تهذيب اللغة

(أَبْوَاب الْعين وَالتَّاء)
ع ت ظ
مهمل.
ع ت ذ
اسْتعْمل من وجوهه: (ذعت) .

(2/155)


ذعت: قَالَ اللَّيْث: ذَعَتَ فلَان فلَانا فِي التُّرَاب ذَعْتاً إِذا مَعَكه فِيهِ مَعْكاً.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ أَبُو زيد: ذَأَتَه ذَأْتاً، وذَعَتَه ذَعْتاً، وَهُوَ أشدّ الخَنْقِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: ذَعَتَه يَذْعَتُه ذَعْتاً إِذا خَنَقه. وَكَذَلِكَ زَمَتَه زَمْتاً إِذا خنقه.
ع ت ث
مهمل.

(بَاب الْعين وَالتَّاء مَعَ الرَّاء)
(ع ت ر)
عتر، عرت، ترع، تعر، رتع: مستعملات.
عتر (عرت) : أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيدة: الرُمح العاتر: المضطرب، مثل العاسِل. وَقد عَتَر وعَسَل.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: وَمن الرماح العَرّات والعَرَّاص، وَهُوَ الشَّديد الِاضْطِرَاب. وَقد عَرِت يَعْرَت وعَرِص يَعْرَص. قلت: قد صَحَّ عَتَر وعَرَت ودلّ اخْتِلَاف بنائهما على أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا غير الآخر.
وَقَالَ اللَّيْث فِي عَتر الرمْح يَعْتِر مثله.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: لَا فَرَعة وَلَا عَتِيرة.
قَالَ أَبُو عبيد: العَتِيرة هِيَ الرَجَبيّة، وَهِي ذَبيحة كَانَت تُذبح فِي رَجَب يتَقرَّب بهَا أهل الجاهليّة، ثمَّ جَاءَ الْإِسْلَام فَكَانَ على ذَلِك حَتَّى نُسِخَ بعدُ.
قَالَ: وَالدَّلِيل على ذَلِك حَدِيث مِخْنَف بن سُلَيْم قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (إِن على كل مُسلم فِي كلّ عَام أَضْحاةً وعَتِيرة) .
وَقَالَ أَبُو عبيد: الحَدِيث الأوّل نَاسخ لهَذَا يُقَال مِنْهُ: عَتَرتُ أعتِر عَتْراً.
وَقَالَ الْحَارِث بن حِلِّزة يذكر قوما أخذوهم بذَنْب غَيرهم فَقَالَ:
عَنَنَاً بَاطِلا وظُلماً كَمَا
تُعْتَرُ عَن حَجْرة الربيض الظِباءُ
قَالَ: وَقَوله: كَمَا تُعْتَر يَعْنِي العَتِيرَة فِي رَجَب، وَذَلِكَ أَن الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَت إِذا طلب أحدهم أمرا نَذر: لَئِن ظفِر بِهِ ليذبحنّ من غَنَمه فِي رَجَب كَذَا وَكَذَا، وَهِي العتائر، فَإِذا ظفِر بِهِ فربّما ضنّ بغنمه وَهِي الربِيض فَيَأْخُذ عدَدها ظباءً فيذبحها فِي رَجَب مكانَ تِلْكَ الْغنم، فَكَانَت تِلْكَ عتائره فَضرب هَذَا مثلا. يَقُول: أخذتمونا بذنب غَيرنَا، كَمَا أُخِذت الظباء مَكَان الْغنم.
وَقَالَ اللَّيْث فِي العتائر نَحوا ممّا فسَّر أَبُو عبيد، وَأنْشد:
فخرّ صَرِيعًا مثل عاتِرة النُّسْكِ
قَالَ: وَإِنَّمَا هِيَ معتورة، وَهِي مثل {فِى عِيشَةٍ} (الحَاقَّة: 21) وَإِنَّمَا هِيَ مَرْضيّة.
وَقَالَ زُهَيْر فِي العِتْر:
كمَنْصِب العِتْر دمَّى رأسَه النُسُكُ
أَرَادَ بِمنْصب العِتْر صنماً كَانَ يقرَّبُ لَهُ عِتْرٌ أَي ذِبْح فيُذبَح لَهُ ويصيب رأسُه من دم العِتْر.
الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: العَتْر

(2/156)


مصدر عَتَر الرمْح يَعْتِر عَتْراً إِذا اضْطربَ. قَالَ: والعَتَّر مصدر عَتَر يَعْتِر عَتْراً إِذا ذَبَح العَتِيرة. وَهِي ذَبِيحَة كَانَت تُذْبح فِي رجبٍ للأصنام والعتْر: الْمَذْبُوح. قَالَ والعِتْر أَيْضا: ضرْبٌ من النبت. والعتْر: الأَصْل، وَمِنْه قَوْلهم: عَادَتْ لِعِتْرها لمِيسُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العِتْرة: الرِيقة العَذْبة. والعِتْر: الْقطعَة من المِسْك. والعِتْرة: شَجَرَة تنْبت عِنْد وِجَار الضبّ، فَهُوَ يُمَرِّسها فَلَا تَنْمي. وَيُقَال: هُوَ أذلّ من عِتْرة الضبّ.
وَرَوى شَرِيك عَن الركين عَن الْقَاسِم بن حسّان عَن زيد بن ثَابت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنِّي تَارِك فِيكُم الثَقَلين خَلْفي: كتابَ الله وعِترتي، فَإِنَّهُمَا لن يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردَا عليّ الْحَوْض) .
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: وَهَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَرَفعه نَحوه زيد بن أَرقم وَأَبُو سعيد الخُدْرِيّ. وَفِي بَعْضهَا: (إِنِّي تَارِك فِيكُم الثَقَلين: كتاب الله وعِتْرتي أهل بَيْتِي. فَجعل العِترة أهل الْبَيْت.
وَقَالَ أَبُو عبيد: عِتْرة الرجل وأُسْرته وفَصِيلته: رَهْطُه الأدنَوْن.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العِتْرة مثل الرَهْط.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: العِتْرة ولد الرجل وذُرّيته وعَقِبهُ من صُلْبه. قَالَ فعِتْرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولد فَاطِمَة البَتُولِ ث.
وروى ابْن الْفرج عَن أبي سعيد قَالَ: العِتْرة: سَاق الشَّجَرَة. قَالَ: وعِترة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الْمطلب ووَلده. قَالَ: ومِن أمثالهم: عَادَتْ لعِتْرها لَميس ولعِكْرها أَي أَصْلهَا.
وَقَالَ ابْن المظفر: عِتْرة الرجل: أقرباؤه من وَلد عَمّه دِنْيا. وَقيل: عِتْرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل بَيته، وهم آله الَّذين حُرّمَت عَلَيْهِم الصَّدَقة الْمَفْرُوضَة وهم ذَوُو الْقُرْبَى الَّذين لَهُم خمس الْخمس الْمَذْكُور فِي سُورَة الْأَنْفَال قَالَ الْأَزْهَرِي وَهَذَا القَوْل عِنْدِي أقربها وَالله أعلم. وعِترة الثغر إِذا رَقّت غُرُوب الْأَسْنَان ونقِيَت وَجرى عَلَيْهَا المَاء يُقَال: إِن ثغرها لذُو أُشرة وعِتْرة قَالَ وعِتْرة المِسْحاة: خشبتها الَّتِي تسمَّى يَد المِسحاة.
واحتجّ القتيبيّ فِي أَن عترة الرجل أهل بَيته الأقربون والأبعدون بِحَدِيث رُوي عَن أبي بكر أَنه قَالَ: نَحن عِترة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي تفقَّأَت عَنهُ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: ورَوَى عَمْرو بن مرّة عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله قَالَ: لما كَانَ يَوْم بدرٍ وَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأُسَارى قَالَ: مَا ترَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ عمر: كذَّبوك وَأَخْرَجُوك، ضَرِّبْ أرقابهم. فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله: عِترتُك وقومك، تجاوزْ عَنْهُم يستنقذْهم الله بك من النَّار، فِي حَدِيث طَوِيل.
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي غير هَذَا: العِتْر وَاحِدهَا عِتْرة: شجر صغَار.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْحسن الأسَدي عَن الرياشي قَالَ: سَأَلت الْأَصْمَعِي عَن العِتْر فَقَالَ: هُوَ نبتٌ ينْبت، مثل

(2/157)


ُ المَرْزَنْجوش متفرَّقاً. قَالَ: وأنشدنا بَيت الهذليّ:
وَمَا كنتُ أخْشَى أَن أعيش خلافَهم
لستّة أَبْيَات كَمَا ينْبت العِتْر
يَقُول: هَذِه الأبيات مُتَفَرِّقَة مَعَ قلَّتها كتفرّق العِتْر فِي منبته.
وَقَالَ ابْن المظفر: العِتْر: بقلة إِذا طَالَتْ قُطِعَ أَصْلهَا فَيخرج مِنْهُ لَبَن. ثمَّ ذكر بَيت الهذليّ لِأَنَّهُ إِذا قُطِع نَبتَت من حواليه شُعَبٌ ستّ أَو ثَلَاث.
قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَه الْأَصْمَعِي.
وَقَالَ اللَّيْث: عِتْوَارَة اسْم حيّ من كَنَانَة وَأنْشد:
من حَيّ عِتْوَار وَمن تَعَتْوَرا
وَقَالَ المبرّد: العَتْوَرَة: الشِدّة فِي الْحَرْب. وَبَنُو عِتْوَارة سُمِّيَتْ بِهَذَا لقوّتها. قَالَ وعِتْوَر: اسْم وادٍ خشِن المَسْلَك.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَتَر: الشِّدة والقوّة فِي جَمِيع الْحَيَوَان. قَالَ: والعُتُر: الفُرُوج المُنْعِظة وَاحِدهَا عَاتِر وعَتُور. والعَتّار: الرجل الشجاع، والفَرس القويّ على السَّير، وَمن الْمَوَاضِع: الوحشُ الخشِن.
وَقَالَ المبرّد: جَاءَ على فِعْوَل من الْأَسْمَاء خِرْوَع وعِتْوَر وَهُوَ الْوَادي الخشِن التُرْبةِ. وَبَنُو عِتْوَارة كَانُوا أُولِي صَبْرٍ وخشونة فِي الحروب.
ترع: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِن منبري هَذَا على تُرْعَة من تُرعِ الجنّة) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: التُرْعة: الرَّوْضَة تكون على الْمَكَان المرتفِع خاصّة، فَإِذا كَانَت فِي الْمَكَان المطمئنّ فَهِيَ رَوْضة.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ أَبُو زِيَاد الْكلابِي: أحسنُ مَا تكون الرَّوْضَة على الْمَكَان الَّذِي فِيهِ غِلظٌ وارتفاع. وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
مَا رَوْضة من رياض الحَزْن مُعْشبة
خضراء جاد عَلَيْهَا مُسْبلٌ هَطِل
روى أَبُو يعلى عَن الْأَصْمَعِي عَن حمّاد بن سَلَمَة أَنه قَالَ: قَرَأت فِي مصحف أبيّ بن كَعْب: (وتَرَّعَتْ الْأَبْوَاب) . قَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ فِي مَوضِع {وَغَلَّقَتِ الاَْبْوَابَ} (يُوسُف: 23) .
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: التُرعَة: الدَرَجة. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ غَيرهم: التُرعَة: الْبَاب، كَأَنَّهُ قَالَ: منبري على بَاب من أَبْوَاب الجنّة. قَالَ ذَلِك سَهْل بن سعد الساعديّ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى الحَدِيث. قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ الْوَجْه عندنَا.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه التُرْعَة: مَقَام الشاربة من الْحَوْض، والتُرعَة: الْبَاب، والتُرعَة: المِرْقاة من الْمِنْبَر.
وَفِي حَدِيث آخر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن قَدَمَيَّ على تُرْعَة من تُرْعِ الْحَوْض) .
قلت: ترعة الْحَوْض: مَفتَح المَاء إِلَيْهِ. وَمِنْه يُقَال أَتْرَعْتُ الْحَوْض إتراعاً إِذا ملأتَهُ وأترعْتُ الْإِنَاء مثله، فَهُوَ مُتْرعٌ وسحابٌ تَرِع كثير الْمَطَر.

(2/158)


قَالَ أَبُو وَجْزَة:
كَأَنَّمَا طرَقَتْ ليلى مُعَهَّدَةً
من الرياض ولاها عَارِض تَرعُ
وَقَالَ اللَّيْث: التَرَع: امتلاء الشَّيْء، وَقد أترعت الْإِنَاء، وَلم أسمع تَرِعَ الْإِنَاء، وَلَكِن يُقَال: تَرِعَ الرجل ترعاً إِذا اقتحم الْأَمر مَرَحاً، وَإنَّهُ لمُتَتَرِّع إِلَى الشرّ، وَأنْشد:
الْبَاغِي الْحَرْب يسْعَى نَحْوهَا ترِعاً
حَتَّى إِذا ذاق مِنْهَا جاحِماً بَردَا
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: هُوَ تَرِعٌ عَتِل وَقد تَرِعَ تَرَعاً وعَتِل عَتَلاً إِذا كَانَ سَرِيعا إِلَى الشرّ.
قَالَ أَبُو عبيد: والمتترِّع الشرّير، يُقَال تَتَرَّع فلَان إِلَيْنَا بالشرّ إِذا تسرّع. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: حوضٌ تَرِعٌ ومُتْرِعٌ أَي مملوءٌ. قَالَ والتَرِع: السَّفِيه السَّرِيع إِلَى الشرّ، وَنَحْو ذَلِك رَوَى الحَرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: رجل تَرِعٌ إِذا كَانَت فِيهِ عَجَلة، وَقد تَرِع تَرَعاً، وَهَذَا حوضٌ تَرِعٌ أَي مَمْلُوء.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التَرَّاع: البوّاب، والتُرْعَة: الْبَاب.
وروى أَبُو زيد عَن الكلابيين: فلَان ذُو مَتْرَعة إِذا كَانَ لَا يغْضب وَلَا يَعْجَل. قلت: وَهَذَا ضدّ الترِع.
رتع: قَالَ الله جلّ وعزّ مخبِراً عَن إخْوَة يُوسُف وَقَوْلهمْ لأبيهم يَعْقُوب ج {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} (يُوسُف: 12) .
قَالَ الفرّاء: يَرتعْ، الْعين مجزومة لَا غير؛ لِأَن الْهَاء فِي قَوْله {أَرْسِلْهُ معرفَة ووُوِغَداً} معرفَة فَلَيْسَ فِي جَوَاب الْأَمر وَهُوَ {يَرْتَعْ} إلاّ الْجَزْم. قَالَ: وَلَو كَانَ بدل الْمعرفَة نكرَة كَقَوْلِك: أرسِل رجلا يرتع جَازَ فِيهِ الرّفْع والجزم، كَقَوْل الله جلّ وعزّ (ابْعَثْ لنا ملكا يقاتلْ فِي سَبِيل الله) (الْبَقَرَة: 246) ويقاتلُ، الْجَزْم لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط، وَالرَّفْع على أَنه صلَة للملِك كَأَنَّهُ قَالَ: ابْعَثْ لنا الَّذِي يُقَاتل.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب أَنه قَالَ: الرَتْعُ: الرَعيُ فِي الخِصْب. قَالَ: وَمِنْه قَوْلهم: القَيْدُ والرَتَعَة، وَيُقَال: الرَتَعة. قَالَ: وَمعنى الرَتْعَة: الخِصْب. وَمن ذَلِك قَوْلهم هُوَ يَرتَع أَي إِنَّه فِي شَيْء كثير لَا يُمْنَع مِنْهُ فَهُوَ مخصبٌ.
قلت: وَالْعرب تَقول: رَتَع المالُ إِذا رَعَى مَا شَاءَ، وأرْتَعْتُها أَنا. والرَتْع لَا يكون إِلَّا فِي الخِصْب والسِعَة. وإبل رِتَاع وَقوم مرتِعون وراتعون إِذا كَانُوا مخاصيب.
وَقَالَ أَبُو طَالب: سَمَاعي من أبي عَن الفرّاء: القَيْد والرَتَعة، مُثقّل. قَالَ: وهما لُغَتَانِ: الرَّتْعَة والرَتَعَة.
قَالَ أَبُو طَالب: وأوّل من قَالَ الْقَيْد والرتْعة عَمْرو بن الصَّعِق بن خويلد بن نُفَيل بن عَمْرو بن كلاب، وَكَانَت شاكرُ من هَمْدَان أسروه فَأحْسنُوا إِلَيْهِ وروّحوا عَنهُ، وَقد كَانَ يَوْم فَارق قومه نحيفاً فهَرَب من شاكِرَ فَلَمَّا وصل إِلَى قومه قَالُوا: أَيْ عَمْرو خرجْتَ من عندنَا نحيفاً وَأَنت الْيَوْم بادِنٌ، فَقَالَ: الْقَيْد والرتْعَة فأرسلها مثلا. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَتْع: الْأكل

(2/159)


بشَرَهِ، يُقَال: رَتَعَ يَرْتَع رَتْعاً ورِتَاعاً، والرَّتَّاع: الَّذِي يتتبّع بإبله المراتع المخصِبَة.
وَقَالَ شمر: يُقَال أتيت على أَرض مُرْتِعَة وَهِي الَّتِي قد طمِع مَا لَهَا من الشِبَع، وَقد أرتع المالُ وأرتَعَت الأرضُ وغيثٌ مُرْتِع: ذُو خِصْبٍ. وَقَوْلهمْ فلَان يرتع قَالَ أَبُو بكر مَعْنَاهُ: هُوَ مُخصب لَا يَعْدَم شَيْئا يُريدهُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: معنى {يَرْتَعْ} : يلهو. وَقَالَ فِي معنى قَوْله: أَي يلهو ويَنعَم. وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ: يسْعَى وينبسط. وَقيل معنى قَوْله {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} : يَأْكُل. واحتجّ بقوله:
وحبِيب لي إِذا لاقيته
وَإِذا يَخْلُو لَهُ لحمي رَتَعْ
مَعْنَاهُ: أكله. وَمن قَرَأَ (نرتع) بالنُّون أَرَادَ: ترتع إبلنا:
تعر: أهمله اللَّيْث وروى أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: جُرْح تغار بالغين إِذا كَانَ يسيل مِنْهُ الدَّم.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ غَيره: جُرْحٌ نَعَّار بالنُّون وَالْعين.
قلت: وَسمعت غير وَاحِد من أهل الْعَرَبيَّة بهراة يزْعم أَن (تغار) بالغين تَصْحِيف، فَقَرَأت فِي (كتاب أبي عُمَر الزَّاهِد) رِوَايَة عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: جُرْحٌ تَعّار بِالتَّاءِ وَالْعين وتَغّار بِالتَّاءِ والغين ونَعّار بالنُّون وَالْعين بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ الَّذِي لَا يرقأ فَجَعلهَا كلّها لغاتٍ وصحّحها. وَالْعين والغين فِي تعّار وتغّار تعاقبا، كَمَا قَالُوا: العَبِيثة والغبِيثة بِمَعْنى وَاحِد.
قلت: وتِعَار: اسْم جبل فِي بِلَاد قيس. وَقد ذكره لبيد:
إلاّ يرمرم أَو تِعَار
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: التعَر: اشتعال الْحَرْب.

(بَاب الْعين وَالتَّاء مَعَ اللَّام)
(ع ت ل)
عتل، تلع، تعل: مستعملة.
علت، لتع، لعت: مُهْملَة.
عتل: قَالَ الله جلّ وعزّ: {الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} (الدّخَان: 47) وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} (الْقَلَم: 13) قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ: {خُذُوهُ} بِكَسْر التَّاء، وَكَذَلِكَ قَرَأَ أَبُو عَمْرو. وَقَرَأَ ابْن كَثِير وَنَافِع وَابْن عَامر وَيَعْقُوب: (فاعتلوه) بضمّ التَّاء. قلت: هما لُغَتَانِ فصيحتان، يُقَال: عَتَلَهُ يَعَتِله ويَعتُله.
ورَوَى الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} أَي خذوه فاقصِفوه كَمَا يُقصَف الحَطَب.
وَقَالَ أَبُو مُعَاذ النحويّ: العَتْل: الدَفْع والإرهاق بالسَّوْق العنيف. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الحرّاني عَن ابْن السّكّيت: عَتَلْتُهُ إِلَى السجْن وعَتَنْتُه فَأَنا أعْتِلُه وأعْتُلُه وأعْتِنُه وأعْتُنُه إِذا دفعتَه دَفْعاً عنيفاً.
وَقَالَ اللَّيْث: العَتْلُ: أَن تَأْخُذ بتَلْبيب الرجل فتعتِلَه، أَي تجرّه إِلَيْك وَتذهب بِهِ

(2/160)


إِلَى حَبْس أَو بَلِيَّة. وأَخَذ فلَان بِزِمام النَّاقة فعتَلها إِذا قادها قَوْداً عنيفاً.
وَيُقَال: لاأَتَعَتَّل مَعَك شِبْراً أَي لَا أَبْرَح مَكَاني وَلَا أجيء مَعَك.
وأمّا قَوْله تَعَالَى: { (الْقَلَم: 13) أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن العُتُلّ هَهُنَا: الشَّديد الْخُصُومَة، وَجَاء فِي التَّفْسِير أَيْضا أَنه: الجافي الخُلُقِ اللئيمُ الضَرِيبةِ، وَهُوَ فِي اللُّغَة: الغليظ الجافي. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: العَتَلَة: بَيْرَم النَجّار.
وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ حَدِيدَة كَأَنَّهَا حَدّ فأسٍ عريضة فِي أَصْلهَا خَشَبَة، تُحفر بهَا الأَرْض والحيطان، لَيست بمُعَقَّفَةٍ كالفأس، وَلكنهَا مُسْتَقِيمَة مَعَ الْخَشَبَة. قَالَ: وَرجل عُتُلٌّ: أكول مَنُوع.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَتَلُ: القسِيّ الفارسية.
وَقَالَ أُمية:
يَرمُونَ عَن عَتَل كَأَنَّهَا غُبُطٌ
بزَمْخَرٍ يُعجل المَرمِيّ إعجالاً
قَالَ: واحدتها عَتَلة.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: إِنَّك لعَتِلٌ إِلَى الشرّ أَي سريع، وَقد عَتِل عتَلاً.
الحرّاني عَن ابْن السّكّيت: العَتِيل: الْأَجِير بلغَة طَيء، وَجمعه العُتَلاَء.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العَتَلَة: المدَرَة الْكَبِيرَة تتقلّع من الأَرْض إِذا أثيرت.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَاتِل الجِلْوَاز، وَجمعه عُتُلٌ. قَالَ: والعَتِيل: الْأَجِير وَجمعه عُتُلٌ أَيْضا. وَفِي (النَّوَادِر) : داءٌ عَتِيل شَدِيد والعتيل: الْخَادِم.
تلع: من أَمْثَال الْعَرَب: فلَان لَا يمنَع ذنَبَ تَلْعه يضْرب للرجل الذَّلِيل الحقير. والتَلْعَة: وَاحِدَة التِلاَع.
قَالَ أَبُو عبيد: وَهِي مجارِي المَاء من أعالي الْوَادي. قَالَ: والتلاع أَيْضا: مَا انهبط من الأَرْض. قَالَ وَهِي من الأضداد.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال فِي مَثل: مَا أَخَاف إِلَّا من سَيْلِ تَلْعَتِي أَي من بني عمّي وَذَوي قَرَابَتي. قَالَ: والتَلْعَة: مَسِيل المَاء؛ لِأَن من نزل التَلْعَة فَهُوَ على خَطَر: إِن جَاءَ السَّيْل جَرف بِهِ. قَالَ: وَقَالَ هَذَا وَهُوَ نَازل بالتَلْعة فَقَالَ: لَا أَخَاف إِلَّا من مَأَمَنِي. وَقَالَ شمر: التِلاع: مسايل المَاء تسيل من الأسناد والنِجَاف وَالْجِبَال حَتَّى تنصبّ فِي الْوَادي. قَالَ وتَلْعة الْجَبَل: أَن المَاء يَجِيء فيخُدّ فِيهِ ويحفره حَتَّى يخلُص مِنْهُ. قَالَ: وَلَا تكون التِلاَع فِي الصحارى. قَالَ والتَلْعة رُبمَا جَاءَت من أبعد من خَمْسَة فراسخ إِلَى الْوَادي. قَالَ: وَإِذا جَرَت من الْجبَال فَوَقَعت فِي الصحارى حَفَرت فِيهَا كَهَيئَةِ الْخَنَادِق. قَالَ وَإِذا عظمت التَلْعَة حَتَّى تكون مثل نصف الْوَادي أَو ثُلثَيْهِ فَهِيَ مَيْثاء. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: من أمثالهم فِي الَّذِي لَا يوثق بِهِ: إِنِّي لَا أَثِق بسَيل تَلْعتك أَي لَا أَثِق بِمَا تَقول وَمَا تَجِيء بِهِ. قلت: فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَمْثَال جَاءَت فِي التَلْعة. وَقَالَ اللَّيْث: التَلْعة: أَرض ارْتَفَعت وَهِي غَلِيظَة يتردّد فِيهَا السَّيْل، ثمَّ يَدْفع مِنْهَا إِلَى تَلْعَة أَسْفَل

(2/161)


مِنْهَا. وَهِي مَكَرَمة من المنابت.
أَبُو عبيد: التَتَلُّع: التقدّم. وَأنْشد لأبي ذُؤَيْب:
فَوَردْنَ والعَيُّوقُ مقعدَ رابىءُ الض
رباء فَوق النَّجْم لَا يتَتَلَّعُ
الْأَصْمَعِي: الأتلع: الطَّوِيل. قَالَ أَبُو عبيد: وَأكْثر مَا يُرَاد بالأتلع: طول عُنُقه. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: هُوَ أتلع وتَلِع للطويل العُنُق. قَالَ: وَرجل تَلِعٌ: كثير التلفّت. قَالَ: وَرجل تَلِعُ بِمَعْنى التَرِع. قَالَ: وَيُقَال: لزم فلَان مَكَانَهُ فَمَا يَتَتَلَّعُ ومايَتَتَالَع أَي لَا يرفع رَأسه للنهوض، وَإنَّهُ ليَتَتَالع فِي مَشْيه إِذا مَدّ عُنُقه وَرفع رَأسه. قَالَ: وَيُقَال: تَلَع فلَان رَأسه إِذا أخرجه من شَيْء كَانَ فِيهِ، وَهُوَ شبه طَلَع، إلاّ أنّ طلع أعمّ. وتَلَع الثورُ إِذا أخرج رَأسه من الكِنَاس. قلت: الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب أتلع رَأسه إِذا أطلعه فَنظر؛ وتلع الرأسُ نفسُه. وَقَالَ الشَّاعِر:
كَمَا أتلعَت من تَحت أَرْطى صريمةٍ
إِلَى نَبْأة الصَّوْت الظباءُ الكوانِس
وَيُقَال: تَلَع النَّهَار إِذا ارْتَفع يَتْلَع تلُوعاً. وجِيدٌ تَلِيع: طَوِيل. ومُتَالِع: جبل بِنَاحِيَة الْبَحْرين بَين السَوْدة والأحساء. وَفِي سفح هَذَا الْجَبَل عَين يسيح مَاؤُهَا، يُقَال لَهَا: عين مُتَالِع.
تعل: أهمله اللَّيْث وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: التعَل: حرارة الْحلق الهائجة.
وَأما عَلَتَ فمهمل.

(بَاب الْعين وَالتَّاء مَعَ النُّون)
(ع ت ن)
عتن، عنت، نتع، نعت: مستعملة.
عتن: أهمل اللَّيْث عتن وَهُوَ مُسْتَعْمل، أَخْبرنِي المنذريّ عَن الحَرّانيّ عَن ابْن السكّيت قَالَ: يُقَال: عَتَله إِلَى السِجْن وعَتَنه يَعْتِنه ويَعْتُنه عَتْناً إِذا دَفعه دَفْعاً عَنيفاً. أَبُو العبّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العُتُن: الأشِدَّاء، جمع عَتُونٍ، وعاتِنٍ إِذا تشدّد على غَرِيمه وآذاه.
عنت: قَالَ الله عزّ وجلّ: {لِمَنْ خَشِىَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} (النِّساء: 25) نزلت الْآيَة فِيمَن لم يسْتَطع طَوْلاً أَي فَضْل مالٍ ينْكح بِهِ حُرّة، فَلهُ أَن ينْكح أمَة، ثمَّ قَالَ: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} . وَهَذَا يُوجب أَن من لم يخْش العَنَت وَوجد طَوْلاً لحُرَّة أَنه لَا يحلّ لَهُ أَن ينْكح أَمَة. وَاخْتلف النَّاس فِي تَفْسِير العَنَت. فَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: ذَلِك لمن خَافَ أَن يحملهُ شدّة الشَّبَق والغُلْمة على الزِّنَى فَيلقى الْعَذَاب الْعَظِيم فِي الْآخِرَة، والحَدَّ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: أَن يعشق أَمَة، وَلَيْسَ فِي الْآيَة ذكر عشق، وَلَكِن ذَا العِشقِ يلقى عَنَتاً. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَزيد الثُمَاليّ: العَنَت هَهُنَا: الْهَلَاك. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الهَيْثَم أَنه قَالَ: العَنَت فِي كَلَام الْعَرَب: الجَوْر والإِثْم والأَذَى. قَالَ: فَقلت لَهُ: آلتعنُّت من هَذَا؟ قَالَ: نعم، يُقَال: تعنت فلَان فلَانا إِذا أَدخل عَلَيْهِ الأَذَى. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجَّاج: العَنَت فِي اللُّغَة: المَشَقَّة الشَّدِيدَة؛ يُقَال: أكمَة عَنُوت إِذا كَانَت شاقَّة

(2/162)


المَصْعَد. قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو إِسْحَاق صَحِيح، فَإِذا شَقَّ على الرجل العُزْبة وغلبته الغلْمة وَلم يجد مَا يتزوّج بِهِ حُرّة فَلهُ أَن ينْكح أَمَة؛ لِأَن غَلَبَة الشَّهْوَة واجتماعَ المَاء فِي صُلْب الرجل رُبمَا أدّى إِلَى العِلَّة الصعبة، وَالله أعلم.
وَقَول الله عزّ وجلّ: {وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ} (الْبَقَرَة: 220) مَعْنَاهُ: وَلَو شَاءَ الله لشدَّد عَلَيْكُم وتعبَّدكم بِمَا يَصعب عَلَيْكُم أَدَاؤُهُ؛ كَمَا فَعل بِمن كَانَ قبلكُمْ. وَقد يوضع العَنَت مَوضِع الْهَلَاك، فَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: لَو شَاءَ اللَّه لأعنتكم أَي أهلككم بِحكم يكون فِيهِ غير ظَالِم. وَقَول الله عزّ وجلّ: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} (التّوبَة: 128) مَعْنَاهُ: عَزِيز عَلَيْهِ عَنَتكم، وَهُوَ لِقَاء الشدّة والمشقّة. وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: عَزِيز عَلَيْهِ أَي شَدِيد مَا أعنتكم أَي مَا أوردكم العَنَت والمَشَقَّة. وَقَوله عزّ وجلَّ: {نَادِمِينَ وَاعْلَمُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِّنَ الاَْمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَاكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاِْيمَانَ} (الحُجرَات: 7) أَي لَو أطَاع مثل المُخْبِر الَّذِي أخبرهُ بِمَا لَا أصل لَهُ كَانَ سعى بِقوم من الْعَرَب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم ارتدّوا لوقعتم فِي عَنَت أَي فَسَاد وهلاك. وَهُوَ قَوْله عزّ وجلّ: {رَّحِيمٌ ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ} (الحُجرَات: 6) الْآيَة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: أعنت فلَان فلَانا إعناتاً إِذا أَدخل عَلَيْهِ عَنَتاً أَي مَشَقَّة.
قَالَ: وتعنَّته تعنُّتاً إِذا سَأَلَهُ عَن شَيْء أَرَادَ بِهِ اللَبْس عَلَيْهِ والمشَقَّة.
قَالَ: والعَظْم المجبور يُصِيبهُ شَيْء فَيُعْنِته. قلت: مَعْنَاهُ: أَنه يَهيضه، وَهُوَ كسر بعد انجبار، وَذَاكَ أشدّ من الْكسر الأوّل.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: العَنَت: الْكسر، وَقد عنِتَت يَده أَو رجله أَي انْكَسَرت. وَكَذَلِكَ كل عظم. وَأنْشد:
فداوِ بهَا أضلاع جنبيك بَعْدَمَا
عَنِتن وأعيتك الجبائر من عَلُ
وَقَالَ النَضْر: الوَثْءُ لَيْسَ بعَنَت، لَا يكون العَنَت إِلَّا الْكسر. والوَثْء: الضَّرْب حَتَّى يَرْهَص الجلدَ وَاللَّحم ويصل الضَّرْب إِلَى الْعظم من غير أَن ينكسر.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الإعنات: تَكْلِيف غير الطَّاقَة.
وَيُقَال: أعْنت الجابر الكسيرَ إِذا لم يَرفُق بِهِ، فَزَاد الكسرَ فَسَادًا. وَكَذَلِكَ رَاكب الدابَّة إِذا حمله على مَا لَا يحْتَملهُ من العُنْف حَتَّى يَظْلعَ فقد أعْنته. وَقد عنِتَت الدابَّة. وجُملة العَنَت الضَّرَر الشاقّ المؤذي. والعُنْتُوت: العَقَبة الكَئُود الشاقَّة، وَهِي العَنُوت أَيْضا، قَالَه ابْن الأعرابيّ وَغَيره.
قَالَ: وعُنْتُوت الْقوس: هُوَ الحَزّ الَّذِي تدخل فِيهِ الغانة، والغانة: حَلْقة رَأس الوَتَر.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ: أصل العَنَت التَّشْدِيد وتعنَّته إِذا ألزمهُ مَا يصعُب عَلَيْهِ.
نعت: قَالَ اللَّيْث: النَعْت: وصفك الشَّيْء تَنْعته بِمَا فِيهِ وتبالغ فِي وَصفه.
قَالَ: وكلّ شَيْء كَانَ بَالغا تَقول لَهُ: هَذَا

(2/163)


نَعْت أَي جيّد بَالغ.
قَالَ: وَالْفرس النَعْت: الَّذِي هُوَ غَايَة فِي العِتْق. وَمَا كَانَ نعتاً وَلَقَد نَعُتَ ينعُت نَعَاتة. فَإِذا أردْت أَنه تكلَّف فعله قلت: نعِت.
قَالَ: واستنعتُّه أَي استوصفتُه. وَجمع النَّعْت نُعُوت.
وَقَالَ غَيره: فرس نَعْت ومُنْتَعِت إِذا كَانَ مَوْصُوفا بالعِتْق والجَودة والسَبْق.
وَقَالَ الأخطل:
إِذا غرّق الآلُ الإكامَ علونه
بمنتعِتات لَا بغالٍ وَلَا حُمُرْ
والمنتعِت من الدوابّ وَالنَّاس: الْمَوْصُوف بِمَا يفضّله على غَيره من جنسه. وَهُوَ مفتعل من النَّعْت. يُقَال: نعتّه فانتعت؛ كَمَا يُقَال: وَصفته فاتّصف. وَمِنْه قَول أبي دُواد الإياديّ:
جَار كجار الحُذَاقيّ الَّذِي اتّصفا
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: أنْعَتَ إِذا حَسُن وجههُ حَتَّى يُنْعَت.
نتع: قَالَ ابْن المظفّر: نَتَع العَرَق نُتُوعاً. وَهُوَ شِبه نَبَع نُبوعاً، إِلَّا أَن نَتَع فِي العَرَق أحسن.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ أنتع الرجلُ إِذا عرق عَرَقاً كثيرا.
وَقَالَ شمر: قَالَ خَالِد بن جَنْبة فِي المتلاحِمة من الشِجَاج: وَهِي الَّتِي تشقّ الجِلد فتزِلّه فينتِعُ اللَّحْم وَلَا يكون للمسْبار فِيهِ طَرِيق.
قَالَ: والنَتْع: ألاَّ يكون دونه شَيْء من الجِلد يواريه، وَلَا وَرَاءه عَظْم يخرج قد حَال دون ذَاك الْعظم، فَتلك المتلاحمة.

(بَاب الْعين وَالتَّاء مَعَ الْفَاء)
ع ت ف
اسْتعْمل من وجوهه: عتف، عفت.
عتف: أهمل اللَّيْث وَغَيره عتف.
روى أَبُو العبّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العُتُوف: النَتْف.
وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن دُرَيد: مضى عِتْف من اللَّيْل وعِدْف من اللَّيْل أَي هَوِيّ.
عفت: قَالَ اللَّيْث بن المظفّر: عَفَت فلَان الكلامَ عَفْتاً، وَهُوَ أَن يَلْفِته ويكسره. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: امْرَأَة عفتاء وعفكاء ولَفْتاء، وَرجل أعفت أعفك ألْفت، وَهُوَ الأخرق.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الألْفت: الأعسر، وَكَذَلِكَ الأَعْفت. قَالَ: وَإِنَّمَا سُمّي ألْفت لِأَنَّهُ يعْمل بجانبه الأميل. قَالَ: وكلّ مَا رميته إِلَى جَانِبك فقد لَفَتَّه. أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: عَفَت فلَان عظم فلَان، يَعْفِته عَفْتاً: إِذا كَسره. قلت: العَفْت واللفت: اللَيّ الشَّديد وكل شَيْء ثَنَيتَه فقد عَفَتَّه تعفِته عَفْتاً. وَإنَّك لتَعْفِتني عَن حَاجَتي أَي تثَنيني عَنْهَا.
وَيُقَال للعصِيدة: عَفِيتة ولَفيتة.
وَقَالَ الأصمعيّ: العِفَّتانيّ: الرجل الجَلْد القويّ، رَوَاهُ عَنهُ أَبُو نصر؛ وَأنْشد:
بعد أزابي العفِتَّانّي الغَلِث

(2/164)


قلت: وَمَال عفتان فِي كَلَام الْعَرَب سِلِّجان يُقَال أَلْقَاهُ فِي سلجانه أَي حَلْقه.

(بَاب الْعين وَالتَّاء مَعَ الْبَاء)
ع ت ب
عتب، تبع، تَعب، بتع: مستعملة.
عتب: قَالَ الله عزّ وجلّ: {لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ} (فُصْلَت: 24) .
وَقَالَ أَبُو مُعَاذ النحويّ: قرىء: (وَإِن يُسْتَعْتَبوا) .
قَالَ: وَمَعْنَاهُ: إنْ أقالهم الله وردّهم إِلَى الدُّنْيَا لم يُعتِبوا، يَقُول: لم يعملوا بِطَاعَة الله؛ لِمَا سبق لَهُم فِي علم الله من الشَّقَاء، وَهُوَ قَول الله جلّ وعزّ: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (الأنعَام: 28) .
قَالَ: ومَن قَرَأَ: {: ُ: ِلَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ} فَمَعْنَاه: إِن يستقيلوا رَبهم لم يُقِلْهُم؛ تَقول استعتبت فلَانا فَمَا أعتبني؛ كَقَوْلِك: استقلته فَمَا أقالني. قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو معَاذ فِي الْقِرَاءَتَيْن حسن إِن شَاءَ الله.
وَقَالَ ابْن شُمَيل وَابْن المظفّر: العَتْب: المَوْجِدة؛ تَقول: عَتَب فلَان على فلَان عَتْباً ومَعْتِبة إِذا وَجَد عَلَيْهِ. وَقد أعتبني فلَان أَي ترك مَا كنت أجِد عَلَيْهِ من أَجله، وَرجع إِلَى مَا أرضاني عَنهُ بعد إسخاطه إيّاي عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: رُوي عَن أبي الدَّرْدَاء أَنه قَالَ: معاتبة الْأَخ خير من فَقْده.
قَالَ فَإِن استُعتِب الْأَخ فَلم يُعْتِب فَإِن مثلهم فِيهِ قَوْلهم: لَك العُتْبى بِأَن لَا رضِيت، وَهَذَا فعل محوّل عَن مَوْضِعه؛ لِأَن أصل العُتْبى رُجُوع المستعتَب إِلَى محبّة صَاحبه، وَهَذَا على ضدّه. يَقُول: أُعتِبك بِخِلَاف رضاك.
وَأنْشد لبِشْر:
غَضِبت تَمِيم أَن تَقَتّل عَامر
يَوْم النِسَار فأُعْتِبوا بالصَيْلم
أُعتِبوا أَي أُرضوا بالاصطلام.
وَقَالَ آخر:
فدع العتاب فربّ شرْ
رٍ هاج أولَه العتابُ
والعُتْبى: اسْم على فُعْلى يوضع مَوضِع لإعتاب، وَهُوَ الرُّجُوع عَن الْإِسَاءَة إِلَى مَا يُرْضي العاتب.
وَقَالَ اللَّيْث: استعتَب فلَان إِذا طلب أَن يُعْتَب أَي يُرضَى.
قَالَ: واستَعتَب أَيْضا بِمَعْنى أَعتب.
وَأنْشد:
فَأَلْفَيْته غير مستعتِب
وَلَا ذاكرِ الله إِلَّا قَلِيلا
قَالَ الْأَزْهَرِي: قَوْله: غير مستعتِب أَي غير مستقيل أَي طَالب أَن يُقَال وَقَوله: وَلَا ذَاكر الله إِلَّا قَلِيلا أَي وَلَا ذاكرٍ الله، فَحذف التَّنْوِين.
قَالَ: والتعتب والمعاتبة والعِتاب كل ذَلِك مُخَاطبَة المدلّين أخلاّءهم طَالِبين حُسْن مراجعتهم ومذاكرة بَعضهم بَعْضًا مَا كرهوه ممّا كَسَبهم الموجِدةَ.

(2/165)


قَالَ: وَيُقَال: مَا وجدت فِي قَوْله عُتْباناً وَذَلِكَ إِذا ذكر أَنه أعتبك وَلم تَرَ لذَلِك بَيَانا. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: مَا وجدت عَنهُ عَتْباً وَلَا عِتَاباً بِهَذَا الْمَعْنى. قلت: لم أسمع العتب والعتبان والعتاب بِمَعْنى الإعتاب، إِنَّمَا العتب والعتبان: لومك الرجلَ على إساءة كَانَت لَهُ إِلَيْك فاستعتبته مِنْهَا. وكلّ وَاحِد من اللَّفْظَيْنِ يخلص للعتاب، فَإِذا اشْتَركَا فِي ذَلِك وذكَّر كلُّ وَاحِد مِنْهُمَا صاحبَه مَا فَرَطَ مِنْهُ إِلَيْهِ من الْإِسَاءَة فَهُوَ العِتاب والمعاتبة. وأمّا الإعتاب والعُتْبى فَهُوَ رُجُوع المعتوب عَلَيْهِ إِلَى مَا يُرضِي العاتب. والاستعتاب: طَلَبك إِلَى الْمُسِيء أَن يرجع عَن إساءته. وَيكون الاستعتاب الاستقالة.
أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ: العَتَبة أُسْكُفّة الْبَاب الَّتِي تُوطأ.
وَقَالَ اللَّيْث: كل مَرْقاة من الدَرَج عَتَبة. وَكَذَلِكَ العَتَب فِي الثنايا الشاقَّة، واحدتها عَتَبة.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: العَتَبة فِي الْبَاب هِيَ الْأَعْلَى. قَالَ: والخشبة الَّتِي فَوق الْأَعْلَى: الْحَاجِب قَالَ: والأُسْكُفّة هِيَ السُّفْلى. والعارضتان: العِضَادتان. وَيُقَال: مَا فِي طَاعَة فلَان عَتَبٌ أَي الْتواء وَلَا نَبْوة، ومافي مودّته عتَب إِذا كَانَت خَالِصَة لَا يشوبها فَسَاد. وَيُقَال: حُمِل فلَان على عَتَبة كريهة، وعَلى عَتَب كَريه من الْبلَاء والشرّ.
وَقَالَ الشَّاعِر:
يُعْلَى على العَتَب الكريه ويوبَس
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَول عَلْقَمَة:
لَا فِي شظاها وَلَا أرساغها عَتَب
أَي عيب. وَهُوَ من قَوْلك: لَا يُتَعتّب عَلَيْهِ فِي شَيْء. والفحل الْمَعْقُول أَو الظالع إِذا مَشى على ثَلَاث قَوَائِم كَأَنَّهُ يَقْفِز يُقَال: يَعْتِب عَتَباناً.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: عَتَب عَلَيْهِ من العِتابِ، يَعتِب يعتُب، وَكَذَلِكَ من الْمَشْي على ثَلَاث قَوَائِم. وَتقول: عتِّب لي عَتَبة فِي هَذَا الْموضع إِذا أردْت أَن تَرقى بِهِ إِلَى مَوضِع تصعد فِيهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا أُعنت الْعظم المجبور قيل: قد أُعتِب وأُتعب.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: اعتَتَب فلَان عَن الشَّيْء إِذا انْصَرف عَنهُ.
وَمِنْه قَول الكُمَيت:
فاعتتب الشوقُ عَن فُؤَادِي والش
عر إِلَى من إِلَيْهِ مُعْتَتَب
وَأنْشد المازنيّ قَول الحُطَيئة:
إِذا مخارم أَحناء عَرَضْن لَهُ
لم يَنْبُ عَنْهَا وَخَافَ الْجور فاعتَتَبا
يَقُول: لم ينبُ عَنْهَا وَلم يخف الجَوْر. واعتتب أَي رَجَعَ من قَوْلهم: لَك العُتْبى أَي لَك الرُّجُوع ممّا تكره إِلَى مَا تُحِبّ. وعَتَبة الْوَادي: جَانِبه الْأَقْصَى الَّذِي يَلِي الجَبَل. وَيُقَال للرجل إِذا مَضَى سَاعَة ثمَّ رَجَعَ: قد اعتَتَب فِي طَرِيقه اعتِتاباً، كَأَنَّهُ عَرَض عَتَبٌ فتراجع.
وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَول الْأَعْشَى:
وثَنَى الكفّ على ذِي عَتَب
يصل الصَّوْت بِذِي زِير أبَحَّ

(2/166)


قَالَ: العَتَب: الدَسْتَانات. وَقيل: العَتَب: العيدان المعروضة على وَجه الْعود، مِنْهَا تُمد الأوتار إِلَى طَرَف العُود. وَمن أَمْثَال الْعَرَب: أَوْدَى كَمَا أَوْدَى عَتِيب.
قَالَ ابْن الكلبيّ: هُوَ عَتِيب بن أسلم بن مَالك، وهم حَيّ كَانُوا فِي دِين مَلِك أَسَرهم واستعبدهم، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِذا كبِر صبيانُنا افتكونا، فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى هَلَكُوا، فصاروا مَثَلاً لمن هلك وَهُوَ مغلوب. وَمِنْه قَول عَدِيّ بن زيد:
يُرَجِّيها وَقد وَقعت بقُرّ
كَمَا ترجو أصاغرَها عَتِيبُ
وَقَالَ اللَّيْث: عَتِيب: قَبيلَة. قَالَ: وعُتْبة وعَتَّاب وعِتْبان ومعتِّب من أَسمَاء الرِّجَال. وعَتَّابة من أَسمَاء النِّسَاء.
أَبُو العبّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الْعَرَب تكنِي عَن الْمَرْأَة بالعَتَبة والنَعْل والقارُورة. والبَيْت والدُمْية والغُلّ والقَيْد. قَالَ: والعِتْب: الرجل الَّذِي يعاتِب صَاحبه أَو صديقه فِي كل شَيْء إشفاقاً عَلَيْهِ ونصيحة لَهُ. والعَتوب: الَّذِي لَا يعْمل فِيهِ العتاب. وَيُقَال: فلَان يَستعتِب من نَفسه، وَيسْتَقْبل من نَفسه، ويَستدرك من نَفسه إِذا أدْرك بِنَفسِهِ تغييراً عَلَيْهَا بِحسن تَقْدِير وتدبير.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: الثُبْنَة: مَا عتَّبته من قُدّام السَّرَاوِيل. وَفِي حَدِيث سلمَان أَنه كَانَ عَتَّب سراويله فتشمّر.
تَعب: قَالَ اللَّيْث: التَعَب: شدّة العَنَاء، وَقد تعِب يَتْعَب تَعَباً. وأتعب الرجلُ رِكابَه إِذا أعجلها فِي السَوْق أَو السَيْر الحَثِيثِ. قَالَ: وَإِذا أُعِنت الْعظم المجبور فقد أُتعِب.
وَقَالَ ذُو الرمة:
إِذا مَا رَآهَا رأية هِيض قلبُه
بهَا كانتياض المتعَب المُتَتَمم
وَيُقَال: أتعب فلَان نفسَه فِي عمل يمارسه إِذا أنصبها فِيمَا حمَّلها وأعملها فِيهِ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ: أتعب فلَان القَدَح إِذا ملأَهُ مَلأ يفِيض، فَهُوَ مُتْعَب.
تبع: يُقَال: تبع فلَان فلَانا واتَّبعه؛ قَالَ الله تَعَالَى فِي قصّة ذِي القَرْنين: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} (الْكَهْف: 89) ، وقرىء: (اتَّبَعَ سَببا) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: وَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يقْرَأ: (اتَّبَعَ سَببا) بتَشْديد التَّاء، وَمَعْنَاهَا: تَبِع. قَالَ: وَهِي قِرَاءَة أهل الْمَدِينَة، وَكَانَ الكسائيّ يقْرؤهَا: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} مَقْطُوعَة الألِف، وَمَعْنَاهَا: لحِق وَأدْركَ.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَيُقَال: أتبعت الْقَوْم مِثَال أفعلت إِذا كَانُوا قد سبقوك فلحِقتهم. قَالَ: واتَّبعتهم مثل افتعلت إِذا مرّوا بك فمضيت مَعَهم، وتبِعتهم تَبَعاً مثله. وَيُقَال: مَا زلت أتّبعهم حَتَّى أَتْبعتهم، أَي حَتَّى أدركتهم.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَقِرَاءَة أبي عَمْرو أحبّ إليّ من قِرَاءَة الكسائيّ.
وَقَالَ الفرّاء: أتْبع أحسن من اتّبع؛ لِأَن الاتّباع: أَن يسير الرجل وَأَنت تسير وَرَاءه، فَإِذا قلت: أتْبعته فكأنك قَفَوته.
وَقَالَ اللَّيْث: تبِعت فلَانا واتّبعته سَوَاء.

(2/167)


وأتبع فلَان فلَانا إِذا تبعه يُرِيد بِهِ شرّاً، كَمَا أتبع الشيطانُ الَّذِي انْسَلَخَ من آيَات الله فَكَانَ من الغاوين، وكما أتبع فِرْعَوْن مُوسَى. قَالَ: وَأما التَّتبُّع فَأن يتتبَّع فِي مُهْلة شَيْئا بعد شَيْء. وَفُلَان يتتبَّع مساوىء فلَان وأثَره، ويتتبَّع مَدَاقّ الْأُمُور، وَنَحْو ذَلِك. قَالَ: والتَبَع: مَا تبِع أثر شَيْء فَهُوَ تَبَعه.
وَأنْشد قَول أبي دُوَاد الإياديّ فِي صفة ظَبْية:
وقوائم تَبَع لَهَا
من خَلْفها زَمَع معلَّقْ
وَقَالَ غَيره: يُقَال لجمع التَّابِع: تَبَع، كَمَا يُقَال لجمع الحارس: حَرَس ولجمع الْخَادِم: خَدَم. قَالَ: وَالتَّابِع: التَّالِي.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} (الْإِسْرَاء: 69) .
قَالَ: التبيع فِي مَوضِع تَابع أَي تَابع بالثأر لإغراقنا إيّاهم. وَقيل: معنى قَوْله: {تَبِيعًا} أَي مطالباً. وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (البَقَرة: 178) يَقُول: على صَاحب الدَّم اتّباع بِالْمَعْرُوفِ أَي الْمُطَالبَة بالدِية، وعَلى الْقَاتِل أَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَان. وَرفع قَوْله: (فاتباع) على معنى: فَعَلَيهِ اتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ. وَالْآيَة مستقصى تَفْسِيرهَا فِي المعتلاّت من الْعين فِي بَاب عَفا يعْفُو عِنْد ذكر قَوْله: {فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ} (البَقَرَة: 178) .
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الظُّلم لَيُّ الواجِد، وَإِذا أُتبِع أَحَدُكم على مَليء فليَتَّبِع) مَعْنَاهُ: وَإِذا أُحِيل أحدكُم على مَلِيء فليحتَلْ، من الْحِوَالَة.
وَفِي حَدِيث مَسْرُوق عَن مُعاذ بن جَبَل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى الْيمن، فَأمره فِي صَدَقة البَقَر أَن يَأْخُذ من كل ثَلَاثِينَ من الْبَقر تَبِيعاً، وَمن كل أَرْبَعِينَ مُسِنّة.
أَبُو عُبيد عَن أبي فَقْعَس الأسَديّ قَالَ: ولد الْبَقَرَة أوَّلَ سنة تَبِيع ثمَّ جَذَع ثمَّ ثنِيّ ثمَّ رَباعٍ ثمَّ سَدَس ثمَّ صالغ.
وَقَالَ اللَّيْث: التَبِيع: العِجْل المُدْرِك، إِلَّا أَنه يتبع أُمَّه بَعْدُ. والعَدَد ثَلَاثَة أَتبِعة، والجميع الأتابيع جمع الْجمع. وبقرة مُتْبِع: خَلْفها تَبِيع. وخادم مُتْبِع: يتبعهَا وَلَدهَا حَيْثُمَا أَقبلت وأدبرت.
قلت: قَول اللَّيْث: التبيع: الْمدْرك وَهَم، لِأَنَّهُ يدْرك إِذا أثْنى أَي صَار ثنِيّاً، والتبيع من الْبَقر يسمّى تَبِيعاً حِين يستكمل الْحول، وَلَا يسمّى تَبِيعاً قبل ذَلِك، فَإِذا اسْتكْمل عَاميْنِ فَهُوَ جَذَع، فَإِذا استوفى ثَلَاثَة أَعْوَام فَهُوَ ثَنِيّ، وحينئذٍ يُسِنّ، وَالْأُنْثَى مُسِنّة، وَهِي الَّتِي تُؤْخَذ فِي أَرْبَعِينَ من الْبَقر. وَيُقَال للْأُنْثَى: تَبِيعة وللذكر تَبيع.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للَّذي لَهُ عَلَيْك مَال يتابعك بِهِ أَي يطالبك بِهِ: تَبِيع. قَالَ: وتابع فلَان بَين الصَّلَاة وَبَين الْقِرَاءَة إِذا وَالَى بَينهمَا، فَفعل هَذَا على أثر هَذَا بِلَا مُهْلة بَينهمَا. وَكَذَلِكَ رَمَيته فأصبتُه بِثَلَاثَة أسم تِباعاً أَي وِلاءً. قَالَ: والتَبِعة والتِبَاعة: اسْم للشَّيْء الَّذِي لَك فِيهِ بغية

(2/168)


شِبْهُ ظلامة وَنَحْو ذَلِك.
قلت: وَيُقَال: فلَان تِبْع نسَاء أَي يتبعهنّ، وحِدْث نسَاء يحادثهنّ، وَزِير نسَاء: يزورهنّ، وخِلْبُ نسَاء إِذا كَانَ يخالبهنّ. والخِلْب أَيْضا: حِجاب الْقلب.
وأمّا قَول الجُهَنِيَّة:
يرِد الْمِيَاه حَضِيرة ونفيضَة
وِرْد القَطَاة إِذا اسمألّ التُبَّعُ
فَإِن أَبَا عُبَيد وَابْن السّكيت قَالَا: التُبَّع: الطلّ، واسمئلاله: قُلُوصه نِصْفَ النَّهَار وضمورُه.
وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير: التُبَّع: هُوَ الدَبَران فِي هَذَا الْبَيْت، سمّي تُبّعاً لاتّباعه الثريّا.
قلت: وَقد سَمِعت بعض الْعَرَب يسمّي الدَبَران التَّابِع والتُوَيْبع. وَمَا أشبه مَا قَالَ الضَّرِير بِالصَّوَابِ، لِأَن القَطَا تَرِد الْمِيَاه لَيْلًا، وقلَّما ترِدها نَهَارا، لذَلِك يُقَال: أدَلّ من قطاة، وَقَول لَبيد يدلّ على ذَلِك:
فوردنا قبل فُرّاط القَطا
إِن من وِرْدِيَ تغليسَ النَهَلْ
وَقَالَ اللَّيْث: التُبَّع: ضرب من اليعاسيب من أعظمها وأحسنها، وَجمعه التبابع. قلت: وأمَّا تُبَّعٌ الْملك الَّذِي ذكره الله فِي كِتَابه فَقَالَ: {الاَْيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ} (ق: 14) فقد روينَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَا أَدْرِي أتبّع كَانَ لعِيناً أم لَا) .
وَقَالَ اللَّيْث: كَانَ تُبَّع ملِكاً من الْمُلُوك وَكَانَ مُؤمنا، وَكَانَ فيهم تبابعة. قَالَ: وَيُقَال: إِن ثَبت اشْتُقّ لَهُم هَذَا الاسمُ من تُبَّع وَلَكِن فِيهِ عجمة ولُكْنة، وَيُقَال: هم الْيَوْم من وضائع تُبَّع بِتِلْكَ الْبِلَاد.
وَفِي حَدِيث أبي وَاقد الليثيّ: تابعْنا الْأَعْمَال فَلم نجد شَيْئا أبلغ فِي طلب الْآخِرَة من الزّهْد فِي الدُّنْيَا. قَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو زيد وَغَيره: قَوْله: تابعنا الْأَعْمَال يَقُول: أحكمناها وعرفناها وَيُقَال للرجل إِذا أتقن الشَّيْء وأحكمه: قد تَابع عمله.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلَمة عَن الفرّاء أَنه قَالَ: يُقَال تَابع فلَان كَلَامه وَهُوَ تبيع الْكَلَام إِذا أحكمه. وَفرس متتابع الخَلْق أَي مُسْتَوٍ.
وَقَالَ حُمَيد بن ثَوْر:
ترى طَرَفيه يعسِلان كِلَاهُمَا
كَمَا اهتزّ عُود الساسَم المتتابع
قَالَ النَّابِغَة الذبيانيّ:
من لُؤْلُؤ متتابع متَسَرّد
وَقَالَ غَيره: فلَان متتابع العِلْم إِذا كَانَ علمه يشاكل بعضُه بَعْضًا لَا تفَاوت فِيهِ. وغُصن متتابع إِذا كَانَ مستوِياً لَا أُبَن فِيهِ. وَيُقَال: تَابع المرتعُ المالَ فتتابعت أَي سمَّن خَلْقها فسمِنت وحَسُنت.
وَقَالَ أَبُو وَجْزة السعديّ:
حرْفٌ مُليكية كالفحل تابعها
فِي خِصْب عَاميْنِ إفراق وتهميل
وناقة مُفرِق أَي تمكث سنتَيْن أَو ثَلَاثًا لَا تَلْقَح. وَيُقَال: هُوَ يُتَابع الحَدِيث إِذا كَانَ يَسْرده.
وأمَّا قَول سلامان الطائيّ:
أخِفن اطّناني إِن سَكتن وإنني
لفي شغل عَن ذَحلي اليُتَتَبَّعُ

(2/169)


فَإِنَّهُ أَرَادَ: ذحليَ الَّذِي يُتَتبَّع، فَطرح الَّذِي وَأقَام الْألف وَاللَّام مقَامه، وَهِي لُغَة لبَعض الْعَرَب.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ: إِنَّمَا أقحم الْألف وَاللَّام على الْفِعْل الْمُضَارع لمضارعته الْأَسْمَاء.
وَفِي حَدِيث زيد بن ثَابت حِين أمره أَبُو بكر الصدّيق بِجمع الْقُرْآن قَالَ: فعلِقت أتتبّعُه من اللخاف والعُسُب أَرَادَ أَنه كَانَ يتتبّع مَا كُتب مِنْهُ فِي اللخاف والعُسُب، وَذَلِكَ أَنه استقصى جَمع جَمِيع الْقُرْآن من الْمَوَاضِع الَّتِي كُتب فِيهَا، حَتَّى مَا كُتب فِي اللِخاف وَهِي الْحِجَارَة وَفِي العُسُب، وَهِي جريد النّخل، وَذَلِكَ أَن الرَقّ أعوزهم حِين نزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر كُتَّاب الْوَحْي بإثباته فِيمَا تيسَّر من كتِف ولَوْح وجِلْد وعَسِيب ولَخفَة. وَإِنَّمَا تتبَّع زيد بن ثَابت الْقُرْآن وَجمعه من الْمَوَاضِع الَّتِي كُتب فِيهَا وَلم يقتصِر على مَا حفِظ هُوَ وَغَيره وَكَانَ من أحفظ النَّاس لِلْقُرْآنِ استظهاراً واحتياطاً، لِئَلَّا يسْقط مِنْهُ حرف لسُوء حفظ حافظه، أَو يتبدّل حرف بِغَيْرِهِ. وَهَذَا يدلّك أَن الْكِتَابَة أضبط من صُدُور الرِّجَال وَأَحْرَى ألاّ يسْقط مَعَه شَيْء، فَكَانَ زيد يتتبَّع فِي مُهْلة مَا كتب مِنْهُ فِي موَاضعه ويضمّه إِلَى الصُّحُف، وَلَا يثبت فِي تِلْكَ الصُّحُف إِلَّا مَا وجده مَكْتُوبًا كَمَا أُنزِل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأملاه على مَن كتبه، وَالله أعلم.
وَفِي حَدِيث أبي مُوسَى الأشعريّ أَنه قَالَ: اتّبعوا الْقُرْآن وَلَا يتبعنَّكم الْقُرْآن فَإِنَّهُ من يتبع الْقُرْآن يهْبط بِهِ على رياض الجنَّة وَمن يتّبعه الْقُرْآن يزُخّ فِي قَفاهُ حَتَّى يقذف بِهِ فِي نَار جَهَنَّم.
قَالَ أَبُو عُبيد قَوْله: اتبعُوا الْقُرْآن يَقُول: اجعلوه إمامكم ثمَّ اُتْلُوهُ؛ كَمَا قَالَ الله عزّ وجلّ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} (البَقَرَةَ: 121) أَي يتّبعونه حق اتِّبَاعه.
وَأما قَوْله: وَلَا يتبعنَّكم الْقُرْآن فَإِن بعض النَّاس يحملهُ على معنى: لَا يطلبنكم الْقُرْآن بتضييعكم إيّاه، كَمَا يطْلب الرجل صَاحبه بالتبعة.
قَالَ أَبُو عبيد: وَهَذَا معنى حسن يصدّقه الحَدِيث الآخر: (إِن هَذَا الْقُرْآن شَافِع مشفَّع، وَمَاحِل مصدَّق) ، فَجعله يمحل بِصَاحِبِهِ إِذا لم يتّبع مَا فِيهِ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَفِيه قَول آخر أحسن من هَذَا، قَوْله: لَا يتبعنكم الْقُرْآن: لَا تَدَعوا الْعَمَل بِهِ فتكونوا قد جعلتموه وَرَاء ظهوركم؛ كَمَا فعل الْيَهُود حِين نبذوا مَا أُمِروا بِهِ وَرَاء ظُهُورهمْ. وَهَذَا قريب من الْمَعْنى الأول؛ لِأَنَّهُ إِذا اتّبعه كَانَ بَين يَدَيْهِ، وَإِذا خَالفه كَانَ خَلْفه.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: التُبَّع: سيد النَّحْل، والتُبَّع: الظِلّ.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب السائرة: أتْبِع الفرسَ لجامَها، يضْرب مَثَلاً للرجل يُؤمر برَب الصَنيعة وإتمام الْحَاجة.
بتع: فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ عَن البِتْع فَقَالَ: (كلّ شراب مسكِر فَهُوَ حرَام) .

(2/170)


قَالَ أَبُو عُبيد: البِتْع: نَبِيذُ العَسَل، وَهُوَ خَمْر أهل الْيمن.
وَقَالَ اللَّيْث: البِتَع: الشَّديد المفاصِل والمَوَاصِل من الْجَسَد.
قلت: وَغَيره يَجْعَل البَتَع طول العُنُق، يُقَال: عُنُق بَتِع وبَتِعه.
وَقَالَ الراجز:
كل علاة بِتع دليلها
وَقَالَ الآخر:
يرقى الدَسِيعُ إِلَى هادٍ لَهُ بَتِعٍ
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: البَتِع: الطَّوِيل العُنق، والتلِع: الطَّوِيل الظّهْر.
قَالَ ابْن شُمَيْل: من الْأَعْنَاق البَتَع وَهُوَ الغليظ الْكثير اللَّحْم الشَّديد. قَالَ: وَمِنْهَا المرهَف وَهُوَ الدَّقِيق، وَلَا يكون إلاّ لعتيق.
وَيُقَال: البَتَع فِي العُنق: شدّته، والتَلَع: طوله. وَيُقَال: بَتِع فلَان عليّ بِأَمْر لم يؤامرني فِيهِ إِذا قطعه دُونك.
وَقَالَ أَبُو وَجْزَة السَعْديّ:
بَان الخليط وَكَانَ البينُ بائجةً
وَلم نخفْهم على الْأَمر الَّذِي بَتِعوا
بتعوا أَي قطعُوا دُوننَا. وَيُقَال: عُنُق أبتع وبَتِع.
وروى أَبُو تُرَاب عَن أبي مِحْجَن قَالَ: الانبتاع والانبتال: الِانْقِطَاع.
وَقَالَ أَبُو زيد: جَاءَ الْقَوْم أَجْمَعُونَ أبصعون أبتعون بِالتَّاءِ، وَهَذَا من بَاب التَّأْكِيد.

(بَاب الْعين وَالتَّاء مَعَ الْمِيم)
(ع ت م)
عتم، عَمت، متع: مستعملة.
عتم: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ عَتَم اللَّيْل وأعتم إِذا مَرَّ مِنْهُ قِطعة. وَقَالَ: إِذا ذهب النَّهَار وَجَاء اللَّيْل فقد جَنَح الليلُ.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لايغلبنَّكُمُ الْأَعْرَاب على اسْم صَلَاتكُمْ العِشاء، فَإِن اسْمهَا فِي كتاب الله الْعشَاء، وَإِنَّمَا يُعْتَم بِحِلاب الْإِبِل) . قَوْله: (إِنَّمَا يُعْتَم بحلاب الْإِبِل) مَعْنَاهُ: لاتسمّوها صَلَاة العَتَمة؛ فَإِن الْأَعْرَاب الَّذين يَحْلبون إبلهم إِذا أعْتِمُوا أَي دخلُوا فِي وَقت العَتَمة، سَمَّوها صَلَاة الْعَتَمَة، وسمَّاها الله فِي كِتَابه صَلَاة العِشاء، فسَمُّوها كَمَا سمّاها الله، لَا كَمَا سمّاها الْأَعْرَاب. وعَتَمة اللَّيْل: ظَلاَم أوّله عِنْد سُقُوط نُور الشَفَق. يُقَال: عَتَم اللَّيْل يَعْتِم. وَقد أعتم الناسُ إِذا دخلُوا فِي وَقت العَتَمة. وَأهل الْبَادِيَة يريحُون نَعَمَهم بُعَيد الْمغرب، ويُنيخونها فِي مُرَاحها سَاعَة يستفيقونها، فَإِذا أفاقت وَذَلِكَ بعد مَر قِطعة من اللَّيْل أَثَارُوهَا وحلبوها. وَتلك السَّاعَة تُسمى عَتَمة. وسمعتهم يَقُولُونَ: استعتِموا نَعَمكم حَتَّى تُفيق ثمَّ احتلِبوها. وَيُقَال: قعد فلَان عندنَا قدرَ عَتَمة الحلائب أَي احْتبسَ قدر احتباسها للإفاقة. وأصل العَتْم فِي كَلَام الْعَرَب المُكث والاحتباس؛ يُقَال: ضرب فلَان فلَانا فَمَا عَتَّم وَلَا عَتَّب وَلَا كَذَّب أَي لم يتمكّث وَلم يتباطأ فِي ضربه إيّاه. وقِرًى

(2/171)


عاتم أَي بطيء. وَقد عَتَم قِراه، وأعتمه صَاحبه أَي أخّره.
وَقَالَ الشَّاعِر:
فلمّا رَأينَا أَنه عاتِم القِرَى
بخيل ذكرنَا لَيْلَة الهَضْب كَرْدما
وروى سَلَمة عَن الفرّاء أَنه قَالَ: يُقَال: قد أعتمتَ حاجتَك أَي أخّرتها، وعتمت حاجتُك. ولغة أُخْرَى: أعتمت حَاجَتك أَي أبطأتْ.
وَأنْشد قَوْله:
معاتِيمُ القِرَى سُرُف إِذا مَا
أجَنَّت طَخْيةُ اللَّيْل البهيم
وَقَالَ الطِرِمّاح يمدح رَجلاً:
مَتى يَعِد يُنْجز وَلَا يكتبل
مِنْهُ العطايا طولُ إعتامها
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: العُتُم يكون فعالهم مدحاً، وَيكون ذمّاً جمع عاتِم وعَتُوم، فَإِذا كَانَ مدحاً فَهُوَ الَّذِي يَقْرِي ضِيفانه اللَّيْل وَالنَّهَار، وَإِذا كَانَ ذمّاً فَهُوَ الَّذِي لَا يَحْلُب لبن إبل مُمْسياً حَتَّى ييأس من الضَّيْف.
وَقَالَ اللَّيْث بن المظفّر: يُقَال: عَتَم الرجلُ يعتِم إِذا كَفّ عَن الشَّيْء بعد المضيّ فِيهِ، وَأكْثر مَا يُقَال: عَتَّم تعتيماً.
وَفِي الحَدِيث أَن سَلْمان غرس كَذَا وَكَذَا وَدِيّاً والنبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يناوله وَهُوَ يَغْرِس، فَمَا عَتَّمت مِنْهَا ودِيَّة أَي مَا أَبْطَأت حَتَّى علِقَت.
وَقَالَ اللَّيْث: العَتَمة هُوَ الثُلُث الأول من اللَّيْل بعد غيبوبة الشَفَق؛ يُقَال أعتم الرجل إِذا صَار فِي ذَلِك الْوَقْت. وعتَّموا تعتيماً إِذا سَارُوا فَوَرَدُوا فِي ذَلِك الْوَقْت، وَكَذَلِكَ إِذا صدرُوا فِي تِلْكَ السَّاعَة.
وَقَالَ غَيره: نَاقَة عَتُوم، وَهِي الَّتِي لَا تزَال تُعَشَّى حَتَّى تذْهب سَاعَة من اللَّيْل، وَلَا تُحلب إلاَّ بعد ذَلِك الْوَقْت.
وَقَالَ الرَّاعِي:
أُدِرُّ النَسَا إِذْ لَا تدُرّ عَتُومها
وروى ابْن هانىء عَن أبي زيد الأنصاريّ أَنه قَالَ: الْعَرَب تَقول للقمر إِذا كَانَ ابْن ليلته: عَتَمَةُ سُخَيله، حلَّ أَهلهَا برُمَيلهْ، أَي قدر احتباس الْقَمَر إِذا كَانَ ابْن لَيْلَة ثمَّ غروبه قدر عَتَمة سَخْلة يرضع أمّه ثمَّ يَحتبس قَلِيلا ثمَّ يعود لرضاع أمّه، وَذَلِكَ أنَّ تفوُّق السَخْل أمَّه فُواقاً بعد فُواق يقرب وَلَا يطول. وَإِذا كَانَ الْقَمَر ابْن لَيْلَتَيْنِ قيل لَهُ: حَدِيث أَمَتين، بكذب وَمَيْن. وَذَلِكَ أَن جديثهما لَا يطول لشُغلما بمهْنة أهلهما وَإِذا كَانَ ابْن ثَلَاث قيل: حَدِيث فتيات، غير مؤتلفات. وَإِذا كَانَ ابْن أَربع قيل: عَتَمة رُبَع، غير جَائِع وَلَا مرضَع. أَرَادوا أَن قدر احتباس الْقَمَر طالعاً ثمَّ غروبَه قدرُ فوَاق هَذَا الرُبَع أَو فوَاق أُمّه. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عَتَمة أمّ الرُبَع. وَإِذا كَانَ ابْن خمس قيل: حَدِيث وأُنْس، وَيُقَال: عَشَاء خِلفات قُعْس وَإِذا كَانَ ابْن سِتّ قيل: سِرْ وبِتْ. وَإِذا كَانَ ابْن سبع قيل: دَلْجة الضَبُع. وَإِذا كَانَ ابْن ثَمَان قيل: قمر إضْحِيان. وَإِذا كَانَ ابْن تسع قيل يُلتقط فِيهِ الجَزْع. وَإِذا كَانَ ابْن عشر قيل لَهُ: مخنِّق الْفجْر. والعُتُم من الزَّيْتُون: مَا ينْبت فِي الْجبَال.

(2/172)


وَقَالَ الهذليّ:
من فَوْقه شُعَب قُرّ وأسفله
جَيْء تنطَّق بالظَيَّان والعَتَم
وثمره الزَغْبَج.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُتُم: الزَّيْتُون البَرّي لَا يحمل شَيْئا. وَقَالَ ذَلِك اللَّيْث.
عَمت: قَالَ اللَّيْث: العَمْت: أَن يَعْمت الصُّوف، فتُلفّ بعضه على بعض مستطيلاً أَو متّخذاً حَلْقة، كَمَا يَفْعَله الغَزَّال الَّذِي يغزِل الصُّوف فيلقيه فِي يَده. وَالِاسْم العَمِيت، وَثَلَاثَة أعمِتة ثمّ عُمُت. وَأنْشد:
يظَلّ فِي الشَّاء يرعاها ويحلبُها
ويَعْمِت الدهرَ إلاَّ رَيْثَ يَهْتَبِدُ
وَيُقَال: عَمَّت العَمِيت يُعَمته تَعميتاً. أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن أَبِيه أَنه أنْشدهُ:
فظلّ يَعْمِت فِي قَوْط وراجلة
يَكْفِتُ الدهرَ إلاّ رَيْثَ يَهْتَبِد
قَالَ: يعمت: يغزل، من العَمِيتة وَهِي القِطعة من الصُّوف، وَقَالَ: يَكْفِت: يجمع ويحرص، إلاّ سَاعَة يقْعد يطْبخ الهَبِيد. والراجلة: كَبْش الرَّاعِي يحمل عَلَيْهِ مَتَاعه. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَمِيت: الْحَافِظ العالِم الفطِن. وَأنْشد:
وَلَا تَبَغَّ الدهرَ مَا كُفِيتا
وَلَا تُمَارِ الفَطِن العَمِيتا
وَيُقَال: فلَان يَعْمِت أقرانه إِذا كَانَ يقهرهم ويلفُّهم، يُقَال ذَلِك فِي الحَرْب وجَودة الرَّأْي وَالْعلم بِأَمْر العدوّ وإثخانه. وَمن ذَلِك قيل للَفائف الصُّوف عُمُت، وَاحِدهَا عَمِيت: لِأَنَّهَا تُعْمَت أَي تُلَفّ. وَقَالَ الهذليّ يؤبّن رجلا:
يلُفّ طوائف الفُرسا
ن وهْو بلَفِّهم أَرِبُ
متع: ذكر الله عزّ وجلّ الْمَتَاع والتمتّع والاستمتاع والتمتيع فِي مَوَاضِع من كِتَابه، ومعانيها وَإِن اخْتلفت رَاجِعَة إِلَى أصل وَاحِد. وَأَنا مفسّر كل لَفْظَة مِنْهَا على مَا يصحّ لأهل التَّفْسِير وَلأَهل اللُّغَة؛ لِئَلَّا تشتبه على مَن أَرَادَ علمهَا، ولأقرِّبها على من قَرَأَهَا، والموفّق للصَّوَاب ربّنا جلّ وعزّ.
فأمّا الْمَتَاع فِي الأَصْل فكلّ شَيْء ينتفَع بِهِ ويُتبلَّغ بِهِ ويتزوَّد؛ والفناء يَأْتِي عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا. وَقَول الله جلّ وعزّ: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} (البَقَرة: 196) وَصُورَة المتمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج: أَن يُحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج، فَإِذا أحرم بِالْعُمْرَةِ بعد إهلاله شوّالا فقد صَار متمتّعاً بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحجّ. وسُمّي متمتّعاً بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج لِأَنَّهُ إِذا قدِم مكّة وَطَاف بِالْبَيْتِ وسعى بَين الصَّفَا والمَرْوة حَلّ من عمرته وَحلق رَأسه وَذبح نُسكه الْوَاجِب عَلَيْهِ لتمتّعه، وحلّ لَهُ كلُّ شَيْء كَانَ حرم عَلَيْهِ فِي إِحْرَامه: من النِّسَاء والطِيب، ثمَّ يُنشىء بعد ذَلِك إحراماً جَدِيدا للحجّ وَقت نهوضه إِلَى مِنًى أَو قبل ذَلِك، من غير أَن يجب عَلَيْهِ الرجوعُ إِلَى الْمِيقَات الَّذِي أنشأ مِنْهُ عُمْرته، فَذَلِك تمتّعه بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحجّ أَي انتفاعه وتبلّغه بِمَا انْتفع بِهِ: من حِلاَق وطِيب وتنظُّف وَقَضَاء تَفَث وإلمام بأَهْله

(2/173)


إِن كَانَت مَعَه؛ وكلّ هَذِه الْأَشْيَاء كَانَت محرَّمة عَلَيْهِ، فأبيح لَهُ أَن يُحِلّ وَينْتَفع بإحلال هَذِه الْأَشْيَاء كلهَا، مَعَ مَا سقط عَنهُ من الرُّجُوع إِلَى الْمِيقَات وَالْإِحْرَام مِنْهُ بالحجّ، وَالله أعلم، وَمن هَهُنَا قَالَ الشافعيّ: إِن المتمتّع أخفّ حَالا من الْقَارِن، فافهمه.
وأمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (البَقَرَة: 241) ، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} (البَقَرَة: 236) . قلت: وَهَذَا التمتيع الَّذِي ذكره الله للمطلقات على وَجْهَيْن، أَحدهمَا وَاجِب لَا يَسعهُ تَركه، وَالْآخر غير وَاجِب يستحبّ لَهُ فعله. فَالْوَاجِب للمطلَّقة الَّتِي لم يكن زَوجهَا حِين تزوّجها سَمَّى لَهَا صَداقاً، وَلم يكن دخل بهَا حَتَّى يطلّقها، فَعَلَيهِ أَن يمتّعها بِمَا عزّ وَهَان من مَتَاع ينفعها بِهِ: من ثوب يُلبِسها إيّاه، أَو خادِم يَخدمها أَو دَرَاهِم أَو طَعَام. وَهُوَ غير موقّت؛ لِأَن الله عزّ وجلّ لم يحصره بِوَقْت، وَإِنَّمَا أَمر بتمتيعها فَقَط؛ وَقد قَالَ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ} . وَأما الْمُتْعَة الَّتِي لَيست بواجبة وَهِي مستحبَّة من جِهَة الْإِحْسَان والمحافظة على الْعَهْد فَأن يتزوّج الرجل امْرَأَة ويسمّي لَهَا صَدَاقا، ثمَّ يطلّقها قبل دُخُوله بهَا وَبعده، فَيُسْتَحَب أَن يمتّعها بمُتْعة سوى نصف الْمهْر الَّذِي وَجب عَلَيْهِ لَهَا إِن لم يكن دخل بهَا، أَو الْمهْر الْوَاجِب كُله إِن كَانَ دخل بهَا، فيمتّعها بمُتْعة ينفعها بهَا، وَهِي غير وَاجِبَة عَلَيْهِ، وَلكنه اسْتِحْبَاب ليدْخل فِي جملَة الْمُحْسِنِينَ أَو المتّقين، وَالله أعلم. وَالْعرب تسمي ذَلِك كلُّه مُتْعة ومَتَاعاً وتَحْميماً وحَمّاً.
وأمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لاَِّزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} (الْبَقَرَة: 240) فَإِن هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بقول الله جلّ وعزّ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (الْبَقَرَة: 234) فمُقام الْحول مَنْسُوخ باعتداد أربعةِ أشهر وعَشْرِ، والوصيَّة لهنّ مَنْسُوخَة بِمَا بيَّن الله من مِيرَاثهَا فِي آيَة الْمَوَارِيث. وقرىء {وَصِيَّةً لاَِّزْوَاجِهِم} و { (وصيةٌ) بِالرَّفْع وَالنّصب. فَمن نصب فعلى الْمصدر الَّذِي أُرِيد بِهِ الْفِعْل، كَأَنَّهُ قَالَ: ليوصوا لهنَّ وصيّةً. ومَن رفع فعلى إِضْمَار: فَعَلَيهم وصيّةٌ لأزواجهم. وَنصب قَوْله: (مَتَاعا) على الْمصدر أَيْضا، أَرَادَ متّعوهن مَتَاعا. وَالْمَتَاع والمُتْعة اسمان يقومان مقَام الْمصدر الحقيقيّ، وَهُوَ التمتيع، أَي انفعوهنّ بِمَا توصون بِهِ لهنّ من صلَة تَقُوتهنّ إِلَى تَمام الحَوْل.
وَأما قَول الله جلَّ وعزَّ فِي سُورَة النِّسَاء بعقب مَا حَرَّم من النِّسَاء فَقَالَ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (النِّساء: 24) أَي عاقدين النِّكَاح الْحَلَال غير زناة {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (النِّساء: 24) فَإِن

(2/174)


أَبَا إِسْحَاق الزجّاج ذكر أَن هَذِه آيَة قد غلِط فِيهَا قوم غَلَطاً عَظِيما لجهلهم باللغة، وَذَلِكَ أَنهم ذَهَبُوا إِلَى أَن قَوْله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} من المُتْعة الَّتِي قد أجمع أهل الْعلم أَنَّهَا حرَام؛ وَإِنَّمَا معنى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} : فَمَا نكحتموهُ مِنْهُنَّ على الشريطة الَّتِي جَرَت فِي الْآيَة أَنه الْإِحْصَان، أَن تَبْتَغُوا بأموالكم محصنين أَي عاقدين التَّزْوِيج، أَي فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ على عقد التَّزْوِيج الَّذِي جرى ذكره {فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} أَي مُهُورهنّ. فَإِن استمتع بِالدُّخُولِ بهَا آتى الْمهْر تَاما، وَإِن استمتع بِعقد النِّكَاح آتى نصف الْمهْر. قَالَ: وَالْمَتَاع فِي اللُّغَة: كل مَا انتُفِع بِهِ، فَهُوَ مَتَاع. قَالَ: وَقَوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} (الْبَقَرَة: 236) لَيْسَ بِمَعْنى: زوّدوهن المُتَع؛ إِنَّمَا مَعْنَاهُ: أعطوهن مَا يستمتعن بِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (البَقَرة: 241) . قَالَ: وَمن زعم أَن قَوْله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (النِّساء: 24) الْمُتْعَة الَّتِي هِيَ الشَّرْط فِي التمتّع الَّذِي يَفْعَله الرافضة فقد أَخطَأ خطأ عَظِيما؛ لِأَن الْآيَة وَاضِحَة بيّنة.
قلت: فَإِن احتجّ محتجّ من الروافض بِمَا يرْوى عَن ابْن عبَّاس أَنه كَانَ يَرَاهَا حَلَالا، وَأَنه كَانَ يقْرؤهَا: (فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أجل مسمَّى) فالثابت عندنَا أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يَرَاهَا حَلَالا؛ ثمَّ لمَّا وقف على نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهَا رَجَعَ عَن إحلالها؛ حدَّثناه مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنَا الْحسن ابْن أبي الرّبيع، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جُرَيج عَن عَطاء، قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: مَا كَانَت المُتْعة إلاَّ رَحْمَة رحم الله بهَا أمَّة مُحَمَّد، فلولا نَهْيه عَنْهَا مَا احْتَاجَ إِلَى الزِّنَى أحد إلاّ شَفى، وَالله لكَأَنِّي أسمع قَوْله: (إِلَّا شَفًى) عَطاء الْقَائِل. قَالَ عَطاء: فَهِيَ الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} إِلَى كَذَا وَكَذَا من الأجَل، على كَذَا وَكَذَا شَيْئا مسمَّى. فَإِن بدا لَهما أَن يتراضيا بعد الْأَجَل فنعَمْ، وَأَن تفَرقا فنعَمْ، وَلَيْسَ بِنِكَاح.
قلت: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح، وَهُوَ يبيِّن أَن ابْن عَبَّاس صحّ لَهُ نهي النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمُتْعَة الشرطيَّة، وَأَنه رَجَعَ عَن إحلالها إِلَى تَحْرِيمهَا. وَقَوله: (إلاّ شَفى) أَي إِلَّا أَن يُشْفي أَي يُشرف أَي على الزِّنَى وَلَا يواقِعه، أَقَامَ الِاسْم وَهُوَ الشَفَى مُقام الْمصدر الحقيقيّ، وَهُوَ الإشفاء على الشَّيْء، وحَرْف كلّ شَيْء شفَاه، وَمِنْه قَول الله عزّ وجلّ: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} (التَّوْبَة: 109) : وأشفى على الْهَلَاك إِذا أشرف عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا بيَّنت هَذَا الْبَيَان لِئَلَّا يغُرّ بعضُ الرافضة غِرّ من الْمُسلمين فيُحِلّ لَهُ مَا حرّمه الله جلّ وعزّ على لِسَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن النَّهْي عَن المُتعة الشّرطِيَّة صحّ من جِهَات لَو لم يكن فِيهِ غير مَا رُوِي عَن عَليّ بن أبي طَالب وَنَهْيه ابْن عَبَّاس عَنْهَا لَكَانَ كَافِيا. وَالله المسدّد والموفّق، لَا شريك لَهُ وَلَا نَدِيد.
وأمّا قَول الله جلَّ وعزَّ: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ

(2/175)


مُّسَمًّى} (هُود: 3) فَمَعْنَاه: أَي يبقيكم بَقَاء فِي عَافِيَة إِلَى وَقت وفاتكم، وَلَا يستأصلكم بِالْعَذَابِ، كَمَا استأصل أهل القُرَى الَّذين كفرُوا. ومَتَّع الله فلَانا وأمتعه إِذا أبقاه وأنسأه إِلَى أَن يَنْتَهِي شَبَابه. وَمِنْه قَول لَبِيد يصف نخلا نابتاً على المَاء حَتَّى طَال طِواله فِي السَّمَاء، فَقَالَ:
سُحُق يمتّعها الصَفَا وسَريُّه
عُمّ نواعم بَينهُنَّ كُرُوم
والصَفا والسرِيّ: نهران يتخلَّجان من نهر محلِّم الَّذِي بِالْبَحْرَيْنِ يَسْقِي قرى هَجَر كلهَا.
وَقَول الله عزَّ وجلَّ: {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} (النُّور: 29) جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه عَنى ببيوت غير مسكونة الْخَانَات والفنادق الَّتِي ينزلها السابلةُ وَلَا يُقِيمُونَ فِيهَا إِلَّا مُقامك ظاعن. وَقيل: عَنى بهَا الخرابات الَّتِي يدخلهَا أَبنَاء السَّبِيل للانتفاض من بَوْل أَو خَلاَء. وَمعنى قَوْله: {فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} (النُّور: 29) أَي مَنْفَعَة لكم تقضون فِيهَا حَوَائِجكُمْ مستترين عَن أبصار النَّاس، فَذَلِك الْمَتَاع. وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ. وَقَالَ ابْن المظفر: الْمَتَاع من أَمْتعَة الْبَيْت: مَا يَستمتِع بِهِ الْإِنْسَان فِي حَوَائِجه، وَكَذَلِكَ كلّ شَيْء. قَالَ: وَالدُّنْيَا مَتَاع الْغرُور يَقُول: إِنَّمَا الْعَيْش مَتَاع أَيَّام ثمَّ يَزُول، أَي بَقَاء أَيَّام. وَيُقَال: أمتع الله فلَانا بفلان إمتاعاً أَي أبقاه الله ليستمتع بِهِ فِيمَا يحبّ من الِانْتِفَاع بِهِ وَالسُّرُور بمكانه. وَيَقُول الرجل لصَاحبه: ابغني مُتْعة أعيش بهَا أَي ابغ لي شَيْئا آكله، أَو زاداً أتزوّده، أَو قوتاً أقتاته. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى يصف صائداً:
من آل نَبهان يَبْغِي صَحبه مُتَعا
أَي يَبْغِي لأَصْحَابه صيدا يعيشون بِهِ. والمُتَع جمع مُتْعَة. قَالَ اللَّيْث: وَمِنْهُم من يَقُول: مِتْعة، وَجَمعهَا مِتَع. ورَوَى عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: المُتْعة، الزَّاد الْقَلِيل، وَجَمعهَا مُتَع. قلت: وَكَذَلِكَ قَول الله عزَّ وجلَّ: {الرَّشَادِ ياقَوْمِ إِنَّمَا هَاذِهِ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الاَْخِرَةَ} (غَافِر: 39) أَي بُلْغة يُتبلَّغ بِهِ لابقاء لَهُ. وَيُقَال: لَا يُمتعِني هَذَا الثَّوْب أَي لَا يَبْقَى لي، وَمِنْه أمتع الله بك. وَيُقَال: مَتَع النَّهَار متُوعاً إِذا ارْتَفع حَتَّى بلغ غَايَة ارتفاعه قبل أَن يَزُول. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وأدركْنا بهَا حَكَم بن عَمْرو
وَقد متع النهارُ بِنَا فزالا
وَيُقَال للحبل الطَّوِيل ماتع. ونبيذ ماتع إِذا اشتدَّت حمرته. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الماتع من كل شَيْء: الْبَالِغ فِي الْجَوْدَة الْغَايَة فِي بَابه؛ وَأنْشد:
خُذْهُ فقد أُعطيتَه جيّداً
قد أُحكمت صيغتُه ماتِعا
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر مَتَعت بالشَّيْء: ذهبت بِهِ. قَالَ: وَمِنْه قيل: لَئِن اشتريتَ هَذَا الْغُلَام لتَمْتَعَنَّ مِنْهُ بِغُلَام صَالح أَي لتذهبنَّ. وَقَالَ أَبُو زيد: أمتعت بأهلي وَمَالِي أَي تمتعت بِهِ. قَالَ: وَمِنْه قَول الرَّاعِي:
خليطين من شَعبين شتَّى تجاورا
زَمَانا وَكَانَا بالتفرق أمتعا
وَقَالَ الْكسَائي: طالما أُمْتِع بالعافية، فِي

(2/176)


معنى: مُتِّع وتمتَّع. الحَرّانيّ عَن ابْن السّكيت: قَالَ أَبُو عَمْرو: أمتعت عَن فلَان أَي اسْتَغْنَيْت عَنهُ. وَقَالَ الأصمعيّ فِي قَول الرَّاعِي:
. . وَكَانَا بالتفرق أمتعا
قَالَ: لَيْسَ من أحد يُفَارق صَاحبه إِلَّا أمتعه بِشَيْء يَذكره بِهِ. وَكَانَ مَا أمتع بِهِ كلّ وَاحِد من هذَيْن صَاحبه أَن فَارقه. وَقَول الله جلّ وعزّ: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ} (التّوبَة: 69) قَالَ الفَرّاء: اسْتَمْتعُوا يَقُول: رَضُوا بنصيبهم فِي الدُّنْيَا من أنصابهم فِي الْآخِرَة، وفعلتم أَنْتُم كَمَا فعلوا. ونحوَ ذَلِك قَالَ الزّجاج. وَقَالَ غَيرهمَا: مَعْنَاهُ: اسْتَمْتعُوا بنصيبهم من الْآخِرَة فِي الدُّنْيَا. وَأنْشد المازنيّ هَذَا الْبَيْت:
ومنّا غداةَ الروعْ فِتْيان نَجْدةٍ
إِذا امتَعَت بعد الأكفّ الأشاجع
قَالَ: زعم عُمَارة بن جرير أَنهم يَقُولُونَ: نَبيذ ماتع إِذا كَانَ أَحْمَر، وَقَوله: إِذا امتَعَت أَي إِذا احْمَرَّتْ الأكفّ والأشاجع من الدَّم.