تهذيب اللغة

كتاب الظَّاء من تَهْذِيب اللُّغَة
المضاعف مِنْهُ
ظ ذ ظ ث: مهملات.

(بَاب الظَّاء وَالرَّاء)
ظ ر
اسْتعْمل مِنْهُ: (ظرّ) .
ظر: وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عَديّ بن حَاتِم سَأَلَهُ فَقَالَ:
(إِنَّا نَصِيدُ الصيدَ وَلَا نجدُ مَا نُذَكِّي بِهِ إلاّ الظِّرارَ وشِقّة العَصا، فَقَالَ: أَمْرِ الدَّمَ بِمَا شِئتَ) .
قَالَ أَبُو عبيد، قَالَ الْأَصْمَعِي: الظِّرارُ وَاحِدهَا ظُرَرٌ، وَهُوَ حَجر مُحدَّدٌ صُلبٌ وَجمعه ظِرارٌ وظِرّانٌ.
وَقَالَ لبيد:
بجَسْرَةٍ تَنْجُلُ الظِّرانَ نَاجيةً
إِذا تَوَقَّدَ فِي الدَّيمومة الظُّرَرُ
وَقَالَ شمر: المظَرَّة فِلقةٌ من الظِّرانِ يُقطعُ بهَا، ويُقال: ظَرِيرٌ وأَظِرَّة، وَيُقَال: ظرَرة واحدةٌ.
قَالَ وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الظِّرُّ حجر أملس عريض يَكسِره الرجل فيجزر بِهِ الجَزُور، وعَلى كل حَال يكون الظُّرَرُ وَهُوَ قبل أَن يُكسر ظُرَرٌ أَيْضا، وَهِي فِي الأَرْض سَلِيلٌ وصفائحُ مثلُ السيوف، والسليلُ: الحجرُ العريض وَأنْشد:
تَقيهِ مَظاريرُ الصُّوَى مِن فِعاله
بَسُور تلَحِّيه الحصَى كَنَوَى القسْبِ
وَأَرْض مَظرَّةٌ ذاتُ ظِرَّان.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال ظَرَرْتُ مَظَرَّة وَذَلِكَ أَن النَّاقة إِذا أبْلَمَتْ وَهُوَ داءٌ يأخذُها فِي حَلقة الرَّحِم فيَضِيقُ، فَيَأْخُذ الرَّاعِي مَظَرّةً ويُدخل يَده فِي بَطنهَا من ظَبْيَتها ثمَّ يَقطَعُ من ذَلِك الْموضع كالثُّؤْلُول.
قَالَ: والأَظِرَّة من الْأَعْلَام الَّتِي يُهتَدَى بهَا مثل الأمِرَّة وَمِنْهَا مَا يكون مَمْطولاً صُلباً يتَّخذ مِنْهُ الرَّحَى. انْتهى، وَالله تَعَالَى أعلم.

(بَاب الظَّاء وَاللَّام)
(ظ ل)
ظلّ، لظ: (مستعملة) .
(ظلّ) : قَالَ اللَّيْث: ظَلَّ فلانٌ نهارَه صَائِما وَلَا تَقول العربُ: ظلّ يَظَلُّ إِلَّا لكل عملٍ بِالنَّهَارِ، كَمَا لَا يَقُولُونَ: باتَ يَبِيت إلاّ

(14/255)


بِاللَّيْلِ؛ وَمن الْعَرَب من يحذف لَام ظَلِلْتُ وَنَحْوهَا حَيْثُ يظهران؛ فأَما أهل الْحجاز فيكسِرون الظَّاء على كَسرة اللَّام الَّتِي أُلْقِيتْ، فَيَقُولُونَ: ظِلْنا وظِلتُم والمصدر الظلول، وَالْأَمر مِنْهُ ظَلَّ واظْلَلْ، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً} (طه: 97) وقرىء: (ظِلْتَ) عَلَيْهِ، فَمن فتح فَالْأَصْل فِيهِ ظَلِلْتَ عَلَيْهِ، وَلَكِن اللَّام حُذفت لِثِقَل التَّضْعيف والكَسْر، وبَقِيتْ الظَّاءُ على فتحهَا وَمن قَرَأَ (ظِلْتَ) بِالْكَسْرِ حَوَّلَ كَسْرة اللَّام على الظَّاء، وَقد يجوز فِي غير المكسور نَحْو هَمْتُ بِذَاكَ أَي هَمَمْتُ، وأَحَسْتُ تُرِيدُ أَحْسَسْتُ وحَلْتُ فِي بني فلَان، بِمَعْنى حَلَلْتُ وَلَيْسَ بِقِيَاس إِنَّمَا هِيَ أحرف قَليلَة مَعْدُودَة.
وَهَذَا قَول حُذَّاق النَّحْوِيين، وَقَوله عزّ وجلّ: {شَىْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ} (النَّحْل: 48) ، أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: مَحل مَا لم تطلع عَلَيْهِ الشَّمْس، فَهُوَ ظِلٌّ، قَالَ: وَاللَّيْل كُله ظِلّ، وَإِذا أسْفَر الْفجْر فَمن لَدُن الْإِسْفَار إِلَى طُلوع الشَّمْس كُلُّه ظِلٌّ، قَالَ: والفَيْءُ لَا يُسمى فَيْئاً إِلَّا بعد الزَّوَال إِذا فاءت الشَّمْس، أَي إِذا رجعت إِلَى الْجَانِب الغربي، فَمَا فاءَتْ مِنْهُ الشَّمْس وَبَقِي ظِلاً فَهُوَ فَيْءٌ، والفَيّءُ شَرْقي والظِّلّ غَرْبي، وَإِنَّمَا يُدْعَى الظِّلّ ظلاّ من أول النَّهَار إِلَى الزَّوَال، ثمَّ يُدْعَى فَيْئا بعد الزَّوَال إِلَى اللَّيْل وَأنْشد:
فَلَا الظِّلَّ من بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطيعُه
وَلَا الفَيْءَ من بَرْدِ العَشِيِّ تذُوقُ
قَالَ: وَسَوَاد اللَّيْل كُله ظِلٌّ، وَقَالَ غَيره يُقَال: أَظَلَّ يَوْمُنا هَذَا إِذا كَانَ ذَا سَحَاب أَو غَيره، فَهُوَ مُظِلّ، وَالْعرب تَقول: لَيْسَ شَيْء أظل من حَجَر، وَلَا أَدفأَ من شجر، وَلَا أشدَّ سواداً من ظلّ، وَكلما كَانَ أرفَعَ سمكًا كَانَ مسْقط الشَّمْس أبعد، وَكلما كَانَ أَكثر عرضا وَأَشد اكتنازاً كَانَ أَشد لسواد ظله، وَيَزْعُم المنجمون أَن اللَّيْل ظِلٌّ، وَإِنَّمَا اسود جدا، لِأَنَّهُ ظِل كرةِ الأَرْض، وبقدر مَا زَاد بدَنُها فِي العِظَم ازْدَادَ سَواد ظلها، وَيُقَال للْمَيت: قد ضحا ظله.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: ترَك الظبيُ ظِلَّه، وَذَلِكَ إِذا نَفَرَ، وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن الظَّبْيَ يَكنِسُ فِي شِدّة الحرّ فيأتيه السَّامي فيُثيره فَلَا يعُودُ إِلَى كِناسِه فَيُقَال: ترك ظِلّه، ثمَّ صَار مثلا لكل نافرٍ من شَيْء لَا يعود إِلَيْهِ، ويقالُ: انتَعَلتْ المطايا ظِلالَهَا إِذا انتصفَ النَّهَار فِي القيظ، فَلم يَكن لَهَا ظِلّ، وَقَالَ الراجز:
قد وَرَدَتْ تَمْشِي على ظِلاَلِها
وذَابَتْ الشمسُ على قِلاَلِها
وَقَالَ آخر فِي مثله:
وانْتَعَلَ الظِّلَّ فَكَانَ جَوْرَبَا
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر فِتَناً كَأَنَّهَا

(14/256)


الظُّلَل واحده ظُلَّة، وَهِي الْجبَال، وَهِي السَّحَاب أَيْضا.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
وَكَيف تَقول العنكبوت وبيتها
إِذا مَا عنتْ موجاً من الْبَحْر كالظُّلل
قَالَ أَبُو عَمْرو: الظُّلل: السَّحَاب.
وَقَالَ الْفراء: أظل يومُنا إِذا كَانَ ذَا سَحَاب وَالشَّمْس مُستظِلَّة، أَي هِيَ فِي السَّحَاب؛ وكل شَيْء أظلك فَهُوَ ظُلَّة؛ وَيُقَال: ظِلٌ وظِلال وظُلّة وظُلَلٌ، مثل قُلة وقُلَل.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: أَتَيْته حِين شدَّ الظَّبي ظِله وَذَلِكَ إِذا كنس نصف النَّهَار، فَلَا يبرحُ مكنسه وَيُقَال: أَتَيْته حِين ينْشُد الظَّبي ظِلَّه، أَي حِين يشْتَد الْحر فيطلب كِنَاساً، يكْتَن فِيهِ من شدَّة الْحر.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: كَانَ ذَلِك فِي ظِل الشتاءِ، أَي فِي أوَّل مَا جَاءَ الشِّتاء، وفعلتُ ذَلِك فِي ظِل القَيْظ، أَي فِي شدَّة الْحر وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
غَلَسْتُه قَبْلَ القَطَا وفُرَّطِه
فِي ظِلِّ أَجَّاج المَقِيظ مُغْبِطِه
واسْتَظَلَّ الرجلُ إِذا اكْتَنَّ بالظِّل، وَيُقَال: فلَان فِي ظِلّ فلَان أَي فِي ذَرَاه وَفِي كَنَفِه، وسمعتُ أَعْرَابِيًا من طَيّىء يَقُول: لِلَحْمٍ رَقِيق لاصقٍ بباطن المنسم من الْبَعِير: هِيَ المُسْتَظِلاَّتُ، وَلَيْسَ فِي لَحْمِ الْبَعِير مُضْغَةٌ أرقُ وَلَا أَنْعَمُ مِنْهَا، غير أنهُ لَا دَسَمَ فِيهَا، ويُقال لِلدَّم الَّذِي فِي الْجوف مُسْتَظِلٌ أَيْضا وَمِنْه قَوْله: مِن عَلَقِ الجوفِ الَّذِي كَانَ اسْتَظَلَّ.
وَيُقَال: اسْتَظَلَّتْ العينُ إِذا غَارتْ وَقَالَ ذُو الرمة:
على مُسْتَظَلاَّتِ العُيُونِ سَوَاهِمٍ
شُوَيْكِيَةٍ يَكْسُو بُراها لُغَامُها
وَقَول الراجز:
كأَنَّما وَجْهُك ظِلٌّ من حَجَر
قَالَ بَعضهم: أرادَ الوَقَاحة، وَقَالَ: أَرَادَ أَنه أَسْودُ الوَجْه، وَقَالَ أَبُو زيد يُقَال: كَانَ ذَلِك فِي ظِلِّ الشتَاء، أَي فِي أول مَا جَاءَ، وَقَالَ الْفراء: الظَّلَّة مَا ستَرك مِن فَوق، والظُّلَّةُ الصَّيْحةُ، والظُّلَّةُ الظِّلالُ، والظِّلالُ ظِلالُ الجنَّة، قَالَ عَبَّاس بن عبد الْمطلب:
من قَبْلِها طِبْتَ فِي الظِّلال وَفِي
مُسْتَودَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرقُ
أَرَادَ ظِلال الجِنان الَّتِي لَا شَمْسَ فِيهَا.
أَرَادَ أَنه كَانَ طيبا فِي صلب آدم فِي الْجنَّة وظِلالُ البحْر أَمْواجُه لِأَنَّهَا ترْتَفع فتُظِلُّ السَّفِينَة وَمن فِيهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: مكانٌ ظليلٌ دَائِم الظِّل قد دَامتْ ظِلالُهُ، والظُّلَّة كَهيئة الصُّفّة، قَالَ: وعَذابُ يَوْم الظُّلَّةِ يُقَال وَالله أعلم: عَذَاب يَوْم الصُّفَة، وَقَالَ غَيره: قيل عَذَاب يَوْم

(14/257)


الظُّلَّة.
لِأَن الله جلّ وعزّ بعثَ غَمامةً حارَّةً فأَطْبَقَتْ عَلَيْهِم وهَلَكوا تحتهَا، وكلُّ مَا أطبق عَلَيْك فَهُوَ ظُلّة، وَكَذَلِكَ كلُّ مَا أَظَلَّكَ، وَقَول الله جلّ وعزّ فِي صفة أهل النَّار: {الْمُبِينُ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَالِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ياعِبَادِ فَاتَّقُونِ} (الزمر: 16) .
روى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأَعرابي: هِيَ ظُلَلٌ لمن تَحْتَهم وَهِي أَرْضٌ لَهُم، وَذَلِكَ أَن جَهَنَّم أَدْرَاكٌ وأطْباقٌ فبِساطُ هَذِه ظُلَّةٌ لمن تَحْتهم ثمَّ هَلُمَّ جرَّا حَتَّى ينْتَهوا إِلَى القَعْر.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الظَّلِيلَةُ الروضةُ الْكَثِيرَة الحَرجاتِ.
وَقَالَ اللَّيْث: والمِظَلَّةُ البُرْطُلَّةُ قَالَ: والظُّلَّة والمِظَلَّةُ سَوَاء وهما مَا يُسْتَظَل بِهِ من الشَّمْس وَيُقَال: مَظَلَّة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الخَيْمة تكون من أَعْوَادٍ تُسَقَّفُ بالثُّمامِ وَلَا تكون الخَيْمةُ من نباتٍ، وَأما المَظَلَّة فَمن ثيابٍ، رَوَاهُ بِفتْح الْمِيم.
وَقَالَ اللَّيْث: الإظلالُ: الدُّنُوُّ يُقَال: أَظَلَّكَ فلانٌ، أَي كَأَنَّهُ ألْقى عَلَيْك ظِلَّهُ من قُرْبِه، وأَظَلَّ شهرُ رمضانَ أَي دنا مِنْك، وَيُقَال: لَا يجاوزُ ظِلِّي ظلَّك، قَالَ: ومُلاعِبُ ظِلِّه طائرٌ يُسمى بذلك، وهما مُلاعِبا ظلِّهما وملاعباتُ ظِلِّهن هَذَا فِي لُغَة، فَإِذا جعلتَه نَكرة أخرجتَ الظل على العِدَّة فَقلت: هُنَّ ملاعباتُ أظلالهن.
قَالَ ذُو الرمة:
دَامِي الأظَلِّ بعيدِ الشَّأْوِ مَهْيُومِ
والظِّل شِبْه الخيال من الجنّ.
وَقَالَ اللَّيْث: الظَّليلةُ مُسْتَنْقعُ ماءٍ قليلٍ من سيلٍ أَو نَحوه، والجميعُ الظّلائِلُ وَهِي شبه حُفْرةٍ فِي بَطْن مَسيلِ ماءٍ، فَيَنْقَطِع السَّيْل وَيبقى ذَلِك المَاء فِيهَا.
وَقَالَ رؤبة:
غَادَرَهُنَّ السَّيْلُ فِي ظَلاَئِلاَ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الظُّلْظُلُ: السُّفُن وَهُوَ المَظَلَّة.
وَقَالَ أَبُو زيد: من بيُوت الْأَعْرَاب: المِظَلَّةُ وَهِي أعظم مَا يكون من بيُوت الشَّعَر ثمَّ الوَسُوطُ بَعْد المِظلة ثمَّ الخِباء، وَهُوَ أَصْغَر بيُوت الشَّعَر.
وَقَالَ أَبُو مَالك: المِظَلَّةُ والخِباء يكون صَغيراً وكَبيراً.
قَالَ: وَيُقَال للبيت الْعَظِيم: مِظلة مَطْحَوَّة ومَطْحِيَّة وطَاحِيَةٌ وَهُوَ الضّخْمُ، ومِظَلَّةُ دَوْحَة.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: عِلةٌ مَا عِلَّة، أَوْتَارٌ وأَخِلَّه، وعَمَدُ المِظَلَّةُ، أَبْرِزُوا لِصِهْركم ظُلَّة، قالَتْه جَارِيةٌ زُوِّجَتْ فأَبْطأَ بهَا أَهْلُها على زَوْجها، وَجعلُوا يَعْتَلَّون لَهُ بِجَمْعِ أَدَوَاتِ البَيْت فَقَالَت ذَلِك اسْتِحثاثاً لَهُم.

(14/258)


قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي بابُ سُوءِ المشارَكة فِي اهتمام الرجل بشأن صَاحبه. قَالَ أَبُو عبيد: إِذا أَرَادَ المشكو إِلَيْهِ أَنه فِي نحوٍ مِمَّا فِيهِ صَاحبه الشاكي قَالَ لَهُ: إِن يَدْمَ أَظلُّك فَقَدْ نَقِبَ خُفِّي؛ يَقُول: إِنِّي فِي مثل حالك.
وَقَالَ لبيد:
بِنَكِيبٍ مَعِرٍ دامِي الأَظَلِّ
والأظَلُّ والمَنْسِمُ للبعير كالظُّفْر للْإنْسَان.
من قَرَأَ (فِي ظلل على الأرائك) (يس: 56) فَهُوَ جمع ظُلّة، وَمن قَرَأَ فِي (ظِلال) فَهُوَ جمع الظلِّ، وَمِنْه قَوْله: {الْمُبِينُ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَالِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ياعِبَادِ فَاتَّقُونِ} (الزمر: 16) .
وَقَالَ تَعَالَى: {ظِلاًّ ظَلِيلاً} (النِّسَاء: 57) أَي يُظل من الرّيح والحرّ.
وَقَالَ ابْن عَرَفَة: ظِلا ظَليلاً. أَي دَائِما طَيِّباً، يُقَال إِنَّه لفي عَيْش ظَليلٍ، أَي طيِّب.
قَالَ جرير:
وَلَقَد تُسَاعِفُنا الدِّيارُ وعَيْشنا
لَو دَامَ ذَاك كَمَا تُحبُّ ظلِيلُ
وَمِنْه: {شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللَّهَبِ} (المرسلات: 31) . {وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالاَْصَالِ} (الرَّعْد: 15) .
أَي مُسْتَمِرٌ ظلُّهم، يُقَال: هُوَ جمع الظل وَيُقَال: هُوَ شُخُوصهم.
{للهمَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} (الْوَاقِعَة: 30) يُقَال هُوَ الدَّائِم الَّذِي لَا تنسخه الشَّمْس، وَالْجنَّة كلهَا ظلّ.
لظ: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (ألِظُّوا فِي الدُّعَاء بيا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام) .
قَالَ أَبُو عبيد: أَلِظُّوا يَعْنِي الْزَمُوا، والإلْظَاظُ لُزومُ الشيءِ والمثابرة عَلَيْهِ. يُقَال: أَلْظَظْتُ بِهِ أُلِظُّ إلْظاظاً، وَفُلَان مُلِظٌّ بفلانٍ أَي ملازمٌ لَهُ وَلَا يُفارقه.
وَقَالَ اللَّيْث: المُلاَظَّةُ فِي الْحَرْب الْمُوَاظبَة وَلُزُوم الْقِتَال وَرجل مِلْظَاظٌ ومِلَظُّ شديدُ الإبْلاَغِ بالشَّيْء يُلحُّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الراجز:
عَجِبْتُ والدَّهْرُ لَه لَظِيظُ
وَيُقَال: رجل لَظٌّ كَظٌّ، أَي عَسِرٌ مُشَدَّدٌ عَلَيْهِ، والتَّلَظْلُظُ واللَّظْلَظَةُ من قَوْلك: حَيَّةٌ تَتَلَظْلَظُ، وَهُوَ تحريكُها رأْسَها مِن شِدَّة اغْتِيَاظِها؛ وحيةٌ تَتَلظى من شِدة توَقُّدِها وخُبْثها، كَانَ الأصلُ تَتَلَظَّظُ، وَأما قَوْلهم فِي الحرّ: يَتَلَظَّى فَكَأَنَّهُ يَتَلَهَّب كالنار من اللظى.
عَمْرو عَن أَبِيه: أَلَظَّ إِذا ألحّ وَمِنْه قَوْله: (أَلِظُّوا بِيا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام) ؛ وَأنْشد لأبي وجزة:
فأبلغ بني سعد بن بكر مِلظَّة
رسولَ امرىءٍ بَادِي الْمَوَدَّة نَاصح
قيل: أَرَادَ بالمِلظة الرسَالَة، وَقَوله: رَسُول امرىء أَي رِسَالَة امرىء.

(14/259)


(بَاب الظَّاء وَالنُّون)
(ظ ن)
ظن: أَبُو عبيد عَن أبي عُبيدة: قَالَ: الظَّن يَقينٌ وشَكٌّ وَأنْشد:
ظَنِّي بهم كَعَسَى وهم بِتَنُوفَةٍ
يَتَنَازَعُون جَوَائِزَ الأَمْثَالِ
يَقُول: اليَقِينُ مِنْهُم كَعسى، وَعَسَى شَكٌّ.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: مَعْنَاهُ مَا يُظَنُّ بهم مِن الخَيْرِ فَهُوَ واجبٌ، وَعَسَى من الله واجبٌ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ حِكَايَة عَن الْإِنْسَان: {للهكِتَابيَهْ إِنِّى ظَنَنتُ أَنِّى مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} (الحاقة: 20) أَي عَلِمْتُ، وَكَذَلِكَ قَوْله: {وَظَنُّو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ} (يُوسُف: 110) أَي عَلِموا يَعْنِي الرُّسلَ، أَن قومَهم قد كَذَّبوهم فَلَا يصدِّقونهم، وَهِي قِرَاءَة ابْن عَامر وَابْن كثير وَنَافِع وَأبي عَمْرو، بِالتَّشْدِيدِ وَبِه قَرأَتْ عَائِشَة، وفسَّرته على مَا ذَكرْنَاهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الظَّنِينُ المعادِي، والظَّنِينُ المتَّهم الَّذِي تُظَن بِهِ التُّهْمَة ومصدرُه الظِّنَّة بِالتَّشْدِيدِ، والظَّنون الرجلُ السيِّىءُ الظَّنِّ بِكُل أحد، والظَّنُون الرجلُ الْقَلِيل الخيرِ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب قَالَ: الظنون الْمُتَّهم فِي عقله، والظنون كل مَا لَا يُوثق بِهِ من مَاء وَغَيره وَيُقَال: عِلْمُه بالشَّيْء ظَنُونٌ إِذا لم يُوثق بِهِ. وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم:
كصخرة إذْ تُسَائِلُ فِي مَرَاحٍ
وَفِي حَزْمٍ وعلمَهما ظَنُونٌ
وَقَول الله جلّ وعزّ: (وَمَا هُوَ على الْغَيْب بظنين) مَعْنَاهُ مَا هُوَ على مَا يُنْبِىءُ عَن الله من علم الْغَيْب بمُتَّهمٍ، وَهَذَا يُروى عَن عليَ.
وَقَالَ الْفراء وَيُقَال: (مَا هُوَ على الْغَيْب بظنين) مَا هُوَ بضعيف، يَقُول: هُوَ مُحتَمل لَهُ.
والعَربُ تَقول للرجل الضَّعِيف أَو الْقَلِيل الْحِيلَة: هُوَ ظَنُون.
قَالَ: وَسمعت بَعْض قُضاعة يَقُول: رُبمَا دَلَّك على الرأْي الظَّنُون، يُرِيد الضعيفَ من الرِّجَال، فإِن يكن معنى ظَنِين ضَعِيف فَهُوَ كَمَا قيل مَاء شَرُبٌ وشَرِيبٌ، وقَرونِي وقَريني وقَرُونَتِي وقَرِينَتي، وَهِي النَّفْسُ والعَزيمةُ.
وَقَالَ ابْن سِيرِين مَا كَانَ عَلِيٌّ يُظَنُّ فِي قَتْل عثمانَ، وَكَانَ الَّذِي يُظَنُّ فِي قَتْله غَيره.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَوْله يُظَّنُّ يَعْنِي يُتَّهم، وَأَصله من الظَّن، إِنَّمَا هم يُفْتَعَل مِنْهُ وَكَانَ فِي الأَصْل: يُظْتَنُّ فَثَقُلَتْ الظَّاءُ مَعَ التَّاء فَقُلِبتْ ظاءً مُشدَّدةً حِين أُدْغِمت، وَأنْشد:
وَمَا كُلُّ مَن تِظَنُّني أَنا مُعْتِبٌ
وَلَا كُلَّ مَا يُرْوَى عليَّ أَقُولُ
وَمثله:

(14/260)


هُوَ الجوادُ الَّذِي يُعطيك نائِلَهُ
عَفْواً ويُظْلم أَحْيَانًا فَيَظَّلِمُ
كَانَ فِي الأَصْل: فيظتلم فقُلِبت التاءُ ظاءً وأُدْغمتْ فِي الظَّاء فَشُدِّدتْ.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: تَظنَّيْتُ من ظَنَنْتُ، وَأَصله تَظنَّنتُ فكثُرتْ النوناتُ فَقُلبتْ إِحْدَاهمَا يَاء، كَمَا قَالَ: قصَّيتُ أظفاري وَالْأَصْل قصَّصْتُ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد: الظنين الْمُتَّهم وَأَصله المظنون وَهُوَ من ظَنَنْت الَّذِي يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد تَقول: ظَنَنْت بزيد وظننت زيدا، أَي اتهمت، وَأنْشد لعبد الرحمان بن حسان:
فَلَا وَيَمينِ اللَّهِ مَا عَنْ جنايةٍ
هجرْتُ ولكنَّ الظنَّين ظنينُ
وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: (وَمَا هُوَ على الْغَيْب بظنين) أَي مُتَّهم.
وَمن حَدِيث عليّ أَنه قَالَ: فِي الدَّيْن الظُّنُونِ، قَالَ: يُزَكِّيه لما مضى، إِذا قَبَضَه.
قَالَ أَبو عبيد: الظَّنُون الَّذِي لَا يَدْرِي صاحبُه أَيقضيه الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْن أَم لَا، كأَنَّه الَّذِي لَا يَرْجوه، قَالَ: وَكَذَلِكَ كل أَمر تُطالبُه وَلَا تدْري على أَي شَيْء أَنت مِنْهُ فَهُوَ ظُنون.
وَقَالَ الْأَعْشَى فِي الظَّنون وَهِي الْبِئْر الَّتِي لَا يُدْرَى أفيها مَاء أم لَا؟ :
مَا جُعِلَ الجُدُّ الظَّنُونُ الَّذِي
جُنِّبَ صَوْبَ اللَّجِبِ الماطِرِ
أَبُو الْحسن اللِّحياني: فلَان مَظِنَّةٌ من كَذَا ومَئِنَّة أَي مَعْلَمٌ.
وَأنْشد أَبُو عبيد:
يَسِطُ البُيوتَ لِكَيْ يكون مَظِنَّةً
مِن حيثُ تُوضَعُ جَفْنَةُ المسْتَرْفِدِ
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ الْفراء: الظَّنَونُ مِن النِّسَاء الَّتِي لَهَا شرف تُتَزَوَّجُ، وَإِنَّمَا سمِّيت ظنوناً لِأَن الوَلَد يُرْتَجَى مِنْهَا انْتهى وَالله تَعَالَى أعلم.

(بَاب الظَّاء وَالْفَاء)
(ظ ف)
ظف، فظ: (مستعملة) .
ظف: أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: ظَفَفْتُ قوائمَ البعيرِ وغيرِه أَظُفَّها ظَفّاً إِذا شَدَدْتَها كلَّها وجمعتَها.
فظ: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ أَنه قَالَ: الفَظُّ الخَشِنُ الْكَلَام. قَالَ وَقَالَ لنا أَبُو نصر: الفَظُّ الغَلِيظُ، وأنشدنا:
لمَّا رَأينَا مِنْهُمُ مُغْتاظَا
تَعْرَفُ مِنْهُ اللُّؤْمَ والفِظَاظَا
وَقَالَ اللَّيْث: رجل فَظٌّ ذُو فَظَاظَةٍ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ غِلَظٌ فِي مَنْطِقِه، والفَظَظُ خُشونةٌ فِي الْكَلَام.
وَقَالَ غير وَاحِد: الفَظُّ ماءُ الكِرْش يُعْتَصَر

(14/261)


فَيُشْرَبُ عِنْد عَوزِ المَاء فِي الفَلوات وَبِه شُبِّهَ الرجلُ الفَظَّ لِغِلَظِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إنْ افْتَظَّ رجلٌ كَرِشَ بَعِيرٍ غَرَّهُ فاعْتَصَرَ ماءَه وصَفَّاه لم يُجزْ لَهُ أَن يَتَطَهَّرَ بِهِ.
وروى سَلمَة عَن الْفراء: الفَظِيظُ ماءُ الفَحْل فِي رَحِمِ الناقةِ، وَأنْشد:
حَمَلْنَ لَهَا مياهاً فِي الأدَاوَى
كَمَا قد يَحْمِلُ البَيْظُ الفَظِيظَا
انْتهى وَالله أعلم.

(بَاب الظَّاء والبَاء)
(ظ ب)
ظب، بظ: (مستعملة) .
أمّا ظَبَّ فَإِنَّهُ لم يُستعمل إِلَّا مُكَرَّراً.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الظَّبْظَابُ البَثْرَةُ الَّتِي تخرج فِي وُجوه الملاح، والظَّبْظَابُ أَيْضا كلامُ المُوعِدِ بِشَرَ، وَأنْشد:
مُواغِدٌ جَاء لَهُ ظَبْظَابُ
قَالَ والمواغِد بالغَيْن المبادِرُ المتَهَدِّدُ.
عَمْرو عَن أَبِيه، قَالَ: ظَبْظَبَ إِذا حُمَّ، وظَبظَبَ إِذا صاحَ، وَله ظَبْظَابٌ، أَي جَلَبةٌ، وَأنْشد:
جاءتْ مَعَ الصُّبْح لَهَا ظَبَاظِبُ
فَغَشِيَ الدَّارَةَ مِنْهَا جالِبُ
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو وَأبي زيد يُقَال: مَا بِهِ ظَبْظَابٌ، أَي مَا بِهِ شيءٌ من الوَجَع.
وَقَالَ رؤبة:
كأَنَّ بِي سُلاَّ وَمَا بِي ظَبْظَابْ
قَالَ: والظَّبظابُ داءٌ يُصيب الْإِبِل وَقيل: هُوَ بَثْرٌ يخرج بِالْعينِ.
بظ: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: البَظِيظ السَّمِينُ الناعِم.
عَمْرو عَن أَبِيه:
أَبَظَّ الرجلُ إِذا سَمِنَ
وَقَالَ اللحياني: أنهُ لَفَظٌّ بَظٌّ بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ غَيره: فَظِيظٌ بَظِيظٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: بَظَّ يَبُظُّ بَظًّا وَهُوَ تَحْرِيك الضَّارب أوتارَه ليُهيِّئها ويُسَوِّيها، والضَّادُ جَائِز فِيهِ.
وَفِي بعض النّسخ: فظَّ على كَذَا أَي ألَحَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَصْحِيف، وَالصَّوَاب: أَلَظَّ عَلَيْهِ إِذا ألحّ.

(بَاب الظَّاء وَالْمِيم)
(ظ م)
مظ: فِي حَدِيث أبي بكر: أَنه مرّ بابنِه عبدِ الرحمان وَهُوَ يُمَاظُّ جَاراً لَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: لَا تُمَاظِّ جارَك فَإِنَّهُ يَبْقَى، ويَذهبُ الناسُ.
قَالَ أَبُو عبيد: المُماظَّة المُشَارَّة والمُشاقَّةُ، وشِدَّةُ المُنَازَعةِ مَعَ طُول اللُّزُوم.

(14/262)


يُقَال: ماظَظْتُه أُمَاظُّهُ مِظاظاً ومُماظَّةً.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المَظُّ رُمَّانُ البَرِّ، وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم لبَعض طَيّىء:
وَلَا تَقْنَطْ إِذا حَلّتْ عِظامٌ
عليكَ من الْحَوَادِث أَنْ تُشَظَّا
وسَلِّ الْهَمَّ عنكَ بِذاتِ لَوْثٍ
تَبُوص الحادِيَيْنِ إِذا أَلظَا
كأَنَّ بِنَحْرِهَا وبِمِشْفَرَيْها
ومَخْلجِ أَنْفِهَا رَاء وَمَظَّا
جَرَى نَسْءٌ على عَسَنٍ عَلَيْهَا
فَمار خَصِيلُها حَتَّى تَشَظَّى
قَالَ: أَلظَّ، أَي ألَحَّ عَلَيْهَا الْحَادِي، قَالَ: والرَّاءُ زَبَدُ الْبَحْر، والمَظُّ دَمُ الْأَخَوَيْنِ، وَهُوَ دَمُ الغَزَال، وعُصارةُ عُروق الأرْطَى وَهِي حُمْرٌ، والأرْطأةُ خَضْراء فَإِذا أكلتها الْإِبِل احْمَرَّتْ مَشافِرُها.
وَقَالَ الْهُذلِيّ يذكر الحمُول:
يَمَانِيَةٌ أَحْيَالها مَظَّ مَأْبِدٍ وآلِ
قَراسٍ صَوْبُ أَسْقِيَةٍ كُحْلٍ
عَمْرو عَن أَبِيه: أَمَظَّ إِذا شَتَم وَأَبَظَّ إِذا سَمِن.

(14/263)