ وادّعى مَا لَيْسَ لَهُ.
وَقَالَ شمر: العوامُّ يَقُولُونَ: (هُوَ أحَرُّ من القَرْع) ، وَإِنَّمَا هُوَ من القَرَع. والقَرَع: قَرَعُ الفِناء من المرعى، وقَرَعُ مأوى المَال ومُراحها من المَال. وَيُقَال أَيْضا قَرِعَ فِناءُ فلانٍ، إِذا لم تكن لَهُ غاشيةٌ يَغْشَونه. وَقَالَ الهذليّ:
وخذَّالٌ لمَوْلَاهُ إِذا مَا
أَتَاهُ عائلاً قَرِع المُراحِ
والقَرَع: قرَع الكرش، وَهُوَ أَن يذهب زئبُره ويرقّ فِي شدّة الحرّ. والقَرَع: قَرَع الرَّأْس، وَهُوَ أَن يَصلَع فَلَا يبْقى على رَأسه شعر، يُقَال رجلٌ أَقرع وَامْرَأَة قرعاء.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: قرعاء الدَّار: ساحتها.
وَقَالَ النَّضر: أَرض قرِعة: لَا تنْبت شَيْئا. والقرعاء: مَنْهَلة من مناهل طَرِيق مَكَّة بَين العَقَبة والعُذَيب. وَجَاء فلانٌ بالسَّوءَة القرعاء والسَّوءة الصَّلعاء، وَهِي المنكشفة. وأصبحت الرياضُ قُرْعاً: قد جَرَدتها الْمَوَاشِي فَلم تَدَع بهَا شَيْئا من الْكلأ.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَجِيء كنز أحدهم يَوْم الْقِيَامَة شجاعاً أقرعَ لَهُ زَبيبتان) قَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ الَّذِي لَا شعرَ على رَأسه. وَقَالَ أَبُو عبيد: والشُّجاع: الحيّة، وَسمي أقرعَ لأنَّه يَقرِي السّمَّ ويجمعه فِي رَأسه حتَّى يتمعَّط مِنْهُ فروةُ رَأسه. وَقَالَ ذُو الرمّة يصف حيّة:
قرى السمَّ حتّى انمازَ فروةُ رأسِه
عَن الْعظم صِلٌّ فاتك اللَّسعِ ماردُه
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أمّا قَوْلهم ألفٌ أقرعُ فَهُوَ التَّامّ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: تُرسٌ أقرعُ، إِذا كَانَ صُلباً، وَهُوَ القَرَّاع أَيْضا. وَقَالَ أَبُو قيس ابْن الأسلت:

(1/154)


ومُجْنأ أسمرَ قرّاعِ
وَقَالَ آخر:
فَلَمَّا فَنَى مَا فِي الْكَتَائِب ضاربوا
إِلَى القُرْع من جِلد الهِجانِ المجوَّبِ
أَي ضَربوا بِأَيْدِيهِم إِلَى التِّرَسةِ لمّا فنيت سهامُهم. وفَنَى بِمَعْنى فَنِيَ فِي لُغَة طيِّىء.
وقِدْح أَقرع، وَهُوَ الَّذِي حُكَّ بِالحصى حتّى بَدَت سَفاسِقُه، أَي طرائقه. وعُودٌ أَقرع، إِذا قَرِع من لحائه.
والقريع: الْفَحْل الَّذِي يُصَوَّى للضِّراب. وَيُقَال فلانٌ قَرِيعُ الكتِيبة وقِرِّيعها، أَي رئيسها.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قريعةُ الْبَيْت: خير مَوضِع فِيهِ، إِن كَانَ فِي حَرَ فخيارُ ظِلِّه، وَإِن كَانَ فِي برد فخيار كِنِّه. وقُرعة كلِّ شَيْء خيارُه. وَيُقَال إنّ نَاقَتك لقريعة، أَي مؤخرة للضَّبَعة. وَقد قَرَع الْفَحْل الناقةَ، إِذا ضربَها. واستقرعت النَّاقة، إِذا اشتهت الضراب، وَكَذَلِكَ الْبَقَرَة.
والقُرعة: الجِرابُ الْوَاسِع يُلقَى فِيهِ الطّعام. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: القُرعة: الجرابُ الصَّغِير، وَجَمعهَا قُرَعٌ، رَوَاهُ ثَعْلَب عَن عَمْرو عَن أَبِيه.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الْحَرْبِيّ أَنه قَالَ فِي حَدِيث عمّار قَالَ: قَالَ عَمْرو بن أَسد بن عبد العُزَّى حِين قيل لَهُ: مُحَمَّد يخْطب خَدِيجَة، قَالَ: نِعم البُضْع لَا يُقرَع أَنفه. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: قَوْله (لَا يُقرَع أَنفه) كَانَ الرجل يَأْتِي بِنَاقَة كَرِيمَة إِلَى رجل لَهُ فحلٌ يسْأَله أَن يُطرقَها فحلَه، فإنْ أخرجَ إِلَيْهِ فحلاً لَيْسَ بكريمٍ قرعَ أَنفه وَقَالَ: لَا أريده. وَهُوَ مَثلٌ للخاطب الكفيء الَّذِي لَا يُرَدُّ إِذا خطبَ كريمةَ قوم.
وَفِي حَدِيث آخر: (قَرِع المسجدُ حِين أصيبَ أصحابُ النَّهْر) . قَالَ الْحَرْبِيّ: معنى قَوْله (قَرِع المسجدُ) أَي قلّ أَهله، كَمَا يَقرع الرأسُ إِذا قلَّ شعره.
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لما أَتَى على مُحَسِّر (قَرَع راحلتَه) ، أَي ضربهَا بِسَوْطِهِ.
قَالَ: وحدّثني أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي، يُقَال (العَصَا قُرِعتْ لذِي الْحلم) ، يَقُول: إِذا نُبِّه انتبَه. وَأنْشد:
لِذِي الحلمِ قبلَ الْيَوْم مَا تُقرَعُ الْعَصَا
وَمَا عُلِّم الإنسانُ إلاّ ليعلما
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال فلانٌ لَا يُقرع، أَي لَا يرتدع.
قَالَ: وقَرَع فلانٌ سِنَّهُ ندماً. وأنشدنا أَبُو نصر:
وَلَو أنّي أطعتُك فِي أمورٍ
قَرعتُ ندامةً من ذَاك سِنّي
قَالَ. وَأَخْبرنِي أَبُو نصر عَن الأصمعيّ قَالَ: قَارِعَة الطَّرِيق: ساحتُها. وقَرِع المُراح، إِذا لم يكن فِيهِ إبل. وقارعة الطَّرِيق: أَعْلَاهُ. وَأنْشد لبَعْضهِم، وَيُقَال إِنَّه لعمر بن الخطَّاب:
مَتى ألقَ زِنباعَ بن رَوحٍ ببلدة
لي النِّصف مِنْهَا يَقرع السنَّ مِن نَدَم
وَكَانَ زنباع بن رَوْح فِي الْجَاهِلِيَّة ينزلُ مَشارفَ الشَّام، وَكَانَ يَعْشُر من مَرَّ بِهِ، فخرجَ فِي تِجَارَة إِلَى الشَّام وَمَعَهُ ذَهَبَة قد

(1/155)


جعلهَا فِي دَبِيل وألقَمَها شارفاً لَهُ، فَنظر إِلَيْهَا زنباعٌ تَذرِف عَيناهَا فَقَالَ: إنّ لَهَا لشأناً. فنحرها وَوجد الذهبةَ، فعَشَرها، فَقَالَ عمر هَذَا الْبَيْت.
وَفِي حَدِيث آخر أَن عُمر أَخذ قَدَحَ سَويقٍ فشرِبَه حَتَّى قرعَ القدحُ جبينَه. قَالَ إِبْرَاهِيم: يُقَال قرعَ الْإِنَاء جبهةَ الشارِبِ، إِذا استوفَى مَا فِيهِ. وَأنْشد:
كأنَّ الشُّهبَ فِي الآذان مِنْهَا
إِذا قَرَعوا بحافتها الجبينا
قَالَ: وَفِي حَدِيث أبي أُمَامَة أَن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَن لم يغْزُ أَو يجهِّزْ غازياً أَصَابَهُ الله بقارعة) . قَالَ: وَأَخْبرنِي أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال أَصَابَته قَارِعَة، يَعْنِي أمرا عَظِيما يقرعُه. وَقَالَ الكسائيّ: القارِعةُ: الْقِيَامَة. وَقَالَهُ الْفراء.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: والقرَّاع: طَائِر لَهُ منقارٌ غليظ أعقف، يَأْتِي العُودَ اليابسَ فَلَا يزَال يَقرعُه حَتَّى يدخُلَ فِيهِ. قَالَ: واقتُرِع فلانٌ، إِذا اختير، وَمِنْه قيل للفحل قريع.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: القِراع: أَن يَأْخُذ الرجل النَّاقة الصَّعبةَ فيُربِضَها للفحل فيبسُرها. يُقَال قرِّع لجملِك. وقريعة الْإِبِل: كريمتها. والمُقْرَع: الْفَحْل يُعقَل فَلَا يُترك أَن يضْرب فِي الْإِبِل، رَغْبَة عَنهُ. قَالَ: وتميمٌ تَقول: خُفَّانِ مُقْرَعانِ، أَي مُنقلان. وأقرعت نَعْلي وخُفِّي، إِذا جعلتَ عَلَيْهَا رُقعةً كثيفة. قَالَ: والقريع من الْإِبِل: الَّذِي يَأْخُذ بِذِرَاع النَّاقة فينيخها.
وَأَخْبرنِي أَبُو نصرٍ عَن الأصمعيّ قَالَ: إِذا أسرعت الناقةُ اللَّقَح فَهِيَ مِقراع. وَأنْشد:
ترى كلَّ مِقراعٍ سريعٍ لقاحُها
تُسِرُّ لِقاحَ الْفَحْل ساعةَ تُقرَعُ
وقرعَ التَّيْسُ العَنْز، إِذا قفطَها.
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: يُقَال للضأن قد استوبلت، وللمعزى استدَرَّت. وللبقر: استقرعت، وللكلبة: استحرمت.
وَقَالَ النَّضر: القَرْعة: سِمَةُ على أيبَسِ السَّاق، وَهِي رَكزَةٌ بِطرف المِيسَم، وربَّما قُرعَ قرعَة أَو قرعتين. وبعير مقروع وإبل مقرّعة.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال فلَان لَا يُقرَع، أَي لَا يرتدِع. فَإِذا كَانَ يرتدع قيل رجلٌ قَرِع وَيُقَال أقرعته، إِذا كففتَه. وَقَالَ رؤبة:
دَعني فقد يُقرِع للأضزِّ
صكَّى حجاجَيْ رأسِه وبَهزي
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال فلانٌ مُقْرِعٌ لَهُ ومُقْرِن لَهُ، أَي مطيق، وَأنْشد بَيت رؤبة هَذَا. فقد يكون الإقراع كفّاً، وَيكون إطاقةً. وَقَالَ رؤبة فِي الكفّ:
أقرعَه عنّي لجامٌ يُلجمُه
أَبُو عبيد عَن الْفراء: أقرعتُ إِلَى الحقِّ إقراعاً، إِذا رجعتَ إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابنُ السّكيت: قرَّع الرجلُ مكانَ يَده من الْمَائِدَة فَارغًا، أَي جعله فَارغًا.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: بتُّ أتقرَّعُ البارحةَ، أَي أتقلَّب. قَالَ: وقرّعتُ الْقَوْم، أَي أقلقتُهم. وَأنْشد الْفراء:
يقرِّع للرِّجَال إِذا أتَوه
ولِلنِّسوان إِن جئن السَّلامُ

(1/156)


وَقَالَ غَيره: قرّعتُ الرجلُ إِذا وبَّختَه وعذَلته. ومرجعه إِلَى مَا قَالَ الْفراء.
واستقرعَ حافرُ الدَّابَّة، إِذا اشتدَّ. واستقرع الكرِشُ، إِذا استوكَعَ. والأكراش يُقَال لَهَا القُرْع. وَقَالَ الرَّاعِي:
رعَينَ الحَمْضَ حَمضَ خُناصراتٍ
بِمَا فِي القُرع من سَبَل الغوَادِي
قيل: أَرَادَ بالقُرع غُدراناً فِي صلابة من الأَرْض. والأكراش يُقَال لَهَا قُرعٌ، إِذا ذهب خَملُها. وَمَكَان أَقرع: شديدٌ صلب، وَجمعه الأقارع. وَقَالَ ذُو الرّمة:
كَسا الأكمَ بُهَمَى غَضَّةً حبشيّةً
تؤاماً ونُقعانَ الظُّهُور الأقارعِ
وَيُقَال أَقرع الْمُسَافِر، إِذا دنا من منزله. وأقرعَ دَارَه آجُرّاً، إِذا فرشَها بالآجرّ. وأقرعَ الشَّرُّ، إِذا دَامَ. وأقرعَ الرجلُ عَن صَاحبه وانقرعَ، إِذا كفّ.
وَفِي حَدِيث عَلْقَمَة أَنه كَانَ يقرِّع غنمَه، أَي يُنْزِي التَّيسَ عَلَيْهَا.
أَبُو عَمْرو: القَروع من الركايا: الَّتِي تُحفَر فِي الْجَبَل من أَعْلَاهَا إِلَى أَسْفَلهَا. وَقَالَ الفرّاء: هِيَ القليلة المَاء. وأقرعَ الغائص والمائح، إِذا انْتهى إِلَى الأَرْض. والقرّاعة والقدّاحة: الَّتِي يُقتدح بهَا النَّار. والقِراع والمقارعة: الْمُضَاربَة بالسُّيوف. والقَرْع: حَمْل اليقطين. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحبُّ القَرْع. وَيُقَال قوارعُ الْقُرْآن: الْآيَات الَّتِي من قَرَأَهَا أمِنَ، مثل آيَة الكرسيّ وآيات آخر سُورَة الْبَقَرَة.
وَقَول الله سُبْحَانَهُ: {وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ} (الرّعد: 31) وَقيل فِي التَّفْسِير: سِرّيةٌ من سَرايا رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمعنى القارعة فِي اللُّغَة: النَّازِلَة الشَّدِيدَة تنزِل عَلَيْهِم بأمرٍ عَظِيم؛ وَلذَلِك قيل ليَوْم الْقِيَامَة القارعة.
وَيُقَال أنزلَ الله قَرعاءَ وقارعة ومُقْرِعة، وأنزلَ بِهِ بَيْضَاء ومبيضة، وَهِي الْمُصِيبَة الَّتِي لَا تدَعُ مَالا وَلَا غَيره.
والمِقْرعة: الَّتِي يُضرَب بهَا الدابّة. والإقراع: صكُّ الْحمير بعضِها بَعْضًا بحوافرها. وَقَالَ رؤبة:
أَو مُقْرَعٌ من ركضها دامى الزَّنَقْ
عَمْرو عَن أَبِيه: القريع: المقروع. والقريع: الْغَالِب.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: قَرَعَ فلانٌ فِي مِقْرعهِ، وقَلَد فِي مِقْلده، وكَرص فِي مِكرصه، وصَربَ فِي مِصربه، كلُّه السِّقاء والزِّقّ. قَالَ: والمِقْرع: وعاءٌ يُجبَى فِيهِ التَّمر، أَي يجمع.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: يُقَال إِنَّمَا قَرَعناك واقترعناك، وقَرحناك واقترحناك، ومَخَرْناك وامتَخَرْناك، وانتضلناك، أَي اخترناك.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَرِع الرجل إِذا قُمِر فِي النضال. وقَرِع، إِذا افتقرَ. وقرِع، إِذا اتَّعظ.
ابْن السّكيت: القَرِيعة والقُرعة: خِيَار المَال. وَيُقَال قد أقرعوه، إِذا أَعْطوهُ خيرَ النَّهب. وَيُقَال نَاقَة قريعة، إِذا كَانَ الْفَحْل يكثر ضرابها ويبطىء لقاحها.

(1/157)


رقع: قَالُوا: الرقيع: الرجل الأحمق، سمي رقيعاً لِأَن عقله كأنّه قد أخلقَ واسترمَّ وَاحْتَاجَ إِلَى أَن يُرقَع برُقعة. ورجلٌ مَرْقَعانٌ وامرأةٌ مَرْقَعانة. وَقد رقُع يرقُع رقاعة.
وَيُقَال رقَعت الثَّوْب ورقَّعته.
وَالسَّمَاوَات السَّبع يُقَال لَهَا سَبْعَة أَرقعَة، كلُّ سماءٍ مِنْهَا رَقعت الَّتِي تَلِيهَا فَكَانَت طَبَقاً لَهَا، كَمَا يُرقّع الثَّوْب بالرُّقعة. وَيُقَال الرَّقيع: السماءُ الدُّنْيَا الَّتِي تلِي الأَرْض، سمِّيت رقيعاً لأنَّها رقِعت بالأنوار الَّتِي فِيهَا.
وَيُقَال قَرّعَني فلانٌ بلومِه فَمَا ارتقعت بِهِ، أَي لم أكترثْ لَهُ.
ثَعْلَب عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: جوعٌ يَرقُوع ودَيقوع ويُرقوع، إِذا كَانَ شَدِيدا. وَيُقَال رقَع الغرضَ بسهمه، إِذا أَصَابَهُ، وكلُّ إصابةٍ رقْع.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رَقْعة السَّهم صوتُه فِي الرُّقعة. وَيُقَال رقعَه رقعاً قبيحاً، إِذا شتَمه وهجاه. وَيُقَال رقع ذَنَبه بِسَوْطِهِ، إِذا ضربَه. وَيُقَال: بِهَذَا الْبَعِير رُقعةٌ من جرب ونُقبة من جرب، وَهِي أوَّل الجرب.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال مَا ترتقع مني برقاعِ، أَي مَا تطيعني وَلَا تقبل مِمَّا أنصحك بِهِ شَيْئا. وَيُقَال للَّذي يزِيد فِي الحَدِيث: هُوَ صَاحب تَبْنيق وترقيع وتوصيل، وَهُوَ صاحبُ رَمِيّةٍ: يزِيد فِي الحَدِيث.
رعق: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّعيق والرُّعاق والوَعيق: الصَّوْت الَّذِي يُسمَع من بطن الدَّابَّة، وَهُوَ الوُعَاق. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ صَوت جُردانه إِذا تقلقلَ فِي قُنْبِه.
وَقَالَ اللَّيْث: الرُّعاق: صوتٌ يُسمَع من قُنب الدابّة كَمَا يُسمَع الوعيق من ثَفْر الْأُنْثَى. يُقَال رعَق يَرعَق رُعاقاً. ففرَّق بَين الرعيق والوعيق. وَالصَّوَاب مَا قَالَه ابنُ الأعرابيّ.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ اللَّام)
عقل، علق، لقع، لعق، قلع، قعل: مستعملات.
عقل: فِي الحَدِيث أَن امْرَأتَيْنِ من هُذيلٍ اقتتلتا، فرمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بحَجرٍ فأصابَ بَطنهَا فقتلتها، فَقضى رَسُول الله عَلَيْهِ بدِيتها على عَاقِلَة الْأُخْرَى.
أخبرنَا عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي أنّه قَالَ: الْعَاقِلَة هم العَصَبة. قَالَ: وَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بديةِ شِبهِ الْعمد وَالْخَطَأ المحضِ على الْعَاقِلَة، يؤدُّونها فِي ثَلَاث سِنِين إِلَى وَرَثَة الْمَقْتُول. قَالَ: والعاقلة هم القَرابة من قِبَل الْأَب. قَالَ: وَمَعْرِفَة الْعَاقِلَة أَن يُنظرَ إِلَى إخْوَة الْجَانِي من قبل الْأَب فيحمَّلون مَا تحمل الْعَاقِلَة، فَإِن احتملوها أدَّوها فِي ثَلَاث سِنِين، وَإِن لم يحتملوها رُفعت إِلَى بني جدِّه، فَإِن لم يحتملوها رفعت إِلَى بني جدّ أَبِيه، فَإِن لم يحتملوها رفعت إِلَى بني جدّ أبي جدّه، ثمَّ هَكَذَا لَا ترفع عَن بني أبٍ حَتَّى يعْجزُوا قَالَ ومَن فِي الدِّيوَان ومَن لَا ديوانَ لَهُ فِي الْعقل سَوَاء.

(1/158)


وَقَالَ إِسْحَاق بن مَنْصُور: قلت لِأَحْمَد بن حَنْبَل: مَن الْعَاقِلَة؟ فَقَالَ: الْقَبِيلَة، إلاَّ أنَّهم يُحمَّلون بِقدر مَا لَا يُطِيقُونَ، فَإِن لم تكن عَاقِلَة لم يُجعَل فِي مَال الْجَانِي وَلَكِن يُهدر عَنهُ. وَقَالَ إِسْحَاق: إِذا لم تكن الْعَاقِلَة أصلا فَإِنَّهُ يكون فِي بَيت المَال وَلَا تُهدر الديةَ.
قلت: والعَقْل فِي كَلَام الْعَرَب: الدِّية، سميت عَقلاً لِأَن الديَة كَانَت عِنْد الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة إبِلاً، وَكَانَت أموالَ الْقَوْم الَّتِي يرقئون بهَا الدِّمَاء، فسمِّيت الدِّيَة عَقْلاً لأنّ الْقَاتِل كَانَ يكلَّف أَن يَسُوق إبل الدِّيَة إِلَى فِنَاء وَرَثَة الْمَقْتُول، ثمَّ يَعْقِلهَا بالعُقُل ويسلمها إِلَى أوليائه. وأصل الْعقل مصدر عقلت الْبَعِير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حَبل يُثنَى بِهِ يَد الْبَعِير إِلَى رُكْبَتَيْهِ فيشدُّ بِهِ.
وَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دِيَة الْخَطَأ الْمَحْض وبشِبه الْعمد أَن يغرمَها عَصَبةُ الْقَاتِل ويُخرج مِنْهَا وَلَده وَأَبوهُ فأمّا دِيَة الْخَطَأ الْمَحْض فَإِنَّهَا تقسم أَخْمَاسًا: عشْرين بنتَ مَخَاض، وَعشْرين بنت لبون، وَعشْرين ابْن لبون، وَعشْرين حِقّة، وَعشْرين جَذَعَة. وَأما دِيَة شبه الْعمد فإنَّها تغَلّظ، وَهِي مائَة بعير أَيْضا، مِنْهَا ثَلَاثُونَ حقة، وَثَلَاثُونَ جَذَعَة، وَأَرْبَعُونَ مَا بَين ثنية إِلَى بازلِ عامِها، كلُّها خَلِفة فعصبة الْقَاتِل إِن كَانَ الْقَتْل خطأ مَحْضا غرِموا الدِّيَة لأولياء الْقَتِيل أَخْمَاسًا كَمَا وصفت، وَإِن كَانَ القتْل شبه الْعمد غَرِموها مغلَّظة كَمَا وصفت فِي ثَلَاث سِنِين، وَهُوَ العَقْل، وهم الْعَاقِلَة.
وَيُقَال عقلتُ فلَانا، إِذا أَعْطَيْت ديتَه ورثتَه. وعقلتُ عَن فلَان، إِذا لزمتْه جنايةٌ فغرِمتَ ديتَها عَنهُ. وَهَذَا كَلَام الْعَرَب.
وَرُوِيَ عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: (لاتعقل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا عبدا وَلَا صُلحاً وَلَا اعترافاً) . الْمَعْنى أنّ الْقَتْل إِذا كَانَ عمدا مَحْضا لم تلْزم الديةُ عَاقِلَة الْقَاتِل؛ وَكَذَلِكَ إنْ صُولح الْجَانِي من الدِّيَة على مالٍ بِإِقْرَار مِنْهُ لم يلْزم عاقلتَه مَا صُولح عَلَيْهِ. وَإِذا جنى عبد لرجلٍ حرّ على إِنْسَان جِنَايَة خطأ لم تغرم عاقلةُ مَوْلَاهُ جِنَايَة العَبْد، وَلكنه يُقَال لسيّده: إمّا أَن تسلّمه برمّته إِلَى وليّ الْمَقْتُول أَو تفديه بمالٍ يؤدّيه من عِنْده. وَقيل معنى قَوْله: (لَا تعقل الْعَاقِلَة عبدا) أَن يجني حرٌّ على عبدٍ جِنَايَة خطأ فَلَا يغرم عاقلةُ الْجَانِي ثمنَ العَبْد. وَهَذَا أشبه بِالْمَعْنَى. وَرَوَاهُ بَعضهم: (لَا تعقل الْعَاقِلَة العَمْد وَلَا العَبْد) .
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب فِي تابعِيه من أهل الْمَدِينَة: الْمَرْأَة تُعاقل الرجل إِلَى ثلث دِيَتهَا، فَإِذا جَازَت الثُّلُث رُدّت إِلَى نصف دِيَة الرجل. وَمَعْنَاهُ أنّ دِيَة الْمَرْأَة فِي أصل شَرِيعَة الْإِسْلَام على النّصْف من دِيَة الرجل، كَمَا أَنَّهَا تَرث نصفَ مَا يَرث الذّكر، فَجَعلهَا سعيد بن الْمسيب جراحَها مُسَاوِيَة جراحَ الذَّكر فِيمَا دون ثلث الدِّيَة، تَأْخُذ كَمَا يَأْخُذ الرجل إِذا جُنِي عَلَيْهِ، فلهَا فِي إِصْبَع من أصابعها عشر من الْإِبِل كإصبع الرَّجل، وَفِي إِصْبَعَيْنِ من أصابعها عشرُون من الْإِبِل، وَفِي ثَلَاث أَصَابِع

(1/159)


ثَلَاثُونَ كالرَّجل. فَإِذا أُصِيب أربعٌ من أصابعها رُدّت إِلَى عشْرين لأنَّها جَاوَزت ثلث الدِّيَة فردّت إِلَى عشْرين لأنّها جَاوَزت ثلث الدِّيَة فردّت إِلَى النّصْف مِمَّا للرجل.
وأمّا الشَّافِعِي وَأهل الْكُوفَة فَإِنَّهُم جعلُوا فِي إِصْبَع الْمَرْأَة خمْسا من الْإِبِل، وَفِي إِصْبَعَيْنِ لَهَا عشرا. وَلم يعتبرِ الثُّلُث الَّذِي اعْتَبرهُ ابْن الْمسيب.
وَفِي حَدِيث أبي بكر الصّديق أَنه قَالَ حِين امْتنعت الْعَرَب من أَدَاء الزَّكَاة إِلَيْهِ بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَو مَنَعُونِي عِقَالاً ممّا أدَّوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقاتلتهم عَلَيْهِ) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: العِقال صَدَقة عَام، يُقَال أخذَ مِنْهُم عقال هَذَا الْعَام، إِذا أُخِذَتْ مِنْهُم صدقتُه. وَأنْشد غَيره لعَمْرو بن العَدّاء الْكَلْبِيّ:
سَعَى عِقالاً فَلم يَتركْ لنا سَبَداً
فَكيف لَو قد سعى عَمْرو عِقالينِ
لأصبحَ الحيُّ أوباداً وَلم يَجدوا
عِنْد التفرُّق فِي الهيجا جِمالينِ
وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ أَبُو بكر ح بالعِقال الْحَبل الَّذِي كَانَ يُعقَل بِهِ الْفَرِيضَة الَّتِي كَانَت تُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة، إِذا قبضهَا المصدِّق أخذَ مَعهَا عِقالاً يَعْقِلهَا بِهِ. وَذَلِكَ أَنه كَانَ على صَاحب الْإِبِل أَن يؤدّي على كلّ فريضةٍ عِقالاً تُعقَل بِهِ، ورِواءً، أَي حبلاً.
وَيُقَال: فلانٌ قَيدُ مائَة، وعِقالُ مائَة، إِذا كَانَ فداؤُه إِذا أسر مائَة من الْإِبِل. وَقَالَ يزِيد بن الصَّعِق:
أساور بَيض الدارعين وأبتغي
عقال المئينَ فِي الصَّباح وَفِي الدهرِ
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: يُقَال عَقَلَ الرجلُ يَعقِل عَقلاً، إِذا كَانَ عَاقِلا. وَقَالَ غَيره؛ سمِّي عقلُ الْإِنْسَان وَهُوَ تَمْيِيزه الَّذِي بِهِ فَارق جميعَ الْحَيَوَان عقلا لأنّه يعقله، أَي يمنعهُ من التورُّط فِي الهَلَكة، كَمَا يعقل العقالُ البعيرَ عَن ركُوب رَأسه. وَقيل إِن الديّة سمِّيت عقلا لِأَنَّهَا إِذا وصلت إِلَى وليّ الْمَقْتُول عقلَتْه عَن قتل الْجَانِي الَّذِي أدَّاها، أَي منَعتْه. وَقَالَ الأصمعيّ: عقّل الظبيُ يَعقِل عُقولاً، أَي امْتنع؛ وَبِه سمِّي الوَعِل عَاقِلا. وَمِنْه المَعقِل، وَهُوَ الملجأ. وعقل الدَّوَاء بطنَه يعقله عقلا، إِذا أمْسكهُ بعد استطلاقه وَيُقَال: أَعْطِنِي عَقلاً، فيعطيه دَوَاء يُمسِك بَطْنه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: إِذا استَطْلَق بطنُ الْإِنْسَان ثمَّ استمسك فقد عَقَل بطنُه، وَقد عقل الدواءُ بطنَه، سَوَاء. وَيُقَال القومُ على مَعاقلهم الأولى من الدِّية، أَي يؤدُّونها كَمَا كَانُوا يؤدّونها فِي الجاهليّة، واحدتها معقُلة. وعقل المصدِّقُ الصدقَة، إِذا قبضَها. وَيُقَال لَا تشتر الصَّدقة حتّى يَعْقِلهَا المصدّق، أَي يقبضهَا. وَيُقَال نَاقَة عَقْلاء وبعير أَعقل بيِّن العَقَل، وَهُوَ أَن يكون فِي رجله التواء. والعُقّال: أَن يكون بالفرس ظَلْعٌ سَاعَة ثمَّ ينبسط. وَقد اعتقل فلانٌ رمحَه، إِذا وضعَه بَين ركابه وساقِه. واعتقل الشاةَ، إِذا وضعَ رِجْلَيْهَا بَين فَخذه وَسَاقه فحلبَها. وَيُقَال لفُلَان عُقلةٌ يَعقِل بهَا

(1/160)


الناسَ، يَعْنِي أنّه إِذا صارعَهم عقلَ أرجلَهم، ويه الشَّغزَبيَّة والاعتقال.
قَالَ: وَقَالَ غير وَاحِد: العَقْل: ضربٌ من الوشي. والعقيلة: الْكَرِيمَة من النِّسَاء وَالْإِبِل وَغَيرهَا، والجميع العقائل. وعَقَل الظلُّ، إِذا قَامَ قَائِم الظهيرة. وَيُقَال اعتقل فلانٌ الرحْلَ، إِذا ثنَى رجله فوضَعها على المورك. وَقَالَ ذُو الرمة:
أطَلْتُ اعتقالَ الرَّحلِ فِي مدلهمَّةٍ
إِذا شرَك الموماة أودَى نظامُها
أَي خفيت آثَار طرقها.
وَيُقَال تعقَّل فلانٌ قادمة رحلِهِ، بِمَعْنى اعتقله. وَقَالَ النَّابِغَة:
متعقّلين قوادمَ الأكوارِ
وَسمعت أعرابيّاً يَقُول لآخر: تعقَّلْ لي بكفَّيك حتَّى أركبَ بَعِيري. وَذَلِكَ أنّ بعيره كَانَ قَائِما مُثقلًا، وَلَو أناخه لم ينْهض بِهِ وبِحِمله، فَجمع لَهُ يَدَيْهِ وشبَّك بَين أَصَابِعه حتَّى وضع فيهمَا رِجلَه وَركب.
وَيُقَال اعتقِل لِسَانه، إِذا لم يقدر على الْكَلَام. وَقَالَ ذُو الرمّة:
ومعتقل اللِّسَان بِغَيْر خَبْلٍ
يَميد كأنّه رجلٌ أميمُ
قَالَ أَبُو سعيد: يُقَال عقلَ فلَانا وعَكَله، إِذا أقامَه على إِحْدَى رجلَيْهِ، وَهُوَ معقولٌ مُنْذُ الْيَوْم. وكلُّ عقلٍ رَفْع. وَصَارَ دم فلانٍ مَعقُلةً على قومه، إِذا غَرِموه. وَيُقَال اعتقل فلانٌ من دم صاحِبِه وَمن طائلته، إِذا أَخذ العَقْل. والمعاقل: حَيْثُ تُعقل الْإِبِل. وعقَلت الْمَرْأَة شَعْرها، إِذا مَشَطته. والماشطة: الْعَاقِلَة. والدُّرة الْكَبِيرَة الصافية عَقِيلة الْبَحْر والمعقول: الْعقل، يُقَال مَاله مَعْقُول، أَي مَاله عقل.
ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الْعقل: التثبُّت فِي الْأُمُور. وَالْعقل الْقلب، وَالْقلب: الْعقل.
اللَّيْث: العَقْل: المعقِل، وَهُوَ الحِصن، وَجمعه عقول، وَأنْشد:
وَقد أَعدَدْت للحدثَانِ حِصناً
لوَ انّ الْمَرْء يَنْفَعهُ العُقولُ
قلت: أُراه أَرَادَ بالعقول التحصُّن فِي الْجَبَل؛ يُقَال وَعِلٌ عَاقل، إِذا تحصّنَ بوَزَرِه عَن الصيَّاد. وَلم أسمع العَقْل بِمَعْنى المَعقِل لغير اللَّيْث.
وعاقلٌ: اسْم جبلٍ بِعَيْنِه. وبالدَّهْنَاء خَبْرَاءُ يُقَال لَهَا مَعقُلة. قلت: وَقد رَأَيْتهَا وفيهَا حوايا كثيرةٌ تمسِك ماءَ السَّمَاء دهراً طَويلا. وَإِنَّمَا سمِّيت مَعْقُلة لإمساكها المَاء.
وعواقيل الْأَدْوِيَة: دراقيعها فِي معاطفها، وَاحِدهَا عاقول.
والقعنقل من الرمل: مَا ارتكم وتعقّلَ بعضه بِبَعْض، وَيجمع عَقنقَلاتٍ وعَقاقِل. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عقنقل الضَّبّ: كُشْيتُه فِي بَطْنه.
وَيُقَال لفلانٍ قلبٌ عقول ولسانٌ سَئول.
وَفِي حَدِيث الدَّجَّال وَصفته: (ثمَّ يَأْتِي الخِصْبُ فيعقِّل الكَرْمُ) .
روى سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ فِي قَوْله (يعقِّل الْكَرم) قَالَ: مَعْنَاهُ أَنه يخرج

(1/161)


العُقيَّلَى وَهُوَ الحِصرِم ثمَّ يمجَّج، أَي يَطِيب طعمُه.
وَيُقَال أعقلتُ فلَانا، أَي ألفيتُه عَاقِلا. وعقّلت فلَانا أَي صيّرته عَاقِلا.
ومَعقِل: اسْم رجل، وَكَذَلِكَ عَقيلٌ، وعُقيل.
علق: أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: الْقَامَة هِيَ العَلَق، وَجمعه أعلاقٌ. وَأنْشد:
عيونها خُزرٌ لصوت الأعلاقْ
قلت: العَلق: اسمٌ جَامع لجَمِيع آلَات الاستقاء بالبكَرة، وَيدخل فِيهِ الخشبتانِ اللَّتان تُنصَبان على رَأس الْبِئْر، ويُلاقَى بَين طرفيهما العاليين بحبلٍ، ثمَّ يوتَّدان على الأَرْض بِحَبل آخر يمدُّ طرفاه إِلَى الأَرْض، ويمدّان إِلَى وَتَدين أُثبتا فِي الأَرْض، وتعلَّق الْقَامَة وَهِي البَكَرة مِن شُعبتي طرفِي الخشبتين، ويستقي عَلَيْهَا بدلوين ينزِع بهما ساقيان. وَلَا يكون العَلَق للسَّانية. وَجُمْلَة الأداة من الخطَّاف والمِحور والبكرة والنعامتين وحِبالها عَلقَ هَكَذَا خفظتُه عَن الْعَرَب.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَلَق: الْحَبل المعلَّق بالبكرة. وَأنْشد:
بئس مَقام الشَّيْخ ذِي الكرامهْ
مَحالةٌ صرَّارةٌ وقامه
وعَلَقٌ يزقو زُقاء الهامه
قَالَ: لما كَانَت البكرة معلَّقة فِي الْحَبل جعل الزُّقاءُ لَهُ، وإنّما هُوَ للبكرة. قَالَ: والعَلَق: الْحَبل الَّذِي فِي أَعلَى البكرة.
قَالَ: وَقَوله (كَلِفْتُ إليكَ عَلَق القِربة) و (عَرَق القِربة) . فأمّا علقها فَالَّذِي تشدُّ بِهِ ثمَّ تعلَّق. وأمّا عَرَقها فأنْ تَعرقَ من جَهدها. قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ: كلِفتُ إِلَيْك عَلَق الْقرْبَة لأنّ أشدّ الْعَمَل عِنْدهم السَّقي.
وَفِي الحَدِيث أنّ امْرَأَة جَاءَت بابنٍ لَهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أعلقت عَنهُ من العُذْرة، فَقَالَ: (عَلامَ تَدْغَرن أولادكنَّ بِهَذِهِ العُلَق، عَلَيْكُم بِكَذَا) .
وَقَالَ عُثْمَان بن سعيد فِي حَدِيث أمِّ قيس: (دخلتُ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بابنٍ لي وَقد أعلقْتُ عَنهُ) . قَالَ: قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: قَالَ سُفْيَان: حفظتُه من فِي الزُّهري: (وَقد أعلَقتُ عَنهُ) .
قلت: والإعلاقُ: معالجة عُذْرة الصبيّ ورفْعُها بالإصبع. يُقَال أعلقَتْ عَنهُ أمُّه، إِذا فعلَتْ ذَلِك بِهِ وغمزَتْ ذَلِك الْموضع بإصبعيها ودفعتْه.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِيمَا روَى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس: أعلقَ، إِذا غَمَزَ حلْقَ الصبيِّ الْمَعْذُور؛ وَكَذَلِكَ دَغَرَ. قَالَ: والعُلُق: الدَّوَاهِي. والعُلقُ: المنايا أَيْضا. والعُلُق أَيْضا: الأشغال.
وَقَالَ الله عزّ وجلّ: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} (الْمُؤْمِنُونَ: 14) ، العَلَقة: الدَّم الجامد الغليظ، وَمِنْه قيل لهَذِهِ الدابَّة الَّتِي تكون فِي المَاء عَلَقة، لأنّها حَمْرَاء كَالدَّمِ. وكلُّ دمٍ غليظٍ عَلقٌ.
وَيُقَال عَلِق العَلَق بِحنَك الدابّة يَعْلَق عَلَقاً، إِذا عضَّ على مَوضع العُذرة من حلقه يشربُ

(1/162)


الدَّم. وَقد يُشرَط موضعُ المحاجم من الْإِنْسَان ويرسَل عَلَيْهِ العَلَق حَتَّى يمصَّ دمَه.
قَالَ: والمعلوق من الدوابّ وَالنَّاس: الَّذِي أخذَ العلقُ بحَلْقه عِنْد شُربه المَاء من عينٍ أَو غَيره.
وَيُقَال عَلِق فلانٌ فُلانةَ، إِذا أحبَّها؛ وَقد عُلِّقها تَعْلِيقا، وَهُوَ معلَّق القلبِ بهَا. والعَلاَقة: الْهوى اللازمُ للقلب.
والعِلاقة بِالْكَسْرِ: عِلاقة السَّيْف والسَّوط.
وَيُقَال: عَلِق فلانٌ يفعل كَذَا، كَقَوْلِك: طفِق يفعل كَذَا.
وَيُقَال جَاءَ بعُلَقَ فُلَقَ. وَقد أعلقَ وأفلقَ، إِذا جَاءَ بالداهية. وعُلَق فُلَق لَا ينْصَرف. حَكَاهُ أَبُو عبيد عَن الْكسَائي.
الحرّانيُّ عَن ابْن السكِّيت: نَاقَة عَلوقٌ، إِذا رئمت بأنفها ومنعَتْ دِرّتها. وَأنْشد للجعْديّ:
وَمَا نَحَنِي كمِناحِ العَلُو
قِ مَا تَرَ من غِرّةٍ تضربِ
يَقُول: أَعْطَانِي من نَفسه غير مَا فِي قلبه، كالناقة الَّتِي تُظهِر بشمِّها الرأمَ والعطف، وَلم ترأمْه.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: المَعَالق من الْإِبِل مثل العَلوق. وَأنْشد غَيره:
أم كَيفَ ينفع مَا تُعْطِي العَلوقُ بِهِ
رئمانَ أنفٍ إِذا مَا ضُنَّ باللَّبنِ
وَقَالَ ابْن السّكيت: العَلِيقة: النَّاقة يُعْطِيهَا الرجلُ القومَ يمتارون، ويعطيهم دراهمَ ليمتاروا لَهُ عَلَيْهَا. وَأنْشد:
أرسلَها عليقةً وَقد علِمْ
أنَّ العَليقاتِ يُلاقين الرَّقِمْ
يَعْنِي أنَّهم يودّعون رِكابهم ويخفِّفون عَنْهَا بِهَذِهِ العليقة يركبونها.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للدابّة عَلوقٌ. والعَلوق: المَغْرة أَيْضا. والعَلوق: نبت. وَقَالَ الْأَعْشَى:
هُوَ الْوَاهِب الْمِائَة المصطفا
ة لاطَ العَلوقُ بهنَّ احمرارا
أَي حسَّن هَذَا النبتُ ألوانَها.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: العَلوق: مَاء الْفَحْل، لأنَّ الإبلَ إِذا عَلِقَتْ وعقَدت على المَاء انقلبت ألوانُها واحمرَّت، فَكَانَت أنفَسَ لَهَا فِي نفْس صَاحبهَا.
وَفِي الحَدِيث: (أَرْوَاح الشُّهداء فِي أَجْوَاف طَيرٍ خُضْرٍ تَعلُق من ثمار الجنّة) ، قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: تعلُق يَعْنِي تَنَاوَلُ بأفواهها. يُقَال علقَتْ تعلُق عُلوقاً. وَأنْشد:
إنْ تدنُ من فَنَنِ الألاءة تعلُقِ
الأصمعيّ: المِعْلق: قَدَحٌ يعلِّقه الرَّاكِب مِنْهُ، وَجمعه مَعَالق.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: حديثٌ طَوِيل العَوْلق، أَي طَوِيل الذَّنَب.
وَيُقَال فلانٌ عِلْقُ علمٍ، وطِلبُ علمٍ، وتِبعُ علم.
والعُلْقة من الطَّعَام والمركب: مَا يُتبلَّغ بِهِ وَإِن لم يكن تامّاً. وَمِنْه قَوْلهم: (ارضَ من

(1/163)


الْمركب بِالتَّعْلِيقِ) ، يضْرب مثلا لرجلٍ يُؤمر بِأَن يقنعَ بِبَعْض حَاجته دون تَمامهَا، كالراكب عليقةً من الْإِبِل سَاعَة بعد سَاعَة. وَيُقَال: هَذَا الْكلأ لنا فِيهِ عُلقة أَي بُلْغة. وَعِنْدهم عُلقةٌ من مَتَاعهمْ، أَي بقيّة. والعُلْقة من الطَّعَام: الْقَلِيل الَّذِي يُتَبَلَّغ بِهِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العَلْقَى: نبت. وبعيرٌ عالقٌ: يَرَعَى العَلْقَى. قَالَ: وَيُقَال مَا فِي الأَرْض عَلاَق، وَمَا فِيهَا لَبَاقٌ، أَي مَا فِيهَا مُرتَقَع، وَيُقَال مَا فِيهَا مَا يتبلَّغ بِهِ. وَقَالَ:
ليسَ إلاّ الرّجيعَ فِيهَا عَلاَقُ
الرَّجيع: الجِرَّة.
وَقَالَ الله عزّ وجلّ فِي صفة الْمَرْأَة الَّتِي لَا يُنصِفها زوجُها وَلَا يُحسِن مُعاشرتَها وَلَا يخلِّي سبيلَها: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} (النِّساء: 129) . وامرأةٌ معلَّقةٌ، إِذا لم يُنفقْ عَلَيْهَا زوجُها وَلم يطلِّقْها، فَهِيَ لَا أيِّمٌ وَلَا ذاتُ بعل.
وَيُقَال علّق فلانٌ لراحلته، إِذا فسخَ خِطامها عَن خَطْمها وألقاه على غاربها فَيكون أهنأ لرعيها.
والعِلْقة: الإتْب، يلبسهَا نسَاء الْأَعْرَاب وَقَالَ ابْن السّكيت: العِلْق: الشَّيْء النفيس. قَالَ: والعَلْق فِي الثَّوب: مَا عَلِق بِهِ. يُقَال هَذَا الشَّيْء عِلْق مَضَنّةً، أَي يُضَنَّ بِهِ، وَجمعه أعلاق. وَيُقَال مَا عَلَيْهِ عِلقة، إِذا لم يكن عَلَيْهِ ثوب لَهُ أدنى قيمَة. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس العِلقة: الصُّدرَة تلبسها الْجَارِيَة تتبذَّل بِهِ. وَيُقَال فلانٌ ذُو معلاقٍ وَفُلَان مِفلاقٌ، إِذا كَانَ شديدَ الْخُصُومَة، وَمِنْه قَول مهلهِل يرثي كليباً:
إنّ تحتَ الْأَحْجَار حزماً وعزماً
وخصيماً ألدَّ ذَا مِعلاقِ
ومِعلاق الرجُل: لِسَانه إِذا كَانَ جَدِلاً. وَيُقَال للمِعلاق مُعلوق، وَهُوَ مَا يعلَّق عَلَيْهِ الشَّيْء.
وَقَالَ اللَّيْث: أدخَلوا على المعلوق الضمة والمدّة، كأنّهم أَرَادوا حدَّ المُدهُن والمنخُل ثمَّ أدخلُوا عَلَيْهِ المدَّة. وكلُّ شَيْء عُلِّق بِهِ شَيْء فَهُوَ مِعلاقُه. قَالَ: وفرقُ مَا بَين المعلاق والمِغْلاق أنَّ المغلاق يفتح بالمفتاح، والمعلاق يعلَّق بِهِ الْبَاب ثمَّ يدْفع المعلاق من غير مِفْتَاح فينفتح. يُقَال علِّق البابَ وأزلجْه. قَالَ: وَيكون تَعْلِيق الْبَاب تركيبه ونصبه.
وَقَالَ اللَّيْث: والعَولَق: الغُول. وكلبة عَولقةٌ: حريصة. وَقَالَ الطرِمّاح:
عَوْلَقُ الحِرصِ إِذا أمشَرَتْ
ساوَرَتْ فِيهِ سُؤورَ المَسَامْ
والعَليق: القَضيم يعلق على الدابّة. قَالَ: وَيُقَال للشراب عليق. وَأنْشد لبَعض الشُّعَرَاء وَأَظنهُ شعرًا مصنوعاً:
اسقِ هَذَا وَذَا وَذَاكَ وعلِّقْ
لَا تسمِّ الشرابَ إلاّ عليقا
وَيُقَال للشَّيْخ: لقد عَلِقَ الكِبَرُ مِنْهُ مَعالِقَه، جمع مَعلق. ومعاليق الْعُقُود والشُّنوف: مَا يُجعل فِيهَا من كل مَا يحسُن فِيهَا.
والعُلَّيق: نَبَات مَعْرُوف يتعلَّق بِالشَّجَرِ ويلتوي عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العَلوق: مَا يعلق بالإنسانِ. قَالَ: والمنيّةُ عَلوق. وَقَالَ

(1/164)


المفضَّل النُّكري:
وسائلةٍ بثعلبةَ بنِ سَيرٍ
وَقد علقتْ بثعلبةَ العَلوقُ
ومَعاليقُ: ضربٌ من النَّخل مَعْرُوف. وَقَالَ الراجز يصفه:
لَئِن نجوتُ ونَجتْ معاليقْ
من الدَّبا إنّي إِذا لمرزوقْ
أَبُو الْحسن اللحياني: سلق فلانٌ فلَانا بلسانِه وعَلَقه، إِذا تناولَه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال لفُلَان فِي هَذِه الدَّار عِلاقة، أَي بقيّةُ نصيبٍ. والدَّعوى يُقَال لَهَا عِلاقة. وَقَالَ ابْن السّكيت: بعيرٌ عالق: يرْعَى العَلَقى. وبعير عالقٌ: يعلُق العضاهَ، أَي ينتِف مِنْهَا، سمِّي عالقاً لِأَنَّهُ يعلُق العضاهَ لطُوله.
لعق: يُقَال لعِقتُ الشَّيْء ألعَقُه لَعْقاً. واللَّعوق: اسْم كلِّ مَا يُلعَق من دَوَاء أَو عسَل أَو غَيره. والمِلعقة: مَا يُلعَق بِهِ. واللُّعقة: الشَّيْء الْقَلِيل مِنْهُ. ولَعِقتُ لَعقة وَاحِدَة. واللُّعاق: مَا بقيَ فِي فِيكَ من طعامٍ لعِقتَه.
وَفِي الحَدِيث (إنّ للشَّيْطَان لَعوقاً) ، واللَّعوق: اسْم لما تلعقُه.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: يُقَال للرجل إِذا مَاتَ: قد لَعِق إصبَعَه. وَيُقَال قد ألعقتُه من الطَّعام مَا يَلعقُه، إلعاقاً.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: اللَّعْوَقة: سُرعة الْإِنْسَان فِيمَا أخذَ فِيهِ من عمل وخِفّةٌ فِيمَا أَهْوى. ورجلٌ لَعْوَقٌ: مسلوس الْعقل.
لقع: أَبُو عبيد عَن الفرَّاء قَالَ: اللُّقاعة والتِّلقَّاعة: الْكثير الْكَلَام. وَقَالَ غَيره: اللُّقَّاعة: الدَّاهية من الرِّجَال. وَيُقَال لَقَعه بالبعرة، إِذا رَمَاه بهَا، ولقعَه بِعَيْنِه، إِذا أَصَابَهُ بهَا. وَفِي حَدِيث سَالم بن عبد الله بن عمر أنّه دخل على هِشَام بن عبد الْملك فَقَالَ لَهُ: إنّك لذُو كُدْنة، فَلَمَّا خرجَ من عِنْده أَخَذته قفقفةٌ، أَي رِعدة، فَقَالَ لصَاحبه: أتُرى الْأَحول لقَعَني بِعَيْنِه؟ يَعْنِي هشاماً أنّه أَصَابَهُ بِعَيْنِه. وَكَانَ أحْوَل.
وَقَالَ اللَّيْث: اللِّقَاع: الكساء الغليظ.
قلت: هَذَا تَصْحِيف، وَالَّذِي أَراده اللِّفاع بِالْفَاءِ، وَهُوَ كساءٌ يُتلفَّع بِهِ. وَمِنْه قَول أبي كَبِير يصف ريش النَّسر:
حَشْرِ القوادِم كاللِّفَاع الأطحَلِ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فلانٌ لُقَعة، للَّذي يتلقّع الكلامَ وَلَا شَيْء وَرَاء الْكَلَام. وامرأةٌ مِلقَعةٌ: فحّاشة. وَأنْشد:
وَإِن تكلَّمتِ فكوني مِلقَعه
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال التُقِع لونُه، والتُفع لَونه، واستُفِع لَونه، ونُطِع وانتُطِعَ، واستُنطِع لَونه، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: إِذا أَخذ الذُّبَاب شَيْئا بمُتْكِ أنْفِه من عسل وَغَيره قيل لقَعه يلقَعُه
وَقَالَ غَيره: مرّ فلانٌ يلقَع، إِذا أسْرع.
وَقَالَ بعض الرجّاز:
صَلَنْقَعٌ بلَنْقعُ
وَسطَ الرِّكاب يَلقع
وَقَالَ اللحياني: التُقِع لونُه، والتُمِع لونُه، إِذا تغيَّر لونُه.
قلع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا يدْخل

(1/165)


الجنةَ قَلاَّعٌ وَلَا دَيْبوب) . قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: سَمِعت ابْن نجدة يَقُول: قَالَ أَبُو زيد: القَلاَّع: السَّاعِي بِالرجلِ إِلَى السُّلطان بِالْبَاطِلِ. قَالَ: والقَلاّع: القوّاد. والقلاَّع: النّباش. والقلاّع: الْكذَّاب. قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: القَلاَّع: الَّذِي يَقع فِي النَّاس عِنْد الْأُمَرَاء، سمِّي قلاَّعاً لِأَنَّهُ يَأْتِي الرجل المتمكّن عِنْد الْأَمِير، فَلَا يزَال يَقع فِيهِ ويَشِي بِهِ حتَّى يقلعَه ويُزيلَه عَن مرتبته. والدّيبوب: النّمام القَتَّات.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: قد أقلعوا بِهَذِهِ الْبِلَاد قِلاعاً، إِذا ابتَنوها. وَأنْشد فِي صفة السُّفن:
مَواخرٌ فِي سَواءِ اليمِّ مُقْلَعةٌ
إِذا علَوْا ظهرَ قُفَ ثُمّت انحدروا
قَالَ: شبَّهها بالقلعة. أُقلِعتْ: جُعِلت كأنَّها قلعة.
قلت: أَخطَأ اللَّيْث فِي تَفْسِير قَوْله مُقْلَعة أنّها جُعِلت كالقلعة وَهِي الحِصن فِي الْجَبَل. والسُّفن المُقلَعة: الَّتِي سوِّيت عَلَيْهَا القِلاع، وَهِي الشِّراع والجِلال الَّتِي إِذا رُفعت ساقت الريحُ السفينةَ بهَا.
وَأَخْبرنِي أَبُو الْفضل عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: القِلاع: شِراع السَّفِينَة، والجميع: القُلُع. قَالَ: والقُلاَع والخُرَاع وَاحِد، وَهُوَ أَن يكون صَحِيحا فيقعَ مَيتا، يُقَال انقلع وانخرعَ. قَالَ: والقَلْع: الكِنْف تكون فِيهِ الأدوات. قَالَ: وَمن أمثالهم: (شحمِي فِي قَلْعي) ، والجميع قلعة وقلاع. قَالَ: وَمعنى قَوْلهم (شحمي فِي قلعي) مثلٌ لمن حصَّل مَا يُرِيد قَالَ: وَقَول عمر فِي ابْن مَسْعُود: (كُنَيْفٌ مَلِيء عِلماً) شبّه عمر قلب ابْن مَسْعُود بكِنْف الرَّاعِي، لأنَّ فِيهِ مِبراتَه ومِقَصَّيْه وشَغِيزته ونُصُحَه، فَفِيهِ كلُّ مَا يُرِيد. هَكَذَا قلْبُ ابْن مَسْعُود قد جمع فِيهِ كلّ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الناسُ من الْعُلُوم.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: القَلَعة: السَّحابة الضخمَة، والجميع قَلَع. وَالْحِجَارَة الضَّخمة هِيَ القَلَع أَيْضا. قَالَ: والقَلْعة: الْحصن، وَجمعه قُلوع قَالَ: والقُلاَّع: الْحِجَارَة والقِلْع: الرجل البليد الَّذِي لَا يفهم. والقِلْع: الَّذِي لَا يثبت على الْخَيل.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصفته، أَنه (كَانَ إِذا مَشى تَقَلَّع) ، وَفِي حَدِيث ابْن أبي هَالة: (إِذا زَالَ زَالَ قَلِعاً) ويروى (قُلْعاً) وَالْمعْنَى وَاحِد، أَرَادَ أنَّه كَانَ يُقلُّ قَدَمَه على الأَرْض إقلالاً بَائِنا ويباعد بَين خُطاه، لَا كمن يمشي اختيالاً وتنعُّماً.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القَلُوع: الْقوس الَّتِي إِذا نُزِع فِيهَا انقلبت وَقَالَ غَيره: القَلوع: النَّاقة الضَّخمة الثَّقيلة، وَلَا يُقَال للجمل؛ وَهِي الدَّلوح أَيْضا. والقَيلع: الْمَرْأَة الضخمة الجافية.
قلت: وَهَذَا كلُّه مأخوذٌ من القَلَعة وَهِي السَّحابة الضخمة. وَكَذَلِكَ قَلَعة الْجَبَل وَالْحِجَارَة.
وَقَالَ الْفراء: يُقَال مَرْج القَلَعة: للقرية الَّتِي دون حُلوانِ الْعرَاق، وَلَا يُقَال مرج القَلْعة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: القَلَع:

(1/166)


الْوَقْت الَّذِي تُقلِع فِيهِ الحمَّى. والقُلُوع: من الإقلاع. وَأنْشد:
كأنّ نَطاة خَيبرَ زوّدَتْه
بَكورَ الوِرد ريِّثةَ القُلوعِ
ونَطاة خَيبر: قَرْيَة مِنْهَا على عين مَاء مُؤبٍ، وَهِي كَثِيرَة الحمّى.
أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: القُلاّعة والقُلاَعة، يشدّد ويخفّف، هما قِشْر الأَرْض الَّذِي يرْتَفع من الكمأة فيدلُّ عَلَيْهَا، وَهِي القِلْفِعة.
وَقَالَ اللَّيْث: القُلاَّع: الطين الَّذِي يتشقق إِذا نضَب عَنهُ المَاء، كلُّ قِطْعَة مِنْهَا قُلاّعة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: القُلاّع: نبتٌ من الجَنْبة، ونِعم المرعى هُوَ رطبا كَانَ أَو يَابسا. رَوَاهُ ابْن حبيب عَنهُ. والقُلاَع بِالتَّخْفِيفِ من أدواء الْفَم وَالْحلق.
وَيُقَال أقلعَ الرجلُ عَن عمله، إِذا كفَّ عَنهُ. وأقلعت السَّمَاء بَعْدَمَا مَطَرت، إِذا أَمْسَكت.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: دَائِرَة القالع هِيَ الَّتِي تكون تَحت اللِّبْد، وَهِي لَا تُستَحبّ.
الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: القَلْعان هما من بني نُمير، وهما صَلاَءةُ وشُريحٌ ابْنا عَمْرو بن خَوَيلفة بن عبد الله بن الْحَارِث بن نُمير. وَأنْشد:
رغبنا عَن دِمَاء بني قُريعٍ
إِلَى القَلْعَينِ إنّهما اللُّبابُ
وَقُلْنَا للدَّليل أقِمْ إِلَيْهِم
فَلَا تلغَى بغيرهم كلابُ
قعل: قَالَ ابْن المظفّر: القُعال: مَا تناثَرَ من نَور العِنَب وفاغيةِ الحنّاء وأشباهه. وَقد أقعَلَ النَّور، إِذا انشقّ عَن قُعالته. واقتعله الرجلُ، إِذا استنفضه فِي يَده عَن شجرِه.
وَقَالَ غَيره: اقعالَّ النَّور بِمَعْنى أقعَلَ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: القواعل: رُؤُوس الْجبَال وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
عُقابُ يَنُوفَ لَا عقابُ القواعلِ
والقيعلة: العُقاب الَّتِي تسكن قواعل الْجبَال. وَأنْشد:
وحلَّقتْ بك العُقابُ القَيعَلهْ
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: القيعلة: الْمَرْأَة الجافية الغليظة الْعَظِيمَة.
وَقَالَ غَيره: الاقِعيلال: الانتصاب فِي الرّكُوب. وصخرة مُقْعالَّة، أَي منتصبة لَا أصل لَهَا فِي الأَرْض.
وَقَالَ الأصمعيّ: القَعْوَلة فِي الْمَشْي: أَن تُقْبَل إِحْدَى القدمَين على الْأُخْرَى. يُقَال قَعوَلَ فِي مَشْيه قَعولة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: قَعولَ، إِذا مشَى مِشية قبيحة. قَالَ: والقَعْل: الرجل الْقصير الْبَخِيل المشؤوم، كَأَنَّهُ يَغرِف بقدميه التُّرَاب، يَعْنِي المقَعْوِل والقَعَل: عود يسمَّى المِشحَط، يُجعَل تَحت سُرُوع القطوف لئلاَّ تتعفَّر.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ النُّون)
عنق، قنع، قعن، نعق، نقع: مستعملة.
قلت: أما
عقن: فإنّه مهمل، إِلَّا أَن

(1/167)


يكون العِقْيانُ فِعيالاً مِنْهُ، وَهُوَ الذَّهب، وَالْأَقْرَب إِنَّه فِعلانٌ من عَقى يَعقِي، وَالنُّون زَائِدَة.
عنق: قَالَ الله جلّ وَعز: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} (الشُّعَرَاء: 4) أَكثر المفسِّرين ذَهَبُوا بِمَعْنى الْأَعْنَاق فِي هَذِه الْآيَة إِلَى الْجَمَاعَات، يُقَال جَاءَ الْقَوْم عُنُقاً عنقًا، إِذا جَاءُوا فرقا، كلُّ جماعةٍ مِنْهُم عُنق. وَمِنْه قَوْله:
إِن العراقَ وأهلهُ
عنقٌ إِلَيْك فهَيْتَ هَيتا
أَرَادَ أنّهم مالوا إِلَيْك جَمِيعًا. وَيُقَال هم عُنُق واحدٌ عَلَيْهِ، وإلبٌ وَاحِد. وَقيل فِي تَفْسِير الْآيَة: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ} (الشُّعَرَاء: 4) ، أَي رقابهم، كَقَوْلِك: ذلّت لَهُ رِقَاب الْقَوْم وأعناقهم. وَقد مرَّ تَفْسِير قَوْله {خَاضِعِينَ} (الشُّعَرَاء: 4) على مَا قَالَ فِيهِ النحويون.
والعُنُق مؤنّثة، وَقد ذكّره بَعضهم، قالهُ الْفراء وَغَيره. يقالُ ضُرِبَتْ عُنُقه. وَقَالَ رؤبة يصف السَّراب أَو الْآل:
تبدو لنا أعلامُه بعد الغَرَقْ
خَارِجَة أعناقُها من مُعتَنَقْ
ذكر السرابَ وانقماس الْجبَال فِيهِ إِلَى مَا دون ذُراها. والمعتنق: مخرج أَعْنَاق الْجبَال من السَّراب، أَي اعتنقت فأخرجت أعناقَها.
وَيُقَال عانق الرجلُ جَارِيَته، وَقد تعانقا. فَأَما الاعتناق فَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الْحَرْب، وَمِنْه قَول زُهَيْر:
إِذا مَا ضاربوا اعتنقا
وَقد يجوز الاعتناق فِي غير الْحَرْب بِمَعْنى التعانق، وكلٌّ فِي كلَ جَائِز.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العُنُق: الْجمع الْكثير من النَّاس. قَالَ: والعُنق: الْقطعَة من المَال. قَالَ: والعنق أَيْضا: الْقطعَة من الْعَمَل، خيرا كَانَ أَو شرا.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (المؤذّنون أطولُ الناسِ أعناقاً يومَ الْقِيَامَة) . قَالَ ابْن الأعرابيّ: يُقَال لفلانٍ عنقٌ من الْخَيْر، أَي قِطْعَة، فَمَعْنَاه أَنهم أَكثر النَّاس أعمالاً. وَقَالَ غَيره: هُوَ من طول الْأَعْنَاق؛ لِأَن النَّاس يومئذٍ فِي الكرب وهم فِي الرَّوح والنشاط مشرئبّون لما أُعِدَّ لَهُم من النَّعيم.
وَفِي حَدِيث آخر: يخرج عُنُق من النَّار) .
وَقد تخفّف العُنُق فَيُقَال عُنْق
والعانقاء: جُحرٌ من جِحَرة اليربوع يملؤه تُرَابا، فَإِذا خَافَ اندسَّ فِيهِ إِلَى عُنُقه فَيُقَال: تعنَّق.
قَالَ: وَأَخْبرنِي المفضّل أَنه يُقَال لجِحَرة اليربوع: الناعقاء والعانقاء، والقاصعاء، والنافقاء، والراهطاء، والدَّامَاء.
أَبُو عبيد: من أَمْثَال الْعَرَب: (طارت بهم العَنْقاء المُغْرِب) وَلم يفسِّره، وَقَالَ اللَّيْث: العنقاء: اسْم مَلِك، والتأنيث عِنْده للفظ العنقاء. وَقَالَ غَيره: العنقاء من أَسمَاء الداهية. وَقيل العنقاء طَائِر لم يَبقَ فِي أَيدي النَّاس من صفتهَا غير اسْمهَا؛ يُقَال: (ألوَى بِهِ العُنْقاء المُغْرب) . وَقَالَ أَبُو زيد: العنقاء: أكمة فَوق جبل مُشْرف. وَقَالَ الزّجاج: العنقاءُ المُغْرب: طَائِر لم يره

(1/168)


أحد. وَقَالَ عِكرمة فِي قَول الله جلّ وعزّ: {عَلَيْهِمْ طَيْراً} (الفِيل: 3) قَالَ: هِيَ عنقاءُ مُغْرِبة. فَهَذَا جَمِيع مَا جَاءَ فِي العنقاء الْمغرب.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: إِذا خرجَ من النَّهر ماءٌ فَجرى فقد خرجَ عُنُق. قَالَ: والعُنُق من النَّاس الْجَمَاعَة. وَجَاء الْقَوْم عُنقاً عُنقاً، إِذا جَاءُوا أَرْسَالًا. وَقَالَ الأخطل:
وَإِذا المِئونُ تواكَلتْ أعناقُها
فاحملْ هناكَ على فَتى حَمَّالِ
قَالَ ابنُ الأعرابيّ: أعناقها: جماعاتها. وَقَالَ غَيره: ساداتها. وَقَالَ: المِعْنَقة: القلادة. والمَعنَّقة: دويْبَّة. والعَنَق والعَنيق: ضربٌ من السَّير، وَقد أَعْنَقت الدابّة.
وَقَالَ أَبُو زيد: كَانَ ذَلِك على عُنُق الدَّهْر، أَي على قديم الدَّهر. والعَناق: الْأُنْثَى من أَوْلَاد المِعزَى إِذا أَتَت عَلَيْهَا السّنة، وَجَمعهَا عُنُوق، وَهَذَا جمعٌ نَادِر. وَيَقُولُونَ فِي الْعدَد الْأَقَل: ثَلَاث أعنُقٍ وأربعُ أعنُق. وَقَالَ الفرزدق:
دعدِعْ بأعنُقِك التوائِم إنّني
فِي باذخٍ يَا ابنَ المراغة عالِي
وَقَالَ أَوْس بن حجر فِي العُنوق:
يَصُوع عُنوقَها أحوَى زنيمٌ
لَهُ ظَأبٌ كَمَا صَخِب الغريمُ
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: (هَذِه العُنُوق بعد النُّوق) ؛ يضْرب مثلا للَّذي يُحَطُّ عَن مرتبته بعد الرّفْعَة، أنَّه صَار يرْعَى العُنوق بعد مَا كَانَ يرْعَى الْإِبِل. وراعي الشَّاء عِنْد الْعَرَب مَهين ذليل، وراعي الْإِبِل قويٌّ مُمْتَنع.
وعَنَاق الأَرْض: دابّة فُويق الْكَلْب الصِّيني يصيد كَمَا يصيد الفهدُ وَيَأْكُل اللَّحمَ، وَهُوَ من السِّباع، يُقَال إنّه لَيْسَ شيءٌ من الدوابّ يوَبِّر أَي يعفِّي أَثَره إِذا عدا غَيره وَغير الأرنب؛ وَجمعه عُنوقٌ أَيْضا، والفُرْسُ تسمِّيه (سياه قُوشْ) ، وَقد رَأَيْته فِي الْبَادِيَة أسودَ الرَّأْس أَبيض سائِره. وَرَأَيْت بالدَّهناء شبه منارةٍ عاديّة مبنيَّة بالحجارَة، ورأيتُ غُلَاما من بني كُلَيْب بن يَرْبُوع يَقُول: هَذِه عَنَاقُ ذِي الرمة، لِأَنَّهُ ذكرهَا فِي شعره.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال: لقيتُ مِنْهُ أذُنَيْ عَنَاقٍ، أَي داهية وأمراً شَدِيدا. قَالَ: وَيُقَال جَاءَ فلانٌ بأذنَيْ عنَاق، أَي جَاءَ بِالْكَذِبِ الْفَاحِش. وَيُقَال رجَع فلانٌ بالعَناق، إِذا رجَع خائباً؛ يوضع العَناقُ مَوضِع الخيبة. وَأنْشد ابنُ الأعرابيّ:
أمِن ترجيعِ قاريَةٍ تركتمْ
سَباياكم وأبتُمْ بالعَنَاقِ
وَصفهم بالجُبْن
والأعنَق: فحلٌ من خيل الْعَرَب مَعْرُوف، إِلَيْهِ تنْسب بناتُ أعنقَ من الْخَيل الْجِيَاد.
وَأنْشد ابنُ الْأَعرَابِي:
تظلُّ بناتُ أعنَقَ مُسْرَجاتٍ
ويروى: (مُسرِجات) . قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: اخْتلفُوا فِي أعنَقَ، فَقَالَ قَائِل: هُوَ اسمُ

(1/169)


فرَس. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ دِهقانٌ كثير المَال من الدَّهاقين. فَمن جعله رجلا رواهُ: (مُسرِجات) ، وَمن جعله فرسا رَوَاهُ (مُسرَجات) .
وَفِي حَدِيث مُعاذٍ وَأبي مُوسَى أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفرٍ وَمَعَهُ أصحابُه فأناخوا لَيْلَة مُعرِّسين، وتوسَّد كلٌّ ذراعَ رَاحِلَته. قَالَا: فانتبهْنَا وَلم نَرَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد رَاحِلَته، فاتَّبعناه فَأخْبرنَا ج أنّه خُيِّر بَين أَن يدْخل نصفُ أمته الجنّةَ وَبَين الشَّفَاعَة، وأنَّه اخْتَار الشَّفَاعَة. قَالَ: (فانطلقْنا إِلَى النَّاس مَعانِيقَ نبشِّرهم) ، قَالَ شمر: قَوْله معانيقَ أَي مُسرعين، يُقَال أعنقْتُ إِلَيْهِ أُعْنِقُ إعناقاً. ورجلٌ مُعْنِقٌ وقومٌ مُعْنِقون ومعانيق. وَقَالَ القُطامي:
طرقَتْ جَنوبُ رِحالَنا من مَطْرَقِ
مَا كنت أحسبها قريب المُعنَقِ
وَقَالَ ذُو الرمّة:
أشاقتك أخلاقُ الرُّسوم الدَّوائِرِ
بأدعاص حَوضَى المُعنِقات النوادرِ
قَالَ شمر: قَالَ أَبُو حَاتِم: المُعْنِقات: المتقدّمات فِيهَا. قَالَ: والعَنَق والعَنيق من السَّير مَعْرُوف، وهما اسمان مِن أعنقَ إعناقاً.
وَفِي (النَّوَادِر) : أعلقْتُ فِي الأَرْض وأعنقت، وبلادٌ مُعْلِقة ومُعْنِقة، أَي بعيدَة.
ووادي العَنَاق بالحِمَى فِي أَرض غَنِي.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: المعَانق هِيَ مُقَرِّضات الأساقي، لَهَا أطواقٌ فِي أعناقها ببياضٍ
وَيُقَال عَنَّقت السحابةُ، إِذا خرجت من مُعظم الغَيم، ترَاهَا بَيْضَاء لإشراق الشَّمْس عَلَيْهَا. وَأنْشد شمر:
مَا الشُّرب إلاّ نَغَباتٌ فالصَّدَرْ
فِي يَوْم غَيمٍ عنَّقَتْ فِيهِ الصُّبُر
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: معانيق الرمال: حِبالٌ صغَار بَين أَيدي الرِّمال، الْوَاحِدَة مُعْنِقة.
وَيُقَال: أَعْنَقت الثريا، إِذا غَابَتْ. وَأنْشد:
كأنّي حِين أعنقَتِ الثريّا
سُقِيتُ الراحَ أَو سُمّاً مَدُوفا
وأعنقت النُّجومُ، إِذا تقدّمت للمغيب. والمُعْنِق: السَّابِق؛ يُقَال جَاءَ الفرسُ مُعْنِقاً. ودابةٌ مِعناقٌ: قد أعْنَقَ.
نعق: قَالَ الله عزّ وجلّ: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً} (البَقَرَة: 171) قَالَ أهل اللُّغة الفراءُ وَغَيره النعيق: دُعَاء الرَّاعِي الشَّاء. يُقَال انعِق بضأنك، أَي ادعُها. وَقد نَعَقَ بهَا ينعق نعيقاً.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن الْفراء فِي قَول الله عزّ وجلّ: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ} (البَقَرَة: 171) الْآيَة قَالَ: أضَاف المَثَل إِلَى الَّذين كفرُوا ثمَّ شبههم بالراعي وَلم يقل كالغَنَم. وَالْمعْنَى وَالله أعلم: مثل الَّذين كفرُوا كَالْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تفقه مَا يَقُول الرَّاعِي أَكثر من الصَّوت، فأضاف التَّشْبِيه إِلَى الرَّاعِي وَالْمعْنَى فِي المرعى. قَالَ: وَمثله فِي الْكَلَام: فلانٌ يخافك كخوف الْأسد، الْمَعْنى كخوفه الأسدَ، لِأَن الْأسد مَعْرُوف أنّه الْمخوف.

(1/170)


قلت: ونحوَ ذَلِك قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِيمَا أَخْبرنِي المنذريّ عَن الغسّاني عَن سَلمَة عَن أبي عبيده:
وَقَالَ الزّجاج: ضرب الله لَهُم هَذَا المثَل وشبَّههم بالغنم المنعوق بهَا بِمَا لَا تسمع مِنْهُ إلاّ الصَّوتَ، فَالْمَعْنى مثلك يَا مُحَمَّد وَمثلهمْ كَمثل الناعق والمنعوق بِهِ بِمَا لَا يسمع، لأنّ سمعهم لم يكن يَنْفَعهُمْ، فَكَانُوا فِي تَركهم قبولَ مَا يسمعُونَ بِمَنْزِلَة من لم يسمع.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال نَغَق الْغُرَاب ونَعَق، بِالْعينِ والغَين.
قلت: كَلَام الْعَرَب نَغَق بالغين، ونعق الرَّاعِي بالشاء بِالْعينِ، وَلم أسمعهم يَقُولُونَ فِي الْغُرَاب نَعَق، ولكنَّهم يَقُولُونَ نَعَب بِالْعينِ.
والناعقان: كوكبانِ من كواكب الجوزاء، وهما أَضْوَأ كوكبينِ فِيهَا، يُقَال إِن أَحدهمَا رجلُها الْيُسْرَى وَالْآخر منكبها الْأَيْمن الَّذِي يُسمى الهَنْعة.
قعن: قُعَين حيٌّ من بني أسَد. وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة:
فداءٌ خَالَتِي وفِدًى خليلي
وَأَهلي كلُّهمْ لبني قُعَين
وَقَالَ أَبُو بكر بن دُرَيْد: القَعَن: قِصرٌ فَاحش فِي الْأنف. وَمِنْه اسْم قُعَين.
قلت: وَالَّذِي صحّ للثقات فِي عُيُوب الْأنف القَعَم بِالْمِيم. روى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: القَعَم: ضِخَم الأرنبة ونتوءُها وانخفاض القَصَبة. وَقَالَ: والقَعَم أحسن من الخَنَس والفَطَس.
قلت: وَقد عَاقَبت العربُ بَين الْمِيم وَالنُّون فِي حُرُوف كَثِيرَة لقرب مخرجيهما، مثل الأيْم والأَيْن، والغَيم والغَين، وَلَا أُبعد أَن يكون القَعَم والقَعَن مِنْهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: القَيعون من العُشب مَعْرُوف، على بِنَاء فيعول، وَهُوَ مَا طَال مِنْهُ. قَالَ: واشتقاقه من قَعن. قَالَ: وَيجوز أَن يكون قيعون فعلوناً من القَيع كَمَا قَالُوا زَيْتون من الزَّيْت، وَالنُّون مزيدة.
قنع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: أقنَعَ الرجلُ، إِذا صادفَ القِنْعَ، وَهُوَ الرَّمل الْمُجْتَمع. وَقَالَ أَبُو عبيد: القِنْعُ: أَسْفَل الرمل وَأَعلاهُ.
وَقَالَ الأصمعيّ: القِنْع: متَّسَع الحَزْن حَيْثُ يُسهِل. وَقَالَ ذُو الرّمة:
وأبصرنَ أنَّ القِنعَ صَارَت نِطافُه
فَرَاشاً وأنّ البقل ذاوٍ ويابسُ
قَالَ: ويُجمَع القِنع قِنَعةً وقِنْعاناً.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: القَنَعة من الرمل: مَا اسْتَوَى أسفلُه من الأَرْض إِلَى جَنبه، وَهُوَ اللَّبَبُ وَمَا استرقَّ من الرمل.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: قَنِعتُ بِمَا رزقتُ، مَكْسُورَة، وَهِي القَناعة. وقَنَعت إِلَى فلَان، يُرِيد خَضَعت لَهُ والتزقْت بِهِ وانقطعت إِلَيْهِ. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (الحَجّ: 36) .
وأفادني المنذريّ عَن ابْن اليزيدي لأبي زيد النحويّ قَالَ: قَالَ بعضُهم: القانع

(1/171)


السَّائِل، وَقَالَ بَعضهم: المتعفِّف؛ وكلٌّ يصلُح. وَقَالَ الْفراء: القانع: الَّذِي يَسْأَلك، فَإِذا أعطيتَه شَيْئا قَبِله.
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي تَفْسِير حديثٍ رَوَاهُ: (لَا يجوز شَهَادَة كَذَا وَكَذَا، وَلَا شَهَادَة القانع مَعَ أهل الْبَيْت لَهُم) .
قَالَ: القانع الرجل يكون مَعَ الرجل يطْلب فضلَه وَيسْأل معروفه. قَالَ: وَيُقَال قَنَعَ يقنَع قُنوعاً، إِذا سَأَلَ، وقَنِع يقنَع قناعةً، إِذا رَضِي، الأول بِفَتْح النُّون من قنَع، وَالْآخر بِكَسْرِهَا من قِنع. وَأنْشد أَبُو عبيد قَول الشماخ:
لمَالُ الْمَرْء يُصلِحه فيُغِني
مفاقرَه أعفُّ من القُنوع
أَي من الْمَسْأَلَة. وَهَكَذَا قَالَ ابْن السّكيت. وَمن الْعَرَب مَن أجَاز القُنوع بِمَعْنى القِناعة، وَكَلَام الْعَرَب الجيّدُ هُوَ الأوّل.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ} (إِبْرَاهِيم: 43) قَالَ لي أَبُو الْفضل: سَمِعت أَحْمد بن يحيى يَقُول: المُقنِع: الَّذِي يرفع رأسَه ينظر فِي ذلّ. قَالَ: والإقناع: رفعُ الرَّأْس والنَّظرُ فِي ذُل وخُشوع. ويُروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي الدُّعاء: (تُقْنِع يديكَ فِي الدُّعاء) تقنع يَديك فِي الدُّعَاء: أَي ترفعهما. وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال أقنعَ رأسَه، إِذا رفَعه. قَالَ: وأقنعَني كَذَا وَكَذَا، أَي أرضاني. قَالَ: وقَنعت الْإِبِل والغنمُ للمرتع، إِذا مَالَتْ إِلَيْهِ؛ وأقنعتُها أَنا. وَقَالَ القتيبيّ: المُقْنِع رأسَه: الَّذِي رفَعَه وَأَقْبل بطَرْفه إِلَى مَا بَين يَدَيْهِ. قَالَ: والإقناع فِي الصَّلَاة من تَمامهَا. وَقَالَ اللَّيْث: الْإِقْنَاع: أَن يُقْنع الْبَعِير رأسَه إِلَى الْحَوْض ليشربَ مِنْهُ، وَهُوَ مده رأسَه. قَالَ: وَالرجل يُقنع الْإِنَاء للْمَاء الَّذِي يسيل من شِعْبٍ، ويُقنِع رأسَه نَحْو الشَّيْء إِذا أقبل بِهِ إِلَيْهِ لَا يصرفهُ عَنهُ. وَقَالَ العجاج:
أشرف رَوقاه صَليفاً مُقْنِعَا
يَعْنِي عنق الثَّور فِيهِ كالانتصاب أَمَامه. وأقنع الْإِنَاء فِي النَّهر، إِذا استقبلَ بِهِ جِريةَ المَاء. قَالَ: والمُقْنَعة من الشَّاء: المرتفعة الضَّرع لَيْسَ فِي ضَرعها تصوُّب.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثعلبٍ عَن سَلمَة عَن الْفراء: نَاقَة مقنَعة الضَّرع: الَّتِي أخلافُها ترتفعُ إِلَى بَطنهَا. قَالَ: والمقْنَع من الْإِبِل: الَّذِي يرفع رَأسه خِلقة. وَأنْشد:
بمُقنَعِ من رَأسه جُحاشِرِ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: أقنع فلانٌ رأسَه، وَهُوَ أَن يرفعَ بصرَه ووجهَه إِلَى مَا حيالَ رأسِه من السَّمَاء. قَالَ: والمقْنِع: الرافع رَأسه إِلَى السَّمَاء.
وَقَالَ شِمر: قَالَ الغنويّ: الْإِقْنَاع: أَن تضعَ النَّاقة عُثنونَها فِي المَاء وترفع من رأسِها قَلِيلا إِلَى المَاء، تجتذبه اجتذاباً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المُقنَع: الْفَم الَّذِي يكون عطفُ أَسْنَانه إِلَى دَاخل الْفَم، وَذَلِكَ القويّ الَّذِي يقطع بِهِ كلَّ شَيْء؛ فَإِذا كَانَ انصبابُها إِلَى خَارج فَهُوَ أَدْفَق، وَذَلِكَ ضعيفٌ لَا خيرَ فِيهِ. وَقَالَ الشماخ يصف الْإِبِل:
يُباكرنَ العِضاهَ بمُقْنَعَاتٍ
نواجذُهنَّ كالحَدَأ الوَقيعِ
وَقَالَ ابْن ميّادة يصف الْإِبِل أَيْضا:

(1/172)


تباكر العضاهَ قبل الإشراقْ
بمقنَعاتٍ كقعاب الأوراق
قَالَ: قَوْله كقعاب الأوراق، يَقُول: هِيَ أفتاءٌ فأسنانها بيض. وَأما قَول الرَّاعِي:
زَجِل الحُداء كأنَّ فِي حيزومه
قَصَباً ومُقنَعةَ الحنينِ عَجولا
فإنّ عُمارة بن عقيل زعمَ أَنه عَنى بمقْنَعة الحنين النأيَ؛ لأنّ الزامر إِذا زمر أقنعَ رَأسه. فَقيل لَهُ: قد ذكر القصَب مَرَّةً، فَقَالَ: هِيَ ضروب. وَقَالَ غَيره: أَرَادَ وَصَوت مُقْنَعة الحنين، فَحذف الصَّوت وَأقَام مقنَعة مقَامه. وَمن رَوَاهُ (ومُقْنِعةَ الحنين) أَرَادَ نَاقَة رفعت حنينها.
وروى الحَدِيث أَن الرُّبيِّعَ بنتَ معوِّذ قَالَت: (أتيتُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقناع من رُطبٍ وأَجْرٍ زُغْب) قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: القُنْع والقناع: الطبَق الَّذِي يؤكَل عَلَيْهِ الطَّعَام. وَقَالَ غَيره: وتجعَل فِيهِ الْفَاكِهَة. وَقَوله (وأجرٍ زُغْب) جمع جَرو، وَأَرَادَ بهَا صِغَار القِثَّاء، شبّهها بأجْرِي الكلابِ لطراءتها.
وَيُقَال رجلٌ مَقْنَع وقُنْعانٌ، وَرِجَال مَقانع وقُنعان، إِذا كَانُوا مرضيِّين. وَأنْشد أَبُو عبيد:
فقلتُ لَهُ بُؤْ بامرىءٍ لستَ مثلَه
وَإِن كنتَ قُنعاناً لمن يطلُب الدَّما
والقِناع والمِقْنعة: مَا تتقنَّع بِهِ الْمَرْأَة من ثوبٍ يغطِّي محاسنَها ورأسَها.
وقنّع فلانٌ فلَانا بالسَّوط، إِذا علا بِهِ رأسَه. وقنَّعه الشيبُ خِمارَه، إِذا علا رأسَه الشَّيب. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وقنّعه الشيبُ مِنْهُ خِمارا
وَقَالَ اللَّيْث: القَنوع بِمَنْزِلَة الهَبوط بلغَة هذيلٍ، مؤنّثة. وَقَالَ المفضّل: إنّه للئيمُ القِنْع بِكَسْر الْقَاف، إِذا كَانَ لئيمَ الأَصْل. وَيُقَال أقنعَ فلانٌ الصبيّ فقَبَّله، وَذَلِكَ إِذا وضَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ على فأس قَفاهُ وَجعل الْأُخْرَى تَحت ذَقَنه وأماله إِلَيْهِ فقبَّله.
وقَنَعةُ الْجَبَل والسَّنام: أعلاهما؛ وَكَذَلِكَ قَمَعتُهما. وَيُقَال قنَّعت رَأس الْجَبَل وقَنَعته، إِذا علوته.
وَقَالَ اللَّيْث: المِقنَعة: مَا تقنّع بِهِ المرأةُ رأسَها. قَالَ: والقِناع أوسع مِنْهَا.
قلت: وَلَا فرق بَينهمَا عِنْد الْعَرَب، وهما مثل لِحافٍ ومِلحفة، وقِرامٍ ومِقرمة.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: القِنعان: الْعَظِيم من الوعول.
نقع: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: النِّقاع، وَاحِدهَا نَقْع، وَهِي الأَرْض الحُرَّة الطِّين الطيّبةُ الَّتِي لَا حزونة فِيهَا وَلَا ارتفاعَ وَلَا انهباط. وَقَالَ: والقاع مثله. وَقَالَ غَيره: النِّقاع: قِيعان الأَرْض. وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
يَسُوف بأنفيه النِّقاعَ كأنّه
عَن الرَّوص من فَرط النَّشاط كعيمُ
قَالَ: وَيُقَال صبغَ فلانٌ ثوبَه بنَقُوع وَهُوَ صبغٌ يُجعَل فِيهِ من أَفْوَاه الطِّيب.
قَالَ: وسمٌّ ناقع: ثَابت. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النقيع: السمُّ الثَّابِت. يُقَال سمٌّ منقوع، ونقيع، وناقع. وَأنْشد:

(1/173)


فبتُّ كَأَنِّي ساورتني ضئيلة
من الرُّقش فِي أنيابها السمُّ ناقعُ
وَقَالَ غَيره: يُقَال سمٌّ مُنْقَع، وموتٌ ناقع: دَائِم.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: نَقَعتُ بِالْمَاءِ وَمِنْه أنقعُ نُقوعاً، إِذا شربَ حَتَّى يرْوى، وَقد أنقعَني المَاء. قَالَ: وَسمعت أَبَا زيد يَقُول: الطَّعَام الَّذِي يُصنع عِنْد الإملاك: النَّقيعة. يُقال مِنْهُ نَقَعت أنقَع نُقوعاً.
وَقَالَ الْفراء: النَّقيعة: مَا صَنَعه الرجلُ عِنْد قدومه من السَّفَر، يُقَال أنقعتُ إنقاعاً. وَأنْشد:
إنّا لنضربُ بالصوارم هامَهم
ضَربَ القُدارِ نقيعة القُدّامِ
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن شُمَيْل: النقيعة طَعَام المِلاك. يُقَال دعَونا على نقيعتهم. قَالَ: وربَّما نقَعوا عَن عدّة من الْإِبِل إِذا بلغَتْها، جَزوراً مِنْهَا، أَي نَحروه، فَتلك النَّقيعة. وَأنْشد:
مَيْمُونَة الطير لم تَنعِقْ أشائمها
دائمة الْقدر بالأفراع والنقُعِ
وَقَالَ خَالِد بن جَنْبة: إِذا زُوِّج الرجل فأطعمَ عَيْبَتَه قُلْنَا: نَقَع لَهُم، أَي نحر.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: النَّقيعة: مَا نُحِر من النَّهب قبل القَسْم.
وَقَالَ ابْن السّكيت: النقيعة: الْمَحْض من اللَّبن يبرَّد. حَكَاهُ عَن بعض الْأَعْرَاب. وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال انتقَعَ بَنو فلانٍ نقيعةً، إِذا جَاءُوا بناقةٍ من نهبٍ فنحروها.
قلت: وَقد ذكرت اخْتلَافهمْ فِي النَّحيرة الَّتِي تُدعَى النَّقيعة، ومأخذها عِنْدِي من النَّقْع والنَّحر وَالْقَتْل، يُقَال سمٌّ ناقع، أَي قَاتل. وَقد نقَعه، إِذا قَتله. وَأما اللبنُ الَّذِي يبرَّد فَهُوَ النَّقيع والنقيعة، وَأَصله من أنقعتُ اللَّبن فَهُوَ نَقِيع، وَلَا يُقَال مُنْقَع وَلَا يَقُولُونَ نقعتُه.
وَهَذَا سَمَاعي من الْعَرَب.
وَوجدت للمؤرّج حروفاً فِي الإنقاع مَا عِجْتُ بهَا، وَلَا علمتُ ثِقَة من رَوَاهَا عَنهُ. يُقَال أنقعت الرجل، إِذا ضربتَ أنفَه بإصبعك. وأنقعت الْمَيِّت، إِذا دفنتَه. قَالَ: وأنقعت الْبَيْت، إِذا زخرفتَه. وأنقعت الْجَارِيَة، إِذا افترعتَها. وأنقعتُ الْبَيْت، إِذا جعلت أَعْلَاهُ أَسْفَله. قلت: وَهَذِه حروفٌ لم أسمعها لغير المؤرّج.
وَرُوِيَ عَن عمر أَنه قَالَ: (مَا على نسَاء بني الْمُغيرَة أَن يسفكن من دموعهنّ على أبي سُلَيْمَان مَا لم يكن نَقعٌ وَلَا لقلقَة) . قَالَ أَبُو عبيد: النَّقع: رفع الصَّوْت. قَالَ لبيد:
فَمَتَى يَنْقَع صُراخٌ صادقٌ
يُحْلِبوها ذاتَ جَرسٍ وزَجَلْ
ويروى (يَجْلبوها) ، يَقُول: مَتى سمعُوا صَارِخًا، أَي مستغيثاً، أحلبوا الحربَ، أَي جمعُوا لَهَا.
والنَّقع فِي غير هَذَا: الْغُبَار، قَالَ الله جلّ وعزّ: {صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ} (العَاديَات: 4) أَي غباراً. وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: معنى فَمَتَى ينقع صُراخٌ، أَي يرْتَفع. وَقَالَ غَيره: يَدُوم وَيثبت. وَقَالَ الْفراء: يُقَال نَقَع الصَّارِخ بِصَوْتِهِ وأنقع صوتَه، إِذا تابعَه وأدامه.

(1/174)


شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّقْع: الْغُبَار الْمُرْتَفع. والنَّقْع: الصُّراخ الْمُرْتَفع. قَالَ شمر: وَقيل فِي قَول عمر: (مَا لم يكن نَقع وَلَا لقلقةٌ) إِنَّه شقّ الْجُيُوب. قَالَ: وَوجدت للمرّار الأسَدي فِيهِ بَيْتا:
نقَعنَ جيوبهنَّ عليّ حيّاً
وأعددنَ المرائيَ والعويلا
وَيُقَال: فلَان مِنْقَع، أَي يُشتَفى بِرَأْيهِ، أَصله من نَقعتُ بالريّ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: مِنْقع البُرَم: تَوْرٌ صَغِير، وَجمعه مَناقع، وَلَا يكون إلاَّ من حِجَارَة. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ المِنْقعة والمِنقع.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه (نَهَى أَن يُمنَع نَقْع الْبِئْر) ، قَالَ أَبُو عبيد: نقع الْبِئْر: فَضْل مَائه الَّذِي يخرج مِنْهُ أَو من العَين قبل أَن يصيَّر فِي إناءٍ أَو وعَاء. قَالَ: وفسّره الحديثُ الآخر: (مَن مَنَعَ فضْل المَاء ليمنع بِهِ فَضْلَ الْكلأ منَعَه الله فضلَه يَوْم الْقِيَامَة) . قَالَ: وأصل هَذَا فِي الْبِئْر يحتفرها الرجلُ بالفلاةِ من الأَرْض يسْقِي بهَا مواشيَه، فَإِذا سَقَاهَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يمْنَع المَاء الفاضلَ عَن مواشيه مواشي غَيره، أَو شارباً يشرب بشفته. وَإِنَّمَا قيل للْمَاء نَقْعٌ لِأَنَّهُ ينقَع بِهِ أَي يُروى بِهِ. يُقَال: نَقَع بالريّ وبضَع. وَيُقَال: مَا نقعت بِخَبَرِهِ، أَي لم أشتفِ بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّقع: الْبِئْر الْكَثِيرَة المَاء، والجميع الأنقعة.
وَيُقَال نقع المَاء غُلّتَه، إِذا أروى عطشَه.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: (إنّ فلَانا لشَرَّابٌ بأنقُع) يضْرب مثلا للرجل الَّذِي قد جرّب الْأُمُور وعَرفها ومارسَها حتّى خبرَها. وَالْأَصْل فِيهِ أنّ الدَّلِيل من الْعَرَب فِي باديتها إِذا عَرَف الْمِيَاه الغامضة فِي الفلَوات ووردها وشرِب مِنْهَا، حَذِق سُلوكَ الطّرق الَّتِي تؤدّيه إِلَى المحاضر والأمواه. والأنقُع: جمع النَّقْع، وَهُوَ كلُّ ماءٍ مستنقِع من ماءٍ عِدٍ أَو غَدِير.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: نقع المَاء ينقع نُقوعاً، إِذا ثَبت. والنَّقوع: مَا أنقعتَ من شَيْء. يُقَال سَقونا نَقوعاً، لدواءٍ أُنقِعَ من اللَّيْل.
وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن كَعْب القُرظيّ قَالَ: (إِذا استَنقَعتْ نفْسُ الْمُؤمن جَاءَهُ مَلَكٌ فَقَالَ لَهُ السَّلَام عليكَ وليَّ الله. ثمّ نَزَع هَذِه الْآيَة: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ} (النّحل: 32) وَقَالَ شمر: قَوْله إِذا استنقعت نفس الْمُؤمن، قَالَ بَعضهم: يَعْنِي إِذا خرجَتْ. قَالَ شمر: وَلَا أعرفهَا. وَقَالَ ابْن مقبل:
مستنقِعان على فضول المِشْفرِ
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يَعْنِي نابَي النَّاقة، أَنَّهُمَا مستنقعان فِي اللُّغام. وَقَالَ خَالِد بن جَنْبَة: مَعْنَاهُ مصوِّتان.
قلت: قَوْله (إِذا استنقَعَتْ نفسُ الْمُؤمن) لَهُ مخرجان؛ أَحدهمَا أَنَّهَا اجْتمعت فِي فِيهِ كَمَا يستنقع المَاء فِي مَكَان، وَالثَّانِي خرجَتْ، من قَوْله نقعتُه، إِذا قتلتَه.
وَقَالَ اللَّيْث: الأُنقوعة: وَقْبة الثَّرِيد الَّتِي فِيهَا الودَك. وكلُّ شيءٍ سالَ إِلَيْهِ المَاء من مَثْعبٍ وَنَحْوه فَهُوَ أُنقوعة.
قَالَ: والنَّقيع: شراب يُتّخذ من الزَّبِيب

(1/175)


يُنقَع فِي المَاء من غير طبخ. وَقيل فِي السَّكَر إنّه نَقيع الزَّبيب. والنَّقوع: شرابٌ ينقع فِيهِ زبيب وَأَشْيَاء ثمَّ يصفَّى مَاؤُهُ ويُشرَب. وَذَلِكَ المَاء اسْمه النَّقوع.
وَيُقَال استَنقع الماءُ، إِذا اجتمعَ فِي نِهْي وَغَيره، وَكَذَلِكَ نَقَع ينقَع نُقوعاً.
وَقَالَ النَّضر: يُقَال نقَعه بالشَّتم، إِذا شتَمه شتماً قبيحاً. قَالَ: والنقائع: خَبارَى فِي بِلَاد بني تَمِيم.
وَيُقَال نقَعتْ بِذَاكَ نَفسِي، أَي اطمأنَّتْ إِلَيْهِ وروِيَتْ بِهِ.
وَفِي حَدِيث المَبْعث (أنّه أتَى رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَلَكانِ فأضجعاه وشَقَّا بطنَه، فرجَع وَقد انتُقِع لونُه) فِي حَدِيث طَوِيل. قَالَ أَبُو عُبيدٍ واللِّحياني: يُقَال انتُقِع لَونه وامتُقِع لَونه، إِذا تغيَّر. وَقَالَ النَّضر: يُقَال ذَلِك إِذا ذهب دمُه وتغيَّر لونُ بَشرته، إمّا من خوف، وَإِمَّا من مَرض. حَكَاهُ بالنُّون عَن أبي ذؤابة.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الْفَاء)
عقف، عفق، قعف، قفع، فقع: مستعملات.
عقف: أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ النسّابة الْبكْرِيّ: للنَّمل جدّان: فازرٌ وعُقْفان. ففازرٌ: جدّ السُّود. وعُقفان: جدّ الحُمر.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن إِبْرَاهِيم الحربيّ أَنه قَالَ: النَّمْل ثَلَاثَة أَصْنَاف: النَّمْل، والفازر، والعُقيفان. قَالَ: والعُقيفان الطَّوِيلَة القوائم تكون فِي الْمَقَابِر والخرابات. وَأنْشد:
سُلِّط الذرُّ فازراً وعقيفاً ن ...
قَالَ: والذرّ: الَّذِي يكون فِي الْبيُوت يُؤْذِي النَّاس. قَالَ: والفازر: المدوَّر الْأسود يكون فِي التَّمر.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للْفَقِير الْمُحْتَاج أعقَف، وَالْجمع عُقفان. وَأنْشد:
يَا أيُّها الأعقف المُزْجى مطيَّتَه
لَا نعْمَة تَبتغِي عِنْدِي وَلَا نَشَبا
قَالَ: والعَقْفاء: ضرب من الْبُقُول مَعْرُوف.
قلت: الَّذِي أعرفهُ فِي بُقول الْبَادِيَة القَفعاء، وَلَا أعرف العقفاء.
وَقَالَ اللَّيْث: العُقَاف: دَاء يَأْخُذ الشَّاة فِي قَوَائِمهَا حتّى تعوجّ. يُقَال عُقفت الشَّاة فَهِيَ معقوفة. والعُقّافة: خَشَبَة فِي رَأسهَا جُحنةٌ يحتجَن بهَا الشَّيْء. والعقفاء: حديدةٌ قد لُوِي طرفُها. والعقْفُ والعَطف وَاحِد. وعقفت الشَّيْء أعْقِفُه عقفاً فانعقَف، أَي عطفتُه فانعطف.
قَالَ: وعُقْفانُ: حيٌّ من خُزاعة.
قعف: أَبُو عبيد عَن الْفراء: سَيل جُحافٌ وقُعافٌ وجُراف، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: القاعف من الْمَطَر: الشَّديد

(1/176)


يقعَف الْحِجَارَة ويجرفها. والقَعف: شدّة الْوَطْء واجترافُ التُّرَاب بالقوائم. وَأنْشد:
يقعفن قاعاً كفراشِ الغِضرمِ
مظلومةً وضاحياً لم يُظلَم
أَبُو عَمْرو: انقعف الجُرف، إِذا انهارَ وانقعَر. وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
واقعتفِ الجِلْمةَ مِنْهَا واقتثِثْ
فإنّما تكدحها لمن يَرِثْ
قَوْله مِنْهَا، أَي الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. اقتعفِ الجَلْمة، أَي اقلع اللَّحْم بجملته.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القَعْف: السُّقوط فِي كلّ شَيْء. وَقَالَ فِي مَوضِع: القَعَف محركاً: سُقُوط الْحَائِط. قَالَ: والنَّعَف: الْجبَال الصغار بعضُها على بعض، الْوَاحِدَة نَعَفة.
عفق: سمعتُ غير واحدٍ من الْعَرَب يَقُول للَّذي يُثير الصيدَ ناجش. وللذي يَثني وَجهه ويردُّه على الصَّائِد عافق. وَيُقَال اعفقْ عليَّ الصَّيْد، أَي اثنه واعطفه. وَقَالَ رؤبة:
فَمَا اشتَلاهَا صَفقةً للمنصفَقْ
حتَّى تَردَّى أربعٌ فِي المنعَفَقْ
يصف عيرًا أورد أُتُنَه الماءَ فَرَمَاهَا الصَّائِد فصَفَقها العَير لينجوَ بهَا، فَرَمَاهَا الصَّائِد فِي منعفَقها، أَي فِي مَكَان عَفْق العير إيّاها.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ بعضُ الْعَرَب: عفقت الإبلُ تَعفِق عَفْقاً، إِذا كَانَت ترجع إِلَى المَاء فِي كلِّ يومٍ أَو كلِّ يَوْمَيْنِ. وكلُّ راجعٍ مختلفٍ عافقٌ وغافق. وَيُقَال إِنَّك لتَعفِق، أَي تكْثر الرُّجُوع.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: إنّه ليعفّق الغنمَ بعضَها على بعض، أَي يردّها عَن وَجههَا. وَأنْشد:
ولاتكُ مِعفاقَ الزِّيَارَة واجتنبْ
إِذا جئتَ إكثارَ الكلامِ المعَيَّبِ
وَقَالَ اللَّيْث: عفَق الرجلُ يَعفِق، إِذا ركِبَ رأسَه وَمضى. قَالَ: وعفقَ يعفق، إِذا خنَس وارتدّ ورجَع.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال للرجل وَغَيره: عَفَق بهَا وحَبَجَ بهَا، إِذا ضَرَط. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال كذبَتْ عَفّاقته، وَهِي استُه.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أعفقَ الرجلُ، إِذا أكثرَ الذَّهابَ والمجيء فِي غير حَاجَة. قَالَ: وعافقَ الذئبُ الْغنم، إِذا عاثَ فِيهَا ذَاهِبًا وجائياً. وتعفَّق فلانٌ بفلان، إِذا لَاذَ بِهِ. وَقَالَ عَلْقَمَة:
تعفَّق بالأرطَى لَهَا وَأَرَادَهَا
قَالَ: والعُفُق: الضرّاطون فِي الْمجَالِس. والعُفُق: الأستاه. قَالَ: والعُفُق: الذئاب الَّتِي لَا تنام وَلَا تُنيم تردُّداً فِي الْفساد. وَقَالَ غَيره: اعتفق الأسدُ فريستَه، إِذا عطف عَلَيْهِ فافترسَه. وَقَالَ:
وَمَا أسدٌ من أسود العري
نِ يعتفق السَّائِلين اعتفاقا
وعفقَ الرجلُ جاريتَه، إِذا جامَعها.
وَقَالَ القتيبي فِي تَفْسِير قَول لُقْمَان: (خذي منّي أخي ذَا العِفَاق) : أَخْبرنِي أَبُو سُفْيَان عَن الأصمعيّ قَالَ: عفَق يَعفِق، إِذا ذهب

(1/177)


َ ذَهاباً سَرِيعا. قَالَ: والعَفْقُ هُوَ الْعَطف أَيْضا.
فقع: تَقول الْعَرَب: (فلانٌ أذلُّ من فَقْع بقَرقر) ، قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد والأحمر: الفِقَعة: البِيض من الكمأة، وَاحِدهَا فَقْع.
وَقَالَ اللَّيْث: الفَقْع: كمءٌ يخرج من أصل الإجرِدّ، وَهُوَ نبت، وَهُوَ من أردأ الكمأة وأسرعها فَسَادًا. قَالَ: والفُقّاع هُوَ الشَّراب الْمَعْرُوف. قَالَ: والفقاقيع واحدتها فُقّاعة، وَهِي الحَجَا الَّتِي تعلو مَاء الْمَطَر والشرابَ إِذا مُزج بِالْمَاءِ، كأنّها قَوَارِير صغارٌ مستديرة.
وَفِي الحَدِيث النَّهي عَن التفقيع فِي الصَّلَاة يُقَال فقَّعَ فلانٌ أصابعَه تفقيعاً، إِذا غمزَ مفاصلَها فأنقضَتْ، وَهُوَ الفرقعة أَيْضا، وكل ذَلِك قد جَاءَ فِي الحَدِيث. وَقَالَ بَعضهم: التفقيع: التشدُّق فِي الْكَلَام؛ يُقَال قد فقّع، إِذا تشدَّقَ وَجَاء بكلامٍ لَا معنَى لَهُ. وتفقيع الوردة: أَن تُضرَب بالكفّ فتفقع حتَّى تسمعَ لَهَا صَوتا عَالِيا. وفقَع الْحمار، إِذا ضرط. وإنّه لفَقَّاعٌ، أَي ضرّاط.
وَقَالَ الله جلّ ذكره: {صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} (البَقَرَة: 69) قَالَ أَبُو إِسْحَاق: فَاقِع نعت للأصفر الشَّديد الصُّفرة. يُقَال أصفر فَاقِع، وأبيض ناصع، وأحمر قانىء. وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال أَبيض ناصع. وَقَالَ اللحياني. يُقَال أصفر فَاقِع وفُقّاعي.
وَقَالَ اللَّيْث: الإفقاع: سوء الْحَال، وَقد أفقَعَ فَهُوَ مُفقِع: فَقير مجهود. يُقَال فَقير مُفْقِع مُدقع.
قَالَ: والمُفْقِع أَسْوَأ مَا يكون من حالاته. وَقَالَ عدي بن زيد فِي فقاقيع الْخمر إِذا مزجت:
وطفا فوقَها فقاقيعُ كاليا
قوتِ حمرٌ يُثيرها التصفيقُ
قفع: قَالَ اللَّيْث: يُقَال أَحْمَر قُفَاعيٌّ، وَهُوَ الْأَحْمَر الَّذِي يتقشَّر أَنفه من شدَّة حمرته.
قلت: لم أسمع لغير اللَّيْث أَحْمَر قُفاعي الْقَاف قبل الْفَاء، وَالْمَعْرُوف فِي بَاب الألوان أصفر فَاقِع وفُقَاعيٌّ، الْفَاء قبل الْقَاف، وَهُوَ الصَّحِيح.
وَيُقَال شاهٌ قفعاء، وَهِي القصيرة الذّنَب، وَقد قَفِعتْ قَفَعاً. وكبشٌ أقفَع، وَهِي كباشٌ قُفْع. وَقَالَ الشَّاعِر:
إنّا وجدنَا العِيسَ خيرا بقيّةً
من القُفْع أذناباً إِذا مَا اقشعرَّتِ
قلت: أرَاهُ أَرَادَ بالقُفْع أذناباً المِعزَى؛ لِأَنَّهَا إِذا صَرِدت اقشعرَّت. وأمّا الضَّأْن فَإِنَّهَا لَا تقشعرُّ من الصَّرَد.
والقفعاء من أَحْرَار الْبُقُول، وَقد رَأَيْتهَا فِي بِلَاد تَمِيم، وَلها نُوَير أَحْمَر. وَقد ذكرهَا زُهَيْر فَقَالَ:
بالسِّيِّ مَا تُنبتُ القَفْعاء والحَسَكُ
وَقَالَ اللَّيْث: القَفْعاء: حشيشة خوّارة من نَبَات الرّبيع خَشْناء الْوَرق، لَهَا نَورٌ أَحْمَر مثل شَرَر النَّار، وورقها ترَاهَا مستعْلياتٍ من فَوق، وَثَمَرهَا مُقَفَّعٌ من تَحت. قَالَ: وَالْأُذن القَفعاء كأنّما أصابَتْها نارٌ فتزوَّت من أَعْلَاهَا وأسفلها. قَالَ: والرِّجْل

(1/178)


القفعاء: الَّتِي ارتدّت أصابعُها إِلَى القَدَم، وَقد قَفِعَتْ قَفَعاً.
وَيُقَال تقفَّعت الأصابعُ من الْبرد، وَقد قَفَّعها الْبرد. قَالَ: وَنظر أعرابيٌّ إِلَى قُنفذةٍ قد تقبّضتْ فَقَالَ: أتُرى البردَ قَفَّعها.
قَالَ: والمِقْفعة: خشبةٌ يضْرب بهَا الْأَصَابِع. والقُفَّاع: نباتٌ متقفِّع كأنّه قرونٌ صَلابةً إِذا يبِس، يُقَال لَهُ كفُّ الْكَلْب.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه ذُكر عِنْده الجرادُ فَقَالَ: (لَيْت عِندنا مِنْهُ قَفعةً أَو قَفعتين) . قَالَ أَبُو عبيد: القَفْعة: شيءٌ شَبيه بالزَّبِيلِ لَيْسَ بالكبير، يُعمَل من خُوص، وَلَيْسَ لَهُ عُرًى. وَقَالَ شمر: القَفعة مثل القُفَّة تُتَّخذ واسعةَ الْأَسْفَل ضيّقة الْأَعْلَى، حشوُها مكانَ الحَلفاء عَراجين تُدَقُّ، وظاهرها خوصٌ على عمل سِلال الخوص. قَالَ: وسمعتُ مُحَمَّد بن يحيى يَقُول: القَفعة الجُلّة، بلغَة الْيمن، يُحمَل فِيهَا القُطن.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القَفْع: القِفاف، واحدتها قَفعة. قَالَ: والقَفْع: الدَّبَّابات الَّتِي يُقاتَل تحتهَا، واحدتها قفْعة.
وَقَالَ اللَّيْث: القَفْع ضَبْرُ يتّخذ من خشب يمشي بهَا الرِّجَال إِلَى الْحُصُون فِي الحروب، يدْخل تحتهَا الرِّجَال. قَالَ: وَيُقَال لهَذِهِ الدُّوَّارت الَّتِي يَجْعَل الدَّهّانون فِيهَا السِّمسم المطحون ويضعون بعضَها على بعض ثمَّ يضغطونها حتّى تُسيلَ الدهنَ: القَفَعات.
وَيُقَال قفَعتُه عمّا أَرَادَ قفعاً، إِذا منعتَه فانقفَعَ انقفاعاً. وَيُقَال قفِّع هَذَا، أَي أوعِهِ. ورجلٌ قفَّاعٌ لمَاله، إِذا كَانَ لَا ينفقُه. وَلَا يُبَالِي مَا وقَع فِي قفعتِه، أَي وِعائه.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الْبَاء)
عقب، عبق، قبع، قَعْب، بقع، بعق مستعملات.
عقب: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الأعرابيّ: العاقب والعَقُوب: الَّذِي يَخْلُف من كَانَ قبلَه فِي الْخَيْر. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لي خَمْسَة أَسمَاء: أَنا مُحَمَّد، وَأَنا أَحْمد، والماحي يمحو الله بيَ الْكفْر، والحاشر أحشُر النَّاس على قدميَّ، وَالْعَاقِب) . قَالَ أَبُو عبيد: العاقب: آخر الْأَنْبِيَاء. قَالَ: وكل شَيْء خَلفَ بعد شَيْء فَهُوَ عاقب لَهُ، وَقد عَقَب يَعقِب عَقْباً وعُقوباً. وَلِهَذَا قيل لولد الرجل عَقِبه وعَقْبه، وَكَذَلِكَ آخر كل شيءٍ عَقِبه.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه سَافر عَقِبَ رَمَضَان، أَي فِي آخِره. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: جَاءَ فلانٌ على عُقْب رَمَضَان وَفِي عُقْبه بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيف، إِذا جَاءَ وَقد ذهب الشَّهْر كلُّه. وَجَاء فلانٌ على عَقِب رمضانَ وَفِي عَقِبه، إِذا جاءَ وَقد بقيتْ فِي آخِره أَيَّام.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فرسٌ ذُو عَقْبٍ، أَي جري بعد جري. وَمن الْعَرَب من يَقُول ذُو عَقِبٍ فِيهِ.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: إبلٌ مُعاقِبَةٌ: ترعى مرّةً فِي حَمضٍ ومرّةً فِي خُلَّة. وَيُقَال عاقبتُ الرّجل من العُقْبة، إِلَى راوحتَه فَكَانَت لَك عُقْبةٌ وَله عُقْبة. وَكَذَلِكَ

(1/179)


أعقبته. وَيَقُول الرجلُ لزميله: أعقِبْ وعاقِبْ، أَي انزِلْ حتّى أركبَ عُقبتي. وَكَذَلِكَ كلُّ عمل.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (الرّعد: 11) قَالَ الْفراء: المعقِّبات: الملائكةُ ملائكةُ اللَّيْل تعقِّب مَلَائِكَة النَّهَار.
قلت: جعل الفراءُ عقَّبَ بِمَعْنى عاقب، كَمَا يُقَال ضاعَفَ وضعَّف وعاقد وعَقَّد بِمَعْنى وَاحِد، فكأنَّ مَلَائِكَة النَّهَار تحفظ العبادَ فَإِذا جَاءَ الليلُ جَاءَ مَعَه ملائكةُ اللَّيْل وصَعِد ملائكةُ النَّهَار، فَإِذا أقبلَ النَّهَار عادَ من صعِد وصعِد ملائكةُ اللَّيْل، كأنَّما جَعَلوا حفظهُ عُقَباً أَي نُوَباً.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: كلُّ مَن عمِل عملا ثمَّ عَاد إِلَيْهِ فقد عقَّب؛ وَمِنْه قيل للَّذي يَغْزُو غزْواً بعد غَزْوٍ، وللذي يتقاضى الدَّينَ فَيَعُود إِلَى غَرِيمه فِي تقاضيه: مُعَقِّب. وَقَالَ لبيد:
حتَّى تهجَّرَ فِي الرَّواحِ وهاجَه
طلبَ المعقِّب حقَّه المظلومُ
وَقَالَ سَلامَة بن جندل:
إِذا لم يُصِبْ فِي أوّل الغَزْو عَقَّبا
أَي غزا غَزْوَة أُخْرَى.
قَالَ: وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (معَقِّباتٌ لَا يَخِيب قائلُهنّ، وَهُوَ أَن يسبّح فِي دُبر صلَاته ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَة، ويكبّر أَرْبعا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَة، ويحمِّد الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَحْمِيدَة) . فسمِّين معقِّباتٍ لأنّها عَادَتْ مرّةً بعد مرّة.
وَقَالَ شمر: أَرَادَ بقوله: معقِّبات لَا يخيب قائلهن: تسبيحات تَخْلُف بأعقاب النَّاس. قَالَ: والمُعقِّب من كل شَيْء: مَا خَلَفَ يُعقِّب مَا قبله. وَأنْشد:
ولكنْ فَتى من صَالح الْقَوْم عقّبا
يَقُول: عُمِّر بعدهمْ وبقيَ. وَيُقَال عقَّب فِي الشَّيب بأخلاق حَسَنَة.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أَحْمد بن يحيى قَالَ: قَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ} (الرّعد: 11) : إنَّما أنثت لِكَثْرَة ذَلِك مِنْهَا نَحْو نسّابة وعلاّمة؛ وَهُوَ ذكَر.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ الْفراء: مَلَائِكَة مُعَقِّبةٌ، ومعقِّبات جمع الْجمع.
وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَول لبيد:
طلب المعقِّب حقَّه المظلومُ
قَالَ: المعقِّب: الْغَرِيم الماطل فِي قَول لبيد. قَالَ: والمعقِّب: الَّذِي أُغِير عَلَيْهِ فحُرِبَ فَأَغَارَ على الَّذِي كَانَ أغارَ عَلَيْهِ فاسترجعَ مالَه.
وَأما قَوْله عزّ وجلّ: {لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} (الرّعد: 41) فإنَّ الْفراء قَالَ: مَعْنَاهُ لَا رادَّ لحكمه. قَالَ: والمعقِّب: الَّذِي يكُرُّ على الشَّيْء؛ وَلَا يكرُّ أحدٌ على مَا أحكمه الله.
وروى شمر عَن عبد الصَّمد عَن سُفْيَان أَنه قَالَ فِي قَول الله: {مُدْبِراً وَلَمْ} (النَّمل: 10) : لم يلْتَفت. وَقَالَ مُجَاهِد: لم يرجع. قَالَ شمر: وكلُّ راجعٍ معَقِّبٌ. وَقَالَ الطرمّاح:
وَإِن تونَّى التّالياتُ عقَّبا
أَي رجَع.
وَأَخْبرنِي المنذرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن

(1/180)


الأعرابيّ أَنه أنْشدهُ فِي صفة الْفرس:
يمْلَأ عينَيك بالفِناءِ ويُرْ
ضيك عِقاباً إِن شئتَ أونَزَقا
قَالَ: عِقاباً: يعقِّب عَلَيْهِ صاحبُه، أَي يَغْزُو عَلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى. قَالَ: وَقَالُوا عِقاباً أَي جَريا بعد جَري.
قلت: هُوَ جمع عَقِب.
قَالَ: وَقَالَ الْحَارِث بن بدر: (كنت مرّةً نُشْبةً وَأَنا الْيَوْم عُقْبة) .
قَالَ: مَعْنَاهُ كنتُ إِذا نَشِبتُ بإنسانٍ وعَلِقتُ بِهِ لَقِي منّى شّراً، فقد أعقبتُ الْيَوْم ورجعتُ.
قلت: وَلما حوّل الله الخلافةَ من بني أُميَّة إِلَى بني هَاشم قَالَ سُدَيف، شَاعِر ولد العبّاس، لبني أُميَّة فِي قصيدة لَهُ:
أعقبى آل هاشمٍ يَا أمَيَّا
يَقُول: انزلي عَن الْخلَافَة حتّى يعلوَها بَنو هَاشم فإنّ العُقبة لَهُم الْيَوْم عَلَيْكُم.
أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: عَقَّبتُ الخَوْقَ، وَهُوَ حَلْقة القُرط، وَهُوَ أَن يُشَدَّ بعَقبٍ إِذا خَشُوا أَن يَزِيغ. وأنشدنا:
كأنَّ خَوقَ قُرطها المعقوبِ
على دَباةٍ أَو على يعسُوبِ
وعقَبت القِدح بالعَقَب مثلُه. وعقَبَ فلانٌ مَكَان أَبِيه عَقباً. وعقَبتُ الرجل فِي أَهله، إِذا بغيتَه بشرَ وخلفتَه. وعَقبت الرجل: ضربت عقبه وعقبت الرجُل: إِذا ركِبتَ عُقبة وركِب عُقبة. وَيُقَال أكلَ فلانٌ أَكلَة أعقبتْه سَقَماً.
وعقِب الْقدَم: مؤخّرها، وَيُقَال عَقْبٌ، وَجمعه أعقاب. وَمِنْه قَوْله: (ويلٌ لِلْأَعْقَابِ من النَّار) .
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {حَكِيمٌ وَإِن فَاتَكُمْ شَىْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (المُمتَحنَة: 11) هَكَذَا قَرَأَهَا مَسْرُوق وفسَّرها: فغنِمتُم، وَقرأَهَا حُميدٌ: (فعقَّبتم) قَالَ الْفراء: وَهُوَ بِمَعْنى عَاقَبْتُمْ. قَالَ: وَهِي كَقَوْلِه: (وَلَا تصاعر) {عَزْمِ الاُْمُورِ} (لقمَان: 18) . وقرىء (فَعَقَبْتُم) خَفِيفَة. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: من قَرَأَ {الْكُفَّارِ} (المُمتَحنَة: 11) فَمَعْنَاه أصبتموهم فِي الْقِتَال بالعقوبة حَتَّى غَنِمْتُم قَالَ: وَمن قَرَأَ (فعقبتم) فَمَعْنَاه: فغنمتم. قَالَ: وأجودها فِي اللُّغَة فعقَّبتم وعَقَبتم جيّد أَيْضا، أَي صَارَت لكم عُقْبى. إلاّ أنَّ التَّشْدِيد أبلغ. وَقَالَ طرفَة:
فعقَبتُم بذَنُوبٍ غَيْرَ مَرّ
قَالَ: وَالْمعْنَى أنّ من مَضَت امْرَأَته مِنْكُم إِلَى مَنْ لَا عهد بَيْنكُم وَبَينه، أَو إِلَى مَن بَيْنكُم وبينَه عهدٌ فنكثَ فِي إِعْطَاء الْمهْر فغَلبتم عَلَيْهِم فَالَّذِي ذهبت امْرَأَته يُعطَى من الْغَنِيمَة المهرَ من غير أَن يُنقَص من حقِّه فِي الْغَنَائِم شَيْء، يُعطَى حقَّه كَمَلاً بعد إِخْرَاج مُهُور النِّسَاء.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: تعقّبت الرجلَ، إِذا أخذتَه بذنبٍ كَانَ مِنْهُ.
وَفِي حَدِيث: (المُعْتَقِبُ ضامنٌ لما اعتَقَب) . وَهَذَا يُروى عَن إِبْرَاهِيم النَّخعيّ. يُقَال اعتقبت الشَّيْء، إِذا حبستَه عنْدك. وَمَعْنَاهُ أنّ البائعَ إِذا بَاعَ الشيءَ ثمَّ مَنعه المشتريَ حتَّى تَلِف عِنْد البَائِع هلك من مَاله، وضمانُه مِنْهُ.

(1/181)


شمر عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: المِعقب: الخِمار. وَأنْشد:
كمِعقَب الرَّيْط إذْ نَشَّرتَ هُدَّابَه
قَالَ: وسمِّي الخِمار مِعقباً لأنّه يعقُب المُلاءةَ يكون خلفا مِنْهَا.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: المِعقَب: القُرط. والمِعقَب: السَّائِق الحاذق بالسَّوق. والمِعقب: بَعير العُقَب. والمِعقَب: الَّذِي يرشَّح للخلافة بعد الإِمَام. والمِعْقَب: النَّجْم الَّذِي يطلُع فيركب بطلوعه الزميلُ المعاقب. وَمِنْه قَول الراجز:
كأنَّها بَين السُّجوف مِعقَبُ
وَقَالَ شمر: العُقبة: الشَّيْء من المرق يردُّه مستعير الْقدر إِذا ردَّها. وَقَالَ الْكُمَيْت:
وحاردتِ النُّكْدُ الجلادُ وَلم يكن
لعُقبةِ قِدر المستعيرينَ مُعْقِبُ
وَقَالَ الْأَخْفَش فِي قَول الله: {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} (الْكَهْف: 44) أَي عَاقِبَة.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال رَأَيْت عَاقِبَة من طير، إِذا رأيتَ طيراً يعقُب بعضُها بَعْضًا، تقع هَذِه فتطير ثمَّ تقع هَذِه موقعَ الأولى.
وَقَالَ الْفراء: يُقَال عاقبَه عَاقِبَة بِمَعْنى الْعقَاب والمعاقبة، جعله مصدرا على فاعلة كالعافية وَمَا أشبههَا.
وَقَالَ اللَّيْث: عَاقِبَة كل شيءٍ: آخِره؛ وَكذلك عاقِبُه، والجميع العواقب والعُقُب. قَالَ: والعُقبانُ والعُقْبى كالعاقبة والعُقُب. قَالَ: وَيُقَال أتَى فلانٌ إليَّ خيرا فعَقَبَ بِخَير مِنْهُ. وَأنْشد:
فعقَبتم بذَنوب غير مَرّ
قَالَ: وَالْفرق بَين العَقَب والعَصَب أنَّ العصَب يضْرب إِلَى الصُّفرة والعَقَب يضْرب إِلَى الْبيَاض، وَهُوَ أصلبُها وأمتنُها. وأمّا العَقِب مؤخّر الْقدَم فَهُوَ من العَصَب لَا من العَقَب. قَالَ: والعَقِب مؤنّثة، وَثَلَاث أعقب، وَتجمع على الأعقاب.
وَفِي الحَدِيث: (ويلٌ لِلْأَعْقَابِ من النَّار) وَهَذَا يدلُّ على أَن المسحَ على الْقَدَمَيْنِ غير جَائِز، وَأَنه لَا بدّ من غَسل الرجلَيْن إِلَى الْكَعْبَيْنِ، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُوعِد بالنارِ إلاّ فِي ترك العَبد مَا فُرض عَلَيْهِ. وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم.
والليلُ وَالنَّهَار يتعاقبان، وهما عَقيبانِ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا عَقِيبُ صَاحبه. وَيُقَال تعقّبت الخبرَ، إِذا سألتَ غير من كنتَ سألتَه أوّلَ مرّة.
وَيُقَال أُعقِبَ عِزُّ فلانٍ ذُلاًّ، أَي أُبدِل.
أَبُو عبيدٍ عَن الْأَحْمَر قَالَ: الأعقاب هِيَ الخَزَف الَّتِي تُجعَل بَين الْآجر فِي الطيّ لكَي يشتدَّ. وَقَالَ شمر: أعقاب الطيّ: دوائره إِلَى مؤخره. وَقد عقَّبنا الركيّة، أَي طويناها بحجَرٍ من وَرَاء حجر. قَالَ: والعُقاب: حجرٌ يستَنْتِل على الطيّ فِي الْبِئْر، أَي يَفْضُل.
وَقَالَ اللَّيْث: العُقاب: صَخْرَة ناتئة نَاشِزَة فِي الْبِئْر فِي جُولها، وربَّما كَانَت من قِبَل الطيّ، وَذَلِكَ أَن تَزُول الصَّخرةُ عَن موضعهَا. قَالَ: وَالرجل الَّذِي ينزل فِي الْبِئْر فيرفعها يُقَال لَهُ المعقِّب.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الْقَبِيلَة:

(1/182)


صَخْرَة على رَأس الْبِئْر، والعقابانِ من جنبتيها يَعْضدانها.
وَقَالَ اللَّيْث: العُقاب هَذَا الطَّائِر يؤنّث، والجميع العِقْبان وَثَلَاث أعقب، إلاّ أَن يَقُولُوا: هَذَا عُقابٌ ذكَر. قَالَ: والعُقاب: العَلَم الضَّخم. والعُقاب: اللِّواء الَّذِي يُعقَد للوُلاة، شُبِّه بالعقاب الطَّائِر. قَالَ: والعُقاب: الصَّخرة الْعَظِيمَة فِي عُرض الجَبَل.
والعِقاب والمعاقبة: أَن تجزي الرجلَ بِمَا فعل سُوءاً، وَالِاسْم العُقوبة. وَيُقَال أعقبته بِمَعْنى عاقبته.
وَيُقَال استعقبَ فلانٌ من فعله ندماً. وَيُقَال أعقبَه الله خيرا بإحسانه، بِمَعْنى عوَّضَه وأبدله، وَهُوَ معنى قَوْله:
وَمن أطَاع فأعقِبْه بِطَاعَتِهِ
كَمَا أطاعك وادلُلْه على الرَّشَدِ
واليعقوب: ذكر الحجَل، وَجمعه يعاقيب.
وَقَالَ اللَّيْث: يَعْقُوب بن إِسْحَاق اسمُه إِسْرَائِيل، سمِّي بِهَذَا الِاسْم لِأَنَّهُ وُلد مَعَ عِيصُو فِي بطن وَاحِد، وُلِد عيصو قبله ويعقوبُ متعلِّق بعَقِبه، خرجا مَعًا، فعِيصو أَبُو الرُّوم.
وتسمَّى الْخَيل يعاقيبَ تَشْبِيها بيعاقيب الحجَل، وَمِنْه قَول سَلامَة بن جندل:
ولَّى حثيثاً وَهَذَا الشيبُ يطلبُه
لَو كَانَ يُدركُه ركضُ اليعاقيبِ
وَقَالَ الله جلّ وعزّ فِي قصّة إِبْرَاهِيم وَامْرَأَته: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} (هُود: 71) قرىء (يعقوبُ) بِالرَّفْع وقرىء يَعْقُوب بِفَتْح الْبَاء. فَمن رفَعَ فَالْمَعْنى وَمن وَرَاء إِسْحَاق يعقوبُ مبشَّر بِهِ. وَمن فتح يَعْقُوب فَإِن أَبَا زيد والأخفش زعما أَنه مَنْصُوب وَهُوَ مَوضِع الْخَفْض، عطفا على قَوْله (بِإسْحَاق) . الْمَعْنى فبشرناها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق بِيعقوبَ.
قلت: وَهَذَا غير جَائِز عِنْد حذاق النَّحْوِيين من البَصريين والكوفيين. فَأَما أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى فَإِنَّهُ قَالَ: نصب يَعْقُوب بإضمار فعل آخر، قَالَ: كَأَنَّهُ قَالَ فبشرناها بِإسْحَاق وَوَهَبْنَا لَهَا من وَرَاء إِسْحَاق يعقوبَ. وَيَعْقُوب عِنْده فِي مَوضِع النصب لَا فِي مَوضِع الْخَفْض بالفِعلِ المضمَر. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج: عطف (يعقوبَ) على الْمَعْنى الَّذِي فِي قَوْله: {فَبَشَّرْنَاهَا} (هُود: 71) كَأَنَّهُ قَالَ: وهبنا لَهَا إِسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب، أَي وهبناهُ لَهَا أَيْضا.
وَهَكَذَا قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي. وَقَول الْفراء قريبٌ مِنْهُ. وَقَول الْأَخْفَش وَأبي زيد عِنْدهم، خطأ.
وَقَالَ اللَّيْث: المِعقاب من النِّسَاء: الَّتِي تَلد ذكرا بعد أُنْثَى. قَالَ: والعُقَب: نُوَب الْوَارِدَة تَرِدُ قطعةٌ فَتَشرب، فَإِذا وَردت قطعةٌ بعْدهَا فَشَرِبت فَذَاك عُقبتها. وعُقبة الْمَاشِيَة فِي المرعى: أَن ترعى الخُلّةَ عُقبةً ثمَّ تُحوَّل إِلَى الحمض، فالحَمضُ عُقبتُها. وَكَذَلِكَ إِذا حوِّلت من الحمض إِلَى الخُلّة فالخُلّة عُقبتها: / / وَهَذَا الْمَعْنى أَرَادَ ذُو الرمة:
من لائح المَرْو والمرعَى لَهُ عُقَب

(1/183)


وأوله:
ألهاه آءٌ وتَنُّومٌ وعُقْبتُه
من لائح المَرْو ...
وَيُقَال فلانٌ عُقبةٌ من بني فلَان، أَي آخر مَن بقيَ مِنْهُم.
أَبُو عبيد: يُقَال على فلانٍ عِقْبة السَّرْو وَالْجمال، إِذا كَانَ عَلَيْهِ أثَر ذَلِك. وَقَالَ الْفراء فِي الجَمَال: عِقبةٌ، بِكَسْر الْعين أَيْضا، أَي بقيّة. وَأما عُقبة القِدر فإنّ الأصمعيَّ والبصريِّين جعلوها بِضَم الْعين، وَكَانَ الْفراء يجيزها بِالْكَسْرِ أَيْضا بِمَعْنى الْبَقِيَّة. وَمن قَالَ عُقبة الْقدر جعلهَا من الاعتقاب.
وَقَالَ اللِّحيانيُّ: العِقبة والعِقمة: ضربٌ من ثِيَاب الهَودج مَوْشِيّ، وَمِنْهُم من يَقُول عَقْمة وعَقْبة بِالْفَتْح. وَقَالَ: عُقبة الْقَمَر: عودته، وَيُقَال عَقْبة بِالْفَتْح، وَذَلِكَ إِذا غابَ ثمَّ طلع. ونخل مُعاقِبة: تحمل عَاما وتُخلِف آخَر وَقَالَ ابْن السّكيت: إبلٌ مُعاقِبة: ترعَى مرَّةً فِي حَمض وَمرَّة فِي خُلَّة. وَجَاء فلانٌ مُعْقِباً، إِذا جَاءَ فِي آخر النَّهَار.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: عَقَب فلانٌ على فُلَانَة، إِذا تزوّجها بعد زَوْجِها الأوّل، فَهُوَ عاقبٌ لَهَا، أَي آخر أزواجها. وعقّب فلَان فِي الصَّلَاة تعقيباً، إِذا صلَّى فَأَقَامَ فِي مَوْضِعه ينْتَظر صَلَاة أُخْرَى. وَفِي الحَدِيث: (مَن عَقَّب فِي صلاةٍ فَهُوَ فِي الصَّلَاة) .
وقُرارة القِدْر: عُقبته.
وعَقيبك: الَّذِي يعاقبك فِي الْعَمَل، يعْمل مرّة وتعمل أَنْت مرّة.
وَقَالَ أَبُو سعيد: قِدحٌ معقَّبٌ، وَهُوَ الْمعَاد فِي الرِّبابة مرّةً بعد مرةٍ تيمُّناً بفوزه. وَأنْشد:
بمثنَى الأيادي والمَنيح المعَقَّبِ
وَقَالَ أَبُو زيد: جَزورٌ سَحُوف المعقَّب، إِذا كَانَ سميناً. وَأنْشد:
بجلمةِ عِليانٍ سَحوفِ المعقَّبِ
أَبُو عُبَيْدَة: المِعْقَب: نجم يتعاقب بِهِ الزميلان فِي السَّفَر، إِذا غَابَ نجم وطلعَ نجمٌ آخر ركب الَّذِي كَانَ يمشي. وَأنْشد:
كأنّها بينَ السُّحوفِ مِعقَبُ
وَقَالَ اللحياني: عقَبتُ فِي إِثْر الرجُل أعقُبُ عَقْباً، إِذا تناولته بِمَا يكره ووقعتَ فِيهِ. وأعقب الرجلُ إعقاباً، إِذا رجعَ من شرَ إِلَى خير. وَيُقَال: لم أجد عَن قَوْلك متعقَّباً، أَي رُجُوعا أنظر فِيهِ، أَي لم أرخِّص لنَفْسي التعقُّبَ فِيهِ لأنظرَ آتِيهِ أم أدعُه.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الْعَرَب تسمِّي النَّاقة السَّوْدَاء عُقاباً، على التَّشْبِيه.
وَقَالَ اللِّحيانيّ: عَقَبونا مِن خَلفنا وعقَّبونا، أَي نزلُوا بعد مَا ارتحلنا. وَيُقَال عقَبت الْإِبِل تَعقُبُ عَقْباً، إِذا تحوّلت من مَكَان إِلَى مكانٍ ترعى فِيهِ. وعقَب فلَان يعقُب عَقْباً، إِذا طلب مَالا أَو شَيْئا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العَقْب: العِقاب. وَأنْشد:
لَيْنٌ لأهل الْحق ذُو عَقْبٍ ذكَرْ

(1/184)


والعَقْب: الرُّجُوع. وَأنْشد لذِي الرمّة:
كأنّ صياحَ الكُدرِ ينظرنَ عَقْبنا
تراطُنُ أنباطٍ عليهِ طَغامِ
مَعْنَاهُ ينْتَظر صَدَرنا ليرِدْنَ بَعدنَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: إبلٌ عَاقِبَة: تَعقُب فِي مرتعٍ بعد الحَمْض؛ وَلَا تكون عَاقِبَة إلاّ فِي سنةٍ شَدِيدَة، تَأْكُل الشّجر ثمَّ الحمض. قَالَ: وَلَا تكون عَاقِبَة فِي العُشْب. والمعقّب: الرجل يخرج من حانة الخمّار إِذا دخَلها من هُوَ أعظمُ قدرا مِنْهُ. وَمِنْه قَوْله:
وَإِن تلتمِسني فِي الحوانيت تصطدِ
أَي أكون معقِّباً
وَفِي حَدِيث أنس بن مَالك أَنه سُئِلَ عَن التعقيب فِي رَمَضَان فَقَالَ: (إِنَّهُم لَا يرجعُونَ إلاّ لخير يرجونه أَو شرَ يخافونه) . قَالَ شمر: قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: إِذا صلى الإِمَام فِي شهر رَمَضَان بِالنَّاسِ ترويحةً أَو ترويحتين ثمَّ قَامَ الإِمَام من آخر اللَّيْل فَأرْسل إِلَى قوم فَاجْتمعُوا فصلَّى بهم بعد مَا نَامُوا فَإِن ذَلِك جَائِز إِذا أَرَادَ بِهِ قيامَ مَا أُمر أَن يصلَّى من الترويح. وأقلُّ ذَلِك خمسُ ترويحات، وَأهل الْعرَاق عَلَيْهِ. قَالَ: فأمّا أَن يكون إمامٌ صلّى بهم أوّلَ اللَّيْل الترويحات ثمَّ رَجَعَ آخر الَّيْلِ ليصلّي بهم جمَاعَة فَإِن ذَلِك مَكْرُوه؛ لما رُوِيَ عَن أنس وَسَعِيد بن جُبير فِي كراهيتهما التعقيب. وَكَانَ أنس يَأْمُرهُم أَن يصلُّوا فِي بُيُوتهم.
وَقَالَ شمر: والتعقيب: أَن يعْمل عملا من صلاةٍ أَو غَيرهَا ثمَّ يعود فِيهِ من يَوْمه. يُقَال: عقَّبَ بصلاةٍ بعد صلاةٍ، وغزوة بعد غَزْوَة. قَالَ: وسمعتُ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: هُوَ الَّذِي يفعل الشَّيْء ثمَّ يعود ثَانِيَة. يُقَال صلّى من اللَّيْل ثمَّ عقَّب، أَي عادَ فِي تِلْكَ الصَّلَاة.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه (كَانَ يعقِّب الجيوشَ فِي كل عَام) ، قَالَ شمر: مَعْنَاهُ أنّه يردُّ قوما وَيبْعَث آخَرين يعاقبونهم. يُقَال قد عُقِّبَ الغازيةُ بأمثالهم وأُعقِبوا، إِذا وُجِّه مكانَهم غيرُهم.
قَالَ: وَيُقَال عقَّبت الْأَمر، إِذا تدبَّرتَه. قَالَ: والتعقُّب: التدبُّر وَالنَّظَر ثَانِيَة. قَالَ طفيلٌ الغنوي:
فَلَنْ يجد الأقوامُ فِينَا مَسَبَّةً
إِذا استُدبرتْ أيَّامنا بالتعقُّبِ
يَقُول: إِذا تعقَّبوا أيامنا لم يَجدوا مَسَبَّةً.
واستعقبتُ الرجلَ وتعقّبتُه، إِذا طلبتَ عورَتَهُ وعثرته. وَيُقَال استعقبَ فلانٌ من كَذَا وَكَذَا خيرا وشراً.
وَيُقَال هما يعتقبان ويتعقّبان: إِذا ذهبَ أَحدهمَا جَاءَ الآخر مكانَه.
ابْن شُمَيْل: يُقَال بَاعَنِي فلَان سِلعةً وَعَلِيهِ تعقِبَةٌ إِن كَانَت فِيهَا، وَقد أدركتني فِي تِلْكَ السّلْعَة تعقِبة. وَيُقَال: مَا عَقَب فِيهَا فَعَلَيْك فِي مَالك، أَي مَا أدركني فِيهَا من دَرَكٍ فعليكَ ضمانُه.
وَقَالَ شمر: العَقَبة: الْجَبَل الطَّوِيل يَعرِض للطَّريق فيأخُذُ فِيهِ، وَهُوَ طويلٌ صعبٌ شَدِيد وَإِن كَانَت خُرمت بعد أَن تشتدَّ، وتطول فِي

(1/185)


السَّمَاء فِي صعُود وهبوط، أطْوَلُ من النَّقْب وأصعب مرتقًى، وَقد يكون طولهما وَاحِدًا. سَنَد النَّقْب فِيهِ شَيْء من اسلِنْقاء، وسَنَد العَقبة مستوٍ كَهَيئَةِ الْجِدَار.
قلت: وَتجمع الْعقبَة عِقاباً وعَقَبات.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال من أَيْن كَانَ عَقِبُك أَي من أَيْن أَقبلت؟ وَيُقَال لَقِي فلانٌ من فلانٍ عُقْبةَ الضَّبُع، أَي شِدَّة. وَهُوَ كَقَوْلِك: لَقِي مِنْهُ استَ الكلبة. قَالَ: والعِقاب: الْخَيط الَّذِي يشدُّ بِهِ طرفا حَلقة القُرْط.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: عَقِب النبتُ يَعقَب عَقَباً أشدَّ العَقَب، إِذا دَقّ عودُه واصفرَّ ورقُه. وكلُّ شَيْء كانَ بعد شيءٍ فقد عَقَبه. وَقَالَ جرير:
عقَبَ الرّذاذُ خِلافَهم فكأنّما
بسَطَ الشواطبُ بينهنَّ حَصِيرا
وَقَالَ ابْن السّكيت: فلانٌ يَسقِي على عَقِب آل فلانٍ، أَي بعدهمْ. وَذهب فلانٌ وعَقَبَه فلانٌ: يَتْلُو عَقِبه.
قَعْب: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ابي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أوّل الأقداح الغُمَر، وَهُوَ الَّذِي لَا يبلُع الريّ؛ ثمَّ القَعْب، وَهُوَ قَدرُ رِيِّ الرجل، وَقد يروي الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة؛ ثمَّ العُسُّ. قَالَ ابْن الأعرابيّ أَيْضا: والقاعب: الذِّئْب الصَّيَّاح.
وَقَالَ اللَّيْث: الْقَعْب: قدح ضخمٌ جافٍ غليظ. والقَعبة: شبه حُقّة مطبَقة يكون فِيهَا سَوِيق الْمَرْأَة. وحافر مقعَّب: كأنّه قعبةٌ لاستدارته.
وَقَالَ غَيره: قعَّب فلانٌ فِي كَلَامه وقعّر فِي كَلَامه بِمَعْنى وَاحِد. وَهَذَا كلامٌ لَهُ قعبٌ، أَي غَور.
قبع: فِي الحَدِيث: (كَانَت قَبيعةُ سيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فضَّة) قَالَ شمر: قبيعة السَّيْف: مَا تَحت الشاربين مِمَّا يكون فوقَ الغِمد فَيَجِيء مَعَ قَائِم السَّيْف. والشاربان: أنفان طويلان أسفلَ الْقَائِم، أَحدهمَا من هَذَا الْجَانِب وَالْآخر من هَذَا الْجَانِب. قَالَ: وَقَالَ خَالِد بن جَنْبة: قبيعة السَّيْف: رَأسه الَّذِي مُنْتَهى الْيَد إِلَيْهِ.
أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: القَوبَع: قَبِيعة السَّيْف وَأنْشد لمُزاحمٍ العُقَيلي:
فصاحُوا صِياحَ الطَّير من مُحزئلّةٍ
عَبورٍ لهاديها سِنان وقَوبَعُ
ورُوي عَن الزِّبرِقان بن بدرٍ السعديّ أنَّه قَالَ: (أبغضُ كنائني إليَّ الطُّلَعة القُبَعَة) ، وَهِي الَّتِي تُطلِع رأسَها ثمَّ تخبؤه كأنّها قنفذةٌ تقبع رَأسهَا.
وَيُقَال قبَعَ فلانٌ رَأس الْقرْبَة والمزادة، وَذَلِكَ إِذا أَرَادَ أَن يَسقي فِيهَا فَيدْخل رَأسهَا فِي جوفها ليَكُون أمكنَ للسَّقي فِيهَا، فَإِذا قلب رَأسهَا على خَارِجهَا قِيل قَمَعَه بِالْمِيم، هَكَذَا حفظت الحرفين عَن الْعَرَب.
وَقَالَ شمر: قَالَ الْمفضل: يُقَال قَبَعتُ السِّقَاء قَبْعاً، إِذا ثنيتَ فَمه فجعلتَ بَشرته الدَّاخِلَة ثمَّ صببتَ فِيهِ اللبنَ أَو الماءَ. قَالَ: وخنثَ سقاءَه، إِذا ثنى فَمه فَأخْرج أدَمتَه، وَهِي الدَّاخِلَة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: خنث فَم السِّقاء: قلبَ

(1/186)


فمَه دَاخِلا كَانَ أَو خَارِجا. وكلُّ قلبٍ يُقَال لَهُ خَنْث.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: القُبوع: أَن يدْخل الْإِنْسَان رأسَه فِي قَمِيصه أَو ثَوْبه. وَقد قبع يقبع قُبوعاً. وَأنْشد:
وَلَا أطرقُ الجاراتِ باللَّيْل قابعاً
قُبوعَ القَرَنْبَى أخطأته مجاحره
وَقَالَ اللَّيْث: قبع الْخِنْزِير يقبع قَبْعاً وقُباعاً. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: القَبْع: صوتٌ يردّده الْفرس من مَنْخرَيْهِ إِلَى الْحلق، وَلَا يكون إلاّ من نفارٍ أَو شيءٍ يكرههُ. وَقَالَ عنترة:
إِذا وقَع الرماح بِمَنْكِبَيه
تولّى قابعاً فِيهِ صُدودُ
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لصوتِ الْفِيل القَبْعُ والنَّخَفة. قَالَ: والقَبْع: الصِّياح. والقَبْع: أَن يطأطىء الرجل رأسَه فِي الرُّكوع شَدِيدا. والقَبْع: تَغْطِيَة الرَّأْس باللَّيل لرِيبة.
وَقَالَ اللَّيْث: القُباع: الأحمق. وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة رجل أَحمَق يُقَال لَهُ قُباع بن ضَبّة، يضْرب مثلا لكل أَحمَق. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال للقنفذ قُبَاع لأنّه يقبع، أَي يخبأ رَأسه وَقَالَ: وَكَانَ بِالْبَصْرَةِ مكيالٌ وَاسع لأَهْلهَا، فمرَّ والِيها بِهِ فَرَآهُ وَاسِعًا فَقَالَ: (إِنَّه لقُبَاع) ، فلقِّب ذَلِك الْوَالِي قُباعاً. وَيُقَال للْمَرْأَة الواسعة الجَهَاز: إنّها لقُباع.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ: القُبَاعيّ من الرِّجَال: الْعَظِيم الرّأس، مَأْخُوذ من القُبَاع، وَهُوَ المِكيال الْكَبِير.
وَقَالَ اللَّيْث: قَبَع الْإِنْسَان يقبع قبوعاً، إِذا تخلف عَن أَصْحَابه. وَأنْشد:
قَوَابِعَ فِي غَمَّى عَجاجٍ وعِثْيَرِ
قَالَ: وقُبَع: دويْبَّة من دَوابّ الْبَحْر.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: قبع الرجل فِي الأَرْض يقبع قُبوعاً، إِذا ذهب فِيهَا. قَالَ: وَقَالَ الْأمَوِي: قَبَع الرجلُ فَهُوَ قابع، إِذا أعيا وانبهر. يُقَال عدا حتَّى قبع.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: القُبَعة: طُويِّرٌ أبقع مثل العصفور يكون عِنْد جِحَرة الجِرذان، فَإِذا فزِع أَو رُمي دخلَ الجُحر.
بقع: فِي الحَدِيث: (يُوشك أَن يُستَعمَلَ عَلَيْكُم بُقعانُ الشَّام) قَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ ببُقعان الشَّام سَبْيَها ومماليكَها؛ سمُّوا بذلك لأنَّ الْغَالِب على ألوانهم الْبيَاض والصُّفرة، وَقيل لَهُم بُقْعانٌ لاختلاط ألوانهم وتناسلهم من جِنْسَيْنِ مُخْتَلفين.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال مَا أَدْرِي أَيْن سَكع وبقع، أَي أَيْن ذهب.
وَقَالَ غَيره: انبقَعَ فلانٌ انبقاعاً، إِذا ذَهبَ مسرعاً وعَدا وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
كالثعلب الرَّائِح الممطور صِبغَتُه
شَلَّ الحواملُ مِنْهُ كَيفَ ينبقعُ
قَوْله (شلَّ الْحَوَامِل مِنْهُ) دَعَا عَلَيْهِ أَن تَشَلَّ قوائمُهُ لسرعته.
وَيُقَال للضَّبع باقع. وَيُقَال للغراب أبقع، وَجمعه بُقعانٌ، لاختلاط لَونه.
وَإِذا انتضح الماءُ على بدن المستقي من ركيّةٍ ينْزع مِنْهَا بالعَلَق فابتلَّتْ مواضعُ من

(1/187)


جسَده قيل قد بقَّع. وَمِنْه قيل للسُّقاة بُقْع وَأنْشد ابْن الأعرابيّ:
كفَوْا سَنِتِينَ بالأسياف بُقْعاً
على تِلْكَ الجِفار من النفيِّ
السَّنِتُ: الَّذِي أَصَابَته السّنة. والنفيُّ: المَاء الَّذِي ينتضح عَلَيْهِ.
أَبُو الْحسن اللِّحياني: أرضٌ بَقِعةٌ: فِيهَا بُقَع من الْجَرَاد. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال عَلَيْهِ خُرء بقاعِ وَهُوَ الْعرق يُصيب الإنسانَ فيبْيَضُّ على جلده شبه لُمَع. قَالَ: والبقعة: قطعةٌ من الأَرْض على غير هَيْئَة الَّتِي إِلَى جنبها، والجميع بُقَع وبقاع. والباقعة: الرَّجل الدَّاهية. يُقَال مَا فلانٌ إلاّ باقعة من البواقع، لحلوله بقاعَ الأَرْض وَكَثْرَة تنقيبه فِي الْبِلَاد ومعرفته بهَا، فشبِّه الرجل الْبَصِير بالأمور بِهِ، وَدخلت الْهَاء فِي نعت الرجل مُبَالغَة فِي صفته، كَمَا قَالُوا: رجلٌ داهية، وعَلاَّمة، ونسّابة.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال أَصَابَهُ خُرء بَقَاعَ وبَقَاعِ يَا فَتى، وبَقاع مَصْرُوف وَغير مَصْرُوف، وَهُوَ أَن يصيبَه غبارٌ وعرقٌ، فَتبقى لمع مِنْهُ على جسده. قَالَ: وَأَرَادُوا ببقاعِ أَرضًا بِعَينهَا.
قَالَ: وَيُقَال تشاتما وتقاذفا بِمَا أبقى ابنُ بُقَيع قَالَ: وَابْن بُقَيع: الْكَلْب، وَمَا أبقى من الجِيفة.
وَقَالَ أَو عَمْرو: الباقعة: الطَّائِر الحَذِر، إِذا شرِب المَاء نظر يَمنةً ويَسرة.
وَقَالَ اللِّحياني: يُقَال ابتُقِع لَونه، وامتُقِع لونُه، وانتُقِع لَونه، بِمَعْنى وَاحِد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال للأبرص: الأبقع، والأسلَع، والأقْشَر، والأصلخ، والأعرم، والملمَّع، والأذمل. والجميع بُقْع.
وبقيع الغَرْقَدِ: مَقبُرة بِالْمَدِينَةِ، كَانَ منبتاً لشجر الغَرقد فنُسب إِلَيْهِ وعُرفَ بِهِ. والغَرقد: شجر العَوسَج.
عبق: أَبُو الْحسن اللِّحياني، وَيَعْقُوب بن السّكيت: يُقَال مافي نِحْيِه عَبَقةٌ وَلَا عَمقَة، أَي مَا فِيهِ وضَر من السَّمْن. وأصل ذَلِك من قَوْلك: عبِق بِهِ الشَّيْء يَعبَق عَبَقاً، إِذا لصِق بِهِ. وَقَالَ طرفَة:
ثمَّ راحوا عَبَقُ المسكِ بهم
يُلحفون الأرضَ هُدَّابَ الأُزُرْ
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: عَسِق بِهِ وعَبِق بِهِ: إِذا لصق بِهِ. وريح عَبِقٌ: لاصق. وَقَالَ ابْن شُمَيل: قَالَ الخُزاعيُّون وهم من أعرَبِ النَّاس رجلٌ عبِقٌ لبِق، وَهُوَ الظريف. أَبُو عبيد: شَيْنٌ عَباقِيَةٌ، وَهُوَ الَّذِي لَهُ أثرٌ بَاقٍ. وَقَالَ غَيره: العَباقية: شَجَرَة ذَات شوك تُؤذي مَن عَلِق بهَا. وَأنْشد:
غداةَ شُواحطٍ لَنَجَوْتَ شَدّاً
وثوبُك فِي عَباقيةٍ هَريدُ
وَقَالَ اللَّيْث: العَباقية: الرجلُ الداهيةُ ذُو شرَ ونُكر. وَأنْشد:
أطفَّ لَهَا عَباقيَةٌ سَرَندى
جريء الصَّدْر منبسطُ اليمينِ
وَقَالَ ابْن شُميل: العَباقية: اللص الخارب الَّذِي لَا يُحجم عَن شَيْء. ورُوي عَن

(1/188)


الأصمعيّ أَنه قَالَ رجلٌ عِبقَّانة زِبِقَّانة، إِذا كَانَ سيّء الْخلق والمروءة كَذَلِك.
وَقَالَ اللَّيْث: امْرَأَة عَبِقة ورجلٌ عَبِق، إِذا تطيَّبا بطيبٍ فَلم تذْهب رائحتُه أَيَّامًا.
بعق: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: البُعاق: الْمَطَر الَّذِي يتبعَّق بِالْمَاءِ تبعُّقاً. وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة أَنه قَالَ: مَا بَقِي من الْمُنَافِقين إِلَّا أَرْبَعَة. فَقَالَ رجل: (فَأَيْنَ الَّذين يبعِّقون لقاحَنا وينقُبون بُيُوتنَا؟) يَعْنِي أَنهم ينحرونها. فَقَالَ حُذَيْفَة: أُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَوْله (يبعِّقون لقاحنا) ، يَعْنِي أَنهم ينحرونها ويُسيلون دماءَها يُقَال انبعق الْمَطَر، إِذا سَالَ بِكَثْرَة. وَقَالَ اللَّيْث: الانبعاق: أَن ينبعق عَلَيْك الشَّيْء مفاجأةً من حيثُ لم تحتسبْه. وَأنْشد:
بَيْنَمَا الْمَرْء آمنا راعهُ را
ئعُ حتفٍ لم يَخْشَ مِنْهُ انبعاقَه
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : ابتعقَ فلانٌ كَذَا وَكَذَا ابتعاقاً، إِذا أَخذه من تِلْقَاء نَفسه، فَهُوَ مبتعق.
وَقَالَ اللَّيْث: البُعاق: شدّة الصَّوْت. والباعق: المطَر يفاجىء بوابل. وَقد بَعَق بُعاقاً. وَأنْشد:
تيمَّمتُ بالكِدِيَوْنِ كي لَا يفوتَني
من المَقْلة الْبَيْضَاء تفريطُ باعقِ
قَالَ: يَعْنِي تَرْجِيع المؤذّن إِذا مَدَّ صوتَه فِي أَذَانه.
قلت: وَرَوَاهُ غَيره: (تَفْرِيط ناعق) مِن نعَق الرَّاعِي بغنمه، إِذا زجَرها ودعاها.

(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الْمِيم)
عقم، عمق، قمع، قعم، معق، مقع: مستعملات.
عقم: عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العَقْميُّ: الرجُل القديمُ الْكَرم والشَّرف. قَالَ: والعُقمي من الْكَلَام: غريبُ الْغَرِيب.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: قَالَ ابْن بُزْرج: امرأةٌ عَقَام ورجلٌ عَقَام، إِذا كَانَا سيِّئَيء الخُلُق. وَمَا كَانَ عَقاماً وَلَقَد عَقُم تَخلّقه. قَالَ: وَامْرَأَة عقيم: لَا تَلد. ورجلٌ عقيم: لَا يُولَد لَهُ. قَالَ: وَجمع العَقام والعَقيم العُقْم. وَيُقَال للعقيم من النِّسَاء: قد عَقِمَتْ، وَفِي سوء الْخلق: قد عقُمتْ. قَالَ: وَقد قَالُوا فِي الْعَقِيم أَيْضا: مَا كَانَت عقيماً، وَلَقَد عُقمتْ فَهِيَ معقومة. وَهُوَ العُقْم والعَقْم. وَقد عَقَم الله رحمهَا.
وَقَالَ أَبُو عبيد: سمعتُ الأصمعيّ يَقُول: عَقامٌ وعقيمٌ بِمَعْنى وَاحِد، مثل بَجَالٍ وبجيل، وشَحاحٍ وشحيح.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال حَربٌ عَقام وعُقام: لَا يَلوي فِيهَا أحدٌ على أحد. قَالَ: وَيُقَال عُقِمت الرَّحِم عُقماً، وَذَلِكَ هَزمةٌ تقمع فِي الرَّحِم فَلَا تقبل الْوَلَد.
قَالَ: وَالرِّيح العَقيم فِي كتاب الله يُقَال هِيَ الدَّبور، لَا تُلقح شَجرا وَلَا تحمل مَطَرا. وَقَالَ جلّ وعزّ: {مُلِيمٌ وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} (الذّاريَات: 41) . قَالَ أَبُو إِسْحَاق: الرّيح الْعَقِيم: الَّتِي لَا يكون مَعهَا لَقْحٌ، أَي لَا تَأتي بمطَر، إنّما هِيَ ريحُ

(1/189)


الإهلاك. وَيُقَال المُلْكُ عقيم يقتُل الْوَالِد فِيهِ ولدَه، والولَدُ والدَه. وحربٌ عقيمٌ: يكثر فِيهَا القَتْل فَيبقى النِّساء أَيامَى.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود حِين ذكر القيامةَ وأنَّ الله يَظهَر للخَلْق، قَالَ: (فيخرُّ الْمُسلمُونَ سجوداً لربِّ الْعَالمين وتُعقَم أصلاب الْمُنَافِقين فَلَا يقدرُونَ على السُّجُود) . قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله تُعقَم أصلابُ الْمُنَافِقين، يَعْنِي تيبس مفاصلُهم فَتبقى أصلابُهم طبقًا وَاحِدًا. قَالَ: والمفاصل يُقَال لَهَا المعاقم. وَقَالَ النَّابِغَة:
تخطُو على مُعُجٍ عُوجٍ معاقمها
يَحسبن أنّ تُراب الأَرْض منتَهبُ
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال الْمَرْأَة معقومة الرَّحِم، كَأَنَّهَا مسدودتها. وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: الاعتقام أَن يحفروا الْبِئْر فَإِذا اقتربوا من المَاء احتفرُوا بِئْرا صَغِيرَة فِي وَسطهَا بِقدر مَا يَجدونَ طعمَ المَاء، فَإِن كَانَ عذباً حفَروا بقيّتَها. قَالَ: وأنشدنا للعجاج:
إِذا انتحى معتقماً ولجَّفاً
وَقَالَ اللَّيْث فِي الاعتقام: إنّه المضيُّ فِي الْحفر سُفْلاً.
وَقَالَ هُوَ وَغَيره: العَقْم: ضربٌ من الوشي، الْوَاحِدَة عَقْمة. وَقَالَ الأصمعيّ: العُقميُّ: كلامٌ عقيم، لَا يشتقُّ مِنْهُ فعل. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: إنّه لعالمٌ بعُقميّ الْكَلَام وعُقْبيّ الْكَلَام، وَهُوَ غامض الْكَلَام الَّذِي لَا يعرفُه النَّاس، وَهُوَ مثلُ النَّوَادِر. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: سَأَلت رجلا من هُذيل عَن حرفٍ غَرِيب فَقَالَ: هَذَا كلامٌ عُقْميٌّ، يَعْنِي أَنه من كَلَام الجاهليّة لَا يُعرَف الْيَوْم. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال فلانٌ ذُو عُقْميّاتٍ، إِذا كَانَ يلوِّي بخَصمه.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم السِّجزيّ: العَقَام: اسْم حيّة تسكُن الْبَحْر. قَالَ: وحدَّثني من أَثِق بِهِ أنّ الأسودَ من الحيّاتِ يَأْتِي شطَّ الْبَحْر فيصْفِر فَتخرج إِلَيْهِ العَقَام، فيتَلاويان ثمَّ يفترقان، فَيذْهب هَذَا فِي البرّ وَيرجع العَقَام إِلَى الْبَحْر.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العَقْم: الْقطع؛ وَمِنْه قيل المُلْكُ عقيم؛ لِأَنَّهُ تقطع فِيهِ الْأَرْحَام بِالْقَتْلِ والعقوق. قَالَ: وَيُقَال عُقِمت الْمَرْأَة تُعقَم عَقْماً، وعَقِمَتْ تَعقَم عَقَماً، وعَقمت تَعقُم عُقماً. وَرجل عقيم: لَا يُولد لَهُ. وَامْرَأَة عقيم: لَا تحمل.
قعم: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: القَعَم: ضِخَم الأرنبة ونتوءُها وانخفاض القَصَبة. قَالَ: والقَعَم أحسن من الخَنَس والفَطَس. وَقَالَ فِي موضعٍ آخر: فِي أَنفه قَعَم أَي عَوَج.
قَالَ: والقَيعَم: السنّور.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: القَعْم: صِياحُ السنّور.
وَقَالَ اللَّيْث: أُقعِم الرجلُ، إِذا أَصَابَهُ الطَّاعُون فَمَاتَ. قَالَ: وأقعمته الحيّة، إِذا لدغَتْه فماتَ من سَاعَته. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: لَك قمعة هَذَا المَال وَلَك قُمْعته، أَي لَك خِيَاره وأجوده.
عمق: قَالَ الله جلّ وعزّ: {يَأْتُوكَ

(1/190)


رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} (الحَجّ: 27) قَالَ الْفراء: لُغَة أهل الْحجاز عميق. وَبَنُو تَمِيم يَقُولُونَ معيق. وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله: {مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} (الحَجّ: 27) قَالَ: من كل طريقٍ بعيد.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْله {مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} (الحَجّ: 27) .
قَالَ: وَيُقَال مَعِيق. والعميق أَكثر من المَعِيق فِي الطَّرِيق. قَالَ: والفجّ: المضربُ الْبعيد.
قلت: وَقد قَالَ غَيره: هُوَ الشِّعب الْوَاسِع بَين الجبلين.
وَتقول الْعَرَب: بِئْر عميقة ومعيقة، وَقد أعمقتها وأمعقتها، وَقد عمُقَت ومعُقت مَعاقةً. وإنّها لبعيدةُ العَمْق والمعْق.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال: لي فِي هَذِه الدَّار عَمقَ أَي حقّ، وَمَالِي فِيهَا عَمَق أَي حقٌّ.
وَقَالَ اللَّيْث: الأعماق والأمعاق: أَطْرَاف الْمَفَازَة الْبَعِيدَة؛ وَكَذَلِكَ الأماعق. وَقَالَ رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المختَرَقْ
مشتبه الْأَعْلَام لمّاع الخَفَقْ
وقرأت بِخَط شِمر لِابْنِ شُميل قَالَ: المَعْق: بُعد أَجْوَاف الأَرْض على وَجه الأَرْض يَقُود المعقُ الأيامَ. يُقال عَلَونا مُعُوقاً من الأَرْض مُنكرَة، وعلَونا أَرضًا مَعْقاً. وأمّا المَعِيق فالشديد الدُّخول فِي جَوف الأَرْض، يُقَال غَائِط مَعيق.
قَالَ شمر: وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَابْن الْأَعرَابِي: الأعماق شَيْئَانِ: المطمئنّ، وَيجوز أَن يكون بعيدَ الغَور. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول رؤبة: (وقاتم الأعماق) : يَعْنِي الْأَطْرَاف.
وَيُقَال تعمَّق فلانٌ فِي الْأَمر، إِذا تنوّق فِيهِ، فَهُوَ يتعمَّق.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العُمَق: مَوضِع على جادّة طَرِيق مَكَّة، بَين معدِن بني سُلَيم وَذَات عِرق. والعامة تَقول العُمُق، وَهُوَ خطأٌ. قَالَه الْفراء. وعَمْق: مَوضِع آخر.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العِمْقَى: نبت. وبعيرٌ عامق: يرْعَى العِمْقَى.
قمع: أَبُو عبيد: قَمعتُ الرجلَ وأقمعتُه بِمَعْنى وَاحِد وروى الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: أقمعت الرجلَ بِالْألف، إِذا طلع عَلَيْك فرددتَه. قَالَ: وقمعته، إِذا قهرته. وَقَالَ غَيره: قمعت الوَطْبَ، إِذا جعلتَ القِمَع فِي فَمه لتصبَّ فِيهِ لَبَنًا أَو مَاء. وقمعت القِربة، إِذا ثنيتَ فمها إِلَى خَارِجهَا، فَهِيَ مقموعة. والقَمَع: ورم يكون فِي مؤق الْعين، يُقَال قَمِعت العينُ تَقمع قَمَعاً، إِذا ورِمَ مُؤقها. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
ومأقاً لم يكن قَمِعاً
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: القَمَعة: ذُبَاب عَظِيم أَزْرَق، وَجَمعهَا قَمَعٌ، يَقع على رُؤُوس الدوابّ فيؤذيها. وَقَالَ أَوْس بن حجر:
ألم تَرَ أنّ الله أنزلَ مُزنةً
وعُفرُ الظِّباء فِي الكِناس تَقَمَّعُ
يَعْنِي تحرِّك رؤوسها من القَمَع
الحرانيّ عَن ابْن السّكيت قَالَ: القَمْع:

(1/191)


مصدر قمعتُه أمقعُه قمعاً. قَالَ: والقَمَع: بَثر يخرج فِي أصُول الأشفار. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: القَمَع: فسادٌ فِي موق الْعين واحمرار. قَالَ: والقَمَع أَيْضا: جمع قَمَعة، وَهِي السَّنام. قَالَ: والقَحَدة أصلُه. وَأنْشد:
وهم يُطعِمون الشَّحمَ من قَمَع الذُّرى
قَالَ: والقَمَع أَيْضا: ذُبَاب يركب الْإِبِل والظباءَ إِذا اشتدَّ الحرّ، فَإِذا وقَع عَلَيْهَا تقمَّعت مِنْهَا.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (ويلٌ لأقماع القَول، ويلٌ للمصرِّين) قَوْله: ويلٌ لأقماع القَوْل، عَنى بِهِ الَّذين يسمعُونَ القولَ وَلَا يَعُونَه وَلَا يعْملُونَ بِهِ، كَمَا أنّ الأقماع لَا تُمسِك شَيْئا مِمَّا يصبُّ فِيهَا. شبّه آذانَهم بهَا فِي كَثْرَة مَا يدخلهَا من المواعظ وهم مُصِرُّونَ على ترك العَمَل بهَا. وَوَاحِد الأقماع قِمَع، وَهُوَ الأداة الَّتِي يُصَبُّ فِيهَا مَا يُحقَن فِي السقاءِ وَغَيره من الأوعية. وَقيل الأقماع أُرِيد بهَا الأسماع.
شمر عَن أبي عَمْرو قَالَ: القَمِيعة: الناتئة بَين الْأُذُنَيْنِ من الدوابّ، وَجَمعهَا قمائع. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: القميعة: طَرف الذَّنَب، وَهُوَ من الْفرس مُنْقَطع العسيب، وَجَمعهَا قمائع. وَأنْشد لذِي الرمة:
وينفُضنَ عَن أقرابهنَّ بأرجلٍ
وأذنابٍ حُصِّ الهُلْبِ زُعْر القمائعِ
وقَمَعة العرقوب مثل قَمَعة الذنَب. والقَمَع: ضِخَم قَمعة العُرقوب، وَهُوَ من عُيُوب الْخَيل، يستحبُّ أَن يكون الْفرس حَدِيد طرف العُرقوب. وَقَالَ بَعضهم: القَمَعة: الرَّأْس، وَجَمعهَا قَمَع. وَقَالَ قَائِل من الْعَرَب: (لأجزَّنَّ قَمَعكم) ، أَي لأضربنّ رؤوسكم.
وَقَالَ الأصمعيّ: حدّثني أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ: قَالَ سيف بن ذِي يزن حِين قاتلَ الْحَبَشَة:
قد علمَتْ ذاتُم نِطَعْ
أنّى إذمْ موتُ كَنَعْ
أضربُهم بذِمْ قَلَعْ
اقتربُوا قِرفَمْ قِمَعْ
قَالَ: أَرَادَ: النطع، وَإِذا الْمَوْت كنع، فأبدل من لَام الْمعرفَة ميماً. وَقَوله (قِرف القمع) أَرَادَ أنَّهم أوساخ أذلاّء كالوسخ الَّذِي يُقرَف من القِمَع. وَنصب (قِرفَ) لِأَنَّهُ أَرَادَ يَا قرف القِمَع. والقِمَع: مَا التزق بالعنقود من حبّ الْعِنَب والتَّمْر. والثُّفروق: قِمَع البُسرة وَالتَّمْرَة.
والمِقمعة: شبه الجِرَزة من الحديدِ والعَمَد يُضرب بهَا الرَّأْس، وَجَمعهَا المقامع. قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} (الحَجّ: 21) وَهِي الجِرَزَة من الْحَدِيد، وَالله أعلم.
وقَمَعة بن إلْيَاس بن مُضَر: أحد ولدِ خِندِف، يُقَال إِنَّه لقّب بقَمَعةَ لأنّه انقمع فِي ثَوْبه حِين خرج أَخُوهُ مدركةُ بن إلْيَاس فِي بُغاء إبل أَبِيه، وَقعد الْأَخ الثَّالِث يطبخُ الْقدر، فسمِّي باغي الْإِبِل مُدركة، وسمّي طابخ الْقدر طابخة، وسمِّي المنقمع فِي ثَوْبه قَمَعة. وَهَذَا قَول النسَّابين.

(1/192)


ومتقمَّع الدَّابَّة: رَأسهَا وجَحافلها، وَيجمع على المقامع. قَالَ ذُو الرمّة:
وأذناب زُعر الهُلْب صُحْم المقامِع
يُرِيد أَن رؤوسها سُود.
وَقَالَ الأصمَعيّ: يُقَال لَك قُمْعة هَذَا المَال، أَي خِيَاره.
وَقَالَ غَيره: إبل مقموعة: أَخذ خيارُها. وَقد قمعتُها قَمعاً. وَيُقَال تقمّعتها، أَي أخذت قُمْعَتها. وَقَالَ الراجز:
تقمَّعوا قُمعتَها العقائلا
أَبُو خيرة: القَمَع: مثل العَجاجة تثور فِي السَّمَاء.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: من ألوان الْعِنَب الأقماعيّ، وَهُوَ الفارسيّ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: القَمَعة: مَا فِي مؤخّر الثُّنّة من طرف العُجاية مِمَّا لَا يُنبت الشّعْر.
وَقَالَ شمر: القَمَع طبَق الْحُلْقُوم، وَهُوَ مجْرى النّفَس إِلَى الرئة.
وَفِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت تلعب بالبناتِ مَعَ صواحبَ لَهَا، قَالَ: (فَإِذا رأين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انقمعْنَ) ، أَي تغيَّبْن، يُقَال قَمعتُه فانقمَعَ، أَي ذلّلتُه. قَالَ: وانقماعهنَّ: دخولهنَّ فِي بيتٍ أَو سِتْر.
وَحكى شمر عَن أعرابيّة أَنَّهَا قَالَت: القَمْع أَن تَقْمع آخَرَ بالْكلَام حتّى تتصاغرَ إِلَيْهِ نفسُه. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سمِّي القِمَع قِمَعاً لأنّه يُدخَل فِي الْإِنَاء. يُقَال قمعتُ الإناءَ أقمعه. قَالَ: والقَمْع: أَن يوضع القِمَع فِي فَم السقاء ثمَّ يُملأ.
قَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعت أَبَا سعيد وَغَيره من أهل الْعلم يَقُولُونَ: إداوَةٌ مقموعة ومقنوعة، بِالْمِيم وَالنُّون: خُنِثَ رَأسهَا.
وَقَالَ شمر: وَقَالَ بَعضهم: القَمَع: طَبَق الحُلقوم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القَمْع: الذُّلّ. والقَمْع: الدُّخول فِراراً وهرباً.
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: اقتمعتُ مَا فِي السقاء، أَي شربته كلَّه وأخذته.
سَلمَة عَن الْفراء: يُقَال: خُذْ هَذَا الإناءَ فاقمعه فِي فَمه ثمَّ اكْلِتْه فِي فِيهِ.
مقع: أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: يُقَال: امتَقَع الفصيلُ مَا فِي ضَرع أُمِّه، إِذا شرِب مَا فِيهِ أجمع. وَكَذَلِكَ امتقَّه وامتكَّه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْفراء: مُقِعَ فلَان بسَوءةٍ، إِذا رُمي بهَا. وَقَالَ غَيره: مقَعْته بشرَ ولقَعتُه بِمَعْنَاهُ، إِذا رميتَه بهَا. وَقَالَ غَيره: امتُقِع لونُه وانتُقِع لَونه، إِذا تغيَّر لَونه من فزع أَو علّة.
وَقَالَ اللَّيْث: المَقْع والمَعْق: الشُّرب الشَّديد. قَالَ: والفصِيل يَمقَع أمَّه، إِذا رَضِعَها.