تهذيب اللغة (أَبْوَاب الْعين وَاللَّام
(بَاب الْعين وَاللَّام مَعَ النُّون)
ع ل ن
علن، لعن، نعل: مستعملة.
علن: يُقَال: عَلِن الْأَمر يَعْلَن عَلناً، وعَلَن يَعْلُن إِذا شاع
وَظهر. وأعلنته أَنا إعلاناً.
وَقَالَ اللَّيْث: أعلن الأمرُ إِذا اشْتهر.
قَالَ: وَتقول: يَا رجل استعلِنْ أَي أظهِرْهُ.
قَالَ: والعِلاَن: المعالنة إِذا أعلن كل وَاحِد لصَاحبه مَا فِي
نَفسه.
وَأنْشد:
وكفّي عَن أَذَى الْجِيرَان نَفسِي
وإعلاني لمن يَبْغِي عِلاني
والعَلاَنية على مِثَال الْكَرَاهِيَة والفراهية: ظُهُور الْأَمر.
لعن: قَالَ الله جلّ وعزّ {بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ}
(البَقَرَة: 88) قَالَ أهل اللُّغَة: لعنهم الله أَي أبعدهم الله.
واللعن: الإبعاد.
وَقَالَ الشَّماخ:
ذعرتُ بِهِ القطا ونفيتُ عَنهُ
مقَام الذِّئْب كَالرّجلِ اللَعِين
أَرَادَ: مقَام الذِّئْب اللعين الطريد كَالرّجلِ.
وَيُقَال: أَرَادَ: مقَام الذِّئْب الَّذِي هُوَ كَالرّجلِ اللعين،
وَهُوَ المنفيّ. وَالرجل اللعين لَا يزَال منتبِذاً عَن النَّاس، شبَّه
الذِّئْب بِهِ. وكلّ من لَعنه الله فقد أبعده عَن رَحمته واستحقّ
الْعَذَاب فَصَارَ هَالكا.
وَقَالَ اللَّيْث: اللَّعْن: التعذيب.
قَالَ: واللَعِين: المشتوم المسبوب ولعنه الله أَي عذّبه.
قَالَ: واللعنة فِي الْقُرْآن: الْعَذَاب.
قَالَ: واللعين: مَا يُتَّخذ فِي الْمزَارِع كَهَيئَةِ خَيَال يُذْعَر
مِنْهُ السبَاع والطيور.
وَقَالَ غَيره: اللَّعْن: الطَّرْد والإبعاد. وَمن أبعده الله لم
تلْحقهُ رَحمته وخُلّد فِي الْعَذَاب. والمُلاعنة بَين الزَّوْجَيْنِ
إِذا قذف الرجل امْرَأَته أَو رَمَاهَا بِرَجُل أَنه زنى بهَا فالإمام
يلاعِن بَينهمَا. وَيبدأ بِالرجلِ ويقفه حَتَّى يَقُول: أشهد بِاللَّه
أَنَّهَا زنت بفلان وَإنَّهُ لصَادِق فِيمَا رَمَاهَا بِهِ. فَإِذا
قَالَ ذَلِك أَربع مَرَّات قَالَ فِي الْخَامِسَة: وَعَلِيهِ لعنة الله
إِن كَانَ من الْكَاذِبين فِيمَا رَمَاهَا بِهِ. ثمَّ تُقَام
الْمَرْأَة فَتَقول أَيْضا أَربع مَرَّات: أشهد
(2/240)
بِاللَّه أَنه لمن الْكَاذِبين فِيمَا
رماني بِهِ من الزِّنَى، ثمَّ تَقول فِي الْخَامِسَة: وَعَلَيْهَا غضب
الله إِن كَانَ من الصَّادِقين. فَإِذا فرغَتْ من ذَلِك بَانَتْ مِنْهُ
وَلم تحِلّ لَهُ أبدا.
وإ كَانَت حَامِلا فَجَاءَت بِولد فَهُوَ وَلَدهَا وَلَا يلْحق
بِالزَّوْجِ؛ لِأَن السُنَّة نفته عَنهُ، سمّي ذَلِك كُله لِعَاناً
لقَوْل الزَّوْج: عَلَيْهِ لعنة الله إِن كَانَ من الْكَاذِبين، وَقَول
الْمَرْأَة: عَلَيْهَا غضب الله إِن كَانَ من الصَّادِقين.
وَجَائِز أَن يُقَال للزوجين إِذا فعلا ذَلِك: قد تلاعنا ولاعنا
والْتَعَنا.
وَجَائِز أَن يُقَال للزَّوْج: قد التعن وَلم تلتعن الْمَرْأَة، وَقد
التعنت هِيَ وَلم يلتعن الرجل.
وَرجل لُعَنة إِذا كَانَ يكثر لَعْن النَّاس.
وَرجل لُعْنة إِذا كَانَ النَّاس يلعنونه لشرارته.
وَالْأول فَاعل وَهُوَ اللُّعَنة، وَالثَّانِي مفعول وَهُوَ اللُّعْنة.
وَكَانَت الْعَرَب تحيّي مُلُوكهَا فِي الْجَاهِلِيَّة بِأَن تَقول
للْملك: أبيتَ اللَّعْن، وَمَعْنَاهُ: أَبيت أَيهَا الملِك أَن تَأتي
أمرا تُلْعَن عَلَيْهِ.
وسمعْتُ الْعَرَب تَقول: فلَان يتلاعن علينا إِذا كَانَ يتماجن وَلَا
يرتدع عَن سوء وَيفْعل مَا يسْتَحق بِهِ اللَّعْن.
وَقَالَ اللَّيْث: التلاعن كالتشاتم فِي اللَّفْظ، غير أَن التشاتم
يسْتَعْمل فِي وُقُوع فعل كل وَاحِد مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ. والتلاعن
رُبمَا اسْتعْمل فِي فعل أَحدهمَا.
وَرجل ملعَّن إِذا كَانَ يُلعَن كثيرا.
وَقَالَ اللَّيْث: الملعَّن: المعذَّب، وَبَيت زُهَيْر يدلُّ على غير
مَا قَالَ اللَّيْث، وَهُوَ قَوْله:
ومرهَّق الضِيفان يحمد فِي الْ
لأْواء غير ملعَّن القِدر
أَرَادَ قِدْره لَا تلْعن لِأَنَّهُ يُكثر لَحمهَا وشحمها.
وَفِي الحَدِيث: (اتّقوا الْملَاعن وأعِدّوا النُبَل) . والملاعن:
جَوَادّ الطَّرِيق وظلال الشّجر ينزلها النَّاس نُهي أَن يُتغَوّط
تحتهَا فيتأذَّى السابلةُ بأقذارها ويلعنون مَن جلس للغائط عَلَيْهَا.
وَقَالَ شمر: أقرأنا ابْن الْأَعرَابِي لعنترة:
هَل تُبْلغَنِّي دارها شَدنيَّةٌ
لعِنت بمحروم الشَّرَاب مصرَّم
وفسّره فَقَالَ: سُبَّت بذلك فَقيل: أخزاها الله فَمَا لَهَا دَرّ
وَلَا بهَا لَبَن.
قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو عدنان عَن الْأَصْمَعِي: لعنت لمحروم
الشَّرَاب.
وَقَالَ يُرِيد بقوله: بمحروم الشَّرَاب أَي قُذفت بضَرْع لَا لبن
فِيهِ مصرّم.
وَقَالَ الْفراء: اللَّعْن: المَسْخ أَيْضا؛ قَالَ الله تَعَالَى:
{أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ السَّبْتِ} (النِّساء:
47) أَي نمسخهم.
قَالَ: واللعين: المُخْزَى المهلَك أَيْضا. وَفِي الحَدِيث: (لَا يكون
الْمُؤمن لعَّاناً) أَي لَا يكون كثير اللَّعْن للنَّاس.
(2/241)
نعل: أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلَمة عَن
الفرّاء قَالَ: النِعَال: الأرَضون الصِلاب.
وَأنْشد:
قوم إِذا اخضرّت نعَالهمْ
يتناهقون تناهُق الحُمُر
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَمِنْه الحَدِيث الَّذِي جَاءَ: (إِذا ابتلت
النِّعَال فَالصَّلَاة فِي الرّحال) يَقُول: إِذا مُطرت الأرضون
الصِلاب فتزلَّفت بِمن يمشي فِيهَا فصَلُّوا فِي مَنَازِلكُمْ، وَلَا
عَلَيْكُم ألاَّ تشهدوا الصَّلَاة فِي مَسَاجِد الْجَمَاعَات.
وَقَالَ اللَّيْث: النَعْل: مَا جعلته وِقَاية من الأَرْض. قَالَ:
وَيُقَال: نَعِل يَنْعَل وانتعل إِذا لبِس النَّعْل. قَالَ: والتنعيل:
تنعيلك حافر البرذَوْن بطَبَق من حَدِيد يَقِيه الْحِجَارَة.
وَكَذَلِكَ تنعيل خُفّ الْبَعِير بالجِلْد لِئَلَّا يَحْفى. ويوصف حافر
حمَار الْوَحْش فَيُقَال: ناعل لصلابته. وَرجل ناعل: ذُو نعْل. فَإِذا
قلت: منتعل فَمَعْنَاه: لابس نعلا. وَامْرَأَة ناعلة. وَمن أمثالهم:
أطِرِّي فَإنَّك ناعلة أَرَادَ: أدِلّي على الْمَشْي فَإنَّك غَلِيظَة
الْقَدَمَيْنِ غير محتاجة إِلَى النَعْلين. وَقد ذكرت اخْتِلَاف
النَّاس فِي تَفْسِيره فِي كتاب الطَّاء. وَيُقَال: أنعل فلَان دابَّته
إنعالاً فَهُوَ مُنْعَل والنَعْل من جَفْن السَّيْف الحديدةُ الَّتِي
فِي أَسْفَل قِرابه.
أَبُو عُبَيْدَة: من وَضَح الْفرس الإنعال، وَهُوَ أَن يُحِيط البياضُ
بِمَا فَوق الْحَافِر مَا دَامَ فِي مَوضِع الرُسْغ، يُقَال: فرس
مُنْعَل.
وَقَالَ أَبُو خَيْرة: هُوَ بَيَاض يَمُس حوافرَه دون أشاعره.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: النَعْل: حَدِيدَة المِكْرَب، وَبَعْضهمْ يسمّيه
السِنّ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: النَعْل: العَقَب الَّذِي يُلْبَس ظهر
السِّيَة من الْقوس. قَالَ: وَإِذا قُطِعت الوَدِيَّة من أمّها
بِكَرَبها قيل: ودِيَّة منعَّلة.
أَبُو زيد يُقَال: رَمَاه بالمُنْعَلات أَي بالدواهي وَتركت بَينهم
المُنعَلات.
ابْن السّكيت عَن الأصمعيّ: النَّعل: الذَّلِيل من الرِّجَال وَأنْشد:
وَلم أكن دارِجة ونَعْلا
وَيُقَال: انتعل فلَان الرَمْضاء إِذا سَار فِيهَا حافياً. وانتعلت
المطِيُّ ظِلالَها إِذا عَقَل الظلُّ نصفَ النَّهَار؛ وَمِنْه قَول
الراجز:
وانتَعَل الظلَّ فَكَانَ جوربا
ويروى: وانتُعِل الظلُّ. وانتعل الرجلُ إِذا ركب صِلاَب الأَرْض
وحِرَارها وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فِي كل إنى قَضَاهُ اللَّيْل ينتعل
شمر عَن ابْن الأعرابيّ: النَّعْل من الأَرْض والخُفُّ والكُرَاعُ
والضِلَع كل هَذِه لَا تكون إِلَّا من الحَرَّة فالنعل مِنْهَا شَبيهَة
بالنعل فِيهَا ارْتِفَاع وصلابة. والخُفّ أطول من النَّعْل، والكُرَاع
أطول من الخُفّ، والضِلَع أطول من الكُرَاع، وَهِي ملتوية كَأَنَّهَا
ضِلَع.
وأنشدنا:
فِدًى لامرىء والنعل بيني وَبَينه
شفى غيم نَفسِي من وُجُوه الحواثر
(2/242)
النَّعْل: نعل الْجَبَل، والغَيْم: الوِتْر
والذَحْل، وَأَصله الْعَطش. والحواثر من عبد الْقَيْس.
(بَاب الْعين وَاللَّام مَعَ الْفَاء)
ع ل ف
علف، عفل، فلع، فعل، لفع، لعف: مستعملات.
لعف: أمّا لعف فَإِن اللَّيْث قد أهمله.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي (كِتَابه) وَلم أَجِدهُ لغيره: تلعَّف الأسَد
والبعيرُ إِذا نظر ثمَّ أغضى ثمَّ نَظَر. وَإِن وُجد شَاهد لما قَالَ
فَهُوَ صَحِيح.
علف: قَالَ ابْن المظفر: عَلَف الرجل دابَّته يَعْلِفُه عَلْفاً.
والعَلَف الِاسْم. والمِعْلَف: مَوضِع العَلَف والشاءُ المعلَّفة:
الَّتِي تسمَّن بِمَا يُجمع من العَلَف وَلَا تُسْرح فترعى. وَقد
علَّفتها إِذا أكثرت تعهّدها بإلقاء العَلَف لَهَا. والدابَّة يَعْتلِف
إِذا أكل العَلَف، ويَستعلِف إِذا طلب العَلَف بالحمحمة.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُلَّفة من ثَمَر الطلح: مَا أخلف بعد
البَرَمة، وَهُوَ شِبه اللوبياء وَهُوَ الحُبْلة من السَمُر، وَهُوَ
السِنْف من المَرْخ كالإصبع. وَأنْشد قَوْله:
بجِيد أدماء تنوش العُلَّفا
وَقد أعلف الطَلْحُ إِذا خرج عُلَّفه.
أَبُو عبيد عَن ابْن الْكَلْبِيّ: أوّل مَن عَمِل الرِحَال من العَرَب
عِلاَف، وَهُوَ زَبَّان أَبُو جَرْم، وَلذَلِك قيل للرِحال:
عِلاَفيَّة.
وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ أعظم الرّحال آخِرة وواسطاً وَالْجمع
عِلاَفيَّات، وَشَيخ عُلْفُوف جافٍ كثير اللَّحْم وَالشعر كَبِير
السنّ. وَمِنْه قَوْله:
مأوى اليتيمِ ومأوَى كلّ نَهْبَلة
تأوي إِلَى نَهْبَل كالنَسْر عُلْفوفِ
أَبُو عبيد: العَلُوفة من الْمَوَاشِي: مَا يَعْلِفون.
أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه: العِلْف: الْكثير الْأكل.
والعَلْف. الشّرْب الْكثير. والغِلْف بالغين: الخصب الْوَاسِع.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العُلفُوف: الجافي من الرِّجَال وَالنِّسَاء.
عفل: أَخْبرنِي المنذريّ عَن المفضّل بن سَلَمة أَنه قَالَ فِي قَول
الْعَرَب: رمتني بدائها وانسلَّت: كَانَ سَبَب ذَلِك أَن سعد بن زيدِ
مَنَاة كَانَ تزوّج رُهْمَ بنت الْخَزْرَج بن تَيْم الله، وَكَانَت من
أجمل النِّسَاء، فَولدت لَهُ مَالك بن سعد، وَكَانَ ضرائرها إِذا
ساببنها يقلن لَهَا: يَا عَفْلاء.
فَقَالَت لَهَا أمهَا: إِذا ساببنك فابدئيهنَّ بعَفَالِ سُبِيَتِ
فأرسلتها مثلا فسابَّتها بعد ذَلِك امْرَأَة من ضرائرها.
فَقَالَت لَهَا رُهْم: يَا عَفلاء، فَقَالَت ضَرّتها: رمتني بدائها
وانسلَّت.
قَالَ: وَبَنُو مَالك بن سعد رَهْط العجَّاج كَانَ يُقَال لَهُم:
العُفَيلَى.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه
قَالَ العَفَلة: بُظَارة الْمَرْأَة. قَالَ: وَإِذا مسّ الرجل عَفَل
الْكَبْش لينْظر سِمَنه يُقَال: جسَّه وغَبَطه وعَفَله.
(2/243)
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي:
المَعْفَل: نَبات لحم ينْبت فِي قبُل الْمَرْأَة، وَهُوَ القَرْن
وَأنْشد:
مَا فِي الدوابر من رجليّ من عَقَل
عِنْد الرِّهَان وَمَا أُكْوى من العَفَل
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: القَرْن بالناقة مثل
العَفَل بِالْمَرْأَةِ، فَيُؤْخَذ الرَضْف فيُحْمَى ثمَّ يُكوى بِهِ
ذَلِك القَرَن. قَالَ: والعَفَل شَيْء مدوّر يخرج بالفرج. والعَفَل لَا
يكون فِي الْأَبْكَار، وَلَا يُصِيب الْمَرْأَة إلاَّ بعد مَا تَلد.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَفَل فِي الرِّجَال: غِلَظ يحدث فِي الدُبُر،
وَفِي النِّسَاء: غِلَظ فِي الرَحِم. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الدوابّ.
وَقَالَ اللَّيْث: عَفِلت الْمَرْأَة عَفَلاً فَهِيَ عَفَلاء. وعَفِلت
النَّاقة. والعَفَلة: الِاسْم، وَهُوَ شَيْء يخرج فِي حيائها شِبه
الأُدْرة.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: العَفْل: شَحم خُصْيَيْ الْكَبْش وَمَا
حوله.
وَمِنْه قَول بشر:
حَدِيث الخصاء وارم العَفْل مُعْبَر
قَالَ وقالَ الْكسَائي: العَفَل: الْموضع الَّذِي يُجسّ من الشَّاة
إِذا أَرَادوا أَن يعرفوا سِمَنَها من غَيره. قَالَ: وَهُوَ قَول بشر.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العافل: الَّذِي يلبَس ثيابًا
قصاراً فَوق ثِيَاب طوال.
لفع: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: التلفُّع: أَن يشتمِل الْإِنْسَان
بِالثَّوْبِ حَتَّى يجلِّل جسده. قَالَ: وَهُوَ اشْتِمَال الصمَّاء
عِنْد الْعَرَب.
وَقَالَ غَيره: التفع بِالثَّوْبِ مثله.
وَقَالَ أَوْس بن حَجَر:
وهبَّت الشمألُ البَلِيلِ وَإِذ
بَات كميعُ الفتاة ملتفِعا
وَفِي الحَدِيث: كُنَّ نساءُ الْمُؤمنِينَ يَشهدن مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّبْح ثمَّ يرجعن متلفّعات بمُرُوطهنّ مَا
يُعْرَفن من الغَلَس أَي متجلِّلات بأكسِيَتهنّ. والمِرْط: كسَاء أَو
مِطْرف يُشتَمل بِهِ كالمِلْحَفة.
وَيُقَال: لَفَّعْت الْمَرْأَة إِذا ضممتها إِلَيْك مشتمِلاً
عَلَيْهَا.
وَيُقَال لذَلِك الثَّوْب: لِفَاع، وَمِنْه قَول أبي كَبِير:
بُجُف بذلتُ لَهَا خوافيَ ناهضٍ
حَشْر القوادم كاللِفَاع الأطحل
أَرَادَ: كَالثَّوْبِ الْأسود.
وَيُقَال: تلفّع الرجلُ بالمشيب إِذا شمِله الشيبُ، وَقد لَفَع الشيبُ
رَأسه يَلْفَعُه إِذا شمِله.
وَأما قَول كَعْب:
وَقد تلفَّع بالقُور العساقيل
فالعساقيل: السراب هَهُنَا، وَهَذَا من المقلوب، الْمَعْنى: وَقد
تلفّعت القُور بِالسَّرَابِ، فقلبه.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا اخضَرّت الأَرْض وانتفع المَال بِمَا يُصِيب من
المرعى.
قيل: قد تلفّعت الإبلُ وَالْغنم.
قَالَ: ولُفِّعت المزادةُ فَهِيَ ملفَّعة إِذا قُلبت أَو نقضت فَجعل
أطبَّتها فِي وَسطهَا فَذَلِك تلفيعها.
(2/244)
وأمّا قَول الحطيئة:
وَنحن تلفَّعنا على عسكريهم
جهاراً وَمَا طِبي ببغي وَلَا فَخْرِ
أَي اشتملنا عَلَيْهِم.
وأمّا قَول الراجز:
وعُلْبة من قادم اللِفَاع
فاللفاع: اسْم نَاقَة بِعَينهَا. وَقيل: هُوَ الخِلْف الْمُقدم.
فلع: قَالَ ابْن المظفر: فَلَع فلَان رَأسه بِالْحجرِ يَفْلَعه إِذا
شقَّه، فانفلع أَي انشقّ. والفِلْعة: القِطْعة من السَنَام، وَجَمعهَا
فِلَع وتفلَّعت البطّيخة إِذا انشقّت، وتفلّع العَقِب إِذا انشقّ.
وَيُقَال للْأمة إِذا سُبَّت: لعن الله فَلعتها، يعنون: مَشقّ جَهازها
أَو مَا تشقّق من عَقبهَا.
وَيُقَال: رَمَاه الله بفالعة أَي بداهية، وَجَمعهَا الفوالع.
وَيُقَال: فلع رَأسه بِالسَّيْفِ إِذا فلاه بنصفين.
وَقَالَ شمر: يُقَال: فلخته وقفحته وسلعته وفلعته وفلغته، كل ذَلِك
إِذا أوضحته. قَالَ: ولفخته على رَأسه لَفْخاً. وَقَالَ: فلع رَأسه
بالحَجَر إِذا شدخه وشَقَّه. وفلع السَنَامَ بالسكّين إِذا شقَّه.
وَقَالَ طُفَيل الغَنَويّ:
كَمَا شُقّ بِالْمُوسَى السنامُ المفَلَّع
فعل: قَالَ اللَّيْث: فَعَل يفعَل فَعْلاً وفِعْلاً، فالمصدر مَفْتُوح
وَالِاسْم مكسور. قَالَ: والفَعَال اسْم الْفِعْل الحَسَن؛ مثل الْجُود
وَالْكَرم وَنَحْوه.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الفَعَال:
فعل الْوَاحِد خاصَّة فِي الْخَيْر والشرّ، يُقَال: فلَان كريم
الفَعال، وَفُلَان لئيم الفِعال. قَالَ والفِعال بِكَسْر الْفَاء إِذا
كَانَ الْفِعْل بَين الِاثْنَيْنِ.
قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه ابْن الْأَعرَابِي هُوَ الصَّوَاب، لَا
مَا قَالَه اللَّيْث؛ وَقَالَ: فلَان حَسَن الفَعال، وَفُلَان سيء
الفَعال. وَلست أَدْرِي لم قصر اللَّيْث الفعَال على الحَسَن دون
الْقَبِيح.
وَقَالَ الْمبرد أَبُو الْعَبَّاس: الفَعال يكون فِي الْمَدْح والذمّ.
قَالَ: وَهُوَ مُخلَّص لفاعل وَاحِد، فَإِذا كَانَ من فاعلين فَهُوَ
فِعال، وَهَذَا هُوَ الدُرّ الْجيد.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الفِعَال: الْعود الَّذِي يَجْعَل فِي
خُرْت الفأس يُعمل بِهِ. قَالَ: والنجَّار يُقَال لَهُ فَاعل.
وَقَالَ اللَّيْث: الفَعَلة قوم يعْملُونَ عمل الطِين والحَفْر وَمَا
أشبه ذَلِك من الْعَمَل.
وَقَالَ ابْن مقبل فِي نِصَاب القَدوم، سَمَّاه فِعالاً:
وتَهْوِي إِذا العِيسُ العِتاقُ تفاضلت
هُوِيّ قَدُوم القَيْن جال فِعالُها
يَعْنِي: نصابها.
وَقَالَ النحويون المفعولات على وُجُوه فِي بَاب النَّحْو. فمفعول
بِهِ، كَقَوْلِك: أكرمت زيدا وأعنت عمرا وَمَا أشبهه. ومفعول لَهُ؛
كَقَوْلِك: فعلت ذَلِك حِذارَ غضبك. وَيُسمى هَذَا مَفْعُولا من أَجْلٍ
أَيْضا.
(2/245)
ومفعول فِيهِ. وَهُوَ على وَجْهَيْن.
أَحدهمَا الْحَال وَالْآخر فِي الظروف. فأمّا الظّرْف فكقولك: نمت
الْبَيْت وَفِي الْبَيْت. وأمَّا الْحَال فكقولك: ضُرِب فلَان
رَاكِبًا، أَي فِي حَال ركُوبه. ومفعول عَلَيْهِ؛ كَقَوْلِك: عَلَوْت
السّطح ورقِيت الدرجَة. ومفعول بِلَا صلَة: وَهُوَ الْمصدر. وَيكون
ذَلِك فِي الْفِعْل اللَّازِم وَالْوَاقِع؛ كَقَوْلِك: حفِظت حِفظاً
وفهمت فهما. وَاللَّازِم كَقَوْلِك: انْكَسَرت انكساراً. وَالْعرب
تَشتقّ من الْفِعْل المُثُل للأبنية الَّتِي جَاءَت عَن الْعَرَب؛ مثل
فُعاله وفَعولة وأُفعول ومِفعيل وفِعليل وفُعْلول وفُعُّول وفِعَّل
وفعْل وفُعَلة ومُفْعلل وفِعَيْل وفِعِيل وَيُقَال: شِعْر مفتعَل إِذا
ابتدعه قَائِله وَلم يَحذُه على مِثَال تقدَّمه فِيهِ مَن قبله.
وَكَانَ يُقَال: أعذب الأغاني مَا افتُعِل، وأطرف الشّعْر مَا افتُعِل؛
قَالَ ذُو الرُمَّة:
غرائب قد عُرفن بِكُل أفق
من الْآفَاق تُفتعل افتعالا
أَي يبتدع بهَا غِناء بديع وَصَوت محدَث.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: افتعل فلَان حَدِيثا إِذا
اخترقه. وَأنْشد:
ذكر شَيْء يَا سُلَيْمى قد مضى
وَوُشاةٍ ينطقون المفتعَلْ
وَيُقَال لكل شَيْء يسَوَّى على غير مِثَال تقدَّمه: مفتعَل. وَمِنْه
قَول لَبيد:
فرميت الْقَوْم رَمْياً صائباً
لَسْن بالعُصل وَلَا بالمفْتَعلْ
وَيُقَال: عذبني وجع أسهرني فجَاء بالمفتعَل إِذا عانى مِنْهُ ألمَاً
لم يعْهَد مثله فِيمَا مضى لَهُ. وفَعَال قد جَاءَ بِمَعْنى أفعلْ،
وَجَاء بِمَعْنى فاعلة، بِكَسْر اللَّام.
(بَاب الْعين وَاللَّام مَعَ الْبَاء)
ع ل ب
علب، عبل، لعب، بلع، بعل: مستعملات.
علب: فِي الحَدِيث: (لقد فَتَحَ الفُتوحَ قوم مَا كَانَت حِلْية سيوفهم
الذَّهَب والفضَّة، إِنَّمَا حِلْيتها العَلاَبي والآنُك) . العلابي
جمع العِلْباء، وَهُوَ العَصَب، وَبِه سمي الرجل عِلباء. وَكَانَت
الْعَرَب تشدّ بالعِلباء الرَطْبِ أجفان السيوف فتجِفّ عَلَيْهَا،
وتشُدّ الرماح إِذا تصدَّعت بهَا. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
ندعّسها بالسَمْهريّ المعلَّب
وَقَالَ القتيبي: بَلغنِي أَن العلابيّ: الرَصَاص، وَلست مِنْهُ على
يَقِين.
قلت: مَا علمت أحدا قَالَه، وَلَيْسَ بِصَحِيح.
وَقَالَ شمر: قَالَ المؤرّج: العِلاَب سمة فِي العِلباء. قَالَ:
والعَلْب تَأْثِير كأثر العِلاب.
وَقَالَ شمر: أَقْرَأَنِي ابْن الْأَعرَابِي لطُفَيل الغنويّ:
نهُوض بأشناق الدِّيات وحَمْلِها
وثِقْل الَّذِي يَجْنِي بمنكبه لَعْب
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: لَعْب أَرَادَ بِهِ: عَلْب وَهُوَ الْأَثر.
(2/246)
وَقَالَ أَبُو نصر: يَقُول: الْأَمر
الَّذِي يجني عَلَيْهِ وَهُوَ بمنكبه خَفِيف.
وَفِي حَدِيث ابْن عُمَر أَنه رأى رجلا بأنْفه أثرَ السُّجُود فَقَالَ:
لَا تَعْلُب صُورَتك، يَقُول: لَا تُؤثر فِيهَا أثرا بشدّة انتحائك على
أَنْفك فِي السُّجُود. والعُلُوب: الْآثَار وَاحِدهَا عَلْب يُقَال
ذَلِك فِي أثر المِيسم وَغَيره. وَقَالَ ابْن الرّقاع يصف الركاب:
يتبعْن نَاجِية كَأَن بدَفّها
من غَرْض نسْعَتِها علوبَ مواسم
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: لحم
عَلِب وعَلْب وَهُوَ الصُلْب. قَالَ: والعِلْب من النَّاس: الَّذِي لَا
يُطمع فِيمَا عِنْده من كلمة وَلَا غَيرهَا، قَالَ: والعِلْب من
الأَرْض الغليظ الَّذِي لَو مطر دهْراً لم يُنبت خضراء. وكل مَوضِع
صُلْب خَشِن من الأَرْض فَهُوَ عِلْب.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: المعلوب: الطَّرِيق الَّذِي
يُعْلَب بجنبيه. وَمثله الملحوب. والمعلوب: سيف كَانَ لِلْحَارِثِ بن
ظَالِم. وَيُقَال: إِنَّه سمَّاه معلوباً لآثار كَانَت فِي مَتْنه:
وَيُقَال: سُمِّي معلوباً لِأَنَّهُ كَانَ انحنى من كَثْرَة مَا ضَرَب
بِهِ وَفِيه يَقُول:
أَنا أَبُو ليلى وسيفي المعلوب
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُلَب: جمع عُلْبة وَهِي الجَنبة
والدَسْماء والسمراء. قَالَ: والعِلْبة وَالْجمع عِلَب أُبْنة غَلِيظَة
من الشّجر تتَّخذ مِنْهُ المِقطرة. وَقَالَ الشَّاعِر:
فِي رجله عِلبة خشناء من قَرْظ
قد تيَّمته فبالُ الْمَرْء متبول
وَقَالَ أَبُو زيد: العُلُوب: منابت السِدر، الْوَاحِد عِلْب. قلت:
والعُلْبة: جِلدة تُؤْخَذ من جلد جَنْب الْبَعِير إِذا سُلخ وَهُوَ
فَطِير فتسوَّى مستديرة ثمَّ تملأ رملاً سهلاً، ثمَّ بضمّ أطرافها
وتُخلّ بخِلال ويوكَى عَلَيْهَا مَقْبُوضَة بِحَبل وتترك حَتَّى تجِفّ
وتيبَس، ثمَّ يُقطع رَأسهَا وَقد قَامَت قَائِمَة لجفافها تُشبه قَصْعة
مدوَّرة كَأَنَّهَا نُحِتت نَحْتاً أَو خُرِطت خَرْطاً. ويعلّقها
الرَّاعِي والراكب فيحلُب فِيهَا وَيشْرب بهَا. وَتجمع عُلَباً
وعِلاباً. وللبدويّ فِيهَا رِفق خفَّنها وَأَنَّهَا لَا تنكسر إِذا
حرّكها الْبَعِير أَو طاحت إِلَى الأَرْض. والعِلاب أَيْضا: سِمَة فِي
طول عنق الْبَعِير. وَقَالَ اللَّيْث: عَلِب النبت يَعلَب عَلَباً
فَهُوَ علِب إِذا جَسَأ. وعَلِب اللَّحْم واستعلب إِذا غلظ وَلم يكن
هَشّاً. واستعلبت الماشيةُ البقل، إِذا ذَوَى فأجمَتْه واستغلظته.
والعِلْب: الوعِل الضخم المُسِنّ. والعِلْب: عَصَب الْعُنُق الغليظ
خَاصَّة. وهما عِلْباءان وعلباوان. ورُمْح مُعَلَّب إِذا جُلز ولُوي
بعَصَب العلب. وعلِب الْبَعِير عَلَباً فَهُوَ علِب وَهُوَ دَاء
يَأْخُذهُ فِي ناحيتَيْ عُنُقه فترِم رقبتُه. وَقَالَ شمر: يُقَال
هَؤُلَاءِ عُلبوبة الْقَوْم أَي خيارهم.
قلت كَقَوْلِهِم: هَؤُلَاءِ عَصَب الْقَوْم أَي خيارهم. وَرجل عِلْب:
جافٍ غليظ.
عبل: فِي حَدِيث ابْن عُمَر أَنه قَالَ لرجل: (إِذا أتيتَ مِنًى
فانتهيت إِلَى مَوضِع كَذَا وَكَذَا فَإِن هُنَاكَ سَرْحة لم تُعْبَل
وَلم تُجْرد وَلم تُسْرَف، سُرّ تحتهَا سَبْعُونَ نبيّاً فانزِل
(2/247)
تحتهَا) . قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله: لم
تُعبل، يَقُول: لم يسْقط وَرقهَا؛ يُقَال: عَبَلْت الشَّجَرَة عَبْلاً
إِذا حَتَتَّ عَنْهَا وَرقهَا. وأعْبل الشجَرُ إِذا طلع ورقه. قَالَ:
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العَبَل: كلّ ورق مفتول كورق الأَثْل
والأرْطَى والطَرْفاء. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَبَل: مِثل
الْوَرق وَلَيْسَ بورق. ثَعْلَب عَن سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ: أعبل
الشّجر إِذا رَمَى بورقه. قَالَ: والسَرْو وَالنَّخْل لَا يُعبِلان وكل
شجر ثَبت ورقهُ شتاء وصيفاً فَهُوَ لَا يُعْبل. قلت: وَقد ذكر أَبُو
عبيد عَن أبي عَمْرو فِي (المصنَّف) نَحوا من قَول الفرّاء فِي أعبلت
الشجرةُ إِذا سقط ورقُها، ثمَّ رَوَى عَن اليزيديّ القَوْل الأول:
أعبلت الشَّجَرَة إِذا طلع وَرقهَا. وَقَالَ اللَّيْث مثله. قلت أَنا:
وَسمعت غير وَاحِد من الْعَرَب يَقُول: غَضًى مُعْبِل وأرطًى معبل إِذا
طلع عَبَلُه. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَمِنْه قَول ذِي الرمَّة:
إِذا ذَابَتْ الشَّمْس اتَّقى صَقَراتها
بأفنان مَرْبُوع الصَرِيمةَ مُعْبِل
وَإِنَّمَا يتَّقي الوحشيّ حَرّ الشَّمْس بأفنان الأرطاة الَّتِي طلع
وَرقهَا، وَذَلِكَ حِين يَكنِس فِي حَمْرَاء القيظ. وَإِنَّمَا يسْقط
وَرقهَا إِذا برد الزَّمَان وَلَا يَكْنس الوحشيّ حينئذٍ وَلَا يتّقي
حَرَّ الشَّمْس. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَبْل: الغليظ
والضخم، وَأَصله فِي الذراعين. وَجَارِيَة عَبْلة، وَالْجمع عَبْلات
لِأَنَّهَا نعت. وَيُقَال: عَبَلتْه إِذا رَددته.
وَأنْشد:
هَا إِن رَميي عَنْهُم لمعبولْ
فَلَا صريخ الْيَوْم إلاّ المصقول
كَانَ يَرْمِي عدوّه فَلَا يُغني الرَّمْي شَيْئا، فقاتل بِالسَّيْفِ
وَقَالَ هَذَا الرجز. والمعبول: الْمَرْدُود. وَقَالَ النَضْر: أعبلت
الأرطاةُ إِذا نبت وَرقهَا: وأعبلَتْ إِذا سقط وَرقهَا، فَهِيَ مُعْبل.
قلت: جعل ابْن شُمَيْل أعبلت الشَّجَرَة من الأضداد، وَلَو لم يحفظه
عَن الْعَرَب مَا قَالَه لِأَنَّهُ ثِقَة مَأْمُون. أَبُو عبيد عَن
الْأَصْمَعِي: الأعبل والعبلاء: حِجَارَة بيض. وَقَالَ اللَّيْث:
صَخْرَة عبلاء: بَيْضَاء.
وَأنْشد فِي صفة نَاب الذِّئْب:
يَبْرُق نابُه كالأعبل
أَي كحجر أَبيض من حِجَارَة المَرْو. وَيُقَال: رجل عَبْل وَجَارِيَة
عَبْلة إِذا كَانَا ضخمين. وَقد عَبُل الْغُلَام عَبَالة. وَقَالَ
أَبُو عَمْرو: العبلاء: مَعْدِن الصُفْر فِي بِلَاد قَيْس وَقَالَ
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَحْمَر: ألْقى عَلَيْهِ عَبَالَّته أَي ثِقْله.
وَيُقَال للرجل إِذا مَاتَ: قد عَبَلته عَبُول، مثل شَعَبته شَعُوب.
وأصل العَبْل الْقطع المستأصِل، وَأنْشد:
. . عابِلتي عَبول
والمِعْبَلة: النَصْل العريض وَجَمعهَا معابل. وَقَالَ عنترة:
وَفِي البَجْلي مِعْبلة وقيع
وَقَالَ الأصمعيّ: من النصال المِعْبلة، وَهُوَ أَن يعرّض النصل
ويطوّل. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: غُلَام عابل: سمين.
(2/248)
وَجمعه عُبُل. وَامْرَأَة عَبُول: ثَكُول
وَجَمعهَا عُبُل. ابْن شُمَيْل عَن أبي خَيْرة قَالَ: العبلاء
الطَرِيدة فِي سَوَاء الأَرْض حجارتها بيض كَأَنَّهَا حِجَارَة
القَدَّاح. وَرُبمَا قَدَحُوا بِبَعْضِهَا، وَلَيْسَ بالمَرْو،
وَكَأَنَّهَا البَلُّور. وَقَالَ ابْن شُمَيل: الأعبل: حجر أخشن غليظ
يكون أَحْمَر وَيكون أَبيض وَيكون أسود كل يكون، جبل غليظ فِي
السَّمَاء.
لعب: اللَّيْث: لعِب يلعَب لُعْباً ولَعِباً. وَرجل تِلِعَّابة إِذا
كَانَ يتلعّب. وَرجل لُعبَة: كَثير اللّعب. قَالَ: واللُعْبة جَزْم:
الَّذِي يُلعِب بِهِ، كالشِطْرَنجة وَنَحْوهَا. وَقَالَ الفرّاء: لعِبت
لَعْبة وَاحِدَة. وَرجل حسن اللِعْبة بِالْكَسْرِ. واللُعْبة: مَا
يُلْعَب بِهِ. الحرّانيّ عَن ابْن السّكيت: تَقول: لمن اللُعْبة؟ فتضمّ
أَولهَا لِأَنَّهَا اسْم. وَتقول: الشطرنج لُعْبة، والنَرْد لُعْبة.
وكل ملعوب بِهِ فَهُوَ لُعْبة. وَتقول: اقعد حَتَّى أفرغ من هَذِه
اللُعْبة، وَهُوَ حسن اللِعْبة؛ كَمَا يَقُول: حسن الجِلسة، وَقد لعِبت
لَعْبة وَاحِدَة. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: لَعَب الرجل يَلْعَب
إِذا سَالَ لُعَابه. وَقَالَ اللَّيْث: لُعَاب الشَّمْس: السَرَاب،
وَأنْشد:
فِي قَرْقَر بلعاب الشَّمْس مضروج
قلت لُعَاب الشَّمْس: هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: مُخَاط الشَّيْطَان.
وَهُوَ السَهَام بِفَتْح السِّين، وَيُقَال لَهُ: رِيق الشَّمْس،
وَهُوَ شِبْه الْخَيط ترَاهُ فِي الْهَوَاء إِذا اشتدّ الحرّ ورَكَد
الهواءُ. وَمن قَالَ: إِن لعاب الشَّمْس السراب فقد أبطل، إِنَّمَا
السراب يُرَى كَأَنَّهُ مَاء جارٍ نصفَ النَّهَار. وَإِنَّمَا يعرف
هَذِه الْأَشْيَاء مَن لزِم الصَّحَارِي والفلوات وَسَار فِي الهواجر
فِيهَا. وَقَالَ اللَّيْث: مُلاَعب ظلِّه: طَائِر يكون بالبادية.
والإثنان ملاعبا ظلّهما، وَالثَّلَاثَة ملاعبات أظلالهن. وَتقول:
رَأَيْت ملاعبات أظلالٍ لهُنّ، وَلَا تقل: أظلالهن؛ لِأَنَّهُ يصير
معرفَة. وَكَانَ عَامر بن مَالك أَبُو برَاء يُقَال لَهُ: مُلاَعِب
الأسنَّة، سمّي بذلك يَوْم السُوبان. ولُعَاب الحَيَّة: سمّها.
واللُّعَاب: فرس من خيل الْعَرَب بِهِ مَعْرُوف. ومَلاَعِب الصّبيان
والجواري فِي الدَّار من ديارات الْعَرَب: حَيْثُ يَلْعَبُونَ،
الْوَاحِد مَلْعَب. واللعاب: الرجل الَّذِي يكون لَهُ اللّعب حِرْفة.
ولُعَاب النَّحْل: مَا تعسِّله. وَقَالَ أَبُو سعيد: استلعبت النخلةُ
إِذا أطلعت طَلْعاً وفيهَا بقيَّة من حَمْلها الأول. وَقَالَ الطرماح
يصف نَخْلَة:
ألحقتْ مَا استلعبتْ بِالَّذِي
قد أَنى إِذْ حَان وَقت الصرام
لَعُوب: اسْم امْرَأَة سميت لعوب لِكَثْرَة لعبها. وَيجوز أَن تسمّى
لعوب لِأَنَّهُ يلْعَب بهَا. واللعباء: سَبَخة مَعْرُوفَة بِنَاحِيَة
الْبَحْرين بحذاء القَطِيف وسِيف الْبَحْر.
بلع: أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: بَلِعت الطَّعَام أبلَعه بَلْعاً
وسَرِطته سَرْطاً إِذا ابتلعته. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: بَلِع
المَاء بلعاً إِذا شرِبه. قَالَ: وابتلاع الطَّعَام: ألاّ يَمْضُغه.
قَالَ: والبُلَع الْوَاحِدَة بُلْعة، وَهِي من قامة البَكْرَة: سَمّها
وثَقْبها. قَالَ: والبالوعة والبَلَّوعة لُغَتَانِ بِئْر تُحفر ويضيّق
(2/249)
رَأسهَا، يجْرِي فِيهَا مَاء الْمَطَر.
قَالَ: و (بالوعة) لُغَة أهل الْبَصْرَة. والمَبْلَع: مَوضِع الابتلاع
من الحَلْق. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: يُقَال للْإنْسَان أوَّلَ مَا
يظْهر فِيهِ الشيب: قد بلَّع فِيهِ الشيب تبليعاً. وسَعْد بُلَع: نجمان
معترضان خفيّان مَا بَينهمَا قريب، يُقَال: إِنَّه سمّي بُلَع؛
لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ لقرب صَاحبه مِنْهُ يكَاد يَبْلَعه، يَعْنِي
الْكَوْكَب الَّذِي مَعَه. وبَلْعاء بن قيس: رجل من كبراء الْعَرَب.
وَرجل بُلَع ومِبْلع وَبُلَعة إِذا كَانَ كثير الْأكل. وَقَالَ ابْن
الْأَعرَابِي: البوْلع: الْكثير الْأكل.
بعل: وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَهَاذَا بَعْلِى شَيْخًا} (هُود: 72)
قَالَ الزجّاج: نصب (شَيخا) على الْحَال. قَالَ: وَالْحَال هَهُنَا
نَصْبها من غامض النَّحْو. وَذَلِكَ إِذا قلت: هَذَا زيد قَائِما فَإِن
كنت تقصد أَن تخبر من لم يعرف زيدا أَنه زيد لم يجز أَن تَقول: هَذَا
زيد قَائِما لِأَنَّهُ يكون زيدا مَا دَامَ قَائِما، فَإِذا زَالَ عَن
الْقيام فَلَيْسَ بزيد. وَإِنَّمَا تَقول للَّذي يعرف زيدا: هَذَا زيد
قَائِما، فتُعمِل فِي الْحَال التَّنْبِيه، الْمَعْنى انتبِه لزيد فِي
حَال قِيَامه، أَو أُشير لَك إِلَى زيد فِي حَال قِيَامه، لِأَن
(هَذَا) إِشَارَة إِلَى من حضر، فالنصب الْوَجْه كَمَا ذكرنَا. وَمن
قَرَأَ: (هَذَا بعلي شيخ) فَفِيهِ وُجُوه. أَحدهَا التكرير، كَأَنَّك
قلت: هَذَا بعلي، هَذَا شيخ. وَيجوز أَن تجْعَل (شيخ) مبنِيّاً عَن
(هَذَا) . وَيجوز أَن تجْعَل (بعلي) و (شيخ) جَمِيعًا خبرين عَن
(هَذَا) فترفعهما جَمِيعًا ب (هَذَا) ؛ كَمَا تَقول: هَذَا حُلْو حامض.
وَقَوله عزَّ وجلَّ: {أَلاَ تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلاً
وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ} (الصَّافات: 125) قيل: إِن بعلاً كَانَ صَنَماً
من ذهب يعبدونه. وَقيل: أَتَدعُونَ بعلاً أَي ربّاً، يُقَال: أَنا
بَعْل هَذَا الشَّيْء أَي ربّه ومالكه، كَأَنَّهُ قَالَ: أَتَدعُونَ
ربّاً سوى الله. وَذكر عَن ابْن عبّاس أَن ضالَّة أُنشِدت، فجَاء
صَاحبهَا، فَقَالَ: أَنا بَعْلهَا يُرِيد أَنا ربّها، فَقَالَ ابْن
عَبَّاس: هُوَ من قَول الله جلّ وعزّ: {أَلاَ تَتَّقُونَ} (الصَّافات:
125) أَي ربّاً. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه
قَالَ فِي صَدَقة النّخل: (مَا سُقِي مِنْهُ بَعْلاً فَفِيهِ العُشر) .
قلت: هَذَا ذكره أَبُو عبيد فِي كتاب (غَرِيب الحَدِيث) وسمعته فِي
كتاب (الْأَمْوَال) : (مَا شرب مِنْهُ بَعْلاً فَفِيهِ العُشر) وَهَذَا
لفظ الحَدِيث، وَالْأول كتبه أَبُو عبيد: على الْمَعْنى. وَقَالَ أَبُو
عبيد: قَالَ الأصمعيّ: البَعْل: مَا شرب بعروقه من الأَرْض من غير سَقي
من سَمَاء وَلَا غَيره. وَأنْشد لعبد الله بن رَوَاحة:
هُنَالك لَا أُبَالِي نخل سَقْي
وَلَا بَعْل وَإِن عَظُم الإناءُ
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الكسائيّ فِي البعْل: هُوَ العِذْي، وَهُوَ
مَا سقته السَّمَاء. وَقَالَ ذَلِك أَبُو عُبَيْدَة. قلت: وَقد ذكر
القتيبيّ هَذَا فِي الْحُرُوف الَّتِي ذكر أَنه أصلح الْغَلَط الَّذِي
وَقع فِيهَا. وألفيته يتعجّب من قَول الأصمعيّ: البَعْل: مَا شرب
بعروقه من الأَرْض من غير سقْي من السَّمَاء وَلَا غَيرهَا، وَقَالَ:
لَيْت شعري أَيْنَمَا يكون هَذَا النّخل الَّذِي لَا يُسقى من سَمَاء
(2/250)
وَلَا غَيرهَا، وتوهَّم أَنه يُصلح غَلطاً،
فجَاء بأطمّ غلط. وَجَهل مَا قَالَه الأصمعيّ، وَحمله جَهله بِهِ على
التخبّط فِيمَا لَا يعرفهُ، فَرَأَيْت أَن أذكر أَصْنَاف النخيل لتقف
عَلَيْهَا، فيصحَّ لَك مَا حَكَاهُ أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ. فَمن
النخيل السَقِيّ. وَيُقَال: المَسْقَوِيّ. وَهُوَ الَّذِي يُسقَى
بِمَاء الْأَنْهَار والعيون الْجَارِيَة. وَمن السقِيّ مَا يُسقَى
نَضْحاً بالدلاء والنواعير وَمَا أشبههَا.
فَهَذَا صنف. وَمِنْهَا العِذْي. وَهُوَ مَا نبت مِنْهَا فِي الأَرْض
السهلة، فَإِذا مُطِرت نشِفت السهولةُ ماءَ الْمَطَر، فَعَاشَتْ
عروقُها بالثرى الْبَاطِن تَحت الأَرْض، وَيَجِيء تمرها قَعقاعاً؛
لِأَنَّهُ لَا يكون ريَّان كالسَّقِيّ. ويسمَّى التَّمْر إِذا جَاءَ
كَذَلِك قَسْباً وسُحّاً. وَالضَّرْب الثَّالِث من النخيل: مَا نبت
ودِيُّه فِي أَرض يقرب مَاؤُهَا الَّذِي خلقه الله تَحت الأَرْض فِي
رَقَّات الأَرْض ذَات النَزّ، فرسخت عروقُها فِي ذَلِك المَاء الَّذِي
تَحت الأَرْض واستغنَتْ عَن سَقْي السَّمَاء وَعَن إِجْرَاء مَاء
الْأَنْهَار إِلَيْهَا أَو سَقْيها نَضْحاً بالدلاء.
وَهَذَا الضَّرْب هُوَ البَعْل الَّذِي فسّره الأصمعيّ. وتَمْر هَذَا
الضَّرْب من التُمْران لَا يكون ريّان وَلَا سُحّاً وَلَكِن يكون
بَينهمَا وَهَكَذَا فسّر الشافعيّ ح البَعْل فِي بَاب القَسْم، فِيمَا
أَخْبرنِي عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي فَقَالَ: البَعْل:
مَا رَسَخ عروقه فِي المَاء فاستغنَى عَن أَن يُسقى. قلت: وَقد رَأَيْت
بِنَاحِيَة الْبَيْضَاء من بِلَاد جزيمةِ عبد الْقَيْس نخلا كثيرا
عروقها راسخة فِي المَاء وَهِي مستغنية عَن السَقْي وَعَن مَاء
السَّمَاء تسمَّى بَعْلاً. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَنه ذكر أَيَّام التَّشْرِيق فَقَالَ: (إِنَّهَا أَيَّام أكل
وشُرْب وبِعَال) . قَالَ أَبُو عبيد: البِعَال: النِّكَاح وملاعبة
الرجل أَهله. يُقَال للْمَرْأَة: هِيَ تباعِل زَوجهَا بِعَالاً ومباعلة
إِذا فعلت ذَلِك مَعَه. وَقَالَ الحطيئة:
وَكم من حَصَان ذَات بَعْل تركتَها
إِذا اللَّيْل أدجى لم تَجِد من تُبَاعِلُهْ
أَرَادَ: أَنَّك قتلْتَ زَوجهَا أَو أسرته. وَيُقَال للرجل: هُوَ بعل
الْمَرْأَة. وَيُقَال للْمَرْأَة: هِيَ بَعْله وبعلته. وَيجمع البعل
بُعولة، قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
(البَقَرَة: 228) . وَقَالَ اللَّيْث فِي تَفْسِير البعل من النّخل مَا
هُوَ أطمّ من الْغَلَط الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن القتيبيّ. زعم أَن
البعل: الذّكر من النّخل، وَالنَّاس يسمّونه الْفَحْل. قلت: وَهَذَا
غلط فَاحش. وَكَأَنَّهُ اعْتبر هَذَا التَّفْسِير من لفظ البعل الَّذِي
مَعْنَاهُ الزَّوْج.
قلت: وبعل النخيل: إناثها الَّتِي تُلَقَّح فتحمِل. وَأما الفُحال
فَإِن ثمره ينتفض، وَإِنَّمَا يلقَّح بطَلْعه طَلعُ الْإِنَاث إِذا
انْشَقَّ. وَقَالَ اللَّيْث أَيْضا: البَعْل: الزَّوْج. يُقَال: بَعَل
يَبْعَل بُعولة فَهُوَ باعل أَي مستعلج قلت: وَهَذَا من أغاليط
اللَّيْث أَيْضا. وَإِنَّمَا سمّي زوج الْمَرْأَة بعلاً لِأَنَّهُ
سيّدها ومالكها، وَلَيْسَ من بَاب الاستعلاج فِي شَيْء. وروى سَلَمة
عَن الفرّاء وَأَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: بعل الرجل يَبْعَل بَعلاً
كَقَوْلِك: دَهِش وخَرِق وعَقِر. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البعل:
الضَجَر والتبرُّم بالشَّيْء.
(2/251)
وَأنْشد:
بعِلت ابْن غَزْوان بَعِلت بِصَاحِب
بِهِ قبلك الإخوانُ لم تَكُ تَبْعل
قَالَ: والبَعْل: الصَنَم. والبعل: اسْم ملِك. والبعل: الزَّوْج، وَقد
بَعَل يَبْعل بعلاً إِذا صَار بعلاً لَهَا.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: أصبح فلَان بَعلاً على أَهله أَي ثِقلاً
عَلَيْهِم. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَعَل: حسن الْعشْرَة من
الزَّوْجَيْنِ. والبِعال: حَدِيث العروسين. والبِعال: الْجمال.
وَأنْشد:
يَا ربُّ بعل سَاءَ مَا كَانَ بعل
وَامْرَأَة حَسَنَة التبعل إِذا كَانَت مطاوِعة لزَوجهَا محِبَّة لَهُ.
واستبعل النخلُ إِذا صَار بَعلاً راسخ الْعُرُوق فِي المَاء مستغنياً
عَن السقْي وَعَن إِجْرَاء المَاء فِي نهر أَو عاثور إِلَيْهِ.
(بَاب الْعين وَاللَّام مَعَ الْمِيم)
ع ل م
علم، عمل، لمع، لعم، ملع، معل: مستعملات.
علم: حدّثنا مُحَمَّد بن إِسْحَاق السعديّ حَدثنَا سعد بن مَزْيد
حَدثنَا أَبُو عبد الرحمان المُقْرِى فِي قَول الله جلّ وعزّ:
{وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ} (يُوسُف: 68) . فَقلت:
يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن مِمَّن سَمِعت هَذَا؟ قَالَ: من ابْن
عُيَينة، قلت: حَسْبي. وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: لَيْسَ
الْعلم بِكَثْرَة الحَدِيث وَلَكِن العِلم الخَشْية. قلت: ويؤيّد مَا
قَالَه قولُ الله جلّ وَعز: {أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى
اللَّهَ مِنْ} (فَاطِر: 28) .
وَقَالَ بَعضهم: العالِم هُوَ الَّذِي يعْمل بِمَا يعلم. قلت: وَهَذَا
يقرب من قَول ابْن عُيَيْنَة. وَقَول الله جلّ وعزّ: {الْحَمْدُ للَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفَاتِحَة: 2) رَوى عَطاء بن السَّائِب عَن
سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}
قَالَ: رب الجِنّ وَالْإِنْس. وَقَالَ قَتَادَة: ربّ الْخلق كلِّهم.
قلت: وَالدَّلِيل على صحَّة قَول ابْن عَبَّاس قَول الله جلّ وعزّ:
{تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ
لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} (الفُرقان: 1) وَلَيْسَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نذيراً للبهائم وَلَا للْمَلَائكَة، وهم كلّهم خَلْق
الله، وَإِنَّمَا بُعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نذيراً للجنّ
وَالْإِنْس. وَرُوِيَ عَن وهب بن منبّه أَنه قَالَ: لله تَعَالَى
ثَمَانِيَة عشر ألف عَالم، الدُّنْيَا مِنْهَا عَالم وَاحِد؛ وَمَا
العُمران فِي الخراب إِلَّا كفُسْطاط فِي صحراء. وَقَالَ الزّجاج: معنى
العالمِين: كلّ مَا خلق الله كَمَا قَالَ: {وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَىْءٍ}
(الأنعَام: 164) وَهُوَ
(2/252)
جمع عالَم. قَالَ: وَلَا وَاحِد لعالَم من
لَفظه؛ لِأَن عالَماً جَمْع أَشْيَاء مُخْتَلفَة فَإِن جعل عَالم
لوَاحِد مِنْهَا صَار جمعا لِأَشْيَاء متَّفقة. قلت: فَهَذِهِ جملَة
مَا قيل فِي تَفْسِير الْعَالم. وَهُوَ اسْم بني على مِثَال فاعَل؛
كَمَا قَالُوا: خَاتم وطابَع ودانَقَ.
وأمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى
يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} (البَقَرَة: 102)
تكلم أهل التَّفْسِير فِي هَذِه الْآيَة قَدِيما وحديثاً. وَأبين
الْوُجُوه الَّتِي تأولوا: أَن المَلكين كَانَا يعلّمان النَّاس
وَغَيرهم مَا يُسألان عَنهُ ويأمران باجتناب مَا حَرُم عَلَيْهِم،
وَطَاعَة الله فِيمَا أُمروا بِهِ ونهوا عَنهُ. وَفِي ذَلِك حِكْمَة،
لِأَن سَائِلًا لَو سَأَلَ: مَا الزِّنَى؟ وَمَا اللواط؟ لوَجَبَ أَن
يُوقف عَلَيْهِ ويُعلَم أَنه حرَام. فَكَذَلِك مَجَاز إِعْلَام
المَلَكين النَّاس السِحْر وأمْرهما السَّائِل باجتنابه بعد
الْإِعْلَام. وَذكر أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه
قَالَ: تَعَلَّمْ بِمَعْنى اعلَمْ. قَالَ: وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:
{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} (البَقَرَة: 102) قَالَ وَمَعْنَاهُ
أَن السَّاحر يَأْتِي الْملكَيْنِ فَيَقُول: أخبراني عَمَّا نهى الله
عَنهُ حَتَّى أَنْتَهِي. فَيَقُولَانِ: نهى عَن الزِّنَى، فيستوصفهما
الزِّنَى فيصفانه. فَيَقُول: وعمَّا ذَا؟ فَيَقُولَانِ: عَن اللواط.
ثمَّ يَقُول: وعماذا؟ فَيَقُولَانِ: عَن السحر، فَيَقُول: وَمَا السحر؟
فَيَقُولَانِ: هُوَ كَذَا فيحفظه وينصرف، فيخالف فيكفر. فَهَذَا
يعلمَانِ، إِنَّمَا هُوَ: يُعْلِمان. وَلَا يكون تَعْلِيم السحر إِذا
كَانَ إعلاماً كفرا، وَلَا تعلُّمه إِذا كَانَ على معنى الْوُقُوف
عَلَيْهِ ليجتنبه كفرا؛ كَمَا أَن من عرف الرِّبَا لم يَأْثَم
بِأَنَّهُ عرفه، إِنَّمَا يَأْثَم بِالْعَمَلِ. قلت: وَلَيْسَ كتَابنَا
هَذَا مَقْصُورا على علم الْقُرْآن فنودع مَوضِع الْمُشكل كل مَا قيل
فِيهِ وَإِنَّمَا نثبت فِيهِ مَا نستَصْوبه وَمَا لَا يَسْتَغْنِي أهلُ
اللُّغَة عَن مَعْرفَته.
ومِنْ صِفَات الله الْعَلِيم والعالِم والعلاَّم.
قَالَ الله جلّ وَعز: {مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ} (يس: 81)
وَقَالَ: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} (الْأَنْعَام: 73) .
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} (سَبَإ: 48) فَهُوَ
الله العالِم بِمَا كَانَ وَمَا يكون كَوْنه، وَبِمَا يكون ولمّا يكن
بعد قبل أَن يكون.
وَلم يزل عَالما، وَلَا يزَال عالِماً بِمَا كَانَ وَمَا يكون، وَلَا
تخفى عَلَيْهِ خافية فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء.
وَيجوز أَن يُقَال للْإنْسَان الَّذِي علَّمه الله عِلماً من
الْعُلُوم: عليم؛ كَمَا قَالَ يوسُف للملِك: {إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ}
(يُوسُف: 55) .
وَقَالَ الله جلّ وعزّ {أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ
مِنْ} (فَاطِر: 28) فَأخْبر جلَّ وعزَّ أَن من عباده مَن يخشاه
وَأَنَّهُمْ هم الْعلمَاء.
وَكَذَلِكَ صفة يُوسُف كَانَ عليماً بِأَمْر ربّه وَأَنه وَاحِد لَيْسَ
كمثْله شَيْء؛ إِلَى مَا عَلَّمه الله من تَأْوِيل الْأَحَادِيث
الَّذِي كَانَ يقْضِي بِهِ على الْغَيْب، فَكَانَ عليماً بِمَا علَّمه
الله.
(2/253)
وَيُقَال: رجل علاَّمة إِذا بالغت فِي
وَصفه بِالْعلمِ. والعِلْم نقيض الْجَهْل. وَإنَّهُ لعالم، وَقد علِم
يعلَم عِلماً.
وَيُقَال: مَا علمت بِخَبَر قدومك أَي مَا شَعَرت.
وَيُقَال: استعلِمْ لي خبرَ فلَان وأعْلِمنيه حَتَّى أَعلمه.
وَقَول الله تَعَالَى: {ء} (الرحمان: 1، 2) قيل فِي تَفْسِيره: إِنَّه
جلّ ذكره يسَّره لِأَن يُذكَر.
وَأما قَوْله: {الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ} (الرحمان: 4)
فَمَعْنَاه: أَنه علَّمه الْقُرْآن الَّذِي فِيهِ بَيَان كل شَيْء.
وَيكون معنى قَوْله: {الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ} : مميّزاً
يَعْنِي الْإِنْسَان حَتَّى انْفَصل من جَمِيع الْحَيَوَان.
وَقَالَ جلّ وعزَّ {تُكَذِّبَانِ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَئَاتُ فِى}
(الرحمان: 24) .
قَالُوا الْأَعْلَام: الْجبَال، وأحدها عَلَم.
وَقَالَ جرير:
إِذا قَطعنَا علما بدا علم
وَقَالَ فِي صفة عِيسَى: {يَخْلُفُونَ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ
فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَاذَا} (الزخرف: 61) وَهِي
قِرَاءَة أَكثر القرَّاء.
وَقَرَأَ بَعضهم: (وَإنَّهُ لَعَلَمٌ للساعة) الْمَعْنى أَن ظُهُور
عِيسَى ونزوله إِلَى الأَرْض عَلاَمة تدلّ على اقتراب السَّاعَة.
وَيُقَال لما يُبنى فِي جَوَادِّ الطَّرِيق من الْمنَار الَّتِي يستدلّ
بهَا على الطَّرِيق: أَعْلَام، وَاحِدهَا عَلَم. والعَلَم: الرَّايَة
الَّتِي إِلَيْهَا يجْتَمع الْجند. والعَلَم: عَلَم الثَّوْب ورَقْمه
فِي أَطْرَافه. والمَعْلَم: مَا جعل عَلامَة وعَلَماً للطرق
وَالْحُدُود؛ مثل أعلاَم الحرَم ومعالمه المضروبة عَلَيْهِ.
وَفِي الحَدِيث: (تكون الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة كقُرْصة النَقيّ
لَيْسَ فِيهَا مَعْلَم لأحد) .
وَذكر سَلَمة عَن الفرّاء: العُلام: الصَقْر. قَالَ: العُلاَميّ: الرجل
الْخَفِيف الذكيّ، مَأْخُوذ من العُلاَم.
وَقَالَ اللَّيْث: العُلاَم: الباشِق، وَهُوَ ضرب من الْجَوَارِح.
وَأما العُلاّم بتَشْديد اللَّام فَإِن أَبَا الْعَبَّاس رَوَى عَن
ابْن الأعرابيّ أَنه الحِنّاء. قلت: وَهُوَ صَحِيح.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: المَعْلَم: الْأَثر، وَجمعه المعالِم.
وَيُقَال: أعلمت الثَّوْب إِذا جعلت فِيهِ عَلامَة أَو جعلت لَهُ
عَلَماً. وأعلمت على مَوضِع كَذَا من الْكتاب عَلامَة.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: عالمَني فلَان فعلَمتُه أَعْلُمُه بالضمّ
وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ من هَذَا الْبَاب بِالْكَسْرِ فِي يفعِل
فَإِنَّهُ فِي بَاب المغالبة يرجع إِلَى الرّفْع؛ مثل ضاربته فضربته
أضربه. وَعلمت يتَعَدَّى إِلَى مفعولين. وَلذَلِك أَجَازُوا علمتُنِي
كَمَا قَالُوا: ظننتُني ورأيتُني وحسِبتُني. تَقول: علمت عبدَ الله
عَاقِلا.
وَيجوز أَن تَقول: علمت الشَّيْء بِمَعْنى عَرَفته وخَبَرته.
وَقَالَ اللحياني: عَلَمت الرجل أعْلُمُه عَلْماً إِذا شققت شفته
الْعليا، وَهُوَ الأعلم، وَقد
(2/254)
عَلِمَ يَعْلَم عَلَماً فَهُوَ أعلم.
وَالْبَعِير يُقَال لَهُ: أعلم لعَلَم فِي مِشْفره الْأَعْلَى. وَإِذا
كَانَ الشَقّ فِي شفته السُفلى فَهُوَ أَفْلح.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العَلْم: مصدر عَلَمت شفته أعلُمها عَلْماً.
والعَلَم: الشقّ فِي الشَفَة الْعليا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للرجل المشقوق الشّفة السُّفْلى:
أَفْلح، وَفِي الْعليا: أعلم، وَفِي الْأنف: أخرم، وَفِي الأُذُن:
أخرب، وَفِي الجَفْن: أشتر. وَيُقَال فِيهِ كُله أشرم.
وَيُقَال: عَلَمت عِمَّتي أَعْلِمها عَلْماً. وَذَلِكَ إِذا لُثْتها
على رَأسك بعلامة تُعرف بهَا عِمّتك.
وَقَالَ الشَّاعِر:
ولُثن السُبُوب خِمْرة قرشيَّة
دُبَيريّة يَعْلِمن فِي لَوْثها عَلْما
أَبُو عبيد عَن الفرّاء العَيْلام: الضبعان، وَهُوَ ذكر الضِبَاع.
وَقَالَ الأمويّ والفرّاء: العَيْلم: الْبِئْر الْكَثِيرَة المَاء.
وَرجل مُعْلِم إِذا عرف مَكَانَهُ فِي الْحَرْب بعلامة أعلمها.
وأَعْلَم حمزةُ يَوْم بدر. وَمِنْه قَوْله:
فتعرّفوني إِنَّنِي أَنا ذَا كُمُ
شاكٍ سلاحي فِي الْحَوَادِث مُعْلِم
وقِدْح مُعْلَم: فِيهِ عَلامَة.
وَمِنْه قَول عنترة:
وَلَقَد شربت من المدامة بَعْدَمَا
ركد الهوا جربا لمَشُوف المعلَم
وَقَالَ شمر فِيمَا قَرَأت بِخَطِّهِ فِي كتاب (السِّلَاح) لَهُ:
العَلْماء من أَسمَاء الدروع.
قَالَ: وَلم أسمعهُ إِلَّا فِي بَيت زُهَيْر بن جَناب:
جَلَّح الدَّهْر فانتحى لي وقِدْماً
كَانَ يُنْحي القُوَى على أمثالى
يدْرك التِمْسَح المولَّع فِي اللُجَّ
ة والعُصْمَ فِي رُؤُوس الْجبَال
وتصدَّى ليصرع البطل الأرْ
وَع بَين العَلْماء والسربال
وروى غير شمر هَذَا الْبَيْت لعَمْرو بن قَمِيئة. وَقَالَ: بَين
العلهاء والسربال، بِالْهَاءِ. وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ شمر بِالْمِيم.
عمل: قَالَ الله تَعَالَى فِي آيَة الصَّدقَات: {وَالْعَامِلِينَ
عَلَيْهَا} (التّوبَة: 60) وهم السُعاة الَّذين يَأْخُذُونَ الصَّدقَات
من أَرْبَابهَا، واحدهم عَامل وساعٍ. واستُعمل فلَان إِذا وَلِي عملا
من أَعمال السُّلْطَان. وَيُقَال: أعمل فلَان ذِهنه فِي كَذَا وَكَذَا
إِذا دبره بفهمه. وعمِل فلَان الْعَمَل يعمَله عَمَلاً فَهُوَ عَامل.
وَلم يجىء فعِلت أفعَل فَعَلاً متعدّياً إلاَّ فِي هَذَا الْحَرْف.
وَفِي قَوْلهم: هبلته أمّه هَبَلاً، وإلاّ فسائر الْكَلَام يَجِيء على
فَعْل سَاكن الْعين؛ كَقَوْلِك: سرِطت اللُقْمة سَرْطاً وبِلعته
بَلْعاً وَمَا أشبهه. والعُمَالة: رِزْق الْعَامِل الَّذِي جُعل لَهُ
على مَا قُلِّد من الْعَمَل، وعامل الرمْح: صَدره دون السنان، وَيجمع
عوامل.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: عاملت الرجل أعامله
(2/255)
مُعَاملَة فِي الْمُبَايعَة وَغَيرهَا.
والعَمَلة: الْقَوْم الَّذين يعْملُونَ بِأَيْدِيهِم ضروباً من
الْعَمَل فِي طين أَو حَفْر أَو غَيره.
وَقَالَ اللحياني: العُمْلة والعُمَالة: أَجْر الْعَمَل.
أَبُو عُبَيْدَة: عوامل الدابَّة: قوائمه، وَاحِدهَا عاملة.
الكسائيّ: نَاقَة عَمِلة بيِّنة العَمَالة مثل اليَعْملة إِذا كَانَت
فارهة، وَتجمع اليعملة من النوق: يَعْملات.
وَقَالَت امْرَأَة من الْعَرَب: مَا كَانَ لي عَمِلة إلاَّ فسادكم، أَي
مَا كَانَ لي عمل. وَيُقَال: لَا تتعمَّل فِي أَمرك ذَا، كَقَوْلِك:
لَا تتعَنَّ، وَقد تعنَّيت للرأي تعنَّيت من أَجلك.
وَقَالَ مُزَاحم العُقَيليّ:
تكَاد مغانيها تَقول من البِلى
لسائلها عَن أَهلهَا لَا تعَمَّلِ
أَي لَا تتعَنَّ، فَلَيْسَ لَك فِي السُّؤَال فرَج.
وَقَالَ أَبُو سعيد: سَوف أتعمَّل فِي حَاجَتك أَي أتعنَّى.
وَقَالَ الجعديّ يصف فرسا:
وترقبه بعاملة قَذوف
سريعٍ طَرْفها قلقٍ قَذَاها
أَي ترقبه بِعَين بعيدَة النّظر. والمسافرون إِذا مشَوا عَلَى أَرجُلهم
يسمَّون بني العَمَل.
وَأنْشد الأصعميّ:
فَذكر الله وسمَّى وَنزل
بمنزل ينزله بَنو عملْ
لَا ضَفَف يَشْغَله وَلَا ثَقَلْ
نزل: أَقَامَ بمنى، وَرجل خَبِيث العِمْلة إِذا كَانَ خَبِيث الْكسْب
وَرجل عمول إِذا كَانَ كسُوباً.
وَأنْشد الفرّاء قَول لَبيد:
أَو مِسْحَل عمِلٌ عِضَادةَ سَمْحج
بَسَرَاتها نَدَب لَهُ وكُلُوم
فَقَالَ: أوقع (عمل) على (عصادة سَمْحج) قَالَ: وَلَو كَانَت (عَامل)
كَانَ أبين فِي العربيّة.
قلت: العضادة فِي بَيت لَبيد جمع العَضُد. وَإِنَّمَا وصف عَيْراً
وأتانهُ وسَوقه إيّاها، فَجعل (عمل) بِمَعْنى مُعْمِل أَو عَامل، ثمَّ
جعله عَمِلاً وَالله أعلم.
وَقَالَ اللَّيْث: اعتمل الرجلُ؛ إِذا عمِل لنَفسِهِ.
قلت: هَذَا كَمَا يُقَال: اختدم إِذا خدم نَفسه، واقترأ إِذا قَرَأَ
السَّلَام على نَفسه. وَاسْتعْمل فلَان غَيره إِذا سَأَلَهُ أَن يعْمل
لَهُ. وأعمل فلَان رَأْيه. وَيُقَال: اسْتعْمل فلَان اللبِن إِذا مَا
بنى بِهِ بِنَاء. وَيُقَال: عَمَّلت الْقَوْم عُمَالتهم إِذا أَعطيتهم
إيَّاها.
وعاملة: قَبيلَة، إِلَيْهَا نسب عَدِيّ بن الرِقاع العامليّ. والمعاملة
فِي كَلَام أهل الْعرَاق: هِيَ الْمُسَاقَاة فِي كَلَام الحجازيّين.
ورُوِي عَن الشعبيّ أَنه أُتي بشراب مَعْمُول، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس:
الْمَعْمُول فِي الشَّرَاب: الَّذِي فِيهِ اللبَن والعَسل والثّلج.
لمع: اللَّيْث: لَمَع البَرْقُ يَلْمَع إِذا أَضَاء. وألمع الرجل
بِثَوْبِهِ للإنذار.
(2/256)
قَالَ: وألمعت الناقةُ بذَنَبها فَهِيَ
مُلْمِع.
قَالَ: وَهِي مُلْمِع: قد لَفِحَتْ. وَهِي تُلمع إلماعاً إِذا حَمَلت،
ولمَع ضَرْعها عِنْد نزُول الدِرَّة فِيهِ.
قَالَ: وَإِذا تحرّك وَلَدهَا فِي بَطنهَا قيل: ألمعت.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا استبان حَمْل الأَتَان وَصَارَ فِي
ضَرْعها لُمَع سَوَادٍ فَهِيَ مُلْمِع.
وَقَالَ فِي كتاب (الْخَيل) : إِذا أشرق ضَرْع الْفرس للْحَمْل قيل:
ألمعتْ.
قَالَ: وَيُقَال ذَلِك لكل حافر وللسباع أَيْضا. قلت: لم أسمع الإلماع
فِي النَّاقة لغير اللَّيْث، إِنَّمَا يُقَال للناقة: مُضْرِع ومُرْمِد
ومُرِدّ.
وَقَوله: ألمعت النَّاقة بذَنبها شاذّ، وَكَلَام الْعَرَب: شالت
النَّاقة بذنبها بعد لَقَاحها، وشَمَذت واكتارت وعَسَرت. فَإِن فعلت
ذَلِك من غير حَبَل قيل: أبرقت فَهِيَ مُبْرق.
وَقَالَ اللَّيْث: اللُمَع: تلميع يكون فِي الحَجَر أَو الثَّوْب أَو
الشَّيْء يتلوّن ألواناً شتَّى. يُقَال: حَجَر ملمَّع. وَوَاحِدَة
اللُمَع لُمْعة. يُقَال: لُمْعة من سَواد أَو بَيَاض أَو حمرَة.
قَالَ: وَيُقَال: للبرق الخُلَّب الَّذِي لَا مَطَر فِيهِ: يَلْمَع.
وَيُقَال: هُوَ أكذب من يَلْمَع. وَيُقَال: اليَلْمَع: السراب قلت:
وَالْعرب تَقول: وقعنا فِي لُمْعة من نَصِيّ وصِلِّيان أَي فِي بُقعة
مِنْهَا ذاتِ وَضَح لِمَا نبت فِيهَا من النَصِيّ. وَيجمع لُمَعاً.
ولُمعة جَسد الْإِنْسَان نَعْمتها وبَرِيق لَوْنهَا.
وَقَالَ عَدِيّ بن زيد:
تُكذب النفوسَ لُمعتُها
وتحور بعد آثارا
وَقَالَ اللَّيْث: اليَلْمَعِيّ والألمعيّ: الكذّاب، مَأْخُوذ من
اليَلْمع وَهُوَ الشَّرَاب. قلت: مَا علمت أحدا قَالَ فِي تَفْسِير
اليلمعي من اللغويين مَا قَالَه اللَّيْث.
قَالَ أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: الألْمعيّ: الْخَفِيف الظريف. وَأنْشد
قَول أَوْس بن حَجَر:
الأَلمعيّ الَّذِي يظنّ لَك الظَن
كَأَن قد رأى وَقد سمعا
وَقَالَ ابْن السّكيت: رجل يَلْمعيّ وأَلْمَعيّ للذكيّ المتوقِّد.
ورَوَى شمر عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: الألمعيّ: الَّذِي إِذا لمع
لَهُ أوّلُ الْأَمر عرف آخِره، يُكْتَفَى بظنّه دون يقينه. وَهُوَ
مَأْخُوذ من اللَمْع وَهُوَ الْإِشَارَة الخفيَّة وَالنَّظَر الخفيّ.
قلت: وَتَفْسِير هَؤُلَاءِ الأئمّة اليلمعيّ مُتَقَارب يصدّق بعضُه
بَعْضًا. وَالَّذِي قَالَه اللَّيْث بَاطِل؛ لِأَنَّهُ على تَفْسِيره
ذمّ، وَالْعرب لَا تضع الألمعيّ إلاّ فِي مَوضِع الْمَدْح.
وَفِي حَدِيث عمر رَحمَه الله أَنه رأى عَمْرو بن حُريث فَقَالَ: أَيْن
تُرِيدُ؟ قَالَ: الشأم. فَقَالَ: أمَا إِنَّهَا ضَاحية قَوْمك، وَهِي
اللمَّاعة بالرُكْبان. قَالَ شمر: سَأَلت السُلَميّ والتميميّ عَنهُ
فَقَالَا جَمِيعًا: اللمّاعة بالركبان: تلمع بهم أَي تدعوهم
(2/257)
إِلَيْهَا وتطَّبيهم.
وَقَالَ شمر: يُقَال: لَمَع فلَان البابَ أَي برز مِنْهُ. وَأنْشد:
حَتَّى إِذا عَنْ كَانَ فِي التلمُّس
أفلته الله بشِقّ الْأَنْفس
مُلَمَّعَ البابِ رَثيم المَعْطِس
وَقَالَ شمر: يُقَال: ألمع بالشَّيْء أَي ذهب بِهِ. وَأنْشد قَوْله:
وعَمْراً وجوناً بالمشقَّر ألْمَعا
قَالَ: وَيُقَال: أَرَادَ بقوله: ألمعا: اللَّذين مَعًا، فَأدْخل
عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام.
وَقَالَ أَبُو عدنان: قَالَ لي أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال: هُوَ الألمع
بِمَعْنى الألمعيّ.
قَالَ: وَأَرَادَ متممّ بقوله:
وجوناً بالمشقر ألمعا
أَرَادَ: أَي جونا الألمع فَحذف الْألف وَاللَّام.
قَالَ شمر: وَقَالَ ابْن بُزُرْج: يُقَال: لَمَعت بالشَّيْء وألمعت
بِهِ أَي فته.
وَيُقَال: ألمعْتُ بهَا الطريقَ فلمعت. وَأنْشد:
ألْمِع بهنّ وضح الطَّرِيق
لَمْعَك بالكبساء ذَات الحُوق
وَقَالَ ابْن مقبل فِي لَمَع بِمَعْنى أَشَارَ:
عَيْثي يلُبّ ابْنه المكتوم إِذا لَمَعت
بالراكبين على نَعْوان أَن يقفا
عَيْثي بِمَعْنى عَجَبى ومَرْحَى. وَيُقَال للرجل إِذا فزِع من شَيْء
أَو غضب وحزِن فتغيّر لذَلِك لونُه: قد التُمِع لونُه.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه رأى رجلا شاخصاً بَصَرُه إِلَى
السَّمَاء فِي الصَّلَاة فَقَالَ: مَا يدْرِي هَذَا، لَعَلَّ بَصَره
سيُلْتَمع قبل أَن يرجع إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ: يُخْتَلس، يُقَال: التمعنا الْقَوْم:
ذَهَبْنَا بهم.
وَقَالَ الْقطَامِي:
زمَان الْجَاهِلِيَّة كل حيّ
أبَوْنا من فَصِيلتهم لِمَاعا
قَالَ أَبُو عبيد: وَمن هَذَا يُقَال التمع لونُه إِذا ذهب. قَالَ:
واللْمْعَة فِي غير هَذَا: هُوَ الْموضع الَّذِي لَا يُصِيبهُ الماءُ
فِي الغُسْل وَالْوُضُوء.
وَفِي حَدِيث لُقْمَان بن عَاد أَنه قَالَ: إِن أرَ مطمعي فحِدَوّ
تَلَمَّع، وإلاَّ أرى مطمعي فوقّاع بصُلَّع.
قَالَ أَبُو عبيد: معنى تلمَّع أَي تختطف الشَّيْء فِي انقضاضها،
وَأَرَادَ بالحِدَوّ والحدَأَة، وَهِي لُغَة أهل عكة. وَيُقَال لَمَع
الطَّائِر بجناحينه إِذا خَفَق بهما. ولَمَع الرجل بيدَيْهِ إِذا
أَشَارَ بهما. وَيُقَال لجناحي الطَّائِر: مِلْمَعاه.
وَقَالَ حُميد يذكر قطاي:
لَهَا مِلْمَعاه إِذا أوغفا
يحُثّان جوّجزها بالوَحَى
أوغفا: أَسْرعَا. والوَحَى هَهُنَا: الصَّوْت، وَكَذَلِكَ الوَحَاة،
أَرَادَ: حفيف جناحيها.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال ليافوخ الصبيّ مَا كَانَت ليّنة: لامعة.
جمعهَا: اللوامع فَإِذا اشتدَّت وعادت عظما فَهِيَ اليافوخ.
(2/258)
ملع: أهمله اللَّيْث.
أَبُو عبيد: المَلْع: سرعَة سير النَّاقة. وناقة مَيْلَع: سريعة. وَلَا
يُقَال: جمل مَيْلع. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: المَلِيع:
الأَرْض الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَلِيع: الفَسِيح الْوَاسِع من الأَرْض
الْبعيد المستوِي. وَإِنَّمَا سمّي مليعاً لمَلْع الْإِبِل فِيهَا
وَهُوَ ذهابها.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المَلِيع: الفضاء الْوَاسِع.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المَليع: كَهَيئَةِ السِكَّة ذَاهِب فِي
الأَرْض، ضيق قَعْره أقلّ من قامة، ثمَّ لَا يلبث أَن يَنْقَطِع، ثمَّ
يضمحلّ إِنَّمَا يكون فِيمَا اسْتَوَى من الأَرْض فِي الصَّحَارِي
ومتون الأَرْض، يَقُول الملِيعُ الغلْوتين أَو أقلّ وَالْجَمَاعَة
مُلُع. وَقَالَ المرّار الفَقْعَسِيّ فِيهِ:
رَأَيْت ودونهم هَضَبات أَفْعَى
حُمُول الحيّ عالية مليعا
قَالَ: تلِيع: مَدَى الْبَصَر أَرض مستوية. وَمن أَمْثَال الْعَرَب:
ذهبت بِهِ عُقَابٌ تُلاَع قَالَ بَعضهم: تُلاَع: أَرض أضيف إِلَيْهَا.
وَيُقَال: قلاع من نعت الْعقَاب أضيفت إِلَى نعتها. وَقَالَ أَبُو
عبيد: من أمثالهم فِي الْهَلَاك: طارت بهم العنقاء، وأودَتْ بهم
عُقَابٌ تلاَع وَيُقَال ذَلِك فِي الْوَاحِد والجميع. وَقَالَ أَبُو
الْهَيْثَم عِقَاب ملاع هُوَ العقيِّب الَّذِي يصيد الجِرْذان، يُقَال
لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: موش خارّه. أَخْبرنِي بذلك الْمُنْذِرِيّ
عَنهُ. وَقَالَ أَبُو زيد: من أمثالهم: لأَنْت أخف يدا من عقيّب ملاع
يَا فَتى مَنْصُوب وَهِي عُقَاب تَأْخُذ العصافير والجِرْذان لَا
تَأْخُذ أكبر مِنْهَا. قَالَ: ومَلاعُ: أَرض. قَالَ: وأصابه خرء بَقَاع
يَا فَتى مَصْرُوف، هُوَ أَن يُصِيبهُ غُبَار وعَرَق فَتبقى لُمَعُ من
ذَلِك على جَسَده. وبَقَاع يَعْنِي بهَا أَرض. وَقَالَ ابْن
الْأَعرَابِي: يُقَال: مَلَع العَضِيل أُمّه وملق أمّه إِذا رضعها.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: نَاقَة مَيْلَع مَيْلُق إِذا كَانَت سريعة.
وَقَالَ شمر: المَيْلَع: النَّاقة الْخَفِيفَة السريعة. وَمَا أسْرع
مَلْعها فِي الأَرْض وَهُوَ سرعَة عَنَقها. يُقَال: مَا أسْرع مَا
مَلَعت وامتلعت وأملعت وَقد امتلع الْجمل فسَبق وَهُوَ سرعَة عَنَقه
وَأنْشد:
جَاءَت بِهِ ميلعة طمرة
وَأنْشد الفرّاء:
وتهفو بهادٍ لَهَا ملع
كَمَا أقحم القادس الأردمونا
قَالَ: الميلع: المضطرب هَهُنَا وَهَهُنَا. والميلع: الْخَفِيف.
والقادس السَّفِينَة. والأرْدم: الملاَّح.
(2/259)
(بَاب الْعين وَالنُّون)
(ع ن ف)
عنف، عفن، فنع، نفع، نعف: مستعملة.
عنف: قَالَ اللَّيْث: العُنْفُ ضد الرِّفْق، يُقَال عَنُفَ بِهِ
يَعْنُف عُنْفاً فَهُوَ عَنيف إِذا لم يكن رَفِيقًا فِي أمره. قَالَ:
وأعنفته أَنا، وعنّفته تعنيفاً. قَالَ: وعُنْفوان الشَّبَاب أوّل
بهجته، وَكَذَلِكَ عُنْفُوان النَّبَات.
قلت: عُنْفُوان فُعْلُوان من العُنْف ضدّ الرِّفْق، وَيجوز أَن يكون
الأَصْل فِيهِ: أُنْفُوَان، من ائتنفت الشَّيْء واستأنفته، إِذا
اقتبلتَه، فقُلبت الْهمزَة عينا، فَقيل: عُنْفوان. وَسمعت بعض تَمِيم
يَقُول: اعتنفت الْأَمر بِمَعْنى ائتنفته، واعتنفنا المراعي، أَي رعينا
أُنفها. وَهَذَا كَقَوْلِهِم: (أعن ترسّمت) ، مَوضِع (أأن ترسّمت) .
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي العبَّاس أَن ابْن الأعرابيّ أنْشدهُ:
لم يَخْتَرِ البَيْتَ على التعزُّبِ
وَلَا اعْتِنَافَ رُجْلَةٍ عَن مركب
قَالَ: والاعتناف الْكَرَاهَة، يَقُول لم يخْتَر كَرَاهَة الرُّجلة
فيركبَ ويدع الرُجْلة، وَلكنه اشْتهى الرجلة، وَأنْشد فِي الاعتناف
بِمَعْنى الْكَرَاهَة:
إِذا اعْتَنَفَتْني بلدةٌ لم أكن بهَا
نسيباً وَلم تُسْدَدْ عليَّ المطالب
وَقَالَ أَبُو عُبَيد عَن أَصْحَابه: اعْتَنَفْتُ الشَّيْء: كرهته،
وَوجدت لَهُ عليّ مشقّة وعُنْفاً.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: اعتنفت الْأَمر اعتنافاً جهِلته، وَأنْشد
قَول رؤبة:
بِأَرْبَع لايَعْتَنِفْنَ العَفْقا
أَي لَا يجهلْن شدّة العَدْو. قَالَ: واعتنفت الْأَمر اعتنافاً أَي
أَتَيْته وَلم يكن لي بِهِ علم.
وَقَالَ أَبُو نُخَيْلة:
نَعَيْتَ امْرأ زَيْناً إِذا تُعْقَدُ الحُبَا
وَإِن أُطْلِقَتْ لم تَعْتَنِفْهُ الوقائع
يُرِيد: لم تَجدهُ الوقائع جَاهِلا بهَا.
وَقَالَ بن شُمَيْل: قَالَ الْبَاهِلِيّ: أكلتُ طَعَاما فاعتنفتُه، أَي
أنكرته. قلت: وَذَلِكَ إِذا لم يُوَافقهُ.
وَيُقَال: طَرِيق مُعْتَنِفٌ أَي غير قَاصد. وَقد اعتنف اعتنافاً إِذا
جَار وَلم يقْصد، وَأَصله من اعتنفت الشَّيْء إِذا أَخَذته أَو
أَتَيْته غير حاذق بِهِ وَلَا عَالم.
(3/5)
عفن: اللَّيْث: عَفِن الشَّيْء يَعْفَنُ
عَفَناً فَهُوَ عَفِنٌ، وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي فِيهِ نُدُوّة
ويُحْبَس فِي مَوضِع مغموم فَيَعْفَنُ ويَفْسُد.
وَقَالَ اللحياني وَغَيره: عَفَنَ فِي الْجَبَل وعَثَن فِيهِ، إِذا
صَعَّد فِيهِ، جَاءَ بِهِ فِي بَاب الْفَاء والثاء.
فنع: قَالَ اللَّيْث: الفَنَعُ نَفْحَة الْمسك، ونَشْر الثَّنَاء
الْحسن. وَقَالَ سُوَيد بن أبي كَاهِل:
وفُرُوع سابغ أطرافُها
عَلَّلَتْها ريحُ مِسْكٍ ذِي فَنَع
أَبُو عبيد: الفَنَع: الْكَرم وَالعطَاء والجود الْوَاسِع. وَقَالَ
أَبُو الْعَبَّاس: أنشدنا ابْن الْأَعرَابِي:
أظلَّ بَيْتي أم حسناء ناعمةً
عَيَّرَتْني أم عَطَاء الله ذِي الفَنَعِ
قَالَ: الفَنَعِ: الْكثير من كل شَيْء، وَكَذَلِكَ الفَنِيعُ،
والفَنْع. وَيُقَال: لَهُ فَنَعٌ فِي الْجُود، وَمَال ذُو فنعٍ وفَنَأ،
أَي ذُو كَثْرَة. قَالَ: والفَنَعُ أعرف وَأكْثر فِي كَلَامهم، قَالَه
اللَّيْث.
نفع: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: نَفَعَ يَنْفَعُ نَفْعاً فَهُوَ نَافِع،
والنفْع ضدّ الضَّر، وَفُلَان ينْتَفع بِكَذَا وَكَذَا. قَالَ:
والنِّفعُ فِي المزادة فِي جانبيها، يُشَقُّ الْأَدِيم فيُجْعَلُ فِي
جانبيها، فِي كل جَانب نِفْعَةٌ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن نَجْدة قَالَ أَبُو زيد: النَّفْعَةُ
الْعَصَا، وَهِي فَعْلَةٌ من النَّفْع.
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال أَنْفَع الرجل إِذا اتجَّر فِي النَّفَعَاتِ
وَهِي العِصِيُّ.
وَقَالَ اللحياني: مَا عِنْدهم نَفِيعَةٌ أَي مَنْفَعَة. وَيُقَال: رجل
نفَّاعٌ: إِذا كَانَ ينفع النَّاس وَلَا يضرّهم.
نعف: قَالَ اللَّيْث: النَّعْفُ من الأَرْض الْمَكَان المرتفِع فِي
اعْتِرَاض، وانْتَعَف الرجلُ إِذا ارْتقى نعفاً. قَالَ:
والنَّعْفَةُ: ذؤابة النَّعْل، والنَّعَفة: أَدَم يَضرب خلف شَرْخ
الرَّحْلِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: النَّعفة: الْجلْدَة الَّتِي تعلّق على
آخِرَةِ الرَّحْل.
شمر عَن ابْن الأعرابيّ: النَّعْفَة فِي النَّعْل: السّير الَّذِي
يضْرب ظهر الْقدَم من قبل وحْشِيِّها.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: النَّعْف مَا ارْتَفع عَن الْوَادي إِلَى
الأَرْض، وَلَيْسَ بالغليظ.
وَقَالَ غَيره: النَّعَف: مَا انحدر عَن غِلظ الْجَبَل، وارتفع عَن
مَجْرَى السَّيْل، وَمثله الخَيْف.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال نعَافٌ نُعَّف، وقِفَافٌ قُفَّف.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: نَعْف الرملة: مقدَّمها، وَمَا استَرقّ
مِنْهَا.
وَفِي (النَّوَادِر) : أخذت نَاعِفَةَ القُنَّة، وراعفتها، وطارفتها،
ورُعَافها، وقائِدَتها، كل هَذَا: متقادُها. اللحياني: يُقَال: ضَعِيف
نَعِيفٌ إِتْباعٌ لَهُ. وَقَالَ غَيره: الانْتِعَافُ: وضوح الشَّخْص
وظهوره.
يُقَال:
من أَيْن انْتعفَ الراكبُ أَي من أَيْن وَضَحَ وَمن أَيْن ظَهَر.
والمُنْتعفُ الحَدُّ بَين الحَزْنِ والسَّهلِ. وَقَالَ البَعيثُ:
(3/6)
بمُنْتَعَفِ بَين الحُزُونَةِ والسّهْل
وَقَالَ ذُو الرمة:
قطعتُ بنعف مَعْقُلَةَ العِدَالا
يُرِيد: مَا استرقَّ من رمله.
ع ن ب
عِنَب، عبن، نبع، نعب: مستعملة.
عِنَب: العِنَبُ مَعْرُوف، والواحدة عِنَبَة. وَقَالَ اللَّيْث: رجل
عَانِبٌ: ذُو عِنَب، كَمَا يَقُولُونَ: تَامِرٌ، ولابِنٌ، أَي ذُو
تَمْرٍ وَلَبن. قَالَ: والعُنَّابُ من الثَّمر يُقَال لَهُ:
السَّنجِلان بِلِسَان الْفرس.
وَقَالَ ابْن شُميل: العِنَبة: بَثْرَة تشتدّ فتَرِم وتمتلىءُ مَاء
وتُوجِعُ، تَأْخُذ الْإِنْسَان فِي عينه وحَلْقه.
يُقَال: فِي عينه عِنَبة.
وَقَالَ الفرّاء: العِنَبَاءُ: العِنَبٌ مَمْدُود، رَوَاهُ أَبُو عبيد
عَنهُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: إِذا كَانَ القَطرانُ غليظاً فَهُوَ
مُعَنِّب وَأنْشد:
لَو أَن فِيهِ الحنظل المقَشَّبا
والقطِرَان العاتِق المُعَنَّبا
وَقَالَ شمر قَالَ ابْن شُمَيْل: العُنَابُ: بَظْر الْمَرْأَة، قَالَ
شمر: وَقَالَ غَيره: الأَعْنَبُ الأَنْف الضخمُ السَّمِجُ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العُنَاب: الرجل الضخم الْأنف، وَأنْشد:
وأفرق مَهْبُونِ التَّراتَى مُصَعَّدِ الْ
بلاعيم رِخْوِ المَنْكبيْن عُنَابِ
وَقَالَ شمر فِي كتاب (الْجبَال) : العُنَابُ: النَّبَكَةُ الطويلةُ
فِي السَّمَاء الفاردةُ المُحَدَّدةُ الرَّأْس، يكون أسود وأحمر وأسمر،
وعَلى كل لون يكون، وَالْغَالِب عَلَيْهَا السّمرة. وَهُوَ جبل طَوِيل
فِي السَّمَاء لَا يُنبت شَيْئا مستدير. قَالَ: والعُنَابُ وَاحِد،
قَالَ: وَلَا تَعُمُّه، أَي لَا تَجْمَعُهُ، قَالَ: وَلَو جمعت لَقلت:
العُنُب. وَقَالَ الراجز:
كَمَرَةٌ كَأَنَّهَا العُنَابُ
قلت: وَهَذَا من كتاب ابْن شُمَيْل.
قَالَ شمر: وعُناب: جبل فِي طَرِيق مكَّة، قَالَ المَرَّارُ:
جعلن يمينهُنَّ رِعَانَ حَبْسٍ
وَأعْرض عَن شمائِلها العُنَابُ
وَقَالَ اللَّيْث: العُنابُ: الْجَبَل الصَّغِير الْأسود.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَنَبَان: التَّيْسُ من الظِّبَاء. وَجمعه
عِنْبَان.
وَقَالَ اللَّيْث: ظَبْي عَنَبان: نشيط.
عبن: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أعبن الرجلُ إِذا اتّخذ جملا
عَبَنَّى، وَهُوَ القويّ. قَالَ: والعُبنَة: قوّة الْجمل والناقة.
قَالَ: والعُبُنُ من النَّاس: السمان الملاح، والعُبْنُ من الدَّوَابّ:
القويّات على السّير، الْوَاحِد عَبَنّى.
قَالَ أَبُو عبيد: نَسْرٌ عَبَنيٌّ، وَهُوَ الْعَظِيم.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَبْن: الغِلَظُ فِي الْجِسْم والخشونَةُ.
وَقَالَ اللَّيْث: العَبِّنُ والعَبَنَّى: الْجمل الضخم الْجِسْم،
وناقة عَبَنَّاةٌ، وجمل عَبَنّ
(3/7)
ُ الخَلْق، وناقة عَبَنَّةٌ.
نعب: قَالَ اللَّيْث: نعَب الغرابُ يَنْعَب وينعِب نعْباً ونَعِيباً
ونَعَباناً ونُعْاباً، وَهُوَ صَوته. وَفرس مِنْعَب: جواد، وناقة
نَعَّابةٌ: سريعة.
أَبُو عبيد: النَّعْب من سير الْإِبِل، وَقَالَ غَيره: النعْب: أَن
يحرّك الْبَعِير رَأسه إِذا أسْرع، وَهُوَ من سير النجائب، يرفع رَأسه
فينْعَبُ نعباناً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَنْعَبَ الرجلُ إِذا نَعَر فِي
الفِتن.
نبع: يُقَال: نَبَع الماءُ ينبُع نَبْعاً ونُبُوعاً إِذا خرج من
الْعين، قَالَه اللَّيْث، وَلذَلِك سميت الْعين يَنْبُوعاً. قلت:
وَهُوَ يَفْعُول من نبع الماءُ إِذا جرى من الْعين، وَجمعه ينابيع.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن سَلَمة عَن الْفراء قَالَ:
نبع الماءُ ينبَعُ وينبِعُ وينبُعُ، قَالَ ذَلِك الْكسَائي. وبناحية
الْحجاز عَيْنٌ يُقَال لَهَا: يَنْبُع، تسقِي نخيلاً لآل عليّ بن أبي
طَالب ح. نُبايع: اسْم مَكَان أَو جبل أَو وادٍ فِي بِلَاد هُذَيل،
ذكره أَبُو ذُؤَيْب فَقَالَ:
وَكَأَنَّهَا بالْجِزْعِ جِزْع نُبايع
وأُولات ذِي العرجاء نَهْبٌ مُجْمَعُ
وَيجمع على نُبَاعيات. والنَّبْعُ: شجر من أَشجَار الْجبَال يتّخذ
مِنْهُ القِسيُّ. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الْمبرد أَنه قَالَ:
النَّبْع والشَّوْحَط والشّرْيَانُ: شَجَرَة وَاحِدَة، وَلكنهَا
تخْتَلف أسماؤها لاخْتِلَاف منابتها وتَكْرُم على ذَلِك، فَمَا كَانَ
مِنْهَا فِي قُلَّةِ الْجَبَل فَهُوَ النَّبْع، وَمَا كَانَ فِي سَفْحه
فَهُوَ الشِّرْيَان، وَمَا كَانَ فِي الحَضِيض فَهُوَ الشَّوْحَطُ.
والنَبْع لَا نَار فِيهِ، وَلذَلِك يضْرب بِهِ الْمثل فَيُقَال: لَو
اقْتَدَحَ بالنَّبْعِ لأَوْرَى نَارا، إِذا وُصف بجَوْدَةِ الرَّأْي
والحِذْقِ بالأمور. ع ن م
عنم، عَمَّن، منع، معن، نعم: مستعملات.
عنم: قَالَ اللَّيْث: العَنمُ: ضرب من شجر السِّوَاكِ لَيِّنُ الأغصان
لَطِيفُها، كَأَنَّهَا بنان العَذَارى، واحدتها عَنَمَةٌ. قَالَ:
وَيُقَال العَنَمُ: شَوْكُ الطَّلْحِ. قَالَ: والعَنَمُ ضرب من
الوَزَغِ يشبه العَظَاية، إلاَّ أَنه أحسن مِنْهَا وأشدُّ بَيَاضًا.
وَقَالَ رؤبة:
يُبدين أطرافاً لِطَافاَ عَنَمُهْ
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ:
العَنَمُ: شَجَرَة حِجَازِيَّةُ لَهَا ثَمَرَة حَمْرَاء يُشَبَّهُ بهَا
البنانُ المَخْضُوبَةٌ.
وَقَالَ أَبُو خَيْرَةَ: العَنَمُ لَهُ ثَمَرَة حمراءُ يُشَبَّهُ بهَا
البنان المخضوب.
قلت: الَّذِي قَالَه اللَّيْث فِي تَفْسِير العَنَمِ أَنهُ الوَزَغُ
وَشَوْكُ الطَّلْحِ غيرُ صَحِيح.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي مَوضِع: العَنَمُ يُشْبِهُ العُنَّابَ،
الواحدةُ عَنَمةٌ، قَالَ: والعَنَمُ: الشَّجر الحُمْرُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أَعْنَمَ إِذا رعى الغَنَمَ، وَهُوَ شجر يحمل
ثَمراً أَحْمرَ مثل العُنَّاب، والعَيْنُومُ: الضِّفْدِعُ الذَّكَرُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَنْمة: الشَّقَّةُ فِي شَفَةِ
الْإِنْسَان، قَالَ: والعَنْمِيُّ الحَسَنُ
(3/8)
الوَجْه المُشْرَبُ حمرَة.
وَقَالَ أَبُو زيد فِي كتاب (النَّوَادِر) : العَنَمُ واحدته عَنَمة،
وَهِي أَغْصَان تنْبت فِي سُوقِ العِضَاهِ رَطْبَةٌ لَا تُشْبِهُ
سَائِر أغصانه، أَحْمَر النَّوْر، يتفرق أَعالي نَوْرِهِ بِأَرْبَع
فرق، كَأَنَّهُ فَنَنٌ من أراكة يخْرجن فِي الشِّتَاءِ والقَيْظ.
نعم: قَالَ اللَّيْث: نَعِمَ يَنْعَمُ نَعْمَةً فَهُوَ نَعِمٌ بَيِّنُ
المَنْعَمِ.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: نَعِمَ يَنْعِمُ وَيجوز يَنْعَمُ،
فَهُوَ ناعم.
ثَعْلَب عَن سَلَمة عَن الْفراء، قَالُوا: نزلُوا منزلا يَنْعِمُهُمْ
وَيَنْعَمُهُمْ ويَنْعُمُهم وَيُنْعِمُهُم عَيْناً، أَربع لُغَات.
وَقَالَ اللِّحياني: نَعِمَك الله عينا، ونَعِمَ الله بِك عَيْناً
ونَعِمَ وأنعم الله بك عَيناً، قَالَ: وَحكى الكسائيّ: نزل الْقَوْم
منزلا يَنْعُمُهُم ويَنْعمَهُم وَيْنعُمُهم ويُنْعِمُهم، وَالْعرب
تَقول: نَعَمْ ونُعْمَى عَيْنٍ، ونَعَامَ عَيْنٍ، ونَعْمَةَ عين
ونَعِمَ عَينٍ ونِعَامَ عين، حَكَاهُ كلَّه اللحياني، وَقَالَ: يَا
نُعْم عَيْني، أَي يَا قُرَّة عَيْني، وَأنْشد الْكسَائي فِيهِ:
صبَّحك الله بخيرٍ باكرِ
بنُعْمِ عين وشبابٍ فاخر
قَالَ: ونَعْمَةُ الْعَيْش: حُسْنُه وغَضَارَتُه، والمذكّر مِنْهُ
نَعْمٌ، وَيجمع أَنْعُما.
قَالَ: ونِعْمَةُ الله: مَنُّه وعَطَاؤُه بِكَسْر النُّون، وَقَالَ
الله جلّ وعزّ: {فِى الاَْرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ}
(لُقْمَان: 20) . قَالَ الْفراء: قَرَأَهُ ابْن عَبَّاس: (نعْمَة)
قَالَ: وَلَو كَانَت نعْمَة لكَانَتْ نعْمَة دون نعْمَة أَو فَوق
نعْمَة، قَالَ الْفراء: وقرىء (نِعَمه) وَهُوَ وَجه جيّد، لِأَنَّهُ قد
قَالَ: {شَاكِراً لاَِّنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ} (النّحل: 121) ، فَهَذَا
جمع النعم، وَهُوَ دَلِيل على أَن (نعمه) جَائِز. وَقَالَ ابْن
عَبَّاس: النِّعْمَة الظَّاهِرَة: الْإِسْلَام، والباطنة: ستر
الذُّنُوب.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: وَاحِدَة الأنْعُمِ نِعْمَةٌ، وَوَاحِدَة
الأشُدِّ شِدَّةٌ.
وَقَالَ الزّجاج: قَرَأَ بَعضهم: {الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ أَلَمْ تَرَ
أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ
لِيُرِيَكُمْ مِّنْءَايَاتِهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ} (لقمَان: 31) ، وقرىء:
(بنعمَات الله) بِفَتْح الْعين وَكسرهَا. وَيجوز (بنعْمات الله)
بِإِسْكَان الْعين. فأمَّا الْكسر فعلى من جمع كِسْرة كِسِرات، وَمن
أسكن فَهُوَ أَجود الْأَوْجه على من جمع كِسْرة كِسْرات، وَمن قَرَأَ
(بنعمَات الله) فَلِأَن الْفَتْح أخفّ الحركات، وَهُوَ أخفّ فِي
الْكَلَام من: (نِعِمات الله) .
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {يَسْطُرُونَ مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ}
(القَلَم: 2) ، يَقُول: مَا أَنْت بإنعام الله عَلَيْك وحمدك إيّاه على
نعْمَته بمجنون.
والنِّعمة بِالْكَسْرِ اسْم من: أنعم الله عَلَيْهِ يُنعم إنعاماً
ونِعْمَةً، أُقيم الِاسْم مُقَام الإنعام، كَقَوْلِك: أنفقت عَلَيْهِ
إنفاقاً ونَفَقَةً بِمَعْنى وَاحِد.
عَمْرو عَن أَبِيه: أنعم الرجلُ إِذا شيَّع صديقه حافياً خُطوات،
وأنعم: أفضل وَزَاد، وَفِي الحَدِيث: (إِن أهل الْجنَّة ليتراءون أهل
عليين كَمَا ترَوْنَ الْكَوْكَب الدُرّيّ فِي أُفُق السَّمَاء، وَإِن
أَبَا بكر وَعمر مِنْهُم وأَنْعَما. قَالَ أَبُو عبيد، قَالَ الكسائيّ
(3/9)
فِي قَوْله: وأَنْعما) ، أَي زادا على
ذَلِك، يُقَال: قد أحسنتَ إليّ وأنعمت، أَي زِدْت على الْإِحْسَان،
ودققتُ دَوَاء فأنعمتُ دقّه، أَي بالغت وزدت؛ وَأنْشد ابْن
الْأَعرَابِي:
سمين الضواحي لم تؤرِّقه لَيْلَة
وأنعم أبكارُ الهُمُوم وعونُها
الضواحي: مَا بَدَأَ من جسده، لم تؤرقه لَيْلَة أبكار الهموم وعونها
وأنعم، أَي وَزَاد على هَذِه الصّفة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أبكار الهموم: مافجئَك وعُونها: مَا كَانَ همّاً
بعد همّ. وَحرب عَوَان إِذا كَانَت بعد حَرْب كَانَت قبلهَا. وَيُقَال:
جَارِيَة منعَّمة ومناعَمَة، أَي مترَفة. ونعّم فلَان وَلَده إِذا
ترَّفهم.
وَيُقَال: ناعِمْ حبلَكَ وَغَيره، أَي أُحْكِمْهُ.
والتنعيم: مَوضِع يقرب من مَكَّة. والنَّعامة هَذَا الطَّائِر يجمع
نَعَاماً ونعامات ونعائم.
الْأَصْمَعِي: وَمن أَسمَاء الجَنُوب النُّعامى على فُعالَى.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّعَام بغَيْرهَا: الظليم، والنعامة الْأُنْثَى.
قلت: وَجَائِز أَن يُقَال للذّكر نعَامَة بِالْهَاءِ، وَكَذَلِكَ
الْأُنْثَى يُقَال لَهَا نعَامَة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الزُّرْنُوقَان: منارتان تبنيان على رَأْسِ
الْبِئْر، والنعامة: الْخَشَبَة المعترِضة على الزُرنوقين، ثمَّ تعلّق
الْقَامَة وَهِي البَكَرَةُ من النّعامة، فَإِن كَانَت الزرانيق من خشب
فَهِيَ دِعَمٌ.
وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد الكلابيّ: إِذا كَانَتَا من خشب فهما
النعامتان، قَالَ والمعترضة عَلَيْهِمَا هِيَ العَجَلة، والغَرْبُ
معلَّق بهَا.
قلت: وَقد تكون النعامتان خشبتين يضم طرفاهما الأعليان ويُرْكَزُ
طرفاهما الأسفلان فِي الأَرْض، أَحدهمَا من هَذَا الْجَانِب، وَالْآخر
من الْجَانِب الآخر ويُصْقعان بِحَبل ثمَّ يُمَدُّ طرفا الْحَبل إِلَى
وَتَدين مثبتين فِي الأَرْض أَو حجرين ضخمين وتعلّق الْقَامَة بَين
شُعْبَتَيْ النعامتين.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ}
(الْبَقَرَة: 271) ، وَمثله: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ}
(النِّساء: 58) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَرَأَ أَبُو جَعْفَر وشَيْبَة وَنَافِع وَعَاصِم
وَأَبُو عَمْرو: (فنِعْما) بِكَسْر النُّون وجَزْم الْعين وَتَشْديد
الْمِيم، وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ: (فَنَعِمَّا) بِفَتْح
النُّون وَكسر الْعين.
وَذكر أَبُو عبيد حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالَ
لعَمْرو بن الْعَاصِ: (نَعِمَّا بِالْمَالِ الصَّالح للرجل الصَّالح) ،
وَأَنه يخْتَار هَذِه من أجل هَذِه الرِّوَايَة.
وَقَالَ الزّجاج: النحويّون لَا يجيزون مَعَ إدغام الْمِيم تسكين
الْعين وَيَقُولُونَ إِن هَذِه الرِّوَايَة فِي (نعما) لَيست بمضبوطة.
ورُوي عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ: (فنِعِمَّا) بِكَسْر النُّون وَالْعين.
وَأما أَبُو عَمْرو فَكَانَ مذْهبه فِي هَذِه كسرة خَفِيفَة مختلسة.
وَالْأَصْل فِي نعْم، نَعِمَ، ونِعِم ثَلَاث لُغَات. وَمَا فِي
تَأْوِيل الشَّيْء فِي نِعِمَّا،
(3/10)
الْمَعْنى: نعم الشَّيْء هِيَ.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {وَإِنَّ لَكُمْ فِى الاَْنْعَامِ
لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهِ} (النّحل: 66) ، فَإِن
الْفراء قَالَ: الأنْعَامُ هَهُنَا بِمَعْنى النَّعَم، والنَّعَمُ يذكر
ويؤنّث. وَلذَلِك قَالَ جلّ وعزّ: {مِّمَّا فِى بُطُونِهِ} (النّحل:
66) ، وَالْعرب إِذا أفردت النعم لم يُرِيدُوا بهَا إِلَّا الْإِبِل،
فَإِذا قَالُوا: الْأَنْعَام، أَرَادوا بهَا الْإِبِل وَالْبَقر
وَالْغنم. قَالَ الله تَعَالَى: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً
وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} (الأنعَام: 142)
الْآيَة، ثمَّ قَالَ: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} (الْأَنْعَام: 143) أَي
خلق مِنْهَا ثَمَانِيَة أَزوَاج. وَكَانَ الْكسَائي يَقُول فِي قَوْله
جلّ وعزّ: {نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهِ} (النّحل: 66) قَالَ:
أَرَادَ فِي بطُون مَا ذكرنَا.
قَالَ: وَمثله قَوْله:
مثل الْفِرَاخ نَتَقَتْ حواصله.
قَالَ: أَرَادَ حواصل مَا ذكرنَا.
وَقَالَ آخر فِي تذكير النعم:
فِي كلّ عَام نَعَم تَحْوونه
يُلْقِحُه قوم وتَنْتِجُونه
وَمن الْعَرَب من يَقُول لِلْإِبِلِ إِذا كثرت الْأَنْعَام والأناعيم.
وَقَول الله جلّ وعزّ {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ
يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} (المَائدة: 95) ، دخل فِي النعم هَهُنَا
الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَالله أعلم.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: من أَسمَاء الرَّوْضَة: الناعمة والواضعة
والناصفة والغَلْباء واللفَّاء. وروى سَلمَة عَن الْفراء قَالَت
الدُّبَيْرية يُقَال: حُقْت الحَشْرَبَةَ ونَعَمَتُها وصُلْتها. أَي
كنستها، وَهِي المِحْوَقَة والمِنْعَم والمِصْوَل: المكنسة.
وَقَالَ اللَّيْث: النعامة: صَخْرَة فِي الركيَّة نَاشِزَة. قَالَ:
وَزَعَمُوا أَن ابْن النعامة من الطّرق كَأَنَّهُ مَرْكب النعامة فِي
قَوْله:
وَابْن النعامة يَوْم ذَلِك مركبي
قَالَ: وَيُقَال: خفت نعامتهم أَي استمرّ بهم السّير.
وَقَالَ النحويون فِي نعم وَبئسَ إِذا كَانَ مَعَهُمَا اسْم جنس
بِغَيْر ألف وَلَام فَهُوَ نصب أبدا، وَإِذا كَانَت فِيهِ الْألف
وَاللَّام فَهُوَ رفع أبدا، وَذَلِكَ قَوْلك: نعم رجلا زيد وَنعم الرجل
زيد، نصبت رجلا على التَّمْيِيز، وَلَا يعْمل نعم وَبئسَ فِي اسمٍ
علمٍ، إِنَّمَا تعملان فِي اسْم منكور دالّ على جنس أَو اسْم فِيهِ ألف
وَلَام يدلّ على جنس، وَإِذا قلت بئْسَمَا فعل، أَو نعم مَا فعل
فَالْمَعْنى: بئس شَيْئا وَنعم شَيْئا فعل، كَذَلِك قَول الله: {إِنَّ
اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} ِ (النِّساء: 58) بِهِ مَعْنَاهُ
نعم شَيْئا يعظكم بِهِ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ
حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ} (الأعرَاف: 44) . وَفِي بعض اللُّغَات:
نَعِمْ، فِي معنى نَعَم، مَوْقُوفَة الآخر، لِأَنَّهَا حرف جَاءَ
لِمَعْنى، وَإِنَّمَا يُجَاب بهَا الِاسْتِفْهَام الَّذِي لَا جحد
فِيهِ. وَقد يكون نَعَمْ تَصْدِيقًا، قَالَ ذَلِك النحويون.
وروى أَبُو الْعَبَّاس بِإِسْنَادِهِ عَن الْكسَائي قَالَ: نَعَمْ يكون
تَصْدِيقًا وَيكون عِدَةً.
وَقَالَ اللحياني يُقَال للْإنْسَان: إِنَّه لخفيف النعامة إِذا كَانَ
ضَعِيف الْعقل. وَقَالَ أَبُو
(3/11)
عُبَيْدَة فِي كتاب (الْخَيل) : النعامة:
الْجلْدَة الَّتِي تَغْشى الدِّمَاغ، وَنَحْو ذَلِك قَالَ
الْأَصْمَعِي، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال: أتيت أَرضًا فنعَّمتني
أَي وافقتني وأقمت بهَا، وتنعَّمت فلَانا: أَتَيْته على غير دابَّة،
وتنعّم فلَان قَدَمَيْهِ أَي ابتذلهما.
وَقَالَ الْفراء: ابْن النعامة عِرْق فِي الرجْل، قَالَ وسمعته من
الْعَرَب.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو النعامة الظلمَة، وَالْعرب تَقول: أصمّ من
نعَامَة، وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تلوي على شَيْء إِذا جَفَلت،
وَيَقُولُونَ: أشمّ من هَيْق لِأَنَّهُ يَشَمّ الرّيح. وَقَالَ الراجز:
أشمّ من هَيْق وأهدَى من جمل
وَيَقُولُونَ: أموق من نعَامَة، وأشرد من نعَامَة، ومؤوقها: تركُها
بيضها وحَضنها بيض غيرِها، وَيُقَال أجبن من نعَامَة، وأعدى من
نعَامَة، وَيُقَال ركب فلَان جناحي نعَامَة إِذا جدَّ فِي أمره،
وَيُقَال للمنهزمين: أضحَوا نعاماً، وَمِنْه قَول بِشر:
فأمّا بَنو عَامر بالنِّسا
ر فَكَانُوا غَدَاة لَقُونا نعاما
وَتقول الْعَرَب للْقَوْم إِذا ظعنوا مُسْرِعين: خفّت نعامتهم، وشالت
نعامتهم، وَيُقَال للعذارى: كأنهن بيض نعام، وَيُقَال للْفرس: لَهُ
ساقا نعَامَة لقصر سَاقيه، وَله جؤجؤ نعَامَة لارْتِفَاع جؤجِئها. وَمن
أمثالهم: مَا يجمع بَين الأرْوَى والنعام، وَذَلِكَ أَن مسَاكِن الأروى
شَعَف الْجبَال، ومساكن النعام السهولة، فهما لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا.
وَيُقَال لمن يكثر علله عَلَيْك: مَا أَنْت إلاّ نعَامَة، يعنون
قَوْله:
وَمثل نعَامَة تُدعى بَعِيرًا
تُعاظمه إِذا مَا قيل طيري
وَلَو قيل احملي قَالَت فَإِنِّي
من الطير المرِبَّة بالوُكور
وَيَقُولُونَ للَّذي يرجع خائباً: جَاءَ كالنعامة لِأَن الْأَعْرَاب
يَقُولُونَ: إِن النعامة ذهبت تطلب قرنين: فَقطعُوا أذنيها فَجَاءَت
بِلَا أذنين، وَفِي ذَلِك يَقُول بَعضهم:
أَو كالنعامة إِذا غَدَتْ من بَيتهَا
يصاغ قرناها بِغَيْر أذِين
فاجتُثَّت الأذنان مِنْهَا فانتهت
جَمّاء لَيْسَ من ذَوَات قُرُون
عَمْرو عَن أَبِيه: شالت نعامتهم إِذا تَفَرَّقت كلمتهم، وشالت نعامتهم
إِذا ذهب عزهم وشالت نعامتهم إِذا دَرَست طريقتهم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ابْن النعامة: عَظْم السَّاق، وَابْن
النعامة: عِرْق الرجل، وَابْن النعامة مَحَجَّة الطَّرِيق، وَابْن
النعامة: الْفرس الفاره.
وَابْن النعامة: الساقي الَّذِي يكون على الْبِئْر.
والنَّعماء والنُّعمى ضدّ البأساء والبؤسى، ونَعْمان: اسْم جبل بَين
مكّة والطائف، والنعائم منزل من منَازِل الْقَمَر، وَالْعرب تسميها:
النعام الصَّادِر، وَهِي أَرْبَعَة كواكب مربّعة فِي طرف المجرَّة،
وَهِي شأمية.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النعامة الرِّجْل، والنَّعَامَةُ السَّاق،
والنعامة الفَيْج المستعجِل، والنعامة الفَرَحُ، والنعامة
(3/12)
الْإِكْرَام والنعامة المحجَّة
الْوَاضِحَة، وَمن أمثالهم: أَنْتَ كصاحبة النعامة، وَكَانَ من قصّتها
أَنَّهَا وجدت نعَامَة قد غصَّت بصُعرورة فأخذتها وربطتها بخمارها
إِلَى شَجَرَة، ثمَّ دنت من الحيّ فهتفت: من كَانَ يَحُفُّنا ويَرُفُنا
فليتَّرِكْ، وقوَّضت بَيتهَا لتحل على النعامة، فانتهت إِلَيْهَا وَقد
أساغت غُصَّتها وأُفلتت، وَبقيت الْمَرْأَة لَا صَيْدها أحرزت، وَلَا
نصِيبهَا من الحيّ حَفِظت. يُقَال ذَلِك عِنْد المَزْرِيةِ على من
يَثِق بِغَيْر الثِّقَة.
وَقَالَ الْمبرد: النُعمان: الدَّم، وَلذَلِك قيل للشِّقِرِ: شقائق
النُّعْمَان.
معن: قَالَ الله عزّ وجلّ: {ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} (الْمُؤْمِنُونَ:
50) . قَالَ الفرّاء: (ذَات قَرَار) : أرضٍ منبسطة.
وَقَوله: (ومعين) المَاء الظَّاهِر الْجَارِي، قَالَ: وَلَك أَن تجْعَل
المعِين مَفْعُولا من الْعُيُون وَلَك أَن تَجْعَلهُ فعيلاً من
الماعون، يكون أَصله المَعْن، والماعون الفاعول، وَقَالَ عَبِيد:
واهية أَو مَعِنِ مُمعن
أَو هَضْبة دونهَا لُهُوب
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَعَن المَاء يَمْعَن إِذا جرى، وأمعن
أَيْضا، قَالَ: وأمعنته أَنا، ومياه مُعْنان، قَالَ: وَقَول النمر بن
تَوْلب:
وإنّ ضيَاع مَالك غَيْرُ مَعْن
أَي غير حزم وَلَا كيس، من قَوْلهم: أمعن لي بحقّي إِذا أقرّ بِهِ
وانقاد.
وَقَالَ الله عزّ وجلّ: {يُرَآءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}
(المَاعون: 7) . رُوِيَ عَن عليّ ح أَنه قَالَ: الماعون: الزَّكَاة.
وَقَالَ الْفراء: سَمِعت بعض الْعَرَب يَقُول: الماعون هُوَ المَاء
بِعَيْنِه، وأنشدني فِيهِ:
يَمُج صَبِيرُه الماعونَ صبّا
وَقَالَ الزّجاج: من جعل الماعون الزَّكَاة فَهُوَ فاعول من المَعْن،
وَهُوَ الشَّيْء الْقَلِيل، فسميت الزَّكَاة ماعوناً بالشَّيْء
الْقَلِيل؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذ من المَال ربع عشره، وَهُوَ قَلِيل من
كثير. قَالَ الرَّاعِي:
قوم على الْإِسْلَام لمَّا يمنعوا
مَا عونهم ويُبَدِّلوا تبديلا
وَمِنْهُم من قَالَ: الماعون الْمَعْرُوف كُله، حَتَّى ذكر الْقَصعَة
والقِدْر والفأس.
وَقَالَ ثَعْلَب: الماعون: كلّ مَا يُستعار من قَدُوم وسُفْرَة
وشَفْرة.
وَقَالَت طَائِفَة: الزَّكَاة، وَعَلِيهِ الْعَمَل.
وَقَالَ بَعضهم: الماعون: الطَّاعَة، يُقَال: ضرب الناقةَ حَتَّى
أَعْطَتْ ماعونها وانقادت.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: روض ممعون، يُسقى بِالْمَاءِ الْجَارِي.
وَقَالَ عَدِيّ بن زيد العِبَاديّ:
وَذي تناوير ممعون لَهُ صَبَح
يغْدو أوابد قد أفلين أمهارا
وَيُقَال للَّذي لَا مَال لَهُ: مَاله سَعْنَةٌ وَلَا مَعْنَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المَعْن: الْقَلِيل، والمَعْن: الْكثير،
والمَعْن: الطَّوِيل، والمَعْن: الْقصير، والمَعْن: الْإِقْرَار
بالحقّ، والمَعْن: الذلّ، والمَعْن: الْجُحُود، وَالْكفْر للنعم،
(3/13)
والمَعْن: المَاء الظَّاهِر.
وَقَالَ اللَّيْث: المَعْن: الْمَعْرُوف، والسَّعْن: الوَدَك، قَالَ،
وَيُقَال مَعْنَاهُ مَاله قَلِيل وَلَا كثير. وَأنْشد:
وَلَا ضيَّعتُه فأنامَ عَنهُ
فَإِن ضيَاع مَالك غير مَعْن
اللَّيْث: أمعن الْفرس وَغَيره إِذا تبَاعد فِي عَدْوه.
أَبُو زيد: أمْعَنَتِ الأرضُ ومُعِنَتْ إِذا رَوِيت، وَقد مَعَنها
المطرُ إِذا تتَابع عَلَيْهَا فأرواها.
ومَعِين: اسْم مَدِينَة بِالْيمن. والمَعْن: الْأَدِيم فِي قَوْله:
وَلَا حبٍ كمَقَدّ المَعْن وعَّسَهُ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَعْنِيَّ: الْكثير المَال،
والمَعْنِيُّ: الْقَلِيل المَال.
وَقَالَ أَبُو عبيد: مَعَان الْقَوْم: منزلهم، يُقَال: الْكُوفَة
مَعَان منا أَي منزل منّا.
قلت: وَالْمِيم من معَان مِيم مفعل.
عَمْرو عَن أَبِيه: أمعن الرجل إِذا كثر مَاله، وأمعن إِذا قَلّ مَاله،
وأمعن بِالْحَقِّ إِذا أقرّ بِهِ بعد جحوده.
عَمَّن: عُمَان: اسْم كورة عربيّة، يُقَال: أعمن وعمّن إِذا أَتَى
عُمَان. وَقَالَ رؤبة:
نَواى شآمٍ بَان أم معمِّن
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: العُمُن: المقيمون فِي مَكَان يُقَال: الرجل
عامن وعَمون، وَمِنْه اشتق: عُمَان.
وروى عَمْرو عَن أَبِيه: أعْمن: دَامَ على الْمقَام بعُمان، قَالَ:
وعُمان يصرف وَلَا يصرف، فَمن جعله بَلَدا صرفه فِي حالتي الْمعرفَة
والنَّكرة، وَمن جعله بَلْدَة ألحقهُ بطلحة.
وَأما عَمَّان فَهُوَ بِنَاحِيَة الشأم: مَوضِع، يجوز أَن يكون فَعْلان
من عمّ يعمّ لَا ينْصَرف معرفَة وينصرف نكرَة، وَيجوز أَن يكون
فعَّالاً من عَمن فَيَنْصَرِف فِي الْحَالَتَيْنِ إِذا عُني بِهِ
الْبَلَد.
منع: قَالَ اللَّيْث: المَنعُ أَن تَحُولَ بَين الرجل وَبَين الشَّيْء
الَّذِي يُريدهُ. يُقَال: مَنَعْتُهُ فامْتَنَعَ.
وَرجل منيعٌ: لَا يُخْلَصُ إِلَيْهِ، وَفُلَان فِي عز وَمَنَعَة،
وَيُقَال: مَنْعة وَامْرَأَة مَنِعَةٌ: مُتَمَنِّعَةٌ لَا تُؤَاتَى على
فَاحِشَة. وَقد مَنُعَتْ مَنَاعَةً وَكَذَلِكَ حِصن منيع، وَقد مَنُعَ
مناعة: إِذا لم يُرَمْ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: المَنْعِيُّ: أكَّال المُنُوع: وَهِي
السَّرَطَانَاتُ، وَاحِدهَا مَنْع. وَقَالَ غَيره: رجل مَنُوع
وَمَنَّاع إِذا كَانَ بَخِيلًا ممسِكاً، قَالَ الله تَعَالَى: {عَنِيدٍ
مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ} (ق: 25) وَقَالَ فِي آيَة
أُخْرَى: {جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} (المعارج: 21)
.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: رجل مَنُوع: يمْنَع غَيره، وَرجل مَنِيعُ
يمْنَع نَفسه وَالْمَانِع من صِفَات الله تَعَالَى لَهُ مَعْنيانِ،
أَحدهمَا مَا رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:
(اللَّهم لَا مَانِعَ لما أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لما مَنَعْتَ)
فَكَأَنَّهُ عزَّ وجلَّ يُعْطي من استحقّ الْعَطاء، وَيمْنَع من لم
يستحقّ إلاّ الْمَنْع، وَيُعْطِي من يَشَاء وَيمْنَع من يَشَاء، وَهُوَ
الْعَادِل فِي جَمِيع ذَلِك؛ وَالْمعْنَى الثَّانِي فِي
(3/14)
تَفْسِير الْمَانِع: أَنه تَبارك
وَتَعَالَى يمْنَع أهل دينه أَي يحوطهم وَيَنْصُرهُمْ، وَمن هَذَا
يُقَال: فلَان فِي مَنَعة أَي فِي قوم يمنعونه ويحمونه، وَهَذَا
الْمَعْنى فِي مَنْعَة الله بَالغ، إِذْ لَا مَنَعة لمن لم يمنعهُ
الله، وَلَا يمْتَنع من لم يكن الله لَهُ مَانِعا.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: المُتَمَنِّعَتانِ البَكْرة والعَنَاق تمنَّعان
على السَّنةِ لفَنَائِهِمَا، وأنهما تشبعان قبل الجِلَّة، وهما
المقاتلتان للزمان عَن أَنفسهمَا.
وروى ابْن عَرَفَة عَن أَحْمد بن يحيى عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه
قَالَ: المنِيع الْمُمْتَنع، والممنوع الَّذِي يمْنَع غَيره.
وَقَالَ عَمْرو بن معد يكرب:
براني حُبّ من لَا أَسْتَطِيع
وَمن هُوَ للَّذي أَهْوى مَنُوع
(بَاب الْعين وَالْفَاء)
ع ف ب
مهمل)
ع ف م
اسْتعْمل مِنْهُ:
فَعم: اللَّيْث: فعُم يفعُم فَعَامة وفُعُومة فَهُوَ فَعْم: ممتلىء:
وَجه فعْمٌ، وَجَارِيَة فَعْمةٌ ونهر مُفْعَوعم: أَي ممتلىء، وَقَالَ
الشَّاعِر:
مُفْعَوْعمٌ صَخِبُ الآذيِّ منبعق
كَأَن فِيهِ أكُفَّ الْقَوْم تَصْطَفِق
يصف نَهرا. قَالَ وَيُقَال: أفعمت الْبَيْت برائحة العُود فافعوعم،
قَالَ: وأفعم المسكُ البيتَ، وأفعمت السقاء فَهُوَ مفعوم، وَأنْشد ابْن
الْأَعرَابِي لكُثَيِّر:
أَتِيٌّ ومفعوم حَثِيث كَأَنَّهُ
غُرُوب السواني أترعتها النَّوَاضِح
قَالَ وَهُوَ مثل قَوْله:
ألناطق المبروز والمختوم
قَالَ وَلم أسمعهُ إلاّ فِي هَذَا وَمثله: المضعوف من أضعفت.
وَقَالَ غَيره: سِقَاء، مُفْعَم ومُفْأم، أَي مَمْلُوء.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعت وَاقعا السّلمِيّ يَقُول أفعمت الرجل
وأفغمته إِذا ملأته غَضبا أَو فَرحا.
(بَاب الْعين وَالْبَاء)
ع ب م
اسْتعْمل من وجوهه: (عبم) .
عبم: قَالَ اللَّيْث: العَبَامُ الرجل الغليظ الْخِلْقة، تَقول عَبُم
يعبُم عَبَامة فَهُوَ عَبَام.
وَقَالَ غَيره: العَبَام: الفَدْم العَييّ الثقيل من الرِّجَال.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للرجل
الطَّوِيل الْعَظِيم الجسيم: عِبَمٌّ وهُدَبِد. قَالَ والعُبُم جمع
عَبَام، وَهُوَ الَّذِي لَا عقل لَهُ وَلَا أدب وَلَا شجاعة وَلَا رَأس
مَال، وَهُوَ عَبَمٌّ وعَبَاماء.
وَقَالَ الْفراء: هُوَ العبَاماء للأحمق. والعبام، وَأنْشد قَول أَوْس
بن حَجَر:
وشُبِّه الهَيْدَبُ العَبَامُ من الأق
وام سَقْباً مُجَللاً فَرعاً
(3/15)
آخر الثلاثي الصَّحِيح من حرف الْعين،
والمنّة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
كتاب الثلاثي المعتل من حرف الْعين
(بَاب الْعين وَالْهَاء)
ع هـ (وَا يء)
عوه، عهو، هيع، (يهيع، يهوع) .
عوه، (عاه) : عاه: رُوِيَ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَنه نَهَى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تذْهب العاهة، فَقيل
لِابْنِ عمر: وَمَتى ذَلِك؟ فَقَالَ: طلوعَ الثُريّا.
والعاهة: الآفة تصيب الزَّرْع وَالثِّمَار فتفسدها.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: عِيهَ الزرعُ فَهُوَ مَعِيهٌ ومَعُوهُ
ومَعْبُوهٌ.
وَقَالَ طَبِيب الْعَرَب: اضمنوا لي مَا بَين مغيب الثريّا إِلَى
طُلُوعهَا أضمنْ لكم سَائِر السّنة.
أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي زيد: أَعاه القومُ إِذا أَصَابَت مَا شِيَتَهم
العاهة. وَقَالَ غَيره: أعاه الْقَوْم وَأَعَوَهُوا، وَقد عَاهَ المَال
يعُوه عاهة وعَوُوهاً.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: طَعَام مَعُوه، أَصَابَته عاهة، وعِيهَ
المالُ، وَرجل عائِهٌ وعاهٍ مثل مائِه وماهٍ، وَرجل عاه، أَيْضا
كَقَوْلِك كَبْشٌ صافٌ، وَقَالَ طُفَيل:
ودارٍ يظعَن العاهون عَنْهَا
لنيّتهم وينسون الذِّماما
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: العاهون: أَصْحَاب الرِّيبِ والخُبْث.
وَقَالَ اللَّيْث: العاهة: البلايا والآفات، أَي فسادٌ يُصِيب الزَّرْع
وَنَحْوه من حرّ أَو عَطش. وَقَالَ: أعاه الزرعُ إِذا أَصَابَته آفَة
من اليرقات وَنَحْوه فأفسده، وأعاه الْقَوْم إِذا أصَاب زرعهم خاصّةً
عاهةٌ.
قلت: وَسَأَلت أَعْرَابِيًا فصيحاً عَن قَول رؤبة:
جَدْب المندَّى شئِزَ المعوَّهِ
فَقَالَ: أَرَادَ بِهِ المُعَرَّج، يُقَال عرَّج وعوَّج وعوّه بِمَعْنى
وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: التعويه والتعريس: نومَة خَفِيفَة عِنْد وَجه
الصُّبْح. قَالَ وعوّه الرجلُ إِذا دَعَا الجحش ليلحق بِهِ فَقَالَ
عَوْه عَوْه إِذا دَعَاهُ، وَيُقَال: عاه عاه إِذا زُجِرَتِ الإبِلُ
لتَحْتَبِس: وَرُبمَا قَالُوا عَيْه عَيْه، وَيَقُولُونَ عَهْ عَهْ،
وَيَقُولُونَ: عَهْعَهْت بِالْإِبِلِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أعاه الرجلُ وأعْوه وعَاهَ وعَوَّه،
كُله إِذا وَقعت العاهة فِي زرعه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أَرض مَعْيوهة من العاهة.
عهو: عَن شمر عَن أبي عدنان عَن بَعضهم قَالَ: العِفْو والعِهْوُ
جَمِيعًا: الجحش.
(3/16)
قلت: وَوجدت لأبي وَجْزة السعديّ بَيْتا
فِي العِهْو:
قرَّبن كلَّ صَلَخْدَى مُحْنِق قَطِمِ
عِهْوٍ لَهُ ثَبَج بالنِّيِّ مضبورُ
وَقيل: جمل عِهْو، نبيل الثَبَج لطيفه، وَهُوَ شَدِيد مَعَ ذَلِك. قلت:
كَأَنَّهُ شبه الْجمل بِهِ لنحفته.
هيع: هاع يهيع رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:
(خير النَّاس رجل مُمْسك بعِنان فرسه كلّما سمع هَيْعة طَار إِلَيْهَا)
.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الهَيْعة: الصَّوْت الَّذِي
تَفزع مِنْهُ وتخافه من عدوّ. قَالَ: وأصل هَذَا الْجزع، يُقَال: رجل
هاعٌ لاعٌ وهائِعٌ لائِعٌ إِذا كَانَ جَبَانًا ضَعِيفا، وَقد هاع يهيع
هُيُوعاً وهَيَعاناً. وَقَالَ الطِرِمّاح:
أَنا ابْن حُماة الْمجد من آل مَالك
إِذا جعلت خُور الرِّجَال تهِيع
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة أَيْضا: هاع الرجل يهاع إِذا تهوّع أَي قاء
قَيْأ، وهاع يهاع هَيْعاً إِذا جَاع هَيَعاناً، وهاع يهيع إِذا جَبُنَ.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: هِعْت أهاع هَيْعاً من الحبّ والحزن والجزع،
قَالَ وَقَالُوا: هاع يهاع.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الهاعُ الجَزُوع، واللاع: الموجَع.
وَقَالَ اللِّحياني: هاع يهاع هَيْعة إِذا جَاع وهاع هَيْعوعة إِذا
تهوّع.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: الهائعة والواعية: الصَّوْت
الشَّديد، قَالَ: وهِعْت أَهَاع، ولِعْت ألاع لَيَعاناً وهَيَعاناً
إِذا ضجِرت، وَقَالَ عَدِيّ:
إِذا أَنْت فاكهت الرِّجَال فَلَا تَلَعْ
وَقل مثل مَا قَالُوا وَلَا تتزنَّدِ
وَقَالَ اللَّيْث: الهاعُ: سوء الْحِرْص، يُقَال هاع يهاعُ هَيْعة
وهاعاً، وَأنْشد لأبي قيس بن الأسلت:
الكَيْسُ والقُوَّة خير من ال
إشفاق والفَهَّة والهاع
وَقَالَ: رجل هاعٌ وَامْرَأَة هاعة، قَالَ: وهاع يَهُوع هَوْعاً
وهُواعاً إِذا جَاءَهُ الْقَيْء من غير تكلّف. وَإِذا تكلّف ذَلِك قيل:
تهوَّع، فَمَا خرج من حلقه هُوَاعة، وَيُقَال: لأُهَوِّعَنَّه مَا أكل،
أَي لأستخرجنّه من حَلْقه، وَيُقَال أَرض هَيِّعَةٌ: وَاسِعَة مبسوطة،
وَرجل مُتَهَيِّع: حائر، وَطَرِيق مَهْيَعٌ: مفعل من التَّهَيُّعِ
وَهُوَ الانبساط، قَالَ وَمن قَالَ مَهْيَعٌ فَعْيَل فقد أَخطَأ،
لِأَنَّهُ لَا فَعَيْل فِي كَلَامهم بِفَتْح أَوله، قَالَ: وانهاع
السراب انهياعاً، وَطَرِيق مَهْيَعٌ وَاضح، وَجمعه مهايع وَأنْشد:
بالغَوْرِ يَهْدِيها طَرِيق مَهْيَعُ
قَالَ: والهَيْعَة: سيلان الشَّيْء المصبوب على وَجه الأَرْض، تَقول
هَاعَ يَهيعُ، وَمَاء هائع، والرَّصَاص يَهيعُ فِي المِذْوَب.
وَقَالَ غَيره: هاعت الْإِبِل إِلَى المَاء تَهيعُ إِذا أَرَادَتْهُ،
فَهِيَ هائعة.
وَرُوِيَ عَن عَلْقَمَة أَنه قَالَ: الصَّائِم إِذا ذَرَعَهُ القَيْء
فليتمّ صَوْمه، وَإِذا تهوّع فَعَلَيهِ الْقَضَاء، أَي استقاء، يُقَال:
تهوّع نَفْسَه إِذا قاء بِنَفسِهِ كَأَنَّهُ يُخرجها. وَقَالَ رؤبة يصف
(3/17)
ثوراً طعن كِلاباً:
ينْهَى بِهِ سَوَّارَهُنَّ الأشجعا
حَتَّى إِذا ناهزها تَهوّعا
وَقَالَ بَعضهم: تهوَّع أَي قاء الدَّم، وَيُقَال قاء بِنَفسِهِ
فأخرجها.
أَبُو عبيد: المَهْيَع: الطَّرِيق الْوَاسِع الْوَاضِح وَقَالَ أَبُو
الْعِيَال الْهُذلِيّ:
ارْجِع منيحتك الَّتِي أْتْبعْتَها
هَوْعاً وحَدَّ مذلَّق مسنون
يَقُول: رُدّها فقد جزِعت نفسُك فِي أَثَرهَا. وَقيل الهُوع:
الْعَدَاوَة، وَقيل: شدّة الْحِرْص، يُقَال: هاعت نَفسه هُوعاً أَي
ازدادت حرصاً.
وَفِي (النَّوَادِر) : فلَان منهاع إليّ ومُتَهَيِّع، وتيّع ومتتيّع
وتَرْعان وتَرِعٌ أَي سريع إِلَى الشرّ.
(بَاب الْعين وَالْخَاء)
ع خَ (وَا يء)
خوع: اللَّيْث: الخَوْعُ: جبل أَبيض، وَأنْشد:
كَمَا يلوح الخَوْعُ بَين الأجبالْ
وَقَالَ غَيره: الخَوْع: بطن من الأَرْض يُنْبِتْ الرِّمث، وَأنْشد:
وأزفلةٍ بِبَطن الخَوْعِ شُعْثٍ
تنوء بهم مُنَعْثِلَةٌ نَئولُ
والخائع: اسْم جبل يُقَابله جبل آخر يُقَال لَهُ: نائع، وَقَالَ أَبُو
وجزة السَّعْدِيّ يذكرهما:
والخائع الجَوْنُ آتٍ عَن شمائلهم
ونائع النَّعْفِ عَن أَيْمَانهم يَفَعُ
أَي مُرْتَفع.
أَبُو عبيد: خوّع وخوّف أَي نقص، وَقَالَ طَرَفة:
وجاملٍ خَوَّع من نِيبه
زجُرا لمعلَّى أُصُلا والسفيح
ويروى: خوَّف من نيبه. وَقَالَ حُمَيد بن ثَوْر:
ألَثَّت عَلَيْهِ دِيمة بعد وابل
فللجِزْع من خَوْع السُّيُول قَسِيب
يُقَال: جَاءَ السَّيْل فخوّع الْوَادي أَي كسر جَنْبَتَيْه.
(بَاب الْعين وَالْقَاف)
ع ق (وَا يء)
عوق، عقي، قوع، قعا، وعق، وَقع: مستعملة.
عوق: قَالَ اللَّيْث: تَقول: عَاق يعوق عَوْقاً، وَمِنْه التعويق
والاعتياق، وَذَلِكَ إِذا أردْت أمرا فصرفك عَنهُ صَارف. تَقول: عاقني
عَن الْوَجْه الَّذِي أردتُ عائق، وعاقتني الْعَوَائِق، الْوَاحِدَة
عائقة. قَالَ: وَيجوز عاقني وعَقَاني بِمَعْنى وَاحِد. والتعويق تربيث
النَّاس عَن الْخَيْر. وَرجل عُوَقَةٌ: ذُو تعويق للنَّاس عَن
الْخَيْر. قَالَ: والعَوْق: الرجل الَّذِي لَا خير عِنْده، وَقَالَ
رؤبة:
فَدَاك مِنْهُم كلُّ عَوْقٍ أَصْلَدِ
والعَوَقَةُ حيّ من الْيمن، وَأنْشد:
إِنِّي امْرُؤ حنظليّ فِي أَرومتها
لَا من عَتِيك وَلَا أخوالي العَوَقُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَوْق، الْأَمر الشاغل، والعُوق
أَبُو عُوج بن عُوق.
(3/18)
وَقَالَ اللَّيْث: العَيُّوق: كَوْكَب
أَحْمَر مُضِيءٌ بحيال الثريّا، إِذا طلع عُلم أَن الثريا قد طلعت
وعيّوق: فيعول، يحْتَمل أَن يكون بِنَاؤُه من عوْق وَمن عيْق، لِأَن
الْيَاء وَالْوَاو فِي ذَلِك سَوَاء، وَأنْشد:
وعاندت الثريّا بعد هَدْءٍ
معاندة لَهَا العيُّوق جَار
قَالَ: ويَعُوق: اسْم صنم كَانَ يُعبد على زمن نوح ج. قَالَ: ويَعُوق
يُقَال: إِنَّه كَانَ رجلا من صالحي زمانِه قبل نوح، فلمَّا مَاتَ جزِع
عَلَيْهِ قومه، فَأَتَاهُم الشَّيْطَان فِي صُورَة إِنْسَان فَقَالَ:
أمثّله لكم فِي محرابكم حَتَّى ترَوه كلّما صلَّيتم، فَفَعَلُوا ذَلِك،
فتمادى بهم ذَلِك إِلَى أَن اتّخذوا على مِثَاله صنماً فعبدوه من دون
الله.
وأمّا قَول الله جلّ وَعز: {وَلاَ نَصِيراً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ
الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ
إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً} (الأحزَاب: 18)
فَإِن المعوّقين قوم من الْمُنَافِقين كَانُوا يثبِّطون أنصار النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ، وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا لَهُم: مَا
مُحَمَّد وَأَصْحَابه إِلَّا أَكَلَةُ رَأس، وَلَو كَانُوا لَحْمًا
لالتقمهم أَبُو سُفْيَان وَحزبه، فخلُّوهم وتعالَوا إِلَيْنَا، فَهَذَا
تعويقهم إيَّاهُم عَن نُصرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ
تفعيل من عَاق يعوق.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: عاقني عَنْك عائق وعقاني عَنْك عاقٍ على
الْقلب، وَأنْشد:
فَلَو أَنِّي دعوتك من بعيد
لعاقك عَن وعَاء الذِّئْب عاقى
أَرَادَ: عائق فقلبه. وَقَالَ العجّاح:
لاثٍ بِهِ الأشاءُ والعُبْرِيُّ
وَإِنَّمَا هُوَ لائث من لاث يلوث فَهُوَ لائث فَجعله من لثا يلثو
فَهُوَ لاثٍ. وَمثله: جُرُف هائر وهارٍ على الْقلب.
وَقَالَ الْفراء: مثله عاث وعثا وقاف وَقفا. أَبُو عبيد عَن الأمويّ
يُقَال للْمَرْأَة إِذا لم تحظَ عِنْد زَوجهَا: مَا لاقت وَلَا عَاقت،
أَي لم تلصق بِقَلْبِه، وَمِنْه يُقَال: لاقت الدواةُ أَي لصِقت وَأَنا
ألقْتها. قلت: كَأَن عاقت إتباع للاقت.
وروى شمر لأبي عبيد عَن الأمويّ: مافي شقائه عَيْقة من الرُّب. قلت:
كَأَنَّهُ ذهب بِهِ إِلَى قَوْله مَا لاقت وَلَا عاقت. وَغَيره يَقُول:
مَا فِي نِحْيِه عَبَقَةٌ وَلَا عَمَقَةٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رجل عَوْقٌ لَوْقٌ وضَيِّقٌ لَيِّقٌ
عَيِّقٌ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العَيْقة: سَاحل الْبَحْر. قلت: وَتجمع
عَيْقان.
قَالَ اللَّيْث: عُوقٌ وَالِدُ عُوج، قَالَ: وعَوْقٌ مَوضِع بالحجاز،
وَأنْشد:
فَعَوْق فُرمَاح فالَّ
سلوى من أَهله قفرُ
وَقَالَ اللِّحياني: سَمِعت عاقِ عاقِ وغاقِ غاقِ لصوت الْغُرَاب،
قَالَ: وَهُوَ نُعاقه ونُغاقه بِمَعْنى وَاحِد.
عقي: أَبُو الْعَبَّاس: عقا يَعْقُو ويَعْقِي إِذا كرِه شيأ، والعاقي:
الكاره للشَّيْء.
الحرَّانيّ عَن ابْن السّكيت: أعقى الشَّيْء يُعقي إعقاء إِذا اشتدَّت
مرارته. وَيُقَال فِي مثل: لَا تكن مُرّاً فتُعقِي وَلَا حُلْواً
فتُزْدَرَد وَيُقَال: فتُعْقَى، فَمن رَوَاهُ فتُعْقِي تُفْعِل
(3/19)
فَمَعْنَاه: فتشتدَّ مرارتك، وَمن قَالَ:
فتُعْقَى فتُلْفَظَ لمرارتك. وَيُقَال: عَقَاه واعتقاه إِذا احتبسه
وَمِنْه قَول الرَّاعِي:
صبا تعتقيها مرّة وتقيمها
قَالَ بَعضهم: معنى تعتقيها تُمضيها، وَقَالَ الأصمعيّ: تحبسها.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر يُقَال لأوّل مَا يخرج من بطن الصَّبِي:
العِقْيُ، وَقد عَقَى يَعْقِي عَقْياً فَإِذا رضع فَمَا بعد ذَلِك
فَهُوَ الطَّوْف، وَيُقَال فِي مَثَلٍ: أحرص من كلب على عِقْي صبيّ.
وَقَالَ شمر قَالَ ابْن شُمَيْل: الحِوَلاَء مُضَمَّنة لما يخرج من
جَوف الْوَلَد وَهُوَ فِيهَا، وَهِي أعقاؤه وَالْوَاحد عِقْي، وَهُوَ
شَيْء يخرج من دُبُره وَهُوَ فِي بطن أمّه أسود بعضِهِ وأصفر بعضٍ،
وَقد عَقَى يَعْقي، يَعْنِي الحُوار إِذا نُتجت أُمُّه فَمَا خرج من
دُبُره عِقْيُ حَتَّى يَأْكُل الشّجر.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس حِين سُئِلَ عَن الْمَرْأَة تُرضع الصبيّ
الرَضْعة فَقَالَ: إِذا عَقَى حرمت عَلَيْهِ الْمَرْأَة وَمَا ولدت.
قَالَ أَبُو عبيد: إِنَّمَا ذكر ابْن عَبَّاس العِقْيَ ليعلم أَن
اللَّبن قد صَار فِي جَوْفه لِأَنَّهُ لَا يَعْقى من ذَلِك اللَّبن
حَتَّى يصير فِي جَوْفه وَقد عَقَى الْمَوْلُود من الْإِنْس والدوابّ،
وَهُوَ أوّل شَيْء يخرج من بَطْنه وَهُوَ يخرؤه.
وَقَالَ اللَّيْث: العِقْيُ: مَا يخرج من بطن الصَّبِي حِين يُولد،
أسودُ لَزِجٌ كالغِراء.
وَيُقَال هَل عقَّيتم صبيّكم أَي هَل سقيتموه عَسَلاً ليسقط عِقْيُه.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ المُعَقِّي: الحائم
المستدير من العِقْبان بالشَّيْء، قَالَ: وعَقَّت الدلوُ إِذا
ارْتَفَعت فِي الْبِئْر وَهِي تستدير. وَأنْشد:
لَا دَلْوَ إلاَّ مِثْلُ دَلْوٍ أُهْبان
واسعةُ الفَرْغِ أدِيمان اثْنَان
مِمَّا ينقِّي من عُكَاظَ الركْبَان
إِذا السقاة اضطجعوا للأذقان
عَقَّت كَمَا عقَّت دَلُوف العِقْبان
بهَا فناهِبْ كل ساقٍ عجلَان
قَالَ: عقت: ارْتَفَعت يَعْنِي الدَّلْو كَمَا ترْتَفع العُقاب فِي
السَّمَاء.
قلت: قَوْله: عقّت بمنى ارْتَفَعت. وَأَصله عقَّقَتْ، فَلَمَّا توالت
ثَلَاث قافات قلبت إِحْدَاهُنَّ يَاء؛ كَمَا قَالَ العجّاج:
تقضِّي الْبَازِي إِذا الباز كَسَرْ
وَمثله قَوْلهم: التظَني من الظنّ، والتلعِّي لِلُّعاعة. وأصل تعقية
الدَّلْو من العقّ وَهُوَ الشقّ. يُقَال: عَقَّ الرجلُ بسهمه إِذا رمى
بِهِ فِي السَّمَاء فارتفع. وَيُسمى ذَلِك السهْم الْعَقِيقَة، وَقد مر
تَفْسِيره فِي مضاعف الْعين.
وَأنْشد أَبُو عَمْرو فِي التعقية:
وعقَّت دلوُه حِين استقلّت
بِمَا فِيهَا كتعقية العُقَاب
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عقّى الرَّامِي بسهمه من عقَّق.
وعَقْوَةُ الدَّار: ساحتها. يُقَال: نزلت بعَقْوته.
(3/20)
وَقَالَ اللَّيْث: العَقْوة: ماحوالي
الدَّار والمحَلَّة يُقَال مَا بَعقوة هَذِه الدَّار مثل فلَان.
وَتقول مَا يَطُورُ أحد بعَقْوة هَذَا الْأسد، وَنزلت الْخَيل بعقوة
العدوّ.
قَالَ: وَالرجل يحضر الْبِئْر فَإِذا لم يَنْبِط الماءُ من قعرها اعتقى
يَمْنَة ويَسْرة، وَكَذَلِكَ يشتق الإنْسَانُ الْكَلَام فيعتقي فِيهِ،
والعاقي كَذَلِك، وقلّما يَقُولُونَ: عقا يعقو، وَأنْشد بَعضهم:
وَلَقَد دَرِبْتُ بالاعتقا
ء والاعتقام فنلتُ نُجْحا
وَقَالَ رؤبة:
بشَيْظميّ يفهم التفهيما
ويعتقي بالعُقم التعقيما
وَقَالَ غَيره: معنى قَوْله: ويعتقي بالعُقم التعقيم معنى يعتقي أَي
يحبس وَيمْنَع بالعَقَم التعقيم أَي بالشرّ الشرّ.
قلت أَنا: أمّا الاعتقام فِي الْحفر فَإِن الأصمعيّ فسّره أَن
الْحَافِر إِذا احتفر الْبِئْر فَإِذا قرب من المَاء احتفر بِئْرا
صَغِيرَة فِي وَسطهَا بِقدر مَا يجد طعم المَاء، فَإِن كَانَ عذباً حفر
بَقِيتَها، وَأنْشد:
إِذا انتحى معتقِما أَو لجَّفا
وَقد فسّرت هَذَا فِي بَابه. وأمّا الاعتقاء بِمَعْنى الاعتقام فَمَا
سمعته لغير اللَّيْث.
وَقَالَ اللَّيْث: العِقْيان: ذهب ينْبت نباتاً، وَلَيْسَ مِمَّا
يستذاب من الْحِجَارَة.
وَقَالَ غَيره: هُوَ الذَّهَب، وروى عَمْرو عَن أَبِيه: العِقْيان:
الذَّهَب.
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال: ماأدري من أَيْن عُقيتُ وَلَا من أَي
طُبيتُ، واعتُقيتُ وأُطُّبيتُ، وَلَا من أَيْن أُتِيتُ وَلَا من أَيْن
اغتُيِلْت بِمَعْنى وَاحِد.
قلت: وَجه الْكَلَام: اغْتِلْت.
وعق: فِي حَدِيث عمر أَنه ذُكر لَهُ بعضُ الصَّحَابَة فَقَالَ: وعْقَةٌ
لَقِسٌ.
قَالَ أَبُو عبيد: الوعقة من الرِّجَال الَّذِي يضجر ويتبرّم مَعَ
كَثْرَة صَخَب وَسُوء خلق.
وَقَالَ رؤبة:
قتلا وتوعيقا على من وعَّقا
قَالَ شمر: التوعيق: الْخلاف وَالْفساد.
وَقَالَ الْفراء: الوَعْقة: الْخَفِيف.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الوَعْقة الصَّخَّابة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الوعِق: السيّء الْخلق الضيّق، وَأنْشد
قَول الأخطل:
موطَّأ الْبَيْت مَحْمُود شمائله
عِنْد الحَمَالةِ لاكزُّ وَلَا وَعِقُ
قلت: وَهَذَا كُله مِمَّا جمعه شمر فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال رجل وَعْقة لعْقة وَهُوَ النَّكِدُ، وَرجل
وعِق؛ فِيهِ حرص، وَوُقُوع فِي الْأَمر بِجَهْل. وَإنَّهُ لوعِق لعِق،
قَالَ رؤبة:
مَخَافَة الله وَأَن يوعَّقا
أَي مَخَافَة أَن يُقَال لَهُ: إِنَّك وعِق قَالَ: وأمّا عِيّق فَمن
أصوات الزّجر، يُقَال عيّق فِي صَوته.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الوَعِيق
(3/21)
والرَعِيق والوُعاق والرُعاق: الصَّوْت
الَّذِي يسمع من بطن الدَّابَّة. وَهُوَ صَوت جُرْدَانهِ إِذْ تقلقل
فِي قُنْبه.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال مِنْهُ: وَعَق يَعِقُ وَهُوَ صَوت يخرج من
حَيَاء الدابّة إِذا مشت، قَالَ: هُوَ الخقيق من قُنْب الذّكر، قَالَ:
وَيُقَال لَهُ: عُواق ووُعَاق، وَهُوَ العويق والوعيق، وَأنْشد:
إِذا مَا الركبُ حَلَّ بدار قوم
سَمِعت لَهَا إِذا هَدَرت عُوَاقا
قلت أَنا: جميعُ مَا قَالَ اللَّيْث فِي الوعيق والخفيق خطأ؛ لِأَن
الوعيق والوُعَاق: صَوت الجُرْدَان إِذا تقلقل فِي قُنْب الحِصَان،
كَمَا قَالَ ابْن الْأَعرَابِي وَأَبُو عُبَيْدَة، وأمّا الخقيق فَهُوَ
صَوت الْحيَاء إِذا هُزلت الْأُنْثَى لَا صَوت القُنْبِ. وَقد أَخطَأ
فِيمَا فسَّر.
قعا: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى أَن يُقْعِيَ
الرجل فِي صلَاته.
قَالَ أَبُو عبيد:
قَالَ أَبُو عُبيدة: الإقعاء: أَن يُلصِق الرجل أليتيه بِالْأَرْضِ،
وينصِب سَاقيه، وَيَضَع يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ.
قَالَ أَبُو عبيد: وأمّا تَفْسِير الْفُقَهَاء فَهُوَ أَن يضع أليته
على عَقِبَيْهِ بَين السَّجْدَتَيْنِ، كَمَا يرْوى عَن العبادلة
يَعْنِي عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن الزبير
وَعبد الله بن مَسْعُود.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَول أبي عُبَيْدَة أشبه بِكَلَام الْعَرَب،
وَهُوَ الْمَعْرُوف، كَمَا يُقْعي الْكَلْب، وَلَيْسَ الإقعاء فِي
السبَاع إلاّ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة.
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أكل مقعياً،
وَهُوَ كَمَا فسره أَبُو عُبَيْدَة.
وَقَالَ اللَّيْث: القعا: رَدَّةٌ فِي رَأس الْأنف وَذَلِكَ أَن تُشرف
الأرنبة ثمَّ تقعى نَحْو القَصَبة يُقَال: قَعِيَ الرجل يَقْعَى قعاً،
وأقعت أرنبته وأقعى أنفُه. وَرجل أقعى وَامْرَأَة قعواء.
قَالَ: وَقد يُقعى الرجل كَأَنَّهُ متساند إِلَى ظَهره، وَالذِّئْب
وَالْكَلب يقعى كلّ وَاحِد مِنْهُمَا على استه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الإقعاء: أَن يجلس الرجل على وركيه، وَهُوَ
الاحتفاز والاستيفاز.
وَقَالَ اللَّيْث: القَعْو: شبه البَكَرة يَسْتَقي عَلَيْهَا
الطيّانون.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: الخُطّاف الَّذِي تجْرِي
البكرة فِيهِ إِذا كَانَ من حَدِيد، فَإِن كَانَ من خشب فَهُوَ
القَعْو.
وَأنْشد غَيره:
إِن تمنعي قعوك أمنع محوري
لقعو أُخْرَى حسنٍ مُدوّر
والمِحْور: الحديدة الَّتِي تَدور عَلَيْهَا البكرة.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: القَعْو خَدّ البكرة،
والقَعْو: أصل الْفَخْذ، وَجمعه القُعَى. قَالَ: والعُقَى: الْكَلِمَات
المكروهات. وَرجل قَعُوُّ الألْيتين إِذا لم يكن منبسطهما، وأقعى
الفرسُ إِذا تقاعس
(3/22)
على أقتاره، وَامْرَأَة قَعْوى وَرجل
قَعْوان.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا ضرب الْجمل النَّاقة قيل: قعا
عَلَيْهَا قُعُوّاً، وقاع يقوع مثله، وَهُوَ القُعُوّ والقَوْع. ونحوَ
ذَلِك قَالَ أَبُو زيد.
وَقَالَ اللَّيْث يُقَال قاعها وَقعا يقعو عَن النَّاقة وعَلى
النَّاقة، وَأنْشد:
قاعَ وَإِن يَترك فَشْول دُوَّخُ
قوع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} (النُّور: 39) .
قَالَ الْفراء: القِيعة: جمع القاع كَمَا قَالُوا: جَار وجيرة. قَالَ
والقاع: مَا انبسط من الأَرْض. وَفِيه يكون السراب نصف النَّهَار.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: القاع: الأَرْض الحُرَّة الطينِ الَّتِي لَا
يخالطها رمل فيشربَ ماءها، وَهِي مستوية لَيْسَ فِيهَا تَطامن وَلَا
ارْتِفَاع، وَإِذا خالطها الرمل لم تكن قاعاً؛ لِأَنَّهَا تشرب المَاء
فَلَا تمسكه.
وَقَالَ اللَّيْث: القاع: أَرض وَاسِعَة سهلة مطمئنَّة، قد انفرجت
عَنْهَا الْجبَال والآكام. يُقَال: هَذِه قاع، وَثَلَاث أقْوُع، وأقواع
كَثِيرَة. وَيجمع القِيعة والقيعان. وَهُوَ مَا اسْتَوَى من الأَرْض
لَا حَصَى فِيهِ وَلَا حِجَارَة وَلَا يُنبت الشّجر وَمَا حواليه أرفع
مِنْهُ، وَهُوَ مصبّ الْمِيَاه وتصغّر قُويعة فِيمَن أَنَّث، وَمن
ذَكَّر قَالَ: قويع، ودلّت هَذِه الْوَاو أَن ألفها مرجعها إِلَى
الْوَاو، قَالَ والقُوَاعُ الذّكر من الأرانب.
روى أَبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القُوَاعة: الأرنب
الأنثي.
وَقَالَ اللَّيْث: تَقوّع الحِرْباء الشَّجَرَة إِذا علاها، كَمَا
يتقوّع الفحلُ النَّاقة.
وَقَالَ أَبُو زيد: القَوَّاع: الذِّئْب الصيّاح، والقَبَّاعُ:
الْخِنْزِير الجبان.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: قاعة الدَّار: ساحتها. وَكَذَلِكَ باحتها
وصرْحَتُها.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: قاعٌ وقيعان، وَهِي طين حُرّ يُنبت
السِدْر، وَيُقَال أقواع، وَيُقَال قِيعةٌ وَقِيعٌ، وَهُوَ مَا
اسْتَوَى من الأَرْض، وَمَا حواليه أرفع مِنْهُ، وَإِلَيْهِ مصبّ
الْمِيَاه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قِيعة وَقِيعٌ. وَيُقَال: قاعٌ وقِيعة
جمَاعَة وأقواع.
وَقَالَ ذُو الرّمة:
وودَّ عَن أقواع الشماليل بَعْدَمَا
ذَوَى بقلُها أحرارها وذكورها
قلت: وَقد رَأَيْت قِيعان الصَّمَّان وأقمت بهَا شَتْوتين الْوَاحِد
مِنْهَا قاع وَهِي أَرض صُلْبة القفاف، حُرّة طينِ القيعان، تُمسك
المَاء وتُنبت العُشْبَ. وربّ قاع مِنْهَا يكون ميلًا فِي ميل وأقلّ من
ذَلِك وَأكْثر، وحوالي القيعان سُلْقان وآكام فِي رُؤُوس القفاف،
غَلِيظَة، ينصبّ مياهها فِي القيعان، وَمن قيعانها مَا ينْبت الضالَ
فترى فِيهَا حَرَجات مِنْهَا، وَمِنْهَا مَالا يُنبت، وَهِي أَرض
مَريئة إِذا أعشبت ربَّعت العربَ أجمع.
وَقع: تَقول الْعَرَب وَقع ربيع بِالْأَرْضِ يَقع وقوعاً لأوّل مطر
يَقع فِي الخريف.
وَيُقَال: سَمِعت وَقْع الْمَطَر، وَهُوَ شدّة
(3/23)
ضربه الأَرْض إِذا وَبَل.
وَيُقَال: سَمِعت لحوافر الدَّوَابّ وَقْعاً ووقوعاً. وَوَقع القَوْل
وَالْحكم إِذا وَجب.
قَالَ الله جلّ وَعز: {مُّسْلِمُونَ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ
عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الاَْرْضِ تُكَلِّمُهُمْ
أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِئَايَاتِنَا} (النَّمْل: 82) مَعْنَاهُ إِذا
وَجب أخرجنَا لَهُم دابّة من الأَرْض.
وَقَالَ جلّ وعزّ: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ} (الأعرَاف:
134) مَعْنَاهُ: لما أَصَابَهُم وَنزل بهم.
وَيُقَال لِلْإِبِلِ إِذا بَركت، والدوابّ إِذا رَبَضت: قد وَقعت
ووقَّعت، وطائر وَاقع إِذا كَانَ على شجر أَو مَوْكِن.
وَقَالَ الأخطل:
كَأَنَّمَا كَانُوا غراباً وَاقعا
فطار لما أبْصر الصواقعا
والنسر الْوَاقِع: كَوْكَب، سمّي وَاقعا لِأَن بحذائه النسْر الطَّائِر
حَده مَا بَين النُّجُوم الشأميّة واليمانية، وَهُوَ معترِض غير
مستطيل، وَهُوَ نيّر، وَمَعَهُ كوكبان غامضان وَهُوَ بَينهمَا وقّاد،
كَأَنَّهُمَا لَهُ كالجناحين قد بسطهما وَكَأَنَّهُ يكَاد يطير، وَهُوَ
مَعَهُمَا معترِض مصطّف، وَلذَلِك جَعَلُوهُ طائراً، وأمّا الْوَاقِع
فَهِيَ ثَلَاثَة كواكب كالأثافي، فكوكبان مُخْتَلِفَانِ ليسَا على
هَيْئَة النسْر الطَّائِر فهما لَهُ كالجناحين، ولكنهما منضّمان
إِلَيْهِ كَأَنَّهُ طَائِر وَقع.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَقْعة فِي الْحَرْب: صَدْمة بعد صدمة، وَالِاسْم
الوقيعة، يُقَال وَقع بهم وأوقع بهم فِي الْحَرْب. وَالْمعْنَى وَاحِد،
وَإِذا وَقع قوم بِقوم قيل: واقعوهم، وأوقعوا بهم إيقاعاً، ووقائع
الْعَرَب: أيّام حروبهم، والوِقَاع: المواقعة فِي الْحَرْب.
وَقَالَ الْقطَامِي:
وَمن شهد الْمَلَاحِم والوِقاعا
والوِقَاع أَيْضا: مواقعة الرجل امْرَأَته إِذا باضعها وخالطها.
وَيُقَال: وَقع فلَان فِي فلَان، وَقد أظهر الوقيعة فِيهِ إِذا عابه.
والواقعة: النَّازِلَة من صُرُوف الدَّهْر، والواقعة: اسْم من أَسمَاء
يَوْم الْقِيَامَة.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {} (الواقِعَة: 1، 2) .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: يُقَال لكل آتٍ يتوقّع: قد وَقع الْأَمر،
كَقَوْلِك قد جَاءَ الْأَمر، قَالَ والواقعة هَهُنَا: السَّاعَة
وَالْقِيَامَة، قَالَ: والتوقّع تنظُّر الْأَمر. يُقَال: توقّعت
مَجِيئه وتنظّرته.
وَقَالَ اللَّيْث: التوقيع: رمى قريب لَا تباعده، كَأَنَّك تُرِيدُ أَن
توقعه على شَيْء وَكَذَلِكَ توقيع الإزكَانِ تَقول: وَقِّعْ. أَي ألقِ
ظنّك على شَيْء.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: المُوَقَّع: الْبَعِير الَّذِي بِهِ آثَار
الدَّبَر.
وَقَالَ اللَّيْث: التوقيع: سَحْج بأطراف عِظَام الدابّة من الرّكُوب،
وَرُبمَا تحاصّ عَنهُ الشّعْر فنبت أَبيض، وَأنْشد:
وَلم يُوَقَّعْ برُكوبٍ حَجَبُه
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: توقيع الْكَاتِب فِي الْكتاب الْمَكْتُوب:
أَن يجمل بَين تضاعيف سطوره مقاصِد الْحَاجة ويحذف الفُضُول.
(3/24)
وَهُوَ مَأْخُوذ من توقيع الدَّبَر ظهر
الْبَعِير، فَكَأَن الْموقع فِي الْكتاب يُؤَثِّر فِي الْأَمر الَّذِي
كتب الْكتاب فِيهِ مَا يؤكّده ويوجبه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الوَقْعُ: الْمَكَان الْمُرْتَفع، وَهُوَ دون
الْجَبَل.
وَقَالَ شمر: كَذَلِك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ: وَقَالَ
غَيرهمَا الوَقْع: الحَصَى الصغار، وَاحِدهَا وَقْعة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: أَرض وقِيعة: لَا تكَاد تَنْشَفُ الماءَ من
القِيعان وَغَيرهَا من القفاف وَالْجِبَال.
قَالَ: وأمكنة وُقُع بيّنة الوَقَاعة.
قَالَ: وَسمعت يَعْقُوب بن مَسلمة الأسَديّ يَقُول: أوقعت الرَّوْضَة
إِذا أَمْسَكت المَاء. وأنشدني فِيهِ:
مُوقِعة جَثْجَاثُها قد أَنْوَرا
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر قَالَ: الوَقِعُ: الَّذِي يشتكي رِجْله من
الْحِجَارَة، وَالْحِجَارَة الوَقَعُ، وَأنْشد شمر:
يَا لَيْت لي نَعْلَيْنِ من جلد الضبع
وشُرَكاً من استها لاتنقطع
كلَّ الْحذاء يحتذي الحافي الوَقِعْ
والوقَع والحَفَا والوَقَى وَاحِد.
وَقَالَ الذبياني فِي الوَقَع بِمَعْنى الْحِجَارَة:
بَرَى وَقَعَ الصَّوَّان حَدَّ نُسُورِها
فهنّ لطاف كالصِّعَادِ الذوابل
وَقَالَ رؤبة فِي الوَقَع بِمَعْنى الحفا:
لَا وَقَعٌ فِي نَعله وَلَا عَسَم
وَمعنى قَوْله: كلَّ الْحذاء يحتذي الحافي الوقِع، يَقُول: إِن
الْحَاجة تحمل صَاحبهَا على التعلّق بِكُل مَا قَدَر عَلَيْهِ.
قلت: وَنَحْو مِنْهُ قَوْلهم: الغريق يتعلّق بالطحلب.
والعَسَمُ: انتشار فِي رُسْغ الْيَد. وَيُقَال: وَقِعَت الدَّابَّة
تَوْقَع إِذا أَصَابَهَا دَاء ووجع فِي حافرها من وَطْ، على غلظ.
والغلظ هُوَ الَّذِي بَرى حدّ نسورها.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَول رؤبة:
يركب قيناه وقيعا ناعلا
الوقيع الْحَافِر المحدّد كَأَنَّهُ شُحذ بالأحجار، كَمَا يوَقّع
السَّيْف إِذا شُحِذ. وَقَالَ غَيره: الوقيع: الْحَافِر الصلب،
والناعل: الَّذِي لَا يحفى كَأَن عَلَيْهِ نعلا.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: وقّعته الْحِجَارَة توقيعاً، كَمَا يُسَنّ
الْحَدِيد بِالْحِجَارَةِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الوقيعة: النُّقْرة فِي الْجَبَل
يَسْتَنْقِع فِيهَا الماءُ. وَجَمعهَا وقائع.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا أصَاب الأرضَ مطر متفرّق أصَاب وَأَخْطَأ
فَذَلِك توقيع فِي نبتها.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: وَقَعتُ الحديدة أَقَعُها وَقْعاً إِذا
حَدَدتها.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال ذَلِك إِذا فعلته بَين حجرين.
وَقَالَ أَبُو وَجْزة:
حرَّى موقّعة ماج البنانُ بهَا
على خِضَمّ يُسَقَّى الماءَ عجَّاج
أَرَادَ بالحَرَّى المِرْماة العطشى.
(3/25)
وَقَالَ اللَّيْث: التوقيع إقبال الصيقل
على السَّيْف يحدّده بِميقعة، يُقَال: سيف وقيع، وَرُبمَا وُقِّع
بِالْحِجَارَةِ، ووقّعَت الحجارةُ الحافَر فقطَعت سنابكه توقيعاً،
واستوقع السيفُ إِذا أَنى لَهُ الشحذُ، قَالَ: وَتسَمى خَشَبَة
القَصّار الَّتِي يُدَقّ عَلَيْهَا بعد غَسْلٍ مِيقَعة، والاستيقاع شبه
التوقيع.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: مَوْقِعَةُ الطَّائِر: الَّذِي يَقع عَلَيْهِ،
وَجَمعهَا مواقع.
وَقَالَ شمر: يُقَال: مَوْقِعَة ومَوْقَعة للمكان الَّذِي يعْتَاد
الطير إِتْيَانه، قَالَ: ومِيقعة الْبَازِي مَكَان يألفه فَيَقَع
عَلَيْهِ وَأنْشد:
كَأَن متنية من النَّفِيِّ
مواقعُ الطير على الصُّفيّ
شبّه مَا انْتَشَر من مَاء الاستقاء بالدَّلْوِ على متنيه بمواقع الطير
على الصَّفَا إِذا ذرقت عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: المَوْقع: مَوضِع لكل وَاقع، وَتقول: إِن هَذَا
الشَّيْء ليَقَع من قلبِي موقِعاً، يكون ذَلِك فِي المسرَّة والمساءة،
قَالَ: والتوقيع فِي الْكتاب: أَن يُلحق فِيهِ شَيْئا بعد الْفَرَاغ
مِنْهُ. والتوقيع بالظنّ وَالْكَلَام: الرَّمْي يعتمده ليَقَع عَلَيْهِ
وَهْمُه.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: كويته وَقَاعِ وَهِي الدائرة على
الْجَاعِرَتَيْنِ، وَلَا تكون الإدارة حَيْثُ كَانَت وَقَالَ قيس بن
زُهَيْر:
وكنتُ إِذا مُنيتُ بخصم سَوْءٍ
دَلَفت لَهُ فأكوِيه وَقَاعِ
وَقَالَ شمر: كواه وَقَاعِ إِذا كوى أمّ رَأسه.
وَقَالَ الْمفضل: بَين قَرْني رَأسه، يُقَال: وقعته أَقَعه إِذا كويته
تِلْكَ الكَيَّة. والإيقاع ألحان الْغناء، وَهُوَ أَن يُوقِعَ الألحانَ
ويَبْنيها، وسَمّى الْخَلِيل كتابا من كتبه فِي ذَلِك الْمَعْنى: كتاب
(الْإِيقَاع) .
الْفراء: طَرِيق موقَّع: مذلَّل، وَرجل موقَّع: منجَّذ.
الْأَصْمَعِي: التوقيع فِي السّير: شَبيه بالتلقيف وَهُوَ رَفعه
يَدَيْهِ إِلَى فَوق. ووقّع الْقَوْم توقيعاً إِذا عرّسوا.
وَقَالَ ذُو الرمة:
إِذا وَقعوا وَهْنا أَنا خوامطيهم
والوقعة: حيّ من بني سعد بن بكر، وَأنْشد الأصمعيّ:
من عَامر وسَلُول أَو من الوَقَعهْ
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: وَقَعت بالقوم فِي الْقِتَال وأوقعت.
ابْن هانىء عَن أبي زيد: يُقَال لغِلاف القارورة: الوَقْعَةُ
والوِقَاع، والوِقَعَة للْجَمِيع.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الْوَاقِع: الرجل الَّذِي ينقُر الرَّحَى، وهم
الوَقَعَة.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الوَقْع: الْمَكَان الْمُرْتَفع وَهُوَ
الْجَبَل.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: قُع قُع إِذا أَمرته
بالسياحة والتعبّد فِي القيعان والقفار، ولُع لُع إِذا أَمرته بتعهّد
لَوْعيه وهم الأسودان حول الثديين.
(بَاب الْعين وَالْكَاف)
(3/26)
ع ك (وَا يء)
عكا، عوك، كعا، كوع، وعك، وكع: مستعملات.
عكا: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي:
قَالَ: العَكْوة: أصل الذَنَب بِفَتْح الْعين رَوَاهُ لنا، قَالَ:
فَإِذا تعطّف ذَنَبُه عِنْد العَكْوة وتعقّد قيل: بعير أعكى.
وَقَالَ: برذون مَعْكو: مَعْقُود الذَّنب. قَالَ: والعَكْواء من
الشَّاء: الَّتِي ابيضّ ذنبها وسائرها أسود قَالَ وَلَو اسْتعْمل
الْفِعْل فِي هَذَا القيل عَكِي يَعْكَى فَهُوَ أعكى. قَالَ: وَلم أسمع
ذَلِك.
وأقرأني الإياديّ لأبي عُبيد عَن الْأَحْمَر قَالَ: العُكوة: أصل
الذَّنب، بِضَم الْعين. قلت: هما لُغَتَانِ عُكوة وعَكْوة.
وَقَالَ اللَّيْث: عكوْت ذَنْب الدَّابَّة عَكْواً إِذا عطفته وعقدته.
أَبُو عَمْرو: العاكي: الغزَّال الَّذِي يَبِيع العُكَا جمع عُكوة،
وَهِي الغَزْل الَّذِي يخرج من المِغزل قبل أَن يُكَبَّب على الدَجَاجة
وَهِي الكُبَّة. والعاكي: الْمَيِّت يُقَال عكا وعكّى إِذا مَاتَ.
قَالَ: والعاكي: المولَع بِشرب العُكيِّ وَهُوَ سَوِيق المَقل.
أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: العَكِيُّ من اللَّبن: الْمَحْض.
وَقَالَ شمر: العَكِيُّ: الخاثر. وَأنْشد قَول الراجز:
وشربتان من عَكِيّ الضَأن
أحسنُ مسّاً فِي حوايا الْبَطن
من يَثْرِبيّات قِذاذ خُشْن
قَالَ شمر: النِّيءُ من اللَّبن سَاعَة يحلب، والعَكِيُّ بعد مَا
يَخْثُر
وَيُقَال: عكا بِإِزَارِهِ يعكو إِذا شدّه قالصا عَن بَطْنه لئلاّ
يسترخي لضخم بَطْنه، وَقَالَ ابْن مقبل:
ثمَّ مخاميص لَا يعكون بالأُزُر
يَقُول لَيْسُوا بعظام الْبُطُون فيرفعوا بآزرهم عَن الْبُطُون
وَلَكنهُمْ لطافي الْبُطُون.
وَقَالَ الْفراء: هُوَ عَكْوان من الشَّحْم وَامْرَأَة مَعْكِيَّة.
وَيُقَال: عكوته فِي الْحَدِيد والوِثاق عَكْواً إِذا شددته.
وَقَالَ أُميِّة يذكر مُلْك سُلَيْمَان صلوَات الله عَلَيْهِ:
أيُّما شاطنٍ عَصَاهُ عكاهُ
ثمَّ يُلْقَى فِي السجْن والأغلال
شمر يُقَال للرجل إِذا مَاتَ: عَكّى وَقَرَضَ الرِّبَاط.
وَقَالَ ابْن السّكيت: المِعكاء على مفعال: الْإِبِل المجتمعة يُقَال:
مائَة معكاء. وَقد عكت تعكو إِذا غلظت واشتدَّت من السّمن. قَالَ:
ورَوَى أَبُو عُبَيْدَة بَيت النَّابِغَة:
الْوَاهِب الْمِائَة المعكاء زيّنها الَّ
عدانُ يُوضِحُ فِي أوبارها اللِبَدِ
يُوضح: يبين فِي أوبارها إِذا رُعِيَ، فَقَالَ: الْمِائَة المعكاء هِيَ
الْغِلَاظ الشداد لَا يثنى وَلَا يجمع.
(3/27)
وَقَالَ أَوْس:
الْوَاهِب الْمِائَة المعكاء يشفعها
يَوْم الفِضال بِأُخْرَى غيرَ مجهود
وَقَالَ الْفراء: العاكي: الشادُّ. وَقد عكا إِذا شدّ، وَمِنْه عَكْو
الذَّنب، وَهُوَ شدّه.
عوك: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: عاك عَلَيْهِ يَعُوك عَوْكاً إِذا كرَّ
عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ عكمَ يَعْكِم وعَتَك يَعْتِك.
وَقَالَ الْمفضل: عاك على الشَّيْء أقبل عَلَيْهِ. والمَعَاك:
الْمَذْهَب. يُقَال: مَاله مَعَك أَي مَذْهَب.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: عُوكِي على مَا فِي بَيْتك إِذا أعياكِ
بَيت جارتك أَي كرِّي على بَيْتك.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: لقِيته عِنْد أول صَوْك ويَوْك وعَوْك
أَي عِنْد أوّل كل شَيْء. سَلَمة عَن الْفراء قَالَ: العائك: الكسوب،
عَاك معاشه يَعُوكُه عَوْكاً ومَعَاكاً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: عُسْ مَعَاشك وعُك معاشك معاساً
ومعاكاً. والقوْسُ: إصْلَاح الْمَعيشَة.
كعا: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: كعا إِذا جبن؛ عَمْرو عَن أَبِيه
قَالَ: الكاعي: المنهزم، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا: الأكعاء:
الْجُبَنَاء، قَالَ: والأعكاءُ العُقد.
كوع: قَالَ أَبُو عبيد سَمِعت الأصمعيّ قَالَ: يُقَال: كاعٌ وكُوعٌ فِي
الْيَد.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الكوعُ والكاع: طَرَف الزَنْد الَّذِي يَلِي أصل
الْإِبْهَام. يُقَال: أَحمَق يمتخط بكوعه. وَقَالَ غَيره الكرسوع: طرف
الزند الَّذِي يَلِي الْخِنْصر.
وَقَالَ اللَّيْث: الْكُوع: طرف الزند الَّذِي يَلِي الْإِبْهَام
وَهُوَ أخفاهما والكَاع: طرف الزند الَّذِي يَلِي الْخِنْصر وَهُوَ
الكرسوع.
قلت: وَالْقَوْل فِي الكُوع والكُرْسوع هُوَ القَوْل الأوّل.
قَالَ اللَّيْث: وَيُقَال للَّذي يعظم كاعُه: أكواع، كوعاء للْأُنْثَى.
وَأنْشد:
دواخسٌ فِي رُسغِ غيرِ أكوعا
والمصدر الكَوَع. قَالَ: وتصغير الكاع كُويع، والكَوَع أَيْضا: يبس فِي
الرسغين، وإقبال إِحْدَى الْيَدَيْنِ على الْأُخْرَى: بعير أكوع، وناقة
كوعاء وَقد كَوِع كَوَعاً.
وَقَالَ أَبُو زيد: الْأَكْوَع: اليابسِ اليدِ من الرسغ، الَّذِي
أَقبلت يَده نَحْو بطن الذِّرَاع. والأكوع من الْإِبِل: الَّذِي قد
أقبل خُفُّه نَحْو الوظيف، فَهُوَ يمشي على رُسغه، وَلَا يكون الكوَع
إلاّ فِي الْيَدَيْنِ. وَقَالَ غَيره: الكَوَع التواء الْكُوع. يُقَال
للكلب: هُوَ يَكُوع فِي الرمل إِذا مَشى على كُوعه يمشي فِي شقّ.
والكَوَع فِي النَّاس إِذا تعوّج الكفّ من قِبَل الكُوع، وَقد تكوّعت
يدُه، وكاع يَكُوع إِذا مَشى على كُوعه.
وكع: وَقَالَ اللَّيْث: الوَكَع: مَيَلان فِي صدر الْقدَم نَحْو
الْخِنصر. وَرُبمَا كَانَ ذَلِك فِي إِبْهَام الْيَد الرجُل أوكع
وَامْرَأَة وكعاء. وَأكْثر مَا يكون ذَلِك للإماء اللواتي يُكْدَدن فِي
الْعَمَل. قَالَ: وَيُقَال: الأوكع والوكعاء للأحمق والحمقاء.
(3/28)
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: فِي رُسغه
وكَع وكوعٌ إِذا التوى كُوعه.
أَبُو نصر عَن الأصمعيّ: الكَوَع: أَن تقبل إِبْهَام الرِّجْل على
أخواتها إقبالاً شَدِيدا حَتَّى يظْهر عظم أَصْلهَا، وَقَالَ أَبُو
زيد: الوَكَع فِي الرِّجل: انقلابها إِلَى وحشيّها. والكوَع فِي
الْيَد: انقلاب الْكُوع حَتَّى يَزُول فَيرى شخصٌ أَصله خَارِجا.
وَقَالَ غَيره: الوَكَع: ركُوب الْإِبْهَام على السّبابة من الرِجْل
يُقَال: يَا ابْن الوكعاء واللكاعة اللؤم، والوكاعة: الشدّة:
وَقَالَ اللَّيْث: فرس وَكِيع إِذا كَانَ شَدِيد الإهَاب صُلْباً. وَقد
وكُع وَكَاعة. وسِقَاء وَكِيع: غليظ صلب، ومزاد وكيعة وَهِي الَّتِي
قُوّرت فأُلقي مَا ضعف من الْأَدِيم وَبَقِي الجيّد فخرِز. واستوكع
السقاءُ إِذا مَتُن واشتدَّت مخارزه بَعْدَمَا سُرِّب. وَأنْشد
الأصمعيُّ بَيت الفرزدق يصف فرسا:
ووفراءَ لم تُحْرَز بسيرٍ وكيعةٍ
غَدَوْت بهَا طَبّاً يَدي برشائها
وَقَالَ ابْن السكّيت: وفراء وافرة يَعْنِي فرسا أُنْثَى. وكيعة:
وَثِيقَة الْخلق شَدِيدَة. يُقَال قد أسمن الْقَوْم وأوكعوا إِذا سمِنت
إبلهم، وغلظت من الشَّحْم واشتدَّت. وكل وثيق شَدِيد فَهُوَ وَكِيع.
يُقَال: دابّة وَكِيع، وسِقَاء وكِيع إِذا كَانَ محكمَ الجِلْد
والخَرز. وَيُقَال: استوكعت معدته إِذا اشتدت وقويت.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: لدغته الْعَقْرَب ووكعته وكَوَته. وَقَالَ
غَيره: المِيكع: المَالَقَةُ الَّتِي يسوَّى بهَا خُدَدُ الأَرْض
المكروبة وَقَالَ جرير:
جُرَّت فتاةُ مجاشع فِي مِنقر
غيرَ المراء كَمَا يجرّ الميكع
أَبُو عَمْرو الوَكْع الحلْبُ وَأنْشد:
لَأَنْتُم بوكع الضَّأْن أعلم منكُم
بقرع الكماة حيثُ تُبْغَى الجرائم
قَالَ: ووكعت الدَّجَاجَة إِذا خضعت عِنْد سفاد الديك. وأوكع الْقَوْم:
قلَّ خَيرهمْ.
وَقَالَ أَبُو الجهم الْجَعْفَرِي: وَكَعْتَ الشَّاة إِذا نَهَزْتَ
ضرْعهَا عِنْد الْحَلب. قَالَ: وَقَالَت العنز: احْلُبْ ودع، فَإِن لَك
مَا تدع. وَقَالَت النعجة: احلب وَكَع. فَلَيْسَ لَك مَا تدع أَي انهز
الضَّرع واحلب كل مَا فِيهِ.
وعك: قَالَ اللَّيْث: الوعْك: مَغْثُ الْمَرَض. تَقول: وعكته الحمّى
إِذا دكّته. وَرجل موعوك أَي مَحْمُوم وَقد وعَكته الحمّى تَعِكُه.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ وعكته الحمّى فَهُوَ موعوك مثله.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الممغوث والموعوك: المحموم.
وَقَالَ اللَّيْث: الكِلاَب إِذا أخذت الصَّيْد أوعكته أَي مرّغته.
قَالَ: والوَعْكة: معركة الْأَبْطَال إِذا أَخذ بَعضهم بَعْضًا. وَقد
أوعكت الإبلُ إِذا ازدحمت فَركب بَعْضهَا بَعْضًا عِنْد الْحَوْض،
وَهِي الوَعْكَة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إِذا ازدحمت الْإِبِل فِي الوِرد، واعتركت
فَتلك الوَعْكة، وَقد أوعكت الإبلُ.
(3/29)
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَعْكة الْإِبِل:
جماعتها قَالَ: والوعْكة: الدفعة الشَّدِيدَة فِي الجري.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو العكوَّك: السمين.
(بَاب الْعين وَالْجِيم)
ع ج (وَا ىء)
عجا، عوج (يعيج) جعا، جوع، وجع: مستعملات.
عجا: قَالَ اللَّيْث: يُقَال الأمّ تعجو ولدَها: تؤخّر رضاعه عَن
مواقيته، وَيُورث ذَلِك وَلَدهَا وَهْناً وَقَالَ الْأَعْشَى:
مُشفِقاً قلبُها عَلَيْهِ فَمَا تع
جوه إِلَّا عُفَافَةٌ أَو فُواق
قَالَ: والمعاجاة: أَلاَّ يكون للْأُم لبن يُروِي صبيّها، فتعاجيه
بِشَيْء تعلّله بِهِ سَاعَة. وَكَذَلِكَ إِن ولي ذَلِك مِنْهُ غير
أمّه. وَالِاسْم مِنْهُ العُجْوَة، وَالْفِعْل العَجْو. وَاسم ذَلِك
الْوَلَد العَجِيُّ، وَالْأُنْثَى عجِيَّة، والجميع العُجايا.
قَالَ: وأمَّا من مُنع اللَّبن فغُذي بِالطَّعَامِ يُقَال عُوجِيّ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم قَالَ: يُقَال للبن
الَّذِي يعاجي بِهِ الصَّبِي الْيَتِيم أَي يُغْذي بِهِ عُجَاوة،
وَيُقَال لذَلِك الْيَتِيم الَّذِي يغذي بِغَيْر لبن أمه: عَجِيٌّ.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: كنت
يَتِيما وَلم أكن عجِيّاً. وَأنْشد اللَّيْث:
إِذا شئتَ أبصرتَ من عَقْبهم
يتامى يُعاجَون كالأذؤب
وَقَالَ آخر فِي وصف أَوْلَاد الْجَرَاد:
إِذا ارتحلتْ من منزل خلّفت بِهِ
عَجايا يُحاثِي بِالتُّرَابِ صغيرُها
أَبُو عبيد: العُجاية والعُجاوة لُغَتَانِ، وهما قدر مُضغة من لحم تكون
مَوْصُولَة بعَصَبة تنحدر من ركبة الْبَعِير إِلَى الفِرْسِن.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العُجاية: عَصَبة فِي بَاطِن يَد النَّاقة،
وَهِي من الفَرَس مَضِيغة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العُجاية من الفَرَس: العَصَبة المستطيلة فِي
الوظيف ومنتهاها إِلَى الرسغين وفيهَا يكون الحَطْم، قَالَ: والرُسْغ:
مُنْتَهى العُجاية.
وَقَالَ اللَّيْث: العُجاية: عَصَب مركّب فِيهِ فُصوص عِظَام يكون
عِنْد رُسغ الدابّة، قَالَ: وَإِذا جَاع أحدهم دَقَّها بَين فهرين
فَأكلهَا وَقَالَ كَعْب:
شُمّ العُجَايات يتركن الْحَصَى زِيَمَا
قَالَ: وَتجمع على العُجَى، يصف حوافرها بالصلابة. والعَجْوة: تمر.
يُقَال هُوَ مِمَّا غرسه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ.
قلت: العَجْوة الَّتِي بِالْمَدِينَةِ هِيَ الصَيْحابية. وَبهَا ضروب
من الْعَجْوَة لَيْسَ لَهَا عُذُوبة الصيحانية وَلَا رِيّها وَلَا
امتلاؤها.
أَبُو سعيد: عجا شَدْقَه إِذا لواه.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْحسن الشيخي عَن الرياشي قَالَ:
قَالَ أَبُو زيد: العَجِيّ: السَيء الغِذَاء.
وأنشدنا:
يسْبق فِيهَا الحَمَلَ العجِيّا
رَغْلا إِذا مَا آنس العِشّيا
(3/30)
قَالَ الرياشي: وَقَالَ الْأَصْمَعِي:
قَالَ لنا خلف الْأَحْمَر: سَأَلت أَعْرَابِيًا عَن قَوْلهم عجا
شِدْقَهُ فَقَالَ: إِذا فَتحه وأماله.
وَقَالَ الطِرمّاح يصف صائداً لَهُ أَوْلَاد لَا أمّهات لَهُم فهم
يعاجَون تربية سيّئة:
إِن يصب صيدا يكن جُلُّه
لعجايا قُوتُهم باللِّحام
وَقَالَ شُمَيْل: يُقَال: لقى فلَان مَا عَجَاه وَمَا عَظَاه وَمَا
أورمه إِذا لَقِي شدَّة وبلاءً.
عوج: الحرانيّ عَن ابْن السّكيت: يُقَال: مَا أعِيج من كَلَامه بِشَيْء
أَي مَا أعْبأ بِهِ. قَالَ: وَبَنُو أسَد يَقُولُونَ: مَا أَعُوج
بِكَلَامِهِ أَي مَا ألتفِت إِلَيْهِ أَخَذُوهُ من عُجت النَّاقة.
وَيُقَال مَا عِجْتُ بَخَبرِ فلَان وَلَا أعيج بِهِ، أَي لم أستشفِ
بِهِ وَلم أسْتَيْقِنُه، وشربت شربة من مَاء فَمَا عِجْتُ بِهِ أَي لم
أنتفع بِهِ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ابي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي
أَنه أنْشدهُ:
وَلم أر شَيْئا بعد ليلى ألَذُّه
وَلَا مشربا أَرْوَى بِهِ فأعيجُ
أَي أنتفع بِهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: مَا يعيج بقلبي شَيْء من كلامك،
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: عاج يَعُوج إِذا عَطَف. وعاج يعيج إِذا انْتفع
بالْكلَام وَغَيره. وَيُقَال: مَا عِجْتُ مِنْهُ بِشَيْء، قَالَ:
والعَيْج: الْمَنْفَعَة.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العِياج: الرُّجُوع إِلَى مَا كنتَ عَلَيْهِ.
وَيُقَال مَا أَعُوج بِهِ عُووجاً. وَقَالَ: مَا أعيج بِهِ عُيُوجاً
أَي مَا أكترث لَهُ وَلَا أباليه.
وَقَالَ اللَّيْث العَوْج: عطف رَأس الْبَعِير بالزمام أَو الحِطام.
تَقول: عُجْت رَأسه أعُوجه عَوْجاً: قَالَ: وَالْمَرْأَة تعوج رَأسهَا
إِلَى ضجيعها.
وَقَالَ ذُو الرمّة يصف جواريَ قد عُجْن إِلَيْهِ رؤوسهنّ يَوْم
ظَعْنهن فَقَالَ:
حَتَّى إِذا عُجْن من أجيادهنّ لنا
عَوْج الأخِشَّة أَعْنَاق العناجيج
أَرَادَ بالعناجيج جِيَاد الرِكاب هَهُنَا، وَاحِدهَا عُنْجوج،
وَيُقَال لجياد الْخَيل عناجيج أَيْضا.
وَيُقَال عُجْته فانعاج أَي عطفته فانعطف.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: عاج فلَان فرسه إِذا عطف رَأسه وَمِنْه قَول
لَبيد:
فعاجوا عَلَيْهِ من سواهِمَ ضُمَّرٍ
سَلمَة عَن الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ:
قَالَ: والعِوَج بِكَسْر الْعين فِي الدّين، وَفِيمَا كَانَ التعويج
فِيهِ يكثر مثل الأَرْض وَمثل قَوْلك: عُجت إِلَيْهِ أَعُوج عِيَاجا
وعوَجاً.
وَأنْشد:
قفا نسْأَل منَازِل آل ليلى
مَتى عِوَج إِلَيْهَا وانثناء
(3/31)
قَالَ: وَقَوله جلّ وعزّ: {يَوْمَئِذٍ
يَتَّبِعُونَ الدَّاعِىَ لاَ عِوَجَ لَهُ} (طاه: 108) أَي يتبعُون صَوت
الدَّاعِي للحشر لَا عوج لَهُ يَقُول: لَا عِوَجَ للمدعوّين عَن
الدَّاعِي، فَجَاز أَن يَقُول (لَهُ) لِأَن الْمَذْهَب إِلَى الدَّاعِي
وصوته. وَهُوَ كَمَا تَقول دعوتني دَعْوَة لَا عِوَج لَك عَنْهَا أَي
لَا أعُوج لَك وَلَا عَنْك. قَالَ: وكل قَائِم يكون العوج فِيهِ خلقَة
فَهُوَ عَوَجٌ.
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي فِي مثله:
فِي نابه عَوَجٌ يُخَالف شِدْقه
قَالَ والحائط والرُّمْحُ وكل مَا كَانَ قَائِما يُقَال فِيهِ:
العَوَج. وَيُقَال: شجرتك فِيهَا عَوَج شَدِيد.
قلت: وَهَذَا لَا يجوز فِيهِ وَفِي أَمْثَاله إلاَّ العَوَجُ.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال هَذَا شَيْء معوجٌّ وَقد اعوجّ اعوجاجاً على
افعلّ افعلالاً. وَلَا تَقول معوَّج على مفعَّل إِلَّا لعُود أَو شَيْء
رُكِّب فِيهِ: العاج.
قلت: وَغَيره يُجِيز عوّجت الشَّيْء تعويجاً إِذا حنيته، وَهُوَ ضد
قوّمته. فأمّا مَا انحنى من ذَاته فَيُقَال: اعوجّ اعوجاجاً، وَيُقَال
عُجْته فانعاج أَي عطفته فانعطف، وَمِنْه قَول رؤبة:
وانعاج عُودي كالشظيف الأخشن
وَيُقَال عَوِجَ الشَّيْء يَعْوَجُ عَوَجاً فَهُوَ أَعْوَج لكلّ مَا
يُرَى، وَالْأُنْثَى عوجاء، وَالْجَمَاعَة عُوج، وَيُقَال لقوائم
الدَّابَّة: عَوج، ويستجبّ ذَلِك فِيهَا. يُقَال: نخيل عُوج إِذا
مَالَتْ.
وَقَالَ لبيد يصف عَيْر وأُتُنَهُ وسَوقه إيّاها:
إِذا اجْتمعت وأَحوذ جانبيها
وأوردها على عُوج طِوال
فَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: أوردهَا على نخل نابتة على المَاء قد
مَالَتْ، فاعوجَّت لِكَثْرَة حَمْلها؛ كَمَا قَالَ فِي صفة النّخل:
غُلبٌ سواجد لم يدْخل بهَا الْحصْر
وَقيل معنى قَوْله: أوردهَا على عُوج طوال أَي على قَوَائِمهَا العُوج،
وَلذَلِك قيل للخيل: عُوج، وَيُقَال نَاقَة عوجاء إِذا عَجِفت فاعوجَّ
ظهرهَا؛ وَامْرَأَة عوجاء إِذا كَانَ لَهَا ولد تَعُوج إِلَيْهِ
لترضعه، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
إِذا المُرْغِث العوجاء بَات يَعُزُّها
على ثديها ذُو وَدْعتين لَهُوج
وَالْخَيْل الأعوجيّة منسوبة إِلَى فَحل كَانَ يُقَال لَهُ: أَعْوَج،
يُقَال: هَذَا الحِصَان من بَنَات أَعْوَج.
وَقَالَ اللَّيْث: العاج: أَنْيَاب الفِيَلة، قَالَ وَلَا يُسمى غير
الناب عاجاً.
وَقَالَ شمر: يُقَال للمَسكِ: عاج. قَالَ وأنشدني ابْن الْأَعرَابِي:
وَفِي العاج والحِنّاء كفٌّ بنانُها
كشحم النَقَا لم يُعْطهَا الزند قَادِح
أَرَادَ بشحم النقا دوابَّ يُقَال لَهَا: الحُلَك.
وَيُقَال لَهَا: بَنَات النقا يشبَّه بهَا بنان الْجَوَارِي للينها
ونَعْمتها.
قلت: وَالدَّلِيل على صِحَة مَا قَالَ شمر فِي العاج أَنه المَسكُ مَا
جَاءَ فِي حَدِيث مَرْفُوع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
لثَوبان: (اشْتَرِ
(3/32)
لفاطمة سواراً من عاج) ، لم يُرد بالعاج
مَا يُخْرط من أَنْيَاب الفِيَلة؛ لِأَن أنيابها مَيْتَةٌ، وَإِنَّمَا
العاج الذُّبْلُ وَهُوَ ظهر السُّلَحْفاة البحرية.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل المَسَك من الذَّبْل وَمن العاج كهنئة السوار
تَجْعَلهُ الْمَرْأَة فِي يَديهَا فَذَاك المَسَك. قَالَ: والذَّبْلُ.
الْقُرُون فَإِذا كَانَ من عاج فَهُوَ مَسَك وعاج ووَقْفٌ، فَإِذا
كَانَ مِن ذَبْلٍ فَهُوَ مَسَكٌ لَا غير. وَقَالَ الْهُذلِيّ:
فَجَاءَت كخاصي العَيْرِ لم تَحْلَ عاجةً
وَلَا جاجة مِنْهَا تلوح على وشم
فالعاجة: الذَّبلة، والجاجة: خرزة لَا تَسَاوِي فَلْساً.
وَقَالَ اللَّيْث: عُوجُ بن عُوق رجل ذُكِرَ من عِظَم خَلْقِه شناعةٌ،
وذُكر أَنه ولد فِي منزل آدم فَعَاشَ إِلَى زمن مُوسَى، وَأَنه هلك على
عِدَّان مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اللَّيْث: وَيُقَال
نَاقَة عاج إِذا كَانَت مِذعان السّير ليّنة الانعطاف، وَمِنْه قَوْله:
تَقَدَّى بِي الموماةَ عاجٌ كَأَنَّهَا
قَالَ: وَيُقَال للناقة فِي الزّجر: عَاج بِلَا تَنْوِين، وَإِن شِئْت
جزمت على توهّم الْوُقُوف، يُقَال: عجعجت بالناقة إِذا قلت لَهَا: عاج
عاج. قَالَ: وذُكر أَن عوْج بن عُوق كَانَ يكون مَعَ فَرَاعِنَة مصر،
وَيُقَال: كَانَ صَاحب الصَّخْرَة الَّتِي أَرَادَ أَن يُطْبقَها على
عَسْكَر مُوسَى ج، وَهُوَ الَّذِي قَتله مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال للناقة عاجٍ وجاهٍ بِالتَّنْوِينِ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِيمَا قَرَأت بخطّه: وَكلّ صَوت يُزجَر بِهِ
الْإِبِل فَإِنَّهُ يخرج مَجْزُومًا، إِلَّا أَن يَقع فِي قافية فيحوّل
إِلَى الْخَفْض، تَقول فِي زجر الْبَعِير؛ حَلْ حَوْب، وَفِي زجر
السَّبع: هَجْ هَجْ، وجَهْ جَهْ، وجاهْ جاهْ، قَالَ: فَإِذا حكيت ذَلِك
قلت للبعير: حَوْبَ أَو حَوْبِ، وَقلت للناقة: حَلْ حَلْ، وَقلت لَهَا
حَلٍ، وَأنْشد:
أَقُول للناقة قولي للجمل
أَقُول حَوْبٍ ثمَّ أثنيها بِحَل
فخفض حَوْب ونوّنه عِنْد الْحَاجة إِلَى تنوينه.
وَقَالَ آخر:
قلت لَهَا حَلٍ فَلم تَحَلْحَلِ
وَقَالَ آخر:
وجمل قلت لَهُ حاهٍ جاهْ
يَا ويله من جمل مَا أشقاهْ
وَقَالَ آخر:
سفرت فَقلت لَهَا هج فتبرقعت
وَقَالَ شمر: قَالَ زيد بن كُثْوة: من أمثالهم: الْأَيَّام عُوج رواجع،
يُقَال ذَلِك عِنْد الشماتة، يَقُولهَا المشموت بِهِ، أَو تقال عَنهُ،
وَقد يُقَال عِنْد الْوَعيد والتهدُّد.
قلت: عُوج هَهُنَا جمع أَعْوَج، وَيكون جمع عَوْجاء، كَمَا يُقَال أصور
وصُور، وَيجوز أَن يكون جمع عائج؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: عُوُج على فُعُل
فخفّفه، كَمَا قَالَ الأخطل:
فهنّ بالبذل لَا بُخْلٌ وَلَا جُود
أَرَادَ لَا بُخُلٌ وَلَا جُوُدٌ.
(3/33)
جوع: قَالَ اللَّيْث: الجُوع: اسْم
للمخمصة، وَالْفِعْل جَاع يجوع جَوْعاً وجَوْعة، وَيُقَال: رجل جَائِع
وجَوْعان، وَرجل جَائِع نائع، والمَجاعة: عامٌ فِيهِ جوع، وَيُقَال
أجعته وجوّعته فجاع يجوع جوعا.
وَقَالَ الشَّاعِر:
أجاع الله من أشبعتموه
وَأَشْبع مَنْ بجوْركمُ أُجيعا
وَقَالَ الآخر:
كَانَ الْجُنَيْد وَهُوَ فِينَا الزُّمَّلِقْ
مجوَّعَ الْبَطن كِلاَبِيَّ الْخُلُقْ
وَقَالَ أَبُو زيد: تَقول الْعَرَب جُعت إِلَى لقائك وعطِشت إِلَى
لقائك.
وَقَالَ أَبُو سعيد: المستجيع الَّذِي يَأْكُل كل سَاعَة الشَّيْء بعد
الشَّيْء، وَفُلَان جَائِع القِدْر إِذا لم تكن قدره ملأى، وَامْرَأَة
جائعة الوِشاح إِذا كَانَت ضامرة الْبَطن، وَيجمع الجائع جياعاً، وَرجل
جوعان وَامْرَأَة جَوْعى، وَيُقَال تَوَحَّشْ للدواء وتجَوَّعْ للدواء
أَي لَا تستوفِ الطَّعَام.
وجع: قَالَ اللَّيْث: الوَجَع: اسْم جَامع لكل مرض مؤلم، يُقَال: رجل
وجِع وَقوم وَجَاعى، ونسوة وجاعى وَقوم وَجِعون، وَقد وَجِعَ فلانٌ
رَأْسَهُ أَو بَطْنَه، وَفُلَان يَوْجَعُ رَأْسَه، وَفِيه لُغَات،
يُقَال: يَوْجَع، ويَيْجع، وياجَع، وَمِنْهُم من يكسر الْيَاء فَيَقُول
يِيجَعُ، وَكَذَلِكَ تَقول: أَنا أيْجَع وأنتِ تَيْجع.
قَالَ: ولغة قبيحة، مِنْهُم من يَقُول: وجِع يَجِع، قَالَ: وَتقول:
أَنا أَوْجَع رَأْسِي، ويَوْجعني رَأْسِي، وأوجعت فلَانا ضربا
وَجِيعاً، وتوجّعت لفُلَان ممَّا نزل بِهِ إِذا رَثَيت لَهُ من
مَكْرُوه نَازل بِهِ.
وَقَالَ غَيره: يُقَال ضرب وجيع أَي موجِع، كَمَا يُقَال عَذَاب أَلِيم
بِمَعْنى مؤلم، وَقيل: ضرب وجيع: ذُو وَجَع، وأليم: ذُو ألم.
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: الوجعاء: الدُبُر ممدودة، وَأنْشد:
أنِفت للمرء إِذْ نيكت حليلته
وَإِذ يشدّ على وجعائها الثفَرُ
أغشى الحروب وسر بالي مضاعفة
تغشى البنان وسيفي صارم ذكر
وروى سَلمَة عَن الْفراء: يُقَال للرجل: وَجِعْتَ بَطْنَكَ مثل
سَفِهْتَ رَأْيَكَ ورَشِدْتَ أَمرك.
قَالَ: وَهَذَا من الْمعرفَة الَّتِي هِيَ كالنكرة: لِأَن قَوْلك:
(بَطْنك) مُفَسِّر، وَكَذَلِكَ: غَبِنْتَ رَأْيك، وَالْأَصْل فِيهِ:
وجع رأسُك، وألم بطنُك، وَسَفه رأيُك ونفسُك، فَلَمَّا حُوّل الْفِعْل
خرج قَوْلك: وجعت بَطْنك وَمَا أشبهه مُفَسرًا، قَالَ وَجَاء هَذَا
نَادرا فِي أحرف مَعْدُودَة.
وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا نصبوا وجعت بَطْنك بِنَزْع الْخَافِض مِنْهُ،
كَأَنَّهُ قَالَ: وَجعت من بَطْنك، وَكذلك سفهت فِي رَأْيك، وَهَذَا
قَول الْبَصرِيين، لِأَن المفسِّرات لَا تكون إِلَّا نكرات.
وَتجمع الوجعاء: الدبر وَجْعاوات.
جعا: أهمله اللَّيْث.
وَروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو
(3/34)
عَن أَبِيه أَنه قَالَ: الْجَعْو: الطين،
قَالَ وَيقال جعّ فلَان فلَانا إِذا رَمَاه بالجَعْو وَهو الطين.
وَقَالَ اللَّيْث العَيْج: شبه الاكتراث، وَأنشد:
وَما رَأَيْت بهَا شَيْئا أعِيج بِهِ
إِلَّا الثمام وَإلا مَوقَدِ النَّار
وَيُقَال: عاج بِهِ يعيج عيجوجة فَهُوَ عائج بِهِ.
وَروى أَبُو إِسْحَاق عَن هُبَيْرَة أَنه قَالَ: سَمِعت عليا يَقُول
نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الجِعة.
وَفي الحَدِيث (الجِعَة شراب يصنع من الشّعير وَالحنطة حَتَّى يُسكر) .
وَقال أَبُو عبيد: الجعة من الْأَشْرِبَة وَهو نَبِيذ الشّعير.
(بَاب الْعين والشين من معتل الْعين)
ع ش (وَا يء)
عشا، عَيْش، شعا، شيع، شوع، وشع.
عشا: أخبرنَا أَبُو الْفضل بن أبي جَعْفَر عَن أبي الْحسن الطوسيّ عَن
الخزاز قَالَ: سَمِعت ابْن الأعرابيّ يَقُول: العُشْو من الشُّعَرَاء
سَبْعَة: أعشى بني قيس أَبُو بَصِير، وَأعشى باهلة أَبُو قُحَافَة،
وَأعشى بني نَهْشل الْأسود بن يَعْفر، وَفي الْإِسْلَام أعشى بني
ربيعَة من بني شَيبَان، وَأعشى هَمْدان، وَأعشى تغلب بن جاوَان، وَأعشى
طِرْوَد من سُلَيم.
وَقال غَيره: وَأعشى بني مَازِن من تَمِيم. قلت: وَالعُشْو جمع
الْأَعْشَى، وَقد عَشِي الرجل يعشى عشاً فَهُوَ أَعشى وَامرأة عشواء،
وَرجلان أعشيان وَامرأتان عشواوَان وَرجال عُشْو وَأَعشون.
وَقَالَ اللَّيْث: العشا يكون سوء الْبَصَر من غير عمى، وَيكون الَّذِي
لَا يبصر بِاللَّيْلِ ويبصر بِالنَّهَارِ.
وَقَالَ أَبُو زيد: الْأَعْشَى هُوَ السيّء الْبَصَر بِالنَّهَارِ
وبالليل، وَقد عشا يعشو عَشْواً، وَهُوَ أدنى بَصَره، وَإِنَّمَا يعشو
بعد مَا يَعْشَى.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: عشا يعشو إِذا أَتَى نَارا
للضيافة، وعشا يعشو إِذا ضعف بَصَره.
وَقَالَ أَبُو زيد: عشِي الرجل عَن حقّ أَصْحَابه يَعْشَى عَشاً
شَدِيدا إِذا ظلمهم، وَهُوَ كَقَوْلِك: عمى عَن حَقه، وَأَصله من
العشا، وَأنْشد:
أَلا رُبَّ أعشى ظالمٍ متخمّط
جعلتُ لعينيه ضِيَاء فأبصرا
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: عَشِيَ عليَّ فلَان يَعْشَى عشاً مَنْقُوص:
ظَلَمَنِي.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للرِّجَال: يعشَوْن، وهما يعشيان، وَفِي
النِّسَاء هن يعشَيْن، قَالَ: ولمَّا صَارَت الْوَاو فِي عشي يَاء
لكسرة الشين تركت فِي يعشَيَانِ يَاء على حَالهَا، وَكَانَ قِيَاسه
يعشَوَانِ، فتركوا الْقيَاس، قَالَ: وتعاشى الرجُل فِي أَمْرِي إِذا
تجاهل.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: عَشِي فلَان يعشى إِذا تعشّى فَهُوَ
عاشٍ. وَيُقَال فِي مثل: العاشقةِ تَهِيج الآبية، أَي إِذا رَأَتْ
(3/35)
الَّتِي تأبى الرَعْي الَّتِي تتعشّى
هاجتها للرعي فرعت.
والعِشْيُ: مَا يُتعشّى بِهِ، وَجمعه أَعْشاء.
قَالَ الحطيئة:
وَقد نظرتكم أعشاء صادرةٍ
للخِمْس طَال بهَا حَوْزِي وَتَنْسَاسي
قَالَ شمر أَرَادَ انتظرتكم طَويلا قدر مَا تَعَشَى إبل صدرت عَن
المَاء لخمس وَطَالَ عشاؤُها.
يَقُول انتظرتكم انْتِظَار إبل خوامِسَ؛ لِأَنَّهَا إِذا صدرت تعشَّت
طَويلا وَفِي بطونها مَاء كثير فَهِيَ تحْتَاج إِلَى ثَقَل كثير.
قَالَ: وَوَاحِد الأعشاء عِشْي.
وَقَالَ اللَّيْث: العَشْواء من النوق: الَّتِي لَا تبصر مَا أمامها،
وَذَلِكَ لِأَنَّهَا ترفع رَأسهَا فَلَا تتعاهد مَوضِع أخفافها.
وَقَالَ زُهَيْر
رَأَيْت المنايا خبط عشواء من تصب
تُمِته وَمن تخطىء يُعمَّر فيهرَم
وَمن أمثالهم السائرة: هُوَ يخبِط خَبْط عشواء، يُضرب مثلا للسادر
الَّذِي يركب رَأسه وَلَا يهتم لعاقبته، كالناقة العشواء الَّتِي لَا
تبصر، فَهِيَ تخبط بِيَدَيْهَا كل مَا مرَّت بِهِ، وشَبَّه زُهَيْر
المنايا بخبط عشواء لِأَنَّهَا تعمّ الكلّ وَلَا تخصّ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُقَاب العشواء: الَّتِي لَا تبالي كَيفَ
خَبَطت وَأَيْنَ ضربت بمخالبها كالناقة العشواء لَا تَدْرِي كَيفَ تضع
يَدهَا.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: عشا يعشو: إِذا أَتَى نَارا
للضيافة، وعشا يعشو: إِذا ضعف بَصَره.
وَقَالَ اللَّيْث: العَشْو: إتيانك نَارا ترجو عِنْدهَا هدى أَو خيرا.
تَقول: عشوتها أعشوها عَشْواً وعُشُوَّاً.
قَالَ: والعاشية: كل شَيْء يعشو بِاللَّيْلِ إِلَى ضوء نَار من
أَصْنَاف الْخَلْق؛ كالفَرَاش وَغَيره، وَكَذَلِكَ الْإِبِل العواشي
تعشو إِلَى ضوء نَار. وَأنْشد:
وعاشية حُوشٍ يِطانٍ ذعرتُها
بضربِ قتيلٍ وسطَها يتسيَّفُ
قلت: غلط فِي تَفْسِير الْإِبِل العواشي أَنَّهَا الَّتِي تعشو إِلَى
ضوء النَّار. وَالْإِبِل العواشي جمع العاشية وَهِي الَّتِي ترعى
لَيْلًا وتتعشّى، وَمِنْه قَوْلهم: العاشية تهيج الآبية.
وَقَول الله جلّ عزّ: {لِلْمُتَّقِينَ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ
الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}
(الزّخرُف: 36) . قَالَ الْفراء فِي كِتَابه فِي الْمعَانِي وَلم أسمع
هَذَا الْفَصْل من الْمُنْذِرِيّ لِأَن بعض هَذِه السُّورَة كَانَ
فَاتَ أَبَا الْفضل مَعْنَاهُ: من يعرض عَن ذكر الرحمان، قَالَ وَمن
قَرَأَ (وَمن يَعْشَ عَن ذكر الرحمان) فَمَعْنَاه من يَعْمَ عَنهُ.
وَقَالَ القتيبي معنى قَوْله: {لِلْمُتَّقِينَ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ
الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} أَي
يُظلم بصرُه، قَالَ: وَهَذَا قَول أبي عُبَيْدَة ثمَّ ذهب يردّ قَول
الْفراء وَيَقُول: لم أر أحدا يُجِيز عشوت عَن الشَّيْء أَعرَضت عَنهُ،
إِنَّمَا يُقَال: تعاشيت عَن الشَّيْء: تغافلت عَنهُ، كَأَنِّي لم أره
وَكَذَلِكَ تعاميت.
(3/36)
قَالَ: وعشوت إِلَى النَّار إِذا استدللت
عَلَيْهَا ببصر ضَعِيف.
قلت: أغفل القتيبي مَوضِع الصَّوَاب، وَاعْترض مَعَ غفلته على الْفراء
يردّ عَلَيْهِ فَذكرت قَوْله لأبين عواره فَلَا يغتر بِهِ النَّاظر فِي
كِتَابه، وَالْعرب تَقول: عَشَوت إِلَى النَّار أعشو عَشْواً أَي
قصدتها مهتدياً بهَا، وعشوت عَنْهَا أَي أَعرَضت عَنْهَا، فيفرقون بَين
إِلَى وَعَن موصولين بِالْفِعْلِ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: عشا فلَان إِلَى النَّار يعشو عَشْواً إِذا
رأى نَارا فِي أوَّل اللَّيْل فيعشو إِلَيْهَا يستضيء بضوئها، وعشا
الرجل إِلَى أَهله يعشو، وَذَلِكَ من أول اللَّيْل إِذا علم مَكَان
أَهله فقصد إِلَيْهِم.
وأخبرن المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: عَشِي الرجل يَعْشَى
إِذا صَار أعشى لَا يبصر لَيْلًا، عَشَا عَن كَذَا وَكَذَا يعشو عَنهُ
إِذا مضى عَنهُ، وعَشَا إِلَى كَذَا وَكَذَا يعشوا إِلَيْهِ عَشْواً
وعُشوَّاً إِذا قصد إِلَيْهِ مهتدياً بضوء ناره، وَأنْشد قَول الحطيئة:
مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره
تَجِد خير نَار عِنْدهَا خيرُ موقد
قَالَ: وَيُقَال: استعشى فلَان نَارا إِذا اهْتَدَى بهَا، وَأنْشد:
يتبعن جِرْوَياً إِذا هِبْن قَدَمْ
كَأَنَّهُ بِاللَّيْلِ مُسْتَعْشِى ضَرَم
يَقُول: هُوَ نشيط صَادِق الطَرْف جريء على اللَّيْل، كَأَنَّهُ مستعشٍ
ضَرَمَةً وَهِي النَّار. وَهُوَ الرجل الَّذِي قد سَاق الخارب إبِله
فطردها فعَمَد إِلَى ثوب فشقّه وفتله فتْلاً شَدِيدا ثمَّ غمسه فِي
زَيْت أَو دهن فروّاه ثمَّ أَشْعَل فِي طَرَفه النَّار فاهتدى بهَا،
واقتصّ أثر الخارب ليستنقذ إبِله.
قلت: وَهَذَا كُله صَحِيح وَإِنَّمَا أَتَى القتيبي فِي وهمه الخطأُ من
جِهَة أَنه لم يفرق بَين عشا إِلَى النَّار وعشا عَنْهَا، وَلم يعلم
أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا ضدّ الآخر فِي بَاب الْميل إِلَى الشَّيْء
والميل عَنهُ، كَقَوْلِك: عدلت إِلَى بني فلَان إِذا قصدتهم، وَعدلت
عَنْهُم إِذا مضيتَ عَنْهُم، وَكَذَلِكَ ملت إِلَيْهِم وملت عَنْهُم،
ومضيت إِلَيْهِم ومضيت عَنْهُم وَهَكَذَا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج فِي قَوْله جلّ وعزّ: {لِلْمُتَّقِينَ
وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً
فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (الزّخرُف: 36) أَي يُعرض عَنهُ كَمَا قَالَ
الْفراء.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَمعنى الْآيَة أَن من أعرض عَن الْقُرْآن وَمَا
فِيهِ من الْحِكْمَة إِلَى أباطيل المضلّين فعقابُه بِشَيْطَان نقيّضه
لَهُ حَتَّى يضلّه ويلازمه قريناً لَهُ فَلَا يَهْتَدِي؛ مجازاة لَهُ
حِين آثر الْبَاطِل على الحقّ البيّن.
قلت: وَأَبُو عُبيدة صَاحب معرفَة بالغريب وأيّام الْعَرَب، وَهُوَ
بليد النّظر فِي بَاب النَّحْو ومقاييسه.
وَفِي حَدِيث ابْن عمر أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: كَمَا لَا ينفع
مَعَ الشّرك عمل هَل يضرّ مَعَ الْإِيمَان ذَنْب؟ فَقَالَ ابْن عمر:
عَشِّ وَلَا تَغْتَرَّ. قَالَ أَبُو عبيد: هَذَا مثل، وَأَصله فِيمَا
يُقَال أَن رجلا أَرَادَ أَن يقطع مفازة بإبله فاتّكل على مَا فِيهَا
من الْكلأ، فَقيل لَهُ عشِّ إبلك قبل أَن تفوِّز، وَخذ
(3/37)
بِالِاحْتِيَاطِ، فَإِن كَانَ فِيهَا كلأ
لم يَضرك مَا صنعت، وَإِن لم يكن فِيهَا شَيْء كنت قد أخَذت بالثقة،
فأَراد ابْن عمر بقوله هَذَا اجْتنب الذُّنُوب وَلَا تركبها اتّكالاً
على الْإِسْلَام، وَخذ فِي ذَلِك بالثقة وَالِاحْتِيَاط. يُقَال عشّيت
الْإِبِل إِذا رعيتها بعد غرُوب الشَّمْس إِلَى ثلث اللَّيْل، وعشيتها
أَيْضا إِذا رعيتها بعد الزَّوَال إِلَى غرُوب الشَّمْس، وعشّيت الرجل
إِذا أطعمته الْعشَاء، وَهُوَ الطَّعَام الَّذِي يُؤْكَل بعد العِشاء،
وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا قُرِّب العَشَاء
وأقيمت الصَّلَاة فابدؤا بالعَشَاء، فالعَشَاء: الطَّعَام وَقت
العِشاء) .
وَقَالَ ابْن السّكيت: إِذا قيل لَك تَعشَّ قلت: مَا بِي تَعشَ يَا
هَذَا. وَلَا تقل: مَا بِي عَشاء، قَالَ: وَرجل عَشْيان وَهُوَ من
ذَوَات الْوَاو لِأَنَّهُ يُقَال عَشَيْتُه وعَشَوْتُه فَأَنا أعشوه
أَي عشَّيته، وَقد عَشِي يَعْشَى إِذا تَعَشَّى، فَهُوَ عَاشَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال من الغَدَاء وَالْعشَاء: رجل غَدْيان
وعَشْيان، قَالَ: وَالْأَصْل غدوان وعشوان؛ لِأَن أَصلهمَا الْوَاو،
وَلَكِن الْوَاو تقلب إِلَى الْيَاء كثيرا؛ لِأَن الْيَاء أخفّ من
الْوَاو.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: ضَحَيْتُ عَن الشَّيْء وعَشَيْتُ عَنهُ
مَعْنَاهُمَا: رَفَقْت بِهِ. وَصَلَاة العِشَاء، هِيَ الَّتِي بعد
صَلَاة الْمغرب، ووقتها حِين يغيب الشَّفق، وَهُوَ قَول الله جلّ وعزّ:
{وَمِن بَعْدِ صَلَواةِ الْعِشَآءِ} (النُّور: 58) . وأمّا العَشِيُّ
فَإِن الْمُنْذِرِيّ أَخْبرنِي عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: إِذا
زَالَت الشَّمْس دُعي ذَلِك الْوَقْت العشيّ، فتحول الظل شرقياً وتحولت
الشَّمْس غربية.
قلت: وصلاتا العشِيّ هما الظّهْر وَالْعصر، وحدَّثنا السعديّ عَن عمر
بن شَبَّة عَن عبد الْوَهَّاب عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: صلّى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِحْدَى صَلَاتي العشيّ، وأكبر ظَنِّي أَنَّهَا الظّهْر، ثمَّ ذكر
الحَدِيث. قلت: وَيَقَع العِشِيّ على مَا بَين زَوَال الشَّمْس إِلَى
وَقت غُرُوبهَا، كل ذَلِك عِشيّ، فَإِذا غَابَتْ الشَّمْس فَهُوَ
العِشاء.
وَقَالَ اللَّيْث: العَشِيّ بِغَيْر هَاء: آخرُ النَّهَار. فَإِذا قلت:
عشيّة فَهُوَ ليَوْم وَاحِد، يُقَال لَقيته عَشِيَّة يَوْم كَذَا
وَكَذَا، ولقيته عشيَّة من العشيَّات. قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال لصلاتي
الْمغرب وَالْعشَاء العشاءان، وَالْأَصْل العِشاء فغُلّب على الْمغرب،
كَمَا قَالُوا: الأبوان وهما الْأَب وَالأُم. وَمثله كثير. قَالَ
النَّضر: العِشاء: حِين يُصَلِّي النَّاس لعتمة وَأنْشد:
ومجوّل مَلَث الْعشَاء دعَوتُه
وَاللَّيْل منتشر السقيط بهيم
قَالَ: وَإِذا صغّروا العشيّ قَالُوا: عُشَيْشيَان، وَذَلِكَ عِنْد شفى
وَهُوَ آخر سَاعَة من النَّهَار. قَالَ: وَيجوز فِي تَصْغِير عشِيَّة
عُشَيَّة وعُشَيشية.
قلت: كَلَام الْعَرَب فِي تَصْغِير عَشِيَّة: عُشَيشية، جَاءَ نَادرا
على غير قِيَاس. وَلم أسمع عُشَيَّة فِي تَصْغِير عشِيّة، وَذَلِكَ أَن
عُشية تَصْغِير العَشْوة وَهِي أوَّل ظلمَة اللَّيْل، فأرادوا أَن
يفرقُوا بَين تَصْغِير
(3/38)
العَشِيَّة وتصغير العَشْوة.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُو
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ} (النَّازعَات: 46) يَقُول الْقَائِل:
وَهل للعشية ضحى؟
قَالَ: وَهَذَا جيّد من كَلَام الْعَرَب. يُقَال: آتِيك العشِيّة أَو
غداتَها، وآتيك الْغَدَاة عشِيّتها، فَالْمَعْنى لم يَلْبَثُوا إلاّ
عَشِيَّة أَو ضحى العشية، فأضاف الضُّحَى إِلَى العشية.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَن ابْن الْأَعرَابِي
أنْشدهُ:
ألاَ لَيْت حظّي من زِيَارَة أُمِّيَهْ
غِديَّاتُ قيظ أَو عَشِياتُ أشتيه
وَقَالَ: الغَدَوات فِي القيظ أطول وَأطيب، والعشِيَّات فِي الشتَاء
أطول وَأطيب، وَقَالَ: غَدِية وغدِيات؛ مثل عَشِية وعَشِيَّات.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: يُقَال: لَقيته عُشَيشية وعشيشِيات
وعشيشيانات وعُشَيَّانَات، ولقيته مغيربان الشَّمْس ومغيربانات
الشَّمْس. وَذكر ابْن السّكيت عَن أبي عُبَيْدَة وَابْن الْأَعرَابِي
أَنَّهُمَا قَالَا:
يُقَال: أوطأته عَشْوَةً وعِشْوَةً وعُشوة. وَالْمعْنَى فِيهِ: أَنه
حمله على أَن يركب أمرا غير مستبين الرشد، فَرُبمَا كَانَ فِيهِ
عطَبُه، وَأَصله من عَشْواء اللَّيْل وعُشوته مثل ظلماء اللَّيْل
وظلمته، فأمّا العِشاء فَهُوَ أول ظلام اللَّيْل.
ورَوَى شمر حَدِيثا بِإِسْنَاد لَهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَنه قَالَ: يَا معشر الْعَرَب احمدوا الله الَّذِي رفع عَنْكُم
العُشوة. وَقَالَ شمر: أَرَادَ بالعُشْوة ظلمَة الْكفْر، كلَّما ركب
الْإِنْسَان أمرا بِجَهْل لَا يبصر وَجهه فَهُوَ عُشوة، مَأْخُوذ من
عُشوة اللَّيْل، وَمِنْه يُقَال: أوطأته عُشْوة. وَقَالَ شمر: قَالَ
أَبُو عَمْرو: العُشْوة أَيْضا فِي غير هَذَا: الشعلة من النَّار.
وَأنْشد:
حَتَّى إِذا اشتال سُهَيل بِسحر
كعُشوة القابس تَرْمِي بالشرر
عَيْش: يُقَال: عَاشَ يعِيش عَيْشًا ومعاشاً ومعيشة وعِيشة ومعيشاً
بِغَيْر هَاء.
وَقَالَ اللَّيْث: العَيْش: الْمطعم وَالْمشْرَب وَمَا يكون بِهِ
الْحَيَاة. والمعِيشة: اسْم مَا يعاش بِهِ، والعيشة: ضرب من الْعَيْش،
يُقَال. عَاشَ عِيشة صدق، وعيشة سَوْءٍ، وكلّ شَيْء يعاش بِهِ فَهُوَ
معاش، وَالْأَرْض معاش لِلْخلقِ. وَيُقَال: عَيْش آل فلَان اللَّبن
إِذا كَانُوا يعيشون بِهِ، وعيش آل فلَان الْخبز، وعيشهم التَّمْر،
وَرُبمَا سموا الْخبز عَيْشاً.
وَقَالَ المؤرج: هِيَ الْمَعيشَة؛ قَالَ والمَعُوشة لُغَة الأَزْد.
وَأنْشد لحاجز بن الجُعَيْد:
من الخفِرات لَا يُتْمٌ غَذَاها
وَلَا كدُّ المعوشة والعلاجُ
وَقَالَ ابْن السّكيت: تَقول: هِيَ عَائِشَة؛ وَلَا تقل عَيْشَة،
وَتقول هِيَ رَيْطة؛ وَلَا تقل رائطة؛ وَتقول: هُوَ من بني عَيِّذ الله
وَلَا تقل: عَائِذ الله.
وَقَالَ اللَّيْث فلَان العائشيّ؛ وَلَا تقل:
(3/39)
العَيْشيّ؛ مَنْسُوب إِلَى بني عَائِشَة.
وَأنْشد:
عبدَ بني عَائِشَة الهُلاَبعا
وَيُقَال إِنَّهُم ليتعيّشون إِذا كَانَت لَهُم بُلْغة من الْعَيْش؛
وَرجل عائش: حَاله حَسَنَة.
وَقَالَ أَكثر الْمُفَسّرين فِي قَوْله جلّ وعزّ: {فَإِنَّ لَهُ
مَعِيشَةً ضَنكاً} (طاه: 124) : إِن الْمَعيشَة الضنك عَذَاب الْقَبْر،
وَقيل: إِن هَذِه الْمَعيشَة الضنك فِي نَار جهنّم، والضنك فِي
اللُّغَة: الضّيق والشدة. وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ
فِيهَا مَعَايِشَ} (الأعرَاف: 10) فَيحْتَمل أَن يكون: مَا يعيشون
بِهِ، وَيُمكن أَن يكون الوُصْلة إِلَى مَا يعيشون بِهِ، قَالَ ذَلِك
أَبُو إِسْحَاق، قَالَ: وَأكْثر الْقُرَّاء على ترك الْهَمْز فِي
(معايش) ، إِلَّا مَا رُوي عَن نَافِع أَنه همزها، والنحويّون على أَن
همزها خطأ. وَذكروا أَن الْهمزَة إِنَّمَا تكون فِي هَذِه الْيَاء إِذا
كَانَت زَائِدَة؛ نَحْو صحيفَة وصحائف، فأمّا معايش فَمن الْعَيْش،
الْيَاء أَصْلِيَّة.
شيع: قَالَ اللَّيْث: شاع الشيءُ يشِيع مَشَاعاً وشَيْعُوعةً فَهُوَ
شَائِع: إِذا ظهر وتفرق. وَأَجَازَ غَيره شاع شُيُوعاً. وَتقول:
تَقْطُر قَطْرَة من لبن فِي المَاء فتشيع فِيهِ أَي تَفَرَّقُ فِيهِ،
قَالَ: وَنصِيب فلَان شَائِع فِي جَمِيع هَذِه الدَّار، ومُشَاع فِيهَا
أَي لَيْسَ بمقسوم وَلَا مَعْزُول. وَقَالَ غَيره: أشعت المَال بَين
الْقَوْم، والقِدْرَ فِي الْحَيّ إِذا فرّقته فيهم. وَأنْشد أَبُو
عُبَيْدَة:
فَقلت أشيعا مَشرا القِدْرَ حولنا
وأيَّ زمَان قِدْرُنا لم تُمَشَّر
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أشاعت النَّاقة ببولها وأوزغت وأزغلت كل
هَذَا إِذا رمت بِهِ رمياً وقطّعته، وَلَا يكون ذَلِك إلاَّ إِذا
ضربهَا الْفَحْل. وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال هَذَا شَيْعُ هَذَا أَي
مثله.
وَقَالَ شمر: لم أره مُنْذُ شهر وشَيْعِه أَرَادَ: وَنَحْوه، وأنشدني
أَبُو بكر:
قَالَ الخليط غَدا تصدُّعُنا
أَو شَيْعَهُ أَفلا تودّعنا
قَالَ أَبُو شيعه: أَو بعد غَد.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّيْع من أَوْلَاد الْأسد، وَرجل مشياع: مذياع
لَا يكتم سرّاً. يُقَال: أشعت السرّ وشِعْتُ بِهِ إِذا أذعت بِهِ وَفِي
لُغَة أشعت بِهِ.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {أَغْرَقْنَا الاَْخَرِينَ وَإِنَّ مِن}
(الصَّافات: 83) فَإِن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الْهَاء لمُحَمد صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَي إِبْرَاهِيم خُبِّر بِخَبَرِهِ فاتّبعه ودعا
لَهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْفراء. يَقُول: هُوَ على منهاجه وَدينه وَإِن
كَانَ إِبْرَاهِيم سَابِقًا لَهُ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِي قَوْله {أَغْرَقْنَا الاَْخَرِينَ
وَإِنَّ مِن} إِن من شيعته نوح وَمن أهل مّلته.
قلت: وَهَذَا القَوْل أقرب؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوف على قصّة نوح، وَهُوَ
قَول الزَّجاج. والشيعة: أنصار الرجل وأَتْباعه. وكلّ قوم اجْتَمعُوا
على أَمر فهم شِيعة. وَالْجَمَاعَة شِيَع وأشياع، وَقَالَ الله جلّ
وعزّ: {مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم} (سَبَإ: 54)
والشيعة: قوم يَهْوَوْن هوى عِتْرة النَّبِي مُحَمَّد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ويوالونهم.
(3/40)
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ:
المُشَايِع: اللَّاحِق، وَقَالَ لَبيد:
كَمَا ضم أُخْرَى التالياتِ المُشَايِعُ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: شيّعت النَّار تشييعاً إِذا ألقيت
عَلَيْهَا مَا تُذَكِّيها بِهِ، وَيُقَال: شيعت فلَانا أَي خرجت مَعَه
لأودّعه، وَيُقَال: شيعنا شهر رَمَضَان بستّ من شَوَّال أَي أتبعناه
بهَا. وَقَالَ أَبُو عبيد المُشَيَّع: الشجاع من الرِّجَال، قَالَ
وَقَالَ الْأمَوِي يُقَال شايعت بِالْإِبِلِ شِيَاعاً إِذا دعوتها،
وَقَالَ غَيره: شايعت بهَا إِذا دَعَوْت بهَا لتجتمع وتنساق وَأنْشد
قَول جرير يُخَاطب الرَّاعِي:
فألقِ استك الهَلْباءَ فَوق قَعُودها
وشايعْ بهَا واضمم إِلَيْك التواليا
يَقُول صوِّت بهَا ليلحق أخراها أولاها.
رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِن مَرْيَم
بنت عمرَان سَأَلت رَبهَا أَن يُطعمها لَحْمًا لَا دم فِيهِ فأطعمها
الْجَرَاد، فَقَالَت: أَعِشه بِغَيْر رضَاع، وتابع بَينه بِغَيْر
شِياع) ، الْمَعْنى تَابع بَينه فِي الطيران حَتَّى يتتابع من غير أَن
يُشَايَعَ بِهِ كَمَا يشايعُ الرَّاعِي بإبله لتجتمع وَلَا تتفرّق
عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الشِّياع: صَوت قَصَبَة ينْفخ فِيهَا الرَّاعِي.
وَأنْشد:
حَنين النِيب تطرب للشِّياع
أَبُو الْعَبَّاس عَن الْأَعرَابِي قَالَ: الشِّياع: زَمَّارة
الرَّاعِي. وَهُوَ قَول مَرْيَم فِي دعائها للجراد: اللَّهُمَّ سُقْه
بِلَا شِيَاع أَي بِلَا زَمَّارة رَاع.
وَقيل: الشِّياع: الدُّعَاء، وَيُقَال: أشاعكم الله السلامَ. وشاعكم
السلامُ لُغَتان، وَقَالَ الشَّاعِر:
أَلا يَا نَخْلَة من ذَات عرق
بَرُودَ الظل شاعكم السَّلَام
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: معنى شيَّعت فلَانا فِي اللُّغَة اتَّبعت،
وَالْعرب تَقول: شاعكم السَّلَام أَي تبعكم السَّلَام وَتقول: آتِيك
غَدا أَو شَيْعه أَي الْيَوْم الَّذِي يَتبعه. قَالَ وَمعنى الشِّيعَة:
الَّذِي يتبع بَعضهم بَعْضًا وَمعنى الشِّيَع: الْفرق الَّتِي كل فرقة
مِنْهُم يتبع بَعضهم بَعْضًا وَلَيْسَ كلهم متفقين قَالَ الله
تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا}
(الأنعَام: 159) قَالَ معنى قَوْله: {وَكَانُواْ شِيَعًا} أَي كَانُوا
فرقا فِي دينهم، كل فرقة تكفّر الْفرق الْمُخَالفَة لَهَا، يَعْنِي
الْيَهُود وَالنَّصَارَى بَعْضهَا يكفر بَعْضًا، وَكَذَلِكَ الْيَهُود،
وَالنَّصَارَى تكفر الْيَهُود، وَالْيَهُود تكفرهم، وَكَانُوا أُمروا
بِشَيْء وَاحِد.
اللحيانيّ عَن الْكسَائي: قَالَ يُونُس: شاعكم الله بِالسَّلَامِ
يشاعكم شَيْعاً أَي ملأكم. وَقد قيل: أشاعكم الله بِالسَّلَامِ يُشيعكم
إِشَاعَة.
وَيُقَال: شاعك الْخَيْر أَي لَا فارقك، قَالَ لبيد:
فشاعهم حمد وزانت قُبُورهم
أَسِرَّةُ رَيْحانٍ بقاعٍ مُنَوِّرِ
وَيُقَال فلَان يُشيِّعه على ذَلِك مَال أَي يقوّيه. قَالَ
الْأَصْمَعِي: وَمِنْه تشييع النَّار بإلقاء الْحَطب عَلَيْهَا يقويها.
أَبُو سعيد: هما متشايعان ومشتاعان فِي دَار أَو أَرض
(3/41)
إِذا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِيهَا، وهم
شُيعاء فِيهَا، وكل وَاحِد مِنْهُم شُيِّع لصَاحبه، وَهَذِه الدَّار
شَيِّعة بَينهم أَي مُشَاعة، وَقَالَ: كل شَيْء يكون بِهِ تَمام
الشَّيْء أَو زِيَادَته فَهُوَ شِيَاع لَهُ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال لما انْتَشَر من أَبْوَال الْإِبِل إِذا
ضربهَا الْفَحْل فأشاعت ببولها: شاعٌ، وَأنْشد:
يقطّعن للإبْسَاس شاعاً كَأَنَّهُ
جَدَايا على الأنساء مِنْهَا بصائر
والجمل أَيْضا يقطِّع ببوله إِذا هاج، وبوله شاعٌ. وَأنْشد:
وَلَقَد رمى بالشاع عِنْد مُنَاخِه
ورغا وهدَّر أيَّما تهدير
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: جَاءَت الْخَيل شواعيّ وشوائع،
مُتَفَرِّقَة، وَأنْشد للأجدع ابْن مَالك أبي مَسْرُوق بن الأجدع.
وَكَأن صرعاها كِعَابُ مقامر
ضُرِبَتْ على شُزُنٍ فهنّ شواعي
وَقَالَ شمر: شاعة الرجل: امْرَأَته، وَقَالَ رجل لعبد الْمطلب: هَل
لَك شاعة؟ أَي امْرَأَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه سمع أَبَا المكارم يذمّ رجلا
فَقَالَ: ضَبّ مَشِعٌ، أَرَادَ أَنه مثل الضبّ الحقود لَا ينْتَفع
بِهِ، المَشِيع من قَوْلك: شِعْتُه أشِيعه شَيْعاً إِذا ملأته. قَالَ:
والشاعة: الْأَخْبَار المنتشِرة.
شوع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: شَوُع رَأسه يَشْوُعُ
شَوَعاً إِذا اشعانّ.
قلت: هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عمر عَنهُ، وَالْقِيَاس: شَوِع رَأسه
يَشْوَع شَوَعاً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للرجل: شُعْ شُع إِذا أَمرته
بالتقشّف وَتَطْوِيل الشّعْر، وَمِنْه قيل فلَان ابْن أَشوع. أَبُو
عبيد عَن الأصمعيّ قَالَ: الشُّوع: شجر البان. وَقَالَ قيس بن
الخَطِيم:
بحافتيه الشُّوع والغِرْيَفِ
شعا: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الشاعي الْبعيد. قَالَ:
والشَّعْو: انتفاش الشَعَر. الشُعَا خُصَل الشّعْر المشْعانّ.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: الْغَارة الشعواء: المتفرقة،
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
ماويّ يَا ربّمّا غارةٍ
شعواء كاللذعة بالمِيسَم
وَقَالَ اللَّيْث: أشعى الْقَوْم الْغَارة وأشعلوها. عَمْرو عَن
أَبِيه: الشَّعْوانَة الجُمَّة من الشّعْر المُشعانِّ.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: شَعِيَت الْغَارة تَشْعَى شَعاً إِذا انتشرت
فَهِيَ شعواء، كَمَا يُقَال: عَشِيت الْمَرْأَة تعشى عَشاً فَهِيَ
عَشْواء.
وشع: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن سَلَمة عَن
الْفراء: يُقَال: توشَّعَ فلَان فِي الْجَبَل إِذا صعَّد فِيهِ،
وَأنْشد:
وَيْلُمِّها لِقْحَةَ شِيخ قد نَحَلْ
حَوْسَاءُ فِي السهل وشُوعٌ فِي الْجَبَل
قَالَ وَأخْبرنَا عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال وَشَع فِي
الْجَبَل يَشَعُ وُشُوعاً مثله.
أَبُو عبيد عَن الْفراء وَشَعَ فلَان الْجَبَل يَشَعُ وشْعاً إِذا
علاهُ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوشيع:
(3/42)
عَلَم للثوب. والوشيع: كُبَّة الْغَزل.
والوشيع: خَشَبَة الحائك الَّتِي يسميها النَّاس الحَفَّ، وَهُوَ عِنْد
الْعَرَب الحِلْوُ إِذا كَانَت صَغِيرَة، والوشيع إِذا كَانَت كَبِيرَة
قَالَ: والوشيع الخُصُّ. والوشيع: سقف الْبَيْت. والوشيع: عَرِيش يبْنى
للرئيس فِي المعسكر يُشرف مِنْهُ على عسكره. أَبُو عبيد: الوَشِيع:
القصبة الَّتِي يَجْعَل النسَّاج فِيهَا لُحْمة الثَّوْب للنسج.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَشِيعة، وَجَمعهَا وشائع وَهِي خَشَبَة يُلْوى
عَلَيْهَا الْغَزل من ألوان شتّى من الوَشْي وَغير ألوان الوشي. وكلُّ
لَفِيفة مِنْهَا وشيعة. وَمن هُنَاكَ سُمّيت قَصَبَة الحائك وشيعة؛
لِأَن فِيهَا يُوَشَّع الْغَزل. وَأنْشد قَوْله:
نَدْف القِياس القُطْن الموشَّعا
قَالَ: وتوشيعه: أَن يُلفّ بعد الندْفِ.
أَبُو سعيد الوشِيع: خَشَبَة غَلِيظَة تُوضَع على رَأس الْبِئْر يقوم
عَلَيْهَا الساقي، وَقَالَ الطرماح يصف صائداً:
فأزَلّ السهمَ عَنْهَا كَمَا
زلّ بالسّاقي وشيعُ المُقَامْ
قَالَ وَوَشَّعَ كَرْمَهُ إِذا بنى جِدَاره بقَصَب أَو سعف يُشَبِّكُ
الْجِدَار بِهِ، وَهُوَ التوشيع، ووشّعت المرأةُ قطنها إِذا فَرَّصَتْه
وهيّأته للندف بعد الحَلْج. وَهُوَ مثل التزبيد والتسبيخ وتوشّع الشيبُ
رَأْسَهُ إِذا علاهُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: توزّع بَنو فلَان ضيوفهم وتوشّعوهم سواءٌ، أَي
ذَهَبُوا بهم إِلَى بُيُوتهم كلّ رجل مِنْهُم بطَائفَة. قَالَ:
وَيُقَال: وَشَع فِيهِ القَتِيرُ ووشَّع وأتلعَ فِيهِ القتيرُ وسبّل
فِيهِ الشيب ونصل بِمَعْنى وَاحِد، وَيُقَال لِمَا كِسا الغازلُ
المِغْزَلَ. وَشِيعةٌ ووَلِيعة وسَليخة ونصْلَه وَيُقَال وَشْعٌ من خبر
ووَشْم ووُشُوم وشمع وشموع وَكَذَلِكَ أثر وآثار.
اللَّيْث: الوَشْعُ: شجر البان، والجميع الوشُوع. قَالَ: والوَشْع من
زهر الْبُقُول مَا اجْتمع على أطرافها فَهُوَ وَشْعٌ ووشوع، قَالَ
وَوَشَّعَتْ البقلةُ إِذا انفرجت زَهَرتها، قَالَ: والشُّوع أَيْضا:
شَجَرَة البان، الْوَاحِدَة شُوعَة، وَأنْشد قَول الطرماح:
فَمَا جَلسُ أبكارٍ أطَاع لسَرْحها
جَنَى ثَمَر بالواديين وَشُوعُ
قَالَ ويروى: وُشوع بِضَم الْوَاو، فَمن رَوَاهُ بِفَتْح الْوَاو:
وَشوع فالواو وَاو النسق، وَمن رَوَاهُ: وُشوع فَهُوَ جمع وَشْع وَهُوَ
زهر زَهَر الْبُقُول.
(بَاب الْعين وَالضَّاد)
ع ض (وَا يء)
عضا، عوض، ضَاعَ، ضعا، ضوع، وضع.
عضا: العِضْو والعُضو: الْوَاحِد من أَعْضَاء الشَّاة وَغَيرهَا، وَقد
عضَّيْتُ الشَّاة والجَزُور تعضِية إِذا جَعلتهَا أَعْضَاء وقسمتها،
وَفِي الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تعضية فِي
مِيرَاث إلاّ فِيمَا حمل القَسْمَ) .
قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ أَن يَمُوت الْمَيِّت ويَدَع شَيْئا إِن قُسم
بَين ورثته كَانَ فِي ذَلِك ضَرَر على جَمِيعهم أَو على بَعضهم.
يَقُول: فَلَا يقسم. والتعضية: التَّفْرِيق وَهُوَ
(3/43)
مَأْخُوذ من الْأَعْضَاء. يُقَال: عضيت
اللَّحْم إِذا فرقته.
قَالَ: وَالشَّيْء الَّذِي لَا يَحمل القَسْم مثل الحبّة من
الْجَوْهَر؛ لِأَنَّهَا إِن فُرّقت لم ينتفَع بهَا، وَكَذَلِكَ الحمّام
والطيلسان من الثِّيَاب وَمَا أشبهه. وَإِذا أَرَادَ بَعْضٌ القَسْمَ
لم يُجَب إِلَيْهِ، وَلَكِن يُبَاع ثمَّ يقسم ثمنه بَينهم. وَقَالَ
الله جلّ وعزّ: {الَّذِينَ جَعَلُواْ الْقُرْءَانَ عِضِينَ} (الحِجر:
91) . قَالَ اللَّيْث أَي جَعَلُوهُ عِضَةً عضةً فَتَفَرَّقُوا فِيهِ
أَي آمنُوا بِبَعْضِه، قَالَ: وكل قِطْعَة عِضة. وَقَالَ غَيره: العضة
من الْأَسْمَاء النَّاقِصَة؛ وَأَصلهَا عِضْوة، فنُقصت الواوُ، كَمَا
قَالُوا: عِزَة وَأَصلهَا عِزْوة، وثُبَة وَأَصلهَا ثُبْوة من
ثَبَّيْتُ الشَّيْء إِذا جمعته، وَتجمع عِزة عزين، وثُبة ثُبات
وثُبِينِ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول الله جلّ وعزّ:
{الَّذِينَ جَعَلُواْ الْقُرْءَانَ عِضِينَ} (الحِجر: 91) : فرقوا
فِيهِ القَوْل، فَقَالُوا شعر وسحر وكهانة.
وَقَالَ الزّجاج: يُروى أَن الْمُشْركين قَالُوا فِي الْقُرْآن: أساطير
الْأَوَّلين، وَقَالُوا: سحر، وَقَالُوا: شعر، وَقَالُوا: كِهَانة
فقسموه هَذِه الْأَقْسَام، وعضَّوه أَعْضَاء. قَالَ: وَقيل: إِن أهل
الْكتاب آمنُوا بِبَعْض وَكَفرُوا بِبَعْض كَمَا فعل الْمُشْركُونَ.
وَقَالَ الفرّاء: العِضُون فِي كَلَام الْعَرَب: السحر، وَوَاحِد
العضين عِضَة. قَالَ وَيُقَال: عضَّوه أَي فرقوهُ كَمَا تُعَضَّى
الشَّاة.
قلت أَنا: من جعل تَفْسِير عضين السحر جعل وَاحِدهَا عِضة، وَقَالَ
هِيَ فِي الأَصْل عِضْهة والعِضَةُ السحر والعاضه السَّاحر، ثمَّ حذفت
الْهَاء الْأَصْلِيَّة من عضهة وَتبقى عِضَةٌ، كَمَا قَالُوا شفة،
وَالْأَصْل شَفْهَةٌ، وَسنة الأَصْل سَنْهَةٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العِضَةُ والتِّوَلة: السحر، قَالَ: وعضا
مَالا يعضوه إِذا فرقه.
عوض: اللَّيْث: العَوْض: مصدر قَوْلك: عاض يَعُوض عَوْضاً وعِياضاً،
وَالِاسْم العِوَض، والمستعمل التعويض. تَقول: عوّضْتُه من هِبته خيرا.
واعتاضني فلَان إِذا جَاءَ طَالبا للعوض والصلة، واستعاضني إِذا
سَأَلَك الْعِوَض. وَأنْشد:
نعم الْفَتى ومَرْغَب المعتاض
وَالله يَجْزِي الْقَرْض بالإقراض
يَقُول: نعم مرغب الطَّالِب للعوض
وعاوضت فلَانا بِعوَض فِي البيع وَالْأَخْذ والإعطاء، وَيُقَال: اعتضته
مِمَّا أَعْطيته وعِضْت: أصبت عوضا، وَأنْشد:
هَل لَكِ والعارض مِنْك عائض
فِي هَجْمة يُغْدِرُ مِنْهَا الْقَابِض
أَي هَل لَك فِي الْعَارِض مِنْك على الْفضل فِي مائَة يُسْئِرُ
مِنْهَا الْقَابِض. قَالَ: وَهَذَا رجل خطب امْرَأَة فَقَالَ: أُعْطِيك
مائَة من الْإِبِل يدع مِنْهَا الَّذِي يقبضهَا من كثرتها، يدع
بَعْضهَا لَا يُطيق شَلّها. وَأَنا معارِضك، أُعطي الْإِبِل وآخذ
نَفْسك فَأَنا عائض، أَي قد صَار مِنْك الْعِوَض كُله لي.
قلت: قَوْله عائض من عِضْت أَي أخذت
(3/44)
عوضا لم أسمعهُ لغير اللَّيْث، وعائض من
عاض يعوض إِذا أعْطى العِوض، وَالْمعْنَى: هَل لَك فِي هَجْمة أتزوّجك
عَلَيْهَا، والعارض مِنْك أَي المعطِي عَرْضاً بذلك عائِض أَي معوِّص
عِوَضاً ترضينه وَهُوَ الهَجْمة من الْإِبِل.
وَقَالَ اللَّيْث: عَوْضُ كلمة تجْرِي مجْرى الْيَمين. وَبَعض النَّاس
يَقُول: هُوَ الدَّهْر وَالزَّمَان. يَقُول الرجل لصَاحبه: عوضُ لَا
يكون ذَلِك أبدا، فَلَو كَانَ عوضُ اسْما للزمان إِذا لجرى
بِالتَّنْوِينِ، وَلكنه حرف يُرَاد بِهِ الْقسم، كَمَا أَن أَجَلْ
وَنَحْوهَا ممّا لم يتمكّن فِي التصريف حُمل على غير الْإِعْرَاب.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: عوضُ بِضَم الضَّاد غير منوّن:
الدَّهْر. وَقَالَ الْأَعْشَى:
رضيعي لبانٍ ثَدْيَ أمّ تقاسما
بأَسحم داج عوض لانتفرق
قَالَ أَبُو زيد قَوْله: عَوْض أَي أبدا، قَالَ وَأَرَادَ بأسحم داج:
اللَّيْل. وَيجوز عوضَ لَا نتفرق بِالْفَتْح.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد، عوضُ لَا أفعل ذَلِك. وعوضَ
كِلَاهُمَا بِغَيْر تَنْوِين. وَالنّصب فِي عَوْض أَكثر وَأفْشى.
قَالَ: وَقَالَ الْأمَوِي: عوضَ، وَمن ذِي عوض.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: لَا أَفعلهُ عَوْضَ العائضين، وَلَا دهر
الداهرين أَي لَا أَفعلهُ أبدا. قَالَ وَيُقَال: مَا رَأَيْت مثله
عَوْض أَي لم أر مثله قطّ. وَأنْشد:
فَلم أر عَاما عَوْض أَكثر هَالكا
وَوجه غُلَام يَشْتَرِي وغلامَهْ
وَيُقَال: عاهده لَا يُفَارِقهُ عوضُ أَي أبدا. وَيُقَال تعاوض
الْقَوْم تعاوضاً أَي ثاب مَالهم ورجالهم بعد قلّة.
وَقَالَ اللَّيْث: أَرَادَ الْأَعْشَى بقوله بأسحم داج سَواد حَلَمة
ثدي أمّه. أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ والمفضل بن سَلمَة عَن أَبِيه عَن
الْفراء أَنه قَالَ: لَقيته من ذِي قِبَلٍ وقَبَلٍ وَمن ذِي عِوَض
وعَوَض وَمن ذِي أُنَفٍ، أَي فِيمَا يسْتَقْبل.
ضوع: قَالَ اللَّيْث الضَوَع: تضوّع الرّيح الطيّبة أَيْن نفحتُها.
وَأنْشد:
إِذا قامتا تضوَّع الْمسك مِنْهُمَا
قلت وَمن الْعَرَب من يسْتَعْمل التضوع فِي الرَّائِحَة المصِنّة.
وَمِنْه قَوْله:
يتضوّعن لَو تضمخن بالمس
ك صُماحاً كَأَنَّهُ ريح مَرْق
والصُّماح: الرّيح المنتن والمَرْق: الإهاب الَّذِي عُطِّن فَأَنْتن.
وَقَالَ اللَّيْث: ضَاعَ الصبيّ يضوع، وَهُوَ تضوّره فِي الْبكاء فِي
شدّة وَرفع صَوت. قَالَ: والصبيّ بكاؤه تضوّع، وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس
يصف امْرَأَة:
يعزّ عَلَيْهَا رِقْبَتي ويسوءها
بكاه فتثنى الْجيد أَن يتضوعا
يَقُول تثنى الْجيد إِلَى صبيّها حذارَ أَن يتضوع.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ضَاعَ الطَّائِر إِذا زقّه. وَتقول
مِنْهُ: ضُعْ ضُع إِذا أَمرته بزقّه.
(3/45)
وَقَالَ ابْن السّكيت ضاعه ذَلِك يضوعه
إِذا حرّكه. وَأنْشد:
يَضُوع فُؤَادَها مِنْهُ بُغام
أَي يحرّكه: قَالَ: وتضوّع الرّيح إِذا تحرّك. وَقَالَ غَيره: ضاعني
أَمر كَذَا وَكَذَا يَضُوعني إِذا أفزعني.
وَرجل مَضُوع أَي مذعور. وَقَالَ الكُمَيت:
رِئاب الصُدُوع غِيَاث المَضُو
ع لأمَّته الصَّدَرُ المُبْجِل
وَيُقَال: لَا يَضُوعنَّك مَا تسمع مِنْهُ، أَي لَا تكترث لَهُ. وانضاع
الفرخ والتضوّع إِذا بسط جناحيه إِلَى أمّه لتَزَقَّه، أَو فَزِعَ من
شَيْء فتضوّر مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
فُرَيخان ينضاعان بِالْفَجْرِ كلّما
أحسّا دويّ الرّيح أَو صَوت ناعب
وَقَالَ اللَّيْث: الضُّوَع: طَائِر من طير اللَّيْل من جنس الْهَام.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْشِ: هَذَا الطَّائِر إِذا أحسّ
بالصَّباح صدح. وَقَالَ الْأَعْشَى يصف فلاة:
لَا يسمع الْمَرْء فِيهَا مَا يؤنّسه
بِاللَّيْلِ إلاّ نئيم البوم والضُّوَعا
قَرَأت بِخَط أبي الْهَيْثَم: والضِّوَعا، بِكَسْر الضَّاد، وَجمعه:
ضيعان، وهما لُغَتَانِ: ضُوَعٌ وضِوَعٌ، وَنصب الضُّوَع بنية النَّئيم،
كَأَنَّهُ قَالَ: إِلَّا نئيم البوم وصياح الضُّوَع، فَأَقَامَ الضُّوع
مقَام الصياح.
ضيع: وَمن ذَوَات الْيَاء فِي هَذَا الْبَاب ضَاعَ الشَّيْء يضيع
ضيَاعًا وَضيْعة. وَترك فلَان عِيَاله بمَضْيعة ومَضِيعة. وأضاع الرجل
عِيَاله وَمَاله، وضيّعهم إِضَاعَة وتضييعاً، فَهُوَ مُضِيع ومُضيِّع.
وضَيْعة الرجل: حِرفته وصناعته وكَسْبه. يُقَال: مَا ضيعتك؟ أَي مَا
حرفتك. وَإِذا انتشرت على الرجل أَسبَابه قيل: فَشَتْ ضَيْعته حَتَّى
لَا يدْرِي بأيّها يبْدَأ. وَمعنى قَوْله فَشَتْ أَي كثرت.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أضاع الرجل فَهُوَ مُضيع إِذا كثرت ضَيْعته
وفشت. وَأنْشد قَول الشمّاخ:
أعائش مَا لأهْلك لَا أَرَاهُم
يُضيعون السوام مَعَ المضيع
وَكَيف يُضيع صاحبُ مُدفَآت
على أثباجهن من الصقيع
وَقَالَ الْبَاهِلِيّ: كَانَ الشمّاخ صَاحب إبل يلْزمهَا وَيكون
فِيهَا، فَقَالَت لَهُ هَذِه الْمَرْأَة: إِنَّك قد أفنيت شبابك فِي
رَعْي الْإِبِل. مَالك لَا تنْفق مَالك وَلَا تتفتَّى فَقَالَ لَهَا
الشمّاخ: مَا لأهْلك لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك وَأَنت تأمرينني أَن
أَفعلهُ. ثمَّ قَالَ لَهَا: وَكَيف أُضيع إبِلا هَذِه الصفةُ صفتهَا.
ودلّ على هَذِه قَوْله على أثر هَذَا الْبَيْت:
لمالُ الْمَرْء يُصلحه فيُغني
مفاقرَه أعفُّ من القُنُوع
يَقُول: لِأَن يصلح الْمَرْء مَاله وَيقوم عَلَيْهِ وَلَا يضيعه خير من
القُنُوع وَهُوَ الْمَسْأَلَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الضِّياع: الْمنَازل، سميت ضيَاعًا لِأَنَّهَا تَضيع
إِذا تُرك تعهّدها وعمارتها.
وَقَالَ شمر: كَانَت ضَيْعَة الْعَرَب سياسة الْإِبِل وَالْغنم. وَيدخل
فِي الضَّيْعَة الحِرفة وَالتِّجَارَة. يُقَال للرجل قُم إِلَى ضيعتك.
(3/46)
قلت: الضَيْعة والضِّيَاع عِنْد
الْحَاضِرَة: مَال الرجل من النّخل والكَرْم وَالْأَرْض وَالْعرب لَا
تعرف الضَّيْعَة إِلَّا الحرفة والصناعة، وسمعتهم يَقُولُونَ: ضَيْعَة
فلَان الخِرازة، وضيعة آخر الفَتْل، وسَفّ الخُوص وَعمل النّخل ورعي
الْإِبِل وَمَا أشبه ذَلِك. وَمن أمثالهم: إِنِّي لأرى ضَيعةَ، لَا
يصلحها إِلَّا ضجعة، قَالَه رَاع رَفَضت عَلَيْهِ إبلُه فِي المرعى،
فَأَرَادَ جمعهَا فتبدّدت عَلَيْهِ، فاستغاث حِين عجز بِالنَّوْمِ.
وَقَالَ جرير:
وقلن تروحّ لَا تكن لَك ضَيْعة
وقلبك مَشْغُول وهنّ شواغله
وَقد تكون الضَّيْعَة من الضيَاع. وَقَالَ النَّضر فِي قَوْله من ترك
ضيَاعًا فإليّ قَالَ: الضّيَاع: الْعِيَال.
وَقَالَ ابْن السّكيت: من أمثالهم: الصيفَ ضيعتِ اللَّبن إِذا خُوطِبَ
بِهِ الْمُذكر أَو الْمُؤَنَّث أَو الِاثْنَان أَو الْجَمِيع فَهِيَ
مَكْسُورَة التَّاء لِأَن الْمثل خُوطِبَ بِهِ الْمَرْأَة فَجرى
المَثَل على الأَصْل.
وضع: شمر عَن أبي زيد: وضعت النَّاقة وَهُوَ نَحْو الرقَصَان. أوضعتها
أَنا. قَالَ: وَقَالَ ابْن شُمَيْل: وضع الْبَعِير إِذا عدا، وأوضعته
أَنا إِذا حملتَه عَلَيْهِ. وَقَالَ اللَّيْث الدَّابَّة تضع السّير
وَضْعاً، وَهُوَ سير دون. يُقَال: إِنَّهَا لحسنة الْمَوْضُوع.
وَأنْشد:
بِمَاذَا تردّين امْرأ جَاءَ لَا يرى
كودّك ودّاً قد أكلّ وأوضعا
قَالَ: يُرِيد أوضعها راكبها، وَهُوَ ذَلِك السّير الدون. وَمِنْه:
{ولاََوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ} (التّوبَة: 47) .
قلت: قَول اللَّيْث: الْوَضع: سير دونٌ لَيْسَ بِصَحِيح، الْوَضع هُوَ
العَدْو. وَاعْتبر اللَّيْث اللَّفْظ، وَلم يعرف كَلَام الْعَرَب
فِيهِ.
فأمّا قَول الله تَعَالَى: {ولاََوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ
الْفِتْنَةَ} (التّوبَة: 47) فَإِن الْفراء قَالَ: الْعَرَب تَقول أوضع
الرَّاكِب وَوضعت النَّاقة، وَرُبمَا قَالُوا للراكب وَضَع وَأنْشد:
ألفيتني مُحْتَمِلاً بَزِّي أَضَع
وَقَالَ الْأَخْفَش: يُقَال أوضعتُ، وَجئْت موضِعاً. وَلَا توقعه على
شَيْء. وَيُقَال من أَيْن أوضع الراكبُ وَمن أَيْن أوضح الرَّاكِب.
هَذَا الْكَلَام الجيّد. قَالَ: وَقد يَقُول بعض قيس: أَوضعت بَعِيري
فَلَا يكون لحناً.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه سَمعه يَقُول بعد مَا
عُرض عَلَيْهِ كَلَام الْأَخْفَش هَذَا. وَقَالَ يُقَال: وضعُ البعيرُ
يضع وَضْعاً إِذا عدا فَهُوَ وَاضع، أوضعته أَنا أُوضعه إيضاعاً قَالَ
وَيُقَال: وضع الرجل إِذا عدا يضع وَضْعاً. وَأنْشد:
يَا لَيْتَني فِيهَا جذع
أَخُبَّ فِيهَا وأضع
أخُبّ من الخبب، وأضع أَي أَعْدو من الْوَضع. قَالَ وَقَول الله: {أَي
أوضعوا مراكبهم خلالكم لَهُم قَالَ: وأمَّا قَوَائِم: إِذا طَرَأَ
عَلَيْهِم الرَّاكِب: من أَيْن أوضح الراكبُ فَمَعْنَاه من أَيْن أنشأ،
وَلَيْسَ من الإيضاع فِي شَيْء.
(3/47)
قلت: وَكَلَام الْعَرَب على مَا قَالَ
أَبُو الْهَيْثَم. وَقد سمعتُ نَحوا مِمَّا قَالَ من بعض الْعَرَب.
ورُوي عَن النَّبِي أَنه أَفَاضَ من عَرَفَة وَعَلِيهِ السَكِينة،
وأوضع فِي وَادي مُحَسِّر.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الإيضاع: سير مثل الخَبَب، وَأنْشد:
إِذا أُعطيتُ رَاحِلَة ورَحْلا
وَلم أُوضِع فَقَامَ عليَّ ناعِي
قلت الإيضاع: أَن يُعْدِي بعيره ويحملَه على العَدْو الحثيث. وَفِي
الحَدِيث عَن النَّبِي أَنه دفع من عَرَفَات وَهُوَ يسير العَنَق،
فَإِذا وجد فَجْوة نصّ. فالنصّ التحريك حَتَّى يسْتَخْرج من الدَّابَّة
أقْصَى سَيرهَا، وكذل الإيضاع.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: وضعت الشَّيْء أَضَعهُ وضعا، وَهُوَ ضدّ
رفعته. وَرجل وضيع، وَقد وضُع يَوْضُع وَضَاعة وضَعَةً. وَهُوَ ضدّ
الشريف. ووُضِع فلَان فِي تِجَارَته فَهُوَ مَوْضُوع فِيهَا إِذا خسِر
فِيهَا. قَالَ: والوضائع: قوم كَانَ كسْرَى ينقلهم من بِلَادهمْ،
ويُسكنهم أَرضًا أُخْرَى حَتَّى يصيروا بهَا وَضِيعةً أبدا. قَالَ
والوضيعة: قوم من الْجند يَجْعَل أَسمَاؤُهُم فِي كُورة لَا يَغْزُون
مِنْهَا.
قلت: أمّا الوضائع الَّذين وَصفهم فهم شبه الرهائن، كَانَ كسْرَى
يرتهنهم ويُنزلهم بعض بِلَاده.
وَقَالَ اللَّيْث: والخيَّاط يُوضِّع الْقطن توضيعاً على الثَّوْب.
والمواضع مَعْرُوفَة وَاحِدهَا مَوضِع. والمواضعة: أَن تواضع صَاحبك
أمرا تناظره فِيهِ وَيُقَال: دخل فلَان أمرا فَوَضعه دُخُوله فِيهِ
فاتّضع. قَالَ: والتواضع التذلّل. فَهَذَا جَمِيع مَا ذكره اللَّيْث
فِي بَاب وضع.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: يُقَال هَؤُلَاءِ أَصْحَاب وَضِيعة أَي
أَصْحَاب حَمْض مقيمون لَا يخرجُون مِنْهُ، وَهِي إبل وَاضِعَة أَي
مُقِيمَة فِي الحَمْض.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ:
الحَمْضُ يُقَال لَهُ الوَضِيعة. وَالْجمع وَضَائع. وَقد وَضَعت
الْإِبِل تضع إِذا رعت الحمض.
وَقَالَ أَبُو زيد إِذا رعت الإبلُ الحَمْض حول المَاء فَلم تَبْرَح
قيل: وضعت تضع وَضِيعة، ووضعتها أَنا فَهِيَ مَوْضُوعَة.
ابْن الْأَعرَابِي: تَقول الْعَرَب: أُوْضِعْ بِنَا وأَخْلِلْ،
والإيضاع فِي الحَمْضِ والإخلال فِي الخُلَّة وَأنْشد:
وَضعهَا قيس وَهِي نزائع
فطرحت أَوْلَادهَا الوضائع
وَقَالَ أَبُو سعيد الوَضِيعة: الحَطِيطة. وَقد استوضع مِنْهُ إِذا
استحطّ. وَقَالَ جرير:
كَانُوا كمشتركين لمّا بَايعُوا
خسِروا وشَفَّ عَلَيْهِم فاستَوْضعوا
قَالَ: والوضائع: مَا يَأْخُذهُ السُّلْطَان من الْخراج والعُشُور.
والوضيع: أَن يوضع التَّمْر قبل أَن يجفّ، فَيُوضَع فِي الجَرِين.
وَفِي الحَدِيث (من رفع السِّلَاح ثمَّ وَضعه
(3/48)
فدمه هَدَر) ، وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله:
(ثمَّ وَضعه) أَي ضرب بِهِ. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه وَضعه من يَده،
وَقَالَ سُدَيف:
فضع السَّوْط وارفع السَّيْف حتّى
لَا ترى فَوق ظهرهَا أمويّا
إِن مَعْنَاهُ: ضع السَّوْط على بدن من تبسطه عَلَيْهِ وارفع السَّيْف
لقتلهم. وَيُقَال: وضع يَده فِي الطَّعَام إِذا أكله. وَإِذا عاكم.
وأذاعا كم الرجل صاحبَه الأعدالَ يَقُول أَحدهمَا لصَاحبه: واضِع أَي
أمِل العِدْل على المِرْبعة الَّتِي يحْملَانِ الْعدْل بهَا فَإِذا
أمره بِالرَّفْع قَالَ رَابِع.
قلت: وَهَذَا من كَلَام الْعَرَب إِذا اعتكموا أَبُو عبيد عَن اليزيدي:
مَا حَملته أمّه وُضْعاً أَي مَا حَملته على حَيْض. قَالَ: وَقَالَ
أَبُو عَمْرو: وضعت الْمَرْأَة فَهِيَ تضع وُضعاً وتُضْعاً فَهِيَ
وَاضع.
وَقَالَ ابْن السّكيت: وضع الْبَعِير فِي سيره يضع وضعا إِذا أسْرع.
والوُضع: أَن تحمل الْمَرْأَة فِي آخر طهرهَا فِي مُقْبَل الْحيض.
وَهُوَ التُّضْع أَيْضا. وَأنْشد:
تَقول والْجُرْدان فِيهَا مكتنِع
أما تخَاف حَبَلاً على تُضُع
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: امْرَأَة وَاضع بِغَيْر هَاء إِذا وضعت
خمارها. وَيُقَال: إِن بلدكم لمتواضع عنَا كَقَوْلِك: متراخٍ ومتباعد.
وَقَالَ ذُو الرمَّة:
دَوَاء لغَوْل النازح المتواضع
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ المتخاشع من بُعده ترَاهُ من بعيد لاصقاً
بِالْأَرْضِ. وتواضع مَا بَيْننَا أَي بعد. وَيُقَال: وضع الْبَعِير
حَكَمته إِذا طامن رَأسه وأسرع. وَيُرَاد بحَكَمته لَحْياه. وَقَالَ
ابْن مقبل.
فهَنَّ سَمَام وَاضع حكماته
مخوّية أعجازه وكراكره
ولِوى الوضيعة: رَملَة مَعْرُوفَة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فرس موضِّع إِذا كَانَ يفترش وظيفه، ثمَّ
يُتبع ذَلِك مَا فَوْقه من خَلفه، وَهُوَ عيب.
ووضّعت النعامةُ بيضها إِذا رَثَدته، وَهُوَ بَيْض موضّع: منضود.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: يُقَال فِي
فلَان توضيع أَي تخنيث. وَفُلَان موضَّع إِذا كَانَ مخنَّثاً.
وَيُقَال للوديعة: وضيع. وَقد وضَعْت عِنْد فلَان وضِيعاً إِذا
استودعته وَدِيعَة. وَيُقَال: اتّضع فلَان بعيره إِذا كَانَ قَائِما
فطامن من عُنُقه ليركبه، وَقَالَ الْكُمَيْت:
أصبحتَ فَرْعاً فُدَادياً بك اتّضعت
زيد مراكبها فِي الْمجد إِذا ركبُوا
فَجعل اتّضع متعدّياً. وَقد يكون لَازِما يُقَال: وَضعته فاتّضع.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الواضعة: الرَّوْضَة.
أَبُو عبيد عَن اليزيدي: وُضِعت فِي مَالِي وأُوضعت ووُكست وأُوكِست.
الْفراء لَهُ فِي قلبِي مَوْضِعة وموقِعة أَي محبّة.
ضعا: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الضَعَة: شجر مثل الثُمَام وَجمعه
ضَعَوات وَقَالَ جرير:
(3/49)
متخذاً فِي ضَعَوات تَوْلجا
قلت الضعة كَانَت فِي الأَصْل، ضَعْوَة نُقص مِنْهَا الْوَاو، أَلا
تراهم جمعوها ضَعَوات.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: ضعا إِذا اخْتَبَأَ، وطعا
بِالطَّاءِ إِذا ذَلّ. وطعا إِذا تبَاعد أَيْضا.
قلت قَوْله ضعا إِذا اخْتَبَأَ، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر إِذا استتر
مَأْخُوذ من الضعوة وَكَأَنَّهُ اتخذ فِيهَا تولجا أَي سَرَباً فَدخل
فِيهِ مستتراً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأضعاء السِّفَل.
(بَاب الْعين وَالصَّاد)
ع ص (وَا يء)
عَصا، عيص، صعا، صوع، وصع، عوص.
وعص. ولاََوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ} (مهمل) .
عَصا: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لرجل:
(لَا ترفع عصاك عَن أهلك) . قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْكسَائي وَغَيره:
يُقَال: إِنَّه لم يُرد الْعَصَا الَّتِي يَضرب بهَا، وَلَا أَمر أحدا
قطّ بذلك، وَلكنه أَرَادَ الْأَدَب.
قَالَ أَبُو عبيد: وأصل الْعَصَا الِاجْتِمَاع والائتلاف، وَمِنْه قيل
للخوارج: قد شقُّوا عَصا الْمُسلمين، أَي فرَّقوا جَمَاعَتهمْ. وَقَول
الْقَائِل: إياك وقتيل الْعَصَا يَقُول: إياك أَن تكون قَاتلا أَو
مقتولاً فِي شقّ عَصا الْمُسلمين، وَمِنْه قيل للرجل إِذا أَقَامَ
بِالْمَكَانِ واطمأنّ وَاجْتمعَ إِلَيْهِ أمره: قد ألْقى عَصَاهُ
وَألقى بَوَانِبَه، وَقَالَ الشَّاعِر:
فَأَلْقَت عصاها واستقرت بهَا النَّوَى
كَمَا قرَّ عينا بالإياب الْمُسَافِر
وَيُقَال للرجل إِذا كَانَ رَفِيقًا حسن السياسة لما يَلِي: إِنَّه
لليّن الْعَصَا، وَقَالَ مَعْن بن أَوْس المُزَني:
عَلَيْهِ شَريب وادع ليَّن الْعَصَا
يساجلها جُماتِهُ وتساجله
وَقَالَ اللَّيْث فِي معنى الْبَيْت الأول فَأَلْقَت عصاها: كَانَت
هَذِه امْرَأَة كلّما تزوّجت زوجا فارقته واستبدلت آخر، وَكَانَ
عَلامَة إبائها ألاّ تكشف رَأسهَا فلمّا رضيت آخر أزواجها كشفت قناعها.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: يُقَال: عَصَوته بالعصا. قَالَ: وكرهها
بَعضهم وَقَالَ عَصِيت بالعصا ثمَّ ضَربته بهَا فَأَنا أَعْصى حَتَّى
قالوها فِي السَّيْف تَشْبِيها بالعصى، وَقَالَ جرير:
تصف السيوف وغيركم يَعْصى بهَا
يَا ابْن القيون وَذَاكَ فعل الصيقل
وَقَالَ أَبُو زيد: عَصِيَ فِي الْقَوْم بِسَيْفِهِ وَعَصَاهُ فَهُوَ
يَعْصَى فيهم إِذا عاث فيهم عَيْثاً، وَالِاسْم الْعَصَا.
أَبُو نصر عَن الأصمعيّ: عَصَاهُ بالعصا فَهُوَ يعصوه عَصْواً إِذا
ضربه بالعصا. وَهُوَ يعتصي على عَصا جيّدة أَي يتوكَّأ. وَيُقَال: عَصا
وعَصَوان وعُصِيّ فِي الْجمع. وَيُقَال: عِصِيّ. وَيُقَال لِلرَّاعِي
إِذا كَانَ قَوِيا على إبِله ضابطاً لَهَا إِنَّه لصُلْب الْعَصَا
وشديد العصاء وَمِنْه قَول عُمَر بن لَجأ:
صُلْبُ الْعَصَا جافٍ عَن التغزُّل
(3/50)
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ فِي بَاب تَشْبِيه
الرجل بِأَبِيهِ: الْعَصَا من العُصَيّة. قَالَ أَبُو عبيد هَكَذَا
قَالَ، وَأَنا أَحْسبهُ العُصَيَّة من الْعَصَا، إِلَّا أَن يُرَاد
بِهِ أَن الشَّيْء الْجَلِيل إِنَّمَا يكون فِي بدئه صَغِيرا، كَمَا
قَالُوا: إِن القَرْم من الأفيل. فَيجوز على هَذَا الْمَعْنى أَن
يُقَال: الْعَصَا من العُصَيَّة.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الْعَصَا
تُضرب مثلا للاجتماع، وَيضْرب انشقاقها مثلا للافتراق الَّذِي لَا يكون
بعده اجْتِمَاع. وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تُدْعى عَصا إِذا تشقّقت.
وَأنْشد:
فللَّه شَعْبَا طِيّةٍ صدعا الْعَصَا
هِيَ الْيَوْم شتَّى وَهِي أمسِ جَمِيع
قَوْله: فللَّه لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا أَنَّهَا لَام التَّعَجُّب،
تَعَجَّب مِمَّا كَانَا فِيهِ من الأُنْس واجتماع الشمل، وَالثَّانِي
أَن ذَلِك مُصِيبَة موجِعة فَقَالَ: لله ذَلِك يفعل مَا يَشَاء، وَلَا
حِيلَة فِيهِ للعباد إلاّ التَّسْلِيم كالاسترجاع.
وَيُقَال: قرع فلَان فلَانا بعصا الْمَلَامَة إِذا بَالغ فِي عَذْله.
وَلذَلِك قيل للتوبيخ: تقريع.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال فلَان يُصَلِّي عَصا فلَان أَي يدبّر أمره
ويليه. وَأنْشد:
وَمَا صَلَّى عصاك كمستديم
قلت: وَالْأَصْل فِي تصلية الْعَصَا أَنَّهَا إِذا اعوجّت ألزمها
مقوّمها حَرّ النَّار حَتَّى تلين لَهُ وتجيب التثقيف.
يُقَال: صلّيت الْعَصَا النارَ إِذا ألزمتها حَرَّها حَتَّى تلين
لغامزها. وتفاريق الْعَصَا عِنْد الْعَرَب أَن الْعَصَا إِذا انْكَسَرت
جُعلت أشِظَّة، ثمَّ تجْعَل الأشِظَّة أوتاداً، ثمَّ تجْعَل
الْأَوْتَاد توادِيَ للصِرار.
يُقَال: هُوَ خير من تفاريق الْعَصَا وَكَانَت الْعَصَا لجَذِيمة
الأبرش، وَهِي اسْم فرس كَانَت من سوابق خيل الْعَرَب. وَيُقَال للعصا:
عصاة بِالْهَاءِ. يُقَال أخذت عصاته وَمِنْهُم من كره هَذِه اللُّغَة
وَمن أمثالهم: إِن الْعَصَا قُرِعت لذِي الْحلم، وَذَلِكَ أَن بعض
حكّام الْعَرَب أسنّ وَضعف عَن الحكم، فَكَانَ إِذا احتكم إِلَيْهِ
خصمان وزلّ فِي الْحُكم قَرَعَ لَهُ بعضُ وَلَده الْعَصَا يفطّنه
بقرعها للصَّوَاب فيفطُن لَهُ، وَيُقَال للْقَوْم إِذا استُذلوا: مَا
هم إِلَّا عبيد الْعَصَا. وَيُقَال: عِرق عَاص، إِذا لم يرقأ دَمه:
هُوَ العاند النّحار، وَمِنْه قَول ذِي الرمة:
وَهن من واطىء تثنى حويَّته
وناشج وعواصي الْجوف تنشخب، يَعْنِي عروقاً تقطعت فِي الْجوف فَلم يرقأ
دَمهَا وَيُقَال عصى فلَان أميره يعصيه عصياً وعِصْياناً إِذا لم يطعه،
وَعصى العَبْد ربه إِذا خَالف أمره. وَيُقَال للْجَمَاعَة إِذا خرجت
عَن طَاعَة السُّلْطَان: قد اسْتَعْصَتْ عَلَيْهِ. وَيُقَال فلَان
يعْصى الرّيح إِذا اسْتقْبل مهبَّها وَلم يتَعَرَّض لَهَا، اعتصى فلَان
بالعصا إِذا توكأ عَلَيْهَا فَهُوَ معتصٍ بهَا.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: عَصَاهُ يعصوه إِذا
ضربه بالعصا قَالَ وعَصِي يَعْصَى إِذا لعب بالعصا كلعبه بِالسَّيْفِ.
(3/51)
قَالَ: وَيُقَال عَصا إِذا صَلُب.
قلت كَأَنَّهُ أَرَادَ عسا بِالسِّين فقلبها صاداً وروى الْأَصْمَعِي
من بعض الْبَصرِيين أَن الْعَصَا سميت عَصا لِأَن الْيَد والأصابع
تَجْتَمِع عَلَيْهَا، مَأْخُوذ من قَول الْعَرَب: عصوت الْقَوْم
أعصوهم، إِذا جمعتهم على خير أَو شَرّ، قَالَ: وَلَا يجوز مد الْعَصَا
وَلَا إِدْخَال التَّاء مَعهَا، قَالَ وَأول لحن سمع بالعراق هَذِه
عصاتي بِالتَّاءِ
والفصيل عِنْد الْعَرَب إِذا لم يتبع أمه عاصٍ وَقد عُصَى أمّه.
وَقَول الشَّاعِر: أنْشدهُ ابْن الْأَعرَابِي:
أَظُنك لما خضحضت بطنَك الْعَصَا
ذكرت من الْأَرْحَام مَا لست نَاسِيا
قَالَ الْعَصَا عَصا الْبَين هَاهُنَا.
عوص: يُقَال كَلَام عَويص. وَقد عَاص يَعَاص، وعِوص يَعْوَص، وَكلمَة
عَوْصاء مِن عِوص. وداهية عوصاء: شَدِيدَة. واعتاص عليّ هَذَا الأمرُ
يعتاص فَهُوَ معتاصٌ إِذا التَاث عَلَيْهِ، فَلم يهتدِ لجِهَة
الصَّوَاب فِيهِ. وأعوَص فلَان بخصمه: إِذا أَدخل عَلَيْهِ من الْحُجَج
ماعَسُر عَلَيْهِ الْمخْرج مِنْهُ. وَقَالَ لَبيد:
فَلَقَد أعوِص بالخصْم وَقد
أملأ الْجَفْنة من شَحم القلل
وَيُقَال للناقة إِذا ضربهَا الْفَحْل فَلم تَلْقح: قد اعتاصت. قَالَ
ذَلِك اللَّيْث، وَأكْثر الْكَلَام اعتاطت بِالطَّاءِ.
شمر عَن شُمَيْل: العوصاء المَيْثاء الْمُخَالفَة: هَذِه ميثاء عَوْصاء
بَيِّنَة العَوَص.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: عوّص فلَان إِذا ألْقى بَيت شعر صعبَ
الاستخراج. أَبُو عبيد: العوصاء: الشدَّة، وَقَالَ غَيره: أَصَابَتْهُم
عوصاء أَي شدَّة، وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
لم تدر مَا نسج الأرندج قبله
ودِرَاسُ أعْوَصَ دارسٍ متجدد
قَالَ الْبَاهِلِيّ: أَرَادَ دراس كتاب الموصَى عَلَيْهَا متجدد
لغَيْرهَا.
والأعوص: الغامض الَّذِي لَا يُوقف عَلَيْهِ، قَالَ: والمِعْياص كل
متشدد عَلَيْك فِيمَا تريده مِنْهُ قَالَ والمعياص كل متشدد عَلَيْك
فِيمَا تريده مِنْهُ.
عيص: قَالَ اللَّيْث: العِيص: منبِت خِيَار الشّجر قَالَ: وأعياص
قُرَيْش كرامهم ينتمون إِلَى عِيص، وعيص فِي آبَائِهِم وَقَالَ العجاج:
من عيص مَرْوَان إِلَى عيصٍ غَطِم
قَالَ والمَعِيص كَمَا تَقول: المنبت. وَهُوَ اسْم رجل. وَأنْشد:
ولأثأرنَّ ربيعَة بن مُكَدَّم
حَتَّى أنال عُصَيّة بن مَعِيص
وَقَالَ أَبُو عَمْرو العيصانُ من معادن بِلَاد الْعَرَب.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: قَالَ عُمارة: العِيص من السِدْر
والعَوسج والنْبع والسَلَم وَمن العضاه كلهَا إِذا اجْتمع وتدانى
والتفّ. الْجَمِيع العِيصان وَهُوَ من الطَّرفاء الغَيْطلةُ، وَمن
القَصَب الأجَمَةُ.
وَقَالَ الْكلابِي: العِيص: مَا التفَّ من
(3/52)
عاسي الشّجر وَكثر: مثل السَلَم والطلح
والسَّيال والسِدْر والسَمُر والعُرْنُط والعضاه.
وَقَالَ شمر: عِيص الرجل: أَصله.
وَأنْشد:
ولعَبْد الْقَيْس عيص أشب
وقنيب وهجانات زُهُرْ
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: من أمثالهم فِي استعطاف الرجل صَاحبه على
أقربيهِ وَإِن كَانُوا لَهُ غير مستأهلين قَوْلهم: مِنْك عيصُك وَإِن
كَانَ أشِبا. قَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِي قَوْله: وَإِن كَانَ أشبا أَي
وَإِن كَانَ ذَا شوك دَاخِلا بعضه فِي بعض. وَهَذَا ذمّ. قَالَ: وَأما
قَوْله:
ولعَبْد الْقَيْس عِيص أشب
فَهُوَ مدح أَرَادَ بِهِ المنعة وَالْكَثْرَة. وَيُقَال هُوَ فِي عيص
صدق أَي فِي أصل صدق.
صوع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ}
(يُوسُف: 72) .
سَلمَة عَن الفرّاء قَالَ: الصُوَاع: ذكر. وَهُوَ الْإِنَاء الَّذِي
كَانَ للْملك يَشرب بِهِ. قَالَ: والصاع يؤنث ويذكّر. فَمن أنّثه
قَالَ: ثَلَاث أصوع مثل ثَلَاث أَدْوُر، وَمن ذكَّره قَالَ: أصواع مثل
ثَوَاب.
وَقَالَ سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {: ِصُوَاعَ الْمَلِكِ} قَالَ:
هُوَ المكوك الفارسيّ الَّذِي يلتقي طرفاه.
وَقَالَ الْحسن: الصُوَاع والسِقاية شَيْء وَاحِد. وَقد قيل: إِنَّه
كَانَ من ورِق كَانَ يُكَال بِهِ، وَرُبمَا شربوا بِهِ، أَخْبرنِي بذلك
المنذريّ عَن ابْن فهم عَن مُحَمَّد بن سلاّم عَن يُونُس وَيجمع
الصَّاع أَيْضا صِيعاناً.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يتوضّأ
بِالْمدِّ، ويغتسل بالصاع. وَصَاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الَّذِي بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعَة أَمْدَاد بمدهم الْمَعْرُوف عِنْدهم.
وَهُوَ يَأْخُذ من الحَبّ قدر ثُلثي مِنا بلدنا. وَأهل الْكُوفَة
يَقُولُونَ: عيار الصَّاع أَرْبَعَة أُمَنَاء والمدّ ربعه وصاعهم هَذَا
هُوَ القفيز الحَحّاجي لَا يعرفهُ أهل الْمَدِينَة.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن شُمَيْل: الصاعَة، الْبقْعَة الجرداء لَيْسَ
فِيهَا شَيْء.
قَالَ: والصاعة يكسحها الْغُلَام، وينحّي حجارتها، ويكرو فِيهَا بكرته.
فَتلك الْبقْعَة هِيَ الصاعة.
وَبَعْضهمْ يَقُول: الصَّاع.
وَأنْشد ابْن السّكيت:
مرِحت يداها للنجاء كَأَنَّمَا
تكْرُو بكفَّي لاعبٍ فِي صَاع
وَقَالَ ابْن السّكيت: الصَّاع: المطمئن من الأَرْض كالحفرة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: رُبمَا اتَّخذت صاعة من أَدِيم كالنِّطَع لندف
الْقطن أَو الصُّوف عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا هيّأت الْمَرْأَة لندف الْقطن موضعا يُقَال
صوَّعت موضعا. وَاسم ذَلِك الْموضع الصاعة.
وَقَالَ اللحياني: صُعْت الْغنم وصِعْتها أصوعها وأَصِيعها إِذا
فرقتها.
ابْن السّكيت عَن أبي عَمْرو: تصوّع البقلُ
(3/53)
تصوُّعاً، وتصيّع تصيُّعاً إِذا هاج.
وَمثله تصوَّح وتصيَّح. وَيُقَال تصوَّع الْقَوْم إِذا تفَرقُوا
تصوُّعاً.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: تصوَّع الشَعَرُ إِذا تفرّق.
وَقَالَ اللَّيْث: الكمِيُّ يصُوع أقرانه إِذا حازهم من نواحيهم،
والراعي يصوع الْإِبِل كَذَلِك.
قلت: غلط اللَّيْث فِيمَا فسَّر، وَمعنى يصوع الكميّ أقرانه إِذا حمل
بَعضهم على بعض أَو أَن يحمل عَلَيْهِم فَيُفَرق جمعهم. وَكَذَلِكَ
الرَّاعِي يصوع إبِله إِذا فرّقها فِي المرعى والتيس إِذا أُرْسل فِي
الشَّاء صاعها إِذا أَرَادَ سفادها أَي فرقها.
وَأنْشد أَبُو عبيد:
يصوع عُنوقها أحوى زنيم
لَهُ ظأْب كَمَا صخِب الغريمُ
وَيُقَال: صُعتُ الْقَوْم وصِعْتهم إِذا حملت بَعضهم على بعض.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْله:
فظلّ يَكْسُوهَا النَّجَاء الأصيعا
قَالَ: لَو ردّ إِلَى الْوَاو ولقال الأصوعا. وَقَالَ أَبُو عبيد:
انصاع الرجلُ إِذا انْفَتَلَ رَاجعا، والمُنصاع والمعرِّد والناكص
وَاحِد؛ قَالَ ذُو الرمة:
فانصاع جانبُه الوحشيُّ وانكدرت
يَلْحَبْن لَا يأتلي المطلوبُ والطَلَبُ
صعا: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: صعا إِذا دَقّ، وصعا إِذا
صغر.
قلت: كَأَنَّهُ ذهب بِهِ إِلَى الصَعْوة، وَهُوَ طَائِر لطيف وَجمعه
صِعَاءٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا: الأعصاء: الْأُصُول، والأصعاء جمع
الصَعْو: طَائِر صَغِير.
وَقَالَ اللَّيْث: الصَعْو: صغَار العصافير، وَالْأُنْثَى صَعْوة.
قَالَ وَهُوَ: أَحْمَر الرَّأْس وَجمعه صِعاء على لفظ السِّقَاء.
قَالَ: وَيُقَال صَعْوة وَاحِدَة، وصَعْو كثير. وَيُقَال: بل الصَّعْو
والوَضَع وَاحِد كَمَا يُقَال جذب وجبذ وبض وضبَّ.
وصع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِن
الْعَرْش على مَنْكِبِ إسْرَافيل، وَإنَّهُ ليتواضع لله جلّ وعزّ
حَتَّى يصير مثل الوَصع) .
قَالَ أَبُو عبيد يُقَال فِي الوَصْع: إِنَّه الصَّغِير من أَوْلَاد
العصافير، وَيُقَال: هُوَ طَائِر شَبيه بالعصفور الصَّغِير فِي صغر
جِسْمه.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَصْع والوَصَع صغارها خاصّة، والجميع الوِصْعان.
قَالَ: والوَصِيع: صَوت العصفور.
وَقَالَ شمر: لم أسمع الْوَصع فِي شَيْء من كَلَامهم، إِلَّا أَنِّي
سَمِعت بَيْتا لَا أَدْرِي مَن قَائِله، وَلَيْسَ الْوَصع الطَّائِر
فِي شَيْء:
أَنَاخَ فَنعم مَا اقلولَى وخوَّى
على خَمْس يَصَعن حَصى الجَبوب
قَالَ يصعن الْحَصَى: يغيّبنه فِي الأَرْض.
قلت: الصَّوَاب عِنْدِي: يصُعن حَصَى الجَبُوب أَي يفرّقنها يَعْنِي
الثفنات الْخمس.
وَأما عِيصُو فَهُوَ ابْن إِسْحَاق أَخُو يَعْقُوب. وَهُوَ أَبُو
الرّوم.
(3/54)
(بَاب الْعين وَالسِّين)
ع س (وَا يء)
عسا، عوس، سعا، عيس، سوع، وسع، سيع، وعس.
عسا: أَبُو عبيد عَن الأمويّ: يُقَال للشَّيْخ إِذا وَلّى وكبِر: عتا
يعتُو عُتِيّاً، وعسا يعسو مثله.
قَالَ: وَقَالَ الْأَحْمَر: عست يدُه تعسو عُسُوّاً إِذا غَلُظت من
الْعَمَل.
وَقَالَ اللَّيْث: عسا الشَّيْخ يَعسو عَسْوَةً وَعَسَاءً إِذا كبِر.
قلت: وَالصَّوَاب فِي مصدر عسا مَا قَالَ الْأَحْمَر، وَيجوز عُسِيّاً
مثل عُتِيّاً.
وَقَالَ اللَّيْث: عسا النَّبَات إِذا غلظ. قَالَ: ولغة أُخْرَى: عَسِى
يَعْسِى عَسى، وَأنْشد:
يَهْوون عَن أَرْكَان عزّ أورما
عَن صامل عاسٍ إِذا مَا اصلخْمَمَا
قَالَ وعست يَده إِذا غلظت من الْعَمَل.
وَكَانَ جلاَّدٌ صَاحب شرطة الْبَصْرَة يكنى أَبَا العَسَاء.
قَالَ أَبُو بكر: العَسَاءُ مصدر عسا الْعود يعسو، والقَسَاءُ مصدر قسا
الْقلب يقسو وَعَسَى: حرف من حُرُوف المقاربة وَفِيه ترجَ وطمع. وَهِي
من الله وَاجِب وَمن الْعباد ظن، وَقد قَالَ الشَّاعِر فَجعله يَقِينا
أنْشدهُ أَبُو عبيد:
ظنّ بهم كعسى وهم بتنوفَةٍ
يتناوبون جوائب الْأَمْثَال
وَقَالَ ابْن كيسَان: عَسى من الله وَاجِب وَمن الْعباد ظن، لِأَن
العَبْد لَيْسَ لَهُ فِيمَا تسْتَقْبل علم نَافِذ إلاّ بدلائل مَا
شَاهد، وَقد يجوز أَن تبطل الشواهد لَهُ على مَا لم يكن فَلَا يكون مَا
يُظن، وَقد اجْتهد فِي عَسى بأغلب الظَّن عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْتَهى
علمه فِيمَا لم يَقع، وَالله تَعَالَى علمه بِمَا لم يكن كعلمه بِمَا
كَانَ، فَلَا يكون فِي خَبره عَسى إِلَّا على علمه، فَهِيَ وَاجِبَة من
قِبَله على هَذَا، وَقد قَالَ الشَّاعِر حِين انْتهى بظنّه عِنْد نَفسه
إِلَى حَقِيقَة الْعلم فمثّله بعسى إِذا كَانَت أغلب الظَّن وأقواه،
فَقَالَ:
ظنّي بهم كعسى وهم بتنوفة
يتنازعون جوائب الْأَمْثَال
وَقَالَ اللَّيْث: عَسى يجْرِي مجْرى لعَلّ، عسَيت، وعسَينا، وعَسَيتم،
وعسَت للْمَرْأَة، وعستا، وعَسَين. يتكلّم بِهِ على فعل مَاض، وأُميت
مَا سواهُ من وُجُوه فعله. لَا يُقَال: يعسَى وَلَا يعسِي، وَلَا مفعول
لَهُ وَلَا فَاعل.
وَقَالَ النحويون: يُقَال: عسَى وَلَا يُقَال: عسِى.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {لَّهُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ
أَن تُفْسِدُواْ فِى الاَْرْضِ وَتُقَطِّعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَرْحَامَكُمْ} (محَمَّد: 22) اتّفق الْقُرَّاء أَجْمَعُونَ
على فتح السِّين من قَوْله {عَسَيْتُمْ} إلاّ مَا جَاءَ عَن نَافِع
أَنه كَانَ يقْرَأ: (فَهَل عسيتم) بِكَسْر السِّين. وَكَانَ يقْرَأ:
{عَدُوَّكُمْ} (الأعرَاف: 129) ، فَدلَّ مُوَافَقَته الْقُرَّاء على
عَسى على أَن الصَّوَاب قَوْله {عَسَيْتُمْ} فتح السِّين.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المُعْسِية: النَّاقة الَّتِي يُشكّ فِيهَا
أَبِهَا لبن أم لَا.
(3/55)
وَقَالَ الشَّاعِر:
إِذا المُعْسياتُ مَنَعن الصَبُو
ح خبّ جَرِيُّكِ بالمُحْصَن
جريُّه: وَكيله وَرَسُوله: والمُحْصَن: مَا أُحْصِن وادّخر مِنَ
الطَّعَام.
وَقَالَ اللحياني: إِنَّه لَمَعْساة أَن يفعل ذَاك؛ كَقَوْلِك:
مَحْراة، وأعِس بِهِ أَن يفعل ذَاك كَقَوْلِك أحر بِهِ. والمِعْسَاءُ
من الْجَوَارِي: المراهِقة الَّتِي يَظنّ من رَآهَا أَنَّهَا قد
توضَّأَت.
وَأنْشد ثَعْلَب:
ألم ترني تركت أَبَا يزِيد
وصاحِبَهُ كمِعْسَاءِ الْجَوَارِي
بِلَا خَيْط وَلَا نَيْط وَلَكِن
يدا بيد فها عِيثِي جَعَارِ
قَالَ: هَذَا رجل طعَن رجلا، ثمَّ قَالَ: تركته كمعساء الْجَوَارِي:
يسيل الدَّم عَلَيْهِ كَالْمَرْأَةِ الَّتِي لم تَأْخُذ الحِشْوَةَ فِي
حَيْضهَا، فدمها يسيل على فخذيها، وَقَوله. يدا بيد، أَي طعنه كفاحاً
وَلم أطعنه خَتْلاً.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: العاسي: الشمراخ من شماريخ العَذْق فِي
لُغَة بلحارث بن كَعْب.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأعساء: الأرزان الصُلْبة قلت وواحدها
عاسٍ.
عوس: أَخْبرنِي الإياديّ عَن شمر قَالَ يُقَال: هُوَ يعُوس عِيَاله
ويعولهم أَي يقوتُهم.
وَأنْشد:
خلّي يتامَى كَانَ يُحسن عَوْسهم
ويقوتهم فِي كلّ عَام جَاحد
سَلمَة عَن الْفراء: عاس فلَان معاشه عَوْساً ورقَّحه وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو زيد: عاس فلَان مالَه عَوْساً، وساسه سياسة إِذا أحسن
الْقيام عَلَيْهِ. وَإنَّهُ لسائس مالٍ، وعائس مالٍ بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال: عاس على عِيَاله يَعُوس
عَوْساً إِذا كدّ وكدح عَلَيْهِم. قَالَ: والعُوس الكِباش الْبيض.
قَالَ: والعُواسة: الشَّرْبَة من اللَّبن وَغَيره.
وَقَالَ اللَّيْث: والعَوْس والعَوَسان: الطوفان بِاللَّيْلِ. قَالَ:
وَالذِّئْب طلب شَيْئا يَأْكُلهُ. قَالَ: والأعوس: الصيقل. ثمَّ قَالَ:
وَيُقَال لكل وصّاف لشَيْء: هُوَ أعوس وصّاف. وَقَالَ جرير:
تجلو السيوف وغيركم يَعْصَى بهَا
يَا ابْن القُيُون وَذَاكَ فعل الأعوس
قلت: رَابَنِي مَا قَالَه فِي الأعوس وَتَفْسِيره إِبْدَاله قافية
هَذَا الْبَيْت بغَيْرهَا. وَالرِّوَايَة: وَذَاكَ فعل الصيقل.
وَالْقَصِيدَة لجرير مَعْرُوفَة وَهِي لاميّة طَوِيلَة. وَقَوله
الأعوس: الصيقل لَيْسَ بِصَحِيح عِنْدِي.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَوَس: مصدر قَوْلك رجل أعوس، وَامْرَأَة
عوساء، وَهُوَ دُخُول الخدّين حَتَّى تكون فيهمَا هَزْمتان وَهُوَ
العَوَس.
أَبُو عبيدِ عَن القَنَاني: العَوَاساء من الخنافس: الْحَامِل وَأنْشد:
(3/56)
بكرا عواساء تَفَاسى مُقْرِبا
وعس: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: المِيعاس: الأَرْض الَّتِي لم تُوطأ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الأوعس؛ السهل الليّن من الرمل.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: الميعاس، الطَّرِيق. وَأنْشد:
واعَسن ميعاسا وجُمهوراتِ
من الكَثِيب متعرِّضات
وَقَالَ اللَّيْث: الميعاس: الْمَكَان الَّذِي فِيهِ الرمل الوَعْس،
وَهُوَ الرمل الَّذِي تَسُوخ فِيهِ القوائم. وَالِاسْم الوَعْساء وَرمل
أوعس، وَهُوَ أعظم من الوَعْساء. وَأنْشد:
ألبِسْن دِعْصاً بَين ظَهْري أوعسا
وَقَالَ جرير:
حيَّ الهِدَملة من ذَات المواعيس
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
أَلْقَت طلا بَوْعسة الحَوْمان
وَقَالَ اللَّيْث: المواعسة: ضرب من سير الْإِبِل فِي السرعة. تَقول:
واعسن بالأعناق إِذا مددن الْأَعْنَاق فِي سَعَة الخَطْو. وَأنْشد:
كم اجتبن من ليل إِلَيْك وداعست
بِنَا البيدَ أَعْنَاق المهارى الشعاشع
وَقيل: المواعسة: المباراة فِي السّير وَهِي المواضحة. أَبُو عبيد
المواعسة: الْإِقْدَام فِي السّير.
سوع: قَالَ اللَّيْث: سُواع: اسْم صنم عُبد زمن نوح فغرّقه الله
أَيَّام الطوفان وَدَفنه فاستثاره إِبْلِيس لأهل الْجَاهِلِيَّة
فعبدوه.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال: أَتَيْته بعد سُوَاع من اللَّيْل، وَبعد
سُوْع من اللَّيْل أَي بعد سَاعَة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السُّواعيُّ مَأْخُوذ
من السُّواع وَهُوَ المَذْي وَهُوَ السُّوَعاء قَالَ:
وَيُقَال: سُع سُع إِذا أَمرته أَن يتعهّد سُوَعاءه.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: أَخْبرنِي أَبُو عُبَيْدَة أَنه قَالَ لرؤبة:
مَا الوَدْي. فَقَالَ: يسمّى عندنَا السُوعاء.
وَقَالَ شمر: السوعاء مَحْدُود: المَذْي الَّذِي يخرج قبل النُطْفة.
وَقد أَسْرع الرجلُ وأنشر إِذا فعل ذَلِك، حَكَاهُ عَن أبي العَمَيثل
وَغَيره. والساعة: الْوَقْت الَّذِي تقوم فِيهِ الْقِيَامَة، سمّيت
سَاعَة لِأَنَّهَا تفجأ النَّاس فِي سَاعَة فَيَمُوت الخَلْقُ كلُّهم
عِنْد الصَّيْحَة الأولى الَّتِي ذكرهَا الله، فَقَالَ: {كُنَّا
مُنزِلِينَ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ
خَامِدُونَ} . (يس: 29) والساعة: جُزْء من آخر اللَّيْل وَالنَّهَار،
وتُجمع سَاعَات وساعاً. وتصغّر سُويعة. وَاللَّيْل وَالنَّهَار مَعًا
أَربع وَعِشْرُونَ سَاعَة. وَإِذا اعتدلا فَكل وَاحِد مِنْهُمَا
اثْنَتَا عشر سَاعَة.
وَيُقَال: هُوَ ضائع سائع، وَقد أضعْت الشَّيْء وأَسَعته.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: أسعت الْإِبِل أَي أهملتها. وساعت هِيَ
تَسُوع سَوْعاً. وَمِنْه قيل: ضائع سائع، وناقة مِسْياع. وَهِي الذاهبة
فِي الرَعْي.
(3/57)
وَقَالَ شمر: يُقَال: تَسِيعُ مَكَان تسوع.
قَالَ: وناقة مسياع: تدع وَلَدهَا حَتَّى يَأْكُلهُ السَّبع. وَرجل
مِسْياع وَهُوَ المضياع لِلْمَالِ.
وَيُقَال: رُبّ نَاقَة تُسيع وَلَدهَا حَتَّى يَأْكُلهُ السبَاع.
وَيُقَال: ساوعت الْأَجِير إِذا استأجرته سَاعَة بعد سَاعَة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: السَّاعَة: الهَلْكى، وَالطَّاعَة:
المطيعون، والجاعة: الجياع.
سعا: سَلمة عَن الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {بِغُلَامٍ حَلِيمٍ
فَلَمَّا بَلَغَ} (الصافات: 37) قَالَ: أطَاق أَن يُعينهُ على عمله
وسعيه. وَقَالَ: وَكَانَ إِسْمَاعِيل يومئذٍ ابْن ثَلَاث عشرَة سنة،
ونحوَ ذَلِك قَالَ الزجّاج.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى
ذِكْرِ} (الجُمُعَة: 9) قَالَ: السَّعْي والذهاب بِمَعْنى وَاحِد؛
لِأَنَّك تَقول للرجل: هُوَ يسْعَى فِي الأَرْض وَلَيْسَ هَذَا
باشتداد.
وَقَالَ الزّجاج: أصل السَّعْي فِي كَلَام الْعَرَب التصرّف فِي كل
عمل. وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ
إِلاَّ مَا} (النّجْم: 39) مَعْنَاهُ: إلاّ مَا عمل. قَالَ وَمعنى
قَوْله: {الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ} : فاقصدوا، وَلَيْسَ
مَعْنَاهُ العَدْو.
قلت: وَقد يكون السَّعْي بِمَعْنى العَدْو فِي كَلَام الْعَرَب،
وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا أتيتم الصَّلَاة
فَلَا تأتوها وَأَنْتُم تسعَون، وَلَكِن ائتوها وَعَلَيْكُم السكينةُ،
فَمَا أدركتم فصلُّوا، وَمَا فاتكم فأتِمُوا) فالسعي فِي هَذَا
الحَدِيث العَدْو.
اللحياني: السَّاعِي الَّذِي يقوم بِأَمْر أَصْحَابه عِنْد
السُّلْطَان. والجميع سُعاة. قَالَ: وَيقوم أهلَه أَي يقوم بأمرهم.
وَيُقَال؛ فلَان يسْعَى على عِيَاله أَي يتصرّف لَهُم، كَمَا قَالَ
الشَّاعِر:
أسعى على جُلّ بني مَالك
كل امرىء فِي شَأْنه ساعي
والسَعَاة: التصرّف. وَنَظِير السَعَاة من الْكَلَام النجَاة من نجا
ينجو، والقلاة من فلاه يفلوه إِذا قطعه عَن الرَّضَاع، وَعَصَاهُ يعصوه
عَصَاة، والغراة من قَوْلهم: غَرِيت بِه أَي أولعت غراةً قَالَ:
لَا تخلنا على غراتك إِنَّا
قبلُ مَا قد وشى بِنَا الأعداءُ
وَفعلت ذَلِك رجاة كَذَا وَكَذَا، وَتركت الْأَمر خشاة الْإِثْم، وأذى
بِهِ أَذَى وأذاة
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: سعى إِذا مَشى، وسعى
إِذا عدا، وسعى إِذا عمل، وسعى إِذا قصد.
قَالَ وَقَوله: {أَي اقصدوا.
ورُوي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: السَّاعِي لغير رِشْدة، أَرَادَ
بالساعي الَّذِي يسْعَى بِصَاحِبِهِ إِلَى سطانه فتمحِل بِهِ.
وَأَرَادَ بقوله: لغير رشدة: أَنه لَيْسَ بِثَابِت النّسَب من أَبِيه
الَّذِي ينتمي إِلَيْهِ.
ورُوي عَن كَعْب أَنه قَالَ: السَّاعِي مثَلث وتأوّله أَنه يُهلك
ثَلَاثَة نفر بسعايته؛ أحدهم المسعِيّ بِهِ، وَالثَّانِي السُّلْطَان
الَّذِي سعى
(3/58)
بِصَاحِبِهِ إِلَيْهِ حَتَّى أهلكه،
وَالثَّالِث هُوَ السَّاعِي نَفسه، سمى مثلثاً لإهلاكه ثَلَاثَة نفر،
وَمِمَّا يحقّق ذَلِك الخبرُ الثَّابِت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: (لَا
يدْخل الْجنَّة قَتّات) فالقَتّات والساعي والماحِل وَاحِد.
وَيُقَال لعامل الصَّدقَات: ساعٍ وَجمعه سُعَاة، وَقد سعى يسْعَى إِذا
عمل عمل الصَّدقَات فَأَخذهَا من أغنيائها وردّها فِي فقرائها.
وَقَالَ عَمْرو بن العدّاء الكلبيّ:
سعى عِقَالاً فَلم يتْرك لنا سَبَدا
فَكيف لَو قد سعى عَمْرو عِقَالَيْنِ
وَفِي حَدِيث عمر أَنه أُتِي فِي إِمَاء وَنسَاء سَاعَيْنَ فِي
الجاهليّة، فَأمر بأولادهنّ أَن يقوَّموا على آبَائِهِم وَلَا
يسترقّوا.
قَالَ أَبُو عبيد: وَأَخْبرنِي الأصمعيّ أَنه سمع ابْن عون يذكر هَذَا
الحَدِيث فَقَالَ لَهُ: إِن المساعاة لَا تكون فِي الْحَرَائِر،
إِنَّمَا تكون فِي الْإِمَاء.
قَالَ أَبُو عبيد: وَمعنى المساعاة الزِّنَى. وخصّ الْإِمَاء بالمساعاة
لِأَنَّهُنَّ كن يسعَين على مواليهنّ فيكسِبن لَهُم.
قلت: وَمن هَذَا أُخذ استسعاء العَبْد إِذا عَتَق بعضه ورَقّ بعضه،
وَذَلِكَ أَنه يسْعَى فِي فَكَاك مَا رقّ من رقبته، فَيعْمل فِيهِ
ويتصرّف فِي كَسبه حَتَّى يعْتِق. وَيُسمى تصرفه فِي كَسبه سِعَايَة
لِأَنَّهُ يعْمل فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: المساعاة: مساعاة الْأمة إِذْ ساعاها
مَالِكهَا، فضَرب عَلَيْهَا ضريبة تؤدّيها بالزنى، وَمِنْه يُقَال:
استُسعِي العَبْد فِي رقبته سُوعِيَ فِي غَلَّته فالمستسعَى الَّذِي
يُعتقه مَالِكه عِنْد مَوته، وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيره، فَيعتق ثلثه
ويُستسعى فِي ثُلثي رقبته. والمساعاة: أَن يساعيه فِي حَيَاته فِي
ضريبته. وَالسَّعْي يكون فِي الصّلاح، وَيكون فِي الْفساد.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ}
(المَائدة: 33) نصب قَوْله (فَسَادًا) لِأَنَّهُ مفعول لَهُ، أَرَادَ:
يسعون فِي الأَرْض للْفَسَاد. وَكَانَت الْعَرَب تسمي أَصْحَاب
الحَمَالات لحَقْن الدِّمَاء وإطفاء النائرة سُعَاة؛ لسعيهم فِي صَلَاح
ذَات الْبَين.
وَمِنْه قَول زُهَيْر:
سعى ساعياً غيظِ بن مُرَّة بَعْدَمَا
تبزّل مَا بَين الْعَشِيرَة بِالدَّمِ
أَي سعياً فِي الصُّلْح وجَمْع مَا تحمّلا من ديات الْقَتْلَى.
وَالْعرب تسمي مآثر أهل الشّرف وَالْفضل مساعي واحدتها مَسعاة لسعيهم
فِيهَا، كَأَنَّهَا مكاسبهم وأعمالهم الَّتِي أعْنوا فِيهَا أنفسهم.
والسَّعاة اسْم من ذَلِك، وَمن أَمْثَال الْعَرَب: شغلت سَعَاتِي
جدواي.
قَالَ أَبُو عبيد: يُضرب هَذَا مثلا للرجل يكون شيمته الْكَرم غير أَنه
مُعدِم. يَقُول: شغلتني أموري عَن النَّاس والإفضال عَلَيْهِم. وَمن
أمثالهم فِي هَذَا: بالساعد تبطش الْيَد.
قلت كَأَنَّهُ أَرَادَ بالسعاة الْكسْب على نَفسه والتصرّف فِي معاشه.
وَمِنْه قَوْلهم: الْمَرْء يسْعَى لغارَيْه أَي
(3/59)
يكْسب لبطنه وفرجه. وساعي الْيَهُود
وَالنَّصَارَى: هُوَ رئيسهم الَّذِي يُصدرون عَن رَأْيه وَلَا يقضون
أمرا دونه. وَهُوَ الَّذِي ذكره حُذَيفة فَقَالَ: إِن كَانَ يَهُودِيّا
أَو نَصْرَانِيّا ليردَّنه عليّ ساعيه. وَيُقَال أَرَادَ بالساعي:
الْوَالِي الَّذِي عَلَيْهِ من الْمُسلمين، وَهُوَ الْعَامِل. يَقُول
يُنصفني مِنْهُ. وَإِن لم يكن لَهُ إِسْلَام. وقلّ من ولى عملا على قوم
فَهُوَ ساعٍ عَلَيْهِم.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: مضَى من اللَّيْل سِعْو وسَعْواء مَمْدُود.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: السِّعواء مذكّر، قَالَ وَقَالَ: بَعضهم:
السِعْوا فَوق السَّاعَة من اللَّيْل. وَكَذَلِكَ السِعواء من
النَّهَار.
وَيُقَال كُنَّا عِنْده سِعْواوات من اللَّيْل وَالنَّهَار.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: قَالَ: السَعْوة السَّاعَة من
اللَّيْل. والسَعْوة: الشَمَعة قَالَ: والأسعاء: سَاعَات اللَّيْل
وَيُقَال للْمَرْأَة البذيئة الجالعة: سِعْوة وعِلْقَة وسِلْقة.
عيس: الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: العَيْس: مَاء الْفَحْل.
يُقَال عاسها يعيسها عَيْساً. والعِيس جمع أعيس وعيساء، وَهِي الْإِبِل
الْبيض يخالط بياضَها شَيْء من شقرة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: عاس الفحلُ من الْإِبِل الناقةَ يعيسها عَيْساً
إِذا ضربهَا.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة والمؤرِّج: العَيْسُ: مَاء
الْفَحْل. وَأنْشد بَيت طرفَة.
سأحلب عَيْسا صَحْنَ سَمِّ
قَالَ والعَيْس يقتل، لِأَنَّهُ أَخبث السمّ.
قَالَ شمر: وأنشدنيه ابْن الأعرابيّ:
سأحلُب عنسا صحن سمّ
بالنُّون: وَقَالَ النَّضر: الْجمل يعيس النَّاقة أَي يضْربهَا.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا خالط بياضَ الْبَعِير شقْرة فَهُوَ
أعْيس.
وَقَالَ اللَّيْث: العَيس والعِيسة: لون أَبيض مشرب صفاء فِي ظلمَة
خفيّة. يُقَال: جمل أعيس. قَالَ: والعِيسة فِي أصل الْبناء فُعْلة على
قِيَاس الصُّهبة والكُمْتة، وَإِنَّمَا كُسرت الْعين لمجاورتها
الْيَاء. قَالَ: وظبي أعيس. قَالَ: وَعِيسَى: اسْم نبيّ الله صلوَات
الله عَلَيْهِ يجمع: عِيسُون بضمّ السِّين؛ لِأَن الْيَاء زَائِدَة
فَسَقَطت. قَالَ: وَكَأن أصل الْحَرْف من العَيَس. قَالَ: وَإِذا
اسْتعْملت الْفِعْل مِنْهُ قلت عَيِسَ يَعْيَس أَو عاس يعيس. قَالَ
وَعِيسَى شبه فُعلى.
وَقَالَ ابْن كيسَان فِي جمع عِيسَى ومُوسَى: عيسَون وموسَوْن مثل
المصطفون والأدنون فِي الرّفْع، وَفِي النصب والخفض: المصطفين
والأدَنين.
وَقَالَ الزّجاج: عِيسَى: اسْم أعجميّ عُدل عَن لَفظه بالأعجميّة إِلَى
هَذَا الْبناء وَهُوَ غير مَصْرُوف فِي الْمعرفَة؛ لِاجْتِمَاع العجمة
والتعريف فِيهِ. وَمِثَال اشتقاقه من كَلَام الْعَرَب أَن عِيسى
فِعْلى. فالألف تصلح أَن تكون للتأنيث فَلَا تَنْصَرِف فِي معرفَة
وَلَا نكرَة. وَيكون اشتقاقه من
(3/60)
شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا العَيَس، وَالْآخر من
العَوْس وَهُوَ السياسة، فقلبت الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا. فأمّا
اسْم نبيّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمعدول عَن أيسُوع كَذَا
يَقُول أهل السريانية.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: إِذا نسبت إِلَى عِيسَى ومُوسَى وَمَا
أشبههما مِمَّا فِيهِ الْيَاء زَائِدَة قلت موسِيٌّ وعيسيٌّ بِكَسْر
السِّين وَتَشْديد الْيَاء.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة أعْيَس الزرعُ إعياساً إِذا لم يكن فِيهِ
رَطْب، وأَخْلس إِذا كَانَ فِيهِ رطب ويابس، وَرجل أعيس الشّعْر:
أبيضه. وَسْم أعيس: أَبيض.
قَالَ شمر: تسمّى الرّيح الْجنُوب النُعامَى بلغَة هُذَيْل، وَهِي
الأَزْيب أَيْضا. قَالَ بَعضهم: نسميها مِسْعاً. وَقَالَ بعض أهل
الْحجاز: يُسْع بِالْيَاءِ مَضْمُومَة. وَأما اسْم النَّبِي فَهُوَ
الْيَسع. وقرىء: اللَّيْسع.
وسع: الْوَاسِع من صِفَات الله تَعَالَى: الَّذِي وسع رزقُه جميعَ
خلقه، ووسعت رحمتُه كلّ شَيْء وَيُقَال: إِنَّه ليسعني مَا وسعك، وَرجل
مُوسِع وَهُوَ المليء، والوُسْع: الجِدّة وقدرة ذَات الْيَد. وأوسع
الرجلُ إِذا كثر مَاله. قَالَ الله جلّ وعزّ: {عَلَى الْمُوسِعِ
قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ} (البَقَرَة: 236) وَيُقَال:
إِنَّه لفي سَعَة من عيشه. ووسّعت الْبَيْت وَغَيره فاتّسع
وَاسْتَوْسَعَ، وَفرس وَسَاعٌ إِذا كَانَ جواداً ذَا سَعَة فِي خَطْوه
وذَرْعه. وَقد وسُع وَسَاعة، ووَسِع مَاء لبني سعد. وَيُقَال: مَا أسع
ذَاك أَي مَا أُطِيقهُ.
وَلَا يسعني هَذَا الْأَمر مثله. ويروى عَن عمر أَنه كَانَ يَقُول:
اللَّهُمَّ لَو أَسْتَطِيع أَن أسع النَّاس لوسعتهم اللَّهم إِنِّي لَا
أحلّ لَهم أشعارهم وَلَا أبشارهم، من ظلمه أميره فَلَا إمرة عَلَيْهِ
دوني. معنى قَوْله: أَن أسع النَّاس أَي أطيقهم، يُقَال: هَذَا
الْكَيْل يَسعهُ ثَلَاثَة أُمَنَاء هَذَا الْوِعَاء يسع عشْرين كَيْلا،
وَهَذَا الْوِعَاء يسع عشرُون كَيْلاً على مِثَال قَوْلك: أَنا أسع
هَذَا الْأَمر وَهَذَا الْأَمر يسعني. وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن تدخل
فِيهِ فِي وعَلى وَاللَّام؛ لِأَن قَوْلك: هَذَا الْوِعَاء يسع عشْرين
كَيْلا مَعْنَاهُ: يسع لعشرين كَيْلا أَي يتَّسع لذَلِك، وَمثله هَذَا
الخُفّ يسع برجلي أَي يسع لرجلي ويسع على رجْلي أَي يتّسع لَهَا
وَعَلَيْهَا، وَتقول هَذَا الْوِعَاء يَسعهُ عشرُون كَيْلا مَعْنَاهُ
يسع فِيهِ عشرُون كَيْلا أَي يتَّسع فِيهِ عشرُون كَيْلا، وَالْأَصْل
فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن يكون بِصفة، غير أَنهم ينزعون الصِّفَات من
أَشْيَاء كَثِيرَة حَتَّى يتّصل الْفِعْل إِلَى مَا يَلِيهِ ويفضي
إِلَيْهِ كَأَنَّهُ مفعول بِهِ، كَقَوْلِك كلتك واستحيتك ومكَّنتك أَي
كلت لَك واستحيت لَك ومكَّنت لَك. وَيُقَال: وسعت رَحْمَة الله كل
شَيْء وَلكُل شَيْء. وَقَالَ {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالاَْرْضَ} (البَقَرَة: 255) أَي اتَّسع لَهَا. وَعَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِنَّكُم لَا تَسَعون النَّاس
بأموالكم فليسعهم مِنْك بَسَطُ الْوَجْه) . قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي
قَوْله تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البَقَرَة: 115) يَقُول: أَيْنَمَا
توَلّوا فاقصدوا وَجه الله بتيممكم الْقبْلَة إِن الله وَاسع عليم يدلّ
على أَنه توسعة على النَّاس فِي شَيْء رخّص لَهُم.
(3/61)
وَيُقَال: هَل تسع هَذَا أَي هَل تُطِيقهُ،
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فَاسِقِينَ وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا
بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (الذّاريَات: 47) قَالَ أَبُو
إِسْحَاق يَقُول: جعلنَا بَينهَا وَبَين الأَرْض سَعَة، جعل أوسع
بِمَعْنى وسّع. وَالسعَة أَصْلهَا وِسْعة فحذفت الْوَاو.
وَيُقَال: ليسعك بَيْتك مَعْنَاهُ الْقَرار فِيهِ، وَفِي (النَّوَادِر)
: اللَّهم سَعْ عَلَيْهِ أَي وسِّع عَلَيْهِ.
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الْوَاسِع من أَسمَاء الله: الكَثير العطايا
الَّذِي يسع لما يُسأل. وَهَذَا قَول أبي عُبَيْدَة. وَيُقَال
الْوَاسِع: الْمُحِيط بِكُل شَيْء من قَوْلهم: وسع كل شَيْء علما أَي
أحَاط. وَقَالَ:
أعطيهم الْجهد منى بَلْه مَا أسع
مَعْنَاهُ: فدع مَا أحيط بِهِ وأقدر عَلَيْهِ. وَالْمعْنَى أعطيهم، لَا
أَجِدهُ إِلَّا بِجهْد فدع مَا أحيط بِهِ.
سيع: اللَّيْث: السَيَاع بالجصّ والطين والقِير. يُقَال: سيّعت بِهِ
تسييعاً؛ أَي طليت بِهِ طَلْياً رَفِيقًا، قَالَ القَطاميّ:
فَلَمَّا أَن جرى سِمَنٌ عَلَيْهَا
كَمَا بطَّنت بالفدن السَّياعا
قَالَ يجوز السَّياع والسِّياع. قلت: مَعْنَاهُ كَمَا بطنت الفدن
بالسياع فقلَب.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السَياع الطين.
وَقَالَ اللَّيْث المِسْيَعة: خَشَبَة مملّسة يطيَّن بهَا وَالْفِعْل
مِنْهُ سيّعته تسييعاً أيْ طينته تطييناً، وَقَالَ رؤبة:
من شِلّها مَاء السراب لأسيعا
قَالَ يصفه بالرقّة. وَقَالَ اللَّيْث: قَالَ بَعضهم: السَّياع أَيْضا:
شجر اللُبان وَهُوَ من شجر العضاه لَهُ ثَمَرَة كَهَيئَةِ الفُستق.
قَالَ ولثاهُ مثل الكُنْدُر إِذا جَمَد.
(بَاب الْعين وَالزَّاي)
ع ز (وَا يء)
عزا (عزو) ، عوز، زوع، وزع، وَعز، زعا.
عزا (عزو) : أَبُو عبيد وَغَيره: عزوته إِلَى أَبِيه، أعزوه وأَعزِيه
عَزْواً إِذا نسبته. وَيُقَال: إِلَى من تَعْزِي هَذَا الحَدِيث؟ أَي
إِلَى من تَنْميه. ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه
قَالَ: (من تعزّى بعَزَاء الْجَاهِلِيَّة فأعِضوه بِهن أَبِيه وَلَا
تكْنُوا) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: قَوْله تعزَّى يَعْنِي
انتسب وانتمى كَقَوْلِك: يالفلان ويالبني فلَان، وَقَالَ الرَّاعِي:
فَلَمَّا الْتَقت فرساننا ورجالهم
دَعَوا يَا لكلبٍ واعتزينا لعامر
وَقَالَ بشر بن أبي خازم:
نعلو القوانس بِالسُّيُوفِ ونعتزي
والخيلُ مُشْعَرة النحور من الدَّم
وَقَالَ إِن جريح حدث عَطاء بِحَدِيث فَقيل لَهُ: إِلَى من تَعزيه؟ أَي
إِلَى من تَسنده. وَأما الحَدِيث الآخر: (من لم يتعز بعزاء الله
فَلَيْسَ منّا) فَإِن لَهُ وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَلا يتعزَّى بعزاء
الْجَاهِلِيَّة وَدَعوى الْقَبَائِل وَلَكِن يَقُول يَا للْمُسلمين
فَتكون دَعْوَة الْمُسلمين وَاحِدَة غير مَنْهِيّ عَنْهَا.
(3/62)
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن معنى التعزّي فِي
هَذَا الحَدِيث التأسّي والتصبّر، فَإِذا أَصَابَت المسلمَ مُصِيبَة
تَفْجَعُه قَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون؛ كَمَا أمره
الله تَعَالَى. وَمعنى قَوْله: بعزاء الله أَي بتعزية الله إيّاه،
فَأَقَامَ الِاسْم مُقَام الْمصدر الحقيقيّ وَهُوَ التَّعْزِيَة من
عزَّيت؛ كَمَا يُقَال: أَعْطيته عَطاء وَمَعْنَاهُ أَعْطيته إِعْطَاء.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ
الشِّمَالِ عِزِينَ} (المعَارج: 37) فَمَعْنَى (عزين) خِلَقاً خِلَقا،
وَجَمَاعَة جمَاعَة، وعِزُون جمع عِزْوة، فَكَانُوا عَن يَمِينه وَعَن
شِمَاله جماعات فِي تَفْرِقَة.
وَقَالَ اللَّيْث: العِزَة عُصبةٌ من النَّاس فَوق الحَلْقة.
وَالْجَمَاعَة عزون. ونقصانها وَاو.
قلت أصل عزة عِزْوة، كَأَن كل جمَاعَة اعزازها أَي انتسابها وَاحِد
عِزة. وَهِي مثل عِضَة أَصْلهَا عِضْوة. وَقد مرّ تَفْسِيرهَا.
وَقَالَ اللَّيْث يُقَال عَزِي الرجلُ يَعْزَى عزاء مَمْدُود. وَإنَّهُ
لعزِيّ: صبور إِذا كَانَ حسن العزاء على المصائب. وَتقول عزّيت فلَانا
أعزّيه تَعْزِيَة أَي أسّيته وَضربت لَهُ الأُسَى وأمرته بالْعزاء
فتعزّى تعزّياً أَي تصبَّر تصبّراً. والعزاء: الصَّبْر نَفسه عَن كل
مَا فقدت.
وَقَالَ أَبُو زيد: عزا فلَان نفسَه إِلَى بني فلَان يعزوها عَزْواً
إِذا اعتزى إِلَيْهِم، محِقّا كَانَ أَو بَاطِلا، وانتمى إِلَيْهِم
مثلُه. قَالَ: وَالِاسْم العِزوة والنِمْو وَيُقَال: النِمْيَة.
قلت: والعِزة الْجَمَاعَة مَأْخُوذَة من هَذَا. وَقَالَ اللَّيْث: كلمة
شنعاء من لُغَة أهل الشِّحْر يَقُولُونَ يَعْزى مَا كَانَ كَذَا
وَكَذَا كَمَا نقُول نَحن: لعمري لقد كَانَ كَذَا وَكَذَا.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَزْو لُغَة مَرْغُوب عَنْهَا يتَكَلَّم بهَا
بَنو مَهْرة بن حَيْدان يَقُولُونَ: عَزْوَى كأنّها كلمة يتلطّف بهَا.
وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ يَعزى. قَالَ: وَبَنُو عَزْوان حَيّ من الجنّ
وَالْعرب تَقول: إِن النعام مراكب الجنّ وَقَالَ ابْن أَحْمَر يصف
الظليم:
حَلَقَتْ بَنو عَزْوان جُؤجؤَهُ
والرأسَ غير قنازع زُعْر
وَقَالَ اللَّيْث: الاعتزاء: الِاتِّصَال فِي الدَّعْوَى إِذا كَانَت
حَرْب. فَكل من ادّعى فِي شعاره: أَنا فلَان بن فلَان أَو فلَان
الْفُلَانِيّ فقد اعتزى إِلَيْهِ.
عوز: قَالَ اللَّيْث: العَوَز: أَن يعوزك الشَّيْء وَأَنت إِلَيْهِ
مُحْتَاج. قَالَ: وَإِذا لم تَجِد الشَّيْء قلت: عازني. قلت عازني
لَيْسَ بِمَعْرُوف.
وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقَال: أعوزني هَذَا الْأَمر إِذا اشتدّ عَلَيْك
وعَسُر، وَقَالَ غَيره: أعوزني الْأَمر يُعوزني أَي قلّ عِنْدِي مَعَ
حَاجَتي إِلَيْهِ. وَرجل مُعْوِز: قَلِيل الشَّيْء.
وَقَالَ اللَّيْث: أعوز الرجلُ إِذا ساءت حَاله. وأعوزه الدَّهْر إِذا
حلّ عَلَيْهِ الْفقر. قَالَ والمِعْوَز والجميع المعاوز وَهِي الخِرق
الَّتِي يلفّ فِيهَا الصبيّ. وَقَالَ حسّان:
وموءودة مقرورة فِي معاوز
بآمتها مرموسة لم توسّد
وَقَالَ غَيره: المعاوز: خُلْقان الثِّيَاب، لُف
(3/63)
ّ فِيهَا الصبيّ أَو لم يلفّ.
وَقَالَ ابْن هانىء: يُقَال: إِنَّه لعَوِز لَوِز تَأْكِيد لَهُ، كَمَا
تَقول: تعساً لَهُ ونعساً.
عَمْرو عَن أَبِيه: العَوْز: ضيق الشَّيْء. وَالْمَعْرُوف العَوَز
أَبُو حَاتِم عَن أبي زيد يُقَال: مَا يُعوِز لفُلَان شَيْء إلاّ ذهب
بِهِ، كَقَوْلِك: مَا يُوهِف لَهُ وَمَا يُشرف. قَالَه أَبُو زيد
بالزاي قَالَ أَبُو حَاتِم: وَأنْكرهُ الْأَصْمَعِي. قَالَ: وَهُوَ
عِنْد أبي زيد صَحِيح، وَمن الْعَرَب مسموع.
زعا: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: زَعَا
إِذا عدل، وشعا إِذا هرب، وَقعا إِذا ذَلَّ، وفعا إِذا فتّت شَيْئا.
وَعز: قَالَ اللَّيْث: الوَعْز: التقدِمة. يُقَال: أوعزت إِلَى فلَان
فِي ذَلِك الْأَمر إِذا تقدّمت إِلَيْهِ. وروى الْحَرَّانِي عَن ابْن
السّكيت قَالَ يُقَال: وَعَّزت وأوعزت، وَلم يُجِز وَعَزت مخففاً.
وَنَحْو ذَلِك روى أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي أَنه أنكر وَعَزَت
بِالتَّخْفِيفِ.
وزع: قَالَ اللَّيْث: الوَزْع: كفّ النَّفس عَن هَواهَا. يُقَال: وزعته
أزَعه وَزْعاً. وَفِي الحَدِيث: (لَا بدّ للنَّاس من وَزَعة) أَي من
سُلْطَان يَزَع بَعضهم من بعض. والوازع فِي الْحَرْب: الموكلُ بالصفوف
يَزع من تقدّم مِنْهُم بِغَيْر أمره. وَقَالَ الله جلّ وعزّ:
{بِئَايَاتِنَا فَهُمْ} (النَّمل: 83) أَي يُكِفّون. وَجَاء فِي
التَّفْسِير: يُحبس أوّلهم على آخِرهم. وَأما قَوْله: {سَنَةً قَالَ
رَبِّ أَوْزِعْنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَنْ أَشكُرَ} (الْأَحْقَاف: 15) فَمَعْنَى {رَبِّ} ألهمني.
وتأويله فِي اللُّغَة: كُفّني عَن الْأَشْيَاء إلاّ عَن شكر نِعْمَتك،
وكُفّني عمّا يباعدني عَنْك. هَكَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجّاج
الْمُنْذِرِيّ عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: يُقَال: قد
أوزعته بالشَّيْء أيزاعاً إِذا أغريته، وَإنَّهُ لموزَع بِكَذَا
وَكَذَا أَي مُغْرًى بِهِ وَالِاسْم الوَزُوع. وَقد أوزعه الله إِذا
ألهمه. وَنَحْو ذَلِك قَالَ الْفراء. قَالَ معنى {رَبِّ} ألهمني.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّوْزِيع: الْقِسْمَة. يُقَال وزّعنا الجَزُور
فِيمَا بَيْننَا.
قلت: وَمن هَذَا أُخِذ الأوزاع، وهم الفِرَق من النَّاس. يُقَال:
أتيتهم وهم أوزاع أَي متفرقون.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه خرج لَيْلَة فِي رَمَضَان وَالنَّاس أوزاع أَي
يصلونَ مُتَفَرّقين غير مُجْتَمعين على إِمَام وَاحِد.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال: بهَا أوزاع من النَّاس وأوباش، وهم الضروب
المتفرقون، وَلَا وَاحِد للأوزاع. وَقَالَ الشَّاعِر يمدح رجلا:
أحْللتَ بيتكَ بِالْجَمِيعِ وبعضُهم
متفرِّق ليحلّ بالأوزاع
الأوزاع هَاهُنَا: بيُوت منتبِذة عَن مُجْتَمع النَّاس. وَفِي الحَدِيث
(مَن يَزع السُّلْطَان أَكثر مِمَّن يَزع الْفرْقَان) مَعْنَاهُ: أَن
من يكفّه السُّلْطَان عَن الْمعاصِي أَكثر مِمَّن يكفّه الْفرْقَان
بِالْأَمر وَالنَّهْي والإنذار. وَيُقَال لَا بدّ للنَّاس من وَزَعة
أَي مِمَّن يكفّهم عَن الشرّ وَالْفساد.
(3/64)
وَقَوله حُصَيب الهذليّ يذكر قربه من عدوّ
لَهُ:
لما رَأَيْت بني عَمْرو ويازعهم
أيقنت أَنِّي لَهُم فِي هَذِه قَوَد
قَالَ: يازعمهم لغتهم، يُرِيدُونَ: وازعهم فِي هَذِه الْوَاقِعَة أَي
سيستقيدون منا
أَبُو عبيد يُقَال: أُوزِعتُ بالشَّيْء مثل أُلهمته وأُولعت بِهِ.
قَالَ: ووزّعت الشَّيْء بَين الْقَوْم قسمته.
زوع: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ وَزَعته فَأَنا أزَعُه: كففته. وزُوْعته
فَأَنا أزعه مثله. قَالَ: وَيُقَال: زُعته: قدَّمته. وَقَالَ ذُو
الرمّة:
وخافِق الرَّأْس مثل السَّيْف قلت لَهُ
زُعْ بالزمام وجَوْزُ اللَّيْل مركوم
أَي ادفعه إِلَى قُدَّام وقدّمه.
وَقَالَ شمر: زُعْ راحلتك أَي استحثّها، وَبَعْضهمْ يَقُول زُعْ
بالزمام أيْ هيّج وحرّك.
وَقَالَ اللَّيْث: الزُوْع جذبك النَّاقة بالزمام لتنقاد.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: زُعته: حرّكته وقدّمته.
وَقَالَ ابْن السّكيت: زاعه يزوعه إِذا عطفه. وَقَالَ ذُو الرمّة:
أَلا لَا تبالي العِيس مَن شدَّ كورها
عَلَيْهَا وَلَا من زاعها بالخزائم
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الزاعة. الشُرط.
وَفِي (النَّوَادِر) : زوّعتِ الريحُ النبت تزوّعه، وصوّعته، وَذَلِكَ
إِذا جمعته لتفريقها بَين ذرّاه، وَيُقَال: زُوعة من نبت، ولُمْعة من
بنت.
وَقَالَ ابْن دُرَيد: الزّوْع: أخذك الشي بكفّك، نَحْو الثَّرِيد، أقبل
يزوع الثَّرِيد إِذا اجتذبه بكفّه. قَالَ: وزعت لَهُ زَوْعة من
البِطِّيخ إِذا قطعت لَهُ قِطْعَة.
(بَاب الْعين والطاء)
(ع ط (وَا يء))
عطا، عوط، طعا، طوع، عيط، يُعْط.
عطا: أَبُو عبيد العَطْو: التَّنَاوُل. يُقَال مِنْهُ: عَطَوت أعطو.
وَقَالَ بشر بن أبي خازم:
أَو الأُدْم الموشَّحةِ العواطي
بأيديهن من سَلَم النِعاف
يَعْنِي الظباء وَهِي تتطالل إِذا رفعت أيديها لتتناول ورق الشّجر.
والإعطاء مَأْخُوذ من هَذَا. والمعاطاة: المناولة. وَقَالَ اللَّيْث:
عاطى الصبيُّ أهلَه إِذا عمِل وناولهم مَا أَرَادوا. وَالعطَاء: اسْم
لما يعطَى. وَيُقَال: إِنَّه لجزيل الْعَطاء. وَهُوَ اسْم جَامع.
فَإِذا أفرد قيل: العطيّة، وَجَمعهَا العطايا. وأمّا الأعْطِية فَهِيَ
جمع الْعَطاء. يُقَال ثَلَاثَة أعطية، ثمَّ أعطيات جمع الْجمع.
والتعاطي: تنَاول مَا لَا يجوز تنَاوله. يُقَال: تعاطى فلَان ظلمك.
وَفِي الْقُرْآن: {صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى} (القَمَر: 29) أَي فتعاطى
الشقيُّ عَقْر النَّاقة فَبلغ مَا أَرَادَ.
وَقَالَ اللَّيْث: وَيُقَال بل تعاطيه: جُرْأته. وَيُقَال للْمَرْأَة:
هِيَ تعَاطِي خِلْمها أَي تنَاوله قُبَلها ورِيقها. وَقَالَ ذُو الرمة:
تعاطيه أَحْيَانًا إِذا جِيد جَودة
رُضَاباً كطعم الزنجبيل المعسَّل
(3/65)
وَقَالَ غَيره: يُقَال: عطَّيته وعاطيته
أَي خدمته وَقمت بأَمْره؛ كَقَوْلِك: نعّمته وناعمته. تَقول: من
يُعَطِّيك أَي من يتولّى خدمتك. وقوس مُعْطِية: ليّنة لَيست بكزّة
ولاممتنعة على من يمدّ وترها. وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
وهَتَفى مُعطية طروحاً
أَرَادَ بالهَتَفى قوساً لوترها رنين. وقوس عَطْوى بِمَعْنى المعطية.
وَيُقَال: هِيَ الَّتِي عُطفت فَلم تنكسر، وَقَالَ ذُو الرمة:
لَهُ نبعة عَطْوى كَأَن رنينها
بألوى تعاطته الأكفّ المواسح
أَرَادَ بالألوى: الْوتر. وَالنِّسْبَة إِلَى عطيّة عَطَوِيّ، وَإِلَى
عَطاء عطائيّ. وَسمعت غير وَاحِد من الْعَرَب يَقُول لراحلته إِذا
انْفَسَخ خَطْمه عَن مَخْطِمه: أعطِ فيعوج رَأسه إِلَى رَاكِبه
فَيُعِيد الخطم على مَخطِمه. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال هُوَ يتعاطى
معالَي الْأُمُور ورفيعها، وَيتَعَاطَى أمرا قبيحاً. قَالَ: وَقَالَ
رجل من قيس يكنى أَبَا قُوَّة أَقُول هُوَ يتعاطى الرّفْعَة من
الْأَمر، ويتعطّى القبيحَ تعطّياً. وَيُقَال هُوَ يستعطي النَّاس
بكفّه، وَفِي كفّه، استعطاءً إِذا سَأَلَهُمْ وَطلب إِلَيْهِم.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الأعطاء: المناولات.
والمعاطاة أَن يسْتَقْبل رجل رجلا وَمَعَهُ سيف فَيَقُول: أرِني سَيْفك
فيعطيه فيهزّه هَذَا سَاعَة وَهَذَا سَاعَة وهما فِي سُوق أَو مَسْجِد،
وَقد نُهي عَنهُ. وَمن أَمْثَال الْعَرَب عاطٍ بِغَيْر أنواط، يضْرب
مثلا لمن انتحل عِلْماً لَا يقوم بِهِ.
طوع: الحرّاني عَن ابْن السّكيت: يُقَال: قد أطَاع لَهُ المَرْتع إِذا
اتّسع لَهُ المرتع، وَأمكنهُ من الرَعْي. وَقد يُقَال فِي هَذَا
الْموضع: طَاع. وَقَالَ أَوْس بن زُهَير:
كَأَن جيادهن بَرْعن زُمَ
جرادٌ قد أطَاع لَهُ الوَرَاقُ
أنْشدهُ أَبُو عبيد. وَقَالَ: الْوراق: خضرَة الأَرْض من الْحَشِيش،
وَلَيْسَ من الْوَرق.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال أمره بِأَمْر فأطاعه، بِالْألف لَا غير.
وَالْعرب تَقول: لَهُ عليّ أمره مطاعة. قَالَ: وَقد طاع لَهُ إِذا
انْقَادَ لَهُ بِغَيْر ألف.
وَقَالَ اللَّيْث: الطَّوع: نقيض الكَرْه، لتفعلنّه طَوْعاً أَو كرها،
وطائعاً أَو كَارِهًا. وطاع لَهُ إِذا انْقَادَ لَهُ، فَإِذا مضى
لأَمره فقد أطاعه، وَإِذا وَافقه فقد طاوعه. قَالَ وَالطَّاعَة: اسْم
من أطاعه إطاعة. والطواعية: اسْم لما يكون مصدر المطاوَعةِ. يُقَال:
طاوعت المرأةُ زَوجهَا طواعِية. قَالَ: وَيُقَال للطائع: طاعٍ، وَهُوَ
مقلوب وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
حَلَفت بِالْبَيْتِ ومَن حوله
من عَائِذ بِالْبَيْتِ أَو طاع
وَهَذَا كَقَوْلِهِم: عاقني عائقٌ وعاقٍ. وَيُقَال: تطاوعْ لهَذَا
الْأَمر حَتَّى تستطيعه. وَإِذا قلت: تطوَّع فَمَعْنَاه تكلّف
استطاعته. قَالَ: وَالْعرب تحذف التَّاء فَتَقول اسْطاع يَسْطيع. قَالَ
والتطوّع: مَا تبرّعت بِهِ من ذَات نَفسك فِيمَا لَا يلزمك فرضُه.
وَفرس طَوْع العِنان إِذا كَانَ سَلِساً. وَقَول الله جلّ وعزّ: (وَمن
يَطَّوَّعْ خيرا) (البَقَرَة: 158)
(3/66)
الأَصْل فِيهِ وَمن يَتَطوّع، فأدغمت
التَّاء فِي الطَّاء وكل حرف أدغمته فِي حرف نقلته إِلَى لفظ المدغم
فِيهِ. وَمن قَرَأَ {على لفظ المضيّ فَمَعْنَاه الِاسْتِقْبَال؛ لِأَن
الْكَلَام شَرط وَجَزَاء، فَلفظ الْمَاضِي فِيهِ يَئُول إِلَى معنى
الِاسْتِقْبَال، وَهَذَا قَول حُذّاق النحويّين. وَأما قَول الله جلّ
وعزّ: {} (الْكَهْف: 97) فَإِن أَصله اسْتَطَاعُوا بِالتَّاءِ، وَلَكِن
التَّاء والطاء من مخرج وَاحِد، فحذفت التَّاء ليخفّ اللَّفْظ. وَمن
الْعَرَب من يَقُول: استاعوا بِغَيْر طاء، وَلَا يجوز فِي الْقِرَاءَة.
وَمِنْهُم من يَقُول: فَمَا أَسطاعوا بِأَلف مَقْطُوعَة، الْمَعْنى:
فَمَا أطاعوا فزادوا السِّين قَالَ ذَلِك الْخَلِيل وسيبويه عوضا عَن
ذهَاب حَرَكَة الْوَاو؛ لِأَن الأَصْل فِي أطَاع أَطْوَع. وَمن كَانَت
هَذِه لغته قَالَ فِي الْمُسْتَقْبل يُسطِع بضمّ الْيَاء.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ:
يُقَال: مَا أَستطيع وَمَا اسطيع وَمَا أَسْطيع وَمَا أستيع، وَكَانَ
حَمْزَة الزيّات يقْرَأ (مِمَّا اسْطَّاعوا) بإدغام الطَّاء وَالْجمع
بَين ساكنين.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجّاج: من قَرَأَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَة
فَهُوَ لاحِنٌ مخطىء. زعم ذَلِك الْخَلِيل يُونُس وسيبويه، وَجَمِيع
مَن يَقُول بقَوْلهمْ. وحجَّتهم فِي ذَلِك أَن السِّين سَاكِنة، وَإِذا
أدغمت التَّاء فِي الطَّاء صَارَت طاء سَاكِنة، وَلَا يجمع بَين
ساكنين. قَالَ: وَمن قَالَ: أطرحُ حَرَكَة التَّاء على السِّين فأقرأ
(فَمَا اسَطَّاعوا) فخطأ أَيْضا لِأَن سين استفعل لم تحرّك قطّ.
والمطّوّعة: قوم يتطوَّعون بِالْجِهَادِ، أدغمت التَّاء فِي الطَّاء،
كَمَا قُلْنَا فِي قَوْله: {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا} . وأمّا قَوْله
جلّ وعزّ: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} (المَائدة: 30)
فَإِن الْفراء قَالَ: مَعْنَاهُ فتابعته نَفسه. وَقَالَ الْمبرد؛
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} فعَّلت من الطَوْع. وَقَالَ أَبُو عبيد:
حدّثنا يزِيد عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نَجيح عَن مُجَاهِد؛ {فطوعت
لَهُ نَفسه قَالَ شجَّعته. قَالَ أَبُو عبيد عَن مُجَاهِد: إِنَّهَا
أعانته على ذَلِك وأجابته إِلَيْهِ. وَلَا أرى أَصله إلاّ من الطواعية.
قلت: وَالْأَشْبَه عِنْدِي أَن يكون معنى (طوّعت) سمَّحت وسهَّلت لَهُ
نفسهُ قتلَ أَخِيه أَي جعلت نَفسه بهواها المُردي قتلَ أَخِيه سهلاً
وهوَّنته. وأمَّا على قَول الْفراء والمبرد فانتصاب قَوْله قتل أَخِيه
على إفضاء الْفِعْل إِلَيْهِ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: فطوعت لَهُ نَفسه أَي
انقادت فِي قتل أَخِيه ولقتل أَخِيه فَحذف الْخَافِض وأفضى الفعلُ
إِلَيْهِ فنصبه.
وَيُقَال: فلَان طَوْع المكاره إِذا كَانَ مُعْتَادا لَهَا، ملقىً
إيّاها. وَقَالَ النَّابِغَة:
فارتاع من صَوت كَلاّب فَبَاتَ لَهُ
طوعُ الشوامت من خوف وَمن صَرَد
ويروى: طوعَ الشوامت. فَمن رفع: أَرَادَ بَات لَهُ مَا أطَاع شامته من
الْبرد وَالْخَوْف أَي بَات لَهُ مَا اشْتهى شامته، وَهُوَ طَوْعه،
وَمن ذَلِك تَقول: اللَّهم لَا تطيعنّ بِي شامتاً أَي لَا تفعل بِي مَا
يشتهيه ويحبّه.
(3/67)
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال طاع لَهُ
وأطاع، سَوَاء. فَمن قَالَ: طاع قَالَ يطاع، وَمن قَالَ: أطَاع قَالَ
يُطيع، فَإِذا جِئْت إِلَى الْأَمر فَلَيْسَ إلاّ أطاعه؛ كَمَا
ذَكرْنَاهُ فِي أوّل الْبَاب.
وَمن روى بَيت الذبياني: فَبَاتَ لَهُ طوعَ الشوامت بِالنّصب أَرَادَ
بالشوامت قوائمه وَاحِدهَا شامتة يَقُول: فَبَاتَ الثَوْر طوع قوائمه
أَي بَات قَائِما.
قلت: وَمن الْعَرَب من يَقُول: طاع لَهُ يَطُوع طَوْعاً فَهُوَ طائع
بِمَعْنى أطَاع أَيْضا، وطاع يطاع لُغَة جيّدة.
اللحياني: يُقَال: أَطَعْت لَهُ وأطعته. وَيُقَال: طِعْت لَهُ وَأَنا
أطِيع لَهُ طَاعَة، وَيُقَال: طُعْت لَهُ وَأَنا أطوع لَهُ طَوْعًا أَي
انقدت، وَفرس طَوْع العِنان وطوعة الْعَنَان. وبعير طيّع: سلِس القياد.
عوط: أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: إِذا لم تحمل الناقةُ أوّل سنة يَطرُقها
الْفَحْل فَهِيَ عائط، فَإِذا لم تحمل السنةَ المقبِلة أَيْضا فَهِيَ
عائطُ عُوطٍ وعُوطَطٍ.
قَالَ: وَقَالَ العَدَبَّس الكنانيّ: يُقَال تعوَّطَت إِذا حُمِلَ
عَلَيْهَا الْفَحْل فَلم تحمل.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: بَكْرة عائط، وَجَمعهَا عِيطٌ، وَهِي تَعِيط.
قَالَ: فأمَّا الَّتِي تعطاط أرحامُها نعائطُ عُوطٍ وَهِي مِنْ
تَعُوطُ. وَأنْشد:
يَرُعْنَ إِلَى صوتي إِذا مَا سمعته
كَمَا ترعوى عِيط إِلَى صَوت أعيسا
وَقَالَ آخر:
نَجَائِب أبكار لقِحْن لعِيطط
وَنعم فهنّ المهجِرات الخيائر
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للناقة الَّتِي لم تحمل سنوات من غير عُقْر:
قد اعتاطت. قَالَ: وَرُبمَا كَانَ اعتياطها من كَثْرَة شحمها، أَي
اعتاصت. قَالَ: وَقد تعتاط الْمَرْأَة. وناقة عائط. وَقد عاطت تعِيط
عِياطا، ونُوق عِيط وعُوط من غير أَن يُقَال: عاطت تعوط. قَالَ: وَجمع
العائط عوائِط.
وَقَالَ غَيره: العِيط: خِيَار الْإِبِل، وأفتاؤها مَا بَين الحِفّة
إِلَى الرباعِية.
عيط: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: امْرَأَة عَيْطاء: طَوِيلَة
الْعُنُق. وَرجل أعيط، وقَارة عَيْطاء: مشرفة. والمصدر العَيَط. وَفرس
عيطاء، وخيل عِيط: طوال.
وَقَالَ اللَّيْث: الأعيط: الطَّوِيل الرَّأْس والعنق. والعيطاء:
النَّاقة الطَّوِيلَة الْعُنُق، وَالذكر أعيط وَالْجمع عِيط. قَالَ
وعِيطِ: كلمة ينادَى بهَا الأَشِرُ عِنْد السكر، ويُلهج بهَا عِنْد
الْغَلَبَة، فَإِن لم يزدْ على وَاحِدَة قَالُوا عيّط، وَإِن رجَّع
قَالُوا: عطعط.
غَيره التعيط: غضب الرجل واحْتلاطه وتكبره. وَقَالَ رؤبة:
وَالْبَغي من تعيّط العيّاط
وَيُقَال: التعيّط هَاهُنَا: الجلبة، وصياح الأَشِر بقوله عِيطِ
وَقَالَ اللَّيْث: التعيّط تنبّع الشَّيْء من حجر أَو شجر يخرج مِنْهُ
شَيْء فيصمِّغ أَو يسيل. وذفرى الْجمل تتعيّط بالعَرَق الْأسود
وَأنْشد:
(3/68)
تَعَيّطُ ذفراها بجَوْن كَأَنَّهُ
كُحَيْل جرى من قنفذ اللِّيت نابع
وَيُقَال عيَّط فلَان بفلان إِذا قَالَ لَهُ: عِيط عِيط.
يُعْط: قَالَ اللَّيْث: يَعَاط: زجرك للذئب إِذا رَأَيْته قلت:
يَعَاطِ. يعاط وَتقول: يعَطت بِهِ وَيَا عطت بِهِ وَأنْشد:
صُبَّ على شَاءَ أبي رِباط
ذؤالةٌ كالأقُدح الأمراط
يدنو إِذا قيل لَهُ يَعَاطِ
قَالَ: وَبَعض يَقُول: يِعاط بِكَسْر الْيَاء. قَالَ: وَهُوَ قَبِيح؛
لِأَن كسر الْيَاء زادَها قبحاً. وَذَلِكَ لِأَن الْيَاء خُلِقَت من
الكسرة، وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب كلمة على فِعَال فِي صدرها يَاء
مَكْسُورَة.
وَقَالَ غَيره: يِسَار لُغَة فِي اليَسَار. وَبَعض يَقُول: إسار بقلب
الْيَاء همزَة إِذا كُسرت.
قلت: وَهُوَ بشع قَبِيح، أعنى يِسَار وإسار.
طعا: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: طعا إِذا تبَاعد. عَمْرو عَن
أَبِيه: الطاعي بِمَعْنى الطائع إِذا ذلَّ.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأطعاء: الطَّاعَة.
(بَاب الْعين وَالدَّال)
(ع د (وَا يء))
عدا، عود، دَعَا، دَاع، ودع، وعد، يدع.
عدا (عندأوة) : قَالَ الله جلّ وعزّ: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ
يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ
عِلْمٍ} (الْأَنْعَام: 108) وقرىء (عُدُوَّاً بِغَيْر علم) .
قَالَ المفسّرون: نُهوا قبل أَن أُذن لَهُم فِي قتال الْمُشْركين أَن
يلعنوا الْأَصْنَام الَّتِي عبدوها.
وَقَوله: {فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} أَي فيسبّوا
الله ظلما و (عدوا) مَنْصُوب على الْمصدر، وعَلى إِرَادَة اللَّام،
لِأَن الْمَعْنى: فيَعْدُون عَدْواً أَي يَظلمون ظلما. وَيكون
مَفْعُولا لَهُ أَي فيسبّوا الله للظلم. وَمن قَرَأَ (فيسبوا الله
عُدُواً) فَهُوَ فِي معنى عَدْو أَيْضا. يُقَال فِي الظُّلم قد عدا
فلَان عَدْواً وعُدُوَّاً وعُدْواناً وعَدَاءً أَي ظلم ظلما جَاوز من
الْقدر، وقرىء (فيسبوا الله عَدُوُّاً) بِفَتْح الْعين، وَهُوَ هَهُنَا
فِي معنى جمَاعَة، كَأَنَّهُ قَالَ: فيسبوا الله أَعدَاء. و (عَدُوّاً)
مَنْصُوب على الْحَال فِي هَذَا القَوْل. وَكَذَلِكَ قَوْله:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِىٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ
وَالْجِنِّ} (الأنعَام: 112) (عَدُوّاً) فِي معنى أَعدَاء. الْمَعْنى:
كَمَا جعلنَا لَك ولأمّتك شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ أَعدَاء كَذَلِك
جعلنَا لمن تقدّمك من الْأَنْبِيَاء أَو أممهم. و (عدُوّاً) هَهُنَا
مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول بِهِ و {شياطين الْإِنْس مَنْصُوب على
الْبَدَل. وَيجوز أَن يكون (عدوّاً) مَنْصُوبًا لِأَنَّهُ مفعول ثَان
وشياطين الْإِنْس الْمَفْعُول الأول.
(3/69)
والعادي: الظَّالِم. يُقَال لَا أشمت الله
بك عاديَك أَي عدوّك الظَّالِم لَك.
والاعتداء والتعدّي والعُدْوان: الظُّلم.
وَقَول الله: {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}
(البَقَرَة: 193) أَي فَلَا سَبِيل.
وَكَذَلِكَ قَوْله: {الاَْجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ} (القَصَص: 28) أَي
لَا سَبِيل عليّ.
وَقَوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ}
(البَقَرَة: 194) الأول ظلم، وَالثَّانِي جَزَاء. وَهُوَ مثل قَوْله:
{يَنتَصِرُونَ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا}
(الشّورى: 40) السّيئة الأولى سَيِّئَة، وَالثَّانيَِة مجازاة، وَإِن
سُمّيت سيّئة. فالاعتداء الأول ظلم، وَالثَّانِي لَيْسَ بظُلْم، وَإِن
وَافق اللَّفْظ اللَّفْظ. وَمثل هَذَا فِي كَلَام الْعَرَب كثير.
يُقَال: أثِم الرجلُ يأثَم إِثْمًا، وَأَثَمَهُ الله على إثمه أَي
جازاه الله عَلَيْهِ يَأثِمُه أثاماً.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً}
(الفُرقان: 68) أَي جَزَاء لإثمه وَقَول الله جلّ ذكره: {وَلاَ
تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المَائدة: 2) يَقُول:
لَا تعاونوا على الْمعْصِيَة وَالظُّلم، وَقَوله: {تِلْكَ حُدُودُ
اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} (البَقَرَة: 229) أَي لَا تجوزوها إِلَى
غَيرهَا، وَكَذَلِكَ قَوْله: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ}
(البَقَرَة: 229) أَي يجاوزْها، وَقَوله: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ
ذالِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 7) أَي
المجاوِزون مَا حُدّ لَهُم وأُمروا بِهِ، وَقَوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ
غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} (الْبَقَرَة: 173) أَي غير مجاوِز لما
يُبلِّغُهُ ويغُنيه من الضَّرُورَة، وأصل هَذَا كلّه مُجَاوزَة الْقدر
والحقّ، يُقَال: تعديت الحقّ واعتديته، وعَدَونه أَي جاوزته، وَقد
قَالَت الْعَرَب اعْتدى فلَان عَن الحقّ، واعتدى فَوق الْحق، كَأَن
مَعْنَاهُ: جَازَ عَن الحقّ إِلَى الظُّلم، وَيُقَال: عدا فلَان طَوْره
إِذا جَاوز قَدْره، وَعدا بَنو فلَان على بني فلَان أَي ظلموهم
وَقَوْلهمْ: عدا عَلَيْهِ فَضَربهُ بِسَيْفِهِ لَا يُرَاد بِهِ عَدْو
على الرجلَيْن، وَلَكِن من الظُّلم.
وَمن حُرُوف الِاسْتِثْنَاء قَوْلهم: مَا رَأَيْت أحدا مَا عدا زيدا،
كَقَوْلِك، مَا خلا زيدا. وتنصب زيدا فِي هذَيْن. فَإِذا أخرجت (مَا)
خفضت ونصبْت فَقلت: مَا رَأَيْت أحدا عدا زيدا. وَعدا زيد، وخلا زيدا،
وخلا زيدٍ، النصب بِمَعْنى إلاَّ، والخفض بِمَعْنى سوى.
وَتقول: مَا يعدو فلَان أَمرك، أَي مَا يُجَاوِزهُ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم
بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى} (الأنفَال: 42) قَالَ الْفراء: العدوة:
شاطىء الْوَادي، الدُّنْيَا ممّا يَلِي الْمَدِينَة، والقُصْوى ممّا
يَلِي مكّة. وَقَالَ الزجّاج: العدوة: شَفِير الْوَادي.
وَكَذَلِكَ عدا الْوَادي مَقْصُور.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ:
عِدوة الْوَادي وعُدْوته جَانِبه، والجميع عِدًى وعُدًى، قَالَ:
والعِدَى: لأعداء يُقَال هَؤُلَاءِ قوم عِدَى يكْتب بِالْيَاءِ؛ وَإِن
كَانَ أَصله الْوَاو لمَكَان الكسرة فِي أَوله وعدى مثله.
وَقَالَ غَيره: العُدى الْأَعْدَاء، والعِدى الَّذين لَا قرَابَة
بَيْنك وَبينهمْ وَالْقَوْل الأول. والعدى أَلفه مَقْصُور يكْتب
بِالْيَاءِ وَقَالَ:
(3/70)
إِذا كنت فِي قوم عِدًى لست مِنْهُم
فَكل مَا علفت من خَبِيث وَطيب
وَقَالَ ابْن السّكيت زعم أَبُو عَمْرو أَن العِدَى الْحِجَارَة
والصخور. وَأنْشد قَول كثير:
وَحَال السَفى بيني وَبَيْنك والعِدى
ورَهْنُ السفى غَمر النقيبة ماجد
أَرَادَ بالسَفَى: تُرَاب الْقَبْر: وبالعِدَى: مَا يُطْبقُ على
اللَّحْد من الصفائح.
وَقَالَ بدر بن عَامر الهذليّ فمدّ العِدَاء، وَهِي الْحِجَارَة
والصخور:
أَو استمرّ لمسكن أثوِي بِهِ
بقرار ملحدة العداء شَطُون
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العِدَاء ممدودة: مَا عاديت على الْمَيِّت حِين
تدفنه من لبِن أَو حِجَارَة أَو خشب أَو مَا أشبهه. وَالْوَاحد
عِدَاءة. وَقَالَ أَيْضا: العِدَاء: حجر رَقِيق، يُقَال لكل حجر يوضع
على شَيْء يستره فَهُوَ عداء. قَالَ أُسَامَة الْهُذلِيّ:
تا لله مَا حُبّي عليا بشَوَى
قد ظعن الحيّ وَأمسى قد ثوى
مغادَرا تحْت العداء وَالثَّرَى
مَعْنَاهُ: مَا حبّي عليا بخطأ.
وأعداء الْوَادي وأعناؤه: جوانبه.
وَقَالَ اللَّيْث: العُدْوة: صلابة من شاطىء الْوَادي. وَيُقَال:
عِدوة: قَالَ: والعُدَواء: أَرض يابسة صُلبة.
وَرُبمَا جَاءَت فِي الْبِئْر إِذا حُفرت، وَرُبمَا كَانَت حجرا حَتَّى
يحيد عَنْهَا الْحَافِر، وَقَالَ العجّاج:
وَإِن أصَاب عُدَوَاء حروفا
يصف الثور.
قلت: وَهَذَا من قَوْلهم: أَرض ذَات عُدَواء إِذا لم تكن مُسْتَقِيمَة
وطيئة، وَكَانَت متعادية.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُدَواء: الْمَكَان الغليظ الخشن.
وَقَالَ غَيره: العدواء: الْبعد، وأمَّا قَوْله:
مِنْهُ على عدواء الدَّار تسقيم
قَالَ الْأَصْمَعِي عُدَواؤه: صَرْفه واختلافه.
وَقَالَ المؤرّج: عُدَواء على غير قصد. وَإِذا نَام الْإِنْسَان على
مَوضِع غير مستوٍ، فِيهِ انخفاض وارتفاع قَالَ: نمت على عُدَواء.
قَالَ شمر: وَقَالَ محَارب: العُدَوَاء: عَادَة الشّغل.
وَقَالَ النَّضر: العدواء من الأَرْض الْمَكَان المشرف، يَبْرك
عَلَيْهِ الْبَعِير فيضطجع عَلَيْهِ، وَإِلَى جنبه مَكَان مطمئنّ فيميل
فِيهِ الْبَعِير فيتوهنّ، فالمشرف العُدَواء، وتوهّنه أَنه يمدّ جِسْمه
إِلَى الْمَكَان الوطىء فَتبقى قوائمه على المشرف فَلَا يَسْتَطِيع أَن
يقوم حَتَّى يَمُوت فتوهُّنُه اضطجاعه.
وَقَالَ أَبُو زيد: طَالَتْ عدواؤهم أَي تباعدهم وتفرقهم.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العُدَواء: الْمَكَان الَّذِي بعضه مُرْتَفع
وَبَعضه متطأطىء: وَهُوَ المتعادِي. قَالَ: والعُدَاوء: إناخة قَليلَة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: جئْتُك على فرس ذِي
(3/71)
عُدَواء غَيْرَ مُجْرَى إِذا لم يكن ذَا
طمأنينة وسهولة.
وَقَالَ أَبُو عمر: عُدَواء الشّوْق: مَا يَرَّح بِصَاحِبِهِ،
وَيُقَال: آديتك وأعْديتك من العَدْوى وَهِي المَعُونة. والمتعدي من
الْأَفْعَال: مَا يُجَاوز صَاحبه إِلَى غَيره. وَيُقَال: تعدّ مَا
أَنْت فِيهِ إِلَى غَيره أَي تجاوزه، وعُدْ عَمَّا أَنْت فِيهِ أَي
اصرِف هَمّك وقولك إِلَى غَيره، وعدَّيت عني الهمّ أَي نحّيته، وَتقول
لمن قصدك: عدّ عني إِلَى غَيْرِي أَي اصرف مركبك إِلَى غَيْرِي.
والعَدَاوة اسْم عَام من العدوّ يُقَال عَدو بَيِّنُ الْعَدَاوَة
وَهُوَ عدوّ وهما عدوّ وهنّ عدوّ هَذَا إِذا جعلته فِي مَذْهَب الِاسْم
والمصدر، فَإِذا جعلته نعتاً مَحْضا قلت: قلت هُوَ عدوّك، وَهِي عدوّتك
وهم أعداءك وَهن عَدُوَّاتُكَ.
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَوْلهم: هُوَ عدوّه مَعْنَاهُ: يعدو
عَلَيْهِ بالمكروه ويظلمه. وَيُقَال فُلَانَة عدوّ فلَان وعدوّته. فَمن
قَالَ: عدوّءه قَالَ: هُوَ خبر للمؤنث، فعلامة التَّأْنِيث لَازِمَة،
وَمن قَالَ: فُلَانَة عدوّ فلَان قَالَ ذكَّرت عدوّاً لِأَنَّهُ
بِمَنْزِلَة قَوْلك: امْرَأَة ظلوم وصبور وغضوب.
والأعادي جمع الْأَعْدَاء. وَيُقَال: عَدَا الْفرس يعدو عَدْواً إِذا
أَحضر. وأعديته أَنا إِذا حَملته على الحُضْر. وَيُقَال للخيل
الْمُغيرَة: عَادِية. قَالَ الله جلّ وعزّ: {} (العَاديَات: 1) قَالَ
ابْن عَبَّاس: هِيَ الْخَيل، وَقَالَ عليّ: هِيَ الْإِبِل هَهُنَا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال للشديد العَدْو: إِنَّه لعَدَوان.
وَفرس عَدَوان: كثير العَدو. وذئب عَدَوان: يعدو على النَّاس. وَأنْشد:
تذكُرُ إِذا أنتَ شديدُ القَفْز
عِنْد القُصَيْرى عَدَوانُ الجَمْز
وَأَنت تعدو بخَروف مُبْزى
يُخَاطب ذئباً كَانَ اخْتَطَف حروفاً لَهُ فَقتله
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: رددت عني عَادِية فلَان أَي حِدّته وغضبه.
وَقَالَ اللَّيْث: العادية، الشُغل من أشغال الدَّهْر يعدوك عَن أمورك،
أَي يَشغلك وَجَمعهَا عوادٍ. وَقد عداني عَنْك أمْرٌ فَهُوَ يعدوني أَي
صرفني؛ والعَدَاء: الشّغل. وَقَالَ زُهَيْر:
وعادَك أَن تلاقيها العَدَاءُ
قَالُوا: مَعْنَاهُ: عداك فقلبه. وَقَالُوا: معنى قَوْله: عادك: عادلك
وعاودك: وَيُقَال: استعدى فلَان السُّلْطَان على ظالمه أَي اسْتَعَانَ
بِهِ، فأعداه عَلَيْهِ أَي أَعَانَهُ عَلَيْهِ. والعَدْوى اسْم من
هَذَا وَيُقَال استأداه بِالْهَمْز فآداه أَي فأعانه وقوّاه. وَبَعض
أهل اللُّغَة يَجْعَل الأَصْل فِي هَذَا الهمزَة وَيجْعَل الْعين
بَدَلا مِنْهَا. وَيُقَال كُفّ عَنَّا عاديتك أَي ظُلْمك وشرّك.
وَهَذَا مصدر جَاءَ على فاعلة كالراغية والثاغية. يُقَال: سَمِعت راغبة
الْبَعِير، وثاغية الشَّاء أَي رُغَاء الْبَعِير وثُغَاء الشَّاء.
وَكَذَلِكَ عَادِية الرجُل: عَدْوه عَلَيْك بالمكروه. ورُوي عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا عَدْوى وَلَا هَامة
وَلَا صَفَر) .
(3/72)
والعَدْوى أَن يكون بِبَعِير جَرَب أَو
بِإِنْسَان جُذَام أَو بَرَص فتتّقي مخالطته أَو مؤاكلته حِذار أَن
يعدوه مَا بِهِ إِلَيْك أَي يُجَاوِزهُ فيصيبك مثلُ مَا أَصَابَهُ.
وَيُقَال إِن الجرب ليُعدى أَي يُجَاوز ذَا الجربِ إِلَى من قاربه
حَتَّى يَجْرَب. وَقيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن النُقْبة
تبدو بمشفر الْبَعِير فتُعدى الْإِبِل كلهَا. فَقَالَ عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام للَّذي خاطبه: فَمَا أعدى الأوّل، وَقد نهى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ إِنْكَاره الْعَدْوى أَن
يُورِدَ مُصِحٌّ على مُجْرب مثلا يُصِيب الصحاحَ الجربُ، فيحقّق
صاحبُها العَدْوى. والعَدْوى اسْم من أعدى يعدي فَهُوَ مُعْدٍ. وَمعنى
أعدى أَي أجَاز الجرب الَّذِي بِهِ إِلَى غَيره. أَو أجَاز جرباً
بِغَيْرِهِ إِلَيْهِ. وأصل هَذَا من عدا يعدو إِذا جَاوز الحدّ.
وَيُقَال: عادى الْفَارِس بَين صيدين وَبَين رَجُلين إِذا طعنهما
طعنتين متواليتين. والعِدَاء والمعاداة: الْمُوَالَاة. يُقَال: عادى
بَين عشرَة من الصَّيْد أَي والى بَينهَا رمياً وقتلاً.
وروى شمر عَن محَارب أَنه قَالَ: العَدَاء والعِدَاء لُغتان. وَهُوَ
الطَّلَقَ الْوَاحِد للْفرس. وَأنْشد:
يصرع الخَمْس عِدَاء فِي طَلْقْ
قَالَ: فَمن فتح الْعين قَالَ: جَازَ هَذَا إِلَى ذَاك، وَمن كسر
العداء فَمَعْنَاه أَنه يعادي الصَّيْد من العَدْو، وَهُوَ الحُضْر
حَتَّى يلْحقهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: العَدَاء: طَوَارُ الشَّيْء، تَقول: لَزِمت عَدَاء
النَّهر، وعَدَاء الطَّرِيق والجبل أَي طَوَاره. وَيُقَال: الأكحل عرقٌ
عَدَاء السَّاعدِ. وَقد يُقَال عِدْوة فِي معنى العَدَاء. وعِدْوٌ فِي
مَعْنَاهُ بِغَيْر هَاء. والتعداء: التفعال من كل مَا مرّ جَائِز.
وعَدْوان: حيّ من قيس سَاكِني الدَّال. ومعد يكرب اسمان جُعلا اسْما
وَاحِدًا فأُعطيا إعراباً وَاحِدًا، وَهُوَ الْفَتْح. وَالنِّسْبَة
إِلَى عدِيّ الرُّباب عَدَوَيّ. وَكَذَلِكَ إِلَى بني عَدِيّ فِي
قُرَيْش رَهْط عمر بن الْخطاب.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ:
يُقَال للخُلَّة من النَّبَات: العُدوة فَإِذا رعتها الْإِبِل فَهِيَ
إبل عُدْوِيَّة وعَدَوِيّة وإبل عوادٍ، وَقَالَ ابْن السّكيت: إبل
عادِيَة ترعى الخُلّة، وَلَا ترعى الحَمْض، وإبل آركة وأَوَارك
مُقِيمَة فِي الحمض. وَأنْشد لكثير:
وَإِن الَّذِي يَنْوِي من المَال أهلُها
أوَارك لما تأتلفْ وعوادي
وروى الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي بَاب السَلَم ألبان إبل عوادٍ
وأوَارك. وَالْفرق بَينهمَا مَا ذكرت.
وَقَالَ اللَّيْث: العَدَويَّة من نَبَات الصَّيف بعد ذهَاب الرّبيع:
أَن يخضرّ صغَار الشّجر فترعاه الْإِبِل. تَقول: أَصَابَت الإبلُ
عَدَويَّة.
قلت: العَدَويّة: الْإِبِل الَّتِي ترعى العُدْوة وَهِي الخُلّة. وَلم
يضْبط اللَّيْث تَفْسِير العدوية فَجعله نباتاً وَهُوَ غلط. ثمَّ خلّط
فَقَالَ: والعَدَويّة أَيْضا: سِخال الْغنم، يُقَال: هِيَ بَنَات
أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِذا جُزّت عَنْهَا عقيقتها ذهب عَنْهَا هَذَا
الِاسْم، قلت، وَهَذَا غلط بل تَصْحِيف مُنكر،
(3/73)
وَالصَّوَاب فِي ذَلِك الغَدَوية بالغين
الْمُعْجَمَة أَو الغَذَوية بِالذَّالِ. والغِذَاء صغَار الْغنم
وَاحِدهَا غذِيّ. وَهِي كلهَا مفسّرة فِي معتل الْغَيْن. وَمن قَالَ:
العَدَوية سخال الْغنم فقد أبطل وصحّف. وَيُقَال: فلَان يعادي بني
فلَان من الْعَدَاوَة. قَالَ لله جلّ وعزّ: {الْحَمِيدُ عَسَى اللَّهُ
أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم
مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
(المُمتَحنَة: 7) وَقَالَ الْمَازِني: عدا الماءُ يعدو إِذا جرى.
وَأنْشد:
وَمَا شعرتُ أَن ظَهرت ابتلاَّ
حَتَّى رَأَيْت المَاء يعدو شَلاَّ
وَيُقَال تعادى الْقَوْم عليّ بنصرهم أَي توالَوا أَو تتابعوا.
وَقَالَ الْخَلِيل فِي جمَاعَة العدوّ: عُدًى. قَالَ وَكَانَ حدّ
الْوَاحِد عَدُو بِسُكُون الْوَاو ففخموا آخِره بواو فَقَالُوا: عدوّ،
لأَنهم لم يَجدوا فِي كَلَام الْعَرَب اسْما فِي آخِره وَاو سَاكِنة.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَقُول قوم عدًى. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ
إِنَّمَا هُوَ مثل قُضَاة وغزاة وعداة فحذفوا الْهَاء، فَصَارَت عُدى،
وَهُوَ جمع عادٍ.
وَيُقَال رَأَيْت عَدِيَّ الْقَوْم مُقبلا أَي مَن حَمَل من الرّجالة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العَدِيَّ: جمَاعَة الْقَوْم بلغَة هُذَيْل،
وَقَالَ مَالك بن خَالِد الخناعي:
لما رَأَيْت عَدِيّ الْقَوْم يسلُبُهم
طَلْحُ الشواجن والطَّرفاءُ والسلّم
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول الأخطل:
وَإِن كَانَ حياناً عِدى آخر الدَّهْر
قَالَ العِدَى: التباعد، قوم عِدًى إِذا كَانُوا متباعدين لَا أَرْحَام
بَينهم وَلَا حِلْف. وَقوم عُدى إِذا كَانُوا حَربًا. وَقَالَ فِي قَول
الْكُمَيْت:
يَرْمِي بِعَيْنيهِ عَدْوة الأمد الْأَبْعَد
هَل فِي مطافه رِيَب
قَالَ: عدوة الأمد: مدّ بَصَره ينظر هَل يرى رِيبَة تريبه.
أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: يَقُول هَؤُلَاءِ قوم عِدَى مَقْصُور
يكون للأعداء والغرباء، وَلَا يُقَال: قوم عُدى إِلَّا أَن تُدْخل
الْهَاء فَتَقول عُدَاة فِي وزن قُضَاة. قَالَ: وَرُبمَا جمعُوا
أَعدَاء على أعاديّ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العُدْوة. سَنَد الْوَادي، وَقَالَ أَبُو خيرة:
العُدوة: الْمَكَان الْمُرْتَفع شَيْئا على مَا هُوَ مِنْهُ.
أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: تقادع القومُ تقادُعاً، وتعادَوا تعادياً،
وَهُوَ أَن يَمُوت بَعضهم فِي إِثْر بعض، وَأنْشد قَول عَمْرو بن
أَحْمَر:
فمالكِ من أروى تعاديتِ بالعمى
ولاقيت كلاَّبا مُطِلاً وراميا
وَقَالَ العكلي: يُقَال: عادِ رجلك عَن الأَرْض أَي جافِها.
وَرُوِيَ عَن حُذَيْفَة أَنه خرج وَقد طَمّ شعره فَقَالَ: إِن كَانَ
شَعْرَة لَا يُصِيبهَا المَاء جَنَابَة، فَمن ثمَّ عاديت رَأْسِي كَمَا
ترَوْنَ. قَالَ شمر مَعْنَاهُ أَنه طمّه واستأصله ليصل المَاء إِلَى
أصُول الشّعْر.
(3/74)
وَقَالَ غَيره: عاديت رَأْسِي أَي جفوت
شعره وَلم أدهُنه. وَقَالَ آخَرُونَ عاديت رَأْسِي أَي عاودته بوُضوء
وَغسل. والمعاداة: الْمُوَالَاة والمتابعة.
وروى أَبُو عدنان عَن أبي عُبَيْدَة: عاديت شعري أَي رفعته عِنْد
الْغسْل وعاديت الوسادة أَي ثنيتها، وعاديت الشَّيْء: باعدته، وتعاديت
عَنهُ أَي تجافيت. وَمَكَان متعادٍ: بعضه مُرْتَفع، وَبَعضه متطامن.
وَفِي (النَّوَادِر) فلَان مَا يعاديني وَلَا يوادبني قَالَ لَا
يعاديني أَي لَا يجافيني وَلَا يواديني أَي: لَا يواتيني.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل تعادت الْإِبِل جمعاءُ أَي موّتت، وَقد تعادت
بالقَرْحة. وَيُقَال: عاديت القِدْر، وَذَلِكَ إِذا طامنت إِحْدَى
الأنافي وَرفعت الْأُخْرَيَيْنِ لتُميل القِدْر على النَّار.
وَقَالَ الأصمعيّ: عداني مِنْهُ شرّ أَي بَلغنِي، وعداني فلَان من شرّه
بشرّ يعدّوني عَدْواً، وَفُلَان قد أعدى النَّاس بشر أَي ألزق بهم
مِنْهُ شرا، وَقد جَلَست إِلَيْهِ فأعداني شرا أَي أصابني بشره.
وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لبَعض أَصْحَابه وَقد
تخلّف عَنهُ يَوْم الْجمل: مَا عدا مِمَّا بدا.
قَالَ أَبُو عُمَر: قَالَ أَحْمد بن يحيى مَعْنَاهُ: مَا ظهر مِنْك من
التخلّف بَعْدَمَا ظهر مِنْك من التَّقَدُّم فِي الطَّاعَة.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَيُقَال فلَان فعل ذَلِك الْأَمر عَدْواً
بَدْواً أَي ظَاهرا جهاراً.
وَقَالَ غَيره: معنى قَوْله: مَا عدا مِمَّا بدا أَي مَا عداك مِمَّا
كَانَ بدا لنا من نصرك أَي مَا شغلك، وَأنْشد:
عداني أزورك أنّ بَهْمي
عَجَايا كلُّها إلاّ قَلِيلا
وَقَالَ أَبُو حَاتِم قَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول الْعَامَّة: مَا عدا
من بدا هَذَا خطأ وَالصَّوَاب: أما عدا من بَدَأَ على الِاسْتِفْهَام.
يَقُول: ألم يتعدّ الْحق من بَدَأَ بالظلم، وَلَو أَرَادَ الْإِخْبَار
قَالَ: قد عدا من بَدَأَ بالظلم أَي قد اعْتدى، وَإِنَّمَا عدا من
بَدَأَ.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن شُمَيْل يُقَال: الزم عَدَاء الطَّرِيق وَهُوَ
أَن تَأْخُذهُ لَا تظلمه. وَيُقَال: خُذ عَدَاء الْجَبَل أَي خُذ فِي
سَنَده تَدور فِيهِ حَتَّى تعلوه، وَإِن استقام فِيهِ أَيْضا فقد أَخذ
عَدَاءَهُ. وعداء الخَنْدَق وعداء الْوَادي بَطْنه.
وَقَالَ ابْن بزرج: يُقَال: الزم عَدْوَ أعداءِ الطَّرِيق، وألزم
أَعدَاء الطَّرِيق أَي وَضَحُه. وَقَالَ رجل من الْعَرَب لآخر: ألبناً
نسقيك أم مَاء؟ فَأجَاب: أيّهما كَانَ وَلَا عداء مَعْنَاهُ: لَا بدّ
من أَحدهمَا، وَلَا يكوننّ ثَالِث.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الْأَعْدَاء: حِجَارَة
الْمَقَابِر قَالَ: والادعاء آلام النَّار.
عندأوة: شمر عَن محَارب: العِنْدَأَوة: التواء وعَسَر يكون فِي
الرِجْل. تَقول: إِن تَحت طرِّيقتك لعِنْدأْوة أَي خلافًا وتعسُّفاً.
(3/75)
وَقَالَ بَعضهم: هُوَ من العَدَاء
وَالنُّون والهمزة زائدتان. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ بِنَاء على
فِنْعَلْوة. وَقَالَ بَعضهم: عندأْوة فِعْلَلْوة. وَالْأَصْل قد أُميت
فعله، وَلَكِن أَصْحَاب النَّحْو يتكلّفون ذَلِك باشتقاق الْأَمْثِلَة
من الأفاعيل. قَالَ: وَلَيْسَ فِي جَمِيع كَلَام الْعَرَب شَيْء تدخل
فِيهِ الْهمزَة وَالْعين فِي أصل بنائِهِ إلاّ عِنْدأوة وإمَّعة
وعَبَاء وعفاء وعماء. فأمّا عظاءة فَهِيَ لُغَة فِي عظاية، وإعاء لُغَة
فِي وعَاء.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: نَاقَة عندأوة، وقِنْدأوة،
وسِنْدأوة أَي جريئة. قَالَ وَمعنى قَوْلهم: إِن تَحت طِرِّيقتك
لعندأوة يُقَال ذَلِك للسِّكِّيت الداهي. وَقَالَ اللحياني: العنداوة:
الْمَكْر والخديعة وَلم يهمزه. وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال ذَلِك
للمُطْرق الَّذِي يَأْتِي بداهية. قَالَ: والعنداوة أدهى الدَّوَاهِي.
دَعَا: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ
اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (البَقَرَة: 23) قَالَ أَبُو إِسْحَاق
يَقُول: ادعوا مَن استدعيتم طَاعَته، ورجوتم معونته فِي الْإِتْيَان
بِسُورَة مثله. وَقَالَ الْفراء {وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ
اللَّهِ} يُرِيد: آلِهَتهم. يَقُول: استغيثوا بهم. وَهُوَ كَقَوْلِك
للرجل: إِذا لقِيت العدوّ خَالِيا فَادع الْمُسلمين، وَمَعْنَاهُ استغث
بِالْمُسْلِمين. فالدعاء هَاهُنَا بِمَعْنى الاستغاثة. وَقد يكون
الدُّعَاء عبَادَة؛ وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} (الأعرَاف: 194)
أَي الَّذين تَعْبدُونَ من دون الله. وَقَوله بعد ذَلِك: {فَادْعُوهُمْ
فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} (الأعرَاف: 194) يَقُول: ادعوهُمْ فِي
النَّوَازِل الَّتِي تنزل بكم إِن كَانُوا آلِهَة تَقولُونَ، يجيبوا
دعاءكم. فَإِن دعوتموهم فَلم يجيبوكم فَأنْتم كاذبون أَنهم آلِهَة.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: {أُجِيبُ دَعْوَةَ
الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (البَقَرَة: 186) يَعْنِي الدُّعَاء لله على
ثَلَاثَة أضْرب. فَضرب مِنْهَا توحيده وَالثنَاء عَلَيْهِ؛ كَقَوْلِك:
ياالله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، وكقولك: ربّنا لَك الْحَمد، إِذا قلته
فقد دَعوته بِقَوْلِك ربّنا، ثمَّ أتيت بالثناء والتوحيد. وَمثله
قَوْله تَعَالَى: {يُؤْمِنُونَ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ
عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ} (غَافِر: 60) . الْآيَة فَهَذَا الضَّرْب من
الدُّعَاء. وَالضَّرْب الثَّانِي مَسْأَلَة الله العفوَ وَالرَّحْمَة
وَمَا يقرِّب مِنْهُ، كَقَوْلِك: اللَّهُمَّ اغْفِر لنا. وَالضَّرْب
الثَّالِث مَسْأَلته الحظُّ من الدُّنْيَا، كَقَوْلِك: اللَّهم ارزقني
مَالا وَولدا. وَإِنَّمَا سمى هَذَا أجمعُ دُعَاء لِأَن الْإِنْسَان
يصدّر فِي هَذِه الْأَشْيَاء بقوله: يَا الله يَا ربّ يَا رحمان.
فَلذَلِك سُمّي دُعَاء. وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {فَمَا كَانَ
دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَآ إِلاَ أَن قَالُو صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} (الأعرَاف: 5) الْمَعْنى أَنهم لم
يحصلوا ممّا كَانُوا ينتحلونه من الْمَذْهَب وَالدّين وَمَا يدَّعونه
إلاَّ على الِاعْتِرَاف بِأَنَّهُم كَانُوا ظالمين. وَهَذَا كُله قَول
أبي إِسْحَاق. وَالدَّعْوَى: اسْم لما تدّعيه. وَالدَّعْوَى تصلح أَن
تكون فِي معنى الدُّعَاء، لَو قلت: اللَّهُمَّ أشركنا فِي صَالح دُعَاء
الْمُسلمين وَدَعوى الْمُسلمين جَازَ، حكى ذَلِك سيوبيه، وَأنْشد:
(3/76)
قَالَت ودعواها كثير صَخَبُه
وَقَالَ الله فِي سُورَة الْملك (27) : {كَفَرُواْ وَقِيلَ هَاذَا
الَّذِى كُنتُم بِهِ} قَرَأَ أَبُو عَمْرو (تدّعون) مثقّلة وفسّره
الْحسن: تكذِبون من قَوْلك: تدّعِي الْبَاطِل وتدّعي مَا لَا يكون.
وَقَالَ الفرّاء: يجوز أَن يكون (تدّعون) بِمَعْنى تَدْعون. وَمن
قَرَأَ (تَدْعون) مخفّفة فَهُوَ من دَعَوْت أَدْعُو. وَالْمعْنَى:
هَذَا الَّذِي كُنْتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُون، وتدْعون الله بتعجيله.
يَعْنِي قَوْلهم: {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَاذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ
عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ}
(الْأَنْفَال: 32) ذكر ذَلِك لنا المنذريّ عَن ابْن فهم عَن مُحَمَّد
بن سلاّم عَن يُونُس النَّحْوِيّ، وَقَالَهُ الزّجاج أَيْضا. قَالَ:
وَيجوز أَن يكون (تدّعون) فِي الْآيَة تفتعلون من الدُّعَاء، وتفتعلون
من الدَّعْوَى. وَقَالَ اللَّيْث: دَعَا يَدْعُو دَعْوة ودُعَاء،
وادّعى يدَّعي ادّعاء ودَعْوى. قَالَ: والادّعاء فِي الْحَرْب:
الاعتزاء، وَكَذَلِكَ التداعِي. قَالَ: والتداعي: أَن يدعوا القومُ
بعضُهم بَعْضًا.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَاللَّهُ يَدْعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ} (يُونس: 25)
دَار السَّلَام هِيَ الْجنَّة وَالسَّلَام هُوَ الله. وَيجوز أَن تكون
الْجنَّة دَار السَّلامَة والبقاء. وَدُعَاء الله خلقه إِلَيْهَا كَمَا
يَدْعُو الرجل النَّاس إِلَى مَدْعاة أَي مأدُبة يتَّخذها. وطعامِ
يَدْعُو النَّاس إِلَيْهِ. ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنه قَالَ: (إِن الله تَعَالَى بني دَارا واتَّخذ مأدبة، فَدَعَا
النَّاس إِلَيْهَا) . وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة: وروى عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِذا دُعي أحدكُم إِلَى طَعَام
فليجب، فَإِن كَانَ مُفطرا فَليَأْكُل، وَإِن كَانَ صَائِما فليصَلّ) .
وَهِي الدّعْوة والمَدْعاة للمأدُبة. وأمَّا الدِّعوة بِكَسْر الدَّال
فادّعاء الْوَلَد الدعيّ غير أَبِيه. يُقَال دعِيّ بيّن الدعْوَة
والدِعاوة. والمؤذّن دَاعِي الله، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
دَاعِي الأمّة إِلَى تَوْحِيد الله تَعَالَى وطاعته. قَالَ الله
تَعَالَى مخبرا عَن الجنّ، الَّذين اسْتَمعُوا الْقُرْآن وولّوا إِلَى
قَومهمْ منذرين: {مُّسْتَقِيمٍ ياقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِىَ اللَّهِ
وَءَامِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ
مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الْأَحْقَاف: 31) وَيُقَال لكل من مَاتَ: دُعي
فَأجَاب. وَيُقَال دَعَاني إِلَى الْإِحْسَان إِلَيْك إحسانك إليّ.
وَالْعرب تَقول: دَعَانَا غيث وَقع ببلدة فأَمْرَع، أَي كَانَ ذَلِك
سَببا لانتجاعنا إياهُ. وَمِنْه قَول ذِي الرمَّة:
تَدْعُو أنفَه الرببُ
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ للحالب (دَعْ
دَاعِي اللَّبن) وَيُقَال دَاعِيَة اللَّبن قَالَ أَبُو عبيد يَقُول:
أبقِ فِي الضَّرع قَلِيلا من اللَّبن، فَلَا تستوعب كلّ مَا فِيهِ؛
الَّذِي تُبقيه فِيهِ يَدْعُو مَا وَرَاءه من اللَّبن فينزله، وَإِذا
استنفض كل مَا فِي الضَّرع أَبْطَأَ دَرُّه على حالبه.
قلت: وَمَعْنَاهُ عِنْدِي: دع مَا يكون سَببا لنزول الدِرّة. وَذَلِكَ
أَن الحالب إِذا ترك فِي الضَّرع لأَوْلَاد الحلائب لُبَيْنةً تَرضعها
طابت أَنْفسهَا، فَكَانَ أسْرع لإفاقتها والداعية: صريخ الْخَيل فِي
الحروب. يُقَال: أجِيبُوا دَاعِيَة الْخَيل اللحياني: الدعْوَة الحِلْف
يُقَال: دَعوة فلَان فِي بني فلَان. قَالَ: وَيُقَال: لبني فلَان
الدعْوَة على قَومهمْ إِذا كَانَ يبْدَأ بهم. والدعوة الْوَلِيمَة.
وَفِي نِسْبَة دَعْوة أَي دَعْوَى،
(3/77)
ودعِيّ بَين الدِعوة والدَعاوة) .
وَقَالَ اللَّيْث: النادبة تَدْعُو الْمَيِّت إِذا ندبته. وَقَول الله
جلّ ذكره حِين ذكر لظى نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا قَالَ: {لِّلشَّوَى
تَدْعُواْ مَنْ} (المعَارج: 17) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: تَدْعُو
الكافرَ باسمه، وَالْمُنَافِق باسمه. وَقيل: لَيست كالدعاء: تَعالَ،
وَلَكِن دعوتها إيَّاهُم مَا تفعل بهم من الأفاعيل. وَيُقَال: تداعى
البناءُ والحائط إِذا تكسّر وآذن بانهدام. وَيُقَال: داعينا عَلَيْهِم
الحِيطان من جوانبها أَي هدمناها عَلَيْهِم. وتداعى الكَثِيب من الرمل
إِذا هِيل فانهال وتداعت القبائلُ على بني فلَان إِذا تألَّبوا، ودعا
بَعضهم بَعْضًا إِلَى التناصر عَلَيْهِم.
شمر قَالَ: التداعي فِي الثَّوَاب إِذا أخلق، وَفِي الدَّار إِذا
تصَدَّع من نَوَاحِيهَا والبرق يتداعى فِي جَوَانِب الْغَيْم قَالَ
ابْن أَحْمَر:
وَلَا بَيْضَاء فِي نَضَد تداعى
ببرق فِي عوارض قد شرِينا
والدُعاة: قوم يَدْعون إِلَى بَيْعةِ هدى أَو ضَلَالَة، واحدهم داعٍ،
وَرجل دَاعِيَة إِذا كَانَ يَدْعُو النَّاس إِلَى بِدعَة أَو دين،
أدخلت الْهَاء فِيهِ للْمُبَالَغَة.
وَأما قَول الله جلّ ذكره فِي صفة أهل الْجنَّة: {وَءَاخِرُ
دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (يُونس: 10)
يَعْنِي أَن دُعَاء أهل الْجنَّة تَنْزِيه الله وتعظيمه، وَهُوَ
قَوْله: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} (يُونس: 10) ثمَّ
قَالَ: {وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ} أخبر أَنهم
يبتدئون بتعظيم الله وتنزيهه، ويختمونه بشكره وَالثنَاء عَلَيْهِ،
فَجعل تنزيهه دُعَاء، وتحميده دُعَاء. وَالدَّعْوَى هَهُنَا مَعْنَاهَا
الدُّعَاء.
أَبُو عبيد: الأُدْعِيَّة مثل الأُحْجيَّة، وَهِي الأُغلوطة، وَقد
داعيته أداعيه. وَأنْشد:
أُداعيك مَا مستحقَبات مَعَ السُرى
حسان وَمَا آثارها بِحسان
أَي أحاجيك. وَأَرَادَ بالمستحقَبات السيوف. وَيُقَال: بَينهم
أُدْعيَّة يتداعَون بهَا، وأحجيَّة يتحاجَون بهَا وَهِي الأُلْقيَّة
أَيْضا.
وَيُقَال: لبني فلَان الدَعوة على قَومهمْ إِذا بدىء بهم فِي الدُّعَاء
إِلَى أعطياتهم. وَقد انْتَهَت الدعْوَة إِلَى بني فلَان. وَكَانَ عمر
بن الْخطاب ح يقدّم النَّاس فِي أعطياتهم على سوابقهم فَإِذا انْتَهَت
الدعْوَة إِلَيْهِ كبّر. والتدعّي: تطريب النائحة فِي نياحتها على
ميتها.
والدعوة الحِلف. وَفُلَان يَدَّعي بكرم فعاله أَي يخبر عَن نَفسه بذلك.
وَيُقَال تداعت إبل فلَان فَهِيَ متداعية إِذا تحطَّمت هَزْلاً.
وَقَالَ ذُو الرمّة:
تَبَاعَدت مني أَن رَأَيْت حَمُولتي
تداعت وَأَن أحْيا عَلَيْك قطيع
والدَاعي: نَحْو المساعي والمكارم. يُقَال: لذُو مداعٍ ومساعٍ.
شمر عَن محَارب: دَعَا الله فلَانا بِمَا يكره أَي أنزل بِهِ مَكْرُوه.
قَالَ أَبُو النَّجْم:
رماك الله من عَيْش نافعي
إِذا نَام الْعُيُون سرت عليكا
(3/78)
إِذا أقبلته أحوى جميشا
أتيت على حيالك فانثنيتا
والحمامة تَدْعُو إِذا ناحت. وَقَالَ بشر:
أحببنا بني سعد بن ضَيَّة إِذْ دَعوا
وَللَّه مولى دَعْوَة لَا يجيبها
يُرِيد الله وليّ دَعْوَة يُجيب إِلَيْهَا، ثمَّ يدعى فَلَا يُجيب.
وَقَالَ النَّابِغَة فَجعل صَوت القطا دُعَاء:
تَدْعُو قطاً وَبهَا تُدْعى إِذا انتسبت
يَا صدقهَا حِين تدعوها فتنتسب
أَي صَوتهَا قطا وَهِي قطا وَمعنى تَدْعُو: أَي تصوّت قطا قطا.
وَيُقَال: مَا دعَاك إِلَى هَذَا الْأَمر أَي مَا الَّذِي جرَّك
إِلَيْهِ واضطرك.
قَالَ الْكَلْبِيّ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ
يُبَيِّنَ لَّنَا مَا هِىَ} (البَقَرَة: 68) قَالَ سل لنا رَبك.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (الدُّعَاء
هُوَ الْعِبَادَة) ثمَّ قَرَأَ: {يُؤْمِنُونَ وَقَالَ رَبُّكُمْ
ادْعُونِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ
عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ} (غَافر: 60) .
وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ
يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ} (الْكَهْف: 28) قَالَ
يصلّون الصَّلَوَات الْخمس. وَرُوِيَ مثل ذَلِك عَن سعيد بن المسيَّب.
وَيُقَال: تداعت السحابةُ بالبرق والرعد من كل جَانب إِذا رَعَدت
وَبَرقَتْ من كل جِهَة.
وَقَالَ أَبُو عدنان: كل شَيْء فِي الأَرْض إِذا احْتَاجَ إِلَى شَيْء
فقد دَعَا بِهِ، وَيُقَال للرجل إِذا أخلقت ثِيَابه: قد دعت ثيابُك أَي
احتجت إِلَى أَن تلبس غَيرهَا من الثِّيَاب.
وَقَالَ الْأَخْفَش: يُقَال: لَو دُعينا إِلَى أَمر لاندعينا، مثل
قَوْلك بعثته فانبعث.
وَقَالَ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَداً}
(مريَم: 91) أَي جعلُوا. وَقَالَ ابْن أَحْمَر الْبَاهِلِيّ:
وَكنت أَدْعُو قذاها الإثْمِد القردا
أَي كنت أجعَل وأُسَمّي.
وَقَوله: {لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلاهاً} (الْكَهْف: 14) أَي لن
نعْبد إِلَهًا دونه.
وَقَالَ جلّ وعزّ: {أَلاَ تَتَّقُونَ} (الصَّافات: 125) أَي أتعبدون
ربّاً سوى الله.
وَقَالَ: {لَمَعْزُولُونَ فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ} (الشُّعَرَاء:
213) أَي لَا تعبد.
وَقَالَ ابْن هانىء فِي قَوْله: {ُفِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ} ِ (يس:
57) أَي مَا يتمنّون. تَقول الْعَرَب ادّع عَلَيَّ مَا شِئْت.
وَقَالَ اليزيدي: يُقَال لي فِي هَذَا الْأَمر دَعْوى ودَعاوى ودِعاوة.
وَأنْشد:
تأبى قضاعة أَن ترْضى دِعاوتكم
وابنا نزار فَأنْتم بَيْضَة الْبَلَد
قَالَ: وَالنّصب فِي دعاوة أَجود.
وَقَالَ الْكسَائي: لي فيهم دِعوة أَي قرَابَة وإخاء.
قَالَ وَفِي العُرْس دِعوة أَيْضا. وَهُوَ فِي مدعاتهم كَمَا تَقول فِي
عرسهم.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الدَّعوة فِي الطَّعَام.
(3/79)
والدِّعوة فِي النّسَب.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ المُدَّعَى: الْمُتَّهم فِي نسبه
وَهُوَ الدعيّ. والدعِيّ أَيْضا: المتبنيَّ الَّذِي تبنّاه رجل
فَدَعَاهُ ابْنه ونَسَبُه إِلَى غَيره.
وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبنّى زيد بن حَارِثَة فَأمر
الله جلّ وعزّ أَن ينْسب النَّاس إِلَى آبَائِهِم، وألاّ ينسبوا إِلَى
من تبنَّاهم فَقَالَ: {يَهْدِى السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لاَِبَآئِهِمْ
هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُو صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
1764 - اْءَابَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ
وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَاكِن مَّا
تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً} (الأحزَاب: 5)
وَقَالَ {مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ
أَبْنَآءَكُمْ ذَلِكُمْ} (الأحزَاب: 4) .
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الدَّاعِي المعذَّب: دَعَاهُ الله أَي عذّبه.
وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد فِي قَول الله جلّ وعزّ: {لِّلشَّوَى
تَدْعُواْ مَنْ} (المعَارج: 17) تعذّب.
وَقَالَ ثَعْلَب: تنادي من أدبر.
والتدعّي: تطريب النائحة إِذا نَدَبَت.
عود: قَالَ شمر قَالَ محَارب: العَوْد: الجَمَل المسنّ الَّذِي فِيهِ
بَقِيَّة قُوَّة، والجميع عِوَدة. وَيُقَال فِي لُغَة: عِيَدة وَهِي
قبيحة وَقد عوّد البعيرُ تعويداً إِذا مَضَت لَهُ ثَلَاث سِنِين بعد
بُزُوله أَو أربعٌ. وسُودَد عَوْد إِذا وُصف بالقدم.
قَالَ: وَلَا يُقَال للناقة: عَوْدة، وَلَا عَوَّدت.
قلت: وَقد سَمِعت بعض الْعَرَب يَقُول لفرس لَهُ: أُنْثَى عَوْدة.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه دخل على جَابر بن عبد
الله منزله.
قَالَ جَابر: فعَمَدت إِلَى عَنْزٍ لي لأذبحها، فثغت، فَسمع رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَغْوتها، فَقَالَ: يَا جَابر: لَا تقطع
دَرّاً وَلَا نَسْلًا. فَقلت: يَا رَسُول الله إِنَّمَا هِيَ عَوْدة
علفناها البَلَح والرُطَب فَسَمنت.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عوّد الرجل تعويداً إِذا أسنّ. وَأنْشد:
فَقُلْنَ قد أقصر أَو قد عوّدا
أَي صَار عَوْداً كَبِيرا.
قَالَ: وَلَا يُقَال: عَوْدٌ إِلَّا لبعير أَو لشاة. وَيُقَال للشاة:
عَوْدة. وَلَا يُقَال للنعجة: عَوْدة قَالَ وناقة معوِّد.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: جمل عَوْد، وناقة عَوْدة، وناقتان
عَوْدتان، ثمَّ عِوَدة فِي جَمْع العَوْدة مثل هِرَّة وهِرَر وعَوْد
وعِوَدة مثل هِرّ وهِرَرةَ.
وَفِي (النَّوَادِر) : عَوْد وعِيَدة، وجمل غَلْق وغِلَقة إِذا هُزل
وكبِر.
وَأما قَول أبي النَّجْم:
حَتَّى إِذا تجلَّى أصحمه
وانجاب عَن وَجه أغرَّا دَهمُه
وَتبع الْأَحْمَر عَوْد يزحمُه
فَإِنَّهُ أَرَادَ بالأحمر الصُّبْح، وَأَرَادَ بالعَوْد الشَّمْس.
وَطَرِيق عود إِذا كَانَ عادياً. وَقَالَ:
عَوْد على عَوْد من القُدْم الأول
أَرَادَ بالعَوْد الأول: الْجمل المسنّ، على عَوْد أَي عَن طَرِيق
قديم.
وَقَالَ اللَّيْث تَقول: هَذَا الْأَمر أعْود عَلَيْك
(3/80)
أَي أرْفق بك؛ لِأَنَّهُ يعود عَلَيْك
بِرِفْق ويُسْر. والعائدة: اسْم مَا عَاد بِهِ عَلَيْك المُفْضِل من
صلَة أَو فضل، وَجَمعهَا العوائد.
وعادٌ: قَبيلَة. وَيُقَال للشَّيْء الْقَدِيم: عادِيّ وبئر عاديّة.
وَقَالَ الفرّاء: يُقَال هَؤُلَاءِ عَوْد فلَان وعُوَّاده مثل زَوره
وزُوَّاره، وهم الَّذين يعودونه إِذا اعتلَّ والعوائد: النِّسَاء
اللواتي يَعُدن الْمَرِيض، الْوَاحِدَة عَائِدَة.
وَقَالَ اللَّيْث: العُود: كل خَشَبَة دَقَّت. قَالَ: وخشبة كل شَجَرَة
غلظ أورقّ يُسمى عُوداً.
قَالَ: وَالْعود: الَّذِي يستَجْمرُ بِهِ مَعْرُوف.
وَقَول الْأسود بن يعْفُر:
وَلَقَد علمت سوى الَّذِي ينتابني
أَن السَّبِيل سَبِيل ذِي الأعواد
قَالَ الْمفضل: سَبِيل ذِي الأعواد يُرِيد الْمَوْت، عَنى بالأعواد مَا
يحمل عَلَيْهِ الْمَيِّت.
قلت: وَذَلِكَ أَن الْبَوَادِي لَا جنائز لَهُم؛ فهم يضمّون عوداً
إِلَى عود ويحملون الْمَيِّت عَلَيْهَا إِلَى الْقَبْر.
قَالَ وَيُقَال للرِّجَال الَّذين يعودون الْمَرِيض: عُوَّاد؛ وللنساء
عُوَّد؛ هَكَذَا كَلَام الْعَرَب.
قَالَ: والعُود: ذُو الأوتار الَّذِي يضْرب بِهِ، وَيجمع عيداناً
والعَوّاد الَّذِي يتخذها.
وَقَالَ شمر فِي قَول الفرزدق:
وَمن ورث العُودين والخاتم الَّذِي
لَهُ المُلك وَالْأَرْض الفضاء رحيبُها
قَالَ العودان: مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَصَاهُ.
وَقَالَ بَعضهم: العَوْد تَثْنِيَة الْأَمر عوداً بعد بَدْء. يُقَال:
بَدَأَ ثمَّ عَاد. والعَوْدة: عوده مرّة وَاحِدَة.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى
وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا
الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ}
(الْأَعْرَاف: 29، 30) يَقُول: لَيْسَ بعثكم بأشدّ من ابتدائكم. وَقيل:
مَعْنَاهُ: تعودُونَ أشقياء وسعداء كَمَا ابْتَدَأَ فطرتكم فِي سَابق
علمه، وَحين أَمر بنفخ الرّوح فيهم وهم فِي أَرْحَام أمّهاتهم.
وَقَوله جلّ وعزّ: {غَفُورٌ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ
ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن
يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ} (المجَادلة: 3) .
قَالَ الْفراء: يصحّ فِيهَا فِي الْعَرَبيَّة: ثمَّ يعودون إِلَى مَا
قَالُوا وَفِيمَا قَالُوا يُرِيد النِّكَاح، وكلٌّ صَوَاب. يُرِيد:
يرجعُونَ عَمَّا قَالُوا وَفِي نقض مَا قَالُوا.
قَالَ: وَقد يجوز فِي الْعَرَبيَّة أَن تَقول: إِن عَاد لما فعل،
تُرِيدُ إِن فعله مرّة أُخْرَى وَيجوز إِن عَاد لما فعل إِن نقض مَا
فعل. وَهُوَ كَمَا تَقول حلف أَن يَضْرِبك فَيكون مَعْنَاهُ حلف لَا
يَضْرِبك. وَحلف ليضربنّك.
وَقَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله: {نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا}
إِنَّا لَا نفعله فيفعلونه يَعْنِي الظِّهَار. فَإِذا أعتق رَقَبَة
عَاد لهَذَا الَّذِي قَالَ إِنَّه علَيّ حرَام فَفعله.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: الْمَعْنى فِي قَوْله {ثُمَّ يَعُودُونَ
(3/81)
لِمَا} لتحليل مَا حرَّموا، فقد عَادوا
فِيهِ.
وروى الزّجاج عَن الْأَخْفَش أَنه جعل (لما قَالُوا) من صلَة
(فَتَحْرِير رَقَبَة) فَالْمَعْنى عِنْده: وَالَّذين يظاهرون من
نِسَائِهِم ثمَّ يعودون فَتَحْرِير رَقَبَة لما قَالُوا. قَالَ:
وَهَذَا مَذْهَب حسن.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قَوْله: {غَفُورٌ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ
مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} يَقُول: إِذا ظَاهر مِنْهَا
فَهُوَ تَحْرِيم، كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَفْعَلُونَهُ، وحُرّم على
الْمُسلمين تحريمُ النِّسَاء بِهَذَا اللَّفْظ. فَإِن اتبع الْمظَاهر
الظِّهَار طَلَاقا فَهُوَ تَحْرِيم أهل الْإِسْلَام، وَسَقَطت عَنهُ
الكفَّارة. وَإِن لم يُتبع الظِّهَار طَلَاقا فقد عَاد لما حَرَّم
وَلَزِمتهُ الكفّارة عُقُوبَة لما قَالَ. قَالَ: وَكَانَ تَحْرِيمه
إيّاها بالظهار قولا، فَإِذا لم يطلِّقها فقد عَاد لما قَالَ من
التَّحْرِيم.
وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: وَالَّذين يظاهرون مِنْكُم من نِسَائِهِم
أَي كَانُوا يظاهرون قبل نزُول الْآيَة ثمَّ يعودون للظهار فِي
الْإِسْلَام فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة، فَأوجب عَلَيْهِ الكفّارة
بالظهار.
وَقَالَ بَعضهم: إِذا أَرَادَ الْعود إِلَيْهَا وَالْإِقَامَة
عَلَيْهَا مَسّ أَو لم يمسّ كفّر.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {كَانُواْ يَعْمَلُونَ إِنَّ الَّذِى فَرَضَ
عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّى صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِى} (القَصَص: 85)
.
قَالَ الْحسن: معاده الْآخِرَة. وَقَالَ مُجَاهِد: يُحييه يَوْم
الْبَعْث. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: {لرادّك إِلَى مَعَاد إِلَى مَعدِنك
من الجنّة. وَقَالَ بَعضهم: إِلَى معاد إِلَى مَكَّة. وَقَالَ الْفراء:
لرادّك إِلَى معاد حَيْثُ وُلدت. قَالَ: وَذكروا أَن جِبْرِيل قَالَ:
يَا مُحَمَّد أَشْتَقْتَ إِلَى مولدك ووطنك؟ قَالَ: نعم. فَقَالَ: إِن
الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد. قَالَ والمَعَاد
هَهُنَا: إِلَى عادتك حَيْثُ ولدت وَلَيْسَ من الْعود. وَقد يكون أَن
تجْعَل قَوْله: لرادك إِلَى معاد لمُصَيِّرُكَ إِلَى أَن تعود إِلَى
مَكَّة مَفْتُوحَة لَك فَيكون الْمعَاد تَعَجبا إِلَى معاد أَيَّما
معاد لما وعده من فتح مكّة.
وَقَالَ اللَّيْث: المَعَادة والمَعَاد كَقَوْلِك لآل فلَان معادة أَي
مُصِيبَة يَغْشَاهُم النَّاس فِي مناوح أَو غَيرهَا يتَكَلَّم بهَا
النِّسَاء. يُقَال: خرجت إِلَى الْمُعَادَة والمعاود: المآتم. والمعاد.
كل شَيْء إِلَيْهِ الْمصير. قَالَ: وَالْآخِرَة قَالَ: وَالْآخِرَة
مَعَاد للنَّاس. وَأكْثر التَّفْسِير فِي قَوْله لرادك إِلَى معاد
لباعثك، وعَلى هَذَا كَلَام النَّاس: اذكر الْمعَاد أَي اذكر مبعثك فِي
الْآخِرَة قَالَه الزّجاج.
وَقَالَ ثَعْلَب: الْمعَاد: الْموعد. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: إِلَى
أصلك من بني هَاشم. وَقَالَت طَائِفَة وَعَلِيهِ الْعَمَل معاد أَي
إِلَى الْجنَّة.
وَمن صِفَات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: المبدىء المعيد: بَدَأَ الله
الْخلق أَحيَاء ثمَّ يميتهم ثمَّ يحييهم كَمَا كَانُوا. قَالَ الله جلّ
وعزّ: {لَّهُ قَانِتُونَ وَهُوَ الَّذِى يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ
يُعِيدُهُ وَهُوَ} (الرُّوم: 27) . وَقَالَ: {لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ
يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ} (البروج: 13) بَدَأَ وأبدأ بِمَعْنى وَاحِد.
(3/82)
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَنه قَالَ: إِن الله يحبّ النَكَل على النَكَل. قيل: وَمَا
النَكَل على النَكَل. قَالَ: الرجل القويّ المجرب المبدىء المعيد على
الْفرس المجرب المبدىء المعيد. وَقَوله المبدىء المعيد قَالَ أَبُو
عبيد: هُوَ الَّذِي قد أبدأ فِي غَزوه وَأعَاد، أَي غزا مرّة بعد مرّة،
وجرَّب الْأُمُور وَأعَاد فِيهَا وأبدأ.
قلت: وَالْفرس المبدىء المعيد: الَّذِي قد رِيض وذُلّل وأُدِّب، ففارسه
يصرفهُ كَيفَ شَاءَ لطواعيته وذِلِّه، وَأَنه لَا يستصعب عَلَيْهِ
وَلَا يمنعهُ رِكَابه وَلَا يجمح بِهِ. وَيُقَال: معنى الْفرس المبدىء
المعيد: الَّذِي قد غزا عَلَيْهِ صَاحبه مرَّة بعد أُخْرَى وَهَذَا
كَقَوْلِهِم: ليل نَائِم إِذا نيم فِيهِ، وسر كاتم قد كتموه.
وَقَالَ شمر: رجل معيد أَي حاذق.
وَقَالَ كثَيِّر:
عوم المعيد إِلَى الرَجا قذفت بِهِ
فِي اللجّ داوية الْمَكَان جَموم
قَالَ. وَأما قَول الأخطل:
يشول إِن اللَّبُون إِذا رَآنِي
ويخشاني الضُواضيَةُ المُعيد
قَالَ أصل المعيد الْجمل الَّذِي لَيْسَ بعياياء وَهُوَ الَّذِي لَا
يضْرب حَتَّى يُخلَط لَهُ. والمعيد: الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك.
قَالَ والمعيد من الرِّجَال: الْعَالم بالأمور الَّذِي لَيْسَ بغُمْر.
وَأنْشد:
كَمَا يَتبع العَوْد المعيدَ السلائب
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المعيد: الْفَحْل: الَّذِي ضَرَب فِي
الْإِبِل مَرَّات.
وَقَالَ أَبُو كَبِير الْهُذلِيّ يصف الذئاب:
إلاّ عواسر كالمِراط مُعيدة
بِاللَّيْلِ موردَ أيّم متعضَّف
أَي وَردت مرَارًا فَلَيْسَ تنكر الْوُرُود.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال رَأَيْت فلَانا مَا يبدىء وَمَا يُعِيد، أَي
مَا يتَكَلَّم ببادئة وَلَا عَائِدَة. وَأعَاد فلَان الصَّلَاة فَهُوَ
يُعِيدهَا. وعاود فلَان مَا كَانَ فِيهِ فَهُوَ معاوِد. واعتادني هم
وحزن. قَالَ والاعتياد فِي معنى التعوّد، وَهُوَ من الْعَادة. يُقَال:
عوَّدته فاعتاد وتعوَّد.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للرجل المواظب على أمره: مُعاوِد. قَالَ
وَفِي كَلَام بَعضهم: الزموا تقى الله واستعيدوها، أَي تعوَّدها.
وَقَالَ فِي قَوْله:
إلاّ المعيداتُ بِهِ النواهضُ
يَعْنِي النوق الَّتِي استعادت النهْض بالدَلْو. وَيُقَال للشجاع: بَطل
العاوِد. وَيُقَال: هُوَ ميعبد لهَذَا الشَّيْء أَي مطيق لَهُ
لِأَنَّهُ قد اعتاده.
شمر عَن أبي عدنان: هَذَا أَمر يعوّد النَّاس على أَي يُضرِّيهم بظلمي
وَقَالَ: أكره أَن يعوّد على الناسَ فيضرَوْا بظلمي أَي يعتادوه.
وَقَالَ غَيره العَوَادُ: البِرّ واللطف. يُقَال: عُدْ إِلَيْنَا،
فَإِن لَك عندنَا عَوَاداً، أَي برّاً ولَطَفا.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: العُوادة، مَا أُعيد على الرجل من الطَّعَام
بَعْدَمَا يفرغ.
قلت: إِذا حذفت الْهَاء. قلت: عَوَاد، كَمَا
(3/83)
قَالُوا: أكال، ولَمَاظ، وقَضَام. وَيُقَال
للطريق الَّذِي أَعاد فِيهِ السَّفْر وأبدءوا: مُعيد. وَمِنْه قَول
ابْن مقبل يصف الْإِبِل السائرة:
يُصبحن بالخَبْت يجتَبْن النِّعاف على
أَصلاب هادٍ معبد لابسِ القَتَم
أَرَادَ بالهادي الطَّرِيق الَّذِي يُهتَدى بِهِ، والمُعيد الَّذِي
لُحِب.
وَقَالَ اللَّيْث: وعادٌ الأولى هم عَاد ابْن عادِياء بن سَام بن نوح
الَّذين أهلكهم الله وَقَالَ زُهَيْر:
واهلك لُقْمَان بن عَاد وعاديا
وَأما عَاد الْآخِرَة فَهُوَ بَنو أُمَيم ينزلون رمال عالِج، عَصوا
الله فمُسخوا نَسناساً لكل إِنْسَان مِنْهُم يَد وَرجل من شِقّ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العَيْدانة، النحلة الطَّوِيلَة،
وَالْجمع العَيْدان. وَقَالَ لبيد:
وأبيضَ العَيْدَانِ والجبّارِ
وَقَالَ اللَّيْث: العِيد: كل يومِ مَجْمع، وسُمّي عيداً لأَنهم قد
اعتادوه. قَالَ: واشتقاقه من عَاد يعود كَأَنَّهُمْ عَادوا إِلَيْهِ.
وَقَالَ العجاج يصف الثور الوحشي:
واعتاد أرباضاً لَهَا آرِيّ
كَمَا يعود الْعِيد نصرانيّ
فَجعل الْعِيد من عَاد يعود. قَالَ: وتحوّلت الْوَاو فِي الْعِيد يَاء
لكسرة الْعين. وتصغير عيد عُييد، تَرَكُوهُ على التَّغْيِير؛ كَمَا
أَنهم جَمَعُوهُ أعياداً وَلم يَقُولُوا: أعواداً. قَالَ: والعِيدية:
نَجَائِب منسوبة مَعْرُوفَة.
وَقَالَ غَيره: مَا اعتادك من الْهم فَهُوَ عيد. وَقَالَ الْمفضل:
عادني عيدِي أَي عادتي. وَأنْشد:
عَاد قلبِي من الطَّوِيلَة عِيد
أَرَادَ بالطويلة رَوْضَة بالصَّمّان تكون ثَلَاثَة أَمْيَال فِي
مثلهَا. وأمَّا قَول تأبَّط شرا.
يَا عيدُ مَالك من شوق وإيراق
ومَرَّ طيف من الْأَهْوَال طرَّاق
قَالَ أَرَادَ يَا أَيهَا المعتادي. وَقَوله: مَالك من شوق كَقَوْلِك:
مَالك من فَارس، وَأَنت تتعجّب من فروسيته وتمدَحه. وَمثله: قَاتله
الله من شَاعِر.
ابْن الْأَنْبَارِي فِي قَوْله: يَا عيد مالكُ الْعِيد: مَا يعتاده من
الْحزن والشوق.
وَقَوله: مَالك من شوق أَي مَا أعظمك من شوق. ويروى: يَا هَيَد مَالك.
وَمعنى يَا هَيْد: مَا حالك وَمَا شَأْنك، وَيُقَال: أَتَى فلَان
الْقَوْم فَمَا قَالُوا لَهُ: هَيْد مَالك أَي مَا سَأَلُوهُ عَن
حَاله. قَالَ: والعيد عِنْد الْعَرَب: الْوَقْت الَّذِي يعود فِيهِ
الْفَرح والحزن، وَكَانَ فِي الأَصْل العِوْد فلمَّا سكنت الْوَاو
وانكسر مَا قبلهَا صَارَت يَاء.
وَقَالَ أَبُو عدنان يُقَال عَيْدنت النخلةُ إِذا صَارَت عَيْدانة.
وَقَالَ المسيَّب بن عَلَس:
والأُدْم كالعَيْدان آزرها
تَحت الأَشَاء مكمّم جَعْلُ
قلت أَنا: من جعل العيدان فيعالاً جعل النُّون أَصْلِيَّة وَالْيَاء
زَائِدَة. وَدَلِيله على ذَلِك قَوْلهم: عيدنت النَّخْلَة. وَمن جعله
فعلان مثل سيحان من ساح يسيح جعل الْيَاء أَصْلِيَّة وَالنُّون
زَائِدَة. وَمثله هَيْمان
(3/84)
وعَيْلان.
الْأَصْمَعِي: العَيْدانة: شَجَرَة صُلبة قديمَة لَهَا عروق نَافِذَة
إِلَى المَاء. وَأنْشد:
تجاوبن فِي عَيْدانة مُرْجحِنَّة
من السّدر رَوَّاها المصيفَ مَسِيلُ
وَقَالَ آخر: بَوَاسِق النخلَ أَبْكَارًا وعُوناً
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: سُمِّي العِيد عِيداً لِأَنَّهُ يعود
كل سنة بفرح مجدَّد. قَالَ ثَعْلَب: وأصل الْعِيد عِوْد فقلبت الْوَاو
يَاء ليفرقوا بَين الِاسْم الحقيقيّ وَبَين الْمصدر.
وَقَالَ شمر العِيديَّة: ضرب من الْغنم وَهِي الْأُنْثَى من البُرقان،
وَالذكر خروف، فَلَا يزَال اسمَه حَنى تُعَقّ عقيقته.
قلت: لَا أعرف العيديَّة فِي الْغنم، وَأعرف جِنْسا من الْإِبِل
العُقَيليَّة يُقَال لَهَا العِيديَّة وَلَا أَدْرِي إِلَى أيّ شَيْء
نسبت.
وَقَالَ شمر: المتعيد: الظلوم. وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي لطَرَفة:
فَقَالَ أَلا مَاذَا ترَوْنَ لشارب
شديدٍ علينا سُخْطُه متعيّد
أَي ظلوم. وَقَالَ جرير:
يرى المتعيّدون عليّ دوني
أُسودَ خفِيَّة الغُلْب الرقابا
قَالَ وَقَالَ غَيره: المتعيّد: الَّذِي يتعيَّد عَلَيْهِ يُوعده.
وَقَالَ أَبُو عبد الرحمان: المتعيّد المتجنّي فِي بَيت جرير. وَقَالَ
ربيعَة بن مقروم:
على الجهّال والمتعيّدينا
قَالَ والمتعيَّد: الغضبان.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال تعيّد العائن على من يتعيَّن لَهُ إِذا
تشهَّق عَلَيْهِ، وتشدَّد ليبالغ فِي إِصَابَته بِعَيْنِه.
وَحكي عَن أعرابيّ: هُوَ لَا يُتعيَّن عَلَيْهِ وَلَا يُتعيَّد.
وَأنْشد ابْن السّكيت:
كَأَنَّهَا وفوقها المجلَّد
وقِربة غَرْفية ومِزود
غَيْرِي على جاراتها تَعَيَّد
قَالَ: المجلَّد: حمل ثقيل، فَكَأَنَّهَا وفوقها هَذَا الحِمْل وقربة
ومزود امْرَأَة غَيْرِي تَعَيَّد أَي تندرىء بلسانها على ضَرَّاتها
وتحرك يَديهَا.
وعد: اللَّيْث: الوَعْد والعِدَة يكونَانِ مصدرا واسماً. فأمّا العِدَة
فتُجمع عِدَات، والوعد لَا يجمع. والموعد: مَوضِع التواعد، وَهُوَ
الميعاد. وَيكون الْموعد مصدر وعدته. وَيكون الْموعد وقتا للعِدَة.
والموعدة أَيْضا: اسْم للعدة. والميعاد لَا يكون إلاّ وقتا أَو موضعا.
والوعيد من التهدّد.
قلت أَنا: الْوَعْد مصدر حقيقيّ، والعِدَة إسم يوضع مَوضِع الْمصدر،
وَكَذَلِكَ الموعدة.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ}
(التّوبَة: 114) .
وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله: {مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ
بِمَلْكِنَا} (طاه: 87) قَالَ: الْموعد: الْعَهْد. وَكَذَلِكَ قَوْله:
{فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِى} (طاه: 86) قَالَ: عهدي.
وَقَوله جلّ وعزّ: {تُبْصِرُونَ وَفِى السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا
توعدون}
(3/85)
(الذّاريَات: 22) قَالَ: رزقكم الْمَطَر،
وَمَا توعدن الْجنَّة.
وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله: {الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ}
(البُرُوج: 2) إِنَّه يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَالَ جلّ وعزّ: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}
(البَقَرَة: 51) قَرَأَ أَبُو عَمْرو (وعدنا) بِغَيْر ألف، وَقَرَأَ
ابْن كثير وَنَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة والكسائيّ:
{واعدنا بِالْألف.
وَقَالَ أَبُو مُعَاذ النحويّ: وَاعَدت زيدا إِذا وَعدك ووعدته، ووعدت
زيدا إِذا كَانَ الْوَعْد مِنْك خاصّة.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: تَقول: وعدته شرا، ووعدته خيرا. قَالَ:
وَهُوَ الوَعْد والعِدَة فِي الْخَيْر والشرّ.
وَأنْشد:
أَلا علّلاني كل حيّ معلَّل
وَلَا تعداني الشَّرّ وَالْخَيْر مقبل
قَالَ: وَتقول: أوعدته بالشرّ إِذا أدخلُوا الْبَاء جَاءُوا بِالْألف.
قَالَ: وأنشدني الْفراء:
أوعدني بالسجن والأداهم
رِجْلي ورِجْلي شَثْنةُ المناسم
قَالَ أَبُو بكر: العامَّة تخطىء فَتَقول: أوعدني فلَان موعداً أَقف
عَلَيْهِ، وَكَلَام الْعَرَب وعدت الرجل خيرا ووعدته شرّاً وأوعدته
خيرا وأوعدته شرّاً، فَإِذا لم يذكرُوا الْخَيْر قَالُوا: وعدته فَلم
يدخلُوا ألفا، وَإِذا لم يذكرُوا الشرَّ قَالُوا: أوعدته فَلم يسقطوا
الْألف.
وَأنْشد:
وَإِنِّي وَإِن أوعدته أَو وعدته
لأُخلف إيعادي وأُنجز موعدي
قَالَ: وَإِذا أدخلُوا الْبَاء لم يكن إلاّ فِي الشرّ، كَقَوْلِك:
أوعدته بِالضَّرْبِ.
قَالَ: وواعدت فلَانا أواعده إِذا وعدتُه ووعدني.
وَقَالَ الله: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى} وقرىء: {واعدنا فَمن قَرَأَ:
(وَعَدنا) فالفعل من الله وَمن قَرَأَ (واعدنا) فالفعل من الله وَمن
مُوسَى.
وَقَالَ غَيره: اتَّعدت الرجل إِذا وعدته.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
فَإِن تتّعدني أتّعدك بِمِثْلِهَا
وَقَالَ بَعضهم: فلَان يتَّعد إِذا وثِق بعدتك. وَقَالَ:
أَنَّي أتْممت أَبَا الصبَاح فاتعدي
واستبشري بنوال غير منزور
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مَرَرْت بِأَرْض بني فلَان غِبّ مطر وَقع بهَا،
فرأيتها واعدة إذَا رُجي خَيرهَا، وتمامُ نَبْتها فِي أول مَا يظْهر
النبت. وَقَالَ سُوَيد بن كُراع:
رَعَى غير مذعور بهنّ وراقه
لُعَاع تهاداه الدكادك وَاعد
وَيُقَال للدابة والماشية إِذا رُجي خَيرهَا وإقبالها: وَاعد.
وَقَالَ الراجز:
كَيفَ ترَاهَا واعداً صغارُها
يسوء شُنّاء العدا كبارُها
(3/86)
وَيُقَال يَوْمنَا يعِد بَرْداً، وَهَذَا
غُلَام تعد مخايلُه كرماً، وشِيمَه تعد جَلَداً وصرامة.
ودع: فِي الحَدِيث عَن النَّبِي: إِذا لم يُنكر النَّاس الْمُنكر فقد
تُوُدّع مِنْهُم وَقَوله فقد تُودِّع مِنْهُم أَي أُهمِلوا وتُركوا مَا
يرتكبون من الْمعاصِي وَلم يُهدَوا لرشدهم، حَتَّى يستجبوا الْعقُوبَة،
فيعاقبَهم الله، وَأَصله من التوديع وَهُوَ التّرْك. وَمِنْه قَوْله
جلّ وعزّ: سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} (الضُّحَى: 3) أَي لم يقطع
الله عَنْك الْوَحْي وَلَا أبغضك. وَذَلِكَ أَنه اسْتَأْخَرَ الوحيُ
عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيّاماً، فَقَالَ نَاس من النَّاس: إِن
مُحَمَّدًا ودّعه ربه وقلاه فَأنْزل الله جلّ وعزّ: {سَجَى مَا
وَدَّعَكَ رَبُّكَ} الْمَعْنى: وَمَا قلاك. وَقَرَأَ عُرْوَة بن الزبير
هَذَا الْحَرْف (مَا وَدَعَك رَبك) بِالتَّخْفِيفِ، وَسَائِر
الْقُرَّاء قرءوه {ودَّعك بِالتَّشْدِيدِ. وَالْمعْنَى فيهمَا وَاحِد
أَي مَا تَركك.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي أَحْمد الجمادي عَن ابْن أخي
الْأَصْمَعِي أَن عمّه أنْشدهُ لأنَس بن زُنَيم اللَّيْثِيّ:
لَيْت شعري عَن أَمِيري مَا الَّذِي
غاله فِي الحبّ حَتَّى ودعَهْ
لَا يكن برقك برقاً خُلّباً
إِن خير الْبَرْق مَا الغيثُ مَعَه
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: وَيُقَال: ذَرْ ذَا، وَدَع ذَا.
وَلَا يُقَال: وَدَعته وَلَكِن تركته.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَرَب لَا تَقول: وَدَعته فَأَنا وادع فِي معنى
تركته فَأَنا تَارِك، وَلَكِن يَقُولُونَ فِي الغابر: يدع وَفِي
الْأَمر دَعْه وَفِي النَّهْي: لاتدَعْه.
وَأنْشد:
وَكَانَ مَا قدَّموا لأَنْفُسِهِمْ
أَكثر نفعا من الَّذِي وَدَعوا
يَعْنِي تركُوا. أنْشد ابْن السّكيت قَول مَالك بن نُويرة وَذكر
نَاقَته:
قاظت أُثَال إِلَى الملا وتربّعت
بالحَزْن عازبة تُسنّ وتودَع
قَالَ: تودَع أَي تودَّع، وتسنّ أَي تصقل بالرعي يُقَال: سنَّ إبِله
إِذا أحسن الْقيام عَلَيْهَا وصقلها. وَكَذَلِكَ إِذا صقل فرسه إِذا
أَرَادَ أَن يبلغ من ضُمره مَا يبلغ الصيقل من السَّيْف وَهَذَا مثل.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَدْع: جمع وَدْعة وَهِي مناقف صغَار تخرج من
الْبَحْر تزيّن بهَا العثاكيل، وَهِي بيض فِي بَطنهَا مَشَقٌ كَشَقِّ
النواة، وَهِي جُوف فِي جوفها دُوَيْبَّة كالحَلَمة. قَالَ: والوَدِيع.
الرجل الهادىء السَّاكِن ذُو التُّدَعة.
وَيُقَال: ذُو وَدَاعة. قَالَ: والدَعَة: الخَفْض فِي الْعَيْش
والراحة. وَرجل متَّدع: صَاحب دَعَة.
وَيُقَال: نَالَ فلَان المكارم وادِعاً أَي من غير أَن تكلّف فِيهَا
مشقّة.
وَيُقَال ودُع يَوْدُع دَعة، واتَّدع تُدْعة وتُدَعة فَهُوَ متَّدِع.
والتوديع: أَن يُوَدِّعَ ثوبا فِي صِوان لَا يصل إِلَيْهِ غُبَار وَلَا
ريح. والمِيدع ثوب يَجْعَل وقاية لغيره. ويُنْعت بِهِ الثَّوْب
المبتذَل، فَيُقَال: ثوبٌ مِيدع. ويضاف فَيُقَال: ثوبُ ميدعٍ
والوَدَاع: توديع
(3/87)
النَّاس بعضِهم بَعْضًا فِي السّير.
وَقَالَ ابْن بزرج: فرس وديع ومُوَدَّعٌ وَمَوْدوع.
وَقَالَ ذُو الإصبع العَدْواني:
أقصُر من قَيده وأُودعه
حَتَّى إِذا السَرْب ريع أَو فَزعًا
قَالَ وَقَالُوا: ودُع الرجلُ من الْوَدِيع. قَالَ وودَعت الثَّوْب
بِالثَّوْبِ وَأَنا أدَعه مخفّف.
وَقَالَ أَبُو زيد المِيدع كل ثوب جعلته مِيدعاً لثوب جَدِيد، تودِّعه
بِهِ أَي تصونه بِهِ.
وَيُقَال مِيداعة وَجمع الميدع موادع.
وَقَالَ اللحياني: ميدع الْمَرْأَة مِيدَعتها: الَّتِي تودّع بِهِ
ثِيَابهَا. وَقَول عَدِيّ:
كَلاّ يَمِينا بِذَات الوَدْع لَو حَلَفت
فِيكُم وقابل قبرُ الْمَاجِد الزارا
قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: يُرِيد بِذَات الوَدْع: سفينة نوح يحلف بهَا.
وَقَالَ أَبُو نصر: ذَات الوَدْع: مكّة؛ لِأَنَّهُ كَانَ يعلّق
عَلَيْهَا فِي سِتْرها الوَدْع. قَالَ: وَيُقَال أَرَادَ بِذَات
الوَدْع الْأَوْثَان.
وتوديع الْمُسَافِر أَهله إِذا أَرَادَ سفرا: تخليفُه إيَّاهُم خافضين
وادعين، وهم يودّعونه إِذا سَافر تفاؤلاً بالدعة الَّتِي يصير
إِلَيْهَا إِذا قَفَلَ وَيُقَال وَدَعته بِالتَّخْفِيفِ فودَع وَأنْشد
ابْن الْأَعرَابِي:
وسِرْتُ المطيَّة مودعةً
تُضَحِّي رويداً وتُمسي زُزَيفا
وَهُوَ من قَوْلهم فرس وديع ومودِع ومُودَع.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المِيدَع: الثَّوْب الَّذِي تبتذله، وتودِّع
بِهِ ثِيَاب الْحُقُوق ليَوْم الحَفْل. قَالَ: وَإِنَّمَا يُتخذ
المِيدع ليودع بِهِ المَصُون. وَيُقَال للثوب الَّذِي يُبتذل: مِبذَل
ومِيدع، ومِعْوز ومِفْضَل. وَقَالَ الشَّاعِر:
أقدّمه قُدَّام وَجْهي واتّقي
بِهِ الشرّ إِن الصُّوف للخزّ مِيدع
وَقَالَ شمر: التوديع يكون للحيّ وللميت. وَأنْشد بَيت لَبيد:
فودِّعْ بِالسَّلَامِ أَبَا حُرَيْز
وقلّ وداعُ أربدَ بِالسَّلَامِ
قلت أَنا: والتوديع وَإِن كَانَ الأَصْل فِيهِ تخليفَ الْمُسَافِر
أَهله وَذَوِيهِ وادعين فَإِن الْعَرَب تضعه مَوضِع التَّحِيَّة
وَالسَّلَام، لِأَنَّهُ إِذا خلَّف أَهله دَعَا لَهُم بالسلامة
والبقاء، ودعَوا لَهُ بِمثل ذَلِك؛ أَلا ترى لبيداً قَالَ فِي أَخِيه
وَقد مَاتَ: فودع بِالسَّلَامِ أَبَا حُريز. أَرَادَ الدُّعَاء لَهُ
بِالسَّلَامِ بعد مَوته، وَقد رثاه لبيد بِهَذَا الشّعْر وودّعه توديع
الحيّ إِذا سَافر. وَجَائِز أَن يكون التوديع تَركه إِيَّاه فِي
الخَفْض والدعة.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي قَالَ: (لينتهينّ أَقوام عَن
وَدْعهم الْجُمُعَات أَو ليُختمنّ على قُلُوبهم ثمَّ ليكتُبنّ من
الغافلين) . قَالَ شمر: معنى وَدْعهم الْجُمُعَات: تَركهم إيَّاها، من
وَدَعته وَدْعاً إِذا تركته. قَالَ: وَزَعَمت النحوية أَن الْعَرَب
أماتوا مصدر يدع ويذر، واعتمدوا على التّرْك. قَالَ شمر: وَالنَّبِيّ
أفْصح الْعَرَب وَقد رُويت عَنهُ هَذِه الْكَلِمَة. ورَوَى شمر عَن
محَارب: ودّعت فلَانا من وَداع
(3/88)
السَّلَام.
وَقَول القطاميّ:
قفي قبل التَّفَرُّق يَا ضُبَاعا
وَلَا يَك موقف مِنْك الوداعا
أَرَادَ: وَلَا يَكْفِي مِنْك موقف الْوَدَاع، وَلَكِن ليكن موقفَ
غِبْطَة وَإِقَامَة؛ لِأَن موقف الْوَدَاع يكون للفراق، وَيكون منغصاً
بِمَا يتلوه من تباريح الشوق.
وودَّعت فلَانا أَي هجرته. قَالَ: والداعة من خفض الْعَيْش، والدَعَة
من وقار الرجُل الْوَدِيع، ودُع يُوَدُع دَعَة ووداعة. وَأنْشد شمر
قَول عُبَيد الرَّاعِي:
ثَنَاء تَشرق الأحساب مِنْهُ
بِهِ نتودّع الْحسب المصونا
أَي نقيه ونصونه.
عَمْرو عَن أَبِيه: الوَدِيع: الْمقْبرَة، وَيُقَال وَدَع الرجلُ يَدَع
إِذا صَار إِلَى الدعة والسكون وَمِنْه قَول سُوَيد بن كُراع:
أرَّق العينَ خيال لم يَدَعْ
لسليمى ففؤادي منتزَع
أَي لم يبْق وَلم يقرّ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه أنْشدهُ قَول الفرزدق:
وَعَضَّ زمَان يَا ابْن مَرْوَان لم يَدَع
من المَال إِلَّا مُسْحَتٌ أَو مجلَّف
وَقَالَ فِي قَوْله: لم يدَع: لم يتقارّ وَلم يتّدع.
وَقَالَ الزّجاج: معنى لم يدع من المَال أَي لم يسْتَقرّ وأنشده سَلمَة
عَن الْفراء: لم يدع من المَال إلاّ مسحتاً أَو مجلف أَي لم يتْرك من
المَال إِلَّا شَيْئا مستأصلاً هَالكا أَو مجلّف كَذَلِك. وَنَحْو
ذَلِك رَوَاهُ الْكسَائي وفسّره. فَقَالَ: وَهُوَ كَقَوْلِك: ضربت زيدا
وَعَمْرو تُرِيدُ: وَعَمْرو مَضْرُوب كَذَلِك، فلمّا لم يظْهر الْفِعْل
رفع.
وَقَالَ شمر: أَنْشدني أَبُو عدنان:
فِي الكفّ مني مَجلات أربعُ
مبتذلات مالهن ميدعُ
قَالَ: (مالهن ميدع) أَي مالهن من يكفيهن الْعَمَل، فيدعهنّ أَي
يصونهنّ عَن الْعَمَل.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: أودعت فلَانا مَالا إِذا دَفعته إِلَيْهِ
يكون وَدِيعَة عِنْده. وأودعته: قبلت وديعته جَاءَ بِهِ فِي بَاب
الأضداد.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا أَعرف أَودعته؛ قبِلت وديعته، وَأنْكرهُ
شمر، إِلَّا أَنه حكى عَن بَعضهم: استودعني فلَان بَعِيرًا فأبيت أَن
أودعَهُ أَي أقبله.
قلت: قَالَ ابْن شُمَيْل فِي كتاب (الْمنطق) } . قلت: والكسائيّ لَا
يَحْكِي عَن الْعَرَب شَيْئا إلاّ وَقد ضَبطه وَحفظه. وَيُقَال: أودعت
الرجل مَالا واستودعته مَالا. وَأنْشد:
يَا ابْن أبي وَيَا بُنَيَّ أُمِّيَهْ
أودعتك الله الَّذِي هُو حسبيه
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
حَتَّى إِذا ضرب القسوسُ عصاهمُ
ودنا من المتنسكين رُكُوع
أودعتنا أَشْيَاء واستودعتنا
أَشْيَاء لَيْسَ يُضعيعهِن مضيع
(3/89)
وَأنْشد أَيْضا:
إِن سرّك الرِّيُّ قُبيل النَّاس
فودِّع الغَرْب بِوَهْم شَاس
ودّع الغرب أَي اجْعَلْهُ وَدِيعَة لهَذَا الْجمل أَي أَلزِمه الغَرْب.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} (الأنعَام:
98) فَإِن ابْن كثير وَأَبا عَمْرو قرءا (فَمُسْتَقِرُ) بِكَسْر
الْقَاف. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَنَافِع وَابْن عَامر بِالْفَتْح،
وَكلهمْ قرءوا {مستودع بِفَتْح الدَّال. وَقَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ:
فمستقر فِي الرَّحِم، ومستودع فِي صُلْب الْأَب. ورُوي ذَلِك عَن ابْن
مَسْعُود وَمُجاهد وَالضَّحَّاك. وَقَالَ الزّجاج: من قَرَأَ فمستقر
فَمَعْنَاه: فلكم فِي الْأَرْحَام مُسْتَقر وَلَكِن فِي الأصلاب
مستودع. وَمن قَرَأَ (فَمُسْتَقِرُ) بِالْكَسْرِ فَمَعْنَاه. فمنكم
مستقِرَّ فِي الْأَحْيَاء، ومنكم مستودَعٌ فِي الثَرَى. وَقَالَ ابْن
مَسْعُود فِي قَوْله: رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا} (هود: 6)
أَي مستقرها فِي الْأَرْحَام، ومستودعها فِي الأَرْض.
وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: إِذا كَانَ أجل الرجل بِأَرْض
أُتِّيت لَهُ إِلَيْهَا الْحَاجة، فَإِذا بلغ أقْصَى أَثَره قُبض،
فَتَقول الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة: هَذَا مَا استودعتني وَقَالَ
قَتَادَة فِي قَوْله جلّ وعزّ: {الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ
وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ} (الأحزَاب: 48) يَقُول: اصبر على أذاهم.
وَقَالَ مُجَاهِد: ودَع أذاهم أَي أعرِض عَنْهُم. وَقَوله: بِهِ
نتودَّع الْحسب المصونا أَي نقرُّه على صونه وادعاً. وَقَالَ اللحياني:
كَلَام مِيدع إِذا كَانَ يحزن، وَذَلِكَ إِذا كَانَ الْكَلَام يحتشم
مِنْهُ وَلَا يستحن
وَقَالَ اللَّيْث: وَدْعان مَوضِع، وَأنْشد:
ببَيْض وَدْعان بَسَاطٌ سِيُّ
قَالَ: وَإِذا أمرت رجلا بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار قلت: تودَّعْ
واتَّدعْ، وَعَلَيْك بالمودوع، من غير أَن يَجْعَل لَهُ فعلا وَلَا
فَاعِلا؛ مثل المعسور والميسور.
وَقَالَ غَيره: تودَّع فلَان فلَانا إِذا ابتذله فِي حَاجته، وتودَّع
ثِيَاب ضَونه إِذا ابتذلها، وناقة مودَّعة: لَا تُركب وَلَا تحلب
اللَّيْث: الأودع من أَسمَاء اليربوع وَيُقَال: توادع الْفَرِيقَانِ
إِذا أعْطى كلّ وَاحِد مِنْهُمَا الآخرين عهدا أَلا يغزوهم. وَاسم
ذَلِك الْعَهْد الوَدِيع، وَمِنْه الحَدِيث الَّذِي جَاءَ: (لكم يَا
بني نهد ودائع الشّرك ووضائع المَال) . وَيُقَال: وَادعت الْعَدو إِذا
هاونته موادعة؛ وَهِي الهُدْنة وَالْمُوَادَعَة. وَقيل فِي قَول ابْن
مفرّغ:
دعيني من اللوم بعض الدعهْ
أَي اتركيني بعض التّرْك.
وَقَالَ ابْن هانىء: من أمثالهم فِي المَزْرِية على الَّذين يتصنّع فِي
الْأَمر وَلَا يُعْتمد مِنْهُ على ثِقَة: دَعْنِي من هِنْد فَلَا
جديدَها ودعت، وَلَا خَلقَها رَقَعت.
يدع: قَالَ اللَّيْث: الأَيدع: صِبغ أَحْمَر، وَهُوَ خشب البَقَّم،
وَهُوَ على تَقْدِير أفعل. يَقُول: يَدَّعته وَأَنا أُيدِّعه تيديعاً.
قَالَ: والأودع من أَسمَاء اليربوع.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العَنْدَمُ: دم الْأَخَوَيْنِ. وَيُقَال:
هُوَ الأيدع أَيْضا، وَيُقَال: البقّم، وَقَالَ الْهُذلِيّ:
(3/90)
بهما من النضج المجدّح أيدع
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ:
أَوْذَمْتُ يَمِينا، وأيدعتها أَي أوجبتها.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: أيدع الرجلُ إِذا أوجب على نَفسه حجّاً.
وَأنْشد لجرير:
وَرب الراقصات إِلَى الثنايا
بشُعْت أيدعوا حَجّا تَمامًا
قَالَ أيدعوا أوجبوا على أنفسهم، وَأنْشد شمر لكثيّر:
كَأَن حُمُول الْقَوْم حِين تحمّلوا
صرِيمة نخل أَو صريمة أَيْدع
وَقَالَ ابْن قيس:
وَالله لَا يَأْتِي بخيرٍ صديقَها
بَنو جُنْدُع مَا اهتز فِي الْبَحْر أيدع
قلت: هَذَا الْبَيْت يدلّ على أَن الأيدع هُوَ البقّم؛ لِأَنَّهُ
يُحْمَل فِي السفن من بِلَاد الْهِنْد.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: دُع دُع إِذا أَمرته بالنعيق
بغنمه. وَغَيره يَقُول: دَعْ دَعْ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ.
(بَاب الْعين وَالتَّاء)
(ع ت (وَا يء))
عتا (يعتو) ، تاع (يتيع) ، تعا (يتعى) .
عتا: قَالَ اللَّيْث عتَا يعتو عُتُوّا وعتيّا، وَهُوَ مُجَاوزَة الحدّ
إِذا استكبر. وَيُقَال: تَعتّت الْمَرْأَة، وتعتّى فلَان وَأنْشد:
بأَمْره الأرضُ فَمَا تعتَّت
أَي فَمَا عصته. والعاتي: الجبّار، وَجمعه العُتَاة. وَقَول الله جلّ
وعزّ: (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عُتِياً) (مريَم: 8) وقرىء
(عِتِيّاً) . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: كل شَيْء قد انْتهى فقد عتا يعتو
عُتِيّاً وعُتُوّا، وعسا يعسو عُسُوَّا وعُسِيّاً. فَأحب زَكَرِيَّا
أَن يعلم من أيّ جِهَة يكون لَهُ ولد ومِثْل امْرَأَته لَا تَلد،
وَمثله لَا يُولد لَهُ. قَالَ الله جلّ وعزّ: {كَذاَلِكَ} (مَرْيَم: 9)
، مَعْنَاهُ وَالله أعلم: الْأَمر كَمَا قيل لَك.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: يُقَال للشَّيْخ إِذا ولَّى وكَبِر: عتاً
يعتو عتيّا، وعسا يعسو مثله.
سَلمَة عَن الْفراء الإعْتاءُ الدُّعار من الرِّجَال.
قلت وَالْوَاحد عاتِ
تاع: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كتب لِوَائِل بن
جُحْر كتابا فِيهِ (على التِيعة شَاة والقِيمة لصَاحِبهَا) . قَالَ
أَبُو عبيد: التِيعة: الْأَرْبَعُونَ من الْغنم، لم يزدْ على هَذَا
التَّفْسِير. وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير: التِيعة: أدنى مَا يجب من
الصَّدَقَة؛ كالأربعين فِيهَا شَاة وكخمس من الْإِبِل فِيهَا شَاة
إِنَّمَا يتَعَّ التِيعة الحقّ الَّذِي وَجب لِلمُصَدِّق فِيهَا؛
لِأَنَّهُ لَو رام أَخذ شَيْء مِنْهَا قبل أَن يبلغ عدده مَا تجب فِيهِ
التِيعة لمَنعه صَاحب المَال، فلمَّا وَجب فِيهَا الحقّ: تاع إِلَيْهِ
المصدِّق أَي عَجِلَ، وتاع ربّ المَال إِلَى إِعْطَائِهِ فجاد بِه،
وَأَصله من التَيْع وَهُوَ القَيء، يُقَال: أتاع قيئه فتاع.
وَقَالَ أَبُو عبيد: أتاع الرجل إتاعة، إِذا قاء. وَقَالَ القطاميّ:
تمجّ عروقُها عَلقاً مُتَاعا
(3/91)
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي أتاع إِذا
قاء مثله.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل التِّيْع: أَن تَأْخُذ الشَّيْء بِيَدِك. يقاله:
تاع بِهِ يتيع تيعاً وتَيَّعَ بِهِ إِذا أَخذه بِيَدِهِ وَأنْشد:
أعطيتهَا عُوداً وتِعْت بتمرة
وَخير المراغي قد علمنَا قصارُها
قَالَ: وَهَذَا رجل زعم أَنه أكل رغوة مَعَ صَاحِبَة لَهُ، فَقَالَ:
أعطيتهَا عوداً تَأْكُل بِهِ وتعت بتمرة أَي أَخَذتهَا آكل بهَا.
والمِرغاة: الْعود أَو التَّمْر أَو الكِسْرة يُرتغى بهَا وَجَمعهَا
المراغي.
وَرَأَيْت بخطّ أبي الْهَيْثَم: وتِعت بتمرة. قَالَ: وَمثل ذَلِك
تيَّغْت بهَا، وَأَعْطَانِي تَمْرَة فتِغت بهَا. قَالَ: وَأَعْطَانِي
فلَان درهما فتِعْتُ بِهِ أَي أَخَذته وَأَنا فِيهِ وَاقِف.
وَالصَّوَاب تِعت بِالْعينِ غير مُعْجمَة.
وَيُقَال أتاع قيئه، وأتاع دَمه فتاع يتيع تُيُوعاً.
والتَيُّوعات: كل بقلة أَو ورقة إِذا قطِعت أَو قُطفت ظهر لَهَا لبن
أَبيض يسيل مِنْهَا؛ مثل ورق التِّين، وَيَقُول آخر يُقَال لَهَا
اليتوعات.
وَقَالَ اللَّيْث: التَوْع: كسرك لِبَأ أَو سمناً بكسرة خبز ترفعه
بهَا. تَقول مِنْهُ: تُعته وَأَنا أتوعه تَوْعاً قَالَ:
وتاع المَاء يتيع تيعاً إِذا تتَيَّع على وَجه الأَرْض أَي انبسط.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَمَا يتتايَعُ
الفَرَاشُ فِي النَّار) . قَالَ أَبُو عبيد: التَّتَابُع: التهافت فِي
الشَّيْء والمتابعة عَلَيْهِ، يُقَال قد تتابعوا فِي الشرّ إِذا
تهافتوا فِيهِ وسارعوا إِلَيْهِ. وَفِي حَدِيث آخر (لَوْلَا أَن يتتايع
فِيهِ الغَيْران والسكران) ، أَي يتهافت وَيَقَع فِيهِ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَيُقَال فِي التتايع: إِنَّه اللجاجة، وَهُوَ يرجع
إِلَى هَذَا الْمَعْنى. قَالَ: وَلم نسْمع التتايع فِي الْخَيْر،
إِنَّمَا سمعناه فِي الشَّرّ.
وَقَالَ اللَّيْث: الرجل يتتايع أَي يَرْمِي بِنَفسِهِ فِي الْأَمر
سَرِيعا، وَالْبَعِير يتتايع فِي مَشْيه إِذا حرك ألواحه كَأَنَّمَا
يتفكّك. وَيُقَال: أتّايعتت الرّيح بورق الشّجر إِذا ذهبت بِهِ،
وَأَصله تتايعت بِهِ. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب يذكر عقره نَاقَته،
وَأَنَّهَا كاست على رَأسهَا فخرّت:
فخرّت كَمَا تَتَّايعُ الريحُ بالقَفْل
والقَفْل: مَا يبس من الشّجر.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: تُعْ تُع إِذا أَمرته بالتواضع.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: التِيعة لَا أَدْرِي مَا هِيَ،
وبلغنا عَن الْفراء أَنه قَالَ: التِيعة من الشَّاء الْقطعَة الَّتِي
تجب فِيهَا الصَّدَقَة، ترعى حول الْبيُوت.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: التتايع ركُوب الْأَمر على خلاف النَّاس. وتتايع
الْقَوْم فِي الأَرْض إِذا تباعدوا فِيهَا على عمى وشَدَهٍ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التاعة، الكُتْلة من اللِّبأ الثخينة.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : يتيع عليَّ فلانٌ وَفُلَان تيَّعَان
وتَيَّحان تيِّع تَيِّح وتَيَّقَان وتيِّق مثله.
(3/92)
تعا: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: تَعي إِذا عدا،
وثَعى إِذا قذف. قَالَ: والتَّعَى الْحِفْظ الْحسن، والعَتا:
الْعِصْيَان عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العاتي المتمرد والتاعي اللِّبَأ
المسترخي، والثاعي الْقَاذِف، سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الأتعاء
سَاعَات اللَّيْل، وَالثَّعَى القَذْفُ.
(بَاب الْعين والظاء)
(ع ظ (وَا يء))
عظا، وعظ.
عظا: قَالَ اللَّيْث: العظاية: على خِلْقة سامّ أبرص أَو أعِيظم مِنْهُ
شيأ. قَالَ والعظاءة لُغَة فِيهَا؛ وَالْجمع العَظَاء، وَثَلَاث
عظايات.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: يُقَال: عظاءة وعظاية، لُغَتَانِ؛
كَمَا يُقَال: امْرَأَة سقّاءة وسقّاية.
الأصمعيّ عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء: تَقول الْعَرَب: أَرَدْتَ مَا
يُلهيني، فقلتَ مَا يَعْظيني، قَالَ: يُقَال هَذَا للرجل يُرِيد أَن
ينصح صَاحبه فيخطىء، ويقولُ مَا يسوءه. قَالَ وَمثله: أَرَادَ مَا
يحظيها فَقَالَ مَا يَعْظيها.
وَقَالَ اللحْياني: يُقَال: قلت: مَا أورمه وعَظَاه، أَي قلت مَا
أسخطه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل العَظَى أَن تَأْكُل الْإِبِل العُنْظُوان،
وَهُوَ شجر فَلَا تَسْتَطِيع أَن تجترَّه وَلَا أَن تَبْغره فتحبَط
بطونُها، فَيُقَال: عِظى الْجمل يعظي عظًى شَدِيدا فَهُوَ عظٍ عَظْيان.
قَالَ وعظى فلَان فلَانا إِذا سَاءَهُ بِأَمْر يَأْتِيهِ إِلَيْهِ
يَعْظيه عَظْياً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: عظا فلَانا يعظوه إِذا قطَّعه
بالغِيبة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: عظاه يعظوه عَظْواً إِذا اغتاله فَسَقَاهُ
سمّاً.
وعظ: قَالَ اللَّيْث: العِظة: الموعظة، وَكَذَلِكَ الْوَعْظ. وَالرجل
يتَّعظ إِذا قَبِل الموعظة حِين يذَكَّرُ الخَير وَنَحْوه، مِمَّا يرقّ
لذَلِك قلبه. يُقَال وعظته عظة. وَمن أمثالهم الْمَعْرُوفَة: لاتعظيني
وتَعَظْعَظِي أَي اتْعظي وَلَا تَعظي.
قلت وَقَوله تعظعظي وَإِن كَانَ كمكرّر المضاعف فَإِن أَصله من
الْوَعْظ، كَمَا قَالُوا: خضخض الشَّيْءَ فِي المَاء وَأَصله من خَاضَ. |