تهذيب اللغة

أَبْوَاب الثلاثي الصَّحِيح
ذث: مهمل مَعَ سَائِر الْحُرُوف.

(أَبْوَاب الذَّال وَالرَّاء)
ذ ر ل
اسْتعْمل مِنْهُ: (رذل) .
رذل: قَالَ اللَّيْث: الرَّذلُ الدُّونُ من النَّاس فِي مَنظرِه وحالاتِه، وَرجل رَذْلُ الثيابِ والنعْلِ، رَذُلَ يَرْذُل رَذالَةً، وهم الرَّذْلون والأرْذال.
وَقَالَ الزّجّاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَاتَّبَعَكَ الاَْرْذَلُونَ} (الشُّعَرَاء: 111) ، قَالَ قومُ نوحٍ لنوح: اتّبعكَ أرَاذلنا، قَالَ: نسبوهم إِلَى الحِياكَةِ، قَالَ: والصِّناعاتُ لَا تَضُرُّ فِي بَاب الديانَات.
وَقَالَ اللَّيْث: رُذالَةُ كل شَيْء أَرْدَؤُه، وثوبٌ رَذْلٌ وَسِخٌ، وثوب رَذيلٌ رديءٌ، وَيُقَال: أَرْذَلَ فلانٌ دراهمي أَي فَسَّلَها، وأرْذَلَ غنَمي، وَأَرْذَلَ من رحالِهِ كَذَا وَكَذَا رجلا، وهم رُذالَةُ النَّاس ورُذَالُهم.
وَقَوله عزّ وجلّ: {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} (النَّحْل: 70) ، قيل: هُوَ الَّذِي يَخْرَفُ من الكِبَر حَتَّى لَا يَعْقِل شَيْئا، وبَيَّنَهُ بقوله: {لِكَىْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} (النَّحْل: 70) وَيجمع الرذل أرذالاً.
ذ ر ن
اسْتعْمل من وجوهه: (نذر) .
نذر: قَالَ اللَّيْث: النَّذْرُ مَا يَنْذِره الإنسانُ فيجعَلُه على نَفسه نَحْباً وَاجِبا، وجَعَل الشافعيُّ فِي كتاب جِراح العمْد مَا يجب فِي الْجِرَاحَات من الدِّيات نَذْراً، وَهِي لُغَةُ أهلِ الْحجاز، كَذَلِك أَخْبرنِي عبد الْملك عَن الشَّافِعِي؛ وأهلُ الْعرَاق يسمونه: الأرْشَ.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو نَهْشَل: النُّذُورُ لَا تكون إِلَّا فِي الجراحِ صغارِها وكبارِها وَهِي معاقل تِلك الْجراح.
يُقَال: لي قِبَلَ فلانٍ نَذْرٌ إِذا كَانَ جُرْحاً وَاحِدًا لَهُ عَقْلٌ.
قَالَ شمر: وَقَالَ أَبُو سعيد الضّرير: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ نَذرٌ، لِأَنَّهُ نُذِرَ فِيهِ أَي أُوْجِبَ، من قَوْلك: نَذرْتُ على نَفسِي أَي أَوْجَبتُ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {مَن تَذَكَّرَ} (فاطر: 37) .
قَالَ أهل التَّفْسِير: يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَمَا قَالَ: {ياأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداومبشرا

(14/302)


وَنَذِيرا} (الْفَتْح: 8) .
وَقَالَ بَعضهم: النّذيرُ هَهُنَا الشّيْبُ، وَالْأول أَشْبهُ وأَوْضَحُ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: والنَّذِيرُ يكون بِمَعْنى المُنْذِر وَكَانَ الأصلُ نَذَرَ، إِلَّا أنَّ فِعلَه الثُّلاثي مُمَاتٌ.
وَمثله السَّمِيع بِمَعْنى المُسْمِع، والبديع بِمَعْنى المبدِع.
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أُنْزِل: {) الْمُعَذَّبِينَ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ} (الشُّعَرَاء: 214) أُتِي رسولُ الله الصَّفا فصعَّد عَلَيْهِ ثمَّ نادَى: يَا صبَاحاه، فاجْتَمَع إِلَيْهِ الناسُ بَين رَجل يجيءُ ورجلٍ يَبْعَثُ رسولَه، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا بَني عبد الْمطلب يَا بَني فلَان: لَو أَخْبَرتكُم أَن خَيلاً بِسَفْح هَذَا الْجَبَل تُريدُ أَن تُغِيرَ عَلَيْكُم صَدَّقْتُموني قَالُوا: نعم، قَالَ: فإنِّي نَذيرٌ لكم بَين يَدَي عذابٍ شديدٍ) .
فَقَالَ أَبُو لَهبٍ: تَبّاً لكم سائرَ الْقَوْم أَمَا آذَنْتُمُونا إِلَّا لهَذَا؟
فَأنْزل الله: {} (المسد: 1) .
وحَدَّث أَحْمد بن أَحْمد عَن عبد الله ابْن الْحَارِث المَخْزُومِي عَن مَالك عَن يزِيد بن عبد الله بن قُسَيْط عَن ابْن المسيَّب: أَن عمر وَعُثْمَان قَضَيا فِي المنطَاة بِنصْف نَذْر المُوضِحَةِ.
روَاه عَنهُ مُحَمَّد بن نصر الفرّاء.
وَقَوله جلّ وعزّ: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} (الْملك: 18) مَعْنَاهُ: كَيفَ كَانَ إنذاري؛ والنذيرُ اسمٌ من الْإِنْذَار.
وَقَوله جلّ وعزّ: {مُّدَّكِرٍ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} (الْقَمَر: 23) .
قَالَ الزّجاج: النُّذر جمع نَذِيرٍ، قَالَ: وَقَوله جلّ وعزّ: {ذِكْراً عُذْراً أَوْ} (المرسلات: 6) وقرئت عُذُراً أَو نُذُراً، قَالَ: مَعْنَاهُمَا الْمصدر قَالَ: وانتصابهما على الْمَفْعُول لَهُ، الْمَعْنى فالْمُلقيات ذكرا للإِعْذار أَو الْإِنْذَار، وَيُقَال: أَنذَرْتُه إنذاراً ونُذُراً، والنُّذرُ جمع النَّذير وَهُوَ الِاسْم من الْإِنْذَار.
يُقَال: أنْذَرْتُ القومَ مَسِيرَ عدوهم إِلَيْهِم فَنَذِرُوا أَي أعْلَمتُهم ذَلِك فنَذِروا أَي عَلِمُوا فَتَحَرَّزوا، والتَّناذُر أَن يُنذِرَ القومُ بعضُهم بَعْضًا، شرّاً مخوفا.
قَالَ النَّابِغَة يذكر حيَّة:
تَنَاذرَها الرَّاقُونَ من سُوءِ سَمِّها
تُطَلِّقُهُ حِيناً وحِيناً تُراجِعُ
قَالَ اللَّيْث: النَّذيرَةُ اسمٌ للْوَلَد يُجْعَلُ خَادِمًا للكنيسة، أَو للمُتَعَبَّد من ذكرٍ أَو أُنْثَى، وجمعُها النَّذائر.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} (آل عمرَان: 35) .
قالته امرأةُ عِمْرانَ أمُّ مَرْيَم، نذرت أَي

(14/303)


أوجبت.
وَقَالَ غيرُه: نَذِيرَةُ الْجَيْش طَليعتُهم الَّذِي يُنْذِرُهم أمْرَ عدُوِّهم أَي يُعْلِمُهم.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: قَدْ أعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ، أَي من أعْلمكَ أنْ يُعاقبَكَ على الْمَكْرُوه مِنْك فِيمَا يستقبله، ثمَّ أتَيْتَ المكروهَ فعَاقبك فقد جَعَل لنَفسِهِ عذرا يَكُفُّ بِهِ لائمةَ النَّاس عَنهُ، ومُناذِرُ اسْم قَرْيَة، ومُحمد بن مَناذِر الشَّاعِر.
وَمُحَمّد بنَ مَنَاذر بِفَتْح الْمِيم، والمناذِرة هُمْ بَنو الْمُنْذِر مثل المهالبة.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب فِي الْإِنْذَار: أَنا النَّذيرُ العُرْيانُ.
أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي طَالب أَنه قَالَ: إِنَّمَا قَالُوا: أَنا النذيرُ العُريَّان لِأَن الرجلَ إِذا رأى الغارةَ قد فَجِئتهم وَأَرَادَ إنذار قومه تجرَّدَ من ثِيَابه، وَأَشَارَ بهَا ليُعْلِمَ أنْ قد فَجِئَتْهُم الغارةُ، ثمَّ صَار مَثَلاً لكلِّ شَيْء يُخافُ مُفاجأَته.
وَمِنْه قَول خُفافٍ يصف فرسا:
ثَمِلٌ إِذا صَفَر اللِّجامُ كَأَنَّهُ
رَجلٌ يُلوِّحُ باليدين سَلِيبُ
وذَكر ابْن الْكَلْبِيّ فِي النذير الْعُرْيَان حَدِيثا لأبي دَاوُد الْإِيَادِي ورقبة بن عَامر البهراني الهراني فِيهِ طول.
وَقَالَ ابنُ عَرَفَة: لينذر قوما الْإِنْذَار الْإِعْلَام بالشَّيْء الَّذِي يُحذَر مِنْهُ، وكل مُنْذِرٍ مُعْلِم وَلَيْسَ كل مُعْلِمٍ مُنْذِرا، وَمِنْه قَوْله: أَنْذرهُمْ يَوْم الْحَشْر أَي حَذِّرْهم، أَنْذَرْتُهُ فَنذِر أَي عَلِم والاسمُ من الْإِنْذَار النَّذير لقَوْله: {ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ} (فاطر: 18) تَأْوِيله إِنَّمَا يَنْفَعُ إنذارك الَّذين يَخْشونَ رَبهم الْغَيْب.
أَو نذرتُم من نَذَر أَي أوجبتم على أَنفسكُم شَيْئا من التطوُّع، يُقَال: نَذَرتُ أُنذِر وأَنْذَرُ.
قَالَ ابْن عَرَفَة: فَلَو قَالَ قائلٌ: عليَّ أنْ أتصدَّقَ بِدِينَار لم يكن ناذراً، وَلَو قَالَ: على أنْ شَفَى الله مَرضِي، أَو رَدَّ عَليَّ غائبي صدقةُ دينارٍ، كَانَ ناذراً، فالنَّذْرُ مَا كَانَ وَعْداً على شرطٍ، وكلُّ نَاذِرٍ وَاعِدٌ وَلَيْسَ كل واعِد ناذِراً.
ذ ر ف
ذرف، ذفر.
ذرف: قَالَ اللَّيْث: الذَّرْفُ صَبُّ الدَّمْع، يُقَال: ذَرَفَتْ عَيْنُهُ دمعَها ذَرْفاً وذَرَفَاناً، وَقد يُوصَفُ بِهِ الدمعُ نَفسه، يُقَال: ذَرَفَ الدمعُ يَذْرِفُ ذُروفاً وذَرَفَاناً وَأنْشد:
عَيْنَيَّ جُودِي بالدُّموع الذَّوَارِفِ
قَالَ: وذرَّفَتْ دُموعي تَذْرِيفاً وتَذْرَافاً وتَذْرِفَةً، ومَذَارِفُ العَيْن مَدَامِعُها.
وَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه: ذرَّفْتُ على السِّتين.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: ذرَّفْتُ على

(14/304)


الْخمسين وذَمَّمْتُ عَلَيْهَا أَي زِدتُ عَلَيْهَا، وَنَحْو ذَلِك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي وَيُقَال: وذرَّفْتُه الموتَ أَي أَشْرفْتُه بِهِ عَلَيْهِ وَأنْشد:
أَعْطيكَ ذِمَّةَ وَالِديَّ كِلَيْهما
لأذرَّفَنْك الموتَ إنْ لم تَهْرُبَ
ذفر: قَالَ ابْن السّكيت: الذَّفَرُ كلُّ ريح ذَكِيةً من طِيب أَو نَتْنٍ، يُقَال: مِسْكٌ أَذْفَرُ أَي ذَكيُّ الرّيح، وَيُقَال للصُّنانِ: ذَفَرٌ وَهَذَا رجل ذَفِرٌ أَي لَهُ صُنانٌ، وخُبْثُ ريح، وَقَالَ لبيد:
فَخْمَة ذَفْرَاء تُرتَى بالعُرَى
قُرْدُمانِياً ونَرْكا كالبَصَلْ
يصف كَتِيبَة ذاتَ دُروع ذَفِرْت رَوَائِح صَدَئِها وَقَالَ آخر:
ومُؤَوْلَقٍ أَنْضَجْتُ كَيَّةَ رَأسه
فَتَركْتُه ذَفِراً كرِيح الجوْرَبِ
وَقَالَ الرَّاعِي وَذكر إبِلا رَعَتْ العُشْبَ وأزاهيرَه فَلَمَّا صَدَرَتْ عَن المَاء نَدِيَتْ جلودُها ففاحَتْ مِنْهَا رَائِحَة طيبةٌ، فتِلك الرائحةُ فأرةَ الْإِبِل فَقَالَ الرَّاعِي:
لَهَا فأرَة ذفْرَاءُ كلَّ عَشِيَّة
كَمَا فَتقَ الكافورَ بالمسك فَاتِقُهْ
وَقَالَ ابْن أَحْمر:
بِهَجْلٍ من قسا ذَفرِ الخُذَامَى
تَداعَى الْجِربيَاءُ بِهِ حَنيناً
أَي ذكيُّ ريح الْخُذامى طيِّبُها، وَقَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: قلت لأبي عَمْرو بن الْعَلَاء: الذِّفْرَى من الذَّفَر؟
قَالَ: نعم، والذَّفْراء عُشْبةٌ خبيثةٌ الرّيح لَا يكَاد المالُ يأكلُها.
وَقَالَ اللَّيْث: الذِّفْرَى من الْقَفَا الموضعُ الَّذِي يَعْرَقُ من البَعير، وهما ذفْرَيانِ من كل شَيْء، قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَقُول: ذِفرًى فيصرفها، يجْعلون الألفَ فِيهَا أَصْلِيَّة وَكَذَلِكَ يجمعونها على الذفَارَى.
وَقَالَ القتيبي: هما الذفريان والمِقذَّان، وهما أصُول الأُذنَيْن، وأولُ مَا يَعْرقُ من البَعير.
قَالَ شمر: الذِّفرَى: عظم فِي أَعلَى الْعُنُق من الْإِنْسَان عَن يَمِين النّقرة وشِمالها.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الذَّفراءُ نبتةٌ طيبةُ الرَّائِحَة، والذفراءَ نبتة مُنتِنَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: سَمِعت أَبَا زيد يَقُول: بعير ذفرٌّ وناقة ذِفرَّةٌ وَهُوَ الْعَظِيم الذِّفرى.
وَقَالَ اللَّيْث: الذفرة الناقةُ النَّجيبةُ الغليظة الرَّقَبَة.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الذِّفرُّ الْعَظِيم من الْإِبِل.
ذ ب ر
ذبر، ذرب، بذر، ربذ.
ذبر: أَبُو عبيد: ذَبَرْتُ الكتابَ أَذبُره وذَبرْتُه أَذبِرُه كَتَبتُه.

(14/305)


وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، وَسُئِلَ عَن قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من أهل الْجنَّة خَمْسةُ أَصْنَاف: مِنْهُم الَّذِي لَا ذِبْر لَهُ) أَي لَا لِسَان لَهُ يتَكَلَّم بِهِ.
وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله من ضعفه من قَوْلك ذَبرْت الْكتاب أَي قرأته قَالَ وذبرته أَي كتبته فَفرق بَين ذَبر وذَبر، ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الذابرُ المتقنُ للْعلم، يُقَال ذبره يذبره، وَمِنْه الْخَبَر كَانَ معاد يذبُرُه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي يتقنه ذبْراً وذبارَةً يُقَال: مَا أَرْصَن ذبَارته، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الذِّبَار الْكتب وَاحِدهَا ذبْرٌ، وَقَالَ ذُو الرُّمة يَصف وُقُوفه على دَار:
أَقُولُ لِنَفْسي وَاقِفاً عِند مُشْرِفٍ
على عَرَصاتٍ كالذِّبارِ النَّوَاطِقِ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: ذَبَرَ أَي أَتْقَنَ وذَبِرَ غَضِبَ، وَقَالَ اللَّيْث: الذَّبْر بِلُغة أهل هُذيل كلُّ قِراءَة خَفِيَّة، قَالَ وبعضٌ يَقُول: زَبَرَ كَتَبَ، وَبَعض يَقُول: الزَّبُورُ الفِقْه بالشَّيْء وَالْعلم.
قَالَ صَخْر الغَي:
فِيهَا كتابٌ ذَبْرٌ لمقْتَرِىء
يَعْرِفُه أَلْبُهُمْ ومَن حَشَدُوا
ذبْر بَيِّنٌ، يُقَال: ذبَر يذْبُر إِذا نظر فَأحْسن النّظر، أَلْبُهمْ مَن كَانَ هَوَاهُ مَعَهم يُقَال: بَنو فلَان ألْبٌ واحدُ حشدوه جَمَعُوهُ.
ذرب: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (أبوالُ الْإِبِل فِيهَا شِفاء من الذَّرَبِ) ، أَبُو عبيد عَن أبي زيد: ذَرِبَتْ مَعِدَتُه تَذْرَبُ ذَرَباً فَهِيَ ذَرِبَةٌ إِذا فَسِدَتْ، وَفِي حَدِيث آخر: إنَّ أعشى بني مَازِن قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأنشده أبياتاً يشكو فِيهَا امرأتَه:
يَا سيدَ الناسِ وَدَيَّان العَرَبْ
إِلَيْك أَشْكُو ذِرْبَة من الذِّرَبْ
خَرَجْتُ أَبْغِيها الطعامَ فِي رَجَبْ
فَخَلَفَتْنِي بِنزَاعٍ وحَرَبْ
أَخْلَفَتْ العَهْدَ وبَطَّتْ بِالذَّنَبْ
وتركتني وَسْطِ عيصٍ ذِي أشَبْ
قَالَ عمر: الذِّرْبَةُ: الداهية أَرَادَ بالذِّرْبَةِ امرأتَه، كَنَى بِهَا عَن فَسادها وخِيانتها فِي فرجهَا وجمعُها ذربٌ وَأَصله من ذَرَبِ الْمعدة وَهُوَ فَسادُها.
وَقَالَ شمر: امرأةٌ ذَرِبةٌ طويلةُ اللِّسَان فاحشةٌ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لِلغُدَّةِ ذِرْبٌ وَتجمع ذِرَبٌ، وَيُقَال للْمَرْأَة السليطة اللِّسَان: ذَرِبةٌ وذِرْبَةٌ، وذَرَبُ اللِّسَان حِدَّتُه.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: ذَرَبْتُ الحَديدةَ أذرُبُها ذَرْباً فَهِيَ مَذْرُوبَة إِذا أحْدَدْتَها.
وَقَالَ اللَّيْث: الذَّرِبُ الحادُّ من كل شَيْء، لِسانٌ ذرِبٌ ومَذْروبٌ، وَسنَان ذرِبٌ، ومَذْروبٌ، وفِعْلُهُ ذرِبَ يَذْرَبُ ذَرَباً وذَرَابَة. وَقوم ذُرْبٌ قَالَ: وتَذْرِيبُ السَّيْف

(14/306)


أَن يُنْقَع فِي السُّم فَإِذا أُنْعِمَ سَقْيُه، أُخْرِجَ فشُحِذَ.
وَيجوز ذَرَبْتُه فَهُوَ مَذْرُوبٌ قَالَ عُبَيْدَة:
وخرْقٍ مِنَ الفتْيانِ أكرمَ مَصْدَقاً
مِن السَّيْف قَدْ آخَيْتُ لَيْسَ بمذْرُوبِ
قَالَ شمر: لَيْسَ بفاحش.
وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة قَالَ: حَدثنَا ابْن هاجك، قَالَ: حَدثنَا حَمْزَة عَن عبد الرَّزَّاق، قَالَ: أخبرنَا الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق عَن عبيد بن مُغيرَة قَالَ: سَمِعت حُذَيْفَة يَقُول: كنت ذَرِب اللِّسَان على أَهْلي فَقلت: يَا رَسُول الله إِنِّي لأخشى أَن يدخلني لساني النارَ فَقَالَ رَسُول الله: (فَأَيْنَ أَنْت من الاسْتِغْفَار إِنِّي لأستغفر الله فِي الْيَوْم مائَة مرّة) . قَالَ: فَذَكرته لأبي بردة فَقَالَ: وَأَتُوب إِلَيْهِ، قَالَ أَبُو بكر فِي قَوْلهم: ذَرب اللِّسَان: سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي رجل ذرب اللِّسَان.
سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس يَقُول: مَعْنَاهُ فَاسد اللِّسَان قَالَ: وَهُوَ عيب وذم.
يُقَال: قد ذَرِبَ لِسان الرجُل يذْرَبُ إِذا فَسَدَ، وَمن هَذَا ذَرِبَتْ مَعِدَتُه فسدتْ وَأنْشد:
أَلَمْ أَكُ باذلاً وِدِّي ونَصْرِي
وأَصْرِفُ عَنْكم ذَرَبِي ولغْبِي
قَالَ: واللَّغْبُ الرَّدِيء من الْكَلَام وَأنْشد:
وَعرفت مَا فِيكُم مِنْ الأذْرَابِ
مَعْنَاهُ من الْفساد، قَالَ: وَهُوَ قَول الْأَصْمَعِي.
قَالَ غَيرهمَا: الذَّرِبُ اللِّسَان الحادُ اللِّسَان، وَهُوَ يرجع إِلَى معنى الْفساد. إنِّي رجلٌ ذَرِبُ اللِّسان وعامَّة ذَلِك على أَهلِي، قَالَ: فَاسْتَغْفر الله.
قَالَ شمر: قَالَ أسيد بن مُوسَى بن حَيْدة: الذَّرِبُ اللسانُ الشتَّامُ الفاحشُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الذَّرِبُ اللِّسَان الفَاحِشُ الشتَّامُ البَذِيءُ الَّذِي لَا يُبالي مَا قَالَ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: التَّذْرِيبُ حَمْلُ الْمَرْأَة ولدَها الصغيرَ حَتَّى يَقْضِيَ حاجتَه، وَيُقَال: ألقَى بَينهم الذَّرَبُ وَهُوَ الاخْتِلافُ والشرُّ وَرَمَاهُمْ بالذربين مثله.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الذَّرَبَيَّا على مِثال فَعَلَيَّا الداهية.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
رَمَانِيَ بالآفات مِن كلِّ جَانِبٍ
وبالذَّرَبَيَّا مُرْدُ فِهْرٍ وشِيبُها
وَقَالَ غَيره: الذَّرَبَيّا هُوَ الشرّ وَالِاخْتِلَاف.
بذر: قَالَ اللَّيْث: البَذرُ مَا عزِل للزَّرع ولِلزّراعة من الْحُبُوب كلّها، والجميع البُذُورُ، والبَذْرُ أَيْضا مَصدر بَذَرْتُ وَهُوَ على معنى قَوْلك نَثَرْتُ الحَبَّ، وَيُقَال لِلنَّسْل أَيْضا: البذْرُ، يُقَال: إِن هَؤُلَاءِ لَبَذْرُ سَوْءٍ.

(14/307)


قَالَ: والبَذِيرُ من النَّاس الَّذِي لَا يَسْتَطِيع أَن يُمْسك سِرَّ نَفْسِه.
يُقَال: رجل بَذِيرٌ وبَذُورٌ، وَقوم بُذُرٌ، وَقد بَذُرَ بَذَارةً.
وَفِي الحَدِيث: (لَيْسوا بالمسَايِيح البُذُرِ) ، والتَّبْذِيرُ إِفْسَاد المَال وإنفاقُه فِي السَّرف؛ قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (الْإِسْرَاء: 26) .
وَقيل: التّبْذِيرُ إنْفَاقُ المَال فِي الْمعاصِي، وَقيل: هُوَ أَن يَبْسُطَ يَده فِي إِنْفَاقه حَتَّى لَا يُبْقِي مِنْهُ مَا يَقْتَاتُه؛ واعتباره بقوله عزّ وجلّ: {وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُوراً} (الْإِسْرَاء: 29) .
وَيُقَال طعامٌ كثيرُ البُذَارَةِ أَي كثيرُ النَّزَلِ وَهُوَ طعامٌ بَذِرٌ أَي نَزَلٌ، وَقَالَ الشَّاعِر:
وَمِنَ العَطِيَّة مَا ترى
جَذْمَاءَ لَيْسَ لَها بُذَارَة
عَمْرو عَن أَبِيه: البَيْذَرَةُ والتّبْذِيرُ والنَّبْذَرة بالنونِ والبَاءُ تفريقُ المَال فِي غير حَقِّه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: تَبَذَّر الماءُ إِذا تَغَيَّر واصْفَرَّ، وَأنْشد لِابْنِ مُقْبِلٍ:
قَلْباً مُبَلِّيَةً جوائِزَ عَرْشِها
تَنْفِي الدِّلاء بآجِنٍ مُتَبَذِّرِ
قَالَ: المتَبَذرُ المتَغَيِّر الأصفرُ؛ وبَذَّرُ اسْم ماءٍ بِعَيْنِه، ومثلُه خَضَّمُ وعَثَّرُ، ويَقَّمُ شَجَرَة، وَلَيْسَ لَهَا نَظَائِر.
ربذ: قَالَ اللَّيْث: الرَّبَذُ خِفَّةُ القَوائم فِي المشْي، وخِفّة الْأَصَابِع فِي العَمل تَقول: إِنَّه لرَبِذٌ.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: الرَّبَذُ العُهون الَّتِي تُعَلَّقُ فِي أَعْنَاق الْإِبِل واحدتها رَبَذَةٌ.
وثعلب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الرَّبَذَةُ والوَفِيعَةُ صوفٌ يُطْلَى بِهِ الجِرْبَى.
قَالَ: والرَّبَذَةُ والثُّمْلَةُ والْوَقِيعَةُ صِمَام القَارُورة.
أَبُو عَبدة عَن الْكسَائي يُقَال للخرقة الَّتِي تُهنَأَ بهَا الجربى: الرَّبَذَةُ.
قَالَ اللَّيْث: الرَّبَذَةُ الَّتِي تُلْقيها الْحَائِض.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: سَأَلت ابْن الْأَعرَابِي عَن الرَّبَذَةِ اسْم الْقرْيَة؟ فَقَالَ: الرِّبْذَةُ الشِّدةُ والشَّرُّ الَّذِي يَقَعُ بَين الْقَوْم، يُقَال: كُنَّا فِي رِبْذَةٍ مَا تجلَّت عنَّا.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الرَّبَاذِيةُ الشرُّ الَّذِي يَقع بَين الْقَوْم، وَأنْشد لزياد الطماحي قَالَ:
وكانَتْ بَين آل أبي زِيَاد
زَبَاذِيَةٌ وأطفأَها زِيادُ
أَبُو سعيد: لِثَةٌ رَبِذَةٌ قليلةُ اللَّحْم وَأنْشد قَول الأعْشى:
تَخَلْهُ فِلَسْطِيَّا إِذا ذُقْتَ طَعْمَه
على رَبِذَاتِ النِّيِّ خُمسٌ لِثَاتُها
قَالَ: النِّيِّ اللّحْمُ، وَقَالَ الْأَزْهَرِي:

(14/308)


وَرَوَاهُ الْمُنْذِرِيّ لنا عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: على ربذات النيّ من الربْذَة، وَهِي السوَاد، قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: النِّيِّ: الشَّحْم من نَوْف النَّاقة إِذا سَمِنتْ.
قَالَ: والنِّيءُ بِكسْرِ النُّون والهمز: اللَّحْم الَّذِي لم ينضج وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّبَذُ العُهون تُعَلَّق على النَّاقة، وَفرس رَبِذٌ أَي سريع، وأرْبَذَ الرجلُ إِذا اتَّخذَ السِّياط الرَّبَذِيَّة وَهِي مَعْرُوفَة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: سَوْط ذُو رُبَذٍ، وَهِي سيور عِنْد مُقَدّم جِلْد السَّوْط.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَذرَبَ الرجلُ إِذا فَصُح لِسانُه بعد حَصَرٍ ولَحْنٍ، وأَذْرَبَ الرجلُ إِذا فَسدَ عَلَيْهِ عَيشُه.
(ذ ر م)
رذم، ذمر، مذر، مرذ.
رذم: قَالَ اللَّيْث: قصْعةٌ رَذَومٌ وَهِي الَّتِي قد امتلأتْ حَتَّى إِن جَوانبها لتَنْدَى وتَصبَّبُ والفعْل رَذَمتْ ترْذَمُ، وقلّما يسْتَعْمل إِلَّا يفعل مجاوز نَحْو أَرْذَمتْ.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الرَّذُومُ القَطُورُ من الدَّسم وَقد رَذَم يَرْذِمُ إِذا سَالَ.
وَأنْشد:
وعَاذِلةٍ هبَّتْ بليلٍ تلومُني
وَفِي يَدهَا كِسْرٌ أَبَجُّ رَذُومُ
قَالَ: والأبَجُّ العَظيمُ الممْتَلىءِ مِن المُخِّ.
قَالَ: والجَفْنةُ إِذا مُلِئت شَحْماً ولَحْماً فَهِيَ جَفنةٌ رَذَومٌ، وجِفانٌ رُذُمٌ، قَالَ: وَيُقَال صَار بعد الخزِّ والوَشيِ فِي رُدَمٍ وَهِي الخُلْقان الدَّال غير مُعْجمَة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الرُّذُمِ الجِفان الملأَى والرُّذُمُ الأعضاءُ الممِخَّةُ.
وَأنْشد غَيره:
لَا يمْلَأ الدّلْوَ صُباباتُ الوَذَمْ
الإسِجالٌ رَذَمٌ على رَذَمْ
قَالَ اللَّيْث: الرّذَمُ هَهُنَا الامتلاء، والرّذْم الِاسْم والرّذْمُ الْمصدر.
مرذ: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: مَرثَ فلانٌ الْخبز فِي المَاء، ومرذَه إِذا ماثَه، رَوَاهُ لنا الْإِيَادِي، مَرُذه بِالذَّالِ مَعَ الثَّاء وَغَيره يَقُول: مرَده بالدَّال.
ويروى بَيت النَّابِغَة:
فلمّا أَبى أَنْ يَنْقُصَ القوْدُ لَحْمه
نَزَعْنا الْمَزِيد والمدِيدَ ليَضْمُرَا
وَيُقَال: امْرُذْ الثَّرِيدَ فَتَفُتَّه ثمَّ تَصُبُّ عَلَيْهِ اللَّبن ثمَّ تَمَيتُهُ وتحسّاه.
ذمر: أَبُو عبيد عَن الْفراء: رجل ذَمِرٌ وذِمْرٌ وذَمِيرٌ وذِمِرٌّ: وَهُوَ المُنْكَرُ الشديدُ.
قَالَ غَيره: الذَّمْرُ اللُّؤْم والحَضُّ مَعًا، والقائدُ يَذمُر أصحابَه إِذا لامَهم وأسمَعهم

(14/309)


مَا كَرهُوا، ليَكُون أجَدَّ لَهُم فِي الْقِتَال، والتَّذَمُّر من ذَلِك اشْتِقَاقه، وَهُوَ أَن يفعل الرجل فعلا لَا يُبالغ فِي نكايةِ العدُوِّ، فَهُوَ يتذمَّر أَي يَلُومُ نفسهُ ويُعاتبها، لكَي يَجِدَّ فِي الْأَمر، والقومُ يَتذامرُون فِي الْحَرْب أَي يحُضُّ بعضُهم بَعْضًا على الجِدّ فِي الْقِتَال، وَمِنْه قَول عنترة:
يتذَامَرُون كرَرْتُ غير مُذَمَّمِ
والذِّمار، ذِمار الرجل، وَهُوَ كل شَيْء يلزمُه حِمايتُه، والدفعُ عَنهُ وَإِن ضيّعه لزمَه اللَّومُ.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: الذِّمْر الرجلُ الشجاعُ من قوم أَذْمارٍ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الذِّمار الحرَم والأهل، والذِّمارُ الحَوْزةُ، والذِّمار الحَشم، والذِّمارُ الأرَبُ، وَيُوضَع التَّذمُّرُ موضعَ الحَفيظة للذِّمار، إِذا اسْتُبِيحَ.
وَقَالَ ابْن مَسْعُود: انتَهيْتُ يَوْم بدرٍ إِلَى أبي جهْل، وَهُوَ صَرِيعٌ فوضعْتُ رجْلي على مُذَمَّره فَقَالَ لي: يَا رُوَيْعيَ الْغنم لقد ارْتَقَيتَ مُرْتقًى صعباً، قَالَ: فاحتزرْتُ رأسَه.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: المُذمَّرُ هُوَ الكاهِلُ والعُنُق وَمَا حوله إِلَى الذِّفْرَى، وَمِنْه قيل للرجل الَّذِي يُدخلُ يدَه فِي حَيَاء الناقةِ لينظرَ أذكَرٌ جنينُها أم أُنْثَى: مُذَمِّرٌ لِأَنَّهُ يضع يدَه ذَلِك الْموضع فيعْرفُه.
قَالَ الْكُمَيْت:
وَقَالَ المُذمِّر للنّاتجيْنِ
مَتَى ذمِّرتْ قَبْليَ الأرجُلُ
يَقُول: إِن التّذميرَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَعْنَاق لَا فِي الأرجل.
وَقَالَ ذُو الرمّة:
حرَاجيجُ قودٌ ذُمِّرتْ فِي نَتاجِها
بناحيةِ الشِّحْرِ الغُرَيرِ وشَدْقَمِ
يَعْنِي أَنَّهَا من إبل هَؤُلَاءِ فهم يُذَمِّرونها.
مذر: قَالَ اللَّيْث: مَذَرَتْ البيْضةُ مَذَراً إِذا غَرْقلَتْ وَقد أمْذرتْها الدَّجاجةُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: إِذا مذرَتْ البيضةُ فَهِيَ الثّعِطةُ.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّمذُّر خُبث النَّفْس.
وَأنْشد:
فتَمَذرَتْ نَفْسِي لذاك وَلَم أَزلْ
مَذِلاً نهارِي كلَّه حَتَّى الأُصُلْ
وَقَالَ شمر: قَالَ شيخٌ من بني ضبّة: المُمْذِقِرُّ من اللَّبن الَّذِي يَمُسُّه الماءُ فَيَتَمَذَّرُ.
قَالَ: فَكيف يَتمَذَّر؟
قَالَ: يُمذرُهُ الماءُ فيتفرَّق.
قَالَ: وَيتَمذَّر: يتفرَّق، وَمِنْه قَوْلهم: تفَرقُوا شذَرَ ومذر.

(14/310)


(أَبْوَاب) الذَّال وَاللَّام)
(ذ ل ن)
نذل: قَالَ اللَّيْث: النَّذيلُ والنَّذْلُ من الرِّجَال الَّذِي تزْدَريه فِي خِلقتِه وعقله، وهُم الأنذالُ، وَقد نَذُلَ نَذَالةً.
ذ ل ف
ذلف، فلذ.
فلذ: فِي الحَدِيث: وتُلْقِي الأرضُ أَفْلاذَ كَبِدها.
قَالَ الْأَصْمَعِي: الأفلاذُ جمعُ الفِلْذةِ، وَهِي الْقطعَة من اللَّحْم تُقطعُ طولا، وضربَ أفلاذَ الكَبِد مَثَلاً للكنوز المدفونة تَحت الأَرْض، وَقد تُجْمَعُ الفِلْذةُ فِلَذاً، وَمِنْه قيل للأعشى:
تكفيه حُرَّةُ فِلْذٍ إِن أَلمَّ بهَا
وَيُقَال: فَلَذْتُ اللَّحْم تفليذاً إِذا قطّعته؛ وَفَلَذتُ لَهُ فِلْذةً من المَال أَي قطعت، وافْتَلذتُ لَهُ فِلْذة من المَال أَي اقتطعته.
قَالَ ابْن السّكيت: الفِلْذ لَا يكون إِلَّا للبعير، وَهو قطعةٌ من كبده، يُقَال: فِلْذَةٌ واحدةٌ ثمَّ يجمع فِلَذاً وأفلاذاً وَهِي الْقطع المقْطُوعة.
وَقَوله: تُلْقِي الأرضُ أَفْلاذَ أَكْبَادِها.
وَفِي بعض الحَدِيث: وتَقِيءُ الأرضُ أَفْلاذَ كَبِدِها، أَي تخْرِجُ الكنوزَ المدفونة فِيهَا، وَهُوَ مِثل قَوْله تَعَالَى: {زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} (الزلزلة: 2) .
وسَمَّى مَا فِي الأَرْض كَبِداً تَشْبِيها بالكبد الَّذِي فِي بَطْن البَعير، وقَيْءُ الأَرْض إخراجُها إيَّاها، وخَصَّ الكَبِد لِأَنَّهُ من أَطايِبِ الجذور، وافتَلَذْتُ مِنْهُ قِطْعَة من المَال افتِلاذاً إِذا اقْتَطَعْتَه.
وَأما الفُولاذُ من الْحَدِيد فَهُوَ مُعَرَّب وَهُوَ مُصاصُ الْحَدِيد الْمُنَقَّى خَبَثُه، وَكَذَلِكَ الفَالُوذُ الَّذِي يُؤْكَل يُسَوَّى من لُبِّ الحِنطة وَهُوَ مُعَرَّبٌ أَيْضا.
ذلف: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الذَّلَفُ اسْتِواءُ قَصَبَةِ الْأنف فِي غير نُتُوءٍ، وقِصَرٌ فِي الأرْنبة، قَالَ: وَأما الفَطَسُ فَهُوَ لُصُوقُ القَصَبَة بِالْوَجْهِ مَعَ ضِخَم الأَرْنَبَة.
وَقَالَ أَبو النَّجْم:
لِلَّثْمِ عِنْدِيَ بَهْجَةٌ ومَزِيَّةٌ
وأُحِبُّ بعضَ مَلاحةِ الذَّلفَاءِ
ذ ل ب
بذل، ذبل.
(ذبل) : يُقَال: ذَبَل الغُصنُ يَذْبُل ذُبولاً فَهُوَ ذَابل.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الذَّبْلُ ظَهْرُ السُّلَحْفَاةِ البَحْرِيَّة يَجْعَل مِنْهُ الأمشاط.
وَقَالَ غَيره: يُسَوَّى مِنْهُ المَسَكُ أَيْضا:
قَالَ جرير يصف امْرَأَة راعية:
تَرَى العَبَسَ الحَوْلِيَّ جَوْناً بِكُوعِها

(14/311)


لَهَا مَسَكاً من غيرِ عاجٍ وَلَا ذَبْل
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الذَّبْلُ القُرونُ يُسَوَّى مِنْهُ المَسَك.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: يُقَال: ذِبْلٌ ذابلٌ وَهُوَ الهوان والخِزْيُ.
وَقَالَ شمر: رَوَاهُ أَصْحَاب أبي عبيد: ذِبْلٌ بِالذَّالِ، وَغَيره يَقُول: دِبْلٌ دابِلٌ بالدَّال.
وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي يَقُول: ذِبْلٌ ذبِيلٌ أَي ثُكْلٌ ثاكِلٌ، وَمِنْه سُمِّيَت المرأةُ ذِبْلَةً، قَالَ وَيُقَال: ذَبَلَتْهُمْ ذُبَيْلَةٌ، أَي هَلكوا.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وروى أَبُو عُمر عَن أبي الْعَبَّاس قَالَ: الذُّبَال النَّقَاباتُ وَكَذَلِكَ الدُّبال بِالدَّال والنَّقَاباتُ قُروح تخرج بالجنْب فتنقب إِلَى الْجوف. قَالَ: وذَبَلَتْهُ ذبولٌ وَدَبَلَتْهُ دُبُولٌ، قَالَ: والذِّبْل الثُّكْلُ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: فهما لُغَتان؛ ويَذْبُلُ اسْم جَبَلٍ بِعَيْنِه، وَيُقَال: ذَبُلَ فُوهُ يَذْبُل ذُبولاً، وذَبَّ ذُبُوباً إِذا جَفَّ ويَبِسَ ريقُه.
وَيُقَال للفتيلة الَّتِي يُصْبَحُ بهَا السِّراج: ذُبالةٌ وذُبَّالةٌ وجمعهُ ذُبالٌ وذُبَّالٌ.
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
كمِصْباحِ زَيْتٍ فِي قنادِيل ذُبَّالِ
وَهُوَ الذُّبَال الَّذِي يُوضَع فِي مِشْكاةِ الزُّجاجة الَّتِي تُسْرَجُ بهَا.
بذل: قَالَ اللَّيْث: البَذْلُ ضِدُّ المنْعِ، وكل من طابتْ نفسُه بإعطاءِ شيءٍ فَهُوَ باذلٌ، والبِذْلَةُ من الثِّياب مَا يُلْبَسُ فَلَا يُصان، ورجلٌ مُتَبَذِّل إِذا كَانَ يَلي العملَ بِنَفْسه، يُقَال: تَبَذل فِي عملِ كَذَا، وَقد ابْتَذَل نفسَه فِيمَا تولاَّه من عمله، ورجلٌ بذَّال، وبَذُول إِذا كَثُر بَذْلُه لِلْمَالِ، وفلانٌ صَدْقُ المُبْتَذَل، إِذا وُجِد صُلْباً عِنْد ابتِذالِه نَفْسَه، ومِبْذلُ الرجُل مِيدَعته، ومِعْوَزُه الثَّوْب الَّذِي يَبْتَذِلُه ويلبَسه.
وَيُقَال: استبذلْتُ فلَانا شَيْئا إِذا سألتَه أَن يَبْذُلَه لكَ فَبذَله. وفرسٌ ذُو صوْنٍ وابتِذَالٍ، إِذا كَانَ لَهُ حُضْرٌ قد صانه لوقتِ الْحَاجة إِلَيْهِ، وعَدْوٌ دونَه قد ابتَذلهُ.
ذ ل م
ذلم، ملذ، مذل، لذم، لمذ، ذمل.
ذمل: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الذَّميلُ: اللَّيِّن من السَّيْر وَقد ذمَلَتْ الناقةُ تَذمِلُ ذمِيلاً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الذَّمِيلةُ المُعْيِيَةُ وَجمع الذامِلة من النوق الذوَامِلُ.
وَقَالَ أَبُو طَالب:
تَخُبُّ إِلَيْهِ اليَعْمَلاتُ الذوامِلُ
لذم: قَالَ اللَّيْث: اللَّذِمُ المُولَع بالشيءِ، وَقَالَ لَذِمَ بِهِ لَذَماً وَأنشد:
ثَبْتَ اللِّقاء فِي الحروب مِلْذَمَا

(14/312)


أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: لَذِمْتُ بِهِ لَذَماً، وضَرِيتُ بِهِ ضَرًى إِذا لَهِجْتَ بِهِ، وَأَلْزَمْتُ فلَانا بفلان إلْزاماً إِذا ألْهَجْتَه بِهِ، وَقَالَ غيرُه: أَلذِمْ لِفلانٍ كرامتَك أَي أَدِمْها لَهُ، واللُّزَمَةُ اللازِمُ للشيءِ لَا يُفارقُه.
ابْن السّكيت عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال للأرنب: حُذمَةٌ لُذَمَةٌ تَسْبِقُ الجمعَ بالأكمة، وَقَوله لُزمةٌ أَي لازِمةٌ للعَدْو وحُذمَةٌ إِذا عدت أَسْرَعَتْ.
مذل: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: المِذالُ من النِّفاق ورُوِي المِذَاء بالمدّ.
قَالَ أَبُو عبيد: المِذالُ أَصله أَن يَمْذُل الرجل بِسرِه أَي يَقْلَق، وَفِيه لُغتان مَذِل يَمْذَل ومَذَل يَمْذُل، وكُلُّ مَن قَلِق بِسِرِّه حَتَّى يُذيعه، أَو بِمَضْجَعِه حَتَّى يَتَحوَّل عَنهُ، أَو بِمَالِه حَتَّى يُنفِقَه فقد مَذلَ بِهِ.
وَقَالَ الْأسود بن يَعْفُر:
وَلَقَد أَرُوحُ عَلَى التِّجارِ مُرَجَّلاً
مَذِلاً بِمَالي لَيِّناً أَجْيادِي
وَقَالَ الرَّاعِي:
مَا بالُ دَفِّكَ بالفِراشِ مَذيلاً
أَقَذًى بِعَيْنِكَ أَمْ أَرَدْتَ رَحِيلاَ
وَقَالَ قيس بن الخطيم:
فَلا تَمذُلْ بِسرِّك كلُّ سِرِّ
إِذا مَا جَاوَزَ الِاثْنَيْنِ فَاشى
قَالَ الْأَزْهَرِي: والمِذالُ أَنْ يَقْلَق بِفراشه الَّذِي يُضاجِع عَلَيْهِ امرأتَه ويتحول عَنهُ حَتَّى يَفْترِشَها غيرُه، وَأما المذاء بِالْمدِّ فَإِنِّي قد فسرته فِي مَوْضِعه.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: المِمْذَلُ: الْكثير خَدَرِ الرِّجْل، والمِمْذلُ القَوَّادُ على أَهله، والمِمذلُ الَّذِي يَقْلَقُ بسرّه، وَيُقَال: مَذَلتْ رِجْلي تَمْذُلُ مَذْلاً، إِذا خَدِرَتْ وامْذَالتْ امْذِلالاً.
وَأنْشد أَبُو زيد فِي مَذَلَتْ رِجلُه إِذا خَدِرت:
وَإِن مَذَلَتْ رِجْلي دَعَوْتكِ أَشْتَفِي
بدعواكِ من مَذْلٍ بهَا فَتَهُونُ
وَقَالَ الْكسَائي: مَذِلْتُ من كلامك ومَضِضْتُ بِمَعْنى وَاحِد.
ملذ: قَالَ اللَّيْث: مَلَذَ فلانٌ يَمْلُذ مَلْذاً، وَهُوَ أَن يُرضِيَ صاحبَه بِكَلَام لَطيفٍ ويُسْمِعه مَا يَسُرُّه، ولَيْسَ مَعَ ذَلِك فِعْلٌ، وَرجل ملاَّذٌ ومَلَذَانٌ وَأنْشد فَقَالَ:
جِئتُ فَسلَّمتُ على مُعاذِ
تَسْلِيمَ ملاَّذٍ عَلَى ملاَّذِ
قَالَ الْأَزْهَرِي: والمَلْثُ والمَلْذُ وَاحِد، وَقَالَ الراجز وأنشده ابْن الْأَعرَابِي:
إِنِّي إِذا عَنَّ مِعَنٌّ مِتْيَحُ
ذُو نَخْوةٍ أَو جَدِلٍ بَلَنْدَحُ
أَوْ كَيْذُبانٌ مَلَذَانٌ مِمْسَحُ
والمِمْسَح الْكذَّاب.

(14/313)


ذلم: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الذَّلَمُ مَغِيضُ مَصَبِّ الْوَادي، واللُّذومُ لُزومُ الْخَيْر أَو الشَّرّ.

(أَبْوَاب) الذَّال وَالنُّون)
(ذ ن ف)
نفذ، فنذ.
نفذ: قَالَ اللَّيْث: نَفَذَ السهمُ من الرَّميَّة يَنفُذ نَفَاذاً، ورمَيْتُه فأَنْفذتُه، وَرجل نَافِذ فِي أَمْرِه وَهُوَ الْمَاضِي فِيهِ، وَقد نَفذ يَنْفُذ نَفَاذاً قَالَ: وَأما النَّفَذ فَإِنَّهُ يسْتَعْمل فِي مَوضِع إِنْفَاذ الْأَمر.
يُقَال: قَالَ الْمُسلمُونَ بِنَفَذ الْكتاب، أَي بإنْفاذ مَا فِيهِ.
وَقَالَ قيس بن الْحطيم فِي شعره:
طَعَنْتُ ابنَ عَبْدِ القَيْسِ طَعْنَة ثائِرٍ
لَهَا نَفَذٌ لَوْلَا الشُّعاعُ أضاءها
أَرَادَ بالنَفَذ: المنفَذ.
يَقُول: نفذت الطعنة: أَي جَاوَزت الْجَانِب الآخر حَتَّى يُضيء نفذُها خَرْقَها وَلَوْلَا انتشارُ الدمِ الفائرِ لأبْصَرَ طاعِنُها مَا ورَاءها، أَرَادَ أَن لَهَا نَفَذاً أضاءها لَوْلَا شُعاع دَمهَا، ونَفَذُها: نُفُوذُها إِلَى الْجَانِب الآخر.
قَالَ اللَّيْث: النَّفاذ: الجَواز والخُلوص من الشَّيْء، تَقول: نفذتُ، أَي جُزتُ.
قَالَ: والطريقُ النافِذ الَّذِي يُسْلك وَلَيْسَ بمَسْدُودٍ بَيْنَ خَاصَّةٍ، دُون سُلُوكِ العامَّةِ إيَّاه.
وَيُقَال: هَذَا الطريقُ يَنفذُ إِلَى مَكَان كَذَا وَكَذَا، وَفِيه مَنْفَذٌ للْقَوْم، أَي مَجازٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: من دَوائر الفَرَسِ دائرةٌ نافِذةٌ وَذَلِكَ إِذا كَانَت الهَقْعَةُ فِي الشِّقَّيْن جَمِيعًا، وَإِذا كانتْ فِي شِقَ وَاحِد فَهِيَ هَقْعَةٌ.
وَفِي الحَدِيث: (أيُّما رجل أَشَادَ على رجلٍ مُسلمٍ بِمَا هُوَ بريءٌ مِنْهُ كَانَ حَقًا على الله أَن يُعذبَه، أَو يأتيَ بِنَفَذٍ مَا) قَالَ أَي بالمخرج مِنْهُ، يُقَال: ائْتِنِي بِنَفذِ مَا قلتَ: أَي بالمَخرَج مِنْهُ.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: إِنَّكُم مَجمُوعُون فِي صَعيدٍ وَاحِد يَنفُذكم البَصَرُ.
قَالَ الْأَصْمَعِي: سمِعْتُ ابنَ عوفٍ يَقُول: يَنفُذهم.
يُقَال مِنْهُ: أنفَذتُ القومَ إِذا خَرَقْتَهم ومشيتَ فِي وَسطهمْ، فَإِن جُزْتَهم حَتَّى تَخْلُفَهم، قُلتَ: نَفَذتُهم أَنفُذهم.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الْمَعْنى أَنه يَنْفُذهم بصرُ الرحمان، حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهِم كلّهم.
وَقَالَ الْكسَائي يُقَال: نَفَذَنِي بصرُه يَنفُذني إِذا بَلَغَنِي وجاوَزني.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال للخُصُوم إِذا تَرافَعُوا إِلَى الْحَاكِم: قد تَنَافَذُوا إِلَيْهِ بالذَّال، أَي خَلَصوا إِلَيْهِ، فَإِذا أَدْلَى كلُّ وَاحِد مِنْهُم

(14/314)


بحُجَّته قيل: قد تَنَافَدُوا بِالدَّال أَي أَنْفَدُوا حجتهم.
وَالْعرب تَقول: سِرْ عَنْكَ وأَنْفِذْ عَنْك وَلَا معنى لِعَنْك.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: قَالَ أَبُو المكارم: النَّوافِذُ كلُّ سَمَ يُوصِل إِلَى النْفس فَرَحاً أَو تَرَحاً، قلت لَهُ: سمِّها؟ فَقَالَ: الأصْرَانِ والخِنَّابَتَانِ والفَمُ والطِّبِّيجة، قَالَ: والأصْرَان ثَقْبا الأُذُنَيْن والخِنَّابَتَانِ سَمَّا الأنْف.
(فنذ) : الفَانِيذُ الَّذِي يُؤْكَل وَهُوَ حُلْوٌ، مُعرب.
(ذ ن ب)
بذن، ذَنْب، ذبن، نبذ: مستعملة.
بذن: قَالَ ابْن شُمَيْل فِي الْمنطق: بَأْذَنَ فلانٌ من الشَّرّ بَأْذَنَةً، وَهِي المُبَأْذَنَةُ مَصدر.
وَمثله قَوْله: أنائلاً تُريد أم مُعَتْرَسةً يُرِيد بالمعَتْرسةِ الفِعْلَ، مثل المُجاهدة تقوم مقَام الِاسْم.
ذبن: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الذُّبْنَةُ ذبول الشفتين من العَطَشِ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: النُّون مُبْدَلةٌ من اللَّام أَصْلهَا الذُّبْلَة.
ذَنْب: قَالَ اللَّيْث: الذَّنْبُ الإثْمُ والمَعْصِيةُ والجميع الذُّنوب، والذَّنَب مَعْرُوف وَجمعه أَذْناب، وَيُقَال للمسيل مَا بَين التَّلْعَتَيْنِ: ذَنَبُ التَّلْعة، والذَّانِبُ التَّابِعُ للشَّيْء على أَثَرِهِ، يُقَال: هُوَ يَذْنِبُهُ أَي يتبعُه، والمَسْتَذنِب الَّذِي يَتْلُو الذنَبَ لَا يفارقُ أثرَه، وَأنْشد فَقَالَ:
مثل الأجيرِ اسْتَذنَبَ الرَّواحِلاَ
قَالَ الْأَزْهَرِي: وذَنَبُ الرَّجُلِ أتْباعُه، وأذنابُ الْقَوْم أتباعُ الرُّؤساء.
يُقَال: جَاءَ فلَان بِذَنبه أَي بأتباعه.
وَقَالَ الحطيئةُ يمدح قوما فَقَالَ:
قومٌ هم الأنفُ والأذنابُ غيرُهم
وَمن يُسوِّي بأنفِ الناقةِ الذنَبَا
وَهَؤُلَاء قوم من بني سعدِ بن زيدِ مناةَ، يُعرفون ببني أنفَ النَّاقة لقَوْل الحطيئة هَذَا، وهم يَفْتَخِرون بِهِ إِلَى الْيَوْم.
وَرُوِيَ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أَنه ذكر فِتنة فَقَالَ: إِذا كَانَ ضَرَبَ يَعْسُوبُ الدِّين بِذَنْبه فتجتمع النَّاس إِلَيْهِ، أَرَادَ أَنه يَضْرِبُ فِي الأَرْض مُسرعاً بأتباعه الَّذين يَرَون رأيَه وَلم يُعرِّج على الْفِتْنَة، والذَّنُوب فِي كَلَام الْعَرَب على وُجُوه، من ذَلِك قَول الله جلّ وعزّ: {الْمَتِينُ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} (الذاريات: 59) .
روى سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ: الذَّنُوبُ من كَلَام الْعَرَب الدَّلْو العظيمةُ، وَلَكِن الْعَرَب تَذْهب بِهِ إِلَى النَّصيب والْحَظِّ، وَبِذَلِك جَاءَ فِي التَّفْسِير فَإِن الَّذين ظلمُوا،

(14/315)


أَي أشركوا حَظَّا من الْعَذَاب كَمَا نزل بالذين من قبلهم، وَأنْشد الْفراء:
لَهَا ذَنوبٌ وَلكم ذَنوبُ
فإنْ أَبَيْتُم فلنا القَلِيبُ
قَالَ: والذَّنوبُ بِمَعْنى الدَّلْو يُذكَّر ويُؤنَّث.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الذَّنوب فِيهَا مَاء قريب من المَلْءِ.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الذَّنُوبُ لحم المَتْنِ.
وَقَالَ غَيره: الذَّنُوبُ الفرسُ الطَّوِيل الذَّنَبِ، والذَّنُوبُ موضعٌ بِعَيْنِه.
وَقَالَ عَبِيد بن الأبرص:
أَقْفَرَ من أَهْلِه مَلْحُوبُ
فالقُطَبِيَّاتُ فالذنُوبُ
سَلمَة عَن الْفراء يُقَال: ذنَب الْفرس وذُنَابَى الطَّائِر وذُنابةُ الْوَادي، ومِذَنبُ النَّهر، ومِذنبُ القِدْر، وَجَمِيع ذُنَابَة الْوَادي الذَّنائِب، كَأَن الذُّنابةَ جمع ذَنبِ الْوَادي، وذِنَابٌ وذِنابَةٌ مثل جَمَلٍ وجِمالٍ وجِمالَةٍ ثمَّ جِمالات جمعُ الْجمع.
قَالَ الله عزّ وجلّ: {كَأَنَّهُ جمالت صفر} (المرسلات: 33) وذَنَب كلِّ شَيْء آخِره وَجمعه ذِنَابٌ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
ونَأْخُذ بعده بِذِنَابِ عَيْشٍ
أَجَبَّ الظّهْر ليسَ لَهُ سَنام
وَقَالَ ابْن بزرج: قَالَ الْكلابِي فِي طلبه جَمله: اللَّهُمَّ لَا يهديني لذُنانته غَيْرك، قَالَ: وَيُقَال: مَن لَك بذنابِ لَوْ قَالَ الشَّاعِر:
فَمن يَهْدِي أَخا لِذِنَابِ لوٍ
فأَرْشُوهُ فإنَّ الله جارُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الذُّنابَى الذَّنَبُ وَأنْشد:
جَمُومُ الشَّدِّ شائِلَةُ الذُّنَابَى
والذنَبَانُ: نَبْتٌ مَعْرُوف الْوَاحِدَة ذنَبَانَةٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: وَبَعض الْعَرَب تسميه: ذَنَبَ الثَّعْلَب، قَالَ: والتَّذنيبُ لِلضِّبابِ والفَراشِ وَنَحْو ذَلِك، إِذا أرادتْ التَّعاظُلَ والسِّفادَ.
وَأنْشد:
مثل الضِّبَابِ إِذْ هَمّتْ بتذنيب
قَالَ الْأَزْهَرِي: إِنَّمَا يُقَال للضَّب مُذَنِّبٌ إِذا ضَرَبَ بِذَنبه مَن يريدُه من مُحترِشٍ أَو حَيَّةٍ، وَقد ذَنَّبَ تذنيباً، إِذا فعل ذَلِك، وضَبٌّ أذْنبُ طويلُ الذَّنب.
وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم:
لم يَبق مِن سُنّة الفَاروق نَعرِفه
إِلَّا الذُّنَيْبِي وَإِلَّا الدِّرةُ الخَلَقُ
قَالَ: الذُّنَيْبِيُّ ضَرْب مِن البُرود.
قَالَ: تَرَك ياءَ النِّسْبَة كَقَوْلِه:
مَتى كُنَّا لأمك مُقْنوِينا
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا بَدَت نُكتٌ من الإرطاب، فِي البُسْر من قِبَل ذِنبها قيل: قد ذَنَّبتْ فَهِيَ مُذَنِّبةٌ، والرُّطَبُ

(14/316)


التَّذْنوب.
سَلمَة عَن الْفراء: جَاءَنَا بتَذْنوبٍ، وَهِي لُغَة بني أَسد، والتميمي يَقُول: التَّذْنوب والواحدة تَذْنُوبةٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يَوْمٌ ذَنوبٌ طَوِيل الذَّنَب لَا يَنْقَضِي طولُ شَرِّه.
ابْن شُمَيْل: المِذْنَبُ كَهَيئَةِ الْجَدْوَل يَسيل عَن الرَّوْضَة مَاؤُهَا إِلَى غَيرهَا فَيَتَفَرَّق مَاؤُهَا فِيهَا، وَالَّتِي يسيل عَلَيْهَا المَاء مِذْنَبٌ أَيْضا؛ وأَذنابُ القلاع مآخيرها.
وَقَالَ اللَّيْث: المِذْنَبُ مَسيلُ ماءٍ بحضيض الأَرْض وَلَيْسَ بِجُدَ طويلٌ واسعٌ، فَإِذا كَانَ فِي سَفْح أَو سَند فَهُوَ تَلْعةٌ، ومَسيلُ مَا بَين التَّلْعتين ذَنَبُ التلْعة.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: المذَانِبُ المغَارِف وَاحِدهَا مِذْنبة. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
وسودٍ مِن الصيدان فِيهَا مَذانِب
أَبُو عبيد: فَرَس مُذانِبٌ، وَقد ذَانبتْ إِذا وَقع ولَدُها فِي القُحْقُح، ودنا خروجُ السِّقْي وارتفع عَجْبُ ذنبها، وعَلِق بِهِ فَلم يَحْدِروه.
وَالْعرب تَقول: ركب فلَان ذَنَبَ الرّيح إِذا سبق فَلم يُدْرَكْ، وَإِذا رَضِيَ بحظٍ ناقصٍ قيل: ركب ذَنَب الْبَعِير، واتَّبع ذَنَبَ أمرٍ مُدْبرٍ يَتَحَسَّر على مَا فَاتَهُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المُذَنَّبُ الذَّنَبُ الطَّوِيل، والمُذَنِّب الضَّب، والمِذْنبة والمِذْنَبِ المِغْرَفة، وأَذناب السوائل أسافل الأودية وَفِي الحَدِيث: لَا تمنع فلَانا ذَنَبَ تَلْعةٍ، إِذا وُصف بالذُّل والضَّعف والخِسَّة.
نبذ: قَالَ اللَّيْث: النّبْذُ: طرحُك الشيءَ من يدك أمامك أَو خَلفك، قَالَ: والمُنابذة انتباذ الْفَرِيقَيْنِ للحق، يَقُول: نابذناهم الْحَرْب ونَبذْنا إِلَيْهِم الْحَرْب على سَوَاء.
قَالَ الْأَزْهَرِي: المُنَابَذَة أَن تكون بَين فئتين، عهدٌ وهدنةٌ بعد الْقِتَال، ثمَّ أَرَادَا نقض ذَلِك الْعَهْد فينبذ كلُّ فريق مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه العهدَ الَّذِي توادَعا عَلَيْهِ، وَمِنْه قَول الله عزّ وجلّ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَآءٍ} (الْأَنْفَال: 58) الْمَعْنى: إِذا كَانَ بَيْنك وَبَين قوم هُدْنَةٌ فخِفتَ مِنْهُم نَقْضاً للْعهد، فَلَا تُبَادِرْ إِلَى النقْض وَالْقَتْل، حَتَّى تُلقِيَ إِلَيْهِم أَنَّك قد نقَضْتَ مَا بَيْنَك وَبينهمْ فَيَكُونُوا مَعَك فِي عِلْم النقْض والعَوْد إِلَى الْحَرْب مُستَوِين، وَيُقَال: جلس فلَان نَبْذَة ونُبذَة أَي نَاحيَة، وانتبذ فلَان نَاحيَة: إِذا انْتحى نَاحيَة، وَقَالَ الله عزّ جلّ فِي قصَّة مَرْيَم: {انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً} (مَرْيَم: 16) . وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عَن المُنابذة والمُلامسة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: المُنَابَذةُ: أَن يَقُول الرجل لصَاحبه: انْبِذْ إليَّ الثوبَ أَو غَيره من الْمَتَاع، أَو أَنْبذُه إليكَ، وَقد وَجَبَ البيعُ بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ وَيُقَال: إِنَّمَا

(14/317)


هِيَ أَن تَقول: إِذا نَبذتُ الْحَصَاة إِلَيْك فقد وَجَبَ البيعُ، وَمِمَّا يحقّقه الحَدِيث الآخر أَنه نهَى عَن بيع الْحَصَاة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المِنْبذَة الوِسادة، المنْبوذون هم أَوْلَاد الزِّنى الَّذين يُطرحون. قَالَ الْأَزْهَرِي: المنْبوذ الْوَلَد الَّذِي تَنْبِذُه والدتُه حِين تلده فَيلْتَقِطُه الرجل، أَو جمَاعَة من الْمُسلمين ويقومون بأَمْره ومؤونته ورَضاعه، وَسَوَاء حَملته أمه من نِكاح أَو سِفاح، وَلَا يجوز أَن يُقَال لَهُ: وَلَدُ زِنى لما أمْكن فِي نَسَبه من الثَّبَات، والنَّبيذ مَعْرُوف؛ وَإِنَّمَا سُمِّي نبيذاً لِأَن الَّذِي يَتخذه يَأْخُذ تَمرا أَو زبيباً فيَنبذه، أَي يُلْقيه فِي وِعاء أَو سِقاءٍ، ويَصُبُّ عَلَيْهِ المَاء ويتركه حَتَّى يفورَ ويَهْدِر فَيصير مُسكراً، والنَّبْذُ الطرحُ، وَمَا لم يَصِرْ مُسْكراً حَلَال فَإِذا أسكر فَهُوَ حرَام.
وَفِي الحَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَحِلُّ لامرأةٍ تُؤْمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تَحُدَّ على مَيِّت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوجٍ فَإِنَّهَا تَحُدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَة أشهر وعَشْراً، وَلَا تَكْتَحِل وَلَا تَلْبَس ثوبا مصبوغاً إِلَّا ثوب عَصْب وَلَا تَمَسُّ طيبا إِلَّا عِنْد أَدنَى طهرهَا، إِذا اغْتَسَلت من مَحيضها) .
نُبْذَة قُسْطٍ وأظْفارٍ، يَعْني قِطعةً مِنْهُ.
وَيُقَال للشاةِ المهزولة الَّتِي يُهملها أَهلهَا: نَبِيذةٌ؛ وَيُقَال: لما يُنْبَثُ من تُراب الحفْرة: نبيثَةٌ، ونبيذَة، وَجَمعهَا النبائِتُ والنبائذُ؛ وَيُقَال: فِي هَذَا العِذْق نَبْذٌ قليلٌ من الرُّطَب، ووَخْزٌ قَلِيل، وَهُوَ أَن يُرْطب مِنْهُ الخَطِيئة بعد الخَطِيئة.
وَفِي حَدِيث عديّ بن حَاتِم أَنه لما أتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر لَهُ بِمِنْبَذَةٍ، وَقَالَ: إِذا أَتَاكُم كريم قوم فأكرموه، والمنْبَذَة: الوسادة سميت مِنْبَذَةً لِأَنَّهَا تُنْبَذُ بِالْأَرْضِ أَي تطرح للجلوس عَلَيْهَا.
ذ ن م
مُنْذُ: قَالَ اللَّيْث: مُنْذُ، النُّون والذَّال فِيهَا أصلِيّتان، وَقيل: إِن بِناء مُنْذ مأخوذٌ من قَوْلك مِن إذْ، وَكَذَلِكَ مَعْنَاهَا من الزَّمَان إِذا قلت: مُنْذُ كَانَ، مَعْنَاهُ: مِن إذْ كَانَ ذَلِك، فَلَمَّا كَثُر فِي الْكَلَام طُرِحَت همزتُها، وجُعِلتا كلمة وَاحِدَة ورُفِعت على توهم الْغَايَة.
وَقَالَ غَيره: مُنْذُ ومُذْ من حُرُوف الْمعَانِي: فأَمَّا مُنْذُ فَإِن أكثرالعرب تخْفِضُ بِها مَا مضى وَمَا لم يمض وَهُوَ الْمجمع عَلَيْهِ، واجتمعوا على ضم الذَّال فِيهَا عِنْد السَّاكِن والمتحرك كَقَوْلِك: لم أره مُنْذُ يومٍ ومُنْذُ اليومِ؛ وَأما مُذْ فإِن الْعَرَب تخفِضُ بهَا مَا لم يمْضِ وترفَعُ مَا مضى قَالَ: ويسكنون الذَّال إِذا وَلِيَها مُتحرك ويضمونها إِذا وَلِيها سَاكن، يَقُولُونَ: لم أرَهُ مُذْ يَوْمَانِ وَلم أرَهُ مُذُ اليومِ، وَهَذَا

(14/318)


قَول أَكثر النَّحْوِيين. وَفِي مُنْذُ ومُذْ لُغَات شَاذَّة، تَتَكَلَّمُ بهَا الخطِيئَةُ من أَحيَاء الْعَرَب فَلَا يُعْبَأ بهَا فإِن جُمْهُور الْعَرَب على مَا بَينته لَك، وسُئِلَ بعض النَّحْوِيين: لم خَفَضُوا بِمُنْذُ، وَرفعُوا بِمُذْ؟ فَقَالَ: لِأَن مُنْذُ كَانَت فِي الأَصْل مِنْ إذْ كَانَ كَذَا وَكَذَا، فَكَثُر استعمالهم لَهَا فِي الْكَلَام، فحذِفَتْ الْهمزَة وضَمةُ الْمِيم، وخَفَضوا بهَا على عِلَّةِ الأَصْل؛ وَأما مُذْ فَلَمَّا حَذَفوا مِنْهَا النونَ ذَهَبتْ مِنها علامةُ الْآلَة الخافِضَة وضمُّوا الْمِيم فِيهَا، ليَكُون أمتن لَهَا، وَرفعُوا بهَا مَا مَضى مَعَ سُكون الذَّال، ليُفَرِّقوا بَين مَا مضى، وَبَين مَا لم يمضِ.
قَالَ الْفراء فِي مُذْ ومُنْذُ: هما مَبْنِيَّتان مِنْ مِنْ، ومِنْ ذُو، الَّتِي بِمَعْنى الَّذِي فِي لُغَة طيىء. فإِذا خُفِضَ بهما أجريتا مُجرى مِنْ، وَإِذا رُفِعَ بهما مَا بعدهمَا أُجْرِيتا مُجرى، إِضْمَار مَا كَانَ فِي الصِّلَة كَأَنَّهُ قَالَ: من الَّذِي هُوَ يَوْمَانِ؟ .
ذ ف ب ذ ف م: أهملت وجوهها كلهَا.

(بَاب الذَّال وَالْبَاء مَعَ الْمِيم)
ذ ب م
بذم: قَالَ اللَّيْث: البَذْمُ مصدر البَذِيمِ وَهُوَ العَاقِلُ الغَضَبِ من الرجل، يَعْلَم مَا يُغْضَبُ لَهُ، يُقَال: بَذُمَ بَذَامةً، وَأنْشد فَقَالَ:
كَريمُ عُروقِ النَّبْعَتَيْن مُطَهَّرٌ
ويَغْضَبُ مِمَّا فِيهِ ذُو البَذْم يَغْضَبُ
أَبُو عُبيد: البُذْمُ الاحتمالُ لِما حُمِّل.
وَقَالَ الْأمَوِي: البُذْم: النَّفْس.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عُبيدة وَأَبُو زيد: البُذْم: القُوَّةُ والطَّاقَةُ، وَأنْشد:
أَنُوءَ بِرِجلٍ بهَا بُذْمُها
وأَعْيَتْ بهَا أُخْتُها الآخِرَهْ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: البَذيمُ من الأفواه المتَغَيِّرُ الرَّائِحَة. وَأنْشد:
شَمِمْتُها بِشاربٍ بَذِيمِ
قد خَمَّ أَو قد هَمَّ بالخُمُومِ
وَقَالَ غَيره: أبْذَمت النَّاقة وأَبْلَمَتْ إِذا وَرِمَ حَياؤها من شِدَّةِ الضَّبَعَةِ، وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي بَكَرات الْإِبِل.
وَقَالَ الراجز:
إِذا سَما فَوْق جَمُوحٍ مِكْتامْ
من غَمْطِهِ الإِثْنَاء ذاتَ الإبْذَامْ
يَصِفُ فِيهَا فَحْل إبلٍ أُرسل فِيهَا، أرادَ أَنه يَحْتَقِرُ الإِثْنَاءَ ذاتِ البَلَمة فَيَعْلُو النَّاقة الَّتِي لَا تَشُول بِذَنَبِها وَهِي لاقِحٌ كأَنها تَكْتُم لَقاحها.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: البَذِيمةُ الَّذِي يَغْضَبُ فِي غير مَوضِع الْغَضَب. والبَزِيمَةُ الْمُرْسلَة مَعَ القِلادة.
انْتهى وَالله أعلم.

(14/319)