طيب وأداة وبَخُور ومُشْط وَغَيره، أَدخل
فِيهَا الْهَاء على مَذْهَب الْأَسْمَاء.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَدَب الناسَ
إِلَى الصَّدَقَة. فَقيل لَهُ: قد مَنَع خَالِد بن الْوَلِيد
والعبّاس عمّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أمّا خَالِد فَإِنَّهُم يظْلمُونَ
خَالِدا، إنّ خَالِدا جعل رَقيقه وأعْتُدَه حُبُساً فِي سَبِيل
الله. وأمّا الْعَبَّاس فَإِنَّهَا عَلَيْهِ ومثلُها مَعَه.
والأعتُدُ يجمع العَتَاد: وَهُوَ مَا أعدّه الرجل من السِّلَاح
والدوابّ والآلة للْجِهَاد. وَيجمع أعتِدَةً أَيْضا. وَيُقَال:
فرسٌ عَتِدٌ وعَتَدٌ وَهُوَ المُعَدّ للرُّكُوب. وَمِنْه قَول
الشَّاعِر:
راحوا بصائرُهُم على أكتافهم
وبصيرتي يعدو بهَا عَتِدٌ وَأي
وَسمعت أَبَا بكر الْإِيَادِي يَقُول: سَمِعت شمراً يَقُول: فرسٌ
عَتِدٌ وعَتَدٌ: مُعَدٌّ مُعْتَدٌ؛ وهما لُغَتَانِ. وَقَالَ ابْن
السّكيت: فرسٌ عتِد وعَتَد وَهُوَ الشَّديد التامّ الخَلْق
المُعَدّ للجري. قَالَ وَمثله رجل سبِطٌ وسَبَطٌ وشَعَر رَجِل
ورَجَلٌ وثغْر رَتِل ورَتَل أَي مفلّج. أَبُو عبيد عَن أبي زيد
قَالَ: العَتُود من أَوْلَاد الْمعز: مَا رَعَى وقَوي وَجمعه
أعتِدَة وعِدَّان، وَأَصله عِتْدَان، إلاّ أَنه أدغم قَالَ: وَهُوَ
العَرِيض أَيْضا. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن
الْأَعرَابِي قَالَ: إِذا أجذع الجَدْيُ أَو العَنَاق سمِّي
عَرِيضاً وعَتُوداً. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: ولد المِعْزَى إِذا
أجذع فَهُوَ عَرِيض، فَإِذا أثْنَى فَهُوَ عَتُود. وَقَالَ
اللَّيْث: العَتُود: الجَدْي إِذا استَكْرَش. وَيُقَال: بل هُوَ
إِذا بلغ السِفَاد والجميع العِدان. وَثَلَاثَة أعتِدَة. وأصل
عِدّان عِتْدَان. وَأنْشد أَبُو زيد:
وَاذْكُر غُدَانَة عِدّاناً مُزَنَّمَةً
من الحَبَلَّقِ تُبْنَى حولهَا الصِّيَرُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَتَاد: القَدَح وَهُوَ
العَسْف والصَحْن. وَقَالَ شمر: أَنْشدني أَبُو عدنان وَذكر أنّ
أَعْرَابِيًا من بني العنبر أنْشدهُ هَذِه الأرجوزة:
يَا حَمْزَ هَل شَبِعْتَ من هَذَا الخَبَطْ
أم أَنْت فِي شكَ فَهَذَا مُنْتَقَدْ
صَقْبٌ جسيمٌ وشديدُ المعتَمَدْ
يَعْلُو بِهِ كل عَتُودٍ ذاتَ وَدْ
عروقها فِي الْبَحْر يعمى بالزَبَدْ
قَالَ العَتود السِدْرة أَو الطَلْحة قَالَ: عَتْوَد على بِنَاء
جَهْور: مأسدة. قَالَ ابْن مقبل:
جُلُوسًا بِهِ الشمّ العجافُ كَأَنَّهُمْ
أسود تَبْرجٍ أَو أسودٌ بعتودا
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ التَّاء)
ع د ت
دعت: سقط من النُّسْخَة. وَقد ذكره ابْن دُرَيْد فَقَالَ: الدَعْت:
الدّفع العنيف. دَعَته يدعَته دَعْتاً، بِالدَّال والذال. ع د ظ
اسْتعْمل من وجوهها: (دعظ) .
دعظ: قَالَ اللَّيْث: الدَعْظُ: إِيعَاب الذّكر كُله فِي فرج
الْمَرْأَة يُقَال دَعَظَها بِهِ، ودعظه فِيهَا إِذا أدخلهُ كلّه
فِيهَا. وَقَالَ ابْن السّكيت فِي (الْأَلْفَاظ) إِن صحّ لَهُ
(2/116)
الدِعْظاية الْقصير. وَقَالَ فِي مَوضِع
آخر من هَذَا الْكتاب: وَمن الرِّجَال الدِعْظَاية، وَقَالَ أَبُو
عَمْرو الدِعْكَاية وهما الْكثير اللَّحْم، طالا أَو قصُرا.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الجعْظَاية بِهَذَا الْمَعْنى. ع د ذ
أهملت وجوهه.
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ الثَّاء)
ع د ث
دعث، عدث، ثعد، دثع. (مستعملات) .
دعث: أَبُو عبيد عَن الأُمويّ: أول المَرَض الدَعْثُ، وَقد دُعِثَ
الرجل. وَقَالَ شمر: قَالَ محاربٌ: الدَعْثُ تدقيقك التُّرَاب على
وَجه الأَرْض بالقَدَم أَو بِالْيَدِ أَو غير ذَلِك، تَدْعَثُهُ
دَعْثاً. قَالَ وكل شَيْء وَطِيء عَلَيْهِ فقد اندَعث ومَدَرٌ
مَدْعُوثٌ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: الدَعْث:
بقيّة المَاء. وَأنْشد:
ومنهَلٍ ناءٍ صُوَاه دَارِسِ
وَرَرْتُهُ بِذُبَّل خوامِسِ
فاسْتَفْنَ دِعْثاً بَالِدَ المَكَارِسِ
دَلَّيْتُ دلوي فِي صَرًى مُشَاوِسِ
المَكَارِسِ مَوَاضِع الكِرْس والدِمْن. قَالَ: المُشاوِس، الَّذِي
لَا يكَاد يُرى من قِلَّتِه، بَالِد المكارِس قديم الدِمْن.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدِعْثُ والدِئْثُ:
الذَحْل.
عدث: عُدْثان: اسمٌ. قَالَ ابْن دُرَيْد فِي كتاب (الِاشْتِقَاق)
لَهُ: العَدْث سهولة الخُلُق، وَبِه سُمِّي الرجل عُدْثَان.
دثع: قَالَ ابْن دُرَيْد: الدَثْع الوَطْء الشَّديد، لُغَة
يمانيَة. قَالَ: والدَّعْثُ: الأَرْض السهلة. وَيُقَال: الدَّعْث
والدَثْع وَاحِد. قلت: أَرْجُو أَن يكون مَا قَالَ أَبُو بكر
مَحْفُوظًا، وَلَا أحُقّه يَقِيناً.
ثعد: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: إِذا دخل البُسْرَة
الإرطابُ وَهِي صُلبة لم تنهضم بعد فَهِيَ جُمْسَة، فَإِذا لانت
فَهِيَ ثَعْدَة وَجَمعهَا ثَعْدٌ.
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ الرَّاء)
(ع د ر)
عدر، عرد، ردع، رعد، درع، دعر: مستعملات.
عدر: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَدَّار: المَلاَّح. قَالَ:
والعَدَر: القِيلَة الْكَبِيرَة. قلت: أَرَادَ بالقِيلة الأدَر،
وكأنّ الْهمزَة قُلبت عينا فَقيل: عَدِرَ عَدَراً، وَالْأَصْل:
أدِرَ أدَراً. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العُدْرَة الجُرْأة والإقدام
وَقد سَمّت الْعَرَب عُدَاراً. وَقَالَ اللَّيْث: العَدْرُ:
المَطَر الْكثير. وأرضٌ معدورة ممطورة ونحوَ ذَلِك.
قَالَ شمر: قَالَ: وعَنْدَرَ الْمَطَر فَهُوَ مُعندِرٌ. وَأنْشد:
مُهْدَودراً مُعَنْدراً جُفَالا
عَمْرو عَن أَبِيه: العادِر الكذّاب. قَالَ: وَهُوَ العاثِر
أَيْضا.
عرد: اللَّيْث: العَرْدُ: الشَّديد من كل شَيْء الصُلْب المنتصب.
يُقَال: إِنَّه لعَرْد مَغْرِزِ العُنق. وَقَالَ العجّاج:
عَرْدَ التراقي حَشْوَراً مُعَقْرَباً
(2/117)
وَيُقَال: قد عَرَدَ النابُ يَعْرِدُ
عُرُوداً إِذا خرج كُله واشتدّ وانتصب، قَالَه أَبُو عَمْرو.
وعَرَدَ الشّجر عُرُوداً ونَجَم نُجُوماً أوّلَ مَا يَطْلُع.
وَقَالَ العجّاج:
وعُنقاً عَرْداً ورَأْساً مِرْأَسَا
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عَرْداً: غليظاً، مِرْأَساً: مِصَكًّا
للرؤوس. قَالَ: وَعَرَدَتْ أنيابُ الْجمل إِذا غَلُظت واشتدّت.
قَالَ ذُو الرمة:
يُصَعِّدْنَ رُقشاً بَين عُوج كَأَنَّهَا
زِجَاجُ القَنَا مِنْهَا نَجِيمٌ وعَارِدُ
وَقَالَ فِي (النَّوَادِر) : عَرَدَ الشَجَرُ وَأَعْرَدَ إِذا
غَلُظ وكَبُر.
الفرّاء: رمحٌ متَلٌّ ورمحٌ عُرُدٌّ وَوَتَرٌ عُرُدٌّ. وَأنْشد:
والقوس فِيهَا وَتَر عُرُدٌّ
مِثْلُ ذِرَاع البَكْر أَو أشَدُّ
ويروى: مثل ذِرَاع البَكْر.
شبّه الْوتر بِذِرَاع الْبَعِير فِي توتّره. وَقَالَ ابْن
بُزُرْجَ: إِنَّه لقويٌّ عُرُدٌّ شَدِيد. قَالَ: والعَارِد:
المُنْتَبِذُ. وَأنْشد:
ترى شؤون رَأسه العَوَارِدَا
أَي منتبِذة بعضُها من بعض. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي:
العَرَادَة: شَجَرَة صُلْبة العُود. وَجَمعهَا عَرَاد. وَأَخْبرنِي
مُحَمَّد بن إِسْحَاق السعديّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ:
تَقول الْعَرَب: قيل للضَبِّ: وِرْداً وِرْداً، فَقَالَ:
أصبح قلبِي صَرِداً
لَا يَشْتَهِي أَن يَردا
إلاَّ عِرَاداً عَرِدَا
وَعَنْكَثاً مُلتبِدَا
وصلِّياناً بَرِدَا
قَالَ: وعَرَادَ: نَبْت عَرِد صُلبٌ منتصبٌ. أَبُو عبيد عَن
الْأَصْمَعِي: العَرَاد: نبت، واحدته عَرَادة. وَبِه سُمّي الرجل.
وَقَالَ اللَّيْث: العَرَادَة: نَبْت طيّب الرّيح. قلت: قد رَأَيْت
العَرادَة فِي الْبَادِيَة، وَهِي صُلْبة العُود منتشرة الأغصان
وَلَا رَائِحَة لَهَا. وَالَّذِي أَرَادَ اللَّيْث العَرادة فِيمَا
أَحسب، فَإِنَّهَا بَهَار البَرّ.
أَبُو عبيد: عَرَّدَ الرجل عَن قِرْنه إِذا أحجم ونَكَل. قَالَ:
والتعريد: الفِرار. وَقَالَ اللَّيْث: التعريد: سرعَة الذّهاب فِي
الْهَزِيمَة. وَأنْشد لبَعْضهِم:
لما استباحُوا عَبدَ رَبَّ وَعرَّدَت
بِأبي نَعَامة أمُّ رَأْلٍ خَيْفَق
يذكر هزيمَة أبي نعَامَة الْحَرُوريّ قطري. وَقَالَ أَبُو نصر:
عَرّدَ السهْمُ تعريداً إِذا نَفَذ من الرَمِيَّة. وَقَالَ
سَاعِدَة الهُذَليّ:
فجالت وخالت أَنه لم يَقع بهَا
وَقد خَلّهَا قِدِحٌ صَويبٌ مُعَرِّدُ
مُعَرِّدٌ أَي نَافِذ، خَلَّها أَي دخل فِيهَا، صَويبٌ: صائبٌ
قاصِد. وعَرَّدَ النَّجْم إِذا مَال للغروب بعد مَا يُكبّد
السَّمَاء؛ قَالَ ذُو الرمّة:
وهَمَّت الجوزاء بالتعريد
وَقَالَ اللَّيْث: العَرَادَة: الجَرَادة الْأُنْثَى.
والعَرَّادَة: شِبْه مَنْجَنيق صَغِير. والجميع العَرَّدَات.
ونِيقٌ مُعَرِّدٌ: مُرْتَفع طَوِيل. وَقَالَ الفرزدق:
فَإِنِّي وإيّاكم ومَن فِي حبالكم
كمن حَبْله فِي رَأس نِيق مُعَرِّدِ
(2/118)
وَقَالَ شمر فِي قَول الرَّاعِي:
بأطيَبَ من ثَوْبَيْنِ تأوي إِلَيْهِمَا
سُعَادُ إِذا نجم السماكين عَرَّدَا
أَي ارْتَفع. وَقَالَ أَيْضا:
فجَاء بأشوال إِلَى أهل خُبَّةٍ
طُرُوقاً وَقد أقعى سُهَيْل فَعَرَّدا
قَالَ: أقعى: ارْتَفع ثمَّ لم يبرح. وَيُقَال: قد عَرَّد فلَان
بحاجتنا إِذا لم يقضها.
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: العَرْد الذَكَر إِذا انْتَشَر
واتمهَلَّ وصَلُبَ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي عَرِد الرجل إِذا هرب.
وعَرِد إِذا قوِي جِسْمه بعد الْمَرَض.
درع: الدِرْع دِرْعُ الْمَرْأَة مذكّر. ودِرْع الْحَدِيد تؤنّث.
وتصغيرهما مَعًا دُرَيْع بِغَيْر هَاء. ابْن السّكيت: هِيَ دِرْع
الْحَدِيد وَالْجمع الْقَلِيل أدْرُع وأدراع. فَإِذا كثرتْ فَهِيَ
الدروع، وَهُوَ دِرع الْمَرْأَة لقميصها وَجمعه أَدْرَاع. ورجلٌ
دَارِع عَلَيْهِ دِرْع.
وَقَالَ اللَّيْث: ادَّرَع الرجل وتَدَرَّعَ إِذا لبِس الدِرْع.
والدُرَّاعَة: ضربٌ من الثِّيَاب الَّتِي تُلبس. والمِدْرَعة ضربٌ
آخر، وَلَا تكون إلاّ من صوفٍ. فرّقوا بَين أَسمَاء الدِرع
والدُرَّاعة والمِدْرَعة لاختلافها فِي الصَّنْعَة؛ إِرَادَة
الإيجاز فِي الْمنطق. قَالَ وَيُقَال: لصُفَّة الرَحْل إِذا بدا
مِنْهَا رَأْسا الواسِط والآخِرة: مُدَرَّعَة. أَبُو عبيد عَن أبي
زيد فِي شِيات الْغنم من الضَّأْن: إِذا اسودّت العُنُق من النعجة
فَهِيَ دَرْعَاء. وَقَالَ اللَّيْث: الدَرَع فِي الشَّاة: بَيَاض
فِي صدرها ونحرها وَسَوَاد فِي الْفَخْذ. قَالَ: والليالي الدُرَعُ
هِيَ الَّتِي يَطْلُع الْقَمَر فِيهَا عِنْد وَجه الصُّبْح وسائرها
أسود مظلم. وَقَالَ أَبُو سعيد: شَاة دَرْعاء: مُخْتَلفَة
اللَّوْن. وَقَالَ ابْن شُمَيْل الدَرْعاء: السَّوْدَاء غير أَن
عُنُقهَا أَبيض، والحمراء وعنقها أَبيض فَتلك الدرعاء. قَالَ:
وَإِن ابيضّ رَأسهَا مَعَ عُنقها فَهِيَ دَرْعاء أَيْضا. قلت:
وَالْقَوْل مَا قَالَ أَبُو زيد. سُمِّيت دَرْعَاء إِذا اسودّ
مُقَدّمها تَشْبِيها بالليالي الدُرع، وَهِي لَيْلَة سِتّ عشرَة
وَسبع عشرَة وثمانيَ عشرَة اسودّتْ أوائلها وابيضّ سائرها
فسُمِّينَ دُرَعاً لم يخْتَلف فِيهَا قَول الْأَصْمَعِي وَأبي زيد
وَابْن شُمَيْل. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن المبرّد عَن
الرياشي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ فِي ليَالِي الشَّهْر بعد
اللَّيَالِي الْبيض: وَثَلَاث دُرَع. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عبيد
غير أَنه قَالَ: الْقيَاس: دُرْعٌ جمع دَرْعَاء. فَقَالَ أَبُو
الْهَيْثَم فِيمَا أفادني عَنهُ الْمُنْذِرِيّ: ثَلَاث دُرَعٌ،
وَثَلَاث ظُلَم جمع دُرْعَة وظُلْمَة لَا جمع دَرْعَاء وظلماء.
قلت: هَذَا صَحِيح وَهُوَ الْقيَاس.
وروى أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ: اللَّيَالِي
الدُرْع هِيَ السود الصُّدُور الْبيض الأعجاز من آخر الشَّهْر،
والبِيض الصُّدُور السود الأعجاز من أول الشَّهْر. وَكَذَلِكَ
غَنَم دُرْعٌ للبيض المآخير السُّود المقاديم، أَو السود المآخير
الْبيض المقاديم. قَالَ: وَالْوَاحد من الْغنم والليالي دَرْعَاء،
وَالذكر أدرع. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ولغة أُخْرَى: ليالٍ دُرَع
بِفَتْح الرَّاء الْوَاحِدَة دُرْعَة. قَالَ أَبُو حَاتِم: وَلم
أسمع ذَلِك من غير أبي
(2/119)
عُبَيْدَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَاء مُتَدرّع إِذا أُكل مَا حوله
من المرعى فتباعد قَلِيلا وَهُوَ دون المُطْلِب. وَقَالَ
الهُجَيْمِي: أدرَعَ القومُ إدرَاعاً، وهم فِي دُرْعَةٍ إِذا حَسَر
كلؤهم عَن حوالَيْ مِيَاههمْ. ونحوَ ذَلِك قَالَ ابْن شُمَيْل.
قَالَ وَإِذا جاوزْت النّصْف من الشَّهْر فقد أدْرَع، وإدراعُه:
سَواد أوّله.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: يُقَال للهجين إِنَّه لمعَلهَجٌ وَإنَّهُ
لأدْرع. قَالَ شمر وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَابْن الْأَعرَابِي:
يُقَال دَرَعَ فِي عُنُقه حبلاً ثمَّ اختنق. قلت: وأقرأني
الْإِيَادِي لأبي عبيد عَن الْأمَوِي: التذريع بِالذَّالِ الخنقُ،
وَقد ذَرَّعَه إِذا خنقه. قلت: وَأما شمر فَإِنَّهُ روى لأبي
عُبَيْدَة وَابْن الْأَعرَابِي: ذَرَع فِي عُنُقه حبلاً ثمَّ
اختنق، بِالذَّالِ. أَبُو عبيد: الاندرَاع التَّقَدُّم. وَأنْشد
للقطامي:
أمامَ الْخَيل تندرع اندراعَا
قَالَ أَبُو زيد: ذرَّعته تذريعاً إِذا جعلت عُنقه ثِنْيَ ذراعك
وعضدك فخنقته، وَهُوَ الصَّوَاب.
وَقَالَ غَيره: اندرأ يفعل كَذَا وَكَذَا واندرع أَي انْدفع.
وَأنْشد:
واندرعت كلُّ علاَة عَنْس
تَدَرُّعَ اللَّيْل إِذا مَا يُمسِي
وَحكى شَمِر عَن القزمُليّ قَالَ: الدِرع: ثوبٌ تجوب الْمَرْأَة
وَسَطه، وَتجْعَل لَهُ يدين وتخيط فرجيه، فَذَلِك الدِرْع.
ودُرِّعَت الصبيّةُ إِذا أُلبست الدِرع. ثعلبٌ عَن ابْن
الْأَعرَابِي: دُرِعَ الزرعُ إِذا أُكل بعضه. وَقَالَ بعض
الْأَعْرَاب: عُشْبٌ دَرِعٌ نَزَع ونَمِغٌ وذَمِطٌ ووَلخٌ إِذا
كَانَ غَضًّا. وادَّرَعَ فلَان الليلَ إِذا دخل فِي ظلمته ليسري
وَالْأَصْل فِيهِ ادترع كَأَنَّهُ لَيْسَ ظلمَة اللَّيْل فاستتر
بِهِ.
دعر: قَالَ شمر: العُود النَخِر الَّذِي إِذا وضع على النَّار لم
يَسْتوقد ودَخِن فَهُوَ دُعَرٌ وَأنْشد لِابْنِ مقبل:
باتت حَوَاطِبُ ليلى يلتمسن لَهَا
جَزْل الجِذَى غير خَوَّارٍ وَلَا دُعَرِ
قَالَ: وحَكى أَبُو عدنان عَن أبي مَالك: هَذَا زَنْد دُعَر،
وَهُوَ الَّذِي لَا يورِي وَأنْشد:
مُؤْتَشِبٌ يكبو بِهِ زَنْد دُعَرْ
وَقَالَ ابْن كَثْوَةَ: الدُعَر من الْحَطب الْبَالِي وَهُوَ
الدَعِر أَيْضا. وَقَالَ اللَّيْث: الدُعَر: مَا احْتَرَقَ من
الْحَطب فطَفِىء قبل أَن يشتدّ احتراقه. والواحدة دُعَرَة. وَهُوَ
من الزِّنَاد: مَا قد قُدِحَ بِهِ مرَارًا حَتَّى احْتَرَقَ طَرَفه
فَصَارَ دُعَراً لَا يُورِي. قَالَ والدَعَارَة: مصدر الداعر،
وَهُوَ الْخَبيث الْفَاجِر. قلت: وَسمعت الْعَرَب تَقول لكل حطبٍ
يُعَثِّنُ إِذا استُوقِد بِهِ دُعَرٌ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل:
دَعِرَ الرجلُ دَعَراً إِذا كَانَ يسرق ويزني ويؤذي النَّاس وَهُوَ
الدَاعِر. وَقَالَ أَبُو المِنْهال: سَأَلت أَبَا زيد عَن شَيْء
فَقَالَ: مَالك وَلِهَذَا هَذَا كَلَام المَدَاعِير. وَيُقَال
للنخلة إِذا لم تقبل اللِقَاح: نَخْلَة داعِرة ونخيل مَدَاعِير،
فتزاد تلقيحاً وتبخّق. قَالَ: وتبخيقها، أَن تُوطأ عُسُفُهَا
حَتَّى تسترخي، فَذَلِك دواؤها. ثَعْلَب عَن
(2/120)
ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للون الْفِيل:
المُدَعَّر. قَالَ ثَعْلَب والمُدعّر: اللَّوْن الْقَبِيح من
جَمِيع الْحَيَوَان. والدّعَّار المُفْسِد.
ردع: أَبُو عبيد عَن الأصْمَعي الرُدَاع الوجع: فِي الْجَسَد
وأنشدنا:
فواحزَنَا وعاودني رُدَاعِي
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المرتدِع من السِّهَام: الَّذِي إِذا أصَاب
الهَدَف انفضح عودُه. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رُدِعَ إِذا
نُكِس فِي مَرضه. وَقَالَ كُثَير:
وَإِنِّي على ذَاك التجلّد إِنَّنِي
مُسِرّ هُيَامٍ يَسْتَبِلّ وَيُرْدَعُ
وَقَالَ أَبُو الْعِيَال الهذليّ:
ذكرت أخي فعاودني
رُدَاع السُقْم والوصبُ
الرُدَاع: النُكْس، قد ارتدع فِي مَرضه.
وَفِي حَدِيث عمر بن الْخطاب أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ:
إِنِّي رميت ظَبْيًا محرما فَأَصَبْت خُشَشَاءَهُ فَركب رَدْعَه
فأسِنَ فَمَاتَ.
قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله ركب رَدْعَه يَعْنِي أَنه سقط على رَأسه.
قَالَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بالرَدْع: الذَّم، شبّهه برَدْع
الزَّعْفَرَان. وركوبُه إِيَّاه: أَن الدَّم سَالَ فخَرّ الظبيُ
عَلَيْهِ صَرِيعًا، فَهَذَا معنى قَوْله: ركب رَدْعَه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: لَيْسَ يُعرف مَا ذكر أَبُو عبيد، ولكنّ
الرَدْع العُنُق، رُدِعَ بِالدَّمِ أَو لم يُرْدَع. يُقَال: اضْرِب
رَدْعَهُ كَمَا يُقَال اضْرِب كَرْدَهُ. قَالَ وسُمِّي العُنُق
رَدْعاً لِأَنَّهُ بهَا يَرتدع كلُّ ذِي عُنُقٍ من الْخَيل
وَغَيرهَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: ركب رَدْعَهُ إِذا وَقع على وَجهه،
وَركب كُسْأَه إِذا وَقع على قَفاهُ.
قَالَ شمر: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْلهم: ركب رَدْعَه
أَي خرّ صَرِيعًا لوجهه، غير أَنه كلّما همّ بالنهوض ركب مقاديمه.
وَقَالَ أَبُو دُوَادٍ:
فعلّ وأنهل مِنْها السنا
نَ يركبُ مِنْهَا الرَدِيعُ الظِلاَلاَ
قَالَ: والرَدِيع: الصريع يركب ظِلّه.
وَقَالَ شمر: الرَدْعُ على أَرْبَعَة أوجه: الرَدْعُ: الكَفّ.
رَدَعته: كففته. والرَدْع: اللَطْخ بالزعفران. وَركب رَدْعَه:
مقاديمه وعَلى مَا سَالَ من دَمه والرَدْع: رَدع النَصْل فِي
السهْم، وَهُوَ تركيبه وضربك إيَّاه بِحجر أَو غَيره حَتَّى يدْخل.
وَقيل: ركب رَدْعَه إِن الرَدْع كلّ مَا أصَاب الأَرْض من الصريع
حِين يَهْوي إِلَيْهَا، فَمَا مَسّ الأَرْض مِنْهُ أَولا فَهُوَ
الرَّدْع، أيّ أقطاره كَانَ. قَالَ: وَيُقَال رُدِعَ بفلان أَي
صُرِع، وَأخذ فلَانا فَرَدَعَ بِهِ الأَرْض إِذا ضَرَبَ بِهِ
الأَرْض. وَيُقَال: رَدَع الرجل الْمَرْأَة إِذا وَطئهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَدْعُ: أَن تردَعَ ثوبا بِطيب أَو زعفران،
كَمَا تردَع الجاريةُ صَدْرَ جَيْبها بالزعفران بملء كفّها.
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
حُوراً يُعَلّلْنَ العَبِيرَ رَوَادِعاً
كَمَهَا الشقائق أَو ظِبَاء سَلاَمِ
(2/121)
السلاَم: الشّجر.
وَأما قَول ابْن مقبل:
يجْرِي بديبَاجَتَيْه الرشح مُرْتَدِعُ
فَفِيهِ قَولَانِ. قَالَ بَعضهم: منصبغ بالعَرَق الْأسود، كَمَا
يُرْدَع الثوبُ بالزعفران.
وَقَالَ خَالِد: مُرْتدِع قد انْتَهَت سِنّه. يُقَال قد ارتدع
الْجمل إِذا انْتَهَت سِنّه. وأقرأني الْمُنْذِرِيّ لأبي عبيد
فِيمَا قَرَأَ على أبي الْهَيْثَم الرديع الأحمق بِالْعينِ غير
مُعْجمَة. وَأما الْإِيَادِي فَإِنَّهُ أَقْرَأَنِيهِ عَن شمر:
الردِيغ بالغين مُعْجمَة. قلت: وَكِلَاهُمَا عِنْدِي من نعت
الأحمق.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال خَرّ فِي بِئْر فَركب رَدْعه إِذا هَوَى
فِيهَا. وَركب فلَان رَدْع المَنِيَّة. قَالَ والرَدْع: مقاديم
الْإِنْسَان إِذا كَانَت فِي ذَلِك منيّته.
وَأنْشد قَول الْأَعْشَى فِي رَدْع الزَّعْفَرَان وَهُوَ لَطْخه:
ورَادعَة بالطيب صفراء عِنْدهَا
لجسّ الندامى فِي يَد الدرْع مُفْتَقُ
وَقيل ركب رَدْعَه إِذا رُدِع فَلم يرتدع، كَمَا يُقَال: ركب
النَّهْيَ. عَمْرو عَن أَبِيه: المِردَع: الرجل الَّذِي يمْضِي فِي
حَاجته فَيرجع خائباً، والمِرْدَع: السهْم الَّذِي يكون فِي فُوقه
ضِيق، فيُدقّ فُوقُه حَتَّى يتفتَّح. قَالَ: وَيُقَال فِيهِ كُله
بالغين، قَالَ والرَّدْع: الدقّ بِالْحجرِ. والمِرْدَع الكَسْلان
من الملاحين.
رعد: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ}
(الرّعد: 13) .
قَالَ ابْن عَبَّاس: الرَعْد: مَلَك يَسُوق السَّحَاب، كَمَا
يَسُوق الْحَادِي الْإِبِل بحُدَائه. وَسُئِلَ وهب بن منبِّه عَن
الرَّعْد فَقَالَ: الله أعلم.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَالَ اللغويون: الرَّعْد: صَوت
السَّحَاب والبَرْق ضوء وَنور يكونَانِ مَعَ السَّحَاب. قَالُوا:
وَقَول الله عز وَجل: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ
وَالْمَلْائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} (الرّعد: 13) ذِكْره
الْمَلَائِكَة بعد الرَّعْد يدل على أَن الرَّعْد لَيْسَ بمَلَك.
وَقَالَ: الَّذين قَالُوا: الرَّعْد ملك: ذكر الْمَلَائِكَة بعد
الرَّعْد وَهُوَ من الْمَلَائِكَة كَمَا يذكر الْجِنْس بعد
النَّوْع.
وَقَالَ عِكْرِمة وَطَاوُس وَمُجاهد وَأَبُو صَالح وَأَصْحَاب ابْن
عَبَّاس: الرَعْد: مَلَكٌ يَسُوق السَّحَاب، وَسُئِلَ عليّ عَن
الرَّعْد فَقَالَ: مَلك، وَعَن الْبَرْق فَقَالَ: مَخَاريق بأيدي
الْمَلَائِكَة من حَدِيد.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَعْد: مَلَك اسْمه الرَعْد يَسُوق السَّحَاب
بالتسبيح، قَالَ ومِن صَوته اشتُقّ فِعل رَعَدَ يَرعُدُ، وَمِنْه
الرِعْدَة والارتعاد. قَالَ: ورجلٌ رِعْدِيد: جَبَان. قَالَ وكل
شَيْء يترجرج من نَحْو القَرِيس فَهُوَ يَتَرعدَد كَمَا تترعدَد
الأَلْية.
وَأنْشد للعجَّاج:
فَهِيَ كرعديد الكَثِيب الأَهْيَم
وَقَالَ الْأَخْفَش: أهل الْبَادِيَة يَزْعمُونَ أَن الرَعد هُوَ
صَوت السَّحَاب. وَالْفُقَهَاء يَزْعمُونَ أَنه مَلَك.
(2/122)
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال:
رَعدَت السَّمَاء وبرقَتْ، وَرعد لَهُ وبَرَق لَهُ إِذا أوعده.
وَلَا يُجِيز أَرْعَد وَلَا أبرق فِي الْوَعيد وَلَا فِي
السَّمَاء. وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول: رَعَد وأَرْعدَ
وبَرَقَ وأَبْرَقَ بِمَعْنى واحدٍ، ويحتجّ بقول الكُمَيت:
أَبْرِق وأرعد يَا يزي
د فَمَا وعِيدُك لي بضائرْ
وَلم يكن الْأَصْمَعِي يحْتَج بِشعر الكُمَيت.
وَقَالَ الفرَّاء: رَعَدت السَّمَاء وبرَقَت، رَعداً ورُعوداً
وبَرْقاً وبُرُوقاً، بِغَيْر ألف. قَالَ: وَيُقَال للْمَرْأَة إِذا
تزيَّنتْ وتهيّأتْ: أبرَقَتْ. قَالَ: وَيُقَال للسماء المنتظَرة
إِذا كثر الرَّعْد والبرق قبل الْمَطَر: قد أرعدت وأبرقت، وَيُقَال
فِي كُله: رَعدَتْ وبَرَقَتْ. قَالَ: وَإذا أوعدَ الرَجل قيل: قد
أرْعدَ وَأَبْرَقَ، وَرَعَدَ وَبَرقَ.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
فابْرُقْ بأرضِك مَا بدا لَك وارْعُدِ
وَقَالَ النَّضر: جَارِيَة رِعْدِيدة: تارّة ناعمة، وجَوَارٍ
رَعَادِيد.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: فِي الطَّعَام رُعَيْدَاء مَمْدُود وَهُوَ
مَا يُرْمَى بِهِ إِذا نُقِّيَ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: كثيب مُرْعَد أَي مُنْهَال وَقد أُرعِد
إرعَاداً وَأنْشد:
وكفل يرتجّ تَحت المِجْسَدِ
كالدِعْصِ بَين المُهُدَات المُرْعَدِ
أَي مَا تمهّد من الرمل. ورجلٌ رِعديد إِذا كَانَ جَبَاناً.
ورعشِيش مثله. وجمعهما الرعاديد والرعاشيش. وَهُوَ يرتعد ويرتعش.
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ اللَّام)
(ع د ل)
عدل، علد، دلع، دعل: مستعملة.
عدل: قَالَ الله جلّ وعزّ: {أَو عَدْلُ ذالِكَ صِيَاماً}
(المَائدة: 95) .
قَالَ الْفراء: العَدْل: مَا عَادلَ الشَّيْء من غير جنسِه.
والعِدْل: المِثل، مثل المِحْمَل وَذَلِكَ أَن تَقول: عِنْدِي
عِدْلُ غلامك وعِدْل شَاتك إِذا كَانَت شاةٌ تعدِل شَاة أَو غُلَام
يَعدل غُلَاما. فَإِذا أردْت قِيمَته من غير جنسه نصبت الْعين
فَقلت: عَدْل. وَرُبمَا قَالَ بعض الْعَرَب: عِدلُه، وَكَأَنَّهُ
مِنْهُم غلط؛ لتقارب معنى العَدْل من العِدْل. وَقد اجْتَمعُوا على
أنّ وَاحِد الأعدال عِدْلٌ. قَالَ ونُصب قَوْله (صياما) على
التَّفْسِير، كَأَنَّهُ: عَدلُ ذَلِك من الصّيام، وَكَذَلِكَ
قَوْله: {مِّلْءُ الاَْرْضِ ذَهَبًا} (آل عِمرَان: 91) أَخْبرنِي
بِجَمِيعِ ذَلِك الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن
الْفراء.
وَقَالَ الزجّاج: العَدلُ والعِدْل وَاحِد فِي معنى المِثْل.
قَالَ: وَالْمعْنَى وَاحِد، كَانَ المِثلُ من الْجِنْس أَو من غير
الْجِنْس.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَلم يَقُولُوا: إِن الْعَرَب غلِطت.
وَلَيْسَ إِذا أَخطَأ مخطىء وَجب أَن يَقُول: إِن بعض الْعَرَب
غلِط.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي
قَالَ: العَدْلُ: الاسْتقَامَة. وَقَالَ
(2/123)
عَدْلُ الشَّيْء وعِدْلُه سَوَاء أَي مثله.
قَالَ وَأَخْبرنِي ابْن فهم عَن مُحَمَّد بن سلاّم عَن يُونُس
قَالَ: العَدْلُ: الفِدء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَإِن تَعْدِلْ
كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ} (الْأَنْعَام: 70) .
قَالَ وَسمعت أَبَا الْهَيْثَم يَقُول: العِدْلُ: المِثل: هَذَا
عدله: والعَدْلُ: القِيمة يُقَال: خُذ عَدْله مِنْهُ كَذَا وَكَذَا
أَي قِيمَته. قَالَ: وَيُقَال لكلّ من لم يكن مُسْتَقِيمًا: حَدْلٌ
وضدّه عَدْلٌ. يُقَال: هَذَا قَضَاء عَدْلٌ غير حَدْلٍ. قَالَ
والعِدْلُ: اسْم حِمْل مَعدُولٍ بِحمْل أَي مُسَوًّى بِهِ.
والعَدْل: تقويمك الشَّيْء بالشَّيْء من غير جنسه حَتَّى تَجْعَلهُ
لَهُ مِثلاً. وَقَول الله جلّ وعزّ: {بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ
ذَوَى عَدْلٍ} (الطَّلَاق: 2) . قَالَ سعيد بن المسيّب: ذَوَيْ
عقل.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم: العَدْل الَّذِي لم تظهر مِنْهُ رِيبَة.
وَكتب عبد الْملك إِلَى سَعيد بن جُبَير يسْأَله عَن العَدْل،
فَأَجَابَهُ: إِن العَدْل على أَرْبَعَة أنحاء: العَدْل فِي الحكم:
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن
تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} (النِّسَاء: 58) والعَدل فِي القَوْل؛
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ}
(الْأَنْعَام: 152) . والعَدل: الفِدْية؛ قَالَ الله: {وَلاَ
يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} (البَقَرَة: 123) . والعَدْل فِي
الْإِشْرَاك قَالَ الله جلّ وعزّ: {ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ
بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (الأنعَام: 1) . وأمّا قَوْله جلّ وعزّ:
{وَلَن تَسْتَطِيعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}
(النِّساء: 129) . قَالَ عَبِيدة السَلْماني والضحَّاك: فِي الحُبّ
وَالْجِمَاع. وَقَوله سُبْحَانَهُ: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ
لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ} (الأنعَام: 70) كَانَ أَبُو عُبَيْدَة
يَقُول مَعْنَاهُ وَإِن تُقسط كل أقساطٍ لَا يُقبل مِنْهَا. قلت:
وَهَذَا خطأ فَاحش وإقدام من أبي عُبِيدة على كتاب الله.
وَالْمعْنَى فِيهِ: لَو تَفْتَدِي بِكُل فِداء لَا يقبل مِنْهَا
الْفِدَاء يَوْمئِذٍ. وَمثله قَوْله: {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ
الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} (المعَارج:
11) الْآيَة أَي لَا يقبل ذَلِك مِنْهُ وَلَا يُنْجيه. وَقَوْلهمْ:
رجلٌ عَدْل مَعْنَاهُ ذُو عدل أَلا ترَاهُ. قَالَ فِي موضِعين:
{بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَى عَدْلٍ} (الطَّلَاق: 2) ،
فنُعِتَ بِالْمَصْدَرِ. وَقيل: رجل عَدْلٌ، ورجلان عَدْلٌ وَرِجَال
عَدلٌ، وَامْرَأَة عَدْلٌ، ونِسْوة عَدلٌ، كل ذَلِك على معنى: رجال
ذوِي عَدلٍ ونسوة ذَوَات عَدل. والعَدْل: الاسْتقَامَة. يُقَال:
فلَان يَعدِل فلَانا أَي يُسَاوِيه. وَيُقَال مَا يعدِلك عندنَا
شَيْء أَي مَا يَقع عندنَا شَيْء مَوْقعك. وَإِذا مَال شَيْء قلت:
عَدلتُه أَي أقمتُه فاعَتَدَلَ أَي استقام وَمن قَرَأَ قَول الله
جلّ وعزّ: {الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ} بِالتَّخْفِيفِ
{فَعَدَلَكَ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَىِّ صُورَةٍ مَّا} (الانفِطار: 7، 8) .
قَالَ الْفراء: من خفّف فوجهه وَالله أعلم فصرفك إِلَى أيّ صُورَة
شَاءَ إِمَّا حَسَن وَإِمَّا قَبِيح وَإِمَّا طَوِيل وَإِمَّا
قصير. وَمن قَرَأَ: (فَعَدَّلك) فَشدد وَهُوَ أعجب الْوَجْهَيْنِ
إِلَى
(2/124)
الْفراء وأجودهما فِي الْعَرَبيَّة
وَمَعْنَاهُ: جعلك مُعْتَدِلاً مُعْدَّلَ الخَلْق. قَالَ: واخترتُ
(عَدّلك) ؛ لِأَن (فِي) للتركيب أقوى فِي العربيِّة من أَن تكون
(فِي) للعَدْلِ؛ لِأَنَّك تَقول: عَدَلْتُكَ إِلَى كَذَا وصَرفتُك
إِلَى كَذَا. وَهَذَا أَجود فِي الْعَرَبيَّة من أَن تَقول: عَدلتك
فِيهِ وصرفتك فِيهِ.
قلت: وَقد قَالَ غير الفرّاء فِي قِرَاءَة مَن قَرَأَ:
{فَسَوَّاكَ} بِالتَّخْفِيفِ: إِنَّه بِمَعْنى: فسوّاك وقوّمك، من
قَوْلك: عَدلتُ الشَّيْء فاعتدل أَي سوّيتهُ فَاسْتَوَى.
وَمِنْه قَوْله:
وعَدَلْنَا مَيْل بَدْرٍ فاعْتَدَل
أَي قوّمناه فاستقام. وَقَرَأَ عَاصِم وَالْأَعْمَش بِالتَّخْفِيفِ
{فَسَوَّاكَ} ، وَقَرَأَ نافِع وَأهل الْحجاز. {} (فَعَدَّلَكَ)
بِالتَّشْدِيدِ. وَقَوله: {أَو عَدْلُ ذالِكَ صِيَاماً}
(الْمَائِدَة: 95) قَرَأَهَا الْكسَائي وَأهل الْمَدِينَة
بِالْفَتْح، وَقرأَهَا ابْن عَامر بِالْكَسْرِ: (أَو عِدْلُ ذَلِك
صياما) وَقَالَ اللَّيْث: العَدْل من النَّاس: المرضِيّ قولُه
وحُكمه. قَالَ: وَتقول إِنَّه لعَدْلٌ بيّن العَدْل والعَدَالة.
قَالَ: والعَدْلُ: الحُكم بالحقّ. يُقَال هُوَ يقْضِي بالحقّ ويعدل
وَهُوَ حَكَم عَادلٌ: ذُو مَعْدَلةٍ فِي حكمه وَقَالَ شمر: قَالَ
القُزْملي: سَأَلت عَن فلانٍ العُدَلَة أَي الَّذين يُعَدُّلُونَه.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال رجل عُدَلَة وَقوم عُدَلَة أَيْضا وهم
الَّذين يزكّون الشُّهُود. وَقَالَ يُونُس: جَائِز أَن يُقَال: هما
عَدْلَان وهم عُدُول، وَامْرَأَة عَدْلة. وَقَالَ الكلابيون:
امْرَأَة عَدْلٌ وقومٌ عُدُل. وَقَالَ يُونُس عَن أبي عَمْرو:
الجيّد امرأةٌ عَدْلٌ، وقومٌ عَدْلٌ، ورجلٌ عَدْلٌ. وَقَالَ
الباهليّ: رجلٌ عَدْل وعَادِل: جَائِز الشَّهَادَة. وَامْرَأَة
عَادِلة: جَائِزَة الشَّهَادَة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال
عَدَلت الجُوَالق على الْبَعِير أعدِله عَدْلاً يُحمل على جَنْب
الْبَعِير ويُعْدَل بآخر. وَفِي الحَدِيث: (مَن شرب الْخمر لم يقبل
الله مِنْهُ صَرْفاً وَلَا عَدْلاً أَرْبَعِينَ لَيْلَة) . قَالَ
بَعضهم: الصَرْف الْحِيلَة. والعَدل: الفِدْية. قَالَ يُونُس بن
عُبَيد: الصّرْف الْحِيلَة، وَيُقَال مِنْهُ فلَان يتصرّف أَي
يحتال. قَالَ الله عز وَجل: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ
نَصْراً} (الْفرْقَان: 19) وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الصَرْف: الدِية،
والعَدْلُ: السَّوِيَّة، وَقَالَ شمر: أَخْبرنِي ابْن الحَرِيش عَن
النَّضر بن شُمَيْل قَالَ: العَدْلُ: الْفَرِيضَة. وَالصرْف:
التطوّع. وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {ثْمَّ الَّذِينَ
كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (الْأَنْعَام: 1) أَي يُشركون.
وَقَالَ الْأَحْمَر: عَدَل الْكَافِر بربه عَدْلاً وعُدُولاً إِذا
سَوَّى بِهِ غَيره فعَبَدَهُ. وَقَالَ الْكسَائي: عَدَلت الشَّيْء
بالشَّيْء أعدِله عُدُولاً إِذا ساويته بِهِ. وعَدل الحاكِم فِي
الحكم عَدْلاً. وَقَالَ شمر: أما قَول الشَّاعِر:
أفذَاكَ أم هِيَ فِي النَجَا
ء لمن يُقَاربُ أَو يُعَادِلْ
يَعْنِي: يُعَادِل بَين نَاقَته والثَوْر، قَالَ: وَقَالَ ابْن
الْأَعرَابِي المعادلة: الشكّ فِي الْأَمريْنِ وَأنْشد:
وَذُو الهمّ تُعْديه صَرَامَةُ هَمِّهِ
إِذا لم تُمَيّثْهُ الرُّقَى ويُعَادِل
(2/125)
يَقُول يعَادِل بَين الْأَمريْنِ أيُّهما
يَركبُ، تُمَيِّثه: تُذَلِّله المَشُورَات، وَقَول النَّاس: أَيْن
تذْهب، وَقَالَ المرَّار:
فَلَمَّا أَن صَرَمَتْ وَكَانَ أمْرِي
قويماً لَا يمِيل بِهِ العُدُولُ
قَالَ عَدَل عنِّي يَعْدِلُ عُدولاً لَا يمِيل بِهِ عَن طَرِيقه
الميْلُ.
وَقَالَ الآخر:
إِذا الهَمُّ أمْسَ وَهْو دَاء فأَمضِهِ
وَلست بمُمْضيه وَأَنت تُعَادِله
قَالَ: مَعْنَاهُ: وَأَنت تشكّ فِيهِ. رَوى أَبُو عبيد عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين ذكر الْمَدِينَة فَقَالَ:
(من أحدث فِيهَا حَدَثاً أَو آوى مُحْدِثاً لم يقبل الله مِنْهُ
صَرْفاً وَلَا عَدْلاً) ، قَالَ أَبُو عبيد رُوي عَن مَكْحُول أَنه
قَالَ الصّرْف التَّوْبَة وَالْعدْل: الْفِدْيَة. وَقَالَ أَبُو
عبيد: قَوْله (من أحدث فِيهَا حَدَثاً) فَإِن الْحَدث كل حَدّ يجب
لله تَعَالَى على صَاحبه أَن يُقَام عَلَيْهِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي العَدَلُ مُحرّك: تَسْوِيَة
الأوْنَين، وهما العِدْلان.
وَقَالَ اللَّيْث: العَدْل أَن تعدِل الشَّيْء عَن وَجهه، تَقول،
عَدَلْتُ فلَانا عَن طَرِيقه، وعَدَلْتُ الدَّابَّة إِلَى مَوضِع
كَذَا فَإِذا أَرَادَ الاعوجاج نَفسه قَالَ: هُوَ يَنْعَدِل أَي
يعوجّ. وَقَالَ فِي قَوْله:
وَإِنِّي لأنْحِي الطَرْف من نَحْو أرْضهَا
حَيَاء وَلَو طاوعتُهُ لم يُعَادِل
قَالَ: مَعْنَاهُ، لم ينعَدِل قلت معنى قَوْله لم يعادل أَي لم
يَعْدِل بِنَحْوِ أرْضهَا أَي بقصدها نَحوا وَلَا يكون يُعَادِل
بِمَعْنى ينعدل.
وَقَالَ اللَّيْث: المعتدِلة من النوق: الحسَنَة المتّفقة
الْأَعْضَاء بعضُها بِبَعْض. وروى شمر عَن محَارب:
قَالَ: المُعْنَدِلة من النوق وَجعله رباعيًّا من بَاب عَندَل. قلت
وَالصَّوَاب المعتدلة بِالتَّاءِ.
وروى شمر عَن أبي عدنان أنّ الْكِنَانِي أنْشدهُ:
وعَدَل الفَحل وَإِن لم يُعْدلِ
واعْتَدَلَتْ ذاتُ السَنَام الأَمْيَل
قَالَ: اعْتِدَال ذَات السَّنَام الأميَل استقامة سَنامها من
السِمَن بَعْدَمَا كَانَ مائلاً. قلت: وَهَذَا يدلّ على أَن قَول
محَارب: المُعْنَدِلة غير صَحِيح، وَأَن الصَّوَاب: المُعْتَدِلة،
لِأَن النَّاقة إِذا سمِنتْ اعتدلت أعضاؤها كلُّها من السنام
وَغَيره. ومُعَنْدِلة من العَنْدَل وَهُوَ الصُلب الرَّأْس
وَلَيْسَ هَذَا الْبَاب لَهُ بموضعٍ، لِأَن العَنْدل رباعي خَالص.
شمر العَدِيل: الَّذِي يُعَادِلك فِي المحمِل والعَدْل: نقيض
الجَوْر.
وَرُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي
جعلني فِي قومٍ إِذا مِلْتُ عَدَلُوني كَمَا يُعْدَل السهْم فِي
الثِقاف، أَي قَوَّموني.
شمر عَن أبي عدنان: شرب حَتَّى عَدَّل أَي امْتَلَأَ. قلت
وَكَذَلِكَ عَدَّنَ وأوَّن بِمَعْنَاهُ. وَيُقَال أَخذ الرجل من
مَعْدَل الْبَاطِل أَي فِي طَرِيق الْبَاطِل ومذهبه، وَيُقَال
انْظُرُوا
(2/126)
إِلَى سُوء مَعَادِلِهِ، ومذموم مداخله،
أَي إِلَى سوء مذاهبه ومسالكه، وَقَالَ زُهَيْر:
وسُدِّدَتْ ... عَلَيْهِ سِوَى
قَصْد الطَّرِيق مَعَادِلُهْ
وَيُقَال عَدَّلْتُ أَمْتعَة الْبَيْت إِذا جَعلتهَا أعدالاً
مستوِية للاعتكام يَوْم الظعْن. وعَدَّل القسَّام الْأَنْصِبَاء
للقَسْم بَين الشُّرَكَاء إِذا سوّاها على القِيم. وأمّا قَول ذِي
الرمّة:
إِلَى ابْن العامريّ إِلَى بلالٍ
قطعتُ بنَعْفِ مَعقُلة العِدَالا
فالعرب تَقول: قطعْتُ العِدَال فِي أَمْرِي، ومضيت على عزمي،
وَذَلِكَ إِذا مَيَّلَ بَين أَمريْن أيُّهما يَأْتِي، ثمَّ استقام
بِهِ الرَّأْي فعزم على أوْلاَهُما عِنْده، وَيُقَال أنَا فِي
عِدَال من هَذَا الْأَمر أَي فِي شكّ مِنْهُ: أأمضي عَلَيْهِ أم
أتركه، وَقد عَادَلت بَين أَمريْن أيَّهما آتِي أَي ميِّلت وفرسٌ
معتدل الغُرّة إِذا توسّطَت غُرَّتُه جَبهته، فَلم نصب وَاحِدَة من
الْعَينَيْنِ وَلم تَمل على وَاحِد من الخدّين، قَالَه أَبُو
عُبَيْدَة.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي:
العَدَوليّ من السفن مَنْسُوب إِلَى قَرْيَة بِالْبَحْرَيْنِ
يُقَال لَهَا: عَدوْلَى.
قَالَ وَالخُلْجُ سفنٌ دونَ العَدوْلِيَّة.
وَقال شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي قَول طرَفة:
عَدَوْليَّة أَو من سفين ابْن نَبْتَل
قَالَ نَسَبهَا إِلَى ضِخَم وقِدَم، يَقُول: هِيَ قديمَة أَو ضخمة.
وَقَالَ اللَّيْث: العَدْوَلِيَّة نُسِبَتْ إِلَى مَوضِع كَانَ
يُسمى عَدَوْلاَة وَهُوَ بِوَزْن فَعَوْلاَة.
وَذكر عَن الْكَلْبِيّ أَنه قَالَ: عَدَوْلَى لَيْسُوا من ربيعَة
وَلَا مُضر وَلَا ممّن يعرف من الْيمن، إِنَّمَا هم أمّة على
حِدَة، قلت: وَالْقَوْل فِي العَدَوْليّ مَا قَالَه الْأَصْمَعِي.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لزوايا الْبَيْت:
المعَدَّلات والدراقيع والمُزَوَّيات والأخصام والثَفنات. وَقَالَ
فِي قَول الله: {فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِى صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
1764 - أَىِّ صُورَةٍ} (الانفطار: 7، 8) أَي فقوّمك. وَمن خفّف
أَرَادَ: عَدَلَك من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان، وهما نعمتان.
وَهَذَا قَول ابْن الْأَعرَابِي.
وَقَالَ ابْن السّكيت عَن ابْن الْكَلْبِيّ فِي قَول النَّاس
للشَّيْء الَّذِي يُئِسَ مِنْهُ: وُضِعَ على يَدَيْ عَدْلٍ قَالَ:
هُوَ العَدْل بن جَزْء بن سعد العَشِيرة، وَكَانَ وَلي شُرَط
تُبَّع، فَكَانَ تُبَّع إِذا أَرَادَ قتل رجل دَفعه إِلَيْهِ
فَقَالَ النَّاس وُضِعَ على يَدَي عَدْلٍ.
علد: قَالَ أَبُو عَمْرو والأصمعي: الأعلاد: مضائغ فِي العُنُق من
عَصَب، وَاحِدهَا عَلْد. وَقَالَ رؤبة يصف فحلاً:
قَسْبَ العَلاَبيّ جُرَازَ الأعلاد
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُرِيد عَصَب عُنُقه. والقَسْبُ:
الشَّديد الْيَابِس.
وَقَالَ اللَّيْث: العَلْدُ الصُلْب الشَّديد، كأنَّ فِيهِ يُبْساً
من صلابته.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: العِلْوَدُّ: الْكَبِير. قَالَ: وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَة: كَانَ مُجَاشع بن دارم عِلْوَدّ الْعُنُق.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العِلْوَدّ من الرِّجَال:
(2/127)
الغليظ الرَّقَبَة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العِلْوَدّة من الْخَيل: الَّتِي تنقاد
بقوائمها وتجذِب بعنقها القائدَ جَذْباً شَدِيدا، وقلَّما
يَقُودهَا حَتَّى يَسُوقهَا سائق من وَرَائِهَا، وَهِي غير طَيِّعة
القِيَاد وَلَا سَلِسة. وَأما قَول الْأسود بن يَعْفَرُ:
وغُودِرَ عِلْوَدٌّ لهَا مُتَطَاوِل
نبيل كجُثمان الجُرَادة نَاشِرُ
فَإِنَّهُ أَرَادَ بعلْوَدّها: عُنُقهَا، أَرَادَ: النَّاقة
والجُرَادة: اسْم رَملَة بِعَينهَا.
وَقَالَ الراجز:
أيُّ غلامٍ لَشِ عِلْوَدّ العُنُق
لَيْسَ بكيَّاسٍ وَلَا جَدَ حَمِقْ
قَوْله: لشِ أَرَادَ: لَك لُغَة لبَعض الْعَرَب وأنشدني
الْمُنْذِرِيّ فِي صفة الضبّ لبَعْضهِم:
كَأَنَّهُمْ ضَبَّان ضَبّا عَرَادَةٍ
كبيران عِلْوَدَّانِ صُفْر كُشَاهُمَا
عِلودّان: ضخمان.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: اعْلَوَّدَ الرجل بعدِي إِذا غَلُظ.
وَقَالَ أَبُو زيد: رجل عِلْوَدّ وَامْرَأَة عِلْوَدَّة، وَهُوَ
الشَّديد ذُو القَسْوة. وبعير عِلْوَدّ وناقة عِلْوَدَّةٌ، وَهِي
الهَرِمة.
وَقَالَ اللَّيْث: سَيِّدٌ عِلْوَدٌّ: رَزِين ثخين. وفِعْلُهُ
عَلْوَدَ يُعَلْوِدُ إِذا لزم الشَّيْء مَكَانَهُ فَلم يُقدر على
تحريكه.
دعل: أهمله اللَّيْث وَلم يذكرهُ شمر فِي (كِتَابه) وروى أَبُو
عُمَر عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدَعَل:
المخاتلة بِالْعينِ. وَهُوَ يُدَاعِلُهُ أَي يخاتله. وَقَالَ فِي
مَوضِع آخر: الداعِل الهارِب.
دلع: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: دَلَع لِساني، ودَلَعْتُه أَنا.
قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول أدلَعتُهُ.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: دَلَعْت اللِّسَان وأدلعته. وَقَالَهُ ابْن
الْأَعرَابِي.
وَقَالَ اللَّيْث: دَلَع اللِّسَان يَدْلَعُ دُلُوعاً إِذا خرج من
الْفَم واسترخى. وأدلع الرجلُ لسانَه. وَقد يُقَال اندلَعَ لِسَانه
قَالَ: وَجَاء فِي الْأَثر عَن بَلْعَمَ أَن الله لَعنه فأدلع
لِسَانه فَسَقَطت أسَلَتُه على صَدره، فَبَقيت كَذَلِك. وَيُقَال
للرجل المندَلِث البطنِ أَمَامه: مُنْدَلِع البَطْن.
وَقَالَ نُصَير فِيمَا روى لَهُ أَبُو تُرَاب: اندَلَعَ بطن
الْمَرْأَة واندلق إِذا عظُم واسترخى وَقَالَ غَيره: اندلَع
السَّيْف من غِمْده واندلق. وناقة دَلُوع: تتقدَّم الْإِبِل.
وَقَالَ الرّبيع: الدَلِيع: الطَّرِيق السهل فِي مَكَان حَزْن لَا
صَعُود فِيهِ وَلَا هَبُوط.
وروى أَبُو عُمر عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ:
الدَّوْلَع: الطَّرِيق البَيّن.
وروى شمر عَن محَارب: طَرِيق دَلَنَّع وَجمعه دَلاَنِع إِذا كَانَ
سهلاً.
وَقَالَ شمر قَالَ الهُجَيمي: أحمقٌ دالِعٌ، وَهُوَ الَّذِي لَا
يزَال دالِع اللِّسَان، وَهُوَ غَايَة الحُمْق. قَالَ: وَقَالَ
أَبُو عَمْرو: الدَوْلَعة: صَدَفة متَحوّيَة إِذا أَصَابَهَا ضَبْح
النَّار خرج مِنْهَا كَهَيئَةِ الظفر فيُسْتَلُّ قدر إِصْبَع،
وَهُوَ هَذَا الأظْفار الَّذِي فِي القُسْط. وَأنْشد للشَمَرْدَل:
(2/128)
دَوْلَعَة تستلُّها بظفرها
علد (علند) : وَقَالَ اللَّيْث فِي بَاب العَلْد: العَلَنْدَى:
البَعِير الضخم الطَّوِيل. والجميع العَلاَنِد والعَلاَدِي
والعَلَنْدَيَاتُ وَأحسنه العَلاَنِد على تَقْدِير قلانس.
وَقَالَ النَّضر: العَلَنْدَاة من الْإِبِل: الْعَظِيمَة
الطَّوِيلَة. وَلَا يُقَال: جمل عَلَنْدَى. قَالَ والعَفَرْنَاة
مثلهَا، وَلَا يُقَال: جمل عَفَرْنَى.
وَقَالَ اللَّيْث: العَلَنْدَاة: شَجَرَة طَوِيلَة لَا شوك، لَهَا
من العضاهِ قلت: لم يُصِبْ اللَّيْث فِي صفة العَلَنْدَاة؛ لِأَن
العلنداة شَجَرَة صُلْبة العيدان جاسية لَا يَجْهَدها المالُ
وَلَيْسَت من العضاه وَكَيف تكون من العِضَاهِ وَلَا شوك لَهَا
والعِضَاهُ من الشّجر مَا كَانَ لَهُ شوك، صَغِيرا كَانَ أَو
كَبِيرا، والعَلَنْدَاة لَيست بطويلة. وأطولها على قدر قَعْدَة
الرجُل. وَهِي مَعَ قِصَرها كثيفة الأغصان مجتمعة.
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ النُّون)
(ع د ن)
عِنْد، عدن، دعن، دنع (نَدع) : مستعملة.
عدن: قَالَ الله جلّ وعزّ: {جَنَّاتِ عَدْنٍ} (التّوبَة: 72) رُوى
عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: جنَّات عدن: بُطْنَان الجنّة. قلت
وبُطْنَانها: وَسطهَا. وبُطْنان الأودية: الْمَوَاضِع الَّتِي
يسترِيض فِيهَا مَاء السَّيْل. فيَكْرُم نباتُها، وَاحِدهَا
بَطْنٌ. قلت: والعَدْنُ مَأْخُوذ من قَوْلك: عَدَنَ فلَان
بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ، يَعْدِن عُدُوناً، قَالَه أَبُو
زيد وَابْن الأعرابيّ. قَالَ شمر: وَقَالَ القُزْمُلِيّ: اسْم
عَدْنَان مُشْتَقّ من العَدْن، وَهُوَ أَن تلْزم الإبلُ المكانَ
فتألفَه وَلَا تبرحه. تَقول تركتُ إبل بني فلَان عَوَادِن بمَكَان
كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَمِنْه المَعْدِن، وَهُوَ الْمَكَان
الَّذِي يثبت فِيهِ النَّاس وَلَا يتحوّلون عَنهُ شتاءً وَلَا
صيفاً. قلت: ومَعْدِن الذَّهَب والفضّة سُمِّي مَعْدِناً لإنبات
الله جلّ وعزّ فِيهِ جوهرهما وإثباته إيّاه فِي الأَرْض حَتَّى
عَدَنَ أَي ثَبت فِيهَا. قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَأَنْبَتْنَا
فِيهَا مِن كُلِّ شَىْءٍ مَّوْزُونٍ} (الحِجر: 19) ، وفُسِّرَ
الْمَوْزُون على وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن هَذِه الْجَوَاهِر كلّها
ممّا يوزَن، مثل الرَصَاص والنُحاس وَالْحَدِيد والثمنين أَعنِي
الذَّهَب وَالْفِضَّة، كَأَنَّهُ قَصَدَ قصْد كل شَيْء يُوزَن
وَلَا يُكَال. وَقيل: معنى قَوْله: {مِن كُلِّ شَىْءٍ مَّوْزُونٍ}
أَنه المقَدّر الْمَعْلُوم وزنُه وقدرُه عِنْد الله تَعَالَى.
وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقَال: عَدَنَتْ إبلُ فلَان بمَكَان كَذَا
وَكَذَا أَي صَلحَتْ بذلك الْمَكَان. وعَدَنَتْ مَعِدَته على كَذَا
وَكَذَا أَي صَلحَتْ. وَقَالَ اللَّيْث: المَعْدِن مَكَان كل شَيْء
يكون فِيهِ أَصله ومُبتدؤه؛ نَحْو مَعْدن الذَّهَب وَالْفِضَّة
والأشياء. وَيُقَال: فلَان مَعدِن للخير وَالْكَرم إِذا جُبِل
عَلَيْهِمَا. قَالَ: والعَدْن: إِقَامَة الْإِبِل فِي الحَمْض
خاصَّةً. وَقَالَ أَبُو زيد: عَدَنَت الإبِلُ فِي الحَمْض تَعْدِن
عُدُوناً إِذا استمرأت المكانَ ونَمَتْ عَلَيْهِ، وَلَا تَعْدِن
إِلَّا فِي الحَمْض.
وَقَالَ أَبُو مَالك: يكون فِي كل شَيْء. أَبُو عبيد: العَدَّان:
الزَّمَان، وَأنْشد بَيت الفرزدق:
(2/129)
أَتَبْكِي على عِلْجٍ بمَيْسَان كافِرٍ
ككِسْرَى على عِدَّانِهِ أَو كقَيْصَرَا
يُخَاطب مِسْكينا الدارميّ لمّا رثى زياداً، وفيهَا يَقُول
الْبَيْت:
أَقُول لَهُ لمّا أَتَانِي نَعِيُّهُ
بِهِ لَا بِظَبْيٍ فِي الصرائم أعْفَرَا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي قَوْله:
وَلَا على عَدَّان مُلك محتَضَر
أَي على زَمَانه وإبّانه. قلت: وَسمعت أعرابيًّا من بني سعدٍ
بالأحساء يَقُول: كَانَ أَمر كَذَا وَكَذَا على عِدّان ابْن بورٍ،
وَابْن بور كَانَ والياً بِالْبَحْرَيْنِ قبل اسْتِيلَاء القرامطة
أبادهم الله عَلَيْهَا. يُرِيد: كَانَ ذَلِك أَيَّام ولَايَته
عَلَيْهَا. وَقَالَ الفرّاء: كَانَ ذَلِك على عِدَّان فِرْعون.
قلت: من جعل عِدَّان فِعلاَناً فَهُوَ من العَدّ والعِدَاد. وَمن
جعله فِعلالاً فَهُوَ من عَدَن. وَالْأَقْرَب عِنْدِي أَنه من
العَدّ؛ لِأَنَّهُ جُعِل بِمَعْنى الْوَقْت. والعَيْدان من النّخل
مَا طَال وأمَّا العَدَان بِفَتْح الْعين فَإِن الفرّاء حكى عَن
المفضّل أَنه قَالَ: العَدَان: سبع سِنِين. يُقَال: مكثنا فِي غلاء
السّعر عَدَانَيْنِ، وهما أَربع عشرَة سنة، الْوَاحِد عَدَانٌ.
وَهُوَ سبع سِنِين. وأمَّا قَول لبيد:
وَلَقَد يعلم صحبي كلهم
بعَدَان السِيف صَبري وَنَقَلْ
فَإِن شمراً رَوَاهُ بِعَدَان السِيف. وَقَالَ: عَدَان: مَوضِع على
سِيف الْبَحْر. وَرَوَاهُ أَبُو الْهَيْثَم بِعِدان السَّيْف
بِكَسْر الْعين. قَالَ: ويروى بَعَدَانِي السَّيْف. وَقَالَ:
أرادُوا: جمع العَدِينة فقلبوا وَالْأَصْل بعَدَائن السَّيْف فأخّر
الْيَاء، وَقَالَ عَدَانِي. وروى أَبُو عُمَر عَن ثَعْلَب عَن ابْن
الْأَعرَابِي قَالَ: عَدان النَّهر بِفَتْح الْعين: ضَفّته،
وَكَذَلِكَ عِبْره ومِعبَره وبِرْغيله. وَقَالَ أَبُو عَمْرو:
العَدَانة: الْجَمَاعَة من النَّاس، وَجمعه عَدَانات. وَأنْشد:
بَني مَالكٍ لدَّ الحُضَينُ وراءكم
رجَالًا عَدَاناتٍ وخَيْلاً أكاسِما
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رجال عَدانَات: مقيمون. وَقَالَ:
رَوْضَة أُكْسُوم إِذا كَانَت ملتفّةً بِكَثْرَة النَّبَات. أَبُو
عبيد عَن الفرّاء: عَدّنتُ بِهِ الأرضَ ووَجَنْتُ بِهِ الأَرْض
ومَرّنتُ بِهِ الأَرْض إِذا ضربْتَ بِهِ الأَرْض. عَمْرو عَن
أَبِيه قَالَ: العَدِين: عُرًى مُنَقَّشة تكون فِي أَطْرَاف عُرَى
المزادة، واحدتها عَدِينة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَدِينة:
رقْعَة منقَّشَة تكون فِي عُرْوَة المَزَادة. وَقَالَ ابْن
شُمَيْل: الغَرْبُ يُعَدَّن إِذا صغُر الأدِيم وَأَرَادُوا توفيره
زادوا لَهُ عَدِينَة أَي زادوا فِي نَاحيَة مِنْهُ رُقعة، والخُفُّ
يُعَدَّن: يُزَاد فِي مؤخّر السَّاق مِنْهُ زِيَادَة حَتَّى يتّسع.
قَالَ: وكل رقْعَة تزاد فِي الغَرْب فَهِيَ عَدِينَة، وَهِي
كالبَنِيقة فِي الْقَمِيص. وَأنْشد:
والغَرْبَ ذَا العَدِينة الموَعَّبَا
والموعّب: الموسَّعُ الموَفّر. وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَول
المخبَّل:
خَوَامِس تنشقّ الْعَصَا عَن رؤوسها
كَمَا صَدَع الصخر الثِقالَ المُعَدِّنُ
قَالَ: المُعَدِّن: الَّذِي يُخرِج من المعدِن
(2/130)
الصخر ثمَّ يكسِّرها يَبْتَغِي فِيهَا
الذَّهَب. وعَدَّنَ الشاربُ إِذا امْتَلَأَ، مثل أَوَّنَ وعَدَّلَ.
وعَدَنُ أبْيَن: بلد على سِيف الْبَحْر فِي أقْصَى بِلَاد الْيمن.
عِنْد: قَالَ الله جلّ وعزّ: {عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ
كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} (ق: 24) قَالَ قَتَادَة: العنيد: المُعرِض
عَن طَاعَة الله تَعَالَى. وَقَالَ الزّجاج: عَنَدَ أَي عَنَدَ عَن
الحقّ. ورُوِي عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن الْمُسْتَحَاضَة
فَقَالَ: إِنَّه عِرْقٌ عانِد أَو رَكْضة من الشَّيْطَان. قَالَ
أَبُو عبيد: العِرْق العانِد: الَّذِي عَنَدَ وبَغَى؛ كالإنسان
يُعَانِد، فَهَذَا العِرْق فِي كَثْرَة مَا يخرج مِنْهُ
بِمَنْزِلَتِهِ، وَأنْشد لِلرَّاعِي:
وَنحن تركنَا بالفُعَالِيِّ طَعنَة
لَهَا عَانِد فَوق الذراعين مُسْبِلُ
وَقَالَ شمر: العَانِد: الَّذِي لَا يَرْقأَ. قَالَ: وَأَصله من
عُنود الْإِنْسَان إِذا بَغَى وعَنَدَ عَن الْقَصْد. وَأنْشد:
ومَجَّ كل عانِدٍ نَعُورِ
أَبُو عبيد: عَنَدَ العِرْق وأَعْنَدَ إِذا سَالَ. وَقَالَ
الكِسائي: عَنَدَت الطعنةُ تَعْنُدُ وتَعْنِد إِذا سَالَ دَمهَا
بَعيدا من صَاحبهَا، وَهِي طعنة عانِدة. قَالَ: وعَنَدَ الدمُ
يَعْنِدُ إِذا سَالَ فِي جَانب. رَوَاهُ ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن
الفرّاء أَن الْكسَائي قَالَه. أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي:
عَنَدَ فلَان عَن الطَّرِيق يَعْنِدُ عُنُوداً إِذا تبَاعد.
وَيُقَال: فلَان يعانِد فلَانا أَي يفعل مثل فعله، وَهُوَ
يُعَارضهُ ويباريه. قَالَ: والعامّة يفسّرُونه: يعانِدُه: يفعل
خلاف فعله. قَالَ: وَلَا أعرف ذَلِك وَلَا أُثبته، وَأنْشد:
وَقد يحبّ كلُّ شَيْء وَلَدَهْ
حَتَّى الحُبَارَى وتَدِفُّ عَنَدَهْ
أَي مُعَارضَة للْوَلَد. قلت: تعارِضه شَفَقَة عَلَيْهِ. شمر عَن
أبي عدنان عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال عَانَدَ فلَان فلَانا إِذا
جانَبَه. ودمٌ عَانِد: يسيل جَانِباً. قلت أَنا: المُعَانِد هُوَ
المعارِض بِالْخِلَافِ لَا بالوفاق. وَهَذَا الَّذِي يعرفهُ
العوامّ. وَقد يكون العِنَاد مُعَارضَة بِغَيْر الْخلاف؛ كَمَا
قَالَ الْأَصْمَعِي. واستخرجه من عَنَدِ الحُبَارَى جعله اسْما من
عانَد الحُبَارَى فَرخَهُ إِذا عَارضه فِي الطيران أوَّلَ مَا
ينْهض كَأَنَّهُ يعلّمه الطيران شفَقة عَلَيْهِ. وَقَالَ اللَّيْث:
عَنَدَ الرجل يَعْنِد عُنُوداً وعَاندَ مُعَانَدَةً، وَهُوَ أَن
يعرف الشيءَ ويأبى أَن يقبله؛ ككفر أبي طَالب، كَانَ كفره
مُعَانَدَة؛ لِأَنَّهُ عرَف وأقرّ وأنِف أَن يُقَال: تبع ابْن
أَخِيه، فَصَارَ بذلك كَافِرًا.
وأمَّا العَنِيد فَهُوَ من التجبّر، يُقَال: جبّار عَنِيد. قَالَ:
والعَنُود من الْإِبِل الَّذِي لَا يخالطها، إِنَّمَا هُوَ فِي
نَاحيَة أبدا. وروى شمر بإسنادٍ لَهُ رَفَع الحَدِيث فِيهِ إِلَى
عمر أَنه وصف نَفسه بالسياسة فَقَالَ: إِنِّي أَنْهز اللَفُوت
وأضُمّ العَنُود وأُلْحِق القَطُوف وأزجُر العرُوض. قَالَ:
العَنُود: الَّتِي تُعَانِد عَن الْإِبِل تطلب خِيَار المَرْتَع
تتأنَّف، وَبَعض الْإِبِل يرتع مَا وجَد. وَقَالَ ابْن
الْأَعرَابِي وَأَبُو نصر: هِيَ الَّتِي تكون فِي طَائِفَة
الْإِبِل أَي فِي ناحيتها. وَقَالَ القيسيُّ: العَنُود من
الْإِبِل: الَّتِي تعانِد
(2/131)
الْإِبِل فتعارضها. قَالَ: فَإِذا قادتهن
قُدُماً أمامهنّ فَتلك السلوف. أَبُو عُمَر عَن ثَعْلَب عَن ابْن
الْأَعرَابِي: أعنَدَ الرجل إِذا عَارض إنْسَانا بالخِلاف،
وأَعْنَدَ إِذا عَارض بالاتّفاق. قَالَ: وَمِنْه قَوْله: حَتَّى
الحُبَارَى ويُحبّ عَندَه أَي اعتراضه. وَقَالَ ابْن شُمَيْل:
عَنَدَ الرجل عَن أَصْحَابه يعنِد عُنوداً إِذا مَا تَركهم واجتاز
عَلَيْهِم، وعَنَدَ عَنْهُم إِذا مَا تَركهم فِي سَفَرٍ وَأخذ فِي
غير طريقهم أَو تخلَّف عَنْهُم. والعُنُود كَأَنَّهُ الْخلاف
والتباعد والتَرك لَو رَأَيْت رجلا بِالْبَصْرَةِ من أهل الْحجاز
لَقلت: شَدَّ مَا عَنَدْت من قَوْمك أَي تَبَاعَدت عَنْهُم.
وسحابةٌ عَنُود: كَثِيرَة الْمَطَر. وَجمعه عُنُدٌ وَقَالَ
الرَّاعِي:
دِعْصاً أرذَّ عَلَيْهِ فُرَّقٌ عُنُدٌ
وقدح عَنُود وَهُوَ الَّذِي يخرج فائزاً على غير وجهة سَائِر
القِدَاح. وَيُقَال: استعنَدني فلَان من بَين الْقَوْم أَي
قَصَدَني. وعَانَد، البعيرُ خِطامه أَي عَارَضَه. أَبُو عبيد عَن
أبي زيد: مَالِي عَن ذَلِك الْأَمر عُنْدَدٌ وَلَا مُعْلَنْدَدٌ،
أَي مَالِي مِنْهُ بُدّ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الْأَعرَابِي.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَنْدُدُ: الحِيلة. أَبُو عبيد عَن أبي
زيد: أعنَدَ الرجل فِي قَيْئه إعناداً إِذا أتبع بعضَه بَعْضًا.
وَقَالَ اللَّيْث: عِنْدَ: حرفُ صفةٍ يكون موضعا لغيره، وَلَفظه
نصبٌ؛ لِأَنَّهُ ظَرْف لغيره وَهُوَ فِي التَّقْرِيب شِبه اللِزْق.
وَلَا يكَاد يَجِيء فِي الْكَلَام إِلَّا مَنْصُوبًا؛ لِأَنَّهُ
لَا يكون إِلَّا صفة مَعْمُولا فِيهَا أَو مضمراً فِيهَا فِعلٌ،
إلاّ فِي حرف وَاحِد. وَذَلِكَ أَن يَقُول الْقَائِل لشَيْء بِلَا
عِلم: هَذَا عِندي كَذَا وَكَذَا، فَيُقَال: أوَلك عِندٌ فيُرفع.
وَزَعَمُوا أَنه فِي هَذَا الْموضع يُرَاد بِهِ الْقلب وَمَا فِيهِ
من مَعْقُول اللبّ. قلت: وَأَرْجُو أَن يكون مَا قَالَه اللَّيْث
فِي تَفْسِير (عِنْد) قَرِيبا مِمَّا قَالَه النحويون. الفرّاء:
الْعَرَب تَأمر من الصِّفَات بعليك وعندك ودونك وَإِلَيْك.
يَقُولُونَ: إِلَيْك إِلَيْك عَنّي يُرِيدُونَ: تأخّر، كَمَا
يَقُولُونَ: وَرَاءَك وَرَاءَك. فَهَذِهِ الْحُرُوف كَثِيرَة.
وَزعم الكسائيّ أَنه سمع: البعيرَ بَيْنكُمَا فخذاه، فنصب
الْبَعِير. وَأَجَازَ ذَلِك فِي كل الصِّفَات الَّتِي تفرد. وَلم
يجزه فِي اللَّام وَلَا الْبَاء وَلَا الْكَاف. وَسمع الْكسَائي
الْعَرَب تَقول: كَمَا أنْتِني يُرِيد: انتظرني فِي مَكَانك. أَبُو
زيد يُقَال: إنّ تَحت طِرِّيقتك لعِنْدَاوَة. والطِّرِّيقة: اللين
والسكون. والعِنْدَاوَة: الجفْوة وَالْمَكْر. وَقَالَ
الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ: إِن تَحت سكونك لنَزْوةً وطِماحاً.
وَقَالَ غَيره: العِنداوة الالتواء والعَسَرُ. وَقَالَ: هُوَ من
العَدَاء. وهمزه بَعضهم فَجعل النُّون والهمزة زائدتين، على بِنَاء
فِنْعَلْوَة. وَقَالَ غَيره: عِنْدَأْوة فِعْلَلْوَة.
دنع: اللَّيْث: رجلٌ دَنيعة من قوم دَنَائع. وَهُوَ الفَسْل
الَّذِي لَا لُبّ لَهُ وَلَا عقل: وَأنْشد شمر لبَعْضهِم:
فَلهُ هُنَالك لَا عَلَيْهِ إِذا
دَنِعَتْ أنوفُ الْقَوْم للتّعْسِ
يَقُول لَهُ الْفضل فِي هَذَا الزَّمَان لَا عَلَيْهِ إِذا دُعِي
على الْقَوْم. ودَنِعَتْ أَي دَقّت
(2/132)
ْ ولَؤُمَتْ. وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي
وَإِن رَغِمَتْ. ابْن شُمَيْل: دَنِعَ الصَّبِي إِذا جُهِدَ وجاع
واشتهى. وَقَالَ ابْن بزرج: دَنِع وَرَثِع إِذا طمِعَ.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الدنيع: الخسيس.
نَدع: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أندَعَ الرجل إِذا تبع
أَخْلَاق اللئام والأنذال. قَالَ: وأدنع إِذا تبع طَريقَة
الصَّالِحين.
دعن: قَرَأت بِخَط أبي الْهَيْثَم فِي تَفْسِير شعر ابْن مقبل لأبي
عَمْرو: يُقَال: أُدعِنت الناقةُ وأُدعِن الْجمل إِذا أطيل ركُوبه
حَتَّى يهْلك، رَوَاهُ بِالدَّال وَالنُّون. وَقد أهمل اللّيث وشمر
دعن.
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ الْفَاء)
(ع د ف)
عدف، عفد، فدع، دفع: مستعملة.
عدف: أَبُو عبيد: العَدْف: الْأكل. قَالَ: وَقَالَ الْأَحْمَر: مَا
ذقت عَدُوفاً وَلَا عَلُوساً وَلَا أَلُوساً. وَقَالَ أَبُو حسّان:
سَمِعت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ يَقُول: مَا ذقت عَدوفاً وَلَا
عَدُوفَة. قَالَ: وَكنت عِنْد يزِيد بن مَزْيَدْ الشَّيْبَانِيّ
فَأَنْشَدته بَيت قيس بن زُهَيْر:
ومُجَنَّبات مَا يَذُقْن عَدُوفة
يَقْذفن المُهُرات والأمهارِ
بِالدَّال، فَقَالَ لي يزِيد من مَزْيَد: صحَّفتَ يَا أَبَا
عَمْرو. وَإِنَّمَا هِيَ عَذوفة بِالذَّالِ. قَالَ: فَقلت لَهُ: لم
أصحِّف أَنا وَلَا أَنْت. تَقول رَبيعة هَذَا الْحَرْف بِالذَّالِ،
وَسَائِر الْعَرَب بِالدَّال. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: العِدْفَة:
مَا بَين الْعشْرَة إِلَى الْخمسين وَجَمعهَا عِدَفٌ. قَالَ شمر:
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي مثله، قَالَ: والعَدَف: القَذَى.
وَقَالَ اللَّيْث: العَدُوف: الذَوَاق الْيَسِير من العَلَف.
قَالَ: والعِدْفة كالصَّنِفَة من قِطْعَة ثوبٍ. وعِذْفَة كل
شَجَرَة: أَصْلهَا الذَّاهِب فِي الأَرْض، وَجَمعهَا عِدَفٌ.
وَأنْشد:
حَمَّال أثقالِ دِيَاتِ الثَأَى
عَن عِدَف الأصْل وكُرَّامِهَا
قَالَ: وَيُقَال: بل هُوَ عَن عَدَف الأَصْل جمع عَدَفَة أَي يلمّ
مَا تفرّق مِنْهُ.
وَيُقَال: عَدَفَ لَهُ عِدْفَةً من مَاله إِذا قطع لَهُ قِطعة من
مَاله. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَدَف والعائر
والغُضَابُ: أَذَى الْعين. وَقَالَ ابْن السّكيت: العَدْفُ الأَكْل
يُقَال مَا ذَاق عَدْفاً. والعَدَفُ القَذَى.
عفد: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الاعتفاد: أَن يُغلق
الرجل الْبَاب على نَفسه، فَلَا يَسأل أحدا حَتَّى يَمُوت جوعا.
وَأنْشد:
وقائلةٍ ذَا زمَان اعتفادْ
ومَن ذَاك يَبْقى على الاعتفَادْ
وَقد اعْتَفَدَ يَعْتَفِدُ اعتِفاداً.
وَقَالَ شمر: قَالَ مُحَمَّد بن أنس: كَانُوا إِذا اشتدّ بهم
الْجُوع وخافوا أَن يموتوا أغلقوا عَلَيْهِم بَابا، وَجعلُوا
حَظِيرة من شَجَرَة يدْخلُونَ فِيهَا ليموتوا جوعا. قَالَ: وَلَقي
رجل جَارِيَة تبْكي فَقَالَ لَهَا: مَالك؟ قلت: نُرِيد أَن
نَعْتَفِد. قَالَ: وَقَالَ النظّار بن هَاشم الأسَديّ:
(2/133)
صاحَ بهم على اعتِفَادٍ زمانْ
مُعْتَفِدٌ قَطّاع بينِ الأقرانْ
قَالَ شمر: وَوَجَدته فِي (كتاب ابْن بزرج) : اعْتقد الرجل
بِالْقَافِ وآطم وَذَلِكَ أَن يغلق عَلَيْهِ بَابا إِذا احْتَاجَ
حَتَّى يَمُوت. قَالَ: وَوَجَدته فِي (كتاب أبي خَيرة) : عَفَدَ
الرجل وَهُوَ يَعْفِد. وَذَلِكَ إِذا صفّ رجلَيْهِ فَوَثَبَ من غير
عَدْوٍ.
دفع: قَالَ اللَّيْث: الدَفْع مَعْرُوف. يَقُول: دفع الله عَنْك
الْمَكْرُوه دَفْعاً، ودافع عَنْك دِفاعاً. قَالَ والدَفْعَة:
انْتِهَاء جمَاعَة قوم إِلَى مَوضِع بمرّة. والدُّفْعَة مَا
دَفَعْتَ من سِقَاء أَو إِنَاء فانصبَّ بمرَّةٍ. وَقَالَ
الْأَعْشَى:
وسَافَتْ من دَمٍ دُفَعَا
وَكَذَلِكَ دُفَع الْمَطَر ونحوِه. قَالَ: والدُفَّاع: طَحْمة
الموج والسيل. وَأنْشد قَوْله:
جَوَاد يَفيض على المعتَفِين
كَمَا فاضَ يَمٌّ بُدُفَّاعِهِ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الدوافع: أسافل المِيث حَيْثُ تَدْفَعُ فِي
الأودية، أسفلُ كل مَيْثاء دافِعَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الدَافِعَة: التَلْعَة تَدفَع فِي تلعَة أُخْرَى
من مسايل المَاء إِذا جرى فِي صَبب وحدور من حَدَبٍ، فترى لَهُ فِي
مَوَاضِع قد انبسط شَيْئا أَو اسْتَدَارَ ثمَّ دفع فِي أُخْرَى
أَسْفَل مِنْهُ، فكلّ وَاحِد من ذَلِك دَافِعَة. والجميع
الدَوَافِع. قَالَ: ومَجْرَى مَا بَين الدافعتين مِذْنَبٌ. وَقَالَ
غَيره: المَدَافِع: المجاري والمسايل. وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
شِيبِ الْمُبَارك مدروسٌ مَدَافِعُهُ
هَابي المراغِ قليلِ الوَدْق مَوْظُوبِ
قَالَ شمر قَالَ أَبُو عدنان: المدروس: الَّذِي لَيْسَ فِي
مَدْفِعِه آثَار السَّيْل من جدوبته. والموظوب: الَّذِي قد وُظِبَ
على أكله أَي ديم عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو سعيد: مدروس
مَدَافِعُهُ: مَأْكُول مافي أوديته من النَّبَات. هابي المراغِ:
ثائرٌ غُبَاره. شِيبٌ: بيضٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الاندفاع: المضيّ فِي الأَرْض كَائِنا مَا
كَانَ. وَقَالَ فِي قَول الشَّاعِر:
أَيهَا الصُلصُل المُغِذُّ إِلَى المَدْ
فَعِ من نهر مَعقلٍ فالمذَارِ
أَرَادَ بالمَدْفَع اسْم موضعٍ. قَالَ: والمُدَفَّع: الرجل المحقور
الَّذِي لَا يُقْرَى إِن ضاف، وَلَا يُجْدَى إِن اجتدى. وَيُقَال:
فلَان سيّد قومه غير مُدَافَعٍ أَي غير مزاحَمٍ فِي ذَلِك وَلَا
مَدْفُوع عَنهُ. وَيُقَال: هَذَا طَرِيق يدْفع إِلَى مَكَان كَذَا
أَي يَنْتَهِي إِلَيْهِ. ودُفِعَ فلَان إِلَى فُلان أَي انْتهى
إِلَيْهِ.
وَيُقَال غشيتْنا سَحَابَة فدفَعْناها إِلَى بني فلَان أَي انصرفت
عَنَّا إِلَيْهِم. والدافع: النَّاقة الَّتِي تَدْفع اللبَنَ على
رَأس وَلَدهَا، إِنَّمَا يكثر اللَّبن فِي ضَرْعها حِين تُرِيدُ
أَن تصنع. وَكَذَا الشَّاة المِدفاع. والمصدر الدَفْعة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قوم يجْعَلُونَ المفْكِه والدافع سَوَاء.
يَقُولُونَ: هِيَ دَافِع بِولد،
(2/134)
وَإِن شِئْت قلت: هِيَ دافِع بِلَبن، وَإِن
شِئْت قلت: هِيَ دافِع بضَرْعها، وَإِن شِئْت قلت: هِيَ دافِع
وتسكت. وَأنْشد:
ودافِع قد دَفَعَتْ للنَّتْجِ
قد مَخضَتْ مَخَاض خَيْل نُتْجِ
وَقَالَ النَّضر: يُقَال دفعت بلبنها وباللبن إِذا كَانَ وَلَدهَا
فِي بَطنهَا، فَإِذا نُتِجت فَلَا يُقَال: دَفَعَتْ. وَقَالَ أَبُو
عَمْرو: الدُفَّاع: الْكثير من النَّاس وَمن السّير وَمن جَرْي
الْفرس إِذا تدافع جَرْيُه. وفرسٌ دَفَّاعٌ.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
إِذا صَلِيتُ بَدفَّاع لَهُ زَجَلٌ
يُوَاضِخُ الشَدَّ والتقريب والخَبَبَا
ويروى بدُفَّاعٍ يُرِيد الْفرس المتدافِع فِي جريه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: بعيرٌ مُدَفَّعٌ: كالمُقْرم الَّذِي يودَّع
للفِحْلة فَلَا يُرْكَبُ وَلَا يُحْمَل عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ الَّذِي إِذا أُتِي بِهِ ليحمل
عَلَيْهِ. قيل: ادْفَعْ هَذَا أَي دَعْه إبْقَاء عَلَيْهِ.
وَأنْشد غَيره لذِي الرمّة:
وَقَرَّبْنَ للأظعان كل مُدَفَّعِ
قَالَ: وَيُقَال: جَاءَ دُفَّاع من الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذا
ازدحموا فَركب بعضهُم بَعْضًا. أَبُو زيد: يُقَال دَافَع الرجلُ
أمرَ كَذَا وَكَذَا إِذا أولع بِهِ وانهمك فِيهِ. وَيُقَال دَافَع
فلَان فلَانا فِي حَاجته إِذا ماطله فِيهَا فَلم يقضها.
وَفِي (كتاب شمر) قَالَ أَبُو عَمْرو: المَدَافِع: مجاري المَاء.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: مَدْفَع الْوَادي: حَيْثُ يدْفع السَّيْل
وَهُوَ أَسْفَله حَيْثُ يتفرّق مَاؤُهُ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الدوَافِع: مَدَافِع المَاء إِلَى المِيث،
والميث تدفع إِلَى الْوَادي الْأَعْظَم.
فدع: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الأفدع: الَّذِي يمشي
على ظهر قَدَمَيْهِ.
أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي: هُوَ الَّذِي ارْتَفع أَخْمَص رجله
ارتفاعاً لَو وطىء صاحبُها على عصفورٍ مَا آذاه قَالَ: وَفِي رجله
قَسَطٌ وَهُوَ أَن تكون الرِجل ملساء الْأَسْفَل كَأَنَّهَا
مَالَجٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الفَدَعُ: مَيْل فِي المفاصل كلّها، كَأَن
المفاصل قد زَالَت عَن موَاضعهَا، وَأكْثر مَا يكون فِي الأرساغ.
قَالَ: وكلّ ظلِيم أفدَع؛ لِأَن فِي أَصَابِعه اعوجاجاً.
وَقَالَ رؤبة:
عَن ضَعفِ أطنابٍ وسمْكٍ أَفْدَعَا
فَجعل السّمْك المائل أَفْدَع. وَأنْشد شمر لأبي زُبَيد:
مُقَابَل الخَطْوِ فِي أَرْسَاغِهِ فَدَعُ
قَالَ: وأنشدني أَبُو عدنان:
يومٌ من النَثْرة أَو فَدْعَائِهَا
يُخْرِج نَفْسَ العَنْزِ من وَجْعَائِهَا
قَالَ: يَعْنِي بفدعائها: الذِّرَاع تُخرج نَفْس العَنْز من شدّة
القُرِّ.
قَالَ ابْن شُمَيْل: الفَدَعُ فِي الْيَد: أنْ ترَاهُ يطَأ على أم
قِردَانِهِ فيشخص صدر خُفه،
(2/135)
جملٌ أفَدع وناقةٌ فَدْعاء. وَلَا يكون
الفدع إِلَّا فِي الرُسْغ جُسْأة فِيهِ.
وَقَالَ غَيره: الفَدَع: أَن يصطك كعباه ويتباعد قدماه يَمِينا
وشِمالاً.
قلت: أصل الفَدَع الْميل والعَوَج، فكيفما مَالَتْ الرِجْل فقد
فَدِعَتْ.
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ الْبَاء)
(ع د ب)
عبد، عدب، دعب، بعد، بدع: مستعملة.
عبد: أَبُو عبيد عَن الفرّاء: مَا عَبَّد أَن فعل ذَاك وَمَا
عَتَّم وَمَا كذّب مَعْنَاهُ كُله: مالبَّث. قَالَ: وَيُقَال
امتَلّ يعدو، وانكدر يعدُو، وعَبّدَ يَعدُو إِذا أسْرع بعض
الْإِسْرَاع.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {يَكْتُبُونَ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَانِ
وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} (الزّخرُف: 81) .
قَالَ اللَّيْث: العَبَد: الأنفُ والحمِيَّة من قَول ليُستحيا
مِنْهُ ويُستنكف. قَالَ: وَقَوله: {وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ} أَي
الآنفين من هَذَا القَوْل. قَالَ: ويُقرأ: (فَأَنا أول العَبدِين)
مَقْصُور من عَبِدَ يَعْبَدُ فَهُوَ عَبِد. قَالَ: وَبَعض
الْمُفَسّرين يَقُول: {وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ} أَي كَمَا أَنه
لَيْسَ للرحمان ولد أَنا لست بِأول من عبد الله.
قلت: وَهَذِه آيَة مشكلة. وَأَنا ذَاكر أقاويل السّلف فِيهَا، ثمَّ
مُتبعها بِالَّذِي قَالَ أهل اللُّغَة وأُخبِر بأصَحِّها عِنْدِي
وَالله الْمُوفق.
فَأَما القَوْل الَّذِي ذكره اللَّيْث أوّلاً فَهُوَ قَول أبي
عُبَيْدَة، على أَنِّي مَا عَلِمتُ أحدا قَرَأَ: (فَأَنا أول
العَبِدِين) وَلَو قرىء مَقْصُورا كَانَ مَا قَالَه أَبُو
عُبَيْدَة مُحْتملا. وإذْ لم يقْرَأ بِهِ قارىء مشهورٌ لم يُعبَأ
بِهِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: مَا رُوِيَ عَن ابْن عُيَيْنَة أَنه سُئِلَ
عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ: مَعْنَاهُ: {قُلْ إِن كَانَ
لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ} (الزّخرُف: 81) ، يَقُول:
فَكَمَا أَنِّي لستُ أوّل من عَبَدَ الله فَكَذَلِك لَيْسَ لله
ولد. وَهَذَا القَوْل يُقَارب مَا قَالَه اللَّيْث آخِراً، وأضافه
إِلَى بعض الْمُفَسّرين.
وَقَالَ السُّدي: قَالَ الله تَعَالَى لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قل لَهُم: إِن كَانَ على الشَّرْط للرحمان ولد كَمَا
تَقولُونَ لَكُنْت أوّل من يطيعه ويعبده.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: إِن كَانَ مَا كَانَ.
وَقَالَ الحسَنُ وَقَتَادَة: إِن كَانَ للرحمان ولد على معنى مَا
كَانَ فَأَنا أول العابدين: أوّلُ من عَبَدَ الله من هَذِه الأمّة.
وَقَالَ الْكسَائي: قَالَ بَعضهم: إِن كَانَ أَي مَا كَانَ للرحمان
ولد فَأَنا أول العابدين: الآنفين، رجلٌ عَابِد وعَبِدٌ وآنِف
وأنِفٌ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله: {وَلَدٌ
فَأَنَاْ أَوَّلُ} (الزّخرُف: 81) أَي الغِضاب الآنفين وَيُقَال:
فَأَنا أول الجاحدين لِمَا تَقولُونَ. وَيُقَال: أَنا أول من يعبده
على الوحدانية مخالَفةً لكم.
وَرُوِيَ عَن عليّ أَنه قَالَ: عَبِدتُ فصَمَتُّ أَي أنِفْتُ
فسَكَتُّ.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ: مَعْنَاهُ: مَا كَانَ للرحمان ولد
وَالْوَقْف على الْوَلَد، ثمَّ
(2/136)
يبتدىء: فَأَنا أول العابدين لَهُ، على
أَنه لَا ولد لَهُ. وَالْوَقْف على (العابدين) تامّ.
قلت: قد ذكرتُ أقاويل مَن قدّمنا ذكرهم، وَفِيه قَول أحسن من
جَمِيع مَا قَالُوا وأَسْوغ فِي اللُّغَة، وَأبْعد من الاستكراه
وأسرع إِلَى الْفَهم.
رَوَى عبد الرازق عَن مَعْمَر عَن ابْن أبي نَجِيح عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله تَعَالَى: {يَكْتُبُونَ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَانِ
وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} (الزّخرُف: 81) يَقُول:
إِن كَانَ لله ولد فِي قَوْلكُم فَأَنا أول من عَبَدَ الله وَحده
وكذّبكم بِمَا تَقولُونَ.
قلت: وَهَذَا وَاضح. وممّا يزِيدهُ وضوحاً أَن الله جلّ وعزّ قَالَ
لنبيّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قل يَا مُحَمَّد للْكفَّار إِن
كَانَ للرحمان ولد فِي زعمكم فَأَنا أول العابدين إلهَ الْخلق
أَجْمَعِينَ الَّذِي لم يلد وَلم يُولد، وأولّ الموحِّدين للرب
الخاضعين المطيعين لَهُ وَحده؛ لِأَن من عَبَدَ الله واعترف
بِأَنَّهُ معبوده وَحده لَا شريك لَهُ فقد دَفَعَ أَن يكون لَهُ
ولد. وَالْمعْنَى: إِن كَانَ للرحمان ولد فِي دعواكم فَالله جلّ
وعزّ وَاحِد لَا شريك لَهُ، وَهُوَ معبودي الَّذِي لَا ولد لَهُ
وَلَا وَالِد.
قلت: وَإِلَى هَذَا ذهب إِبْرَاهِيم بن السَرِيّ وَجَمَاعَة من
ذَوي الْمعرفَة، وَهُوَ القَوْل الَّذِي لَا يجوز عِنْدِي غَيره.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ
أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرَاءِيلَ} (الشُّعراء: 22) الْآيَة. قلت:
وَهَذِه الْآيَة تقارِب الَّتِي فسّرنا آنِفا فِي الْإِشْكَال،
وَنَذْكُر مَا قيل فِيهَا ونخبر بالأصحّ الأوضح ممَّا قيل.
أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: قَالَ
الْأَخْفَش فِي قَوْله: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ
أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرَاءِيلَ} قَالَ: يُقَال: إِن هَذَا
استفهامٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: أوَ تِلْكَ نعْمَة تمنُّها عليّ ثمَّ
فَسَّر فَقَالَ: أَن عَبّدت بني إِسْرَائِيل فَجعله بَدَلا من
النِّعْمَة.
قَالَ أَبُو العبّاس: وَهَذَا غلط؛ لَا يجوز أَن يكون
الِاسْتِفْهَام يُلْقى وَهُوَ يُطْلَبُ، فَيكون الِاسْتِفْهَام
كالخبر. وَقد استُقبح وَمَعَهُ (أم) وَهِي دَلِيل على
الِاسْتِفْهَام. استقبحوا قَول امرىء الْقَيْس:
تروح من الحَيّ أم تَبْتَكِرْ
قَالَ بَعضهم: هُوَ أتروح من الحيّ أم تبتكر فَحذف الِاسْتِفْهَام
أوّلاً وَاكْتفى بِأم. وَقَالَ أَكْثَرهم: بل الأول خبر
وَالثَّانِي اسْتِفْهَام. فأمَّا وَلَيْسَ مَعَه (أم) لم يقلهُ
إِنْسَان.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَقَالَ الفرّاء: وَتلك نعْمَة تمنها
عليّ، لِأَنَّهُ قَالَ: وَأَنت من الْكَافرين لنعمتي أَي لنعمة
تربيتي لَك، فَأَجَابَهُ فَقَالَ: نعم هِيَ نعْمَة عليّ أَن
عَبَّدت بني إِسْرَائِيل وَلم تستعبدني. يُقَال: عَبَّدَتُ
العَبِيد وأعبدتهم أَي صيّرتُهم عبيدا، فَيكون مَوضِع (أَن) رفعا
وَيكون نصبا وخفضاً. من رَفَع ردّها على النِّعْمَة، كَأَنَّهُ
قَالَ: وَتلك نعْمَة تعبيدك بني إِسْرَائِيل ولَمْ تُعَبِّدْني.
وَمن خفض أَو نصب أضمر اللَّام. قلت: وَالنّصب أحسن الْوُجُوه،
الْمَعْنى: أَن فِرْعَوْن لمّا قَالَ لمُوسَى: {قَالَ أَلَمْ
نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ
سِنِينَ} (الشُّعَرَاء: 18) فاعتَدّ فرعونُ على
(2/137)
مُوسَى بِأَن ربّاه وليداً مُنْذُ وُلِد
إِلَى أَن كَبِر، فَكَانَ من جَوَاب مُوسَى لَهُ: تِلْكَ نعْمَة
تَعتدّ بهَا عليّ لِأَنَّك عَبّدتَ بني إِسْرَائِيل وَلَو لم
تُعبْدهم لكفَلني أَهلِي وَلم يُلْقوني فِي اليمّ، فَإِنَّمَا
صَارَت نعْمَة لِمَا أقدمت عَلَيْهِ ممَّا حظره الله عَلَيْك.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجّاج: المفسّرون أخرجُوا هَذِه على
جِهَة الْإِنْكَار أَن تكون تِلْكَ نعْمَة، كَأَنَّهُ قَالَ: وأيّ
نعْمَة لَك عليّ فِي أَن عَبَّدت بني إِسْرَائِيل وَاللَّفْظ لفظ
خبر. قَالَ: وَالْمعْنَى يخرج على مَا قَالُوا على أَن لَفظه لفظ
الْخَبَر. وَفِيه تبكيتٌ للمخاطَب كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ هَذِه
نعْمَة أَن اتخذتَ بني إِسْرَائِيل عَبيداً، على جِهَة التهكّم
بفرعون. وَاللَّفْظ يُوجب أَن مُوسَى قَالَ لَهُ: هَذِه نعْمَة
لِأَنَّك اتَّخذت بني إِسْرَائِيل عبيدا وَلم تتخذني عَبداً،
وَقَالَ الشَّاعِر فِي أعبَدت الرجل بِمَعْنى عَبَّدته:
علام يُعْبِدُني قومِي وَقد كثرت
فيهم أباعِر مَا شَاءُوا وعُبْدانُ
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: المُعَبَّد:
المُذَلَّل. والمُعَبّد: الْبَعِير الجَرِبُ. وَأنْشد لَطَرفة:
وأفردت إِفْرَاد الْبَعِير المعُبَّدِ
قَالَ والمُعَبَّد: المكرَّم فِي بَيت حَاتِم حَيْثُ يَقُول:
تَقول أَلا تُبقي عَلَيْك فإنني
أرى المَال عِنْد الممسكين مُعَبَّدَا
أَي مُعَظَّماً مخدُوماً. قَالَ: وَأَخْبرنِي الحرّاني عَن ابْن
السّكيت: يُقَال اسْتَعْبَده وعَبَّدَه أَي أَخذه عَبْداً وَأنْشد
قَول رؤبة:
يَرْضَوْنَ بالتعبيد والتأمِيّ
قَالَ: وَيُقَال: تَعَبَّدت فلَانا أَي اتّخذته عَبداً، مثل
عَبَّدته سَوَاء. وَتَأَمَّيْتُ فلانةَ أَي اتخذتها أَمَةً.
وَقَالَ الفرّاء: يُقَال: فلَان عَبْدٌ بَيِّنُ العُبُودة
والعُبُودِيَّة والعَبْدِيّة. وتَعَبَّد الله العَبْد بِالطَّاعَةِ
أَي استعبده.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن
ذالِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ
عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ
الطَّاغُوتَ} (الْمَائِدَة: 60) قَرَأَ أَبُو جَعْفَر وشَيْبَة
ونافِع وعاصِم وَأَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ: و {وُوِوَعَبَدَ
الطَّاغُوتَ} .
قَالَ الفرّاء: هُوَ مَعْطُوف على قَوْله وَجعل مِنْهُم القِردَة
والخنازير وَمن عَبَدَ الطاغوت.
وَقَالَ الزّجاج: قَوْله {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} نَسَقٌ على {مَن
لَّعَنَهُ اللَّهُ} الْمَعْنى: من لَعنه الله وَمن عبد الطاغوت.
قَالَ وَتَأْويل {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} أَي أطاعه يَعْنِي
الشَّيْطَان فِيمَا سوّل لَهُ وأغواه. قَالَ: والطاغوت هُوَ
الشَّيْطَان.
قَالَ فِي قَول الله تَعَالَى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (الفَاتِحَة:
5) : إياك نطيع الطَّاعَة الَّتِي نخضع مَعهَا.
قَالَ: وَمعنى الْعِبَادَة فِي اللُّغَة: الطَّاعَة مَعَ الخضوع.
وَيُقَال طريقٌ مُعَبَّدٌ إِذا كَانَ مذلَّلاً بِكَثْرَة الْوَطْء،
وبعيرٌ مُعَبَّد إِذا كَانَ مَطْليًّا بالقَطِران. وَقَرَأَ:
(وعَبُدَ الطاغوتِ)
(2/138)
يحيى بن وَثّابٍ وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة.
قَالَ الفرّاء: وَلَا أعلم لَهُ وَجها إِلَّا أَن يكون عَبُدَ
بِمَنْزِلَة حذُر وعَجُل.
وَقَالَ نُصَير الرازيّ: (عَبُدٌ) وَهمٌ ممَّن قَرَأَهُ، ولسنا
نَعْرِف ذَلِك فِي العربيَّة.
ورُوي عَن النَّخعِيّ أَنه قَرَأَ: (وعُبُدَ الطاغوتِ) وَذكر
الفرّاء أَن أُبَيَّاً وَعبد الله قرءا (وعبدوا الطاغوت) .
ورُوي عَن بَعضهم أَنه قَرَأَ: (وعُبَّاد الطاغوت) وَبَعْضهمْ
(وعَابِدَ الطاغوت) .
ورُوي عَن ابْن عَبَّاس: (وعُبِّدَ الطاغوت) .
ورُوي عَنهُ أَيْضا: (وعُبَّدَ الطاغوت) .
قلت: وَالْقِرَاءَة الجيّدة الَّتِي لَا يجوز عندنَا غَيرهَا هِيَ
قِرَاءَة العامّة الَّتِي بهَا قَرَأَ القُرّاء المشهّرون.
{وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} (الْمَائِدَة: 60) على التَّفْسِير الَّذِي
بيّنته من قَول حُذَّاق النَّحْوِيين.
قلت: وَأما قَول أَوْس بن حجر:
أبَنِي لبيني أَن أُمَّكُمُ
أَمَةٌ وَإِن أَبَاكُم عَبُدُ
فَإِنَّهُ أَرَادَ: وَإِن أَبَاكُم عَبْد فثقَّله للضَّرُورَة،
فَقَالَ: عَبُدُ.
وَقَالَ اللَّيْث: العَبد: الْمَمْلُوك. وجماعتهم: العَبِيد، وهم
العِبَاد أَيْضا؛ إلاَّ أنّ العامّة اجْتَمعُوا على تَفْرِقَة مَا
بَين عباد الله والمَماليك، فَقَالُوا: هَذَا عَبْد من عباد الله،
وَهَؤُلَاء عبيد مماليك.
قَالَ: وَلَا يُقَال: عَبَدَ يَعْبُدُ عِبَادَةً إلاّ لمن يَعْبُدُ
الله. وَمن عَبَدَ مِن دونه إِلَهًا فَهُوَ من الخاسرين.
قَالَ: وَأما عَبْدٌ خَدَمَ مَوْلَاهُ فَلَا يُقَال: عَبَدَه.
قَالَ اللَّيْث: وَمن قَرَأَ: (وَعَبُدَ الطاغوتُ) فَمَعْنَاه صَار
الطاغوتُ يُعْبَد، كَمَا يُقَال: فَقُهَ الرجل وظَرُفَ. قلت: غَلِط
اللَّيْث فِي الْقِرَاءَة وَالتَّفْسِير. مَا قَرَأَ أحد من
قُرَّاء الْأَمْصَار وَغَيرهم (وَعَبُدَ الطاغوتُ) بِرَفْع
الطاغوت، إِنَّمَا قَرَأَ حَمْزَة: (وَعَبُدَ الطاغوتِ) وَهِي
مهجورة أَيْضا.
قَالَ اللَّيْث: وَيُقَال للْمُشْرِكين: هم عَبَدَة الطاغوتِ.
وَيُقَال للْمُسلمين: عِبَاد الله يَعْبُدُون الله. وَذكر اللَّيْث
أَيْضا قِرَاءَة أُخْرَى مَا قَرَأَ بهَا أحد وَهِي (وعابدو
الطاغوت) جمَاعَة.
وَكَانَ ح قَلِيل الْمعرفَة بالقراءات. وَكَانَ نَوْلُه ألاّ
يَحْكِي الْقرَاءَات الشاذَّة، وَهُوَ لَا يحفظها القارىء قَرَأَ
بهَا وَهَذَا دَلِيل على أَن إِضَافَته كِتَابه إِلَى الْخَلِيل بن
أَحْمد غير صَحِيح، لِأَن الْخَلِيل كَانَ أَعقل وَأَوْرَع من أَن
يسمِّى مثل هَذِه الْحُرُوف قراءات فِي الْقُرْآن، وَلَا تكون
مَحْفُوظَة لقارىء مَشْهُور من قُرّاء الْأَمْصَار وَدَلِيل على
أَن اللَّيْث كَانَ مغفَّلاً ونسأل الله التَّوْفِيق للصَّوَاب.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال أعبَدني فلَان فلَانا أَي ملّكني إيّاه.
قلت: وَالْمَعْرُوف عِنْد أهل اللُّغَة: أعبَدت فلَانا أَي
استعبدته. وَلست أنكر جَوَاز مَا ذكره اللَّيْث إِن صحَّ لثقة من
الْأَئِمَّة، فَإِن السماع فِي اللُّغَات أولى بِنَا من القَوْل
بالحَدْس والظنّ وابتداع قياسات لَا تستمرّ
(2/139)
وَلَا تطّرد.
وَقَالَ اللَّيْث: العِبِدَّى: جمَاعَة العَبيد الَّذين وُلِدُوا
فِي العُبُودَة، تعبيدةً ابنَ تعبيدة، أَي فِي العُبُودة إِلَى
آبَائِهِ.
قلت: هَذَا غَلَط. يُقَال: هَؤُلَاءِ عِبِدَّى الله أَي عِبَادُه.
وَفِي الحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِي الاسْتِسْقَاء: (وَهَذِه
عِبِدّاك بِفناء حَرَمك) .
قَالَ اللَّيْث: والعبادِيد: الْخَيل إِذا تفرّقتْ فِي ذهابها
ومجيئها، وَلَا تقع إِلَّا على جمَاعَة: لَا يُقَال للْوَاحِد
عِبْدِيد.
قَالَ وَيُقَال فِي بعض اللُّغَات: عبابيد، وَأنْشد:
وَالْقَوْم آتوك بَهزٌ دون إِخْوَتهم
كالسيل يركب أَطْرَاف العبَابِيد
قَالَ: وَهِي الْأَطْرَاف الْبَعِيدَة، والأشياء المتفرقة. وهم
عَباديد أَيْضا.
قلت: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العبابيد: الطُرُق الْمُخْتَلفَة.
ورَوَى أَبُو طَالب عَن أَبِيه عَن الفرّاء أَنه قَالَ: العَبَاديد
والشماطِيط لَا يُفْرد لَهُ وَاحِد.
قَالَ: وَقَالَ غَيره: وَلَا يُتكلم بهما فِي الإقبال، إِنَّمَا
يتَكَلَّم بهما فِي التَّفَرُّق والذهاب.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال صَارُوا عَبابِيد وعَبَادِيد
أَي متفرّقين.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ}
(الْمُؤْمِنُونَ: 47) أَي دائنون، وكل من دَان لملكٍ فَهُوَ عَابد
لَهُ.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: فلَان عَابِد وَهُوَ الخاضع لربّه
المستسلم لقضائه المنقاد لأَمره. وَقَوله {اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ}
(الْبَقَرَة: 21) أَي أطِيعُوا ربّكم. وَقيل فِي قَوْله: {إِيَّاكَ
نَعْبُدُ} (الْفَاتِحَة: 5) : إيّاك نوحِّد، وَالْعَابِد الموحِّد.
وَالدَّرَاهِم العَبْديَّة كَانَت دَرَاهِم أفضل من هَذِه
الدَّرَاهِم وَأكْثر وزنا. وَأما بَيت بشر:
مُعَبَّدةُ السقائف ذَات دُسْرٍ
مُضَبَّرةٌ جوانبها رَداحُ
فَإِن أَبَا عُبَيْدَة قَالَ: المعَبَّدة: المطليَّة بالشحم أَو
الدُهْن أَو القار. وَقيل مُعَبَّدة: مُقَيرة. وَقَالَ شمر: يُقَال
للعبيد مَعْبَدَة. وَأنْشد للفرزدق:
وَمَا كَانَت فُقَيم حَيْثُ كَانَت
بِيَثْرِب غيرَ مَعْبَدَة قُعُودِ
قلت: وَمثل معبَدة جمع العبْد مشيْخة جمع الشَّيْخ، ومسْيفة جمع
السَّيْف. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أعبَدَ الْقَوْم بالرجُل إِذا
ضربوه، وَقد أُعْبِدَ بِهِ إِذا ذهبتْ رَاحِلَته، وَكَذَلِكَ
أُبْدِعَ بِهِ. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: نَاقَة ذَات عَبَدَة
أَي لَهَا قوّة شَدِيدَة. وَقَالَ شمر: العَبَدَة الْبَقَاء يُقَال
مَا لثوبك عَبَدَة أَي بَقَاء سُمِّي عَلْقمة بن عَبَدَة وَقَالَ
أَبُو دوادٍ الإياديُ:
إنْ تُبتذل تُبتذل من جندلٍ خِرسٍ
صَلاَبةٍ ذَات أَسدارٍ لَهَا عَبَدَه
وَقيل أَرَادَ بالعَبَدَة: الشدّة. وَقَالَ شمر: يُجمع العَبْدُ
عَبيداً ومَعْبُودَاء وعِبِدَّى ومَعْبَدَة وعُبْدَاناً
وعِبْدَاناً وَأنْشد:
(2/140)
تركت العِبدّى يَنْقُرون عجانَهَا
وَقَالَ اللحياني: عَبَدت الله عِبَادَةً ومَعْبَداً والمُعَبَّدُ:
الطَّرِيق الموطوء فِي قَوْله:
وَظيفاً وظيفاً فَوق مَوْرٍ مُعَبَّدِ
وَأنْشد شمر:
وَبَلد نائي الصُوَى مُعَبَّد
قطعتُه بذاتِ لَوْثٍ جَلْعَدِ
قَالَ: أنشدنيه أَبُو عدنان وَذكر أَن الكلابيّة أنشدته وَقَالَت:
المُعَبَّد: الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أثَر وَلَا عَلم وَلَا مَاء.
وَقَالَ شمر: المُعَبَّدُ من الْإِبِل: الَّذِي قد عُمَّ جِلدُه
كلّه بالقَطران من الجَرَب. وَيُقَال: المُعَبَّدُ: الأجرب الَّذِي
قد تساقط وَبَره فأُفرد عَن الْإِبِل ليُهْنَأَ. وَيُقَال: هُوَ
الَّذِي عَبَّده الجَرَب أَي ذَلّلَهُ. وَقَالَ ابْن مقبل:
وضَمَّنتُ أرسانَ الْجِيَاد مُعَبَّداً
إِذا مَا ضربنا رَأسه لَا يُرَنَّحُ
قَالَ: والمعَبَّد هَهُنَا الوتِد وَيُقَال أنوم من عَبّود. قَالَ
الْمفضل بن سَلمَة: كَانَ عبود عبدا أسود حطاباً فَغَبَر فِي
محتطبه أسبوعاً لم ينم ثمَّ انْصَرف وَبَقِي أسبوعاً نَائِما فَضرب
بِهِ الْمثل وَقيل: نَام نوم عبّود وَقَالَ أَبُو عدنان: سَمِعت
الكلابيّين يَقُولُونَ: بعيرٌ مُتَعَبِّدٌ ومُتَأَبِّد إِذا امْتنع
على النَّاس صعوبةً فَصَارَ كآبِدة الوَحْش. قَالَ وَيُقَال:
عَبِدَ فلَان: إِذا ندِم على شَيْء يفوتهُ وَيَلُوم نَفسه على
تَقْصِير كَانَ مِنْهُ. وَقَالَ النَّضر: العَبَدُ طول الْغَضَب.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الفرّاء: عَبِدَ عَلَيْهِ وأحِن عَلَيْهِ
وأمِد وأبِد أَي غضِب. وَقَالَ الغَنَوِيّ: العَبَدُ: الحزَنُ
والوَجْد. وَقيل فِي قَول الفرزدق:
أُولَئِكَ قوم إِن هجوني هجوتهم
وأعْبَدُ أَن أهجو كُلَيباً بدَارِمِ
أعْبَدُ: أَي آنف. وَقَالَ ابْن أَحْمَر يصف الغَوّاص:
فأرسَل نَفسه عَبَداً عَلَيْهَا
وَكَانَ بِنَفسِهِ أرِباً ضَنِينَا
قيل: معنى قَوْله: عَبَداً أَي أنَفَاً. يَقُول: أنِفَ أَن تفوته
الدُرَّة. وَقَالَ شمر: قيل للبعير إِذا هُنِىءَ بالقَطِران:
مُعَبَّدٌ لِأَنَّهُ يتذلَّل لشهوته للقطران وَغَيره، فَلَا
يمْتَنع. والتعبُّد: التذلّل. قَالَ: والمعَبَّد: المذلَّل.
يُقَال: هُوَ الَّذِي يُتركُ وَلَا يُركبُ. ثَعْلَب عَن ابْن
الْأَعرَابِي: يُقَال: ذهب الْقَوْم عَبَادِيد وعَبَابِيد إِذا
ذَهَبُوا متفرّقين، وَلَا يُقَال: أَقبلُوا عَبَادِيد. قَالَ:
والعَبَادِيد: الآكام. وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جلّ وعزّ:
{الْمُؤْمِنِينَ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ}
(الذّاريَات: 56) الْآيَة، الْمَعْنى: مَا خلقتهمْ إلاّ لأدعوهم
إِلَى عبادتي وَأَنا مُرِيد العِبَادَة مِنْهُم، وَقد علم الله قبل
أَن يخلقهم من يَعْبُدُه ممّن يكفر بِهِ، وَلَو كَانَ خلقهمْ
ليُجبرهم على عِبَادَته لكانوا كلهم عُبَّاداً مُؤمنين. قلت:
وَهَذَا قَول أهل السنّة وَالْجَمَاعَة. وَقَالَ ابْن
الْأَعرَابِي: المعَابد: المسَاحِي والمُرُور، وَاحِدهَا مِعْبَدٌ.
قَالَ عَدِيّ بن زيد العِبَاديّ:
إِذْ يَحْرُثْنَه بالمَعَابِدِ
وَقَالَ أَبُو نصر: المعَابد: العَبيد. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن
الْأَعرَابِي قَالَ: العَبْدُ: نَبَات طيّب الرَّائِحَة. وَأنْشد:
(2/141)
حَرَّقها العَبد بعنظوانِ
فاليومُ مِنْهَا يومُ أَرْوَنانِ
قَالَ: والعَبْد تَكْلَف بِهِ الإبلُ؛ لِأَنَّهُ مَلْبَنَة
مَسْمَنة، وَهُوَ حادٌّ المِزَاج، إِذا رعته الْإِبِل عطشت فطلبت
المَاء، وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن سَلَمة عَن
الفرّاء: يُقَال صُكّ بِهِ فِي أم عُبَيد، وَهِي الفَلاَة وَهِي
الرّقّاصَة. قَالَ: وَقلت للقَنَاني: مَا عُبَيد؟ فَقَالَ: ابْن
الفلاة. وَأنْشد قَول النَّابِغَة:
مُنَدَّى عُبَيدان المحلِّىء باقِرَهْ
قَالَ: يَعْنِي بِهِ الفَلاَة. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: عُبَيْدان:
اسْم وَادي الحَيّة، وَذكر قصَّتها وَاسْتشْهدَ عَلَيْهَا بِشعر
النَّابِغَة. والعِبَاد: قوم من أفناء الْعَرَب، نزلُوا بالحِيرة
وَكَانُوا نَصَارَى، مِنْهُم عَدِيّ بن زيد العِبَاديّ. وَقد
سَمَّت الْعَرَب عَبَّاداً وعُبَادة وعُبَاداً وعَبِيداً وعَبيدة
وعَبَدَة ومَعْبَداً وعُبَيْداً وعابداً وعَبْدان وعُبَيْدان
تَصْغِير عَبدان.
عدب: أهمله اللَّيْث وَهُوَ مَعْرُوف. روى أَبُو عبيد عَن أبي
عُبَيْدَة والأصمعي أَنَّهُمَا قَالَا: العَداب: مُسْتَرق الرمل
حَيْثُ يذهب مُعْظمها وَيبقى شَيْء مِنْهَا. وَأنْشد:
وأقفر المُودِس من عَدَابها
يَعْنِي الأَرْض الَّتِي قد أنبتت أول نبت ثمَّ أَيسَرت.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
كثَور العَداب الفَرد يضْربهُ الندَى
تعَلّى الندى فِي مَتْنه وتحدّرا
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَدُوبُ: الرمل الْكثير.
والعَدابُ: مَا استَرَقّ من الرمل. شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي
قَالَ: العُدَبيّ من الرِّجَال: الْكَرِيم الأخلاقِ. وَقَالَ
كَثير:
سَرَت مَا سَرَت من لَيْلهَا ثمَّ عَرَّسَتْ
إِلَى عُدَبيَ ذِي غَناء وَذي فَضْلِ
وَقَالَ الرياشي فِي العُدبيّ مثله. وَهُوَ حرف صَحِيح غَرِيب.
بدع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {الرَّحِيمُ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً
مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ إِنْ
أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ
مُّبِينٌ} (الْأَحْقَاف: 9) الْآيَة. أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن
الحَرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: البِدْعة: كلّ مُحْدَثة.
وَيُقَال: سِقَاء بَدِيع أَي جَدِيد. وَكَذَلِكَ زِمام بديع.
وأفادني المنذريّ لأبي عُمَر الدُوريّ عَن الْكسَائي أَنه قَالَ:
البِدْع فِي الشرّ وَالْخَيْر. وَقد بَدُعَ بَدَاعَةً وبُدُوعاً.
ورجلٌ بِدْع وَامْرَأَة بِدْعَةٌ إِذا كَانَ غَايَة فِي كل شَيْء،
كَانَ عَالما أَو شريفاً أَو شجاعاً. وَقد بُدِعَ الْأَمر بَدْعاً
وبَدَعُوهُ وابتَدَعُوه. وَرجل بِدْع ورجالٌ أَبْدَاع ونساءٌ بدعٌ
وأبْداع شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: البِدْع من الرِّجَال الغُمْر
قَالَ أَبُو عدنان: المبتدع الَّذِي يَأْتِي أمرا على شِبْه لم يكن
ابتدأه إيّاه قلت: وَمعنى قَول الله تَعَالَى: {الرَّحِيمُ قُلْ
مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى
وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ وَمَآ
أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أَي مَا كنتُ أول مَنْ أرسِل، قد
أرسِل قبلي رُسُلٌ كثير.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن
تِهامة كبَديع العسَل: حلُوٌ أوّله، حُلوٌ آخِره) . البَديع:
السِقَاء الْجَدِيد والزِقّ الْجَدِيد. وشبّه تهَامَة بزِقّ
العَسَل لِأَنَّهُ لَا يتغيّر هواؤها، فأوله وَآخره طيب،
وَكَذَلِكَ العَسَل لَا يتَغَيَّر. وأمّا اللَّبن فَإِنَّهُ
يتغيّر. وتهامة فِي فُصُول السّنة كلِّها طيِّبة عَذاةٌ،
(2/142)
ولياليها أطيب اللَّيَالِي، لَا تؤذِي
بحَرَ مُفرِط وَلَا قُرَ مؤذٍ. وَمِنْه قَول امْرَأَة من الْعَرَب
وصفتْ زَوجهَا فَقَالَ: زَوجي كليلِ تهَامَة، لَا حَرّ وَلَا قُرّ
وَلَا مَخَافَة وَلَا سآمة. وَقَول الله جلّ وعزّ: {بَدِيعُ
السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ} (البَقَرة: 117) أَي خالقهما. وبَديعٌ
من أَسمَاء الله وَهُوَ البَديع الأوَّل قبل كل شَيْء. وَيجوز أَن
يكون من بَدَعَ الخَلْقَ أَي بدأه. وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى
مُبْدع.
وَقَالَ الزّجاج: بديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض منشئهما على غير
حِذَاء وَلَا مِثَال. وكلّ مَن أنشأ مَا لم يسبَق إِلَيْهِ قيل
لَهُ: أَبْدَعْتَ. وَلِهَذَا قيل لمن خَالف السّنة: مُبْتَدِع.
لِأَنَّهُ أحدث فِي الْإِسْلَام مَا لم يسْبقهُ إِلَيْهِ السَّلَف.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإسنادٍ صَحِيح أَنه
قَالَ: (إيَّاكم ومُحْدَثَات الْأُمُور، فَإِن كل مُحْدَثة بِدْعة،
وكل بِدعَة ضَلَالَة) .
قلت: وَقَول الله تَعَالَى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ}
بِمَعْنى مُبْدعهما؛ إِلَّا أَن (بديع) مِن بَدَع لَا مِن
أَبْدَعَ. وَأَبْدَعَ أَكثر فِي الْكَلَام من بَدَعَ وَلَو استُعمل
بَدَعَ لم يكن خطأ، فبَدِيع فَعِيل بِمَعْنى فَاعِل مثل قدير
بِمَعْنى قَادر. وَهُوَ صفة من صِفَات الله؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ
الْخلق على مَا أَرَادَ على غير مثالٍ تَقَدّمه.
والبَديع من الحِبال: الَّذِي ابتدىء فَتْله، وَلم يكن حبْلاً
فنكِث ثمَّ غُزِلَ وأعيد فتله. وَمِنْه قَول الشماخ:
وأُدْمج دَمْج ذِي شَطَنٍ بَدِيعِ
وَأنْشد الأعرابيّ فِي السّقاء:
نَضْحَ البَدِيعِ الصَفَق المُصَفَّرا
يَعْنِي المزاد الْجَدِيد الَّذِي يسرّب أول مَا يسقَى فِيهِ
فَيخرج مَاؤُهُ أصفر، وَهُوَ الصَّفَق.
قلت: والبَديع بِمَعْنى السِّقاء أَو الحبْل فعِيل بِمَعْنى مفعول.
ورَوَى عبد الله بن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله إنّي قد أُبْدِعَ بِي
فَاحْمِلْنِي.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُقَال للرجل إِذا
كَلَّتْ رِكَابه أَو عَطِبتْ وَبَقِي مُنْقَطِعًا بِهِ: قد أُبدِع
بِهِ.
قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي مثله، وَزَاد فِيهِ: أبدَعَتِ الركابُ
إِذا كَلَّتْ وعَطِبَتْ.
وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: لَا يكون الإبداع إلاّ بظَلْعٍ، يُقَال
أبدَعَتْ بِهِ رَاحِلَته إِذا ظَلَعتْ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَلَيْسَ هَذَا باخْتلَاف، وَبَعضه شَبيه ببعضٍ.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال أَبْدَعَ فلَان بفلان إِذا قَطَعَ بِهِ
وخَذَله وَلم يقم بحاجته وَلم يكن عِنْد ظنّه بِهِ.
وَقَالَ أَبُو سعيد: أُبْدِعَتْ حُجَّة فلَان أَي أُبْطِلَتْ،
وَأَبْدَعَتْ حجّته أَي بَطَلَتْ.
وَقَالَ غَيره: أَبْدَعَ بِرُّ فلَان بشكري وأبدَع فَضله وإيجابه
بوصفي إِذا شكره على إحسانه إِلَيْهِ، واعترف بِأَن شكره لَا يَفِي
بإحسانه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: بَدِعَ يَبْدَعُ فَهُوَ بَدِيعٌ إِذا
سَمِنَ.
(2/143)
وَأنْشد لبَشِير بن النِكْث أحد الرُجَّاز:
فبَدِعَتْ أَرْنَبُهُ وخِرْنُقُهْ
أَي سمِنتْ
وَقال اللَّيْث: قرىء: (بديعَ السَّمَوَات وَالْأَرْض)
(الْبَقَرَة: 117) بِالنّصب على وَجه التَّعَجُّب لِمَا قَالَ
الْمُشْركُونَ، على معنى بدْعاً مَا قُلْتُمْ وبديعاً اخترقتم،
فنصبه على التعجّب وَالله أعلم أهوَ كَذَلِك أم لَا. فأمّا
قِرَاءَة الْعَامَّة فالرفع، وَيَقُولُونَ: هُوَ اسْم من أَسمَاء
الله.
قلت مَا علمت أحدا من القرّاء قَرَأَ: (بديعَ) بِالنّصب،
والتعجُّبُ فِيهِ غير جَائِز. وَإِن جَاءَ مثله فِي الْكَلَام
فنصبه على الْمَدْح كَأَنَّهُ قَالَ اذكر بديع السَّمَاوَات شمر
عَن ابْن الْأَعرَابِي: البِدْع من الرِّجَال الغُمْرُ.
بعد: قَالَ اللَّيْث: بَعْدُ كلمة دالّة على الشَّيْء الْأَخير.
تَقول: بعدَ هَذَا، منصوبٌ. فَإِذا قلت: أمَّا بعدُ فَإنَّك لَا
تضيفه إِلَى شَيْء، وَلَكِنَّك تَجْعَلهُ غَايَة نقيضاً لقَبْل.
قَالَ الله تَعَالَى: {بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الاَْمْرُ مِن
قَبْلُ} (الرُّوم: 4) فرفعهما لِأَنَّهُمَا غايةٌ مقصودٌ
إِلَيْهَا، فَإِذا لم يَكُونَا غَايَة فهما نَصْبٌ لِأَنَّهُمَا
صفة.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: قَالُوا: قَبل وَبَعد من الأضداد.
وَقَالَ فِي قَول الله تَعَالَى: {ضُحَاهَا وَالاَْرْضَ بَعْدَ
ذَلِكَ دَحَاهَا} (النَّازعات: 30) أَي قبل ذَلِك. قلت وَالَّذِي
حَكَاهُ أَبُو حَاتِم عمَّن قَالَه خطأ، قبل وبعدُ كلّ وَاحِد
مِنْهُمَا نقيض صَاحبه، فَلَا يكون أَحدهمَا بِمَعْنى الآخر،
وَهُوَ كَلَام فَاسد.
وأمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {ضُحَاهَا وَالاَْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ
دَحَاهَا} (النَّازعات: 30) فَإِن السَّائِل يَسأل عَنهُ فَيَقُول:
كَيفَ قَالَ: {وَالاَْرْضَ بَعْدَ} وَالْأَرْض أُنشىء خَلْقها قبل
السَّمَاء، وَالدَّلِيل على ذَلِك قَول الله تَعَالَى: {مَمْنُونٍ
قُلْ أَءِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الاَْرْضَ فِى
يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ} (فُصّلَت: 9) فلمَّا فرغ من ذكر الأَرْض
وَمَا خَلَق فِيهَا قَالَ الله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ}
(فصلت: 11) وثُمَّ لَا يكون إِلَّا بَعد الأول الَّذِي ذُكِر قبله.
وَلم يخْتَلف المفسّرون أَن خَلْق الأَرْض سَبَق خَلق السَّمَاء.
وَالْجَوَاب فِيمَا سَأَلَ عَنهُ السَّائِل أَن الدَحْوَ غيرُ
الْخلق، وإنَّما هُوَ البَسْط، والخَلق هُوَ الْإِنْشَاء الأوَّل.
فَالله جلّ وعزّ خلق الأَرْض أوَلاً غير مَدْحُوَّة. ثمَّ خلق
السَّمَاء، ثمَّ دَحا الأَرْض أَي بَسَطها.
والآيات فِيهَا مؤتلِفة وَلَا تنَاقض بِحَمْد الله فِيهَا عِنْد من
يفهمها. وَإِنَّمَا أُتِيَ الملحِد الطاعن فِيمَا شاكلها من
الْآيَات من جِهَة غباوته وغِلظ فهمه، وقلَّة علمه بِكَلَام
الْعَرَب.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ
الاَْمْرُ مِن قَبْلُ} (الرُّوم: 4) الْقِرَاءَة بِالرَّفْع بِلَا
نونٍ لِأَنَّهُمَا فِي الْمَعْنى يُرَاد بهما الْإِضَافَة إِلَى
شَيْء لَا محَالة، فَلَمَّا أدّتا عَن معنى مَا أضيفتا إِلَيْهِ
وسُميتَا بِالرَّفْع، وهما فِي مَوضِع جرّ ليَكُون الرّفْع دَلِيلا
على مَا سقط. وَكَذَلِكَ مَا أشبههما؛
(2/144)
كَقَوْلِه:
إِن تأت من تَحت أجئها من علو
وَقَالَ الآخر:
إِذا أَنا لم أومن عَلَيْك وَلم يكن
لقاؤك إلاّ مِن وراءُ وراءُ
فَرفع إِذْ جعله غَايَة وَلم يذكر بَعدَه الَّذِي أضيف إِلَيْهِ.
قَالَ الفرّاء: وَإِن نَوَيْت أَن تُظهر مَا أضيف إِلَيْهِ وأظهرته
فَقلت: لله الْأَمر من قبلِ وَمن بَعدِ جَازَ، كَأَنَّك أظهرت
المخفوض الَّذِي أضفت إِلَيْهِ قَبْلَ وبَعد.
وَقَالَ اللَّيْث: البُعد على مَعْنيين: أَحدهمَا ضِدّ القُرب.
تَقول مِنْهُ: بَعُدَ يَبْعُد بُعْداً فَهُوَ بَعيد. وَتقول: هَذِه
الْقرْيَة بَعِيدٌ، وَهَذِه الْقرْيَة قريبٌ وَلَا يُرَاد بِهِ
النعتُ، وَلَكِن يُرَاد بهما الِاسْم. وَالدَّلِيل على أَنَّهُمَا
اسمان قَوْلك: قريبُه قريبٌ وبَعيده بَعيدٌ. قَالَ والبُعْدُ
أَيْضا من اللعْن كَقَوْلِك: أَبْعَدَه الله أَي لَا يُرثَى لَهُ
فِيمَا نَزَل بِهِ. وَكَذَلِكَ بُعْداً لَهُ وسُحْقاً. ونَصَب
بُعْداً على الْمصدر وَلم يَجعله اسْما، وَتَمِيم ترفع فَتَقول:
بُعْدٌ لَهُ وسُحْقٌ؛ كَقَوْلِك: غلامٌ لَهُ وفرسٌ.
وَقَالَ الفرّاء: الْعَرَب إِذا قَالَت: دَارك منّا بَعِيدٌ أَو
قريبٌ، أَو قَالُوا: فُلَانَة منا قريبٌ أَو بَعِيدٌ ذكَّروا
الْقَرِيب والبَعيد؛ لِأَن الْمَعْنى هِيَ فِي مَكَان قريب أَو
بَعيد، فجُعل الْقَرِيب والبَعِيد خَلَفاً من الْمَكَان.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَمَا هِى مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}
(هُود: 83) وَقَالَ {عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ
السَّاعَةَ} (الأحزَاب: 63) وَقَالَ {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ
قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (الْأَعْرَاف: 56) قَالَ: وَلَو
أُنِّثَتا وبُنِيتَا على بَعُدَت مِنْك فَهِيَ بعيدَة، وقرُبَت
فَهِيَ قريبَة كَانَ صَوَابا. قَالَ: وَمن قَالَ قريبٌ وبعيدٌ
وذكّرهما لم يُثَنِّ قَرِيبا وبعيداً، فَقَالَ: هما مِنْك قريبٌ
وهما مِنْك بعيدٌ. قَالَ: ومَن أنثهما فَقَالَ: هِيَ مِنْك قريبَة
وبعيدة ثنَّى وَجمع فَقَالَ: قريبات وبعيدات. وَأنْشد:
عَشِيَّةَ لَا عفراء مِنْك قريبَة
فتدنو وَلَا عفراء مِنْك بعيد
قَالَ: وَإِذا أردْت بالقريب والبعيد قَرَابة النّسَب أنّثت لَا
غير، لم يخْتَلف الْعَرَب فِيهَا.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ
قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} : إِنَّمَا قيل: قريبٌ لِأَن
الرَّحْمَة والغفران وَالْعَفو فِي معنى واحدٍ. وَكَذَلِكَ كلّ
تَأْنِيث لَيْسَ بحقيقيّ.
قَالَ: وَقَالَ الْأَخْفَش: جَائِز أَن تكون الرَّحْمَة هَهُنَا
بِمَعْنى المَطَر.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم يَعْنِي الفرّاء: هَذَا ذُكِّر ليفصل بَين
الْقَرِيب من القُرْب والقريب من الْقَرَابَة. وَهَذَا غلط، كل مَا
قَرُبَ فِي مَكَان أَو نسَبٍ فَهُوَ جارٍ على مَا يُصِيبهُ من
التَّأْنِيث والتذكير.
وَقَوله جلّ وعزّ: {أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ
ثَمُودُ} (هُود: 95) قَرَأَ الكسائيّ وَالنَّاس: {كَمَا بَعِدَتْ}
قَالَ وَكَانَ أَبُو عبد الرحمان السُلَمِيّ يقْرؤهَا: (بَعُدَتْ)
، يَجْعَل الْهَلَاك والبُعد سَوَاء، وهما قريبٌ من السوَاء؛ إلاّ
(2/145)
أَن الْعَرَب بَعضهم يَقُول: بَعُدَ،
وَبَعْضهمْ: بَعِدَ مثل سَحِقَ وسَحُق. وَمن النَّاس من يَقُول
بَعُدَ فِي الْمَكَان وبَعِدَ فِي الْهَلَاك.
وَقَالَ يُونُس: الْعَرَب تَقول: بَعِدَ الرجل وبَعُدَ إِذا
تَبَاعَدَ فِي غير سَبّ. وَيُقَال فِي السبّ: بَعِدَ وسَحِق لَا
غير.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {عَمًى أُوْلَائِكَ يُنَادَوْنَ
مِن مَّكَانٍ} (فُصّلَت: 44) بعيد قَالَ: سَأَلُوا الردّ حِين لَا
رَدّ. وَقَالَ مُجَاهِد: أَرَادَ: من مَكَان بعيد من قُلُوبهم.
وَقَالَ بَعضهم: من مَكَان بعيد من الْآخِرَة إِلَى الدُّنْيَا.
وَقَوله جلّ وعزّ: {مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن}
(سبأ: 53) قَالَ: قَوْلهم: ساحِر، كاهِن، شاعِر. وَقَالَ الزجّاج
فِي قَوْله جلّ وعزّ فِي سُورَة السَّجْدَة: {عَمًى أُوْلَائِكَ
يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ} أَي بعيد من قُلُوبهم يَبعد عِنْدهم مَا
يُتْلَى عَلَيْهِم. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: هُوَ أبْعَدُ
وأَبْعَدُون وَأقرب وأقربون وأباعد وأقارب. وَأنْشد:
من النَّاس من يغشى الأباعِدَ نفعُه
ويشقى بِهِ حَتَّى الْمَمَات أقارِبُهْ
فإنْ يَكُ خيرا فالبعيد يَنَالهُ
وإِنْ يَكُ شَرّاً فَابْن عمّك صَاحِبُهْ
وَقَالَ حُذّاق النَّحْوِيين: مَا كَانَ من أفعَل وفُعلَى
فَإِنَّهُ تدخل فِيهِ الْألف وَاللَّام كَقَوْلِك: هُوَ الأَبْعَدُ
والبُعْدَى وَالْأَقْرَب والقُرْبَى وَقَالَ ابْن شُمَيْل: قَالَ
رجل لِابْنِهِ إنْ غَدوتَ على المِرْبَد ربِحْتَ عَناءً ورجعْتَ
بِغَيْر أَبْعدَ أَي بِغَيْر مَنْفَعَة.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: مَا عنْدك أَبْعَد. وَإنَّك لَغَير
أَبْعَدَ أَي مَا عِنْده طائل إِذا ذمّه. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي إِنَّه لذُو بُعْدَة أَي ذُو رأيٍ
وحَزْمٍ، وَإنَّك لغير أبعَد أَي لَا خير فِيك لَيْسَ لَك بُعْدُ
مَذهبٍ وَقَالَ صَخْر الغيّ:
الموْعِد يُنَافِي أَن تُقَتِّلهم
أفناء فَهْم وبيننا بُعَدُ
أَي أفناء فهم ضروب مِنْهُم بُعَد جمع بُعْدة. وَقَالَ
الْأَصْمَعِي: أَتَانَا فلَان من بُعْدَة أَي من أَرض بعيدَة.
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
يَكْفِيك عِنْد الشّدة البئيسَا
ويعتلي ذَا البُعْدة النُحُوسا
ذَا البُعدَة: الَّذِي يُبعِد فِي المعاداة. وَقَالَ ابْن
الْأَعرَابِي: رجل ذُو بُعْدة إِذا كَانَ نَافِذ الرَّأْي ذَا
غَوْرٍ وَذَا بُعْدِ رَأْي. وَقَالَ النَّضر فِي قَوْلهم: هلك
الْأَبْعَد قَالَ: يَعْنِي صاحبَه. وَهَكَذَا يُقَال إِذا كُنِيَ
عَن اسْمه وَيُقَال للْمَرْأَة هَلَكت البُعْدَى. قلت: هَذَا مِثل
قَوْلهم: فَلَا مرْحَبًا بالآخَر إِذا كنَى عَن صَاحبه وَهُوَ
يذمّه. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: لقِيته بُعَيْدات بَيْن إِذا
لَقيته بعد حِين ثمَّ أَمْسَكت عَنهُ ثمَّ أَتَيْته. وَأنْشد شمر:
وَأَشعَث مُنَقَّد الْقَمِيص دَعوته
بُعَيْداتِ بَيْنٍ لَا هِدانٍ وَلَا نِكْسِ
وَقَالَ غَيره: إِنَّهَا لتضحك بُعَيْدات بينٍ أَي بَين المرّة
ثمَّ المرّة فِي الحِين. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هم مني غيرُ بَعَدٍ
أَي لَيْسُوا بِبَعِيد. وانطلِقْ يَا فلَان غير بَاعِدٍ أَي لَا
ذهبتَ
(2/146)
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: تنحّ غير باعِدٍ
أَي غير صاغرٍ، وتنحّ غير بعيد أَي كن قَرِيبا. وَقَول الذبياني:
فضلا على النَّاس فِي الْأَدْنَى وَفِي البَعَدِ
قَالَ أَبُو نصر: فِي الْقَرِيب والبعيد. قَالَ: وَالْعرب تَقول:
هُوَ غير بَعَد أَي غير بعيد. وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي: فِي
الْأَدْنَى وَفِي البُعد قَالَ: بَعيدٌ وبُعُدٌ. وَقَالَ اللَّيْث:
البِعاد يكون من المباعدة. وَيكون من اللعْن؛ كَقَوْلِك: أَبْعَدَه
الله.
وَقَول الله جلّ وعزّ مخبرا عَن قوم سبأ: {ءَامِنِينَ فَقَالُواْ
رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُو صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
1764 - اْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ
وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَاتٍ
لِّكُلِّ} (سَبَإ: 19) . قَالَ الْفراء: قِرَاءَة العوامّ:
(باعِدْ) . وَيقْرَأ على الْخَبَر: (ربُّنا باعَدَ) و (بَعَّدَ) .
و (بَعِّدْ) جَزْمٌ. وقرىء (رَبَّنَا بَعُدَ بَيْنُ أسفارنا) و
(بَيْنَ أسفارنا) قَالَ الزجّاج: من قَرَأَ (بَاعِدْ) و (بَعِّدْ)
فمعناهما وَاحِد. وَهُوَ على جِهَة الْمَسْأَلَة. وَيكون
الْمَعْنى: أَنهم سئموا الرَّاحَة وبطِروا النِّعْمَة، كَمَا قَالَ
قوم مُوسَى: {فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ
الأَرْضُ} (الْبَقَرَة: 61) الْآيَة. وَمن قَرَأَ؛ (بَعُدَ بَيْنُ
أسفارنا) بِالرَّفْع فَالْمَعْنى بَعُدَ مَا يتَّصل بسفرنا. وَمن
قَرَأَ: (بَعُدَ بَيْنَ أسفارنا) فَالْمَعْنى بَعُدَ مَا بَين
أسفارنا وبَعُدَ سَيْرنا بَين أسفارنا قلت: قَرَأَ أَبُو عَمْرو
وَابْن كثير: (بَعِّد) بِغَيْر ألفٍ. وروى هِشَام بن عمّار
بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الله بن عَامر: (بَعِّدْ) مثل أبي عَمْرو.
وَقَرَأَ يَعْقُوب الحضرميّ: (رَبُّنَا باعَدَ) بِالنّصب على
الْخَبَر. وَقَرَأَ نَافِع وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ وَحَمْزَة:
(باعِد) بِالْألف على الدُعَاء.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يُبعِد
فِي المَذْهب مَعْنَاهُ: إمعانه فِي ذَهَابه إِلَى الْخَلَاء،
وأبعَدَ فلَان فِي الأَرْض إِذا أمْعن فِيهَا. وَقَالَ أَبُو زيد:
يُقَال للرجل: إِذا لم تكن من قُربان الْأَمِير فَكُن من
بُعْدانِه، يَقُول: إِذا لم تكن مِمَّن يقترب مِنْهُ فتَبَاعَدْ
عَنهُ لَا يُصِبْك شَرُّه. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: رَاوَدَ رجل من
الْعَرَب أعرابيّة عَن نَفسهَا فَأَبت إلاّ أَن يَجْعَل لَهَا
شَيْئا، فَجعل لَهَا دِرْهَمَيْنِ، فلمَّا خالطها جعلت تَقول:
غمزاً ودرهماك لَك، فَإِن لم تغمز فبُعْدٌ لَك، رَفَعت البُعْدَ،
يضْرب مثلا للرجل ترَاهُ يعْمل الْعَمَل الشَّديد.
دعب: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ
لجَابِر بن عبد الله وَقد تزوج: (أبِكراً تزوجتَ أم ثَيِّبًا؟)
فَقَالَ: بل ثَيِّبًا. فَقَالَ: (فهَلاَّ بكرا تداعِبها وتداعبك) .
قَالَ أَبُو عبيد: الدعَابة: المُزاح. قَالَ وَقَالَ: اليزيديّ:
رجل دَعَّابة. وَبَعْضهمْ يَقُول رَجُلٌ دَعِبٌ. وَحكى شمر عَن
ابْن شُمَيْل: يُقَال: تدعّبت عَلَيْهِ أَي تدلّلت، وَإنَّهُ
لدَعِبٌ وَهُوَ الَّذِي يتمايل على النَّاس ويَرْكبهم بثَنِيَّته
أَي بناحيته. وَإنَّهُ ليَتَدَاعَب على النَّاس أَي يركبهم
بمُزَاحٍ وخُيَلاء ويغمّهم وَلَا يَسُبُّهم. وَإِنَّمَا الدَعِب:
اللعَّابة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال هُوَ يَدْعَبُ دَعْباً إِذا قَالَ قولا
يُستملَح؛ كَمَا يُقَال: مزح يمزح. وَقَالَ الطرمَّاح:
واستطربَت ظُعْنُهُمْ لمّا احزألّ بهم
مَعَ الضُّحَى ناشِطٌ من داعِبَاتِ دِدِ
(2/147)
يَعْنِي اللواتي يمزَحن ويلعبن
ويُدَأَدِدْن بأصابعهنّ. والدَدُ هُوَ الضَّرْب بالأصابع فِي
اللّعب. قَالَ: وَمِنْهُم مَن يروي هَذَا الْبَيْت: مِنْ دَاعِبٍ
دَدِدِ، يَجعله نعتاً للداعب ويَكْسَعه بدالٍ أُخْرَى ليتمّ
النَّعْت؛ لِأَن النَّعْت لَا يتمكّن حَتَّى يصير ثَلَاثَة أحرف،
فَإِذا اشتقّوا مِنْهُ فعلا أدخلُوا بَين الدالين الأُوليين همزَة
لِئَلَّا تتوالى الدالات فيثقل، فَيَقُولُونَ: دَأْدَدَ يُدَأْدِدُ
دَأْدَدَةً. قَالَ: وعَلى قِيَاسه قَول الراجز وَهُوَ رؤبة:
يُعِدُّ ذَأْداً وهَديراً زَعْدَبَا
بَعْبَعَةً مَرّاً وَمَرّاً بأْبَبَا
وَإِنَّمَا حكى جَرْساً شِبْه بَبَبْ، فَلم يستقم فِي التصريف إلاّ
كَذَلِك.
وَقَالَ آخر يصف فحلاً:
يَسُوقهَا أَعْيَسُ هَدَّار بَبِبْ
إِذا دَعَاهَا أقبلتْ لَا تَتَّئِبْ
قَالَ اللَّيْث: فأمَّا المداعبة فعلى الِاشْتِرَاك كالممازحة،
اشْترك فِيهَا اثْنَان أَو أَكثر. قَالَ والدُعْبُوبُ: النشيط.
وَأنْشد قَول الراجز:
يَا رُبَّ مُهْر حَسَنٍ دُعْبُوبِ
رَحْب اللبَانِ حَسَنِ التَّقْرِيب
قَالَ: والدُعبُوب: الطَّرِيق المذلَّل الَّذِي يسلكه النَّاس.
قَالَ: والدُعْبُوبة: حَبّة سَوْدَاء تُؤْكَل، وَهِي مثل
الدُعَاعة. وَقَالَ بَعضهم: بل هِيَ أصلُ بقلةٍ يقشَرُ فيؤكل.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْفراء وَابْن شُمَيْل: الدُعْبُوب:
الطَّرِيق المسلوك الموطوء. قَالَ الْفراء: وَكَذَلِكَ الذَّلِيل
الَّذِي يطؤه كلّ وَاحِد. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن
الْأَعرَابِي قَالَ: الدُعبُوبُ: والدُعْبُوث والدُعثوت من
الرِّجَال المأبون المخنَّث. وَأنْشد:
يَا فَتى مَا قتلتُمُ غير دُعْبُو
ب وَلَا مِن قُوَارة الهِنَّبْرِ
قَالَ: وَلَيْلَة دعبوبٌ: ليلةُ سَوْءٍ شَدِيدَة وَأنْشد:
وَلَيْلَة من مُحاق الشَّهْر دعبوبِ
وَقَالَ أَبُو صَخْر:
ولكنْ تقرّ الْعين وَالنَّفس أَن ترى
بعقدته فَضْلات زُرْق دَوَاعِبِ
قَالُوا: دَوَاعِب: جَوَارٍ، ماءٌ دَاعِبٌ يَسْتَنَّ سَيلُه. قلت:
لَا أَدْرِي دواعب أَو ذواعب ويُنْظَر فِي شِعر أبي صَخْر. عَمْرو
عَن أَبِيه: الدُعَابُ والطَّثْرَج والحَرام والحَذَال من أَسمَاء
النَّمْل. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي الدُعْبُبُ
المَزّاح وَهُوَ المغنّي الْمجِيد والدُغْبُبْ الْغُلَام الشَّابُّ
البَضّ.
دبع: دبع مهمل وَالله أعلم.
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ الْمِيم)
(ع د م)
عدم، عمد، دمع، معد، (دعم مُدع) : مستعملات.
عدم: قَالَ اللَّيْث: العَدَم: فِقدان الشَّيْء وذهابه. يُقَال:
عَدِمته أعدَمه عدماً. والعُدْم لُغَة فِيهِ. قَالَ: ورأيناهم إِذا
ثَقَّلوا قَالُوا: العَدَم وَإِذا خففوا قَالُوا: العُدْم، ورجلٌ
عَدِيم: لَا مَال لَهُ. وأعْدَمَ الرجل: صَار ذَا عَدَم قَالَ:
وَيَقُول الرجل لحبيبه:
(2/148)
عَدِمْتُ فقدك وَلَا عدمت فضلك وَلَا
أعدَمَني الله فضلك أَي لَا أذهَبَ عنّي فضلك. وَقَالَ لَبِيد
أنْشدهُ شمر:
وَلَقَد أغْدُو وَمَا يُعْدِمني
صَاحب غير طَوِيل المُحْتَبَلْ
قَالَ أَبُو عَمْرو: أَي مَا يَفْقِدْني فرسي. وَقَالَ ابْن
الْأَعرَابِي: وَمَا يُعْدِمُني أَي لَا أعْدَمُهُ وَقَالَ أَبُو
عَمْرو: يُقَال إِنَّه لعديم الْمَعْرُوف وَإِنَّهَا لعديمة
الْمَعْرُوف وَأنْشد:
إنّي وجدت سُبَيْعَة ابْنة خالِدٍ
عِنْد الجَزُور عديمةَ الْمَعْرُوف
وَقَالَ: عَدِمتُ فلَانا وأَعْدَمَنِيه الله. وَرجل عَدِيم لَا
مَال لَهُ. وأعدم الرجُل فَهُوَ معدِم وعَدِيم. وَقَالَ ابْن
الْأَعرَابِي: رجُل عَدِيم: لَا عقل لَهُ، ورجُل مُعْدِم: لَا مَال
لَهُ، وَقَالَ غَيره: فلَان يَكْسب المعدومَ إِذا كَانَ مجدوداً
ينَال مَا يُحْرَمه غيرُه. وَيُقَال: هُوَ آكلكم للمأدوم، وأكسبكم
للمعدوم، وأعطاكم للمحروم. وَقَالَ الشَّاعِر يصف ذئباً:
كَسُوبٌ لَهُ المعدومَ مِنْ كسَب واحدٍ
مُحَالِفُهُ الإقتار مَا يتموّل
أَي يكْسب الْمَعْدُوم وَحده وَلَا يتموّل. ثَعْلَب عَن ابْن
الْأَعرَابِي: يُقَال عَدِمَ يَعْدَمُ عَدَماً وعُدْماً فَهُوَ
عَدِمٌ، وأعدم إِذا افْتقر، وعَدُمَ يَعْدُم عَدَامَةً إِذا حَمُقَ
فَهُوَ عَدِيم أَحمَق وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم قَول زُهَيْر:
وَلَيْسَ مَانع ذِي قربى وَلَا رحم
يَوْمًا وَلَا مُعْدِماً من خابط وَرقا
قَالَ: مَعْنَاهُ أَنه لَا يفْتَقر من سَائل يسْأَله مَاله فَيكون
كخابط وَرقا. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ وَلَا
مَانِعا من خابط وَرقا أعدمْته أَي منعته طَلَبَته.
عمد: قَالَ الله جلّ وعزّ: {بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}
(الفَجر: 7) سَمِعت المنذريّ يَقُول: سَمِعت المبرّد يَقُول: رجل
طَوِيل العِمَاد إِذا كَانَ مُعَمَّداً أَي طَويلا. قَالَ: وَقَوله
{بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} أَي ذَات الطُول ونحوَ ذَلِك
قَالَ الزجّاج. قَالَ: وَقيل: ذَات الْعِمَاد: ذَات البِنَاء
الرفيع. وَقَالَ الفرّاء: ذَات الْعِمَاد أَي أَنهم كَانُوا أهل
عَمَد ينتقِلون إِلَى الكَلأ حَيْثُ كَانَ؛ ثمَّ يرجعُونَ إِلَى
مَنَازِلهمْ. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال لأَصْحَاب الأْخْبِيَة
الَّذين لَا ينزلون غَيرهَا: هم أهل عَمُود وَأهل عماد. والجميع
مِنْهُمَا العُمُدُ. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: كلّ خِبَاء كَانَ
طَويلا فِي الأَرْض يُضرب على أعمدة كَثِيرَة فَيُقَال لأَهله:
عَلَيْكُم بِأَهْل ذَلِك العَمُود، وَلَا يُقَال: أهل العَمَد.
وَأنْشد:
وَمَا أهل العَمُودِ لنا بأهلٍ
وَلَا النَعَمُ المُسام لنا بِمَال
وَقَالَ فِي قَول النَّابِغَة:
يبنون تَدْمُرَ بالصُفّاح والعَمَد
قَالَ: العَمَد: أساطين الرُخَام. وأمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {ء
الاَْفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِى عَمَدٍ
مُّمَدَّدَةِ} (الْهمزَة: 8، 9) قُرِئت (فِي عُمُد) وَهُوَ جمع
عِمَاد وعَمَدٌ وعُمُدٌ، كَمَا قَالُوا: إهابٌ وأَهَبٌ وأُهُبٌ.
وَمَعْنَاهُ: أَنها فِي عُمُدٍ من النَّار. قَالَ ذَلِك أَبُو
إِسْحَاق الزجّاج. وَقَالَ الْفراء: العُمُد والعَمَد جَمِيعًا
جمعان للعمود مثل أَدِيم وأَدَمٍ
(2/149)
وأُدُم، وقَضِيم وقَضَم وقُضُم. وَقَالَ
الله جلّ وعزّ: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِى} (لقمَان: 10) قَالَ
الْفراء: فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا أَنه خلقهَا مَرْفُوعَة بِلَا
عَمَد، وَلَا تحتاجون مَعَ الرُّؤْيَة إِلَى خَبَر. وَالْقَوْل
الثَّانِي أَنه خلقهَا بعمَد، لَا ترَوْنَ تِلْكَ الْعمد. وَقيل:
العمَد الَّتِي لَا ترى لَهَا قدرته. وَقَالَ اللَّيْث: مَعْنَاهُ:
أَنكُمْ لَا ترَوْنَ الْعمد، وَلها عَمَد. واحتجّ بِأَن عَمدها جبل
قَاف الْمُحِيط بالدنيا، وَالسَّمَاء مثل القبّة أطرافها عَلَى
قَاف. وَهُوَ من زَبَرْجَدة خضراء. وَيُقَال إنّ خضرَة السَّمَاء
من ذَلِك الْجَبَل، فَيصير يَوْم الْقِيَامَة نَارا تَحْشر النَّاس
إِلَى المحْشَر.
وَفِي حَدِيث عمر بن الْخطاب فِي الجالب: يَأْتِي أحدهم بِهِ عَلَى
عَمُود بَطْنه. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: عَمُود
بَطْنه هُوَ ظَهْره. يُقَال: إِنَّه الَّذِي يُمْسِك الْبَطن
ويقوّيه، فَصَارَ كالعمود لَهُ الجالب الَّذِي يجلب الْمَتَاع
إِلَى الْبِلَاد. يَقُول: يُترك وبيعَه وَلَا يتَعَرَّض لَهُ
حَتَّى يَبِيع سِلْعته كَمَا شَاءَ، فَإِنَّهُ قد احْتمل المشقّة
والتعب فِي اجتلابه وقاسى السّفر وَالنّصب.
قَالَ أَبُو عبيد: وَالَّذِي عِنْدِي فِي عَمُود بَطْنه أَنه
أَرَادَ: أَنه يَأْتِي بِهِ على مشقّة وتَعب وَإِن لم يكن ذَلِك
على ظَهره إِنَّمَا هُوَ مَثل لَهُ. وَقَالَ اللَّيْث: عَمُود
الْبَطن شِبه عِرْق مَمْدُود من لدن الرَهابة إِلَى دُوَين السُرّة
فِي وَسطه يشق من بطن الشَّاة. قَالَ: وعمود الكبد: عِرْق يسقيها.
وَيُقَال للوتين: عَمُود السَحْر. قَالَ: وعمود السنان: مَا توسَّط
شَفْرتيه من عَيْره الناتىء فِي وَسطه.
وَقَالَ النَّضر: عَمُود السَّيْف: الشَطِيبة الَّتِي فِي وسط
مَتْنه إِلَى أَسْفَله. وَرُبمَا كَانَ للسيف ثَلَاثَة أعمدة فِي
ظَهره، وَهِي الشُطَبُ والشطائب. وعمود الأُذُنُ: مُعظمها
وقِوامها. وعمود الإعصار: مَا يَسْطع مِنْهُ فِي السَّمَاء أَو
يستطيل على وَجه الأَرْض.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه أَتَى أَبَا جهل يَوْم بدر وَهُوَ
صَرِيع، فَوضع رجله عَلَى مُذَمَّرِه ليجهِز عَلَيْهِ، فَقَالَ
لَهُ أَبُو جهل: أعْمَدُ من سيّد قَتله قومه قَالَ أَبُو عبيد:
مَعْنَاهُ: هَل زَاد عَلَى سيّد قَتله قومه هَل كَانَ إِلَّا
هَذَا؟ أَي أَن هَذَا لَيْسَ بعاد. قَالَ: وَكَانَ أَبُو عبييدة
يَحْكِي عَن الْعَرَب: أعمد من كيلِ مُحِقّ أَي هَل زَاد عَلَى
هَذَا وَقَالَ ابْن مَيَّادة:
تُقَدَّم قيسٌ كلَّ يَوْم كريهة
ويُثنى عَلَيْهَا فِي الرخَاء ذنوبها
وأعمدُ من قومٍ كفاهم أخوهم
صِدَام الأعادي حِين فُلَّت نيوبها
يَقُول: هَل زِدْنَا عَلَى أَن كَفَينا إخوتنا. وَقَالَ شمر فِي
قَوْله (أعمَدُ من سَيّد قَتله قومه) : هَذَا اسْتِفْهَام، أَي
أعجب من رجل قَتله قومه. قلت: كَانَ فِي الأَصْل أأعمد من سَيّد
فخففت إِحْدَى الهمزتين. وَأما قَوْلهم: أعمد من كيل محقّ فَإِنِّي
سمعته فِي رِوَايَة ابْن جَبَلة وَرِوَايَة عليّ عَن أبي عبيد
(محقّ) بِالتَّشْدِيدِ، ورأيته فِي كتاب قديم مسموع: أعمد من كيلٍ
مُحِقَ
(2/150)
بِالتَّخْفِيفِ من المَحق، وفُسِّر: هَل
زَاد على مكيال نُقِصَ كَيْلُه أَي طُفِّفَ. وحسبت أَن الصَّوَاب
هَذَا. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: عَمُود الكَبِد: عرقان ضَخْمان
جَنَابتي السُّرة يَمِينا وشِمالاً، يُقَال: إِن فلَانا لخارجٌ
عموده من كَبِدِه من الْجُوع.
أَبُو عبيد: عَمدتُ الشَّيْء: أقمته، وأعمدته: جعلت تَحْتَهُ
عَمَداً.
الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: العَمْد مصدر عمَدت للشَّيْء
أعمِد لَهُ عمْداً إِذا قصدت لَهُ. وعَمدت الْحَائِط أعمِده عمْداً
إِذا دَعمته. قَالَ والعَمَد مُثَقّل فِي السنَامِ وَهُوَ أَن
ينشدخ انشداخاً. وَذَلِكَ إِذا رُكِب وَعَلِيهِ شحْم كثير. يُقَال
بعير عَمِدٌ. وَقَالَ لَبيد:
فَبَاتَ السَّيْل يركب جانبيه
من البَقَّار كالعَمِد الثَقَالِ
قَالَ: العَمِد: الْبَعِير الَّذِي قد فسد سَنَامه. قَالَ: وَمِنْه
قيل: رجل عميد ومعمود أَي بلغ الحُبُّ مِنْهُ. قَالَ وَيُقَال:
عَمِد الثرى يَعمَد عَمداً إِذا كَانَ تراكب بعضُه على بعض
ونَدِيَ، فَإِذا قبضت مِنْهُ على شَيْء تعقَّد وَاجْتمعَ من
نُدُوَّته. قَالَ الرَّاعِي يصف بقرة وحشيّة:
حَتَّى غَدَت فِي بَيَاض الصُّبْح طيّبة
ريح المباءة تخْدِي وَالثَّرَى عَمِدُ
أَرَادَ: طيبةَ ريح المباءة، فلمَّا نوّن (طيّبة) نصب (ريح
المباءة) .
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: عَمِدت الأرضُ عمدا إِذا رسخ فِيهَا
المَطَر إِلَى الثَرَى حَتَّى إِذا قبضْت عَلَيْهِ فِي كفّك تعقّد
وجَعُدَ. وَقَالَ اللَّيْث: العَميد: الرجل المعمود الَّذِي لَا
يَسْتَطِيع الْجُلُوس من مَرضه، حَتَّى يُعمَدَ من جوانبه
بالوسائد. وَمِنْه اشتُقّ القَلْب العميد. قَالَ: والجُرح
العَمِدُ: الَّذِي يُعْصَر قبل أَن ينضج بَيضُه فيَرِم. وَالْقَوْل
مَا قَالَه ابْن السّكيت فِي العميد من الْهوى: أَنه شُبِّه
بالسَنَام الَّذِي انشدخ انشداخاً.
وَقَالَ اللَّيْث: العَمْدُ: نقيض الْخَطَأ. قلت: وَالْقَتْل على
ثَلَاثَة أوجه: قتل الْخَطَأ المحْض، وَقتل الْعمد الْمَحْض وَقتل
شِبْه العَمْد فالخطأ الْمَحْض: أَن يَرْمِي الرجلُ بِحجر يُرِيد
تنحيته عَن مَوْضِعه. وَلَا يقْصد بِهِ أحدا، فَيُصِيب إنْسَانا
فيقتله. فَفِيهِ الدِيَة على عَاقِلَة الرَّامِي، أَخْمَاسًا من
الْإِبِل، وَهِي عشرُون ابْنة مَخَاض وَعِشْرُونَ ابْنة لَبُون
وَعِشْرُونَ ابْن لبون، وَعِشْرُونَ حِقّة، وَعِشْرُونَ جَذَعة.
وَأما شِبه العَمْد فَأن يضْرب الإنسانَ بعمود لَا يقتل مِثْلُه،
أَو بِحجر لَا يكَاد يَمُوت مَن أَصَابَهُ، فَيَمُوت مِنْهُ
فَفِيهِ الدِيَة مغلَّظة. وَكَذَلِكَ العَمْد الْمَحْض: فيهمَا
ثَلَاثُونَ حِقّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعة، وَأَرْبَعُونَ مَا بَين
ثَنِيَّة إِلَى بازلِ عامِها، كلُّها خَلِفَة. فأمَّا شِبْه الْعمد
فالدِيَة فِيهِ على عَاقِلَة الْقَاتِل. وَأما العَمْد الْمَحْض
فَهُوَ فِي مَال الْقَاتِل. شمر عَن ابْن شُمَيْل: المعمود: الحزين
الشَّديد الحُزن. يُقَال: مَا عَمَدَك أَي مَا أحزنك. قَالَ
وَيُقَال للْمَرِيض أَيْضا: معمود. وَيُقَال لَهُ: مَا يَعْمِدك؟
أَي مَا يوجعك. وعمدني
(2/151)
المرضُ أَي أضناني. وَقَالَ شمر: قَالَ
ابْن الْأَعرَابِي: سَأَلَ أعرابيّ أعرابيًّا وَهُوَ مَرِيض
فَقَالَ لَهُ: كَيفَ تجدك؟ فَقَالَ: أمَّا الَّذِي يَعْمِدني
فحُصْرٌ وأُسْرٌ. قَالَ: يعمده: يُسْقطه ويفْدحه ويشتدّ عَلَيْهِ
وَأنْشد:
أَلا مَن لهمَ آخِرَ اللَّيْل عَامِد
مَعْنَاهُ: مُوجع.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه
أنْشدهُ لسِماك العامليّ:
أَلا من شجتْ لَيْلَة عامدهْ
كَمَا أبدأ لَيْلَة واحدهْ
وَقَالَ مَا معرفَة فنصب أبدا على خُرُوجه من الْمعرفَة كَانَ
جَائِزا.
قَالَ الْأَزْهَرِي وَقَوله: لَيْلَة عامدة أَي مُمِضّة موجعة.
وَقَالَ النَّضر: عَمِدتْ أَلْيتاه من الرّكُوب وَهُوَ أَن تَرِما
وتَخْلَجا.
وَقَالَ شمر: يُقَال إِن فلَانا لعَمِدُ الثَرَى أَي كثير
الْمَعْرُوف.
وَقَالَ غَيره: عَمَدت الرجل أعمِده عَمْداً إِذا ضَربته بالعمود،
وعَمَدته إِذا ضربت عَمُود بَطنه.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال فلَان عُمدة قومه إِذا كَانُوا يعتمدونه
فِيمَا يَحْزُبهم. وَكَذَلِكَ هم عُمْدتنا. والعَمِيد: سيّد
الْقَوْم. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
حَتَّى يصير عميدُ الْقَوْم متَّكئاً
يدْفع بِالرَّاحِ عَنهُ نِسوة عُجُلُ
وَيُقَال: استقام الْقَوْم على عَمُود رَأْيهمْ أَي على الْوَجْه
الَّذِي يعتمدون عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن بزرْج: يُقَال: حَلَس بِهِ وعَرِسَ بِهِ وعَمِد بِهِ
ولَزِبَ بِهِ إِذا لَزِمه.
وَقَالَ اللَّيْث: العُمُدُّ: الشابّ الممتلىء شبَابًا، وَهُوَ
العُمُدَّانيّ وَالْجمع العُمُدَّنِيُّون. وامرأةٌ عُمُدَّانِيَّة:
ذَات جسم وعَبَالة. وَيُقَال عَمّدت السَّيْل تعميداً إِذا سدَدت
وَجه جِرْيته حَتَّى يجْتَمع فِي مَوضِع بِتُرَاب أَو حِجَارَة.
شمر: يُقَال للْقَوْم: أَنْتُم عُمدّتنا أَي الَّذين نعتمد
عَلَيْهِم. وَكَذَلِكَ الِاثْنَان، وَالْمَرْأَة وَالْوَاحد
والمرأتان. وعمود الصُّبْح هُوَ المستطير مِنْهُ. وَاعْتمد فلَان
ليلته إِذا ركبهَا يسري فِيهَا. وَاعْتمد فلَان فلَانا فِي حَاجته
وَاعْتمد عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سمعتُ الغَنَوي يَقُول: العَمَدُ والضَمَدُ:
الْغَضَب.
قلت: وَهُوَ العَبَدُ والأبَدُ أَيْضا.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ العَمود والعِمَاد
وَالعُمْدَةُ والعُمْدَان: رَئِيس الْعَسْكَر وَهُوَ الزُوَير.
وَيُقَال لرِجْلي الظليم: عَمُودان.
وَقَالَ ابْن المظفر: عُمْدان: اسْم جبل أَو مَوضِع. قلتُ: أُراه
أَرَادَ: غُمَدان بالغين فصحّفه. وَهُوَ حِصْن فِي رَأس جبل
بِالْيمن مَعْرُوف. وَكَانَ لآل ذِي يَزَن. قلت: وَهَذَا كتصحيفه
يَوْم بُعَاث وَهو من مشاهير أَيَّام الْعَرَب، فَأخْرجهُ فِي كتاب
الْغَيْن وصَحَّفه.
دمع: أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ: دمِعَتْ عينُه، بِكَسْر الْمِيم.
وَقَالَ الكسائيّ وَأَبُو زيد: دَمَعت عينه بِفَتْح الْمِيم لَا
غير.
(2/152)
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: مِن سِمَات
الْإِبِل الدُمُع، وَهِي فِي مجْرى الدمْع. وبعير مَدْموع، وجَفْنة
دامعة: ممتلئة، وَقد دَمَعَت. ورَزِمت وَقَالَ لَبيد:
إِذا جَاءَ وِرْدٌ أُسْبلت بدُمُوع
يَعْنِي الْجَفْنَة.
أَبُو عبيد: من الشِجَاج الدامعة. وَهُوَ أَن يسيل مِنْهَا دَمٌ.
وثَرى دَامِع وَمَكَان دامع ودَمَّاع إِذا كانَ نَدِيّاً. وَقَدَحٌ
دَمْعَان إِذا امْتَلَأَ فَجعل يسيل من جوانبه.
وَقَالَ اللَّيْث: الدَمْع: مَاء الْعين. والمَدمَع: مُجْتَمع
الدَمْع فِي نواحي الْعين وَجمعه مدامع. يُقَال: فاضت مدامعُه.
قَالَ والماقِيَان من المدامع، والمُؤْخِران كَذَلِك. وَامْرَأَة
دَمِعة: سريعة الدَمْعة والبكاء وَمَا أكثَر دَمْعَتها،
التَّأْنِيث للدَّمْعَة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الدِمَاع مِيسَم فِي المناظِر سَائل إِلَى
المَنْحِرْ، وَرُبمَا كَانَ عَلَيْهِ دِمَاعَانِ. والدُمَّاعُ
دُمّاع الكَرْم، وَهُوَ مَا سَالَ مِنْهُ أيَّام الرّبيع.
وَقَالَ أَبُو عدنان: من الْمِيَاه المدامع، وَهِي مَا قَطَر من
عُرْض جَبَل. قَالَ: وَسَأَلت العُقَيْليّ عَن هَذَا الْبَيْت:
والشمسُ تدمَع عَيناهَا ومَنخِرُها
وهنّ يخْرجن من بِيدٍ إِلَى بِيدِ
فَقَامَ أزعم أَنَّهَا الظَّهِيرة إِذا سَالَ لُعَاب الشَّمْس.
وَقَالَ الغَنَويّ: إِذا عطِشت الدوابّ ذَرَفت عيونُها وسالت
مناخرها. قَالَ والدمْع: السيلان من الراوُوق وَهو مِصْفاة
الصَّبَّاغ. قَالَ والإدْماع: مَلْء الْإِنَاء. يُقَال أَدْمِع
مُشَقَّرك أَي قَدَحك، قَالَه ابْن الْأَعرَابِي.
دعم: ابْن شُمَيْل: يُقَال دَعَم الرجلُ الْمَرْأَة بأيْره
يَدْعَمُها ودَحَمَها. والدعْم والدحْمُ: الطعْن وإيلاجه أجمع.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الدُعْمِيُّ: الْفرس الَّذِي فِي
لَبَّته بَيَاض. والدُعْمِيُّ: النجَّار.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إِذا كَانَت زَرَانيق الْبِئْر من خشب
فَهِيَ دِعَم. اللَّيْث: الدعْمُ: أَن يمِيل الشَّيْء فتَدْعمه
بِدِعامٍ، كَمَا تُدعَمُ عُرُوش الكَرْم ونحوِه. والدِّعَامة: اسْم
الْخَشَبَة الَّتِي تُدعم بهَا. والمَدْعوم: الَّذِي يمِيل فيريد
أَن يَقع، فتدعَمَهُ ليستقيم. وَأما المعمود فَالَّذِي تحامل
الثقلُ عَلَيْهِ من فَوق، كالسقف فعُمد بالأساطين المنصوبة.
والدِعامتان: خشبتا البكَرة. وَدُعْمِيّ: اسْم أبي حَيَ من ربيعَة.
وَفِي ثَقِيف دُعْمِي آخر. وَيُقَال للشَّيْء الشَّديد الدَعام:
إِنَّه لدُعميُّ: وَأنْشد:
اكْتَدَ دُعميّ الحوامِي جَسْرَبا
وَيُقَال: لفُلَان دعْمٌ أَي مَال كثير. وَجارية ذَات دعْمٍ إِذا
كَانَت ذَات شَحم وَلحم. وَقَالَ الراجز:
لَا دَعْمَ لي لَكِن بلَيْلي دَعْمُ
جَارِيَة فِي وركيها شحمُ
قَوْله: لَا دَعْمَ لي أَي لَا سَمِن بِي يَدْعمني أَي يقوّيني:
ودُعْميّ الطَّرِيق: مُعظمه.
وَقَالَ الراجز يصف الْإِبِل:
وصَدَرَتْ تَبْتَدِر الثنيَّا
تركب من دُعْمِيها دُعْمِيّا
(2/153)
ودُعمّيها: وَسطهَا، دُعمِيّاً أَي طَرِيقا
موطوءاً.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: إِذا كَانَ فِي صدر الْفرس بَيَاض فَهُوَ
أدْعَم، وَإِذا كَانَ فِي خواصره فَهُوَ مُشَكَّل.
معد: قَالَ اللَّيْث: المَعِدَة: الَّتِي تستوعب الطَّعَام من
الْإِنْسَان. والمِعْدَةُ لُغَة، وَقد مُعِدَ الرجل فَهُوَ ممعود
إِذا دَوِيَت مِعدتُه فَلم يستمرىء مَا يَأْكُلهُ. والمَعْدُ
كالجَذْب، تَقول: مَعَدْتُه مَعْداً.
وَقَالَ الراحز:
هَل يُرْوِيَنْ ذَوْدَكَ نَزْعٌ مَعْدُ
وساقيان سَبِطٌ وجَعْدُ
قَالَ ابْن بزرج: نزْعٌ مَعْدٌ: سريع. وبعضٌ يَقُول: شَدِيد،
وَكَأَنَّهُ ينْزع من أَسْفَل قَعْر الركيَّة. وَيُقَال امتعد
فلَان سَيْفه منْ غِمده إِذا استلّه واخترطه، وَجَاء إِلَى رمحه
وَهُوَ مركوز فامتَعَدَه. وَجعل أحد السّاقيين جَعْداً وَالْآخر
سَبِطاً لِأَن الجَعْد مِنْهُمَا أسود زنجيّ، والسَّبْط روميّ
وَإِذا كَانَا هَكَذَا لم يشتغلا بِالْحَدِيثِ عَن صنعتهما،
وَيُقَال: مَعَد فِي الأَرْض يَمْعَد إِذا ذهب. وذنبٌ مِمْعَدٌ
وماعِد إِذا كَانَ يَجْذِب العَدْوَ جَذْباً.
وَقَالَ ذُو الرمّة يذكر صائداً شبّهه فِي سرعته بالذئب:
كَأَنَّمَا أطماره إِذا عَدَا
جَلَّلْن سِرْحان فلاةٍ مِمْعَدَا
أَبُو عبيد: المُتَمَعْدِدُ: الْبعيد. وَقَالَ مَعْن بن أَوْس:
قِفَا إِنَّهَا أمست قِفَاراً ومَن بهَا
وَإِن كَانَ مِن ذِي وُدِّنَا قد تَمَعْدَدا
أَي تبَاعد.
وَقَالَ شمر: قَوْله: المتمعدد الْبعيد لَا أعلمهُ إِلَّا من
مَعَدَ فِي الأَرْض أَي ذهب فِيهَا، ثمَّ صيّره تَفَعْلُلاً
مِنْهُ، وَأنشد:
وَخارِبان خَرَباً فمعَدَا
لَا يَحْسِبَان الله إِلَّا رَقَدَا
وَفِي حَدِيث عمر: اخشوشِنوا وتَمَعْددوا
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِيهِ قَولَانِ: يُقَال هُوَ من الغِلَظ
أَيْضا. وَمِنْه يُقَال للغلام إِذا شبّ وغلُظ: قد تَمَعْدَد.
وَقَالَ الراجز:
رَبَّيْتُه حَتَّى إِذا تَمَعْدَدا
وَيُقَال تَمَعْدَدُوا: تشبّهوا بعيش مَعَدّ، وَكَانُوا أهل قَشَف
وغِلَظ فِي المعاش. يَقُول: فكونوا مثلهم ودَعُوا التنَعُّم وزيّ
العَجَم. وَهَكَذَا هُوَ حَدِيث لَهُ آخر: عَلَيْكُم باللِبسة
المَعدِّية.
وَقَالَ اللَّيْث: التَمَعْدُد: الصَّبْر على عَيْش مَعَدّ فِي
الحضَر والسَّفَر. يُقَال: قد تَمَعْدَد فلَان.
قَالَ وَإِذا ذكرت أَن قوما مِمَّن تحوّلوا عَن مَعَدّ إِلَى
الْيمن ثمَّ رجعُوا قلت: تَمَعْدَدوا.
قَالَ والمعَدّ الدَّال شَدِيدَة: اللَّحْم الَّذِي تَحت الكتِف
أَو أسفلَ مِنْهَا قَلِيلا وَهُوَ من أطيب لحم الجَنْب. وَتقول
الْعَرَب فِي مَثَل يضربونه: قد يَأْكُل المَعَدَّين أكْلَ
السَوْء.
قَالَ وَهُوَ فِي الِاشْتِقَاق يخرج على مَفْعل، وَيخرج على فَعَلّ
على مِثَال (عَبَنّ) وعَلَدّ،
(2/154)
وَلم يُشتقّ مِنْهُ فِعل. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي:
المَعَدَّان: مَوضِع رجْلي الرَّاكِب من الْفرس. أَبُو عبيد عَن
الْكسَائي: من أمثالهم: أَن تسمع بالمُعَيْديّ خير من أَن ترَاهُ.
وَسمعت المنذريّ يَقُول سَمِعت أَبَا الْهَيْثَم يَقُول: تسمع
بالمعيديّ خير من أَن ترَاهُ.
قَالَ: وَسمعت أَبَا طَالب يَقُول: الْكَلَام الْمُخْتَار: أَن
تسمع بالمعيديّ خير من أَن ترَاهُ.
قَالَ وَبَعْضهمْ يَقُول: تسمع بالميعدي لَا أَن ترَاهُ. وَإِن
شِئْت قلت: لِأَن تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ.
قَالَ أَبُو عبيد: كَانَ الكسائيّ يرى التَّشْدِيد فِي الدَّال
فَيَقُول المعَيْديّ.
وَيَقُول: إِنَّمَا هُوَ تَصْغِير رجُل مَنْسُوب إِلَى مَعدّ،
يضْرب مثلا لمن خَبَره خير من مَرآته.
وَكَانَ غير الْكسَائي يرى تَخْفيف الدَّال ويشدّد يَاء النِّسْبَة
مَعَ يَاء التصغير.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال فِي مثل: تسمع بالمعيدي لَا أَن
ترَاهُ. وَهُوَ تَصْغِير مَعَدّيّ، إلاّ أَنه إِذا احتمعَتْ تشديدة
الْحَرْف وتشديدة يَاء النِّسْبَة مَعَ يَاء التصغير خَفَّفت
تشديدة الْحَرْف.
وَقَالَ الشَّاعِر:
ضلَّت حُلُومُهُمُ عَنْهُم وغرّهُمُ
سَنُّ المعيدِيّ فِي رَعْي وتعْزيب
يضْرب لرجل الَّذِي لَهُ صِيت وذِكر، فَإِذا رَأَيْته ازدريت
مَرْآته. وكأنّ تَأْوِيله تَأْوِيل أَمر. كَأَنَّهُ قَالَ: اسْمَع
بِهِ وَلَا تَره.
وَقَالَ شمر: المعَدّ: مَوضِع رجل الْفَارِس من الدَّابَّة، وَمن
الرجُل مثله.
وَأنْشد بَيت ابْن أَحْمَر:
فإمّا زلّ سَرجٌ عَن مَعَدِّ
وأجدر بالحوادث أَن تَكُونَا
قَالَ الْأَصْمَعِي يُخَاطب امْرَأَته فَيَقُول إِن زَلّ عَنْك
سَرْجي فبِنْتِ بطلاقٍ أَو بموتٍ فَلَا تتزوجي هَذَا المطروق
وَهُوَ قَوْله:
فَلَا تَصِلي بمطروقٍ إِذا مَا
سَرَى فِي الْقَوْم أصبح مُستكينا
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي مَعْنَاهُ: إِن عُرِّي فرسي من سَرْجه
ومُتّ.
فَبلِّي يَا غَنِيَّ بأَرْيَحِيىِّ
من الفتيان لَا يُمْسِي بطينا
وَأنْشد شمر فِي المَعَدِّ من الْإِنْسَان:
وكأنما تَحت المعَدّ ضئيلة
يَنْفِي رقادك سمُّها وسِمَامها
يَعْنِي الحيّة. والمعْد والمغْد: النَتْف، بِالْعينِ والغين.
مُدع: روى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَدْعيِّ: المتّهم فِي
نسبه قلت: كَأَنَّهُ جعله من الدعْوَة فِي النّسَب. وَلَيْسَت
الْمِيم أَصْلِيَّة.