تهذيب اللغة

أَبْوَاب الثلاثي المعتل
ر ل (وايء)
ورل، رول.
ورل: قَالَ اللَّيث: الوَرَلُ: شيءٌ على خِلْقة الضَّبّ إِلَّا أنّه أعظم مِنْهُ، يكون فِي الرِّمَال والصَّحَارَى. وَالْجمع: الوِرْلاَن. وَالْعدَد: أَوْرَال.
قلت: الوَرَل، سَبِط الخَلْق طَوِيل الذَّنَب، كأنّ ذَنَبه ذَنَبُ حَيَّة. ورُبّ وَرَلٍ يُرْبي طُولُه على ذراعيْن.
وأمّا ذَنب الضَّب فَهُوَ ذُو عُقَد، وأَطْول مَا يكون قَدْر شِبْر.
والعَرَبُ تَسْتَخْبث الوَرَل وتَسْتَقْذره فَلَا تَأْكُله.
وَأما الضبّ فَإِنَّهُم يَحْرِصون على صَيْده وأَكله.
والضَّبّ أَحْرش الذَّنب خَشنه مُفَقّره، ولونه إِلَى الصُّحّمة، وَهِي غُبرة مُشْرَبة سواداً، وَإِذا سَمِن اصْفر صَدْرُه، وَلَا يَأْكُل إِلَّا الجنادب والدُّبّاء والعُشْب، وَلَا يَأْكل الهَوامَّ.
وَأما الوَرَل فَإِنَّهُ يَأْكُل العَقارب والحيَّات والحَرابِي والخَنَافس؛ ولحمه دِرْيَاقٌ؛ والنِّساء يَتَسَمَّن بلَحْمه.
رول: أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: رَوَّلْتُ الخُبْرَ بالسَّمنِ والوَدَك تَرْويلاً، إذَا دَلَكْتَه بِهِ.
قَالَ: ورَوَّل الفَرَسُ، إِذا أَدْلَى لِيَبُولَ.
شَمِر: التَّرْويل: أَن يَبُول بَوْلاً مُتَقَطِّعاً مُضطَرِباً.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: المرَوِّل: الَّذِي يَسترخي ذَكره؛ وأَنْشد:
لما رَأَتْ بُعَيْلها زِئجِيلاَ
طَفَنْشَلاً لَا يَمْنع الفَصِيلاَ
مُرَوِّلاً مِن دُونها تَرْويلاَ
قالتْ لَهُ مَقالةً تَرْسِيلاَ
لَيْتك كُنت حَيْضة تَمْصِيلاَ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الرَّواويل: أَسْنَان صِغارٌ تَنبُت فِي أصُول الْأَسْنَان الكِبَار حَتَّى يَسْقُطْن.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الرُّوَال والرَّوُول: لُعاب الدّوابِّ والصِّبيان؛ وَأنكر أَن يكون زِيَادَة فِي الْأَسْنَان.
وَقَالَ اللّيث: الرُّوَال: بُزاق الدابّة.
يُقال: هُوَ يُرَوِّل فِي مِخلاَته.
قَالَ: والرَّائل، والرَّائلة: سِنٌّ تَنبت للدابّة

(15/161)


تَمنعه من الشَّراب والقَضم؛ وأَنشد:
يَظَلّ يَكْسوها الرُّوَال الرَّائِلاَ
قلتُ: أَرَادَ ب (الرُّوال الرَّائلّ) : اللُّعاب القاطِر من فِيه.
هَكَذَا قَالَه أَبُو عَمرو.
والرَّأْلُ: فَرخُ النَّعَام. وَالْجمع: الرِّئال.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: المُرَوِّل، الرجُل الكَثِير الرُّوَال، وَهُوَ اللُّعَاب.
والمِرول: الناعِمُ الإدَام.
والمِروَل: الفَرس الكثِير التّحَصُّن.

(بَاب الرَّاء وَالنُّون)
ر ن (وايء)
ران، يرن، رنا، ورن، نَار، أرن.
رين رون: قَالَ الله عزّ وجلّ: {) الاَْوَّلِينَ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ} (المطففين: 14) .
قَالَ الفَرّاء: يَقُول: كَثُرت المَعاصي مِنْهُم والذُّنوب فأحاطت بقلُوبهم، فَذَلِك الرَّيْن عَلَيْهَا.
وَجَاء فِي الحَدِيث أنّ عُمر قَالَ فِي أُسَيفع جُهَينة لمّا رَكِبه الدّين: أصبح قد رِين بِهِ.
يَقُول: قد أحَاط بِمَالِه الدَّين؛ وأَنشد ابْن الْأَعرَابِي:
ضَحّيت حَتَّى أَظهَرتْ ورِين بِي
يَقُول: حَتَّى غُلِبت من الإِعْياء.
وَكَذَلِكَ غَلَبة الدَّين، وغَلبة الذُّنُوب.
ورُوي عَن أبي هُرَيرة أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئل عَن هَذِه الْآيَة: {) الاَْوَّلِينَ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ} (المطففين: 14) ، فَقَالَ: هُوَ العَبد يُذْنب الذَّنْب فتُنْكَت فِي قَلْبه نُكْتة سَوْداء، فَإِن تَابَ مِنْهَا صُقِل قَلْبُه وَإِن عَاد نُكِتت أُخْرى حَتَّى يَسْوَدّ القَلْبُ، فَذَلِك الرَّيْنُ.
وَقَالَ أَبُو مُعاذ النَّحوي: الرَّيْنُ: أَن يَسْوَدّ القَلْبُ من الذُّنوب. والطَّبْعُ: أَن يُطْبع على القَلب، وَهُوَ أشدّ من الرَّين، وَهُوَ الخَتْم.
قَالَ: والإقْفال أَشَدّ من الطَّبع، وَهُوَ أَن يُقْفل على القَلْب.
وَقَالَ الزّجّاج فِي قَوْله تَعَالَى: {الاَْوَّلِينَ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ} (المطففين: 14) يُقَال: ران على قَلْبه الذَّنْبُ يَرِن رَيْناً، إِذْ غُشِي على قلبه.
قَالَ: والرَّين، كالصَّدأ يَغْشَى القَلْب.
وَفِي حَدِيث عُمر أَنه قَالَ: إِلَّا أَن الأُسَيْفع أُسَيْفع جُهَيْنة رَضي مِن دِينه وأَمانته بِأَن يُقال: سَبَق الحاجّ فادَّان مُعْرضاً وأَصْبَح قد رِين بِهِ.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: رِين بالرَّجُل رَيْناً، إِذا وَقع فِيمَا لَا يَستطيع الخُروج مِنْهُ وَلَا قِبلَ لَهُ بِهِ.
قَالَ: وَقَالَ العتّابي، عَن ابْن الأعرابيّ: رِين بِهِ: انْقَطع بِهِ.

(15/162)


قَالَ أَبُو عُبيد: كل مَا غَلبك وعَلاك فقد ران بك، وران عَلَيْك، وأنْشد لأبي زُبَيْد:
ثُم لمّا رَآهُ رانَتْ بِهِ الخَمْ
رُ وَأَن لَا تَرِينَه باتِّقَاءِ
قَالَ: رانت بِهِ الْخمر، أَي غلبت على قلبه وعَقْله.
وَقَالَ: قَالَ الأمويّ: يُقال: أَران القومُ فهم مُرِينون، إِذا هَلكت مَوَاشِيهمْ وهُزِلت.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَهَذَا أَيْضا من الْأَمر الَّذِي أَتاهم ممّا يَغْلبهم فَلَا يَستطيعون احْتِماله.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّينة: الخَمرة. وجَمعها: رَيْنات. والرُّون: الشّدّة. وَجَمعهَا: رُوُون. والرَّين: سوادُ القَلْب. وَجمعه: رِيَان.
يرن: أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: اليُرَنَّأ، بِضَم الْيَاء وهمز الْألف والقَصر: الحِنّاء.
وَقَالَ غَيره: اليَرُون: ماءُ الفَحْل.
رنا: ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: الرَّنْوة: اللَّمْحة.
وَجَمعهَا: رَنَوات.
والرَّنَوْنَاة: الكأسُ الدَّائمة على الشُّرب.
وَجَمعهَا: رَنَوْنِيَات.
قَالَ: والرُّناء: الصَّوت.
وجَمُعه: أَرْنِيَة.
أَبُو عُبيد، عَن الأمويّ: الرُّناء: الصَّوت، مَمْدود.
وَقَالَ شَمِرٌ: سَأَلت الرِّياشِيّ عَن الرُّناء الصَّوْت، بِضَم الرَّاء، فَلم يَعْرفه، وَقَالَ: الرَّنَاء، بِالْفَتْح: الجَمال، عَن أبي زَيد.
وأَخبرني المنْذريّ أَنه سَأَلَ أَبَا الهَيْثم عَن الرُّنَاء، والرَّنَاء، بالمَعْنَيين اللَّذين حَكَاهَا شَمِر، فَلم يَعرف وَاحِدًا مِنْهُمَا.
قلت: والرُّناء: بِمَعْنى الصَّوْت، مَمْدُود، صَحِيح.
وَقَالَ مُبتكر الأَعرابيّ: حدّثني فلانٌ فَرَنَوْت إِلَى حَدِيثه، أَي لَهَوْت بِهِ.
وَقَالَ: أسأَل الله أَن يُرْنِيَكم إِلَى الطّاعة، أَي يُصَيِّركم إِلَيْهَا حَتَّى تَسكتُوا وتَدُوموا عَلَيْهَا.
وكأس رَنَوْناة: دائمة؛ وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
مَدَّت عَلَيْهَا المُلْكَ أَطْنابهَا
كأسٌ رَنَوْناةٌ وطِرْفُ طِمِرْ
أَرَادَ: مدت كأسٌ رَنَوْناةٌ عَلَيْهِ أَطْناب المُلك، فذَكر الْملك ثمَّ ذكر أَطنابه.
وَمثله قَوْله:
فوَرَدَتْ تَقتَدَ بَرْدَ مائِها
أَرَادَ: وَرَدَت بَرْدَ مَاء تَقْتَد.
ومثلُه قَول الله عزّ وجلّ: {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلَقَهُ} (السَّجْدَة: 7) .
أَي أَحْسَن خَلْق كُلِّ شَيءٍ. ويُسمَّى هَذَا البَدَل.

(15/163)


وأَخبرني المُنْذِريّ، عَن أبي العبّاس: أَنه أَخبره عَن ابْن الأعرابيّ، أَنه سَمِعه رَوى بَيت ابْن أَحْمر:
بَنَّت عَلَيْهِ المُلْكُ أَطْنَابَها
كأسٌ رَنَوْناةٌ وطِرْف طِمِرْ
أَي المُلْكُ هِيَ الكأسُ. وَرفع الْملك ب (بَنَّت) .
وَقَالَ اللّيث: فلَان رَنُوُّ فُلانة، إِذا كَانَ يُديم النَّظَر إِلَيْهَا.
وفلانٌ رَنُوّ الأمانيّ، أَي صَاحب أمانيّ يَتَوقّعها؛ وأَنشد:
يَا صاحِبيّ إنّني أَرْنوكما
لَا تَحْرماني إنّني أَرْجُوكما
قَالَ: ورَنا إِلَيْهَا يَرْنُو رُنُوّاً، ورَنَّى، مَقْصور، إِذا نظر إِلَيْهَا مُداومةً؛ وأَنْشد:
إِذا هن فَصَّلن الحَدِيث لأَهْله
وجَدَّ الرَّنَى فَصَّلْنَه بالتَّهَانُف
ابْن الْأَعرَابِي: تَرَنَّى فلانٌ: أدام النَّظر إِلَى مَن يُحِبّ.
أرن: ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: الأرْنة: الجُبن الرّطْب، وَجَمعهَا: أُرَن.
قَالَ: والأُرَانَى: الجُبْن الرَّطْب، وَجَمعهَا: أَرَانيّ. والإرَان: النّشاط، وَجمعه: أُرُن. والإرَان: الْجِنَازَة، وَجَمعهَا: أُرُن. والأَرون: السُّمُّ، وجَمعه: أُرُن.
وَقَالَ اللَّيْث: الأَرُون: دماغ الفِيل؛ وأَنْشد:
وأَنْت الغَيْثُ يَنْفع مَا يَليه
وأَنت السَّمُّ خالَطه الأَرُونُ
أَبُو عُبيد: الإرَان: خَشَبٌ يُشَدّ بَعْضُه إِلَى بَعض يُحمل فِيهِ المَوْتَى؛ وَقَالَ الأَعْشى:
أَثرَتْ فِي جَناجِنٍ كإرَان الْ
مَيْت عُولِين فَوْق عُوجٍ رِسَالِ
وَقيل: الإرَان: تابُوت المَوْتى.
قَالَ: وَقَالَ الفَرّاء: الأَرَن: النَّشَاط.
وَقد أَرِن يَأرَن أَرَناً.
وأَخبرني المُنذريّ، عَن ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: قَالَ أَبُو الجَرّاح: الأُرْنةُ: الجُبْن الرَّطْب.
ويُقال: حَبٌّ يُلْقى فِي اللَّبن فيَنْتَفخ، ويُسمَّى ذَلِك البَياض: أُرْنة، وأَنْشد:
هِدَانٌ كَشَحْم الأُرْنة المُتَرَجْرِجِ
قَالَ: والأُرَانى: حَبُّ بَقْل يُطْرح فِي اللَّبن فَيُجَبِّنه.
وَقَوله: هِدَانٌ: نَوَّامٌ لَا يُصَلِّي وَلَا يُبَكِّر لِحَاجَتِهِ؛ وَقد تَهَدَّن، ويُقال: هُوَ مَهْدُونٌ؛ قَالَ:
وَلم يُعَوَّد نَوْمَة المَهْدُون
ابْن السِّكِّيت: الأُرَانَى: جَناة ثَمر الضَّعة، نبت، فِي بَاب فُعَالَى.

(15/164)


أبُو عُبَيد، عَن الكسائيّ وَأبي زَيْد: يَوْمٌ أَرْوَنَانٌ، وَلَيْلَة أَرْونانَةٌ: شَدِيدة الحَرّ والغَمّ.
وأَخبرني الْإِيَادِي، عَن شَمِر، قَالَ: يومٌ أَرْوَنانٌ، إِذا كَانَ نَاعِمًا؛ وأَنشد فِيهِ بَيْتا للنابغة الجَعْدِيّ:
هَذَا ويَوْمٌ لنا قَصِيرٌ
جَمُّ المَلاَهي أَرْوَنَانُ
قَالَ: وَهَذَا من الأضداد، فَهَذَا الْبَيْت فِي الفَرح.
وَقَالَ الآخر:
فَظَلَّ لِنِسْوة النُّعْمَان منّا
عَلى سَفَوانَ يومٌ أَرْوَنَانُ
قَالَ: أَرَادَ: يَوْم أَرْونانيّ، بتَشْديد يَاء النِّسبة، فخفَّف يَاء النِّسْبَة، كَمَا قَالَ الآخر:
لم يَبْق من سُنّة الفارُوق تَعْرفه
إلاّ الدُّنَيْنِي وَإِلَّا الدِّرّة الخَلَقُ
وَكَانَ أَبُو الهَيْثم يُنكر أَن يكون الأرْونان فِي غير مَعْنى: الغَمّ والشِّدة، وأَنكر البَيْتَ الَّذِي احْتج بِهِ شَمر.
وَقَالَ ابْن الإعرابيّ: يومٌ أَرْونان، مَأْخُوذ من الرون وَهُوَ الشِّدة.
وَجمعه: رُوُون.
وَفِي حَدِيث عَائِشَة أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طُبّ أَي سُحِر ودُفن سِحْرُه فِي بئرذي أَرْوَان.
والمِئْران: كِنَاسُ الثَّور الوَحْشِيّ، وَجمعه: المَيارِين، والمآرِين.
عَمْرو، عَن أَبِيه: الرُّونة: الشِّدّة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النَّرْوةُ: حَجر أَبْيض رَقيقٌ، وَرُبمَا ذُكِّي بِهِ.
قَالَ: وَكَانَت العَرب فِي الْجَاهِلِيَّة تَقول لذِي القَعْدة: وَرْنة؛ وَجَمعهَا: وَرْنات؛ وَشهر جُمَادىّ: رُنَّى؛ وَجَمعهَا: رُنَّيات.
وقرأت بِخَط شَمر فِي حَدِيث استسقاء عُمر: حَتَّى رأيتُ الأرْنَبة تأكلُها صِغار

(15/165)


الْإِبِل.
قَالَ شَمِر: روى الأصمعيّ هَذَا الحَدِيث عَن عَبد الله الْعمريّ عَن أبي وَجْزة.
قَالَ شمر: قَالَ بَعضهم: سَأَلت الأصمعيّ عَن الأرنبة فَقَالَ: نَبْت.
قَالَ شمر: وَهُوَ عِنْدِي الأرينة، سَمِعت ذَلِك فِي الفَصيح من أَعْرَاب سَعد بن بكر، بِبَطن مُرّ.
قَالَ: ورأيتُه نباتاً يُشبه الخَطْميّ عَرِيض الوَرق.
قَالَ شمر: وسمعتُ غَيره من أَعْرَاب كنَانَة يَقُولُونَ: هُوَ الأرِين.
وَقَالَت أعرابيّة مِن بَطن مُرّ: هِيَ الأرينة، وَهِي خَطْميّنا وغَسُول الرَّأس.
قلت وَهَذَا الَّذِي حَكاه شمر صَحِيح، وَالَّذِي رُوي عَن الْأَصْمَعِي أَنه: الأرنبة، من الأرانب، غير صَحيح، وشَمِرٌ مُتْقِن. وَقد عُني بِهَذَا الْحَرْف فَسَأَلَ عَنهُ غَيْرَ واحدٍ من الْأَعْرَاب حَتَّى أَحْكمه. والرُّواة ربّما صَحَّفُوا وغَيَّروا.
وَلم أَسمع الأرنبة فِي بَاب النَّبات من أَحد وَلَا رأيتُه فِي نُبُوت الْبَادِيَة، وَهُوَ خطأ عِندي، وأَحسب القُتَيبي ذكر عَن الأصمعيّ أَيْضا الأرنبة وَهُوَ غَير صَحِيح.
نير نور: ابْن المُظَفَّر: النُّور: الضِّياء.
وَالْفِعْل: نَار، وأنَار.
وَفِي الحَدِيث: فَرض عمر بن الخطَّاب للجّدّ ثمَّ أَنَارها.
زَيدُ بن ثَابت: أَي نَوَّرها وأَوْضحها.
قَالَ: والمَنَارة: الشَّمعة ذاتُ السِّراج.
والمنارة أَيْضا: الَّتِي يوضع عَلَيْهَا السِّرَاج.
وأَنْشد:
فِيهَا سِنَانٌ كالمَنَارَة أَصْلَعُ
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَعَن الله مَن غَيَّرَ مَنَارَ الأرْض) .
المَنارُ: العَلَم والحَدّ بَين الأرَضين.
ومنَار الحَرم: أعْلامُه الَّتِي ضَربها إبراهيمُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَقْطار الْحرم ونَواحيه، وَبهَا تُعْرف حُدود الحَرم من حُدود الحِلّ.
ويَحتمل معنى قَوْله: (لعن الله من غيّر منار الأَرْض) أَرَادَ بِهِ: مَنار الحَرم.
وَيجوز أَن يكون: لعن الله من غيّر تخُوم الأَرْض، وَهُوَ أَن يَقْتطع طَائِفَة من أَرض جَاره، أَو يُحوِّل الحدَّ من مَكَانَهُ.
وروى شَمر، عَن الأصمعيّ: المَنار: العَلَم يُجعل للطَّريق.
أَو الحدّ للأَرضين من طين وتُراب.
ويُقال للمنارة الَّتِي يُؤذّن عَلَيْهَا: المِئْذَنة؛ وأَنْشد:
لِعَكَ فِي مناسمها منار
إِلَى عَدْنان واضحةُ السَّبيل

(15/166)


وَقَالَ الأصمعيّ: كُلّ رَسْمٍ بِمكْوًى، فَهُوَ نارٌ.
وَمَا كَانَ بِغَيْر مِكْوًى، فَهُوَ حَرْقٌ، وقَرْعٌ، وقَرْمٌ، وحَزٌّ، وزَنْمٌ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّار: السِّمة؛ وَجَمعهَا: نِيار.
وَقَالَ: وجَمع النّار المُحرقة: نِيران.
وَجمع النّور: أَنْوار، والنُّور: حُسْن النَّبات وطُوله، وَجمعه: نِوَرَة.
والنِّير: العَلَم، وَجمعه: أَنْيَار.
قلت: والعربُ تَقول: مَا نارُ هَذِه النَّاقة؟ أَي مَا سِمَتُها؟ سُمِّيت نَارا لأنَّها بالنَّار تُوَسم؛ قَالَ الراجز:
حَتَّى سَقَوْا آبَالَهم بالنَّارِ
والنارُ تَشْفِي من الأُوار
أَي سَقَوا إبلهم بالسِّمَة، أَي إِذا نَظروا فِي سِمة صَاحبهَا عُرف فسُقِيت وقُدِّمت على غَيرهَا لِكَرم صَاحبهَا عَلَيْهِم.
وَمن أمثالهم: نِجَارُها نارُها، أَي سِمتُها تَدُلّ على نِجَارها. يَعْني الْإِبِل؛ قَالَ الرَّاجزُ يَصِف إبِلا، سِماتُها مُخْتَلفة:
نِجَارُ كُلِّ إِبِلٍ نِجَارُها
ونارُ إبْل العالَمين نارُها
يَقُول: اخْتلفت سِماتُها لأنّ أربابَها من قبائل شتَّى، فأُغِير على سَرْحِ كُلّ قَبيلة وَاجْتمعت عِنْد من أَغار عَلَيْهَا سِماتُ تِلْكَ الْقَبَائِل كلِّها.
وَأما قَوْله:
حتّى سَقَوْا آبَالهم بالنَّار
يَقُول: لما عَرف أصحابُ المَاء سِمتها سَقَوْها لِشَرف أَرْباب تِلْكَ النّار.
ونارُ المُهَوِّل: نارٌ كانَت للعَرَب فِي الجاهِليّة يُوقدونها عِنْد التحالُف ويَطْرحون فِيهَا مِلْحاً يَفْقَعُ، يهوِّلون بذلك تَأْكِيدًا للحِلْف.
وَالْعرب تَدعُو على العَدُوّ فَتَقول: أَبعد الله دَاره، وأَوْقد نَارا إثْرَه.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: قَالَت العُقَيْليّة: كَانَ الرَّجُل إِذا خِفْنا شَرَّه فتحوّل عَنَّا أَوْقَدنا خَلفه نَارا.
قَالَ: فقلتُ لَهَا: ولِمَ ذَلِك؟
قَالَت: ليتحوّل ضبعهم مَعَهم، أَي شَرّهم.
وأَنشدني بعضُهم:
وجَمّة أَقوام حَمَلْت وَلم أَكن
كموقِد نارٍ إثرهم للتندّم
الجمّة: قومٌ تحمَّلوا حَمالَة فطافُوا بالقبائل يسْأَلُون فِيهَا، فأخْبر أَنه حَمَل من الجمّة مَا تحمّلوا من الدِّيات، قَالَ: وَلم أنْدم حِين ارتحلوا عنّي فأُوقد على إثرهم.

(15/167)


ونار الحُبَاحب: قد مَرّ تَفسيره فِي كتاب الْحَاء.
وَقَالَ أَبُو العبّاس: سَأَلت ابْن الأعرابيّ عَن قَوْله: لَا تَسْتَضِيئوا بِنَار المُشْركين.
فَقَالَ: النَّار هَا هُنَا: الرَّأْي، أَي لَا تُشاوروهم.
وأمّا حَدِيثهمْ الآخر: أَنا بَرِيء من كُلّ مُسلم مَعَ مُشْرك. ثمَّ قَالَ: لَا تَراءَى نارَاهُما.
فإنّه كره النُّزول فِي جوَار المُشركين، لِأَنَّهُ لَا عَهد لَهُم وَلَا أَمَان، ثمَّ وَكَّده فَقَالَ: لَا تراءَى ناراهما، أَي لَا يَنزل المُسلم بالموضع الَّذِي تقَابل نارُه إِذا أوقدها نارَ مُشرك، لقُرب منزل بَعضهم من بعض، وَلكنه ينزل مَعَ الْمُسلمين فَإِنَّهُم يَدٌ على مَن سِوَاهم.
ورُوي عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: لَوْلَا أنّ عُمر نَهى عَن النِّير لم نَر بالعَلَم بَأْساً، وَلكنه نَهى عَن النِّير.
قَالَ شَمِر: قَالَ أَبُو زيد: نِرْتُ الثَّوْب أَنِيرُه نَيْراً.
وَالِاسْم: النِّيرة، وَهِي الخُيوطة والقَصبة إِذا اجْتَمعتا، فَإِذا افْترقتا سُمِّيت الخُيوطة: خُيُوطةً؛ والقَصَبةُ: قَصَبةً، وَإِن كَانَت عَصَا فعَصاً.
قَالَ: وعَلم الثَّوب: نِيرٌ، وَالْجمع: أَنْيَار.
ونَيَّرت الثوبَ تَنْيِيراً.
وَالِاسْم: النِّير.
تَقول: نِرْتُ الثَّوْبَ، وأَنَرْتُه، ونيَّرتُه، إِذا جعلتَ لَهُ عَلَماً؛ وأَنْشد:
على أَثَرَيْنا نِير مِرْطٍ مُرَجَّل
قَالَ: والنِّيرة أَيْضا: مِن أَدَوات النَّسَّاج يَنْسج بهَا، وَهِي الخَشبة المُعْترضة.
وَيُقَال للرجل: مَا أَنت بِسَداةٍ وَلَا لُحْمة وَلَا نِيرة؛ يُضْرب لمن لَا يَضُر وَلَا يَنْفع؛ قَالَ الكُمَيت:
فَمَا تَأْتُوا يَكُنْ حَسَناً جَمِيلاً
وَمَا تَسْدُوا لَمكْرُمة تُنِيرُوا
يَقُول: إِذا فَعلتم فعلا أَبْرَمْتموه.
قَالَ: والطُّرّة مِن الطَّريق تُسمَّى: النِّير، تَشْبِيهاً بنِير الثَّوب، وَهُوَ العَلَم فِي الْحَاشِيَة؛ وأَنشد بعضُهم فِي صِفة طَرِيق:
على ظَهر ذِي نِيرَيْن أمّا جَنابُه
فوَعْثٌ وأمّا ظَهْرُه فَمُوَعَّسُ
وجَنابُه: مَا قَرب مِنْهُ، فَهُوَ وَعْث يَشْتَدّ فِيهِ المَشي؛ وأمّا ظَهْر الطَّريق المَوْطوء فَهُوَ مُمَتَّن لَا يَشْتد على الْمَاشِي فِيهِ.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للخَشبة المُعترضة على عُنق الثَّوْرين المَقْرونين للحراثة: نِيرٌ.
ويُقال لِلُحْمة الثَّوب: نِير؛ وأَنْشد ابْن الأعرابيّ:
أَلا هَل تُبْلِغَنِّيها
على اللِّيّان والضِّفَّهْ

(15/168)


فلاةً ذَات نِيرَيْن
بِمَرْوٍ سَمْحُها رَنَّهْ
تخال بهَا إِذا غَضِبت
حماةً فاضَحَت كِنّهْ
يُقال: نَاقَة ذَات نِيْريْن، إِذا حَملت شَحْماً على شَحْم كَانَ قبل ذَلِك.
وأصل هَذَا من قَوْلهم: ثوبٌ ذُو نِيرَين، إِذا نُسج على خَيْطين، وَهُوَ الَّذِي يُقال لَهُ: ديَابُوذ، وَهُوَ بالفارسيّة: ذويَاف.
ويُقال لَهُ فِي النَّسج: المُتَاءمة، وَهُوَ أَن يُنار خَيْطان مَعًا ويُوضع على الحَفَّة خَيْطان.
وأمّا مَا نِير خَيْطاً وَاحِدًا فَهُوَ السَّحْل.
فإِذا كَانَ خيطٌ أَبيض وخَيط أسود، فَهُوَ المُقاناة.
ويُقال للحرب الشَّديدة: ذَات نِيرَين؛ وَقَالَ الطِّرِمّاح:
عدا عَن سُلَيْمى أنَّني كُلَّ شارِق
أَهُزّ لحَرْبٍ ذاتِ نِيرَين ألَّتِي
وَأنْشد ابْن بُزُرْجَ:
ألم تَسأل الأَحْلاف كَيفَ تَبَدَّلُوا
بأَمرٍ أنارُوه جَمِيعًا وأَلْحَمُوا
قَالَ: ويُقال: نائرٌ ونارُوه؛ ومُنِير وأَنارُوه.
وَيُقَال: لَسْت فِي هَذَا الْأَمر بمُنير وَلَا مُلْحِم.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: يُقال للرَّجُل: نِرْنِرْ، إِذا أَمَرْته بعَمل عَلَم للمِنْديل.
والنُّورة مِن الْحجر: الَّذِي يُحْرق ويُسوَّى مِنْهُ الكِلْس ويُحْلق بِهِ شَعر العانَة.
قَالَ أَبُو العبّاس: يُقال: انْتَوَرَ الرَّجُلُ، وانْتار، من النُّورة.
وَلَا يُقال: تَنَوَّر، إلاّ عِنْد إبْصار النَّار.
وتأمُر من النُّورة فَتَقول: انْتَوِرْ يَا زيد، وانْتَرْ، كَمَا تَقول: اقْتَول واقْتَل.
وَأنْشد غيرُه فِي تَنَوّر النَّار:
فتَنوَّرْت نارَها مِن بَعيدٍ
بخَزَازَى هَيْهاتَ مِنْك الصَّلاَءُ
وَمِنْه قولُ ابْن مُقْبل:
كَرَبَتْ حَياةُ النَّار للمُتَنوِّرِ
الحَرّاني، عَن ابْن السِّكيت: النُّور: ضِدّ الظُّلْمة.
والنُّور: جَمع نَوَار، وَهِي النُّفّرُ من الظِّباء والوَحْش.
وَامْرَأَة نَوَار، ونِساء نُوُرٌ، إِذا كَانَت تَنْفِر من الرِّيبة.
وَقد نارت تَنُور نَوْراً، ونِوَاراً؛ وَأنْشد قَول العجَّاج:
يَخْلِطْن بالتأَنُّس النَّوَارَا
وَقَالَ مَالك بن زُغْبة الباهليّ يُخاطب امْرَأَة:
أنَوْراً سَرْعَ مَاذَا يَا فَرُوقُ

(15/169)


وحَبْلُ الوَصْل مُنْتَكِثٌ حَذِيقُ
وَقَوله: (سَرْع مَاذَا) أَرَادَ: سَرُع، فخفَّف.
قلت: والنُّور، من صِفَات الله عزَّ وَجل؛ قَالَ الله تَعَالَى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ} (النُّور: 35) .
قيل فِي تَفْسِيره: الله هادي أَهل السَّموات وأَهل الأَرض.
وَقيل: أنارها بحكمة بَالِغَة.
وَقَالَ ابْن عَرفة: أَي مُنوِّر السَّمَاوَات وَالْأَرْض، كَمَا يَقُولُونَ: فلَان غِياثُنا، أَي مُغِيثنا، وَفُلَان زادي، أَي مُزوِّدي؛ قَالَ جرير:
وَأَنت لنا نُورٌ وغَيْثٌ وعِصْمَةٌ
ونَبْتٌ لمن يَرْجو نَدَاكَ وَرِيقُ
وَقَوله تَعَالَى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} (النُّور: 35) أَي مثل نُور هُداه فِي قلب المُؤْمن كمشكاة فِيهَا مِصْباح.
وَقَوله تَعَالَى: {نُّورٌ عَلَى نُورٍ} (النُّور: 35) أَي نُور الزّجاجة ونُور المِصْباح.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ اللَّهِ نُورٌ} (الْمَائِدَة: 15) قَالَ: النُّور، هَا هُنَا: محمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
والنُّور: هُوَ الَّذِي يُبيِّن الْأَشْيَاء ويُري الْأَبْصَار حَقِيقتها.
قَالَ: فَمثل مَا أُتي بِهِ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقُلُوب فِي بَيَانه وكَشْفه الظُّلمات، كَمثل النُّور.
ثمَّ قَالَ: {يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} (الْمَائِدَة: 16) .
وَفِي حَدِيث عليّ: نائرات الأَحكام، ومُنِيرات الإسْلام.
يُرِيد: الواضحات البَيِّنات.
يُقَال: نَار الشيءُ، وأنار، واستنار، إِذا وَضح.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: النائِرُ: المُلْقِي بَين النَّاس الشُّرور.
والنَّائرة: الحِقْدُ والعَدَاوة.
والنَّؤُور: دُخان الشَّحْم.
وكُنّ نِسَاء الْجَاهِلِيَّة يَتَّشِحْن بالنَّؤُور؛ وَمِنْه قَول بِشْر:
كَمَا وُشم الرَّاواهِشُ بالنَّؤُور
وَقَالَ اللّيث: النَّؤُور: دُخان الفَتِيلة يُتَّخذ كحلاً أَو وَشْماً.
قلت: أمّا الْكحل فَمَا سَمِعت أنّ نسَاء الْعَرَب اكْتَحَلن بالنَّؤُور؛ أمّا الوَشْم بِهِ فقد جَاءَ فِي أَشْعارهم؛ قَالَ لَبِيد:
أَو رَجْع واشمة أُسِفّ نَؤُورُها
كِفَفاً تَعرّض فَوْقهنّ وِشامُها
وَقَالَ اللَّيث: النائرة: الكائنةُ تَقع بَين الْقَوْم.
وَقَالَ غَيره: بَينهم نائرةٌ، أَي عَدَاوَة.
وَقَالَ اللّيث: النَّور: نَوْر الشَّجر.

(15/170)


والفِعل: التّنْوِير.
ويُقال للنّوْر: نُوَّارٌ أَيْضا.
وَقد نَوَّرت الأشجارُ تَنْوِيراً، إِذا أَخْرَجت أَزَاهيرها.
وَجمع: النَّور: أَنْوار.
وَوَاحِدَة النُّوّار: نُوَّارَة.
وَقَالَ: يُقَال: فلَان يُنوِّر على فلَان، إِذا شَبَّه عَلَيْهِ أَمراً.
قَالَ: وَلَيْسَت هَذِه الْكَلِمَة عربيّة، وَأَصله أَن امْرَأَة كَانَت تُسمى: نُورَة، وَكَانَت سَاحِرَة، فَقيل لمن فعل فِعْلها: قد نَوّر، فَهُوَ مُنَوِّر.
وَفِي صِفة النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْور المُتَجَرَّد.
وَالْعرب تَقول لِلْحسنِ المُشْرق اللَّون: أَنور. مَعْنَاهُ: إِذا تَجَرَّدَ من ثِيَابه كَانَ أَنْور مِلْءَ العَيْن. وَأَرَادَ بالأنْور: النّيِّر، فَوضع أفعل مَوضِع فعيل، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ} (الرّوم: 27) أَي: وَهُوَ هَيِّن عَلَيْهِ.
والتَّنْوير: وقتُ إسْفار الصُّبْح.
يُقَال: قد نَوَّر الصُّبْح تَنْويراً.
وَيُقَال: نَار الشَّيْء، وأنار، ونَوَّر، واسْتنار، بِمَعْنى وَاحِد.
كَمَا يُقَال: بَان الشَّيْء، وَأَبَان، وبَيَّن، وتَبيَّن، واسْتبان، بِمَعْنى وَاحِد.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّؤُور: دُخان الشَّحْم الَّذِي يَلْتزق بالطَّسْت.
وَهُوَ العِنَاج أَيْضا.
ابْن هانىء، عَن زيد بن كُثْوة، قَالَ: عَلِق رجلٌ امْرأةً فَكَانَ يَتَنَوّرها باللَّيل.
والتَّنَوُّر، مثل التَّضَوُّؤ.
فَقيل لَهَا: إِن فلَانا يَتنوّرك، لِتَحْذره فَلَا يَرى مِنْهَا إلاّ حَسَناً، فلمّا سَمعت ذَلِك رَفَعت مُقَدَّم ثَوْبها ثمَّ قابلته وَقَالَت: يَا مُتنوِّراً هاه؛ فَلَمَّا سَمِع مقالتها وأَبصر مَا فعلت قَالَ: فبئسما أرى هاه، وانْصرفت نَفسُه عَنْهَا. فضُربت مثلا لكُل مَن لَا يَتّقي قَبِيحاً وَلَا يَرْعَوي لِحَسَن.
ورن: قَالَ ابْن الأنباريّ: أَخْبرنِي أبي عَن بعض شُيوخه قَالَ: كَانَت العَرب تُسمِّي جُمَادَى الْآخِرَة: رُنيَّ، وَذَا القَعْدة: وَرَنَة؛ وَذَا الْحِجة: بُرَك.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: التَّورُّن: كَثرة التّدَهُّن والنّعِيم.
قلتُ: التّودُّن، بِالدَّال، أشبه بِهَذَا المَعْنى.

(بَاب الرَّاء وَالْفَاء)
ر ف (وايء)
ريف، روف، ورف، وفر، أرف، فرا، فرأ، فار، فأر، رفأ، أفر.
روف رأف: قَالَ الله عزّ وجلّ: {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ} (النُّور: 2) .

(15/171)


قَالَ الْفراء: الرّأفة، والرآفة: الرحْمة: مثل الكأبَة والكَآبة.
وَقَالَ الزّجاج: معنى (لَا تأخذكم بهما رأفة) ، أَي لَا تَرحموهما فتُسْقطوا عَنْهُمَا مَا أَمر الله بِهِ من الحَدّ.
وَمن صِفات الله عزّ وجلّ: الرَّؤُوف، وَهُوَ الرَّحيم.
والرّأفة: أخَصّ من الرّحمة وأَرَقّ.
وَفِيه لُغتان قُرىء بهما مَعًا: رَؤُوف، على فعول، ورَؤُف على فَعُل.
وَقد رَأف يَرْأف، إِذا رَحِم.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: رَؤُفْت بِالرجلِ أَرْؤُف بِهِ، ورَأَفْت أَرْأف بِهِ، كُلٌّ من كَلَام الْعَرَب.
قلت: ومَن لَيَّن الهَمزة قَالَ: رَوُف، فَجَعلهَا واواً.
وَمِنْهُم من يَقُول: رَأْفٌ، بِسُكُون الهَمزة.
ورَوى أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الرَّؤوفة: الراحمة.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَالَ الْكسَائي والفرّاء: ويُقال: رَئِف، بِكَسْر الْهمزَة، ورَؤُف.
قَالَ أَبُو بكر: ويُقال: رَأْف، بِسُكُون الْهمزَة؛ وأَنْشد:
فآمنُوا بنبيَ لَا أَبَا لكمُ
ذِي خاتَم صاغه الرحمان مَخْتُوم
رَأْفٌ رَحيم بِأَهْل البِرّ يَرْحَمهم
مُقَرَّبٌ عِنْد ذِي الكرسيِّ مَرْحُوم
ريف: قَالَ اللّيث: الرِّيفُ: الخِصْب والسَّعة فِي المَأكل والمَطْعم.
قلت: الرِّيف: حيثُ يكون الحضَر والمِيَاه.
وَجمعه: أرْياف.
وَقد تَرَيَّفْنا، أَي حَضرْنا القُرَى ومَعِينَ المَاء.
وَمن العَرب من يَقول: راف البَدوِيّ يَرِيف، إِذا أَتَى الرِّيفَ؛ وَمِنْه قولُ الرّاجز:
جَوّاب بَيْداء بهما غُروف
لَا يَأْكُل البَقْل وَلَا يَرِيفُ
وَلَا يُرى فِي بَيْته القَلِيف
وَقَالَ القُطاميّ:
ورافٍ سُلافٍ شَعْشَعَ البَحْر مَزْجَها
لِتَحْمَى وَمَا فِينا عَن الشُّرْبِ صادِفُ
قَالَ: رافٍ: اسْم الْخمر. تَحْمَى: تُسْكِر.
ورف: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَوْرَف الظِّل، ووَرَف، وَوَرَّف، إِذا طَال وامْتدّ.
أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: الظلّ وارِف، أَي وَاسع؛ وأَنشد غَيره يَصف زمامَ النّاقة:
وأَحْوى كأَيْم الضَّالِ أَطْرَق بَعْدَما
حَبَا تَحت فَيْنَانٍ من الظِّلّ وارِفِ
وَقَالَ اللّيث: ورَف الشّجر يَرِف وَرِيفا

(15/172)


ً ووُرُوفاً، إِذا رَأَيْت لخُضرته بَهجة من رِيّه ونَعْمته.
قلت: هما لُغتان: رَفّ يَرفّ، ووَرَف يَرِف.
وَهُوَ الرَّفيف، والوَرِيف.
فرا فرأ: فِي الحَدِيث: إِن أَبَا سُفْيان اسْتَأْذن على النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَجَبَه، ثمَّ أَذِن لَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا كِدْتَ تَأْذن لي حَتَّى تَأذن لِحجارة الجُلْهُمَتَيْن، فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَان، أنْت كَمَا قَالَ الْقَائِل: كُل الصَّيْد فِي جَوف الفَرأ.
قَالَ أَبُو عُبيد، قَالَ الْأَصْمَعِي: الفرأ، مَهْمُوز مَقْصور: حِمَار الوَحْش.
وَجمعه: أفراء، وفراء؛ وأَنشدنا:
بِضَرْبٍ كآذَان الفِرَاء فُضُولُه
وطَعْنٍ كإيزاغِ المَخاض تَبُورُهَا
قَالَ: وَإِنَّمَا أَرَادَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا قَالَه لأبي سُفيان تَألُّفَه على الْإِسْلَام، فَقَالَ: أَنْت فِي النّاس كحمار الوَحْش فِي الصَّيْد، يَعْنِي أنّها كُلّها دونه.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي العبّاس، أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ: إنِّي إِذا حَجَبْتُك قَنَع كُلُّ مَحْجوب، لأنّ كُل صَيْدٍ أقلّ من الْحمار الوحشيّ، فَكل الصَّيد لصغره يدْخل فِي جَوف الْحمار. فيُضرب هَذَا المَثل للرَّجل تكون لَهُ حاجات، مِنْهَا وَاحِدَة كَبِيرَة، فَإِذا قُضيت تِلْكَ الْكَبِيرَة لم يُبال أَن تُقْضى بَاقِي حاجاته.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: من أمثالهم: أَنْكَحْنا الفرا فسَنَرى.
يُضرب للرَّجُل إِذا غُرِّر بأَمْرٍ فَلم يَر مَا يُحب تمثَّل فَقَالَ: أَنكحنا الفَرا فسنَرى، أَي صَنَعْنَا الحَزم فآلَ بِنَا إِلَى عَاقِبَة سَوْء.
وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ أَنَّهَا قد نَظرنَا فِي الْأَمر فسننظر عمّا يَنكشف.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيبانيّ: قَوْلهم: أَنكحنا الفَرا فسَنَرى.
قَالَ: الفَرا: الْعجب، من قَوْلهم: فلَان يَفْري الفَرِيّ، أَي يَأْتِي بالعجب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فلَان ذُو فَرْوة وثَرْوة. إِذا كَانَ كَثِيرَ المَال.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: إِنَّه ذُو ثَروة فِي المَال وفَرْوة، بِمَعْنى وَاحِد.
ورُوي عَن عليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ على مِنْبر الْكُوفَة: اللَّهُمَّ إنِّي قد مَلِلْتُهم ومَلُّوني، وسَئِمْتُهم وسَئِموني، فسلِّط عَلَيْهِم فتَى ثَقِيف الذَّيال المَنَّان، يَلْبَس فَرْوتها ويَأكل خَضِرتها.
قلت: أَرَادَ عليٌّ أنّ فتَى ثَقِيف إِذا وَلي العِراقَ توسَّع فِي فَيْء المُسلمين واستأثر

(15/173)


بِهِ، وَلم يَقْتصر على حِصَّته.
وفتى ثَقيف، هُوَ الحجّاج بن يوسُف.
وَقيل: إِنَّه وُلد فِي هَذِه السّنة الَّتِي دَعا عليٌّ فِيهَا بِهَذَا الدُّعاء. وَهَذَا من الكوائن الَّتِي أنْبأ بهَا النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِن بعده.
عَمْرو، عَن أَبِيه، قَالَ: الفَروة: الأَرض البَيْضاء لَيْسَ فِيهَا نباتٌ وَلَا فَرش.
وَقَالَ اللَّيث: فَرْوَة الرَّأْس: جِلْدته بِشَعَرها.
قَالَ: والفَرْو، مَعْرُوف، وجَمعه: فِراء.
فَإِذا كَانَ ذَا الجُبَّة، فاسْمُها: فَروة؛ قَالَ الكُمَيت:
إِذا التفّ دُون الفَتاة الكَمِيعُ
ودَحْدَح ذُو الفَرْوة الأَرْمَلُ
قلت: والجِلْدَة إِذا لم يكن عَلَيْهَا وَبر أَو صُوف، لم تُسَمَّ: فَرْوة.
أَبُو عُبيد، عَن الأَصمعي: افْتَرَيت فَرْواً: لَبِسْتُه؛ قَالَ العجّاج:
يَقْلِب أَولاهُنَّ لَطْم الأَعْسَرِ
قَلْب الخُراسانِيّ فَرْوَ المُفْتَرِي
وَقَالَ الله عزّ وَجل: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} (مَرْيَم: 27) .
قَالَ الفَراء: الفَرِيّ: الأمْر العَظيم.
وَالْعرب تَقول: تركتُه يَفْرِي الفَرِيّ، إِذا عَمِل العَمل أَو السّقْي فأَجاد.
وَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عُمر، وَرَآهُ فِي مَنامه يَنْزِع على قَليب بغَرْبٍ: (فَلم أرَ عَبْقَرِيّاً يَفْرِي فَرِيَّه) .
قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ كَقَوْلِك: يَعْمل عَمَله، ويَقُول قَوْلَه.
قَالَ: وأنشدنا الفَرّاء:
قد أطْعَمَتْني دَقَلاً حَوْلِيّا
قد كنتِ تَفْرِين بِهِ الفَرِيّا
أَي كُنت تُكثرين فِيهِ القولَ وتَعظِّمينه.
وَفِي حَدِيث ابْن عبّاس، حِين سُئل عَن الذّبِيحة بالعُود، فَقَالَ: كُلُّ مَا أَفْرَى الأوداجَ غيرَ مُثَرِّد.
أَي شَقَّقَها فأَخرج مَا فِيهَا من الدّم.
يُقَال: أفْريت الثوبَ، وأفريت الحُلة، إِذا شَقَقتها وأخرجت مَا فِيهَا.
فَإِذا قلت: فريت، بِغَيْر ألف؛ فإِن مَعْنَاهُ أَن تُقَدِّر الشَّيْء وتُعالجه وتُصلحه؛ مثل النَّعل تَحْذوها، أَو النِّطَع أَو القِربة أَو نَحْو ذَلِك.
يُقَال مِنْهُ: فَرَيْت أفْرِي فَرْياً؛ وَأنْشد لزُهير:
ولأنت تَفرِي مَا خَلَقْت وبَعْ
ضُ القومِ يَخْلُق ثمَّ لَا يَفْرِي
وَكَذَلِكَ: فَرَيت الأَرْض، إِذا سِرْتَها وقَطَعْتها.
وَأما الأُولى: أَفريت إفراءً، فَهُوَ من

(15/174)


التَّشْقيق، على وَجه الفَساد.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَفْرى الجِلْد، إِذا مَزَّقه وخَرَقه وأَفْسده، يُفْريه إفْراءً.
وفَرى الْأَدِيم يَفْريه فرياً.
وفرى المزادة يَفْرِيها، إِذا خَرزها وأَصلحها؛ وأَنشد:
شَلَّت يَدَا فارِيَةٍ فَرَتْها
أَي عَمِلَتْها.
والمَفْرِيّة: المَزَادة المَعْمولة المُصْلَحة.
وأَفْرى الجَرْحَ يُفْريه، إِذا بَطّه.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: فَرِي الرَّجُلُ يَفْرَى فَرًى، إِذا بُهت ودَهِش؛ وَقَالَ الهُذليّ:
وفَرِيتُ مِن جَزَعٍ فَلَا
أَرْمِي وَلَا وَدَّعْتُ صاحِبْ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقال: فَرِيَ يَفْرَى، إِذا نَظر فَلم يَدْرِ مَا يَصْنع.
وَيُقَال للرَّجل إِذا كَانَ جادّاً فِي الْأَمر قويّاً: تركته يَفْري الفَرا ويَقُدّ.
قَالَ اللَّيْث: يُقال: فَرى فلانٌ الكَذبَ يِفْرِيه، إِذا اخْتَلقه.
والفِرْية، من الكَذِب.
وَقَالَ غيرُه: افترى الكذبَ يَفْتريه؛ وَمِنْه قولُه تَعَالَى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} (يُونُس: 38) أَي اخْتلقه.
وتَفَرّى عَن فلانٍ ثَوبُه، إِذا تَشَقَّق.
وَقَالَ اللَّيْث: تَفَرَّى خَرْزُ المَزَادة، إِذا تَشَقَّق.
وتَفَرَّت الأَرضُ بالعُيون، إِذا انْبَجَست؛ وَقَالَ زُهير:
غِماراً تُفَرَّى بالسِّلاح والدَّم
أَبُو زيد: فَرَى البَرْقُ يَفْرِي فَرْياً، وَهُوَ تَلألؤه ودوامُه فِي السَّماء.
رفأ: فِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى أَن يُقال: بالرِّفَاء والبَنِين.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الرِّفاء، يكون بمعنَيَيْن:
يكون من الِاتِّفَاق وحُسن الِاجْتِمَاع؛ قَالَ: وَمِنْه أُخذ (رَفْء) الثَّوْب، لِأَنَّهُ يُرفأ فَيُضم بعضُه إِلَى بعض ويُلاءم بَينه.
قَالَ: وَيكون الرِّفاء، من الهُدوء والسُّكون؛ وأَنْشد لأبي خِراش الهُذليّ:
رَفَوْني وقالُوا يَا خُوَيْلد لَا تُرَعْ
فقلتُ وأَنْكَرت الوُجوه هُمُ هُمُ
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: الرِّفاء: المُوَافقة، وَهِي المُرافاة، بِلَا هَمْز؛ وأَنْشَد:
ولمّا أَن رأيتُ أبار ديْم
يُرَافِيني ويَكْره أَن يُلاَمَا
وَقَالَ ابْن هانىء فِي قَول الهُذلي (رَفوني) يُريد: رفئوني، فأَلقى الهَمزة.
قَالَ: والهمزة لَا تُلْقى إِلَّا فِي الشِّعر، وَقد أَلْقَاهَا فِي هَذَا البَيْت.
قَالَ: وَمَعْنَاهُ: إنِّي فَزِعْتَ وطار قَلبي

(15/175)


فضَمُّوا بَعْضِي إِلَى بَعْض.
قَالَ: وَمِنْه: بالرِّفاء والبَنِين.
وَفِي حَدِيث بَعضهم أَنه كَانَ إِذا رفّأ رجلا قَالَ: بَارك الله عَلَيْك وَبَارك فِيك وجَمع بَيْنكُمَا فِي خير.
قَالَ ابْن هانىء: رَفّأ: أَي زَوّج.
وأصل الرفء: الِاجْتِمَاع والتلازم.
وَمِنْه قيل: للمتزوِّج: بالرّفاء والبَنِين.
وَمِنْه: رَفْو الثَّوب.
وَفِي حَدِيث بَعضهم: كَانَ إِذا رَفّى رَجُلاً؛ أَراد إِذا أحَبّ أَن يَدْعُو لَهُ بالرِّفاء والبَنِين، فَترك الْهمزَة.
وَفِي حَدِيث: كَانَ إِذا رفّح رَجُلاً.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَرَادَ رَفأ، والحاء تُبدل من الْهمزَة، لأنّهما أُختان.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: رفأت الثَّوْب، مَهْموز.
وَقَالَ أَبُو زيد فِي كتاب الْهَمْز: رفأت الثَّوْب أرفؤه رَفْئاً: ورَفّأت الْملك تَرْفئةً وتَرْفيئاً، إِذا دَعَوْت لَهُ.
ورافأني الرَّجُلُ فِي البيع مُرافأة، إِذا حابَاك فِيهِ.
قَالَ: وأرفأت السفينةَ إرفاء، إِذا قَرّبتها فِي الجِدّ من الأَرض.
قَالَ: وترافأنا على الْأَمر ترافؤاً، نَحْو التَّمالؤ، إِذا كَانَ كَيْدُهم وأَمْرهم وَاحِدًا.
وَقَالَ فِي بَاب تَحْويل الْهمزَة من هَذَا الْكتاب.
رَفَوْت الثَّوْب رَفْواً، تحوّل الْهمزَة واواً كَمَا تَرى.
الحرّانيّ، عَن ابْن السِّكيت فِي بَاب مَا لَا يُهمز فَيكون لَهُ معنى، فَإِذا هُمز كَانَ لَهُ معنى آخر: رفأت الثَّوْب أرفؤه رَفْئاً.
قَالَ: وَقَوْلهمْ: بالرِّفاء والبنين أَي بالتئام واجتماع، وَأَصله الهَمْز.
وَإِن شِئْت كَانَ مَعْنَاهُ بالسُّكون والطمأنينة، فَيكون أَصله غير الْهَمْز.
يُقَال: رفوتُ الرَّجُلَ، إِذا سَكّنْتَه.
وَقَالَ الفَراء: أرفأت إِلَيْهِ، وأرفيت إِلَيْهِ، لُغتان بِمَعْنى: جَنَحْت إِلَيْهِ.
وَقَالَ اللّيث: أُرْفئت السّفينة: قُرِّبت إِلَى الشّطّ.
ومَرْفأ السَّفينة، حَيْثُ تُقَرب من الشَّطّ؛ وَقد أرفأتُها إرفاءً.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأُرْفِيّ: اللَّين الخالِص.
والأُرْفيّ أَيْضا: الماسِخ.
قَالَ: والأُرْفَى الأَمْر العَظيم.
وَقَالَ اللَّيْث: الأُرفيّ: اللَّبن المَحْض.
واليَرْفَئِيّ: راعِي الغَنَم.
شَمر، عَن ابْن شُميل: أرفأتُ السفينةَ، إِذا أدنيتَها إِلَى الجِدّة؛ والجِدّة: الأرْض.

(15/176)


قَالَ أَبُو الدُّقَيْش: أرْفَت السَّفِينة، وأَرْفَيْتها أَنا، بِغَيْر هَمَز.
قَالَ: وَكَذَلِكَ أَنبأَنَا يُونُس عَن رؤبة.
قَالَ: وَقَالَ أَخُو ذِي الرُّمّة: أَرْفأتُها، وأرفأت السَّفِينةُ نَفْسها، إِذا مَا دَنت للجِدّة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: أرفأت السَّفينة، إِذا أَلصَقتها بالْجَدّ.
قَالَ اللّيث: والجَدّ: مَا قَرُب من الأَرْض.
وَقَالَ أَبُو سَعِيد: الجَدُّ: شاطىء النّهر.
اللَّيْث: الرُّفَة: عَناق الأَرْض تَصيد كَمَا يَصيد الفَهْد.
قَالَ: والرُّفة: التّبْن، يمَانية.
قلت: غَلِط اللَّيْث فِي (الرُّفة) فِي لَفظه وتَفسيره، وأَحْسبه رَآهُ فِي بَعض الصُّحف: أَنا أُغني عَنْك من التُّفة عَن الرُّفة، فَلم يَضْبطه وغَيَّره فأَفْسده.
فأمّا عَناق الأَرْض فَهُوَ: التُّفة، مخّففة، بِالتَّاءِ وَالْفَاء وَالْهَاء، وتُكتب بِالْهَاءِ فِي الإدْراج، كهاء: الرَّحْمَة، والنّعمة.
هَكَذَا أَخْبرنِي المُنْذريّ، عَن الصَّيْدَاوِيُّ، عَن الرِّياشي؛ ثمَّ أَخْبرنِي عَن أبي الهَيثم بنَحوه.
قَالَ: وأمّا (الرَّفت) فَهُوَ بِالتَّاءِ، فِعْلٌ من: رَفَتُّه أَرْفِته، إِذا دَقَقْته.
يُقَال للتِّبْن: رَفَتٌ، ورَفْتٌ، ورُفات.
وَقد مَرَّ تَفْسِير الحَرْفين فِيمَا تقدَّم فأَعَدت ذِكرهما لأُنبِّه على مَوضع الغَلط، فاعْلَمْه.
أرف: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الآرَفُ: الَّذِي يَأْتِي قَرْناه على أُذُنَيْه.
والأقبل: الَّذِي يُقْبل قَرناه على وَجْهه.
والأرْفَح: الَّذِي يَذْهب قَرْناه قِبل أُذنيه فِي تَباعد مَا بَينهمَا.
والأفْشَغ: الَّذِي اجْلاَحّ وذَهب قرناه كَذَا وَكَذَا.
والأخْيص: المُنتصب أَحدهمَا المُنْخفض الآخر.
والأفْشَق: الَّذِي تبَاعد مَا بَين قَرنيه.
فِي حَدِيث عُثْمَان: والأُرَفُ تَقْطع الشُّفْعة.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ ابْن إِدْرِيس: الأُرَف: المَعالم.
وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَصْمَعِي: الأُرف: المَعالم والحُدود.
وَهَذَا كَلَام أهل الْحجاز.
يُقَال مِنْهُ: أرَّفت الدَّار وَالْأَرْض تَأْريفاً، إِذا قَسمْتها وحَدَّدتها.
وَقَالَ اللِّحياني: الأُرف والأُرث: الحُدود بَين الْأَرْضين.

(15/177)


وَفِي الحَدِيث: إِن رجلا شكا إِلَيْهِ التَّعَزُّبَ، فَقَالَ: عَفِّ شَعْرك؛ ففَعل فارْفَأَنْ، أَي سَكَن مَا بِهِ.
والمُرْفَئِنّ: السّاكن.
أفر: أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: الأفْرُ: العَدْوُ؛ وَقد أَفَر يَأْفِر.
وَقَالَ غيرُه: رَجُلٌ أَفّار، ومِئْفَر، إِذا كَانَ وثّاباً جَيِّد العَدْو.
وَقَالَ اللَّيْث: أَفَرت القِدْرُ تَأْفِر أَفْراً، إِذا جَاشَتْ واشْتدّ غَليانُها؛ وأَنشد:
باخُوا وقِدْرُ الحَرْبِ تَغْلي أَفْرَا
قَالَ: والمِئْفر من الرِّجال: الَّذِي يَسْعَى بَين يَدَي الرَّجُل ويَخْدُمه.
وإنّه ليَأفِر بَين يَدَيه.
وَقد اتَّخذه مِئْفَراً.
وَقَالَ غَيره: أَفِرت الإبِلُ أَفْراً، واسْتَأفرت اسْتئفاراً، إِذا نَشِطت وسَمِنت.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: النَّاس فِي أُفُرّة، يَعْنِي الِاخْتِلَاط.
وَقَالَ الفَرّاء: أُفُرّة الصّيْف: أوّلُه.
فَور فير: الأصمعيّ: يُقَال للرُّجل إِذا غَضِب: فار فائِرُه، وثار ثائِرُه.
وَفَارَتْ القِدْر تَفُور فَوْراً، وفَورَاناً، إِذا غَلَت.
ابْن شُميل: أَتَيْته فَوْرَةَ النّهار، أَي فِي أَوّله.
وَقَالَ المُفسّرون فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَاذَا} (آل عمرَان: 125) أَي مِن وَجْههم هَذَا.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: لَا أَفعل ذَلِك مَا لأْلأَت الفُورُ بأَذْنابها، أَي لَا أَفعله أبدا.
والفُور: الظِّباء، لَا يُفرد لَهَا واحدٌ مِن لَفظها.
ويُقال: فعلت أَمر كَذَا وَكَذَا مِن فَوْري، أَي من سَاعتي.
ويُقال: فار الماءُ من العَين، إِذا جاش ونَبع.
قَالَ اللّيث: لِلكَرِش فَوّارتان، وَفِي باطنهما غُدّتان من كُل ذِي لَحم.
ويَزْعمون أنّ مَاء الرّجل يَقع فِي الكُلْية، ثمَّ فِي الفَوّارة، ثمَّ فِي الخُصْية. وَتلك الغُدّة لَا تُؤْكل، وَهِي لَحمة فِي جَوف لَحم آخَر.
قَالَ: والفِيرةُ: حُلبة تُطبخ حَتَّى إِذا قَارب فَوَرَانُها أُلقيت فِي مِعْصر فصُفِّيت، ثمَّ يُلْقى عَلَيْهَا تَمر، ثمَّ تتحسّاها المرأةُ النُّفَساء.
قلت: هِيَ الفِئْرة، والفَئِيرة، والفَرِيقة.
وَقَالَ اللّيث: الفأر، مَهْموز، الْوَاحِد: فَأْرَة، وَالْجمع: فِئْران. وَأَرْض مَفأرة.

(15/178)


وَقَالَ أَبُو عبيد: أرضٌ فَئِرة، على فَعِلة من الفأر، وجَرِذة من الجُرذ.
وَقَالَ اللّيث: وفَأرة المِسْك: نافِجَتُه، وَهِي مَعْرُوفَة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقال لذكر الفَأر: الفُؤْرُور، والعَضَل.
ويُقال لِلَحم المَتْن: فأر المَتْن، ويَرابيع المَتْن؛ قَالَ الراجز يصف رجلا:
كأنّ حَجْمَ حَجَرٍ إِلَى حَجَرْ
نِيط بمَتْنَيْه من الفأر الفُؤَرْ
قَالَ عَمْرو بن بَحر: سَأَلت رجلا عطّاراً من المُعتزلة عَن فَأْرَة المِسْك فَقَالَ: لَيْسَ بالفَأرة، وَهُوَ بالْخِشْف أشْبه.
ثمَّ قَالَ: فَأْرَة المِسْك دُوَيْبة تكون بِنَاحِيَة تُبّت يَصيدها الصيّاد فَيَعْصب سُرّتها بعصاب شَدِيد، وسُرّتها مُدَلاّة، فيَجتمع فِيهَا دَمُها، ثمَّ تُذْبح فَإِذا سَكنت قَوّر السُّرَّة المُعَصَّرة. ثمَّ دَفَنها فِي الشَّعير حَتَّى يَستحيل الدَّمُ الجامدُ مِسْكاً ذكِيّاً، بَعْدَمَا كَانَ دَماً لَا يُرام نَتْناً.
قَالَ: وَلَوْلَا أنّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تَطَيّب بالمِسْك مَا تَطَيّبْت بِهِ.
قَالَ: ويَقع اسْم الفأر على: فَأْرَة التَّيس، وفأرة الْبَيْت، وفأرة المِسْك، وفأرة الْإِبِل.
قَالَ: وعَقيل تَهمز: الْفَأْرَة، والجُؤنة. والمُؤْسى، والحُؤْت.
عَمْرو، عَن أَبِيه، الفَوْر: الوَقْت.
والفُورة: الكُوفة.
قَالَ: والفِيَار: أحدُ جَانِبي حَائِط بَيْت لِسان المِيزان.
وَقَالَ أَبُو عبيد: لِسان الْمِيزَان: الحَدِيدة الَّتِي يَكْتنفها الفِيَارَان، يُقال لأَحَدهمَا: فِيَار.
قَالَ: والحديدة المُعْترضة الَّتِي فِيهَا اللِّسان: الْمِنْجَمُ.
قَالَ: والكِظامة: الحَلْقة الَّتِي تَجْتَمِع فِيهَا الخُيوط فِي طَرفي الحَديدة.
قَالَ عَوف بن الخَرِع يَصف قَوْساً:
لَهَا رُسْغُ أيدٍ بهَا مُكْرَبٌ
فَلَا العَظْمُ واهٍ وَلَا العِرْقُ فارَا
قَالَ: المُكْرب: المُمتلىء، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنه ممتلىء العَصب.
وَقَوله: وَلَا العِرق فَارًّا.
قَالَ ابْن السِّكيت: يُكره مِن الْفرس فَوْر العِرْق، وَهُوَ أَن يَظْهر بِهِ نَفْخٌ أَو عَقْد.
يُقَال: قد فارت عُروقه تَفُور فَوْراً.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للموجة والبِركة: فَوَّارة.
وكل مَا كَانَ غير المَاء قيل لَهُ: الفَوَّارة.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: يُقال: دَوَّارة وفَوَّارة، لكل مَا لم يَتحرَّك وَلم يَدُر، فَإِذا

(15/179)


تحرّك وَدَار، فَهُوَ فُوّارة ودُوّارة.
وفر: قَالَ اللَّيْث: الوَفْرُ: المَال الكَثير الَّذِي لم يُنْقص مِنْهُ شَيء، وَهُوَ مَوْفُور، وَقد وَفَرْناه فِرَةً.
قَالَ: والمُسْتعمل فِي التعدِّي: وَفَّرناه تَوْفِيراً.
قلت: قولُ الله عزّ وجلّ: {جَزَاءً مَّوفُورًا} (الْإِسْرَاء: 63) من: وَفَرْته أَفِره وَفْراً وفِرَةً. وَهَذَا مُتعدَ.
وَاللَّازِم قَوْلك: وَفر المالُ يَفر وُفُوراً؛ فَهُوَ: وافر.
وسِقاءٌ أَوْفر، وَهُوَ الَّذِي لم يُنقص من أَدِيمه شَيْء.
ومَزادة وَفْراء: تامّة؛ وَقَالَ ذُو الرُّمة:
وَفْراءَ غَرْفِيَّةٍ أَثْأى خَوارِزُها
والوَفْرة: الجُمّة من الشَّعر إِذا بلغت الأُذنين. وَقد وَفّرها صاحبُها. وفلانٌ مُوَفَّر الشّعْر. والوافر: ضَرْب من العَرُوض. وتَوفَّر فلانٌ على فلانٍ بِبرّه.
ووَفّر الله حَظّه من كَذَا، أَي أَسْبَغه.
وَإِذا عَرض الرجلُ على أحدهم طَعامه قَالَ لَهُ الآخر: تُوفَر وتُحمَد، أَي لَا يُنقص من مَالك شَيْء، على الدُّعاء لَهُ.
وَقَوله: تُحْمد، أَي لَا زلت مَحْمُوداً.
ووَفَرْت لَك عِرْضَك، أَي لم يُنْقص لِعَيْب.

(بَاب الرَّاء وَالْبَاء)
ر ب (وايء)
راب، رَبًّا، ربأ، وَرب، وبر، برأَ، بأر، بار، أرب، أبر، بري.
روب رأب: قَالَ اللَّيث: الرَّوْبُ: اللّبنُ الرّائب.
والفِعْل: راب يَروب رَوْباً، وَذَلِكَ إِذا كَثُفت دُوايَتُه وتَكبَّد لَبَنُه وأَنَى مَخْضُه.
والمِرْوَبُ: إناءٌ يُروَّب فِيهِ اللَّبنُ.
والرَّوْبَةُ: بَقِيَّةٌ من اللَّبن تُترك فِي المِرْوَب كي إِذا صُبّ عَلَيْهِ الحَلِيبُ كانَ أَسْرع لِرَوْبه.
أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: إِذا خَثَر اللَّبنُ، فَهُوَ رائِب. وَقد رَاب يَرُوب.
فَلَا يزَال ذَلِك اسْمَه حَتَّى يُنْزَعَ زُبده. واسْمه على حَاله بِمَنْزِلَة العُشَراء من الْإِبِل، وَهِي الْحَامِل، ثمَّ تضع، وَهُوَ اسْمهَا؛ وأَنشد الأصمعيّ:
سَقاك أبُو ماعِز رائباً
ومَن لَك بالرَّائب الخاثِرِ
يَقُول: إنّما سَقاك المَمْخوض ومَن لَك بِالَّذِي لم يُمْخَض؟
قَالَ: وَإِذا أدْرك اللبنُ لِيُمْخض، قيل: قد رَابَ. والرَّوْبة: خَمِيرة اللَّبن.
ورَوَى أَبُو حَاتِم، عَن الْأَصْمَعِي، قَالَ: الرَّائب: اللَّبنُ الَّذِي قد مُخِض وأُخْرجت

(15/180)


زُبْدَتُه.
والمُرَوَّب: الَّذِي لم يُمْخَض بعدُ وَهُوَ فِي السقاء، لم تُؤْخَذ زُبْدَتُه.
قَالَ: وَتقول العربُ: أَهْون مَظْلوم سِقاءٌ مُرَوَّب.
والمَظْلوم: الَّذِي يُظْلم فَيُسْقى أَو يُشرب قبل أَن تُخرج زُبْدَته.
ورَوى أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد فِي بَاب الرَّجل الذَّليل المُسْتَضعف: أَهْونُ مَظْلوم سِقَاءٌ مُرَوَّبٌ.
وظَلَمْت السِّقاء، إِذا سَقَيْته قبل إدْراكه.
قَالَ أَبُو زيد: المَظْلوم: السِّقاء يُلَفّ حَتَّى يَبْلغ أَوَان المَخْض.
وَقَالَ الأصمعيّ: راب الرَّجُل، إِذا اخْتلط أَمْرُه.
يُقَال: رَأَيْت فلَانا رائباً، أَي مُخْتلطاً خَاثِراً.
وقومٌ رَوْبَى: خُثَراء الأَنْفس مُختلطون؛ قَالَ بِشْر:
فأمّا تَمِيمٌ تَمِيم بنُ مُرَ
فألفَاهُم القومُ رَوْبَى نِيَامَا
ورجلٌ رَوْبانُ، إِذا كَانَ كَذَلِك.
ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: راب، إِذا أَصْلَح. وراب: سَكن. وراب: اتَّهَم.
قلت: إِذا كَانَ راب بِمَعْنى: أَصلح، فأَصْله مَهْمُوز، من: رَأَب الصَّدْع.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: من أمثالهم فِي الَّذِي يُخطىء ويُصِيب: هُوَ يَشُوب ويَرُوب.
قَالَ أَبُو سعيد: مَعْنى يشوب: يَنْضح ويَذُب.
يُقَال للرَّجل إِذا نَضح عَن صاحِبِه: قد شَوَّب عَنهُ.
قَالَ: ويرُوب، أَي يَكْسل.
والتَّشويب: أَن يَنْضح نَضحاً غير مُبَالَغٍ فِيهِ، فَهُوَ بِمَعْنى قَوْله: يَشُوب، أَي يُدافع مدافعةً لَا يُبالغ فِيهَا، وَمرَّة يَكْسل فَلَا يُدافع بَتَّةً.
ورَوى أَبُو العبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: وَفِي الحَدِيث: لَا شوب وَلَا رَوْب فِي البَيع والشِّراء. تَقول ذَلِك فِي السِّلْعة تَبيعها، أَي إِنَّك بَريء من عُيوبها.
وَيُقَال: مَا عِنْده شَوْب وَلَا رَوْب.
والشَّوْب: الْعَسَل المَشُوب؛ والرَّوْب: اللَّبن الرَّائب.
قلت: وَقيل فِي قَوْلهم: هُوَ يَشُوب، أَي يخلط المَاء بِاللَّبنِ فيُفسده؛ ويَرُوب: يُصْلح، من قَول الأَعرابي: راب، إِذا أَصْلَح.
قَالَ: والرَّوْبة: إصْلَاح الشَّأن والأَمر.
ذكرهمَا غير مَهموزين، على قَول من يُحوِّل الْهمزَة واواً.

(15/181)


ابْن الأَعرابي: شَاب، إِذا كَذب.
وشاب، إِذا خَدع فِي بَيع أَو شِراء.
أَبُو زَيد: دَعِ الرَّجُل فقد رابَ دَمُه، يَرُوب رَوْباً، أَي قد حَان هَلاَكُه.
ورُوي عَن عمر، أَنه قَالَ: مَكْسبةٌ فِيهَا يعضُّ الرِّيبة خَيْرٌ مِن مَسْألة النّاس.
قَالَ القُتَيْبي: الرِّيبة، والرَّيْب: الشّكّ، يَقُول: كَسْبٌ يُشَكّ فِيهِ، أَحَلاَلٌ هُوَ أم حَرام، خيرٌ من سُؤَال النَّاس لِمن يَقْدر على الكَسْب.
قَالَ: وَنَحْو ذَلِك المُشْتبهات.
وَقَول الله عزّ وجلّ: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} (الْبَقَرَة: 2) مَعْنَاهُ: لَا شَكّ فِيهِ.
يُقَال: رَابني فلانٌ، إِذا عَلِمْتَ مِنْهُ الرِّيبةَ.
وأَرابني: أَوْهمني الرِّيبة؛ وأَنشد أَبُو زَيد:
أَخُوك الَّذِي إِن رِبْتَه قَالَ إنّما
أَرَبْتُ وإنْ لايَنْتَه لَان جانِبُه
وَهَذَا قَول أبي زَيد.
وَفِي الْأَخْبَار عَن الأصمعيّ: رَابَنِي فلانٌ يَرِيبُني، إِذا رَأَيْتَ مِنْهُ مَا يَرِيبك وتَكْرَهُه.
قَالَ: وهُذيل تَقول: أرابني فلانٌ.
قَالَ: وأَرَابَ الرّجُل يُريب، إِذا جَاءَ بتُهمة. 6
قلت: قَول أبي زَيد أَحسن.
وَيُقَال: راب دمُ فلَان يَرُوب، إِذا تَعَرَّض لما يَسْفِك دَمَه.
وَهَذَا كَقَوْلِهِم: فلَان يَحْبس نَجِيعَه ويَفُورُ دَمُه.
وَيُقَال: رَوَّبَتْ مَطِيَّةُ فلانٍ تَرْوِيباً، إِذا أَعْيت.
وَقَالَ اللَّيْث: رَيْب الدَّهر: صُروفه وحوادثُه.
قَالَ: وأراب الأمْرُ، إِذا صَار ذَا رَيْب.
وأَراب الرَّجُل: صَار مُريباً ذَا رِيبة.
وأَرَبْتُ فلَانا، أَي اتَّهَمْته.
ورَابني الأمرُ رَيْباً، أَي نَابَنِي وأَصَابنِي.
ورابني أمرُه يَريبني، أَي أدْخل عليّ شكّاً وخَوْفاً.
قَالَ: ولُغة رَدِيئَة: أرابني هَذَا الأمْرُ.
الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، قَالَ: الرُّوبة، على وُجُوه:
فالمَهموز مِنْهَا: الرُّؤبة، وَهُوَ مَا تُسد بِهِ الثَّلمة فِي الْإِنَاء.
قَالَ: ورُوبة اللَّبن: خميرته الَّتِي يُرَوَّب بهَا، غير مَهموز.
ورُوبة الفَحل: جمام مَائه، غير مَهموز.
وَيُقَال: أَعِرْني رُوبة فَحلك، إِذا اسْتَطْرقته إيّاه.
ومَضت رُوبةٌ من اللّيل، أَي سَاعَة.
وَيُقَال: مَا يقوم فلانٌ برُوبة أَهله، أَي بشأنهم وصَلاحهم.
كُلّه غير مَهْمُوز.

(15/182)


قَالَ: رُؤبة بن العجّاج، مَهْمُوز.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: سَمِعْت المُفَضل وأَبا الكَلام الْأَعرَابِي يَقُولَانِ: الرُّوبةُ: الساعةُ من اللَّيْل، والرُّوبةُ: مَاء الْفَحْل، والرُّوبة: إصْلَاح الشَّأْن والأمْر، والرُّوبة: شَجَرَة النِّلْك، والرُّوبة: التحيُّر والكسل مِن كَثْرَة شُرب اللَّبن، والرُّوبة: خميرة اللَّبن الَّذِي فِيهِ زُبْده، وَإِذا أُخرج زُبْده، فَهُوَ رَوْب، ويسَمَّى أَيْضا: رائباً، بالمَعنيين.
قَالَا: والرُّؤْبة: الخَشْبة الَّتِي يُرْأَب بهَا المُشَقّر، وَهُوَ القَدَح الكَبير من الخَشب.
وَقَالَ ابْن الأَعرابي: رُوي عَن أبي بكر فِي وصِيّته لِعُمر: عَلَيْك بالرّائب من الأُمور وإيّاك والرَّائب مِنْهَا.
قَالَ ثَعْلَب: هَذَا مَثَلٌ، أَراد عَلَيْك بِالْأَمر الصَّافي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شُبهة وكَدر. وَإِيَّاك والرائبَ، أَي الْأَمر الَّذِي فِيهِ شُبْهَة وكَدر.
وَاللَّبن إِذا أدْرك وتخثَّر، فَهُوَ رائبٌ، وَإِن كَانَ فِيهِ زُبده، وَإِذا أخرج مِنْهُ زُبده، فَهُوَ رائبٌ أَيْضا.
وَقَالَ بَعضهم: معنى قَوْله: عَلَيْك بالرائب من الأُمور، حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دَع مَا يُريبك إِلَى مَا لَا يُريبك) .
وَقَوله: عَلَيْك بالرائب من الْأُمُور. يَقُول: تَفَقّدها وانْفُضْها عَن الرِّيبة وغَيِّرها إِلَى الصَّلاح.
شَمر، عَن ابْن شُميل، عَن أبي خَيرة: الرُّوبة: مَكْرَمةٌ من الأَرْض كَثِيرَةُ النّبات والشّجر، هِيَ أَبقى الأَرْض كلأ.
قَالَ: وَبِه سُمِّي: رُوبة بن العجّاج.
وَكَذَلِكَ: رُوبة الْقدح، مَا يُوصل بِهِ.
وَالْجمع: رُوَب.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الرُّبة: العُقْدة، وَقَالَهُ فِي قَوْله:
هَل لَك يَا خَوْلة فِي صَعْب الرُّبه
مُعْتَرِم هامتُه كالحَبْحَبه
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: رَأبْت الصَّدع.
ورَأَبت بَينهم رَأْباً، إِذا أَصلحت مَا بَيْنهم.
وكل صَدْع لأمته، فقد رَأَبْته.
وَقَالَ غَيره: رَجُلٌ مِرْأَبٌ ورَأَّبٌ، إِذا كَانَ يَشعب صُدُوع الأقْداح، ويُصْلح بَين النَّاس؛ وقومٌ مَرَائيب.
والرُّؤبة: الْقطعَة من الْحجر تُرأب بهَا البُرْمة؛ وَقَالَ الطِّرمّاح يَمْدح قوما:
نُصُرٌ للذَّليل فِي نَدْوة الحَ
يّ مَراثِيبُ للثَّأَى المُنْهاضِ
وأَنشد ابْن السِّكيت لطُفَيل الغَنوي:
لعمري لقد خَلّى ابْن خيدع ثَلْمة

(15/183)


وَمن أَيْن إنْ لم يَرْأبِ اللَّهُ تُرْأَبُ
قَالَ يَعقوب: هُوَ مثل: لَقد خلَّى ابْن خَيْدع ثَلْمةً.
قَالَ: وخَيدع: امْرَأَة، وَهِي أُم بني يَرْبوع. يَقُول: مِن أَيْن تُسَد تِلْكَ الثَّلْمة إِن لم يَسُدّها الله.
والرُّؤبة: قِطْعَة من خَشب تُسَد بهَا ثَلْمة الجَفْنة والقَدَح.
وَهِي قِطْعَة من حَجر تُصْلح بهَا البُرْمة.
أرب: أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: تَأَرَّبت فِي حَاجَتي: تشدَّدت. وأَرّبت العُقْدة: شَدَدْتُها. أَبُو زَيد، مِثْله. قَالَ: وَهِي الَّتِي لَا تَنْحَلّ حَتَّى تُحلّ.
قَالَ الْفراء: المُستأرب الَّذِي قد أَحاط الدَّينُ، أَو غيرُه من النوائب، بآرابه من كُل نَاحيَة؛ وأَنْشد:
وناهَزوا البَيْعَ من تِرْعيَّة رَهقٍ
مُسْتأْرِبٍ عَضَّه السُّلْطان مَدْيُونُ
أَي أَخذه الدَّيْن من كُل نَاحيَة. والمناهزة فِي البيع: انتهاز الفُرصة. وناهزوا البيع، أَي بادَرُوه. والرَّهِق: الَّذِي بِهِ خِفّة وحِدّة. وعَضّه السُّلطان، أَي أَرْهقه وأَعجله وضَيَّق عَلَيْهِ الْأَمر. وفلانٌ تِرعية مَال، أَي إزاءَ مالٍ حسَن الْقيام بِهِ.
وَقَالَ ابْن شُميل: أَرِب فِي ذَلِك الْأَمر، أَي بلغ فِيهِ جُهده وطاقته وفَطِن لَهُ.
وَقد تَأَرّب فِي أمره، سَوَاء.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: أَرِبت بالشَّيْء: صِرْت فِيهِ ماهراً بَصِيراً.
وَمِنْه: الرَّجُلُ الأَريب، أَي ذُو دَهْي وبَصَر؛ وَقَالَ ابْن الخَطِيم:
أَربت بدَفْعِ الحَرْب لمّا رأيتُها
على الدَّفْع لَا تزْدَاد غَيرَ تَقَارُبِ
وَالِاسْم مِنْهُ: الأرْب.
وَيُقَال لكُل عُضو: إرْب.
والإرْب: الحاجةُ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبيد: عُضْو مُؤَرَّب، أَي مُوَفّر، وَفِي حَدِيث: إِنَّه أُتِي بِكَتف مُؤَرَّبة فَأكلهَا وصَلَّى وَلم يَتَوَضَّأ.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: المُؤَرَّبة: الموفَّرة الَّتِي لم يُنْقَص مِنْهَا شَيْء.
وَقد أَرّبته تأريباً، إِذا وفَّرته.
مَأخوذ من (الإِرب) وَهُوَ العُضو.
يُقَال: قَطّعْته إرْباً إرْباً، أَي عُضْواً عُضْواً.
وَقَالَ أَبو زُبَيد الطَّائِي:
وأُعْطِي فَوق الضِّعف ذَا الحَقِّ منْهُم
وأَظْلِم بَعْضًا أَو جَمِيعًا مُؤرَّبَا
وَقَالَ أَبُو زُبَيْد:
على قَتِيلٍ من الْأَعْدَاء قد أَرُبُوا
أنِّي لَهُم واحدٌ نائِي الأنَاصِيرِ
قَالَ: أرُبُوا: وَثِقُوا أنّي لَهم وَاحِد وأنَاصيري ناؤُون عنِّي، جمع: الْأَنْصَار.

(15/184)


ويُروى: وَقد عَلِموا. وكأنّ (أرُبوا) من الأريب، أَي من تَأْريب العُقْدة، أَي من الأرْب.
قَالَ أَبُو الهَيْثَم: أَي أَعجبهم ذَاك فَصَارَ كأَنه حاجةٌ لَهُم فِي أَن أبقى مُغْترباً نَائِيا من أَنْصَارِي.
قَالَ أَبُو عُبيد: آرَبْتُ على الْقَوْم، مِثَال أفعلت، إِذا فُزْت عَلَيْهِم وفَلَجت؛ وَقَالَ لَبِيد:
قَضيتُ لُبَانَاتٍ وسَلّيْتَ حَاجَة
ونفسُ الْفَتى رَهْنٌ بقَمْرة مُؤْرِبِ
ويُقال: مَا كَانَ الرجل أرِيباً.
وَلَقَد أَرُبَ أَرَابةً.
أَبُو زيد: رَجُلٌ أَرِيب، من قَوْمٍ أُرَباء.
وَقد أَرُب يَأْرُب أَحْسَنَ الإِرْب، فِي العَقْل.
وأَرِبَ يَأْرَب أَرَباً، فِي الْحَاجة.
وَالِاسْم: الإِرْبة.
أَبُو نَصر، عَن الأَصمعيّ: أَرُب الرّجل يَأْرُب إرْباً، إِذا صَار ذَا دَهْي.
وَفِي حَدِيث عَائِشَة: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أملككم لإِرْبه. أَرَادَت: لِحَاجَتِهِ، أَي أَنه كَانَ يملك نَفْسه وهَواه. وَكَانَ غَالِبا لَهما.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: الإِرْبة، والإِرْب: الحاجةُ، وَهِي المَأْرُبة، وَجَمعهَا: مآرب؛ قَالَ تَعَالَى: {وَلِىَ فِيهَا مَأَرِبُ أُخْرَى} (طه: 18) .
وَقَالَ تَعَالَى: {غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} (النُّور: 31) .
وَفِي حَدِيث عُمر رَضِي الله عَنهُ أَنه نَقم على رَجُلٍ قولا قَالَه، فَقَالَ لَهُ: أَرِبْت عَن ذِي يَدَيْك.
قَالَ شَمر: سمعتُ ابْن الأَعرابيّ يَقُول فِي قَوْله: أَرِبْت عَن ذِي يَدَيك مَعْنَاهُ: ذهب مَا فِي يَدَيْك حَتَّى تَحْتاج.
وَقد أَرِب الرَّجُل، إِذا احْتَاجَ إِلَى الشَّيْء وطَلبه، يَأْرَب أَرَباً؛ وَقَالَ ابْن مُقْبل:
وإنّ فِينَا صَبُوحاً إِن أَرِبْتَ بِهِ
جَمْعاً بَهِيّاً وآلافاً ثمانِينَا
أرِبت بِهِ، أَي أَرَدته واحتجت إِلَيْهِ.
قَالَ: وَمثله قولُه:
أرِبَ الدَّهْرُ فأَعْدَدْتُ لَهُ
مُشْرِفَ الحارِك مَحْبُوك الكَتَدْ
أَي، أَرَادَ ذَلِك منّا وطَلَبه.
قَالَ: وَيُقَال: أَرِب الدَّهْرُ: اشْتَدّ.
وأَرِبْتُ بِهِ: بَصُرْت بِهِ؛ وَقَالَ قَيْس بن الخَطيم:
أَرِبْت بدَفع الحَرْب حَتَّى رأيتُها
على الدَّفْع لَا تَزْداد غَيْرَ تَقَارُبِ
أَي كَانَت لي إرْبة، أَي حَاجَة فِي دَفْع الحَرْب.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: أَرِبْتُ بالشَّيْء،

(15/185)


أَي كَلِفْت بِهِ؛ وَأنْشد لابْن الرِّقاع:
وَمَا لامرىءٍ أَرِبٍ بالحَيا
ة عَنها مَحِيصٌ وَلَا مَصْرَفُ
أَي كَلِف.
وَقَالَ فِي قَوْله:
وَلَقَد أَرِبْتُ على الهُموم بجَسْرةٍ
عَيْرانةٍ بالرِّدْف غيرِ لَجُونِ
أَي عَلِقْتُها ولَزِمْتُها واسْتَعَنْت بهَا على الهُموم.
حدّثنا السعديّ: قَالَ حدّثنا حَمَّاد بن الْحسن: قَالَ حدّثنا أَبُو دَاوُود: قَالَ حدّثنا أَبُو عوَانَة، عَن يَعْلى بن عَطاء، عَن الْوَلِيد بن عبد الرحمان الزّجاج، عَن الْحَارِث بن أَوْس الثَّقَفِيّ، قَالَ: سَأَلت عُمر عَن امْرَأَة حَاضَت، أَتَنفر قبل أَن تَطُوف؟ قَالَ: تَجعل آخر عَهْدها الطّواف. قَالَ: فَقلت: هَكَذَا حدّثني رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سألتُه؛ فَقَالَ عُمر: أرِبْتَ عَن ذِي يَدَيْك سَأَلتنِي عَن شَيْء سَأَلت عَنهُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيْمَا أخالِفه.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَوْله: أرِبْت عَن ذِي يَدَيك، هُوَ عِنْدِي مَأْخُوذ من الْآرَاب وَهِي أَعْضَاء الْجَسَد، فكأنّه أَرَادَ بقوله: أربت عَن ذِي يَدَيْك، أَي سَقَطت آرابُك، من الْيَدَيْنِ خاصّة.
قَالَ: وَهُوَ فِي حَدِيث آخر: سَقطت عَن ذِي يَديك، أَلا كُنت حدّثتنا بِهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي قَول عُمر: أرِبْت عَن ذِي يَديك، أَي ذهب مَا فِي يَدَيْك حَتَّى تحْتَاج.
وأَرِب الرجل، إِذا اجتاج، قَالَ ابْن مُقبل:
وإنّ فِينَا صَبُوحاً إِن أَرِبْت بِهِ
أَي إِن احتجت إِلَيْهِ وأَرَدْته.
وَقَول ابْن مُقبل فِي الأُرْبة:
لَا يَفْرحون إِذا مَا فَازَ فائزُهم
وَلَا تُرَدّ عَلَيْهِم أُرْبَةُ اليَسَرِ
قَالَ أَبُو عَمْرو: أَرَادَ إحكام الخَطر، مِن تَأْريب العُقْدة.
والتأريب: تمامُ النَّصيب؛ وأَنْشد:
ضَرْب القِدَاح وتَأْرِيبٌ على الخَطَرِ
قَالَ أَبُو عَمْرو: اليَسر، هَا هُنَا: المُخاطرة.
أَبُو عُبَيد: الأُرَبيّ، من أَسمَاء الدّاهية؛ وَقَالَ ابْن أحْمر:
فَلَمَّا غَسَى لَيْلى وأيْقنْتُ أنّها
هِيَ الأُرَبى جَاءَت بأُمّ حَبَوْكَرِ
والأُرْبة: حَلْقة الآخِيّة تُورَى فِي الأرْض.
وَجَمعهَا: أَرَب؛ قَالَ الطِّرمّاح:
وَلَا أَثَر الدُّوار وَلَا المآلِي
ولكنْ قد تُرَى أُرَب الحُصُونِ
قلتُ: وَقَول ابْن الأعْرابيّ: الرُّبَة: العُقْدَة؛ أَظن الأَصْل كَانَ الأُرْبة فحُذفت الهَمزة، وَقيل: رُبَة.

(15/186)


وَفِي الحَدِيث إِن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر الحيّات فَقَالَ: (مَن خَشِي خُبْثَهنّ وشَرَّهنْ وإرْبَهُنّ فَلَيْسَ منّا) .
أصل الإرْب: الدّهاء والنُّكر، وَالْمعْنَى: من توقَّى قَتْلهن خَشْية شَرِّهن فَلَيْسَ مِن سُنَّتنا.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّأريب: التّحْريش.
قلت: هَذَا تَصْحيف، وَالصَّوَاب: التّأريث، بالثاء.
وَجَاء رَجل إِلَى النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: دُلّني على عَمل يُدْخِلُني الجنّة؛ فَقَالَ: أرِبٌ مالَه؟
مَعْنَاهُ: أَنه ذُو أرَب وخُبرة وعِلْم؛ وَقَالَ الهُذلي يَمدح رَجُلاً:
يَلُفّ طوائِفَ الفُرْسا
نِ وَهُوَ بِلَفِّهم أَرِبُ
وَفِي خبر ابْن مَسعود أنّ رجلا اعْترض النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليسألَه، فصاح بِهِ الناسُ؛ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: (دعوا الرَّجُلَ أرِب مالَه) .
قَالَ شمر: قَالَ ابْن الأعرابيّ: أَي احْتَاجَ فَسَأَلَ مَاله.
وأَرِب عَضُدُه، إِذا سَقَط.
وأَرِب، إِذا سَجد على آرابه مُتمكِّناً.
قَالَ القُتيبي: فِي قَوْله أرب مالَه، أَي سَقطت أعضاؤُه وأُصِيبت.
قَالَ: وَهِي كلمةٌ يَقُولهَا الْعَرَب لَا يُراد بهَا إِذا قِيلت وُقوع الْأَمر، كَمَا يُقَال: عَقْرَى حَلْقَى؛ وكقولهم: تَرِبت يَدَاه.
وَفِي حَدِيث رَواه مَعْمر، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْمُغيرَة، عَن ابْن عبد الله، عَن أَبِيه: أنّه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِنَى فَدَنَا مِنْهُ، فنُحِّي، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دَعوه فأَربٌ مالُه) . قَالَ: فدنوتُ مِنْهُ.
قلت: و (مَا) ، صِلة.
وَيجوز أَن يكون أَرَادَ: فأربٌ من الآرَاب جَاءَ بِهِ فدَعُوه.
وَرب: قَالَ اللَّيث: الوِرْبُ: العُضو؛ يُقال: عُضْوٌ مُوَرَّب، أَي مُوَفَّر.
قلت: المَعروف فِي كَلَامهم: الإرْب العُضو، وَلَا أنكر أَن يكون الوِرْب لُغَة، كَمَا يَقُولُونَ فِي الْمِيرَاث: وَرِث، وأَرث.
قَالَ اللّيث: والمُواربة: المُداهاة والمُخَاتلة.
وَقَالَ بعضُ الْحُكَمَاء: مُواربة الأرِيب جَهل وعَناء؛ لِأَن الأريب لَا يُخْدع عَن عَقْله.
قلت: المُواربة، مَأْخُوذَة من الإرْب، وَهُوَ الدَّهاء، فحوِّلَت الْهمزَة واواً.
والوَرْبُ: الفَساد.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: يُقَال: إِنَّه لذُو عِرْق وَرِب، أَي فَاسد؛ وَقَالَ أَبُو ذَرّة الهُذليّ:
إِن يَنْتَسِبْ يُنْسَبْ إِلَى عِرْقٍ وَرِبْ
أَهلِ خَزُوماتٍ وشَحَّاجِ صَخِبْ

(15/187)


وَيُقَال: سَحابٌ وَرِب: واهٍ مُسْترخٍ؛ وَقَالَ أَبُو وَجْزة:
صابَتْ بِهِ دَفَعاتُ اللاّمع الوَرِب
صابت تَصْوب: وَقَعَتْ.
قَالَ: والتّوريب، أَن تُوَرِّيَ عَن الشَّيْء بالمُعارضات المُباحات.
أبر: فِي الحَدِيث: (خَيْر المَال مُهْرَةٌ مَأمورة وسِكّة مَأْبُورة) .
قَالَ أَبُو عُبيد: المَأْبورة: الَّتِي لُقِّحت.
يُقَال: أَبَرت النَّخْلَة، فَأَنا آبُرها أَبْراً.
وَهِي نَخل مَأْبُورة؛ وَمِنْه الحَدِيث: (مَن بَاعَ نخلا قد أُبرت فثمرتُها للْبَائِع إِلَّا أَن يَشْترطها المُبْتَاع) .
قلت: وَذَاكَ لِأَنَّهَا لَا تُؤبر إِلَّا بعد ظُهور ثَمَرَتهَا وانشقاق طَلعها وكَوافِيرها عَن غَضِيضها.
وشبّه الشافعيّ ذَلِك بِالْولادَةِ فِي الْإِمَاء إِذا بِيعَتْ حَامِلا وتبعها ولدُها، وَإِن وَلدته قبل ذَلِك كَانَ الْوَلَد للْبَائِع إِلَّا أَن يَشْتَرِطه المُبتاع مَعَ الأُم.
وَكَذَلِكَ النّخل إِذا أُبر؛ وَقَالَ طرفَة:
وليَ الأصْلُ الَّذِي فِي مِثْله
يُصْلِح الآبِرُ زَرْعَ المُؤْتَبِرْ
فالآبر: الْعَامِل.
والمُؤتبر: ربُّ الزَّرْع.
والمَأبور: الزّرع والنّخل المُصْلح.
شَمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَبَرْتُ النخلَ، إِذا أصْلَحْتَه.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو مَعمر، عَن عبد الْوَارِث، عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء، قَالَ: يُقَال: نَخل قد أُبِّرت، ووُبِرت، وأُبِرَت، ثَلَاث لُغَات:
فَمن قَالَ: أبِّرت، فَهِيَ مُؤَبَّرة.
وَمن قَالَ: وُبِرت، فَهِيَ مَوْبُورة.
وَمن قَالَ: أبِرت، فَهِيَ مَأْبُورة.
أَي مُلَقَّحة.
وَقَالَ أَبُو عبد الرحمان: يُقَال لكُل مُصْلِح صَنعة: هُوَ آبِرُها.
وَإِنَّمَا قيل للمُلقّح: آبِر، لِأَنَّهُ مُصْلِح؛ وَأنْشد:
فَإِن أنتِ لم تَرْضَيْ بِسَعْيِي فاتركي
لِيَ البَيْت آبُرْه وكُونِي مَكانِيا
أَي: أُصلحه.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: أَبَرَتْه العَقْربُ تَأْبِرُه، إِذا لَدَغَتْه.
وَهِي آبرة.
وإبرة العَقرب، للَّتِي تَلْدغ بهَا.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثم: إبرة الذّراع: طَرفُ العَظْم الَّذِي من عِنْده يَذْرَع الذَّارِع.
قَالَ: وطَرف عَظْم العَضُد الَّذِي يَلي المِرْفق يُقال لَهُ: القَبِيح.
وزُجّ المِرْفق بَين القَبِيح وَبَين إبرة الذِّرَاع؛

(15/188)


وَأنْشد:
حيثُ تلاقي الإبرةُ القَبِيحا
وَيُقَال لِلْمِخْيَط: إبْرة.
وَجَمعهَا: إبَر.
وَالَّذِي يسوّي الإبر يُقَال لَهُ: الأبّار.
أنْشد شمر لِابْنِ الْأَحْمَر فِي صفة الرِّياح:
أَرَبّتْ عَلَيْهَا كُلُّ هوجاء سَهْوة
زَفُوف التَّوالي رَحْبة المُتَنَسَّم
إباريّة هَوْجاء مَوْعدها الضُّحَى
إِذا أَرْزَمَت جَاءَت بوِرْدٍ عَشَمْشَم
رَفُوفٍ نِيَافٍ هَيْرَعٍ عَجْرفيّة
تَرى البِيدَ من إعْصافها الجَرْي تَرْتَمِي
تحنّ وَلم تَرأم فَصِيلاً وَإِن تجِدْ
فَيَافِيَ غِيطان تَهَدَّج وتَرْأمِ
إِذا عَصَبَتْ رَسْماً فَلَيْسَ بدَائِمٍ
بِهِ وَتِدٌ إِلَّا تَحِلّةَ مُقْسِمِ
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أبَر، إِذا آذَى؛ وأبَر، إِذا اغتاب، وأَبر، إِذا لَقّح النّخل، وَأبر: أصلح.
أَبُو عبيد: المآبر: النّمائم.
واحدتها: مِئبرة؛ وَأنْشد شَمر:
وَمن دَسّ أَعْدائِي إليكَ المآبِرَا
قَالَ شَمر: وَيُقَال لِلْلِّسّان: مِئبر، ومِذْرب، ومِفْصل، ومِقْول.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَأْبر، والمِئْبَر: المِحَشّ الَّذِي تُلقَّح بِهِ النَّخلة.
بار: وَفِي الحَدِيث: إنّ رجلا أَتَاهُ الله مَالا فَلم يَبْتَئر خَيْراً.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: مَعْنَاهُ، لم يُقَدِّم خيرا.
وَقَالَ الْأمَوِي: هُوَ من الشَّيْء يُخْبأ، كأنّه لم يُقَدّم لِنَفْسه خيرا خَبَأه لَهَا.
قلت: ويُقال للذَّخِيرة يَدَّخرها: بَئِيرَة.
ويُقال: بأرت الشيءَ، وابْتأَرته، إِذا ادَّخرتَه وخَبَأْتَه.
وَقَالَ الْأمَوِي: وَمِنْه قيل للحُفْرة: البُؤْرَة.
وَقَالَ أَبُو عُبيد فِي الابتئار: لُغتان:
يُقَال: ابْتَأَرت، وائْتَبْرت، ابْتئاراً، وائتباراً؛ وَقَالَ القُطاميّ:
فَإِن لم تَأتَبِرْ رَشَداً قُرَيْشٌ
فَلَيْسَ لسائِر النَّاس ابْتِئَارُ
يَعْنِي: اصطناع الْخَيْر والمَعروف وتَقْدِيمه.
وَيُقَال ل (إرَة) النَّار: بُؤْرَة، وَجَمعهَا: بُؤَر، والبِئر: مَعْرُوفَة، وَجَمعهَا: بِئار، وآبار، وحافرُها: بأَّر؛ وَيُقَال: أبَّار.
وبأرتُ بِئْراً، إِذا حَفَرْتَها.
وبر: قَالَ اللَّيث: الوَبَرُ: صُوف الإِبل والأَرْنب وَمَا أَشْبَهها، وَجمعه: الأوْبار.
قلت: وَكَذَلِكَ وَبَرُ السّمُّور والثّعالب والفَنَك.
وَفِي حَدِيث الشُّورى: إنّ السِّتَّة لمّا اجْتَمعُوا تكلّموا فَقَالَ قائلٌ مِنْهُم فِي

(15/189)


خُطبته:
لَا تُوَبِّروا آثَاركُم فتُولِتُوا دِينَكم.
هَكَذَا رَواه الرِّياشي بِإِسْنَاد لَهُ فِي حَدِيث طَوِيل أَخبرني بِهِ المُنذري، عَن الصَّيداوي، عَن الرِّياشي.
قَالَ: وَقَالَ الرِّياشي: التَّوْبِير: التَّعْفِية ومَحْو الأَثر.
قَالَ: وَإِنَّمَا يُوَبِّر من الدّواب التُّفَهُ، وَهُوَ عَناق الأَرْض، والأرنب.
يُقَال: وَبَّرت الأرْنبُ فِي عَدْوها، إِذا جَمعت بَرَاثنها لتُعَفِّي أثَرها.
قلت: وَكَانَ شَمر رَوَى هَذَا الْحَرْف فِي حَدِيث الشُّورى: لَا تُوَبِّروا آثَاركُم فتُولتوا أَنْفُسَكم، ذَهب بِهِ إِلَى الوَتْر والثأر، وَالصَّوَاب مَا رَواه الرِّياشيّ.
أَلا ترى أَنه يُقَال: وَتَرْت فلَانا أَتِره، من الوَتْر، وَلَا يُقَال: أَوْتَرْت.
ورَوى ابْن هانىء، عَن أبي زيد، يُقَال: وَبَّر فلانٌ على فلانٍ الأمْرَ، أَي عمّاه عَلَيْهِ؛ وأَنْشد أَبُو مَالك لجَرِير:
فَمَا عَرَفَتْك كِنْدَة عَن يَقينٍ
وَمَا وَبَّرْتُ فِي شُعَبِي ارْتِعَابَا
يَقُول: مَا أَخْفيت أَمرك ارتعاباً وَلَكِن اضْطراراً.
وروى أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: إِنَّمَا يُوبِّر من الدوابّ الأرْنب وشيءٌ آخر.
قلت: هُوَ التُّفَهُ.
قَالَ: والتَّوْبير: أَن تَتْبع المكانَ الَّذِي لَا يَسْتَبين فِيهِ أثرُها، وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذا طُلبت نظرت إِلَى صَلابة من الأَرْض فَوَثَبت عَلَيْهَا لئلاّ يَستبين فِيهِ أثرُها لصَلابته.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَبْر؛ والأُنثى: وَبْرة: دويْبة غَبراء على قَدر السِّنَّور حَسنة العَيْنين شَدِيدَة الحَياء تكون بالغَوْر.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، أنّه قَالَ: فلَان أَسْمج من مُخَّة الوَبْر، لسُهُولَة مخرج مُخّه.
وروى سلَمة، عَن الْفراء، قَالَ: يُقَال: فلانٌ آدم من الوِبارة؛ جمع: الوَبْر.
والعربُ تَقول: قَالَت الأرنبُ للوَبْر: وَبَرْ وَبْر، عَجُزٌ وصَدْر، وسائرك حَفْرٌ نَفْر.
فَقَالَ لَهَا الوَبْر: أرَان أران، عَجُزٌ وكَتِفان، وسائرك أُكْلَتان.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: يُقال للمُزْغبة من الكمأَة: بَنَات أَوْبر، واحدتها: ابْن أَوْبَر، وَهِي الصّغار؛ وأَنشد الأَحْمر:
وَلَقَد بَنَيْتُك أكْمُؤا وعَساقِلاً
وَلَقَد نَهَيْتُك عَن بَنات الأَوْبَر
وَقَالَ اللَّيْث: وَبَارِ: أَرض كَانَت من محالّ عادٍ بَين اليَمن ورِمال يَبْرِين، فَلَمَّا هَلكت عَاد وأَوْرث الله دِيَارهمْ الجِنَّ، فَلَا يَتقاربها أَحَدٌ من النَّاس؛ وأَنشد:
مِثْل مَا كَانَ بَدْءُ أهْل وَبَارِ

(15/190)


وَقَالَ محمّد بنُ إسْحاق بن يَسَار: وَبَارِ: بَلْدَة يَسْكنها النَّسْناس. وَالله أَعْلم.
بور: قَالَ الْأَصْمَعِي: بار يَبُور بَوراً، إِذا جَرَّب.
وبار الفَحْل الناقةَ يَبُورُها بَوْراً، إِذا جَعل يَتَشَمَّمها لينظُر ألاقحٌ هِيَ أم لَا.
قَالَ: وَقَالَ ابْن زُغْبَة:
وطَعْنٍ كإيزاغِ المَخَاض تَبُورُها
قَالَ أَبُو عبيد: قولُه: كإيزاغ الْمَخَاض، يَعْنِي: قَذفها بأَبوالها، وَذَلِكَ إِذا كَانَت حوامل. شَبّه خُروج الدَّم برمي المخَاض أَبوالها. وَقَوله: تَبورها، أَي تختبرها أَنْت حِين تعرضها على الْفَحْل لتنظر ألاقح هِيَ أم لَا؟
وَقَالَ اللَّيْث: فحلٌ مِبْوَرٌ، إِذا عرف ذَلِك مِنْهَا.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: يُقَال للرجل إِذا قذف امْرَأَة بِنَفسِهِ: إِنَّه فجَر بهَا، فَإِن كَانَ كَاذِبًا فقد ابْتَهرها، وَإِن كَانَ صَادِقا فَهُوَ الابْتيار؛ افتعال من: بُرْت الشَّيْء أَبُوره، إِذا خبرته؛ قَالَ الكُميت:
قبيحٌ بمِثلِيَ نَعْتُ الفَتا
ةِ إمّا ابْتهاراً وإمّا ابْتِيارَا
وَيُقَال: بارت السُّوق تَبُور.
وبارت البِيَاعَاتُ، إِذا كَسَدَت.
وَمن هَذَا قيل: نَعوذ بِاللَّه من بَوَارِ الأيِّم، وَهُوَ أَن تَبْقَى المرأةُ فِي بَيتها لَا يَخْطُبها خاطبٌ.
والبَوار: الفَسَاد.
وَفِي حَدِيث: كنّا نَبُور أَوْلَادنَا بحُبّ عليَ عَلَيْهِ السَّلَام، أَي نختبر ونمتحن.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله جَلّ وَعز: {السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً} (الْفَتْح: 12) .
قَالَ: البُور، مصدر، يكون وَاحِدًا وجَمْعاً.
يُقَال: أَصبَحت مَنَازِلهمْ بُوراً، أَي لَا شَيْء فِيهَا.
وَكَذَلِكَ أَعمال الكفّار تَبْطُل.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن الحرانيّ، عَن ابْن السِّكيت، عَن أبي عُبيدة: رَجُلٌ بُورٌ، ورَجُلان بُور، وقومٌ بُور، وَكَذَلِكَ الأُنثى، وَمَعْنَاهُ: هَالك.
وَقد يُقال: رجلٌ بائر، وقومٌ بُور.
وأَنْشد:
يَا رسولَ المَليك إنّ لسانِي
راتقٌ مَا فَتَقت إِذْ أَنا بُورُ
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: البائر: الْهَالِك، والبائر: المجرِّب، والبائر: الفاسِد، وسُوق بائرة، أَي فَاسِدَة.
وَقَالَ اللَّيْث: البَوار: الهَلاَك.
ورجلٌ حائرٌ بائر، لَا يتَّجه لشَيْء، ضالٌّ تائه.

(15/191)


وَفِي كتاب النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأُكَيدر دُومة: (وَلكم البُور والمَعَامي وأَغْفال الأَرْض) .
قَالَ أَبُو عُبيد: البُور: الأَرْض الَّتِي لم تُزْرع. والمَعَامي: المجهولة. والأغْفال، نَحْوهَا.
قَالَ: وَقَالَ الْأَحْمَر: يُقَال: نَزلتْ بَوَارِ على النَّاس، بِكَسْر الرَّاء؛ وَقَالَ أَبُو مُكْعِبٍ الأسدِيّ:
قُتِلت فَكَانَ تَبَاغِياً وتَظالُماً
إنّ التظالُم فِي الصَّديق بَوَار
وَكَذَلِكَ: نزلت بَلاَءِ على النَّاس.
بَرى: قَالَ اللَّيث: يُقال: بَرى العُود يَبْريه بَرْياً.
وبَرى القَلم يَبْريه بَرْياً.
قَالَ: وناسٌ يَقُولون: هُوَ يَبْرُو القَلم، وهم الَّذين يَقُولُونَ: البُرَّ.
قَالَ: وبُرَةٌ مَبْرُوّة، أَي مَعْمولة.
وناقة مُبْرَاةٌ: فِي أَنْفها بُرَةُ، وَهِي حَلقة من فِضّة أَو صُفْر تُجْعل فِي أَنفها إِذا كَانَت دقيقةً مَعطوفة الطَّرَفَيْن.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ الأصمعيّ فِي البُرَة والناقة المُبَراة.
وتُجْمع البُرة: بُرًى، وبُرِين.
والبَريّ: السّهم المَبْرِيّ الَّذِي قد أُتمّ بَرْيُه وَلم يُرَشْ وَلم يُنْصَل.
والقِدْح أوّل مَا يُقْطع يُسمَّى: قِطْعاً.
ثمَّ يُبْرَى فيُسَمَّى: بَرِيّاً.
فَإِذا سُوِّم وأَنَى لَهُ أَن يُرَاش ويُنْصَل، فَهُوَ القِدْح.
فَإِذا رِيش ورُكِّب نَصْلُه كَانَ سَهْماً.
ابْن السِّكّيت: بَرَيْت الْقَلَم أَبْريه برْياً.
وبارَيْت فلَانا مُباراة، إِذا كنت تفعل مِثل فِعْله.
وفلانٌ يُباري الرّيح سَخَاءً.
ويُقال: تَبَرّيت لفلانٍ: إِذا تَعَرَّضتَ لَهُ.
وتَبَرَّيتهم، مثله؛ وَأنْشد:
وأَهْلة وُدَ قد تَبَرَّيْتُ وُدَّهَم
وأَبْلَيْتُهم فِي الحَمْد جُهْدي ونائِلِي
وَيُقَال: بَرى فلانٌ لفلانٍ يَبْرِي لَهُ، إِذا عَرَض.
وَقَالَ الأَصْمعيّ: بَرَيت النَّاقة، إِذا حَسَرتها، فَأَنا أبريها بَرْياً؛ مثل بَرْي القَلم.
وبَرى يَبْري بَرْياً، إِذا نحَت.
وَمَا وَقع من نَحْت، فَهُوَ بُرَاية.
ويُقال للبعير إِذا كَانَ ذَا بَقَاء على السَّيْر: إِنَّه لذُو بُراية؛ وَأنْشد:

(15/192)


على حَتِّ البُرَاية زَمْخريّ السَّ
واعِدِ ظَلَّ فِي شَريٍ طِوالِ
يصف ظَلِيماً.
قَالَ: وبَرى لَهُ يَبْرِي بَرْياً؟ إِذا عارَضه وصَنع مثل مَا صَنع.
وَمثله: انْبرى لَهُ.
وهما يَتباريان، إِذا صَنع كُلّ واحدٍ مِنهما صَنِيع صاحِبه.
وأبربت النَّاقة، جعَلت لَهَا بُرَة.
وَمن مهموزه
برأَ: المُزني، عَن ابْن السِّكيت: برأتُ من الْمَرَض أَبْرأ بَرْءًا، وبَرِئْت أَبْرأ بُرْءًا.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: بَرىء، إِذا تخلّض، وبَرىء، إِذا تنزَّه وتَباعد، وبَرىء، إِذا أَعْذر وأنْذَر؛ وَمِنْه قولُ الله عزَّ وجلّ: {بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (التَّوْبَة: 1) أَي إعْذار وإنذار.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: برأت من الْمَرَض بُروءاً، لُغَة تَمِيم، وأَهْل الْحجاز يَقُولُونَ: برأت من الْمَرَض بَرْءًا.
وأَبرأه الله من مَرضه إبْرَاءً.
وَقَالَ أَبُو زيد، برأتُ من الْمَرَض، لُغة أهل الْحجاز، وَسَائِر الْعَرَب يَقُولُونَ: بَرِئْت من الْمَرَض.
قَالَ: وَأما قَوْلهم: برئتُ من الدَّين أَبْرأَ بَرَاءةً؛ وَكَذَلِكَ: بَرِئْتُ إِلَيْك من فلَان أَبْرَأَ بَراءةً، فَلَيْسَ فِيهَا غير هَذِه اللُّغة.
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَول الله عزَّ وجلّ: {وَقَوْمِهِ إِنَّنِى بَرَآءٌ مِّمَّا} (الزخرف: 26) . الْعَرَب تَقول: نَحن مِنْك الَبَراء والخَلاء، وَالْوَاحد والاثنان والجميع من المذكّر والمؤَنث، يُقَال فِيهِ: بَراء، لِأَنَّهُ مَصْدر، وَلَو قَالَ: برىء، لقِيل فِي الِاثْنَيْنِ: بريئان، وَفِي الْجَمِيع: بريئون، وبِراء.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: الْمَعْنى فِي البَراء أَي ذُو البَراء مِنْكُم، وَنحن ذُو البَراء مِنْكُم.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي نَحوا مِمَّا قَالَ الفَراء، وَزَاد فِيهِ: نَحن بُرآء، على فُعلاء، وبِراء، على فِعَال، وأبْرياء.
وَفِي المؤنّث: إِنَّنِي بريئة؛ وَفِي الْمثنى: بريئتان؛ وَفِي الْجَمِيع: بريئات، وبَرايا.
وبرأ الله الْخلق يَبْرؤهم بَرْءًا.
وَالله البارىء الذّارىء.
والبريّة: الخَلْق، بِلَا هَمز.
قَالَ الفَراء: هِيَ من: بَرأ الله الخَلق، أَي خَلقهم.
قَالَ: وَإِن أُخذت من البَرَى وَهُوَ التُّرَاب، فأصلُها غير الْهَمْز؛ وأَنشد:
بفِيك مِن سَارٍ إِلَى القَوْمِ البَرَى
أَي: التُّراب.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ يُونس، أهْل مَكَّة يُخالفون غَيرهم من العَرب فيهمزون

(15/193)


النبىء، والبريئة، والذَّريئة، من ذَرأ الله الْخلق، وَذَلِكَ قَلِيل.
وَقَالَ الفَراء: النبىء، هُوَ من أنبأ عَن الله، فتُرك هَمزُه.
وَإِن أَخَذته من النَّبْوة، والنّباوة، وَهِي الِارْتفَاع عَن الأَرْض، أَي إِنَّه أشرف على سَائِر الخَلْق، فأصله غير الْهَمْز.
قَالَ القُتَيبي: آخر لَيْلَة من الشَّهْر تُسَمَّى: بَراء، يَبْرَأ فِيهَا القَمَرُ من الشَّمس.
قَالَ الزّجاج: يُقَال: بَرَأت من الرّجل والدّين بَرَاءةً.
وبَرئْت من الْمَرَض، وبَرَأت.
وبَرأت أَبْرأ بَرْءًا.
قَالَ: وَقَالَ: وبَرَأت أَبْرُؤ بَرْءًا.
قَالَ: وَلم نجد فِيمَا لامه هَمزة: فَعَلت أفْعُل؛ وَقد اسْتَقصى العُلماء باللّغة هَذَا فَلم يَجدوه إِلَّا فِي هَذِه الْحُرُوف.
ثمَّ ذكر: قَرَأت أقرؤ، وهَنَأْت البَعيرَ أهْنُؤُه.
قَالَ: وَقَول الله تَعَالَى: {بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (التَّوْبَة: 1) : فِي رفع {بَرَاءَةٌ قَولَانِ: أَحدهمَا: على خبر الِابْتِدَاء، الْمَعْنى: هَذِه الْآيَات بَرَاءَة من الله وَرَسُوله. وَالثَّانِي: بَرَاءَة، ابْتِدَاء، وَالْخَبَر: إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ} (التَّوْبَة: 1) .
وكلا الْقَوْلَيْنِ حَسَن.
أَبُو عُبيد، عَن الْأمَوِي: البَرَى: التُّراب.
وَكَذَلِكَ قَالَ الفَرّاء وَابْن الأعرابيّ.
وَقَالَ الأصمعيّ: مَطر ذُو بُراية: يَبْري الأَرْض ويَقْشرها.
قَالَ: والبُراية: القُوّة.
ودابّة ذَات بُراية، أَي ذَات قُوّة على السَّيْر.
وَقيل: هِيَ قويّة عِنْد بَرْي السّيْر إيّاها.
ويُقال: بارأْتُ المرأةَ والكَرِيَّ أُبارئهما مُبارأةً، إِذا صالَحْتَهما على الفِراق.
أَبُو الهَيْثم: الوَرى والبَرى، مَعْنَاهُمَا وَاحِد، يُقَال: هُوَ خَير الوَرَى والبَرى، أَي خَير الخَلق.
والبَرِيّة: الخَلْق.
قَالَ: وَالْوَاو تُبدل من الْبَاء، فَيُقَال: بِاللَّه لَا أفعل، ثمَّ قَالُوا: وَالله لَا أَفعل.
قَالَه الفَرّاء، وَقَالَ: الجالب لهَذِهِ الْبَاء فِي الْيَمين (بِاللَّه مَا فَعَلت) إِضْمَار (أَحْلف) ، يُرِيد: أَحلف بِاللَّه.
قَالَ: وَإِذا قلت: وَالله لَا أفعل ذَاك، ثمَّ كنّيت عَن اسْم الله، قلت: بِهِ لَا أفعل ذَلِك، فَتركت الْوَاو وَرجعت إِلَى الْبَاء.
والبُرْأة: فُتْرة الصّائد الَّتِي يَكْمُن فِيهَا.

(15/194)


وَالْجمع: بُرأ؛ وَقَالَ الأعْشى:
بهَا بُرَأٌ مِثْلُ الفَسِيل المُكَمَّمِ
والاسْتِبراء: أَن يَشْتري الرَّجل جَارِيَة فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَحِيض عِنْده حَيضةً ثمَّ تَطْهُر.
وَكَذَلِكَ إِذا سباها لم يَطَأها حَتَّى يَسْتَبرئها بحَيْضة.
وَمَعْنَاهُ: طَلب براءتها من الحَمل.
واسْتبرأ الذَّكَرَ: طَلب بَراءته من بقيّة بَوْل فِيهِ بتَحْريكه ونَتْره وَمَا أَشبه ذَلِك حَتَّى يَعْلَم أنّه لم يَبق فِيهِ شَيْء.
عَمْرو، عَن أَبِيه: البَراء: أوّل يَوْم من الشَّهْر.
وَقد أَبْرَأ، إِذا دَخل فِي البَراء.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: البَراء: آخر لَيلة من الشَّهر.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَيُقَال لآخر يَوْمٍ مِن الشَّهر: البَراء؛ لِأَنَّهُ قد بَرىء من هَذَا الشَّهر.
وَابْن البَراء: أول يَوْم من الشَّهر.
وَقَالَ الْمَازِني: البَراء: أول لَيْلَة من الشَّهر؛ وأَنشد:
يَوْمًا إِذا كَانَ البَراء نَحْسَا
أَي إِذا لم يكن فِيهِ مطر، وهم يَستحبّون المَطر فِي آخر الشَّهْر.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَراء من الأيّام: يَوْم سَعد يُتبرَّك بكُل مَا يَحدث فِيهِ؛ وَأنْشد:
كَانَ البَراء لَهُم نَحساً ففَرَّقهم
وَلم يكُن ذَاك نحساً مُذ سَرَى القَمَرُ
وَقَالَ الآخر:
إنّ عَبِيداً لَا يكون عُسّا
كَمَا البَراء لَا يكون نَحْسا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: أَبْرَأ، إِذا دَخل فِي البَراء، وَهُوَ أوّل الشَّهر.
وَأَبْرَأ، إِذا صَادف بَريَّا، وَهُوَ قَصب السُّكَّر.
قلت: قولُه: أَبْرَأ، إِذا صَادف بريّاً، وَهُوَ قصب السكر: أَحْسَبه غير صَحِيح. وَالَّذِي أعرفهُ: أَبَرْتُ، إِذا صادفت بريّاً، وَهُوَ سُكر الطَّبْرَزَذ.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَريء: المُتَفَصِّي القبائح، المُتَنحِّي عَن الْبَاطِل وَالْكذب، الْبعيد عَن التُّهم، النَّقِيّ الْقلب من الشِّرك.
والبَرِيء: الصَّحِيح الْجِسْم والعَقْل.
رَبًّا: يُقال: رَبا الشيءُ يَرْبُو، إِذا زادَ.
وَمِنْه أُخذ الرِّبَا الْحَرَام؛ وَقَالَ الله تَعَالَى: {هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَآءَاتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِى أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ اللَّهِ وَمَآ ءاتَيْتُمْ مِّن} (الرّوم: 39) الْآيَة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: يَعني بِهِ دَفْع الْإِنْسَان الشيءَ ليعوَّض مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ، فَذَلِك فِي أَكثر التّفسير لَيْسَ بِحرَام، وَلَكِن لَا ثَوَاب لمن زَاد على مَا أَخذ.

(15/195)


قَالَ: والرِّبا؛ رَبَوان:
فالحرامُ كُلّ قَرْض يُؤْخذ بِهِ أَكثر مِنْهُ، أَو تجرُّ بِهِ مَنْفعة، فَحَرَام.
وَالَّذِي لَيْسَ بِحرَام أَن يَهبه الْإِنْسَان يَسْتَدعي بِهِ مَا هُوَ أَكثر، أَو يُهدي الهَدِيَّة لِيُهدَى لَهُ مَا هُوَ أكثرُ مِنْهَا.
وَقَالَ الْفراء: قرىء هَذَا الْحَرْف (لِيَربُوَ) بِالْيَاءِ، ونَصْب الْوَاو.
قَرَأَهَا عَاصِم وَالْأَعْمَش.
وَقَرَأَ أهلُ الْحجاز (لِتُرْبُوا) بِالتَّاءِ مَرْفوعة.
وكُلٌّ صَوَاب.
فَمن قَرَأَ (لِتُربوا) ، فالفِعل للْقَوْم الَّذين خُوطبوا، دلّ على نَصبها سُقوط النُّون.
وَمن قَرَأَ (لِيَرْبُوَ) مَعناه: لِيَربُو مَا أعطَيْتم من شَيْء لِتَأْخُذُوا أَكثر مِنْهُ، فَذَلِك رُبُوّه، وَلَيْسَ ذَلِك زاكياً عِنْد الله، وَمَا آتيتم من زَكَاة تُرِيدُونَ وَجه الله فَتلك تَربُو بالتَّضعيف.
وَفِي حَدِيث عَائِشَة: إِن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا: (مَا لي أَرَاك حَشْيَا رابية) . أَرَادَ ب (الرَّابية) : الَّتِي أَخذهَا الرَّبو، وَهُوَ البُهْرُ، وَكَذَلِكَ الحَشْيَا.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} (الْبَقَرَة: 265) .
قَالَ أَبُو العبَّاس: فِيهَا ثَلَاث لُغات: رَبْوة، ورِبْوة، ورُبْوة؛ الِاخْتِيَار رُبْوة، لِأَنَّهَا أَكثر اللُّغات، وَالْفَتْح لُغة تَميم.
قلتُ: وَهِي الرّباوة، والرّابية، والرّباة، كل ذَلِك مَا ارْتفع من الأَرْض.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} (الْحَج: 5) .
وقُرىء: ورَبأت.
فَمن قَرَأَ {وَرَبَتْ} فَهُوَ من: رَبًّا يَرْبو، إِذا زَاد على أَي الْجِهَات زَاد.
وَمن قَرَأَ (وربأت) بِالْهَمْز، فَمَعْنَاه: ارْتفعت.
وَقَالَ شَمِر: الرَّابِية: مَا رَبا وارْتفع من الأَرْض.
وَجمع: الرَّبْوة: رُبًى، ورُبِيّ؛ وَأنْشد:
ولاحَ إِذْ زَوْزَى بِهِ الرُّبِيّ
وزَوْزى بِهِ، أَي انتصَب بِهِ.
وَهِي الرّباوة.
وَقَالَ ابْن شُميل: الرَّوابي: مَا أَشرف من الرَّمل، مثل الدَّكْدَاكة، غير أَنَّهَا أشدّ مِنْهَا إشرافاً، وَهِي أسهل من الدَّكْداكة، والدَّكداكة أشدّ اكتنازاً مِنْهَا وأَغْلظ.
والرّابية فِيهَا خُؤورة وإشراف، تُنْبِت أَجود البَقل الَّذِي فِي الرِّمال وَأَكْثَره، يَنْزلُها النّاسُ.
وَيُقَال: جَملٌ صَعْب الرُّبَة، أَي لَطيف الجُفْرة. قَالَه ابْن شُميل.
قلتُ: وَأَصله رُبْوة؛ وأَنشد ابْن الأعْرابي:

(15/196)


هَل لكِ يَا خَدْلَة فِي صَعْب الرُّبَه
مُعْترمٍ هامَتُه كالْحَبْحَبَهْ
وَفِي حَدِيث رُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صُلْح أهل نَجْران: أَن لَيْسَ عَلَيْهِم رُبِّيّةٌ وَلَا دَمٌ.
قَالَ أَبُو عُبيد: هَكَذَا رُوي بتَشديد الْبَاء وَالْيَاء.
وَقَالَ الفَراء: إِنَّمَا هُوَ رُبْيَة، مخفّف، أَرَادَ بهَا الرِّبا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِم فِي الجاهليّة، والدِّماء الَّتِي كَانُوا يُطْلبون بهَا.
وَقَالَ الفَراء: ومِثل الرُّبْية من الرِّبا: حُبْية من الاحْتباء، سَماع من الْعَرَب، يَعْنِي أَنهم تكلّموا بهَا بِالْيَاءِ: رُبْيَة، وحُبْية، وَلم يَقُولُوا: رُبْوة، وحُبْوة، وأصلهما الْوَاو.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد، يُقَال: جَاءَ فلَان فِي أُرْبِيّته، وَفِي أُرْبية من قومه، أَي فِي أهل بَيْته وَبني عَمه، وَلَا تكون الأُرْبِيّة من غَيرهم.
وَقَالَ الْكسَائي: الأربيّة، مشدّدة: أصل الفَخِذ.
وَقَالَ ابْن شُميل: هِيَ مَا بَين الفَخِذ وأسفل البَطْن.
قَالَ شمر: قَالَ الفزاريّ: الأُرْبيّة: قريبةٌ من العَانة.
وللإنسان أُرْبِيّتَان، وهما يكتنفان الْعَانَة، والرُّفغُ تحتهما.
المُنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقال رَبيتُ فِي حجره، ورَبَوْتُ، ورَبِيت، أَرْبَى رَبًّا وربُوّاً؛ وأَنشد:
ومَن يَكُ سَائِلًا عنِّي فإنِّي
بمكّة مَنْزلي وَبهَا رَبِيتُ
قَالَ أَبُو سعيد: الرُّبْوة، بِضَم الرَّاء: عشرَة آلَاف من الرِّجال.
والجميع: الرُّبَا؛ قَالَ العجّاج:
بَينا همُ يَنْتظرون المُنْقَضَى
منّا إِذا هُنّ أَراعِيلٌ رُبَى
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرُّبْية: الفأر.
وَجَمعهَا: رُبًى؛ وأَنشد:
أَكَلْنا الرُّبى يَا أُمّ عَمْرٍ وومَن يكن
غَرِيبا بأَرْضٍ يَأكُل الحَشراتِ
قَالَ: والأرباء: الْجَمَاعَات مِن النَّاس.
واحدهم: رَبْو، غير مَهموز.
وَمن مهموزه
ربأ: الرَّبيئة، وَهُوَ عَيْن القَوم الَّذين يَرْبَأ لَهُم فَوق مَرْبَأَةٍ من الأرْض.
ويَرْتبىء، أَي يَقُوم هُنَالك.
ومَرْبأة البازِي: منارةٌ يَرْبأ عَلَيْهَا، وخَفّف الراجز هَمْزها فَقَالَ:
باتَ على مَرْبَاتِه مُقَيَّدَا
وَيُقَال: أَرض لَا رِباء فِيهَا وَلَا وِطاء، مَمدودان.
ورابأتُ فلَانا، إِذا حارَستَه وحارَسَك.
أَبُو زيد: ربأتُ الْقَوْم أَرْبَؤهم رَبْئاً، إِذا

(15/197)


كنتَ طَلِيعَة لَهُم فَوق شَرف.
وَاسم الرجل: الرَّبيئة.
وَيُقَال: مَا رَبَأْتُ رَبْئَهُ، وَمَا مَأَنْت مَأْنه، أَي لم أُبالِ بِهِ وَلم أَحْتَفل لَهُ.
ورابأتُ فلَانا مُرابأة، إِذا اتَّقَيْته؛ وَقَالَ البَعِيثُ:
فرابأتُ واسْتَتْمَمْتُ حَبْلاً عَقَدْته
إِلَى عَظَماتٍ مَنْعها الجارَ مُحْكَمُ
الأصمعيّ: رَبَوْت فِي بني فلَان أَرْبُو، إِذا نَبَتّ فيهم ونَشأت.
قَالَ: ورَبَّيْت فلَانا أُرَبِّيه تَرْبِيةً، وتَرَبَّيْته، ورَبَيْته، ورَبَّيته، بِمَعْنى وَاحِد.
وأَرْبى الرجلُ فِي الرِّبا، يُرْبِي.
وسابّ فلانٌ فلَانا فأَرْبى عَلَيْهِ فِي السِّباب، إِذا زَاد عَلَيْهِ.
وَيُقَال: إِنِّي لأَرْبأ بك عَن ذَلِك الْأَمر، أَي أَرْفَعك عَنهُ.
وَيُقَال: مَا عرفت فلَانا حَتَّى أَرْبأ لي، أَي أَشْرف لي.

(بَاب الرَّاء وَالْمِيم)
ر م (وايء)
أَمر، رمى، رام، ريم، مري، مار، (مور) ، مرأ، أرم، مرو، ورم.
رمى: اللَّيث: رَمَى يَرْمِي رَمْياً، فَهُوَ رامٍ؛ وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (الْأَنْفَال: 17) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: لَيْسَ هَذَا نَفْي رَمْي النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولكنّ الْعَرَب خُوطبت بِمَا تَعْقل.
ويُروى أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر: ناوِلْني كَفّاً مِن تُرابِ بَطْحاء مكّة، فَنَاوَلَهُ كفّاً فَرمَى بِهِ، فَلم يَبق مِنْهُم أحدٌ من العَدُوّ إلاّ شُغل بعَيْنيه. فأَعلم الله عزّ وجلّ أَن كفّاً من تُرَاب أَو حَصى لَا يَملأ بِهِ عُيُون ذَلِك الْجَيْش الْكثير بَشَرٌ، وأَنه سُبحانه وتعالَى تولَّى إِيصَال ذَلِك إِلَى أَبْصَارهم، فَقَالَ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} (الْأَنْفَال: 17) أَي لم يُصب رَمْيك ذَلِك ويَبْلغ ذَلِك المَبلغ، بل إِنَّمَا الله عز وَجل تولّى ذَلِك. فَهَذَا مجَاز قَوْله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (الْأَنْفَال: 17) .
ورَوى أَبُو عَمْرو، عَن أبي العبّاس أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ: وَمَا رَميت الرُّعْب والفَزَع فِي قُلوبهم إِذْ رَمَيْت بالحَصَى.
وَقَالَ المُبرِّد: مَعْنَاهُ: مَا رميت بقُوّتك إِذْ رَميت وَلَكِن بقُوّة الله رَمَيْت.
ابْن الْأَعرَابِي: رَمَى الرَّجُلُ، إِذا سافَر.
قلت: وَسمعت أعرابيّاً يَقُول لآخر: أَيْن تَرْمي؟ فَقَالَ: أُرِيد بلدَ كَذَا وَكَذَا. أَرَادَ:

(15/198)


أيّ جِهة تَنْوي؟
ابْن الْأَعرَابِي: رمى فلَان فلَانا، أَي قَذفه. وَمِنْه قولُ الله عزّ وجلّ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (النُّور: 4) مَعْنَاهُ: القَذف.
ابْن الْأَعرَابِي: رَمَى فلانٌ يَرْمي، إِذا ظن ظنّاً غيرَ مُصِيب.
قلت: هُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: {رَجْماً بِالْغَيْبِ} (الْكَهْف: 22) .
وَقَالَ طُفَيل يَصف الخَيل:
إِذا قِيل نَهْنِهْهَا وَقد جَدَّ جِدُّها
ترامَتْ كخذْرُوف الوَليد المُثَقَّفِ
رَامت: تَتابعت وازدادت.
يُقَال: مَا زَالَ الشَّرُّ يترامَى بَينهم، أَي يَتتابَع.
وترامى الجُرْح والْحَبنُ إِلَى فَسادٍ، أَي تَراخَى فَصَارَ عَفِناً فاسِداً.
وَيُقَال: ترامى فلَان إِلَى الظَّفَر، أَو إِلَى الخِذْلان، أَي صَار إِلَيْهِ.
وَفِي حَدِيث زيد بن حَارِثَة أَنه سُبي فِي الجاهليّة، فتَرامَى بِهِ الأمْرُ إِلَى أَن صَار إِلَى خَديجة، فَوَهَبَتْه للنبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأَعْتقه.
وَيُقَال: أَرْمَى الفرسُ براكبه، إِذا أَلْقَاهُ.
وَيُقَال: أرميتُ الحِمْلَ عَن ظهر البَعير، فارْتمى عَنهُ، أَي طاحَ وسَقط إِلَى الأَرْض؛ وَمِنْه قَوْله:
وسَوْقاً بالأَماعِز يَرْتَمِينا
أَرَادَ: يَطْحِن ويَخْرِرْن.
وَيُقَال: ترامى القَوم بالسّهام، وارْتَموا، إِذا رَمى بعضُهم بَعْضًا.
ابْن السِّكيت: يُقَال: خرجت أَتَرَمَّى، إِذا جعلت تَرْمي فِي الأَغراض وَفِي أُصُول الشَّجر.
وَخرجت أَرتمي، إِذا رميت القَنَصَ؛ وَقَالَ الشَّمّاخ:
خَلَتْ غيرَ آثَار الأَراجِيل تَرْتَمي
تَقَعْقَع فِي الآبَاطِ مِنْهَا وِفاضُها
قَالَ: ترتمي، أَي تَرْمي الصَّيد والأَراجيل: رجالةٌ لُصُوص.
وَيُقَال: فلَان مُرْتَمًى للْقَوْم، ومُرْتَبًى، أَي طَلِيعة.
الأصمعيّ: المِرْماة: سَهم الأهداف.
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أنّ أحدهم دُعي إِلَى مِرْمَاتَيْن لأجاب وَهُوَ لَا يُجيب إِلَى الصَّلَاة.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَيُقَال: إِن المِرْمَاتين: مَا بَين ظِلْفَي الشَّاة.
وَفِي الحَدِيث: لَو أنّ رجلا دعَا الناسَ إِلَى مِرْماتين أَو عَرْق أجابُوه.
قَالَ: وفيهَا لُغة أُخْرَى: مَرْماة.
قَالَ: وَهَذَا حرف لَا أَدْرِي مَا وَجْهُه؟ إِلَّا أَنه هَكَذَا يُفَسَّر. وَالله أعلم.

(15/199)


وَأَخْبرنِي ابْن هاجك، عَن (ابْن) جبلة، عَن ابْن الْأَعرَابِي: المِرْماة: السهْم الَّذِي يُرمى بِهِ، فِي هَذَا الحَدِيث.
قَالَ ابْن شُمَيْل: المَرامي: مثل المَسَالّ دَقيقة، فِيهَا شَيْء من طول، لَا حُرُوف لَهَا.
قَالَ: والقِدْح بالحديدة: مِرْمَاةٌ.
والحديدة وَحْدَها: مِرْمَاة.
قَالَ: وَهِي للصَّيد، لِأَنَّهَا أخفّ وأَدَقّ.
قَالَ: والمِرماة: قِدْح عَلَيْهِ ريشٌ وَفِي أَسْفله نَصْل مثل الإصْبَع.
وَقَالَ أَبُو سعيد: المِرْمَاتان، فِي الحَدِيث: سَهمان يَرْمِي بهما الرَّجُلُ فيُحْرِز سَبقَه فَيَقُول: سابقَ إِلَى إحْراز الدُّنيا وسَبَقِها، ويَدَع سَبَق الْآخِرَة.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: الرَّمِيّ، والسَّقِيّ، على مِثَال فعيل: هما سَحابتان عَظيمتا القَطْر شَديدتا الوَقْع.
قلت: وَجمع غيرُه الرَّمِي من السَّحَاب: أَرْمِية.
وَجمعه اللَّيث: أَرْماء.
وَقَالَ: هِيَ قطع من السَّحاب صِغار قَدْر الكفّ وَأعظم شَيْئا.
وَالْقَوْل مَا قَالَه الأصمعيّ.
وَفِي حَدِيث عمر: لَا تَبِيعوا الذَّهب بالفِضة إِلَّا يَداً بيدٍ هَاء وهاء، إنّي أَخَاف عَلَيْكُم الرماء.
قَالَ أَبُو عُبيد: أَرَادَ بالرَّماء: الزِّيادة، يَعْنِي: الرِّبا، يُقَال، هِيَ زِيَادَة على مَا يَحلّ.
وَمِنْه قيل: أرْمَيتُ على الْخمسين، أَي زِدت عَلَيْهَا، إرْمَاءً.
وَرَوَاهُ بعضُهم: إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم الإرماء، فجَاء بالمَصْدر؛ وَأنْشد لحاتم الطائيّ:
وأسمر خَطِّيّاً كأنّ كُعُوبه
نَوَى القَسْب قد أَرْمَى ذِراعاً على العَشْر
أَي: زَاد.
أَبُو زيد: قد أرْمَيْت على الْخمسين، ورَمَيْت، أَي زِدْت.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ مثلَه.
وَيُقَال: كَانَ بَين الْقَوْم رِمِّيّا ثمَّ حَجزتُ بَينهم حِجِّيزَى، أَي كَانَ بَين الْقَوْم تَرامٍ بِالْحِجَارَةِ ثمَّ تَوسَّطهم من حجز بَينهم وكفّ بَعضهم عَن بعض.
وَفِي الحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِي الْخَوَارِج: يَمْرُقون من الدِّين كَمَا يَمْرقُ السَّهمُ من الرّمِيّة.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الأصمعيّ وَغَيره: قَوْله الرميّة: هِيَ الطَّريدة الَّتِي يَرميها الصَّائِد،

(15/200)


وَهِي كل دابّة مَرميّة، وأُنِّثت لِأَنَّهَا جُعلت اسْما لَا نَعْتاً، يُقَال بِالْهَاءِ للذّكر والأُنثى.
وَقَالَ مُليح الهُذليّ فِي الرَّميّ بِمَعْنى السَّحَاب:
حَنِين اليَماني هاجَه بعد سَلْوةٍ
وَمِيضُ رَمِيَ آخرَ اللَّيْل مُعْرِقِ
وَقَالَ أَبُو جُنْدب الهُذلي، وجَمعَه أَرْميةٍ:
هنالكَ لَو دَعَوْت أتَاك مِنْهم
رجالٌ مِثْلُ أَرْميةِ الحَمِيمِ
والحَميم: مَطر الصَّيف يكون عظيمَ القَطْر شَديد الوَقْع.
أَبُو عُبيد: من أمثالهم فِي الْأَمر يُتقدّم فِيهِ قبل فعْله: قَبل الرِّماء تُمْلأ الكَنَائِن.
والرِّماء: المُراماة بالنَّبْل.
ابْن الأعرابيّ: الرّمِيّ: صَوت الحَجر الَّذِي يَرْمي بِهِ الصّبيّ.
الأصمعيّ: رَمَاه بأَمر قَبِيح، ونثَاه، بمَعناه؛ وأَنْشد ابْن الأعرابيّ:
وعَلَّمنا الصَّبْرَ آباؤُنا
وخُطّ لنا الرَّمْيُ فِي الوَافِره
قَالَ: والرَّمْي، أَن يُرْمَى بالقوم من بَلد إِلَى بَلد.
والرَّمي: زِيَادَة فِي العُمر.
والتَّرْماء، مثل الرِّماء، والمُراماة.
ريم: الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت: الرَّيْم: الْفضل، يُقَال: لهَذَا رَيْمٌ على هَذَا، أَي فَضل؛ وَقَالَ العجّاج:
مُجَرِّساتٍ غِرّة الغَرِير
بالزَّجْر والرَّيْم على المَزْجُورِ
أَي مَن زُجر فَعَلَيهِ الفَضْلُ أبدا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُزْجَر عَن أَمْر قَصَّر فِيهِ، وَأنْشد:
فأَقْعِ كَمَا أَقْعَى أَبُوك على اسْته
يَرى أَن رَيْماً فَوْقه لَا يُعادِلُه
والرَّيْم: عَظْم يَبْقَى بعد مَا يُقْسم لَحم جَزُور المَيْسر؛ وَقَالَ الشَّاعِر:
وكُنتم كَعَظْمِ الرَّيْم لم يَدْرِ جازِر
على أيّ بَدْأَي مَقْسِم اللَّحم يُوضَعُ
قَالَ: وزَعم ابْن الأعرابيّ أنّ الرَّيْم: القَبر؛ وَقَالَ مَالك بن الرَّيْب:
إِذا مِتُّ فاعْتادي الْقُبُور وسَلِّمي
على الرَّيْم أُسْقِيت الغَمَامَ الغَوادِيَا
قَالَ: والرِّيم: الظّبي الْأَبْيَض الْخَالِص الْبيَاض.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّيم: الدَّرجة، والرَّيم: القَبر، والرَّيم: الظِّراب، وَهِي الجِبال الصِّغار، والرَّيم: العِلاوة بَين الفَوْدين، يُقَال لَهُ: البِرْواز، والرّيم: التباعد، مَا يَريم.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال عَلَيْك نَهَار رَيْمٌ، أَي عَلَيْك نهَارٌ طَوِيلٌ.
وَقَالَ أَبُو مَالك: لَهُ رَيمٌ على هَذَا، أَي

(15/201)


فَضْل.
وَقَالَ اللّيث: الرَّيْمُ: البَرَاح.
والفِعْل: رَام يَرِيم.
وَيُقَال: مَا يَرِيم يَفْعل ذَلِك، أَي مَا يَبْرح.
وَقَالَ أَبُو العبّاس: كَانَ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول فِي قَوْلهم: مَا رِمْتَ، بَلَى قد رِمْتَ.
وَغَيره لَا يَقوله إلاّ بِحرف الجَحد. وأَنْشدني:
هَل رَامني أحدٌ أَراد خَبيطَتي
أم هَل تَعذَّرَ ساحَتِي وجَنَابِي
قَالَ: يُرِيد: هَل بَرِحَني. وَغَيره يُنشده: مَا رامَني.
وَيُقَال: رَيّم فلانٌ على فلَان، أَي زَاد عَلَيْهِ.
روم: وأمّا: رام يَرُوم رَوْماً ومَرَاماً، فَهُوَ من بَاب الطَّلَب.
والمَرام: المَطْلب.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّوْمُ: شَحمة الأُذن؛ وَفِي الحَدِيث: تَعَهَّد المَغْفَلة والمَنْشلة والرَّوْمَ، وَهُوَ شَحمة الْأذن.
أَبُو عُبيد، عَن ابْن الأعرابيّ، عَن الأصمعيّ: الرُّومة، بِلَا همزَة: الفِراء الَّذِي يُلْصق بِهِ رِيشُ السَّهْم.
وبِئر رُومة: الَّتِي احتفرها عثمانُ بِنَاحِيَة المَدِينة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الروميُّ: شِراع السَّفِينة الفارغة.
والمُرْبِع: شِرَاع المَلأْى.
والرُّوم: جِيلٌ يَنْتمون إِلَى عِيصُو بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: من الظِّباء الآرام، وَهِي البِيض الْخَالِصَة البَياض.
وَقَالَ أَبُو زيد مِثلَه، وَقَالَ: وَهِي تَسْكُن الرِّمال.
قَالَ: والرُّؤام والرُّؤال: اللُّعاب.
ويُقال: رَئِمت الناقةُ وَلَدهَا، تَرْأَمه رَأْماً ورَأْمَاناً، إِذا أَحَبَّتْه.
ورَئِم الجُرح رِئْمَاناً حَسَناً، إِذا الْتَحم.
وأَرْأَمْت الجُرْحَ إرْآماً، إِذا داوَيْتَه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الرَّأْم: الولَد.
وقا اللّيث: الرَّأم: البَوُّ، وَولد ظُئرت عَلَيْهِ غير أُمّه؛ وأنْشد:
كأُمهات الرَّأْم أم مَطافِلاَ
وَقد رَئِمَتْه، فَهِيَ رائمٌ، ورَؤُومٌ.
قَالَ ابْن السِّكيت: أَرْأَمْته على الأَمر، وأَظْأَرته، أَي أَكْرَهْتُه.
والأثافيّ يُقال لَهَا: الرَّوَائم، لرِئْمانها الرَّمَاد.
وَقد رَئِمت الرَّمَادَ، فالرَّمادُ كالولَد لَهَا.
وأَرْأَمْناها، أَي عَطَفْنَاها على رَأْمها.
أَبُو عُبيد، عَن الأمويّ: الرَّؤُم من الغَنم: الَّتِي تَلْحس ثِيَاب من مَرّ بهَا.

(15/202)


وَقَالَ غَيره: رَأَمْت القِدحَ أَرْأَمه، مثل رَأَبته أَرْأَبه، ولأَمْته أَلأمه، إِذا أصْلَحْتَه.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: إِذا عطفت الناقةُ على ولَد غَيرهَا، فَهِيَ رائِم.
فَإِن لم تَرْأَمه وَلكنهَا تَشمّه وَلَا تَدِرّ عَلَيْهِ، فَهِيَ عَلُوق.
مري مرو: قَالَ الله عزّ وَجل: {رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} (النَّجْم: 12) .
قَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ: أَفَتَجْحدونه؟
وَمن قَرَأَ: {رَأَى} ، فَمَعْنَاه: أفَتُجادلونه؟
قَالَ: وَهِي قِرَاءَة الْعَوام.
ونحوَ ذَلِك قَالَ الزّجاج فِي تَفسير تُمرونه وتُمارونه.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن المبرّد، أَنه قَالَ فِي قَوْله: {رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} (النَّجْم: 12) أَي أتَدْفعونه عمّا يرى؟ قَالَ: و (على) فِي مَوضِع (عَن) .
قَالَ: وَيُقَال مَرَاه مائةَ سَوْط، ومَراه مائةَ دِرْهم، إِذا نَقَده إيّاها.
قَالَ: والمَرْيُ: مَسْح ضَرْع النَّاقة لتَدرّ.
ويُقال: مَرى الفرسُ والناقةُ، إِذا قَامَ أحدُهما على ثلاثٍ ثمَّ مَسحَ الأَرْض بِالْيَدِ الأُخرى، وأَنْشد:
إِذا حُطّ عَنْهَا الرَّحْلُ أَلْقَت برَأْسها
إِلَى شَذَبِ العِيدان أَو صَفَنت تَمْرِي
أَبُو عُبيد، عَن الكسائيّ: المَرِيّ: النَّاقة الَّتِي تَدِرّ على مَن يَمْسح ضَرْعَها.
وَقد أَمْرَت. وَجَمعهَا: مَرَايا.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: فِي قَوْلهم: مارَى فلانٌ فلَانا: مَعْنَاهُ: قد استخرج مَا عِنْده من الكَلام والحُجَّة، مَأْخُوذ من قَوْلهم: مَريت النَّاقة، إِذا مَسَحت ضَرْعها لتَدِرّ.
ومَرت الريحُ السَّحابَ، إِذا أَنْزلت مِنْهُ المَطَر.
قَالَ: وماريت الرجلَ، ومارَرْتُه، إِذا خالَفته وتَلَوَّيت عَلَيْهِ.
وَهُوَ مَأْخُوذ من مِرَارِ الفَتْل، ومِرَار السّلسلة، تَلَوِّي حَلَقها إِذا جُرّت على الصَّفَا؛ وَفِي الحَدِيث: (سَمِعت الملائكةُ مثلَ مِرَار السّلسلة على الصَّفا) .
قَالَ اللَّيْث: المريء: رَأس المَعِدَة والكِرش اللازق بالحُلقوم، وَمِنْه يدخُل الطَّعام فِي البَطن.
قلت: وَقد أَقرأَني أَبُو بكر الإياديّ: المريء، لأبي عُبيد، فهَمزه بِلَا تَشْديد.
وأقرأنيه المنُذري لأبي الهَيْثم، فَلم يَهْمز وشَدّد الْيَاء.
وَقَالَ أَبو زيد: المَرِيّ: النَّاقة تُحْلب على غير وَلد، وَلَا تكون مَرِيّاً، ومعَها ولدُها، وَجَمعهَا: مَرايَا.
وَجمع المِرآة: مَرَاءٍ، بِوَزْن مَرَاعٍ.

(15/203)


والعوام يَقُولُونَ فِي جمع الْمرْآة: مَرَايَا، وَهُوَ خطأ.
أَبُو بكر: المِرَاء: المُماراة والجَدل.
والمِرَاء أَيْضا: من الافتراء والشّكّ. {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِرًا} (الْكَهْف: 23) .
قَالَ: وَأَصله فِي اللّغة: الجِدال وَأَن يسْتَخْرج الرجلُ من مُناظره كلَاما ومعاني الخُصومة وغَيرها، من مَرَيت الشَّاة، إِذا حلبتها واسْتخرجت لَبَنها.
ورُوِي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا تُمَار فِي القُرآن فإنّ مِرَاءً فِيهِ كُفْرٌ) .
يُقال: ماريت الرَّجلَ، ومارَرْتُه؛ وَمِنْه قَول أبي الْأسود أَنه سَأَلَ عَن رَجُل فَقَالَ: مَا فَعل الَّذِي كَانَت امْرَأَته تُشارُّه وتمارِيه.
قَالَ أَبُو عُبيد: لَيْسَ وَجْه الحَدِيث عندنَا على الِاخْتِلَاف فِي التَّأْوِيل، وَلكنه عندنَا على الِاخْتِلَاف فِي اللَّفْظ، يَقْرَؤُهُ الرجلُ على حَرف فَيَقُول لَهُ الآخر لَيْسَ هُوَ هَكَذَا، ولكنّه على خِلَافه، وَقد أَنزلهما الله جَمِيعًا، يُعلم ذَلِك بِحَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نزل القُرآن على سَبعة أحرف، فَإِذا جَحد كُلُّ واحدٍ مِنْهُمَا قِرَاءَة صَاحبه، لم يُؤْمَن أَن يكون ذَلِك قد أخرجه إِلَى الكُفر) .
قَالَ اللّيْثُ: المِرْية: الشكّ؛ وَمِنْه: الامْتراء، والتماري فِي القُرآن.
يُقَال: تمارَى يَتَمارَى تمارِياً، وامترى امْتراء، إِذا شَكّ.
وَقَالَ الفَراء فِي قَوْله عزّ وجلّ: { ((غَشَّى فَبِأَىِّ آلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءِ رَبِّكَ} (النَّجْم: 55) يَقُول: بأيّ نعْمَة رَبك تُكَذِّب؟ إِنَّهَا لَيست مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ} (الْقَمَر: 36) .
وَقَالَ الزّجاج: الْمَعْنى أَيهَا الْإِنْسَان بأيّ نِعَم ربّك الَّتِي تدلّك على أَنه واحدٌ تَتشكَّك؟
والمِرْية: الشكّ.
شَمر، قَالَ الأصمعيّ: المَرْو: حجارةٌ بِيض بَرّاقة تكون فِيهَا النَّار.
وَقَالَ ابْن شُميل: المَرْوُ: حَجر أبيضُ رَقيق يُجعل مِنْهُ المظارّ يُذبح بهَا؛ يكون المَرو أَبيض كَأَنَّهُ البَرَد، وَلَا يكون أَسود وَلَا أَحْمَر، وَقد يُقدح بِالْحجرِ الأَحمر، وَلَا يُسمَّى مَرْواً.
قَالَ: وَتَكون المَرْوة مثل جُمْع الْإِنْسَان وَأعظم وأَصْفر.
قَالَ شَمر: وَسَأَلت عَنْهَا أعرابيّاً من بني أَسد، فَقَالَ: هِيَ هَذِه القَدّاحات الَّتِي يخرج مِنْهَا النَّار.
وَقَالَ اللَّيْث: المُرِيّ، مَعروف.
قلت: لَا أَدْري أعربيّ هُوَ أَم دَخيل.
وَفِي الحَدِيث: (أَمْرِ الدمَ بِمَا شِئْت) ، أَي سَيِّله واسْتَخرجه، من: مَرى يَمْرِي.
وَرَوَاهُ بَعضهم: أَمِرِ الدمَ، أَي أَجْره.

(15/204)


يُقَال: مار الدَّم يَمور، إِذا جَرى وسَال، وأَمَرْتُه أنَا.
مرأ: وَقَالَ اللَّيْث: المُروءة: كَمَال الرُّجوليّة.
وَقد مَرؤ الرّجل، وتَمَرَّأ، إِذا تكلَّف المُروءة.
والمَرآة: مَصْدر الشَّيْء المَرْئيّ.
ومَرئت الطَّعام: اسْتَمرأته، وَمَا كَانَ مَرِيئاً، وَلَقَد مَرُؤ، وَهَذَا يُمْرِىء الطَّعَام.
وقَلَّما يَمْرأ لَك طَعام.
أَبُو الْفضل، عَن ثَعلب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَا كَانَ الطَّعَام مَريئاً، وَلَقَد مَرَأ، وَمَا كَانَ الرجل مَريئاً.
وَلَقَد مَرُؤ.
وَقَالَ شَمر، عَن أَصْحَابه: يُقَال: مَرِىء لي هَذَا الطَّعَام، أَي استمرأتُه.
وقلّما يَمْرأ لَك الطَّعَام.
وَقد مَرُؤ الطَّعَام يَمْرؤ، ومَرِىء. يَمْرأ، ومَرأَ يَمْرَأ.
وَيُقَال: مَا لَك لَا تَمْرأ؟ أَي مَا لَك لَا تَطْعم؟
وَقد مَرَأت، أَي طَعِمْت.
والمَرْء: الإطعامُ على بِنَاء دارٍ، أَو تَزْويج.
وَقَالَ الفَراء: هَنأني الطَّعَام ومَرَأني، وهَنِئني ومَرِئني، فإِذا أَفردوه عَن هنأَني قَالُوا: أمرأني، وَلَا يُقَال: أهنأَني.
وَقَالَ ابْن شُميل: مرئت هَذَا الطَّعَام، أَي اسْتَمْرأتُه.
ثَعْلَب، عَن سَلمَة، عَن الْفراء: يُقَال من الْمُرُوءَة: مَرؤ الرجلُ يَمرُؤ مُروءة.
ومَرؤ الطعامُ يَمرؤ مَراءة.
وَلَيْسَ بَينهمَا فرق إِلَّا اخْتِلَاف المَصْدَرين.
وَكتب عمرُ بن الْخطاب إِلَى أبي مُوسى: خُذ النَّاس بالعربيّة فَإِنَّهُ يزِيد فِي العَقل ويُثبِّت المرُوءة.
وَقيل للأَحنف: مَا المُروءة: قَالَ العِفّة والحِرْفة.
وسُئل آخر عَن الْمُرُوءَة، فَقَالَ: الْمُرُوءَة ألاّ تفعل فِي السّر أمرا وَأَنت تَسْتَحِي أَن تَفْعله جَهْراً.
وَقَالَ أَبُو زيد: مَا كَانَ الطَّعَام مَرِيئاً.
وَلَقَد مَرْؤ مَراءةً.
وَيُقَال: أمرأني الطعامُ إمْراءً.
وَهُوَ طعامٌ مُمْرِىء.
اللَّيْث: امْرَأَة، تَأْنِيث امرىء.
وَيُقَال: مَرْأة.
وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: الْألف فِي امْرَأَة وامرىء ألف وَصْل.
قَالَ: وللعرب فِي الْمَرْأَة ثَلَاث لُغَات، يُقَال: هِيَ امْرَأَته، وَهِي مَرأتُه، وَهِي مَرتُه.
قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي والفَراء: امْرُؤ،

(15/205)


مُعْرَبٌ من الرّاء والهمزة، وَإِنَّمَا أَعرب من مكانَين، وَالْإِعْرَاب الْوَاحِد يَكْفي من الإعرابين، أَن آخِره هَمزة، والهمزة قد تُترك فِي كثير فِي الْكَلَام، فكرهوا أَن يَفتحوا الرَّاء ويتركوا الْهمزَة فَيَقُولُونَ: امْرَوْ، فَتكون الرَّاء مَفتوحة وَالْوَاو سَاكِنة، فَلَا يكون فِي الْكَلِمَة عَلامَة للرفع، فعرَّبوه من الرَّاء، ليكونوا إِذا تركُوا الْهمزَة آمِنين من سُقُوط الْإِعْرَاب.
قَالَ الفرّاء: وَمن الْعَرَب من يُعربه من الْهَمْز وَحده، ويدع الرَّاء مَفْتُوحَة، فَيَقُول: قَامَ امْرَؤٌ، وَضربت امْرَأً، ومررت بامْرَىءٍ؛ وأَنْشد:
بَأَبِيَ امْرَؤٌ وَالشَّام بَيْني وَبَينه
أَتَتْني بِبُشْرَى بُرْدُه ورسائِلُه
وَقَالَ الآخر:
أَنْت امْرَؤٌ مِن خِيَار النَّاس قد عَلِمُوا
يُعْطِي الجزيلَ ويُعْطي الجَهْدَ بالثَّمَنِ
هَكَذَا أنْشدهُ: بأَبْيَ، بِإِسْكَان الْبَاء الثَّانِيَة وَفتح الْيَاء، والبصريون يُنْشدونَه: بِبِنْيَ امْرَؤٌ.
قَالَ أَبُو بكر: فَإِذا أَسْقطت العربُ من امرىء الْألف، فلهَا فِي تعرِيبه مَذْهبان:
أَحدهمَا: التعريبُ من مكانَيْن.
وَالْآخر: التّعريب من مَكَان وَاحِد.
فَإِذا عَرَّبوه من مكانين قَالُوا: قَامَ مُرْؤٌ، وَضربت مَرْءًا، ومررتُ بِمِرْىء.
وَمِنْهُم من يَقُول: قَامَ مَرْء، وَضربت مَرءًا، ومررت بمَرْء.
قَالَ: ونزَل الْقُرْآن بتَعْرِيبه من مَكَان وَاحِد؛ قَالَ الله تَعَالَى: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} (الْأَنْفَال: 24) ، على فتح الْمِيم.
قَالَ: وتَصْغير امرىء: مُرَيْء.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: المَرِيء: الطَّعامُ الخَفِيف.
والمَرِيء: الرَّجُلُ المَقْبول فِي خَلْقه وخُلقه.
أَبُو زيد: يُقَال: مَرِىء الرَّجُل.
وَثَلَاثَة أَمْرِئة، ومُرُؤ، مهمورة، بِوَزْن مُرُع، وَهُوَ الَّذِي يجْرِي فِيهِ الطعامُ وَالشرَاب وَيدخل فِيهِ.
ابْن شُمَيْل: يُقَال: مَرىء هَذَا الطَّعَام مَراءة، أَي اسْتَمرأته.
وهَنىء هَذَا الطعامُ حَتَّى هَنِئْنَا مِنْهُ، أَي شَبِعنا.
ومرئتُ الطعامَ، واسْتَمرأتُه.
قَالَهَا أَبُو الهُذيل.
أَبُو عُبيد، عَن أبي عُبيدة: الشَّجْرُ: مَا لَصَق بالحُلْقُوم والمريء، بِالْهَمْز غير مُشَدَّدَة.
كَذَلِك رَوَاهُ الأمويّ عَن شَمر.
وَرَأَيْت فِي (كتاب أبي الهَيثم) : المُمْريَة من الْبَقر، الَّتِي لَهَا ولد ماريّ، أَي بَرّاق

(15/206)


اللَّون.
قَالَ: والماريّة: البراقة اللّون؛ قَالَ ابْن أَحْمَر يَصف بقرة:
مارِيّةٌ لُؤْلُؤانُ اللَّونِ أَوْرَدها
طَلٌّ وبَنّس عَنْهَا فَرْقَدٌ خَصِرُ
وَقَالَ الجَعدي:
كمُمْرِيَةٍ فَرْدٍ من الوَحْش حُرَّةٍ
أنَامت بِذِي الدَّنَّيْن بالصَّيْف جُؤْذَرَا
ثَعْلَب، عَن ابْن الأَعرابي: الماريَة، خَفِيفَة الْيَاء: القطاةُ اللؤلئية اللّون.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: الماريُّ: الثَّوْب الخَلق؛ وأَنْشد:
قُولا لذات الخَلَق المارِيّ
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: القَطاة الماريَّة، بتَشْديد الْيَاء، هِيَ الملْساء الْكَثِيرَة اللَّحْم.
وَقَالَ شَمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: القطاة المَارِيَة، بِالتَّخْفِيفِ: اللُّؤلئيّة اللّون.
وَقَالَ شَمر: قَالَ أَبُو خَيرة: المَرْوراة: الأَرض الَّتِي لَا يَهْتدي فِيهَا إِلَّا الخِرِّيت.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المَرَوْراة: قَفْر مُسْتَوٍ.
يُجمع: مَرَوْرَيات، ومَرارِيّ.
وَقيل: هِيَ الَّتِي لَا شَيْء فِيهَا.
أَمر: قَالَ اللَّيْث: الأَمْر، مَعْرُوف: نَقِيض النَّهْي.
والأَمر، وَاحِد الأُمور.
قَالَ: وَإِذا أَمَرت من الْأَمر قُلْت: اؤْمُر يَا هَذَا، فِيمَن قَالَ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلواةِ} (طه: 132) .
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي الهَيْثم أَنه قَالَ فِي قَول الله تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلواةِ} (طه: 132) قَالَ: لَا يُقال: أؤمُرْ فلَانا، وَلَا أُؤْخُذْ مِنْهُ شَيئاً، وَلَا أُؤْكُل؛ إِنَّمَا يُقال: مُرْ، وخُذْ، وكُلْ، فِي الِابْتِدَاء بِالْأَمر، اسْتثقالاً للضَّمَّتين، فَإِذا تقدّم قبل الْكَلَام (وَاو) أَو (فَاء) قلت: وَأْمر، وفَأْمر؛ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ} (طه: 132) ، فَأَما كُلْ من: أَكل يَأْكُل، فَلَا يكادون يُدخلون فِيهِ الْهمزَة مَعَ الْفَاء وَالْوَاو، وَيَقُولُونَ: كُلا، وخُذا، وارْفَعاه فكُلاه، وَلَا يَقُولُونَ: فَأْكُلاه.
قَالَ: وَهَذِه أَحْرف جَاءَت عَن العَرب نَوَادِر، وَذَلِكَ أَن أَكثر كَلَامهَا فِي كُل فعل أوّله همزَة: مثل: أَبَل يَأْبل، وأَسرَ يَأْسر، أَن يَكْسروا (يَفْعِل) مِنْهُ، وَكَذَلِكَ: أَبق يَأْبق، فإِذا كَانَ الْفِعْل الَّذِي أَوله همزَة (يَفْعل) مِنْهُ مكسوراً مردوداً إِلَى الْأَمر، قيل: إيسر يَا فلانُ، إيبقْ يَا غُلام؛ وكأنّ أَصله أسر، بهمزتين، فكرهوا جمعا بَين همزَتين، فحوّلوا إِحْدَاهمَا يَاء، إِذا كَانَ مَا قبلهَا مكسوراً.
قَالَ: وَكَانَ حَقّ الْأَمر من أَمَر يَأْمُر أَن يُقال: أؤْمُرْ، أؤْخُذ، أؤْكُل، بهمزتين، فَتركت الْهمزَة الثَّانِيَة وحوّلت واواً

(15/207)


للضَّمّة، فَاجْتمع فِي الْحَرْف ضَمَّتان بَينهمَا وَاو، والضمّة من جنس الْوَاو، فاسْتَثقلت العربُ جمعا بَين ضَمَّتين وواو، فطرحوا هَمزة الْوَاو لِأَنَّهُ بَقِي بعد طَرْحها حرفان، فَقَالُوا: مُرْ فلَانا بِكَذَا وَكَذَا، وخُذ من فلَان، وكُلْ، وَلم يَقُولُوا: أُكل، وَلَا أُمُرْ، وَلَا أُخُذْ، إِلَّا أَنهم قَالُوا فِي أَمر يَأْمر، إِذا تقدَّم قبل ألف أَمْره وَاو، أَو فَاء، أَو كَلَام يَتّصل بِهِ الأمْر من أَمَر يَأْمر، فَقَالُوا: الْقَ فلَانا وأْمُرْه، فردّوه إِلَى أَصله، وَإِنَّمَا فَعَلوا ذَلِك لِأَن ألف الأَمْر إِذا اتَّصَلت بِكَلَام قبلهَا سَقَطت الْألف فِي اللَّفْظ، وَلم يَفْعَلُوا ذَلِك فِي كُل وخُذ إِذا اتَّصل الْأَمر بهما بكلامٍ قبله، فَقَالُوا: الْق فلَانا وخُذ مِنْهُ كَذَا، وَلم نَسْمع: وأْخُذْ كَمَا سمعنَا وأْمُر، وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا} (الْبَقَرَة: 35) وَلم يَقُل وأْكلا.
قَالَ: فَإِن قيل: لم رَدّوا مُرْ إِلَى أَصلها وَلم يَردّوا وكُلاَ وَلَا وخُذا؟
قيل: لِسَعة كَلَام الْعَرَب ربّما ردُّوا الشَّيْء إِلَى أَصله، وَرُبمَا بَنَوه على مَا سَبَق، وَرُبمَا كَتَبُوا الْحَرْف مهموزاً، وربّما كَتبوه على ترك الْهمزَة، وربّما كَتبوه على الْإِدْغَام، وَرُبمَا كَتبوه على ترك الْإِدْغَام، وكل ذَلِك جَائِز واسِع.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا} (الْإِسْرَاء: 16) الْآيَة.
قَرَأَ أَكثر القُراء: أَمَرْنَا مُتْرَفيها.
وروى خارجةُ، عَن نَافِع آمَرْنا بالمَدّ. وَسَائِر أَصْحَاب نَافِع رَوَوْه مَقْصُوراً.
ورَوى اللَّيث، عَن أبي عَمْرو: أَمرنا بالتَّشديد.
وَسَائِر أَصْحَابه رَوَوه بِالْقصرِ وتَخفيف الْمِيم.
وروى هُدْبة، عَن حمّاد بن سَلمة، عَن ابْن كثير أَمَّرنا.
وسائرُ النَّاس رَوَوه عَنهُ مُخفَّفاً.
وروى سَلمة، عَن الفَراء: من قَرَأَ أَمَرْنا خَفِيفَة، فَسّرها بعضُهم: أمَرْنا مُتْرفيها بِالطَّاعَةِ ففَسقوا فِيهَا، أَي إِن المُترف إِذا أُمر بِالطَّاعَةِ خَالف إِلَى الفِسْق.
قَالَ الْفراء: وَقَرَأَ الْحسن آمَرْنا ورُوي عَنهُ: أَمَرْنا.
قَالَ ورُوي عَنهُ أَنه بِمَعْنى: أَكْثَرنا.
قَالَ: وَلَا نَرى أَنَّهَا حُفظت عَنهُ لأنّا لَا نَعرف مَعْنَاهَا هَا هُنَا، وَمعنى آمَرْنا بِالْمدِّ: أَكْثَرنا.
قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَة: أمَّرنا مُتْرَفيها وَهُوَ مُوافق لتفسير ابْن عبّاس، وَذَلِكَ أَنه قَالَ: سَلّطنا رُؤساءها ففَسقُوا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق نَحواً ممّا قَالَ الفَرّاء.
قَالَ: من قَرَأَ: أمَرْنا بِالتَّخْفِيفِ، فَالْمَعْنى: أَمَرناهم بِالطَّاعَةِ ففسقُوا.

(15/208)


فَإِن قَالَ الْقَائِل: أَلَسْت تَقول: أمرتُ زيدا فَضرب عمرا، وَالْمعْنَى: أَنَّك أمرتَه أَن يَضْرب عَمْراً فضَربه.
فَهَذَا اللّفظ لَا يَدُل على غير الضَّرْب.
وَمثل قَوْله تَعَالَى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا} (الْإِسْرَاء: 16) من الْكَلَام: أَمرتُك فعَصَيْتني، فقد عُلم أنّ المَعْصِية مُخَالفَة الْأَمر، وَذَلِكَ الفِسْق مُخالفة أمْر الله.
قَالَ: وَقد قيل: إنّ معنى (أمرنَا مُتْرفيها) : كَثّرنا مُتْرفيها.
قَالَ: والدَّليل على هَذَا قَول النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خَيْرُ المالِ سِكّة مَأْبُورة أَو مُهْرة مَأْمورة) ، أَي مُكَثّرة.
والعربُ تَقول: أَمِر بَنو فلانٌ، أَي كَثُروا؛ وَقَالَ لَبِيد:
إنْ يَنْبِطوا يَهْبِطوا وَإِن أَمِرُوا
يَوْمًا يَصِيروا للهُلْك والنَّكَدِ
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: فِي قَوْله مُهرة مأمورة: إِنَّهَا الْكَثِيرَة النِّتاج والنَّسْل.
قَالَ: وفيهَا لُغَتَانِ: يُقَال: أَمرها الله، فَهِيَ مَأمورة، وآمَرها الله فَهِيَ مُؤْمَرة.
وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا هُوَ مُهرة مَأمورة للازدواج، لأَنهم أتْبعَوها (مأبورة) فَلَمَّا ازْدوج اللّفْظان جَاءُوا ب (مأمورة) على وزن مأبورة، كَمَا قَالَت الْعَرَب: إنِّي آتِية بالغَدايا والعَشايا، وَإِنَّمَا يُجمع الْغَدَاة، غَدوات، فَجَاءُوا ب (الغدايا) على لفظ العشايا تَزْويجاً للفظين، وَلها نَظَائِر.
وَقَالَ أَبُو زيد: فِي قَوْله: مُهرة مأمورة: هِيَ الَّتِي كَثُر نَسْلُها.
يَقُولُونَ: أَمر اللَّهُ المهْرةَ، أَي كَثّر وَلَدها.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَمَر الرَّجُل إمَارةً، إِذا صَار عَلَيْهِم أَمِيراً.
وأَمَّر أَمَارةً، إِذا صَيَّرَ عَلَماً.
وَيُقَال: مَا لَك فِي الإمْرة والإمارة خَيْرٌ، بِالْكَسْرِ.
وأُمِّر فلانٌ، إِذا صُيِّر أَمِيراً.
وآمرت فلَانا، ووامَرتُه، إِذا شاوَرته.
والأَمارُ: الوقتُ والعَلامة؛ قَالَ العجّاج:
إِلَى أَمارٍ وأَمارٍ مُدَّتي
قَالَ: والإمَّر: ولدُ الضَّأن الصَّغير.
والإمَّرة: الأُنثى.
وَالْعرب تَقول للرجل إِذا وَصَفوه بالإعدام: مَا لَهُ إمَّرٌ وَلَا إمَّرة.
والإمّر أَيْضا: الرَّجُلُ الضَّعيف الَّذِي لَا عَقل لَهُ إِلَّا مَا أَمرته بِهِ لحُمقه؛ وَقَالَ امْرُؤ القَيس:
وَلَيْسَ بِذِي رَيثةٍ إمَّرٍ
إِذا قيد مسْتكرهاً أَصحَبَا
أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: تَقول الْعَرَب: فِي وَجْه المَال تَعْرف أَمرتَه، أَي زِيَادَته ونماءَه.
يَقُول: فِي إقبال الْأَمر تَعرف صَلاَحه.

(15/209)


والأمَرة: الزِّيَادَة والنماء والبَركة.
يُقَال: لَا جَعل الله فِيهِ أَمَرة، أَي بركَة، من قَوْلك: أَمِر المَال، أَي كَثُر.
قَالَ: ووَجهُ الْأَمر، أوّل مَا تَراه.
وَبَعْضهمْ يَقُول: تعرف أَمرتَه، من: أَمِر المَال، إِذا كثر.
ورَوى المُنذريّ، عَن أبي الهَيْثم، قَالَ: تَقول العَربُ: فِي وَجه المَال تَعرف أَمرته، أَي نُقصانه.
قلت: والصوابُ مَا قَالَ الفَرّاء فِي الأمَرة، وَأَنه الزِّيادة.
ويُقال: لَك عليَّ أَمَرَةٌ مُطَاعة، بِالْفَتْح لَا غير.
اللّحيانيّ: رجل إمَّر، وإمّرَة، أَي يَسْتأمر كُلَّ أَحد فِي أَمره.
ورَجل أمِرٌ، أَي مُبارك يُقبل عَلَيْهِ المَال.
قَالَ: والإمَّر: الخَرُوف.
والإمَّرة: الرِّخْل.
والخروف: ذَكَر؛ والرِّخْل، أُنثى.
ابْن بُزُرْج، قَالُوا: فِي وَجه مَالك تَعْرف أَمَرَته، أَي يُمْنَه.
وأَمَارته مثله وأَمْرَته.
ورجُلٌ أَمِرٌ، وَامْرَأَة أَمِرة، إِذا كَانَا مَيْمُونَيْن.
وَقَالَ شَمر: قَالَ ابْن شُميل: الأمَرة: مثل المَنارة فَوق الْجَبَل، عريض مثل الْبَيْت وَأعظم، وطولُه فِي السَّمَاء أَرْبَعُونَ قامة، صُنِعَت على عهد عَاد وإرم. وَرُبمَا كَانَ أصل إحْداهن مثل الدَّار، وَإِنَّمَا هِيَ حِجَارَة مَرْكُومة بَعْضها فوقَ بَعض قد أُلزق مَا بَينهَا بالطين، وَأَنت ترَاهَا كَأَنَّهَا خِلْقة.
وَقَالَ غَيره: الأَمَر: الْحِجَارَة؛ وَقَالَ أَبُو زبيد:
إِن كَانَ عُثْمَان أَمسى فَوْقه أَمَرٌ
كراقب العُون فَوق القُبّة المُوفِي
شبّه الأَمَر بالفحل يَرْقُب عُون أتُنه.
وَقَالَ الْفراء: مَا بهَا أَمَرٌ، أَي عَلَم.
وَقَالَ أَبُو عرو: الأمَرات: الأعْلام؛ واحدتها: أَمَرة.
وَقَالَ غَيره: وأَمَارة، مثل أَمرة؛ وَقَالَ حُمَيْد:
بسَوَاء مَجْمعة كأنّ أَمارةً
مِنْهَا إِذا بَرَزت فَتِيق يَخْطُرُ
وكُل عَلامَة تُعدّ، فَهِيَ أَمارَة.
وَتقول: هِيَ أَمارَة مَا بيني وَبَيْنك، أَي عَلامَة؛ وأَنْشد:
إِذا طَلعت شمس النَّهَار فإِنها
أَمارَة تَسْليمي عَلَيْك فَسَلِّمِي
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: رَجُلٌ إمَّرٌ وإمّرة، وَهُوَ الأَحْمق.
وَقيل: رَجُلٌ إمَّرٌ: لَا رَأْي لَهُ، فَهُوَ يَأْتَمِر

(15/210)


لكل أَمْر ويُطيعه؛ أَنْشد شَمِر: إِذا طلَعت الشِّعرى سَفَراً فَلَا تُرسل فِيهَا إمَّرة، وَلَا إمَّرَا.
قَالَ: مَعْنَاهُ: لَا تُرسل فِي الْإِبِل رجلا لَا عقل لَهُ يُدَبِّرها.
والإمّرُ: الأَحْمق.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {قَالَ يامُوسَى إِنَّ الْمَلاََ يَأْتَمِرُونَ} (الْقَصَص: 20) .
قَالَ أَبُو عُبيدة: أَي يتشاورون فِيك لَيقْتلوك، وَاحْتج بقول النَّمر بن تَولب:
أحارُ بن عَمْرو كأنِّي خَمِرْ
ويَعْدُو على المَرء مَا يَأْتَمِرْ
قَالَ القُتيبي: هَذَا غَلط، كَيفَ يعدو على الْمَرْء مَا شاور فِيهِ، والمُشاورة بركَة.
وَإِنَّمَا أَرَادَ يعدو على الْمَرْء مَا يَهُم بِهِ من الشَّر.
قَالَ: وَقَوله: إنَّ الْمَلأ يأتمرون بك أَي يَهمّون بك؛ وأَنْشد:
اعْلمن أَن كُلّ مُؤْتَمِر
مُخْطىء فِي الرّأي أَحْيَانَا
قَالَ: يَقُول: مَن ركب أمرا بِغَيْر مَشُورة أَخطَأ أحْياناً.
قَالَ: وَقَوله تَعَالَى: {أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ} (الطَّلَاق: 6) بِهِ أَي هُمّوا واعْتَزموا عَلَيْهِ، وَلَو كَانَ كَمَا قَالَ أَبُو عُبيدة لقَالَ: يتأمَّرون بك.
وَقَالَ الزّجّاج: معنى قَوْله جلّ وعزّ: {إِنَّ الْمَلاََ} (الْقَصَص: 20) أَي يأمرُ بعضُهم بَعْضًا بقَتلك.
قلت: يُقال: ائتمر القومُ، وَتَآمَرُوا، إِذا أَمر بعضُهم بَعْضًا.
كَمَا يُقَال: اقتتل الْقَوْم وتقاتلوا، واختصموا وتخاصموا.
وَمعنى يأتمرون بك أَي يؤامر بَعضهم بَعْضًا، كَمَا يُقَال: اقتتل الْقَوْم وتقاتلوا، واختصموا وتخاصموا.
وَمعنى يأتمرون بك، أَي يُؤامر بَعضهم بَعْضًا فِيك، أَي فِي قَتلك.
وَهَذَا أحسن من قَول القُتيبي إِنَّه بِمَعْنى يهمّون بك.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ} (الطَّلَاق: 6) فَمَعْنَاه وَالله أعلم: لِيَأْمر بعضُكم بَعْضًا بمَعروف؛ وَقَوله:
اعْلمن أَن كُل مُؤْتمر
مَعْنَاهُ: إِن من ائتمر رَأْيه فِي كل مَا يَنْويه يخطىء أَحْيَانًا.
قَالَ شمر: مَعْنَاهُ: ارتأى وشاور نَفسه قبل أَن يُواقع مَا يُريد.
قَالَ: وَقَوله:
اعلمن أَن كُل مؤتمر

(15/211)


أَي كُل من عمل بِرَأْيهِ فَلَا بُد أَن يخطىء الأحيان.
قَالَ: وَقَوله: وَلَا يأتمر لمُرشد، إِي لَا يشَاوره.
وَيُقَال: ائتمرت فلَانا فِي ذَلِك الْأَمر.
وائتمر القومُ، إِذا تشاوروا؛ وَقَالَ الْأَعْشَى:
فعادَا لَهُنّ وَزَادا لَهُنّ
واشْتركا عَمَلاً وائْتمارَا
وَقَالَ العجّاج:
لمّا رأى تَلْبيس أمْرٍ مُؤْتَمِرْ
تَلبيس أَمر، أَي تَخْلِيط أَمر؛ مُؤتمر، أَي اتخذ أَمْراً.
يُقَال: بئْسَمَا ائتمرت لنَفسك.
ابْن السّكيت، قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَت عَاد تسمّي المُحَرّم: مُؤتمر، وصفر: ناجزاً، وربيعاً الأوّل: خُوَّاناً، وربيعاً الآخر: بُصاناً، وجمادى الأولى: رُبَّى، وجمادى الْآخِرَة: حنِيناً، ورَجب: الْأَصَم، وَشَعْبَان: عاذلاً، ورمضان: فاتقاً، وشوالاً: وعِلاً، وَذَا الْقعدَة: وَرْنة، وَذَا الْحجَّة: بُرَك.
وَقَالَ شمر فِي تَفْسِير حَدِيث عُمر: الرِّجَال ثَلَاثَة: رجل إِذا نزل بِهِ أَمْر ائتمر رأيَه.
قَالَ شمر: مَعْنَاهُ: ارتأى وشاور نَفسه قبل أَن يُواقع مَا يُريد.
قَالَ: وَمِنْه قَوْله:
لَا يَدَّري المَكْذوب كَيفَ يَأْتمر
أَي كَيفَ يرتئي رَأيا ويشاور نَفسه ويَعْقد عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبيد فِي قَوْله:
ويَعْدو على الْمَرْء مَا يأْتمر
مَعْنَاهُ: الرجل يعْمل الشَّيْء بِغَيْر روية وَلَا تثبّت وَلَا نظر فِي الْعَاقِبَة فيَنْدم عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله تَعَالَى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} (الْكَهْف: 72) أَي جِئْت شَيْئا عَظِيما من المُنْكَر.
قَالَ: ونكراً أقلّ من قَوْله إمراً، لِأَن تَغريق مَن فِي السَّفينة أَنكر مِن قَتْل نَفْسٍ وَاحِدَة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سِنانُ مؤمَّر، أَي محدَّد؛ وَقَالَ ابْن مُقبل:
لقد كَانَ فِينا مَن يَحُوط ذِمَارنا
وَيَحْذِي الكَمِيَّ الزَّاعِبِيّ المُؤَمَّرَا
وَقَالَ خَالِد: هُوَ المسَلّط.
قَالَ: وَسمعت الْعَرَب تَقول: أمِّر قَناتك، أَي اجْعَل فِيهَا سِنَانًا. والزَّاعبيّ: الرمْح الَّذِي إِذا هُز تَدافع كُله كأَنَّ مؤخَّره يَجْري فِي مُقَدَّمه.
وَمِنْه قيل: مَرّ يَزعَب بِحمله، إِذا كَانَ يَتَدَافع.
قَالَه الأَصمعيّ.
مور مير: عَمْرو، عَن أَبِيه: المَوْر:

(15/212)


الدَّوَران.
والمَوْر، مَصْدر: مُرْت الصُّوف مَوْراً، إِذا نَتَفْتَه.
وَهِي: المُوَارة: والمُرَاطة.
والمَوْرُ: الطَّرِيق؛ وَمِنْه قولُه:
وظيفاً وظيفاً فَوق مَوْرٍ مُعَبَّدِ
والمَوْر: التُّراب.
والمُور، جمع: نَاقَة مائرة، ومائر، إِذا كَانَت نَشيطةً فِي سَيرها فَتْلاءَ فِي عَضُدها.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: وَقَع عَن الْحمار مُوارتُه، وَهُوَ مَا وَقع من نُسَاله.
ومار يَمور مَوْراً، إِذا جَعل يَذهب ويَجيء ويَتردَّد.
قَالَ: وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: {دَافِعٍ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوْراً} {للهمَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً} (الطّور: 9، 10) .
قَالَ مُجَاهِد: تَدور دَوْراً.
وَقَالَ غَيره: أَي تَجيء وتَذْهب.
وَيُقَال: مار الدمُ يَمُور، إِذا جَرى على وَجه الأَرْض.
وسُمي الطَّريق: مَوْراً، لِأَنَّهُ يُذْهَب فِيهِ ويُجاء.
وَفِي حَدِيث عِكْرمة: لمّا نفخ فِي آدم عَلَيْهِ السلامُ الروحُ مارَ فِي رأْسه فَعَطس، أَي دَار وتردّد.
حَدثنَا الحُسين، قَالَ: حَدثنَا عِيسَى بن حَمَّاد الْمهْدي، قَالَ: أخبرنَا اللَّيث بن سعد، عَن مُحَمَّد بن عجلَان، عَن أبي الزّناد، عَن ابْن هُرْمز، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مثل المُنْفق والبخيل كَمثل رَجُلَين عَلَيْهِمَا جُبّتان من لدن تَراقيهما إِلَى أَيديهما، فَأَما المُنْفق فَإِذا أَنفق مارت عَلَيْهِ وسَبغت حتَّى تبلغ قدَميه وتَعْفو أثَره، وَأما الْبَخِيل فَإِذا أَرَادَ أَن يُنْفق أخذت كُلُّ حَلْقة موضعهَا ولزمَتْه، فَهُوَ يُريد أَن يوسّعها وَلَا تَتّسع) .
قلت: مارت، أَي سَالَتْ وتردّدت عَلَيْهِ، وذَهبت وجاءَت. يَعْنِي نَفَقته.
ابْن هُرْمُز هُوَ: عبد الرحمان بن هُرمز الأَعْرج.
قَالَ اللّيث: المَور، المَوْجُ.
والبَعير يَمور عَضُداه، إِذا تردّد فِي عَرْض جَنْبه.
والطَّعنةُ تمور، إِذا مَالَتْ يَمِينا وشِمالاً.
والدِّماء تَمور على وَجه الأَرض، إِذا انصَبَّت فتردَّدت.
والمَور: التُّرَاب تُثيره الرِّيح.
وَفِي حَدِيث عديّ بن حَاتِم أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: (أَمِرِ الدَّم بِمَا شِئْت) .
قَالَ شَمر: من رَوَاهُ، أَمِرْه فَمَعْنَاه: سَيِّله وأَجْره.
يُقَال: مار الدمُ يَمُور مَوْراً، إِذا جَرى وسال.

(15/213)


وأَمَرْته أَنا، وَأنْشد:
سَوف تُدْنيك من لَمِيسَ سَبَنْدا
ةُ أَمارت بالبَذْل ماءَ الكِرَاشِ
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَوْر: السُّرْعة؛ وأَنشد:
وَمَشْيُهنّ بالحَبِيب مَوْر
وروى أَبُو عبيد: (أمْرِ الدمّ بِمَا شِئْت) ، أَي سيّله واستَخْرجه.
من مريت النَّاقة، إِذا مَسحت ضَرْعها لِتَدِرّ.
وروى ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَرى الدمَ، وأمراه، إِذا اسْتَخرجه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سايَرْته مُسايرة، وماريته مُمايرة، وَهُوَ أَن تفعل مثل مَا يَفعل؛ وأَنْشد:
يُمايرها فِي جَرْيه وتُمايرُه
وَقَالَ اللَّيْث: اليَامُور: من دَوابّ البرّ، يَجْري على مَن قَتله فِي الحَرم أَو الإحْرام الحُكْمُ.
وذَكر عَمرو بن بَحر (اليَامُور) فِي بَاب الأَوعال الجبليّة والأَياييل والأَرْوَى.
وَهُوَ اسمٌ لجنس مِنْهَا، بِوَزْن اليَعْمور.
واليَعمور: الجَدْي.
وَجمعه: اليَعَامِير.
قَالَ اللَّيْث: والمِيرة: جَلْب الطَّعام للبَيْع.
وهم يَمْتارون لأنْفُسهم.
ويَميرُون غَيرهم مَيْراً.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقال: مارَه يَميره مَيْراً، إِذا أَتَاهُ بمِيرة، أَي طَعام.
وَمِنْه يُقال: مَا عِنْده خَيْر ومَيْر.
وَيُقَال للرُّفْقة الَّتِي تَنهض من الْبَادِيَة إِلَى القُرى لِتَمتار: مَيّارة.
وَقَالَ اللَّيْث: المِئْرة: العدواةُ.
وجَمعها: المِئَر.
وماءَرْتُ بَين الْقَوْم مُماءرةً، أَي عادَيْت بَينهم.
قَالَه أَبُو زيد.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: المِئْرة: الذَّحْل.
وَجَمعهَا: مِئَر.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زَيد: ماءرْتُه مُماءرةً، على فاعَلْته.
وَقَالَ اللَّيْث: امتأر فلانٌ على فلَان، أَي احْتَقد عَلَيْهِ.
وَقَالَ غَيره: المُماءرة: المُعارضة؛ وأَنشد:
يُمائرها فِي مَشيه وتُمَائره
أَي: يُباريها.
وروى الخرّاز، عَن ابْن الْأَعرَابِي، أَنه أَنْشده:

(15/214)


تماءَرْتمُ فِي العِزّ حَتَّى هَلكتُمُ
كَمَا أَهْلك الغارُ النِّساء الضَّرائِرَا
قَالَ: تماءرتم: تَشابَهْتم.
وَقَالَ غَيره: تباريتم.
أَبُو زيد: جَاءَهُم أَمْرٌ مَئِر، بِوَزْن مَعِر، وَهُوَ الشَّديد.
أرم: ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأَرْم: القَطْع.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: أَرَمَتْهم السَّنةُ تَأْرمهم، أَي أَكَلَتْهم.
وأَرمَت الأرضُ النَّبْتَ، إِذا أهْلكته.
وأَرَمَتْهم السَّنة: استَأصَلَتهم.
وأَرَم مَا على الخُوان، إِذا أَكَله.
وإنّه لَيَحْرُق عَلَيْهِ الأُرَّم، وَهِي الأضْراس.
وَقَالَ اللَّيْث: أَرُوم الأضْراس: أُصول مَنابتها.
ابْن بُزُرْجَ: يُقال تِلك أرضٌ أرِمَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الآرام: مُلتقى قبائل الرَّأس.
وَلذَلِك سُمّي الرَّأس الضَّخم: مُؤَرَّماً.
وبَيضة مُؤَرَّمة: وَاسِعَة الأعْلى.
وأرُومة كُلّ شَجرة: أصْلها.
وَالْجَمَاعَة: الأَرُوم.
قَالَ: وَلَا يُقال: أُرومة، بِضَم الْهمزَة.
قَالَ: والأُرَّم: الْحِجَارَة؛ وأَنْشد:
يَلُوك مِن حَرْدٍ عليَّ الأُرَّمَا
وَيُقَال: بل الأُرَّم: الأَضْراس؛ وَقَالَ الراجز:
أُنْبِئْتُ أحْماء سُلَيْمَى أنَّما
أضْحَوا غِضَاباً يَحرقُون الأُرَّمَا
وَقَالَ شمر: الأُرّم: الحَصَى.
قَالَ أَبُو عَمْرو الشّيباني الآرام: الأَعلام. وَاحِدهَا: إرَم؛ وَقَالَ عَبِيد بن الأَبْرص يصف عُقاباً:
باتَتْ على إرَمٍ عَذُوباً
كأَنّها شَيْخةٌ رَقُوبُ
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: قَالَ أَعْرَابِي لمؤذِّن كَانَ بالرّيّ رقى مَنَارَة ليؤذّن فِيهَا: أتَرْقى كُلَّ يَوْم هَذَا الإرَم؟
قَالَ الْفراء: فِي قَول الله عزّ وجلّ: {بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} (الْفجْر: 7) : لم يُجْرِها القُرَّاء لأنّها اسمُ بَلْدة.
وَذكر الكلبيّ بِإِسْنَادِهِ أنّ إرَم: سَام بن نوح، فَإِن كَانَ اسْما لرجل فَإِنَّمَا تُرك إجراؤه لأنَّه أعْجمي.
وإرم تَابِعَة ل (عَاد) .
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: فِي قَوْله إرم ذَات: أَي رجال عَاد الَّذين قَالُوا: {وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا} (فصلت: 15) .
أَبُو عبيد، عَن الأصمعيّ: مَا بِالدَّار عَرِيب.

(15/215)


وَقَالَ أَبُو زيد: مَا بهَا أَرِمٌ وأَرِيم.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مَا بهَا أَرِمٌ، على فَعِل.
أَبُو عُبيد، عَن الفَرّاء: يُقال: مَا بهَا آرِم، مثل، عَارِم، وَمَا بهَا أرَمِيّ؛ يُرِيد: مَا بهَا عَلَم؛ وَمَا بهَا أَرِم، مِثَال عَرِم.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: مَا بهَا أيرميّ، مثله.
قَالَ أَبُو مَنْصُور: وسمعتُ أعرابيّاً يُنشد جَارِيَة:
لم تَرْعَ يَوْمًا غَنَما
... فِي الروايا أَيْرما
وسمعتهم يَقُولُونَ: مَا بهَا أيْرَمِيّ، وَلَا إرَمِيّ.
وَيَقُولُونَ للْعلم فَوق القارة: أَيْرميّ.
والإرَم: العَلم، وَجمعه: أُرُوم.
وَبِنَاء مَأرُوم، وَقد أَرمه الْبَانِي أَرْماً.
وجَمَلٌ مَأْرُوم الخَلْق، إِذا كَانَ مُداخلاً مُدمَّجاً؛ وَأنْشد:
تَسمع فِي عُصْلٍ لَهَا صَوالدا
مَأْرُومة إِلَى شباً حَدائِدَا
ضَبْرَ بَراطِيلَ إِلَى جَلاَمدا
وعِنانٌ مَأْرُوم، إِذا فُتل فَتْلاً مَجْدُولاً.
وَقَالَ النَّضر: أُروم الرَّأْس: حُروفه.
وَقيل: هِيَ شُؤون رَأس الْجمل.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: الحَصَد من الأَوْتَار: المُتقارب الأرْم.
والزِّمام يُؤارَم، على يُفاعل، أَي يُداخل فَتْله.
وغيضة حَصِيدة: مُلْتفة النَّبت.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: مَا أَدري أَي الأُرُوم هُوَ؟ وَمَا أَدري أيّ الطِّين هُوَ؟ مَعْنَاهُ: مَا أَدْري أيّ النَّاس هُوَ؟
ورم: قَالَ اللّيث: الوَرم، مَعْرُوف.
وَقد وَرِمَ يَرِمُ وَرَماً، فَهُوَ وارِم.
ويَرَمْرَمُ، وتِعَارُ: جَبَلان فِي بِلَاد قيس، مُتقابلان.
والمَرْيم، من النِّساء، الَّتِي تُحب مُحادثة الرِّجال ومحاورتهم، وَمِنْه قَول رُؤْبة:
قلت لزير لم تَصِلْه مَرْيَمُهْ
وبطن الرُّمة: وادٍ مَعروف بعالية نَجد.
وَفِي حَدِيث أبي بكر: ولّيت أُمورَكم خَيركم فِي نَفسِي فكلّكم وَرِم أَنْفُه على أَن يكون الأمرُ لَهُ دونه.
يَقُول: امْتَلَأَ من ذَلِك غَضبا. وَخص الْأنف بِالذكر من سَائِر الْأَعْضَاء لِأَنَّهُ

(15/216)


مَوضِع الأنفة والكِبر، كَمَا يُقَال: شمخ بِأَنْفِهِ؛ وَقَالَ:
وَلَا يُهاج إِذا مَا أَنْفُه وَرِمَا
أَي لَا يُكَلَّم عِنْد الغَضب.
وَقَالَ عَامر بن سَدوس الخناعيّ:
وحَيّ حِلاَلٍ أُولي بَهْجة
شَهِدْت وشَعْبهمُ مُغْرمُ
بشَهباء تَغْلِب مَن ذادها
لَدَى مَتْنِ وازعها الأَوْرَم
الأَورم: الْكثير من النَّاس: ووازعها: كثرتُها؛ يَزَع بعضُهم بَعْضًا.

(15/217)


بَاب اللفيف من حرف الرَّاء
ورى، أور، روى، (رَأْي، رأرأ، رَاء، أرر، أير، يرر، رير، ورر) .
ورى: رُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لأَن يَمْتلىء جَوْفُ أَحدكم قَيْحاً حَتَّى يَرِيَه خَيْرٌ لَهُ من أَن يَمتلىء شِعْراً) .
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: قَوْله حَتَّى يَرِيه هُوَ من الوَرْي على مِثَال الرَّمْي.
يُقَال مِنْهُ: رَجُلٌ مَوْرِيٌّ، غير مَهْموز، وَهُوَ أَن يَدْوَى جَوْفُه؛ وأَنْشد:
قَالَت لَهُ وَرْياً إِذا تَنَحْنَحا
تَدعو عَلَيْهِ بالوَرْى.
وَأنْشد الْأَصْمَعِي للعجّاج يصف الجِراحات:
عَن قُلُبٍ ضُجْمٍ تُوَرِّي مَن سَبَرْ
يَقُول: إنْ سَبَرها إنسانٌ أَصَابَهُ مِنْهَا الوَرْيُ من شِدّتها.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبيدة فِي الوَرْي مِثْله، إِلَّا أَنه قَالَ: هُوَ أَن يأكُل القَيْحُ جَوْفَه.
قَالَ: وَقَالَ عَبد بني الحَسْحاس يَذكر النِّساء:
وراهُنّ رَبِّي مثل مَا قَدْ وَرَيْنَنِي
وأَحْمَى على أكبادهنّ المَكَاويَا
وَقَالَ ابْن جَبلة: وسمعتُ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول فِي قَوْله (تُورِّي من سَبر) قَالَ: مَعنى تُوَرِّي: تَدْفَع؛ يَقُول: لَا يرى فِيهِ علاجاً مِن هولها فيمنعه ذَلِك من دوائها؛ وَمِنْه قولُ الفرزدق:
فَلَو كُنْتَ صُلْب العُودِ أَو ذَا حَفِيظَةٍ
لَوَرَّيْتَ عَن مَوْلاكَ واللَّيْلُ مُظْلِمُ
يَقُول: نَصَرته ودَفعت عَنهُ.
قَالَ الفَرّاء: الوَرَى: الخَلْق، تكْتب بِالْيَاءِ.
قَالَ: والوَرَى: داءٌ يُصيب الرَّجُل وَالْبَعِير فِي أجوافِهما، مَقْصُور، يُكتب بِالْيَاءِ.
يُقال: بِهِ الوَرَى، وحُمَّى خَيْبَرى، وشَرٌّ مَا يَرى، فإِنّه خَيْسَرى.
وَقَالَ الأصمعيّ، وَأَبُو عَمْرو: لَا يُعرف الوَرَى من الدَّاء، بِفَتْح الرَّاء، إِنَّمَا هُوَ الوَرْي بِإِسْكَان الرَّاء، فصُرِف إِلَى الوَرَى.
وَقَالَ أَبُو العبّاس: الوَرْي، الْمصدر، والوَرَى، بِفَتْح الرَّاء، الِاسْم.
وَفِي الحَدِيث إنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ سَفَراً وَرَّى بغَيْره.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: التَّوْرية: السَّتْر.

(15/218)


يُقال مِنْهُ: وَرَّيت الْخَبر أُوَرِّيه تَوْرِية، إِذا سَتَرْتَه وأَظهرتَ غَيره.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَلَا أرَاهُ مأخوذاً إِلَّا من: وَرَاء الْإِنْسَان، لِأَنَّهُ إِذا قَالَ: ورَّيته، فَكَأَنَّهُ إنّما جعله وَراءه حَيْثُ لَا يَظهر.
قَالَ: وحدّثنا ابْن عُلية، عَن دَاوُود، عَن الشَّعبي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} (هود: 71) قَالَ: الوراء: وَلَدَ الوَلد.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: وَرَاء، يكون بِمَعْنى: خَلْف، وقُدّام.
وَقَالَهُ أَبُو عُبيد.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} (الْكَهْف: 79) .
قَالَ ابْن عبّاس: كَانَ أمامهم مَلِك؛ قَالَ لَبِيد:
أَلَيْسَ ورائي إنْ تَراخت مَنِيَّتي
لُزُومُ العَصا تُئْنَى عَلَيْهَا الأصابِعُ
وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله تَعَالَى: {وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} (إِبْرَاهِيم: 17) أَي: من بعد ذَلِك.
وَقَالَ فِي قَول النَّابِغَة:
وَلَيْسَ وَرَاء الله للمرء مَذْهب
أَي لَيْسَ بعد الله للمرء مَذْهب، يَعْنِي فِي تأكيده التَّنَصُّل مِمَّا قُرِف بِهِ فَيذْهب إِلَيْهِ.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن الحَرّاني، عَن ابْن السِّكيت، قَالَ: الوَراء: الخَلف.
قَالَ: ووراء، وأمام، وقُدام، يُؤنَّثن ويُذَكَّرن.
ويُصغّر أَمَام فيُقال: أُميِّم ذَلِك، وأُميِّمة ذَلِك.
وَهُوَ وُرَيِّىء الْحَائِط، ووُريِّئَة الْحَائِط.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الوراء، مَمْدُود: الخَلْف، وَيكون: الْأَمَام.
وَقَالَ الْفراء: لَا يجوز أَن يُقال للرجل: وَرَاءَك؛ وَهُوَ بَين يَديك، وَلَا لرَجُل هُوَ بَين يَديك: هُوَ وَرَاءَك، إِنَّمَا يجوز ذَلِك فِي الْمَوَاقِيت والأيّام والليالي والدَّهر. تَقول: وَرَاءَك بَرْد شَدِيد، وَبَين يَديك برد شَدِيد، لِأَنَّك أنتَ وَرَاءه، فَجَاز لِأَنَّهُ شَيْء يَأْتِي، فَكَأَنَّهُ إِذا لَحِقك صَار من ورائك، وكأنك إِذا بلغته كَانَ بَين يَديك، فَلذَلِك جَازَ الْوَجْهَانِ، من ذَلِك قَول الله تَعَالَى: {وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ} (الْكَهْف: 79) أَي: أمامهم. وَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى: {مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ} (إِبْرَاهِيم: 16) أَي: إِنَّهَا بَين يَديه.
أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول الله تَعَالَى: {بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ} (الْبَقَرَة: 91) أَي: بِمَا سواهُ.
قَالَ: والوراء: الخَلْف، والوَرَاء: القُدَّام، والوراء: ابْن الابْن.
قَالَ: وَقَوله تَعَالَى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذالِكَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 7) أَي: سِوى ذَلِك.

(15/219)


والوَرَى، مَقْصُور: الخَلْق؛ يُقَال: مَا أَدْرِي أيّ الوَرَى هُوَ؟
وَقَالَ اللَّيْث: الرِّية، محذوفة من وَرَى.
والواريةُ: دَاء يَأْخُذ فِي الرّئة، يَأْخُذ مِنْهُ السُّعال فَيقْتل صاحِبَه.
يُقال: وُرِي الرَّجل، فَهُوَ مَوْرُوٌّ.
وَبَعْضهمْ يَقُول: مَوْرِيٌّ.
قَالَ: والثَّوْر يَرِي الكَلْب، إِذا طَعَنه فِي رئته.
قَالَ: والرِّئة، يُهمز وَلَا يُهمز، وَهِي مَوضِع الرّيح والنَّفَس، وَجَمعهَا: رئات؛ ويُجْمع: رِئين.
وتصغيرها: رؤيّة.
وَيُقَال: رُوَيّة؛ وَقَالَ الكُميت:
يُنازِعْن العَجاهِنَة الرِّئينا
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: يُقَال: وَرَيْته من الرِّئة فَهُوَ مَوْرِيّ، ووَتَنْته، فَهُوَ مَوْتُون، وشَوَيْته، فَهُوَ مَشْوِيّ، إِذا أصبت رئته وشَواتَه ووتِينَه.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: يُقال من الرِّئة: رَأَيْته، فَهُوَ مَرْئيّ، إِذا أصبته فِي رئته.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: إِذا أَخرج الزَّنْدُ النَّار، قيل: وَرِي الزَّنْد يَرِي، وَأَنا أوريته إيراء.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الرِّية، من قَوْلك: وَرت النَّار تَرِي ورْياً ورِيَةً، مثل: وعت تَعِي وَعْياً وعِيَةً، ووريْته أَرِيه وَرْياً ورِيةً.
قَالَ: وأَوريت النَّار أُوريها إيراء، فَوَرت تَرِي، ووَرِيت تَرِي.
وَيُقَال: وَرِيت تَوْرَى؛ وَقَالَ الطرمّاح يصف أَرضًا جدبة لَا نَبات فِيهَا:
كظَهر اللأَى لَو تَبْتغي رِيةً بهَا
لَعَيَّتْ وشَقَّت فِي بُطون الشَّواجِنِ
أَي هَذِه الصَّحرَاء كظَهر بقرة وحشيّة لَيْسَ فِيهَا أَكمة وَلَا وَهْدة.
وَقَالَ ابْن بُزْرج: الرِّية: مَا تُثقب بِهِ النَّار.
قلت: جعلهَا ثقوباً من خَثًى، أَو رَوْث، أَو ضَرَمَة، أَو حَشيشة يابسة.
أَبُو عُبيدة، عَن أبي زيد: أَرّيت النَّار تَأْرية، ونَمَّيتها تَنميةً، وذكّيتها تَذْكية، إِذا رَفَعْتها.
وَاسم الشَّيْء الَّذِي تُلقيه عَلَيْهَا من بَعر أَو حَطَب: الذُّكْيَة.
قلت: أحسَب أَبَا زَيد جعل: أرّيت النَّار من وريتها فَقلب الْوَاو همزَة، كَمَا قَالُوا: أكدت الْيَمين، ووكّدتها، وأَرَّثت النَّار، ووَرَّثتها.
أَخْبرنِي المُنذري، عَن الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، قَالَ: يُقَال: إنّه لوارِي الزِّناد، ووَارِي الزَّند، ووريُّ الزَّند، إِذا رام أمرا أَنْجح فِيهِ وأَدرك مَا طلب.
قَالَ: ويُقال: وَرِي الزَّند يَرِي، ووَرِي

(15/220)


الزَّندُ يَوْرَى.
قَالَ: وَسمعت أَبَا الْهَيْثَم يَقُول: أَوريت الزَّند، فَوَرَتْ تَرِي وَرْياً ورِيةً.
وَقد يُقال: وَرِيت تَوْرَى وَرْياً ورِيةً.
وزَنْدٌ وارٍ؛ وَأنْشد:
أُمِّ الهُنَيْنَيْن من زَنْدٍ لَهَا وارِي
وَأما قَول لَبِيد:
تَسْلُب الكانِسَ لم يُورَ بهَا
شُعْبةُ الساقِ إِذا الظِّلُّ عَقَلْ
رُوي: لم يُورَ بهَا، وَلم يُورأ بهَا، وَلم يُوأَر بهَا.
فَمن رَوَاهُ لم يُورَ بهَا، فَمَعْنَاه: لم يَشعر بهَا، وَكَذَلِكَ: لم يُورأ بهَا، يُقال: وَرَيتُه، وأَوْرأتُه، إِذا أعْلَمته. وَأَصله من وَرَى الزّند، إِذا ظَهرت نارُها؛ كَأَن نَاقَته لم تُضىء للظَّبْي الكانِس وَلم تَبِنْ لَهُ فَيَشعر بهَا لسُرعتها، حَتَّى انْتَهَت إِلَى كناسه فندَّ مِنْهَا جافلاً؛ وأنشدني بَعضهم:
دَعاني فَلم أُورَأ بِهِ فأَجَبْتُه
فمدَّ بئَدْيٍ بَيننا غَير أقْطَعا
وَمن رَوَاهُ: لم يُوأر بهَا، فَهِيَ من: أُوار الشَّمْس، وَهُوَ شدّة حرّها، فقلبه، وَهُوَ من التَّنْفِير.
أور: يُقَال: أوأرته فاستوأر، إِذا نَفَّرته.
وَقَالَ الفَرّاء فِي كِتَابه فِي (المصادر) : التَّوراة من الفِعل: التَّفْعِلة؛ كَأَنَّهَا أُخذت من: أوريت الزِّناد، وورّيتها؛ فَتكون تَفْعلة فِي لُغة طيىء، لأَنهم يَقُولُونَ فِي التوصية: تَوْصاة، وللجارية: جاراة، وللناصية: ناصاة.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي التَّوْرَاة: قَالَ البصريون: توراة أَصْلهَا فَوْعَلة، وفَوعلة كَثِيرَة فِي الْكَلَام، مثل: الحوصَلة، والدوخلة. وكُل مَا قلت فِيهِ فوعلت فمصدره: فوعلة. فالأَصل عِنْدهم: وَوْراة. وَلَكِن الْوَاو الأولى قُلبت تَاء، كَمَا قُلبت فِي تَوْلج وَإِنَّمَا هُوَ فَوْعل من: وَلجت؛ وَمثله كثير.
وَقَالَ غَيره: واستوريت فلَانا رَأيا، أَي طلبت إِلَيْهِ أَن ينظر فِي أَمْرِي فيستخرج رَأيا أمْضى عَلَيْهِ.
والوَرِيّ: الضَّيف؛ وَقَالَ الأَعشى:
وتَشُدّ عَقْد وَرِيِّنا
عَقْدَ الحِبَجْر على الغِفَارَه
قَالَ: وسُمِّي وريّاً، لأنّ بَيْته يُواريه.
يُقَال: واريته، وورّيته، بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ الله عزّ وَجل: {مَا وُورِيَ عَنْهُمَا} (الْأَعْرَاف: 20) أَي سُتِر، على فُوِعل.
وقرىء: ورُوي عَنْهُمَا، بِمَعْنَاهُ.
والواري: السَّمِين من كُل شَيْء.
وأَنْشد شمرٌ لبَعض الشُّعراء يَصف قِدْراً:

(15/221)


ودَهْمَاء فِي عُرْض الرُّواق مناخةٍ
كَثِيرة وَذْرِ اللَّحْم وارية القَلْبِ
يُقال: قَلْبٌ وارٍ، إِذا تَغَشَّى بالشَّحم والسِّمَن.
الْكسَائي: أَرض وَئِرة، وَهِي الشَّديدة الأوار، وَهُوَ الحَرّ.
قَالَ: وَهِي مَقلوبة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقال: من الإرَة، وأَرْت إرَةً، وَهِي إرَةً مَوْءُورَة.
قَالَ: وَهِي مُستوقد النَّار تَحت الحمّام وَتَحْت أتُون الْجِرَار والجَصَّاصة.
إِذا حَفَرْت حُفْرةً لإِيقاد النَّار، يُقَال: وَأرتها أئِرها وَأراً وإرَةً.
والجميع: الإرَات، والإرُون.
وَقَالَ فِي قَول لَبِيد:
تَسلُب الكانِسَ لم يُؤأَرْ بهَا
من ذَلِك.
قَالَ: ويُرْوَى بَيت لَبيد لم يُؤْرَ بهَا بِوَزْن لم يُعْرَ من الأَرْي، أَي لم يَلْصق بصَدره الفَزع.
وَقد قيل: إنّ فِي صدرك عليّ لأَرياً، أَي لَطْخاً من حِقْد.
وَقد أَرَى عليّ صَدْرُه.
قَالَ: وأَرْي القِدر: مَا الْتَصق بجوانبها من الحَرق.
وأرْي العَسل: مَا الْتَصق بجوانب العَسّالة؛ وَأنْشد قَول الطّرماح فِي صفة دَبْر العَسل:
إِذا مَا تَأَرّت بالْخَلِيّ نَبَتْ بِهِ
شرِيجَيْن مِمَّا تَأْتَري وتُتِيعُ
أَي تَقيء العَسل.
قَالَ: والتزاق الأري بالعسَّالة: ائترارُه.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: أَرت القِدْر تَأْري أَرْياً، إِذا احترقت ولَصِق بهَا الشَّيْء.
وَقَالَ أَبُو زيد والكِسائي مِثْلَه.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: يُقَال للبن إِذا لَصِق وَضَرُه بالإِناء: قد أرِي.
وَهُوَ الأَرْي، مثل الرَّمْي.
وَقَالَ: أرِي الصَّدْرُ أَرْياً، وَهُوَ مَا يَثْبت فِي الصَّدر من الضِّغن.
وأَرِيت القِدر تأْرِي أَرْياً، وَهُوَ مَا يَلْصَق بهَا من الطَّعام، وَقد أَرَت تأرِي أَيْضا.
وَقَالُوا فِي الأرْي وَهُوَ العسَل: أَرت النَّحْل تَأري أَرْياً.
وَقَالُوا من الإرَة، وَهُوَ الحُفرة الَّتِي تُوقد فِيهَا النَّار: إِرَة بَيِّنة الإِرْوة.
وَقد أَرَوْتُها آرُوها.
وَمن آريّ الدابّة: أَرّيت تأْرِيةً.
والآريّ: مَا حُفر لَهُ وأُدخل فِي الأَرْض، وَهِي الأُرْبة، بِالْبَاء، والرَّكَاسة.
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن

(15/222)


الْأَعرَابِي: قَالَ: قُرارة القِدْرِ، وكُدَادتُها، وأَرْيُها.
قَالَ: وأَرْي السّماء: مَا أَرَتْه الرِّيحُ تأْرية أَرْياً، أَي تَصُبَّه شَيْئا شَيئاً.
وأَرْي النَّحل: العَسَلُ تأرِي بِهِ من أفواهها.
وَقَالَ اللّيث: قَالَ زُهير:
يَشِمْنَ بُروقَها وَيُرشّ أَرْي الْ
جَنُوب عَلَى حواجِبها العَمَاءُ
أَي مَا وَقع من النّدى على الشَّجر والعُشْب فَلم يزل يَلْزق بعضُه بِبَعْض ويكثُر.
قلت: وَأَرْي الجَنوب: مَا اسْتَدَرَّته الجَنوب من الغَمام إِذا مَطرت.
وَقَالَ ابْن السّكيت: فِي قَوْلهم: ل (المعْلف) : آريّ؛ قَالَ: هَذَا مِمَّا يَضعه النَّاس فِي غير مَوْضعه، وإنّما الآري مَحْبس الدابَّة.
وَهِي الأواريّ، والآواخِيّ.
واحدتها: آحية.
وآرِيّ إِنَّمَا هُوَ من الْفِعْل: فاعُول.
تأرّى بِالْمَكَانِ إِذا تَحَبّس.
وَمِنْه: أَرَت القِدْرُ، إِذا لَصِق بأَسفلها شيءٌ من الاحتراق؛ وأنْشد:
لَا يتأرَّون فِي المَضِيق وَإِن
نادَى منادٍ كي يَنْزِلُوا نَزَلُوا
وَقَالَ العجَّاج:
واعْتَاد أرْبَاضاً لَهَا آرِيُّ
قَالَ: اعتادها: أَتَاهَا ورجَع إِلَيْهَا، والأَرباض: جمع رَبَض، وَهُوَ المَأْوى، وَقَوله لَهَا آريّ أَي لَهَا آخِية مِن مكانس البَقر لَا تَزُول وَلها أَصل ثَابت.
وَأنْشد ابْن السِّكِّيت أَيْضا:
داويتُه بالمَحْض حَتَّى شَتَا
يَجْتذب الآرِيّ بالمِرْوَدِ
أَي: مَعَ المِرْود. يصف فرسا؛ وَأَرَادَ يآريّه: الرَّكاسة المَدْفونة تَحت الأَرْض المُثَبَّتة، فِيهَا تُشَدّ الدابّة من عُروقها البارزة، فَلَا تَقْلَعْها لثَباتها فِي الأَرْض.
فأمّا اللَّيْث فَإِنَّهُ زَعم أَن الآري المَعْلف. وَالصَّوَاب مَا قَالَ ابْن السّكيت، وَهُوَ قَول الْأَصْمَعِي.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: الإرةَ: النَّار. والإرة: الْحُفرة للنار، والإرةَ: اسْتِعار النَّار وشدّتها، والإرَة: الْخَلْعءَ، وَهُوَ أَن يُغْلى اللَّحْم والخلّ إغلاءً، ثمَّ يُحْمل فِي الأَسْفار.
والإرة: القَدِيدُ، وَمِنْه خَبر بِلاَل: قَالَ لنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَمعكم شيءٌ من الإرَة؟)

(15/223)


أَي: القَديد.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ الإرة، والقَدِيد والمُشَنَّق، والمُشَرَّق، والمُتَمَّر، والموهر، والمقرند، والوَشيق.
شَمِر: الإرة، النَّار. يُقَال: ائتنا بإرَة، أَي بِنَار. والإرة: الحُفرة، وَهِي البُؤْرة، والإرة: الْعَدَاوَة أَيْضا؛ وأَنشد:
لِمُعالج الشَّحْناء ذِي إرَةٍ
وَقَالَ أَبُو عبيد: الإرة: الْموضع الَّذِي تكون فِيهِ الْخُبْزة، قَالَ: وَهِي المَلّة، قَالَ: والخُبزة: هِيَ المَليل.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: استوأرت الْإِبِل، إِذا تَتَابَعَت على نِفَارٍ واحِد.
وَقَالَ أَبُو زَيد: ذَاك إِذا نفرت فصَعَّدت الْجَبَل، فَإِذا كَانَ نفارها فِي السَّهل قيل: استَأْورت.
قَالَ: وَهَذَا كَلَام بني عقيل.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: المُستأور: الفَارّ.
واستأور الْبَعِير، إِذا تهيّأ للوُثوب، وَهُوَ بَارك.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للحُفرة الَّتِي يَجتمع فِيهَا المَاء: أُورة، وأُوقة؛ قَالَ الفَرزدق:
تَرَبّع بَين الأُورتين أَميرُها
وَقَالَ اللَّيْث: المُسْتأْور: الفَزِع؛ وَأنْشد:
كأنّه بزوانٍ نامَ عَن غَنَمٍ
مُستأوِرٌ فِي سَواد اللَّيل مَدْءُوب
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الوائِر: الفَزِع.
والأُوار: شدّة حَرّ الشَّمْس، ولَفح النّار ووَهجها.
ويومٌ ذُو أُوار، أَي ذُو سَمُوم وحَرّ شَديد.
الوِئار المُمَدَّدة، وَهِي مَخَاض الطِّين الَّذِي يُلاط بِهِ الحِياض؛ قَالَ:
بِذِي وَدَعٍ يَحُلّ بكُلّ وَهْدٍ
رَوايا المَاء يَظَّلِم الوِئارَا
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْعِيَال، عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه أَنشده:
هلُمّ إِلَى أُمَية إنّ فِيهَا
شِفاء الواريات مِن الغَلِيل
قَالُوا: الواريات: الأَدْواء.
قَالَ: ويُقال: الوَرَى: شَرق يَقع فِي قَصبة الرّئَتَيْن فَيَقْتُل البَعِيرَ. وبَعِيرٌ مَوْرِيّ. وَبِه ريِّة، بِغَيْر همز. قَالَهَا الباهليّ.
وَقَالَ أَبُو سَعيد فِي قَوْله تَعَالَى: {ضَبْحاً فَالمُورِيَاتِ قَدْحاً} (العاديات: 2) يَعْنِي الْخَيل فِي المَكَرّ، أَي تَقدح النَّار بحوافرها إِذا رَكضت على الحِجارة.
وَفِي حَدِيث عُمَر أَنه جاءتْه امرأةٌ جَلِيلةٌ فَحَسرت عَن ذراعَيْها فَإِذا كُدُوحٌ، وَقَالَت: هَذَا من احتراش الضّبَاب. فَقَالَ لَهَا: لَو أَخذت الضَّبّ فَورَّيته ثمَّ دَعَوْت بمِكْتَفَةٍ

(15/224)


فَثَمَلْتَه كَانَ أَشْبَع.
أَي رَدغته فِي الدَّسم.
وَقَوْلهمْ: لَحْمٌ وارٍ، أَي سَمين.
وجَزُور وارٍ، أَي سَمين.
وَقَوله: فثملته، أَي أَصْلحته.
وَفِي الحَدِيث: إِن رجلا شَكَا إِلَى النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امرأتَه، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَرِّ بَيْنَهما) .
قَالَ أَبُو عُبيد: أَي أَثْبت الوُدّ بَينهمَا؛ وأَنْشد:
لَا يَتأرّى لِما فِي القِدْر يَرْقُبه
أَي لَا يتلبّث وَلَا يَتَحبَّس.
قَالَ: ورَوى بعضُهم هَذَا الحديثَ عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه دَعَا بِهَذَا الدُّعَاء لعليّ وَفَاطِمَة، عَلَيْهِمَا السَّلَام.
والتّأرِّي: جَمْع الرَّجُل الطَّعَام لِبَيْته.
روى: أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأَعْرابيّ: الرّوِيّ: السّاقِي.
والرَّوِيّ: الضَّعِيف، والسَّوِيّ الصَّحيح البَدَن والعَقْل.
وَقَالَ غَيره: رَوى فلانٌ حَدِيثا وشِعراً، يَرْوِيه رِوايةً، فَهُوَ: راوٍ.
فَإِذا كَثرت رِوَايته، قيل: هُوَ راوِية، الْهَاء للمُبالغة فِي صفة الرِّوَاية.
وَيُقَال: رَوّى فلانٌ فلَانا شِعْراً، إِذا رَواه لَهُ حَتَّى حَفِظه للرِّواية عَنهُ.
وَيُقَال: رَوِي فلانٌ من المَاء، يَرْوَى رِيّاً.
فَهُوَ: رَيّان، والأُنثى: رَيّاً، والجميع: رِوَاء، وماءٌ رَوَاءٌ، مَمْدُود مَفْتوح الرّاء.
وماءٌ رِوًى، مَقصور بِالْكَسْرِ، إِذا كَانَ يَصْدُر مَن يَرِدُه عَن رِيّ.
وَلَا يكون هَذَا إلاّ صِفة لأعْداد الْمِيَاه الَّتِي لَا تَنْزح وَلَا يَنقطع مَاؤُهَا؛ قَالَ الراجز:
ماءٌ رَوَاءٌ ونَصِيٌّ حَوْلَيْهْ
هَذَا مقامٌ لكِ حتّى تِيبَيْهْ
وَيَوْم التَّرْوية: الثَّامِن من ذِي الحِجَّة، سمِّي بِهِ لِأَن الحُجّاج يَتَرَوَّوْن بِهِ من المَاء ويَنهضون إِلَى مِنًى وَلَا مَاء بهَا، فيتزوّدون رِيَّهم من المَاء.
أَبُو عُبيد: الرَّاوية، هُوَ البَعير الَّذِي يُسْتَقى عَلَيْهِ المَاء.
والرجُل المُسْتقِي أَيْضا: رَاوِية.
يُقَال: رَوَيْت على أَهله: أَرْوى رَيَّةً.
قَالَ: والوعاء الَّذِي يكون فِيهِ المَاء إِنَّمَا هِيَ المَزادة، سُمِّيت: راويةً، لمَكَان البَعير الَّذِي يَحْملها.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: يُقال: رَوَيْت الْقَوْم أَرْويهم، إِذا اسْتَقيت لَهُم.

(15/225)


ويُقال: من أَيْن رَيَّتُكم؟ أَي من أَيْن تَرْتَوون الماءَ؟
وَقَالَ غيرُه: الرِّواء: الْحَبل الَّذِي يُرْوَى بِهِ على الرَّاوية إِذا عُكِمت المَزَادتان.
يُقَال: رَوَيْت على الرَّاوية، أَرْوى رَيّاً، فَأَنا رَاوٍ، إِذا شَدَدْت عَلَيْهِمَا الرِّواء؛ وأَنْشَدَني أعرابيّ، وَهُوَ يُعَاكِمني:
رَيّاً تَمِيميّاً على المَزَايِد
ويُجمع: الرِّواء: أَرْوِية.
ويُقال لَهُ: المِرْوَى، وَجمعه: مَرَاوَى.
ورجلٌ رَوَّاءٌ، إِذا كَانَ الاسْتِقاء بالرَّاوِية لَهُ صِنَاعة.
يُقَال: جَاءَ رَوَّاء الْقَوْم.
وَقَالَ اللّيث: يُقال: ارْتَوت مفاصِلُ الدّابّة، إِذا اعْتَدلَت وغَلُظت.
وارْتوت النَّخْلةُ، إِذا غُرست فِي قَفْر ثمَّ سُقِيت فِي أَصْلها.
وارتوى الحَبْلُ، إِذا كَثر قُواه وغَلَظ فِي شِدّة فَتْل؛ وَقَالَ ابنُ أحْمر يذكرُ قَطاةً وفَرْخَها:
تَرْوِي لَقًى أُلْقِيَ فِي صَفْصَف
تَصْهره الشَّمْسُ فَمَا ينْصهِرْ
تَرْوِي، مَعْنَاهُ: تَسْتَقي.
يُقَال: قد رَوَى، مَعْنَاهُ: قد اسْتَقى على الرَّاوية.
وفرسٌ ريّان الظّهْر، إِذا سَمِن مَتْناه.
وفرسُ ظمآن الشَّوى، إِذا كَانَ مُعَرَّق القَوائم.
وإنّ مفاصِله لظِماءٌ، إِذا كَانَ كَذَلِك؛ وأَنْشد:
رِوَاءٌ أَعَاليه ظِماءٌ مَفاصِلُه
ويُقال للْمَرْأَة: إِنَّهَا لَطيّبة الرَّيَّا، إِذا كَانَت عَطِرة الجِرْم.
وريّا كلِّ شَيْء: طيبُ رَائِحَته؛ وَمِنْه قَوْله:
نَسِيم الصّبا جَاءَت بريَّا القَرَنْفُل
وَقَالَ المتَلَمِّس يَصف جَارِيَة:
فَلَو أنّ مَحْمُوماً بِخَيْبَرَ مُدْنَفاً
تَنَشَّقَ رَيّاها لأقْلع صالِبُهْ
ورُوي عَن عُمر أنّه كَانَ يَأْخُذ مَعَ كُل فَريضة عِقالاً ورِواءً الرِّواء، مَمْدود، وَهُوَ حَبْل فَإِذا جَاءَت إِلَى الْمَدِينَة بَاعهَا ثمَّ تصدّق بِتِلْكَ العُقُل والأرْوية.
قَالَ أَبُو عُبيد: الرِّواء: الحَبل الَّذِي يُقْرن بِهِ البَعيران.
قلت: الرِّواء: الحَبل الَّذِي يُرْوى بِهِ على البَعير، وَأما الحبلُ الَّذِي يُقْرن بِهِ البَعيران، فَهُوَ القَرَن، والقِرَان.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَحْمَر: الأُرْوِيّة: الأُنثى من الوُعُول.
وَثَلَاث أَرَاوِيّ، إِلَى العَشر.
فَإِذا كثرت، فَهِيَ الأَرْوَى.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقال للأُنْثى: أُرْوِيّة؛

(15/226)


وللذَّكر: أُرْوية.
ويُقال للأُنثى: عَنْز؛ وللذَّكر: وَعِل.
وَهِي من الشّاء لَا من البَقر.
أَبُو عُبيد: يُقال: لنا عِنْد فلانٍ رَوِيّة وأشْكَلَة، وهما الْحَاجة.
وَلنَا قِبله صارّة، مثله.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: بَقيت مِنْهُ رَوِيّة، أَي بقيّة، مثل التَّلِيَّة: وَهِي البَقيّة من الشَّيْء.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: يُقال لسادة الْقَوْم: الرَّوَايَا.
قلت: وَهِي جمع راوية. شَبّه السيّد الَّذِي تَحمَّل الدِّيات عَن الحيّ بالبَعِير الرَّاوِية؛ وَمِنْه قَول الرَّاعِي:
إِذا نُدِبت رَوَايا الثِّقْل يَوْماً
كَفَيْنا المُضْلِعات لمن يَلِينا
أَرَادَ: ب (روايا الثِّقل) : حوامل ثِقْل الدِّيات. والمُضْلِعات: الَّتِي تُثْقل مَن حَمَلها. يَقُول: إِذا نُدِب للدِّيات المُضْلعة حَمّالوها كنّا نَحن المُجيبين لحَمْلها عمّن يَلِينا من دُوننا.
وَقَالَ رجلٌ من بني تَميم، وَذكر قوما أَغَارُوا عَلَيْهِم: لَقِينَاهُمْ فَقَتَلْنَا الرَّوايا، وأبحْنا الزَّوايا. أَي قتلنَا السّادة وأبحنا البُيوت، وَهِي الزَّوايا.
ابْن السِّكيت: روَّيت رَأْسِي بالدُّهْن، ورَوّيْت الثّرِيد بالدَّسَم.
ورَوَّأت فِي الْأَمر، مَهْموز.
وفلانٌ لَيْسَ لَهُ رَويّة فِي الأُمور، بِغَيْر هَمر.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: رَوَّأت فِي الأَمر، وريَّأت: فكَّرت، بِمَعْنى وَاحِد.
فِي بَعض الحَدِيث عَن عَون أَنه ذكر رجلا فَقَالَ: تكلَّم فَجَمع بَين الأرْوَى والنَّعام.
يُرِيد أَنه جَمع بَين كَلمتين مُختلفتين، لِأَن الأرْوَى يكون بِشَعف الجِبال، وَهِي شَاءَ الوَحْش، والنَّعام يكون فِي الفَيافي والْحَضِيض.
يُقَال فِي المَثل: لَا تَجمع بَين الأرْوى والنَّعام.
رأى: قَالَ اللّيث: الرَّأيُ: رَأْي القَلْب.
وَالْجمع: الآرَاء.
وَيُقَال: مَا أضَلّ آرَاءهم وَمَا أَضلَّ رَأْيَهم
وَيُقَال: رأيتُه بعينيّ رُؤْيةً.
ورأيتُه رَأي العَيْن، أَي حَيث يَقَع البَصَرُ عَلَيْهِ.
ويُقال من (رَأْي) القَلب: ارتأَيت؛ وأَنشد:
أَلا أيّها المُرْتَئِي فِي الأُمُورِ
سَيَجْلو العَمَى عَنْك تِبْيانُها
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَوْله عزّ وجلّ: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (يُوسُف: 43) : إِذا تَركت

(15/227)


العربُ الْهمزَة من الرُّؤْيا قَالُوا: الرُّويَا، طَلَباً للخفّة، فَإِذا كَانَ من شَأْنهمْ تحويلُ الْوَاو إِلَى الْيَاء قَالُوا: (لَا تَقْصُص رُيّاك) فِي الكَلام، وَأما فِي القُرآن فَلَا يَجُوز؛ وَأنْشد أَبُو الجرّاح:
لَعِرْضٌ من الأعراضِ يُمْسي حَمامُه
ويُضْحِي على أفْنانِه الْغَيْن يَهْتِفُ
أحبّ إِلَى قَلبي من الدِّيك رُيَّةً
وبابٍ إِذا مَا مَال للغَلْقِ يَصْرِفُ
أَرَادَ (رُؤْية) فَلَمَّا ترك الْهَمْز وَجَاءَت وَاو سَاكِنة بعْدهَا يَاء تَحوّلت يَاء مشدَّدة، كَمَا قَالُوا: لَوَيته لَيّاً، وكَوَيْته كَيّاً، وَالْأَصْل: لَوْياً، وكَوْياً.
قَالَ: وَإِن أَشرت فِيهَا إِلَى الضمة فَقلت: رُيّاً، فرفَعت الرَّاء، فَجَائِز، وَتَكون هَذِه الضَّمة مثل قَوْله: صُيِل، وسُيِق، بِالْإِشَارَةِ.
وَزعم الْكسَائي: أَنه سمع أعرابيّاً يقْرَأ: (إِن كُنْتُم للرُّيَّا تَعْبُرون) .
وَقَالَ اللّيث: رَأَيْت رُيّاً حَسنة.
قَالَ: وَلَا تجْمع الرُّؤيا.
وَقَالَ غَيره: تجمع الرُّؤيا: رُؤًى، كَمَا يُقال: عُلْياً، وعُلًى.
قَوْله عزّ وجلّ: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً} (مَرْيَم: 74) . قُرِئت رِئْياً بِوَزْن رِعْياً وقُرئت رِيّاً.
وَقَالَ الفرّاء: الرّئْيُ: المَنْظر.
وَقَالَ الْأَخْفَش: الرِّيّ مَا ظهر عَلَيْهِ ممّا رَأَيْت.
وَقَالَ الفَراء: أهل الْمَدِينَة يَقْرءونها رِيّاً بِغَيْر هَمز، وَهُوَ وَجه جيّد، من رَأَيْت، لِأَنَّهُ مَعَ آيَات لَسْنَ مَهْموزات الْأَوَاخِر.
وَذكر بَعضهم أَنه ذهب بالرِّيّ إِلَى رَوِيت إِذا لم يَهْمز.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ الزّجّاج.
قَالَ: وَمن قَرَأَ رِيّاً بِغَيْر هَمْز فَلهُ تَفْسيران:
أَحدهمَا: أنّ مَنْظره مُرْتَوٍ من النِّعمة، كَأَن النَّعيم بَيِّنٌ فيهم.
وَيكون على تَرك الهَمزة من رَأَيْت.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّئِيّ: جِنِّي يَعْرض للرّجل يُريه كهَانَة وطِبّاً.
يُقال: مَعَ فُلان رَئِيّ.
قَالَ: والرُّوَاء: حُسن المَنْظر فِي البَهاء وَالْجمال.
يُقَال: امْرَأَة لَهَا رُواء، إِذا كَانَت حَسَنَة المَرْآة، والمَرْأَى، كَقَوْلِك: المَنْظرة، والمَنْظر.
والمِرآة: الَّتِي يُنْظر فِيهَا.
وَجَمعهَا: المَرَائي.

(15/228)


وَمن حَوّل الْهمزَة قَالَ: المَرَايَا.
قَالَ أَبُو زيد: إِذا أمرت من رَأَيْت قلت: ارْ زَيداً. كَأَنَّك قلت: ادْع زيدا.
فَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت: رَ زيدا. فَتُسْقط ألف الوَصل فتحرّك مَا بعْدهَا.
قَالَ: وَمن تَحقيق الْهَمْز قَوْلك: رَأَيْت الرجل. فَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت: رايت الرجل. فحركت الْألف بِغَيْر إشباع همز، وَلم تسْقط الْهمزَة لأنّ مَا قبلهَا مُتحرك، فَتَقول: الرّجُل يَرَى ذَاك، على التَّخفيف.
قَالَ: وعامّة كَلَام الْعَرَب فِي: يرى، وَترى، ونرى، وَأرى، على التَّخْفِيف.
وَقَالَ بَعضهم يخففه، وَهُوَ قَلِيل. فَيَقُول: زيد يرأى رَأيا حَسناً. كَقَوْلِك: يَرْعَى رَعْياً حَسناً؛ وأَنشد:
أُرى عَيْنَيّ مَا لم تَرْأَياه
كِلانا عالمٌ بالتُّرّهّاتِ
وَقَالَ اللِّحياني: اجْتمعت العربُ على همز مَا كَانَ من رَأَيْت واسْترأيت وارتأيت وراءيت وَمَا كَانَ من رُؤْيَة الْعين.
وَقَالَ بَعضهم بترك الْهمزَة، وَهُوَ قَلِيل.
قَالَ: وكُل مَا جَاءَ فِي كتاب الله مَهْموز، وأَنْشد فِيمَن خَفّف:
صَاح هَل رَيْت أَو سَمِعت برَاعٍ
رَدْ فِي الضَّرْع مَا تَرَى فِي الحِلاَبِ
وَالْكَلَام العالي الْهَمْز، فَإِذا جِئْت إِلَى الْأَفْعَال المُستقبلة الَّتِي فِي أَولهَا الْيَاء وَالتَّاء وَالنُّون وَالْألف، اجْتمعت العربُ الَّذين يَهْمزون وَالَّذين لَا يهمزون على ترك الْهمزَة، كَقَوْلِك: يَرى، وتَرى، وَأرى، ونرى، وَبِه نزل القُرآن، إِلَّا تَيم الرِّباب فإنّها تَهمز فَتَقول: هُوَ يرأى، وترأى، ونرأى، وأرأى.
فَإِذا قَالُوا: مَتى نرَاك؟ قَالُوا: مَتى نرآك؟ مثل نَرْعاك.
وبعضٌ يقلب الْهمزَة، فَيَقُول: مَتى نَراؤُك؟ مثل: نَرَاعُك؛ وأَنْشد:
أَلا تِلْكَ جارَتُنا بالغَضَا
تَقُول أتَرْأَيْنَه لن يضِيفَا
وَأنْشد فِيمَن قَلَب:
مَاذَا نَراؤُك تُغْنِي فِي أخِي ثِقَةٍ
من أُسْد خَفّان جَأْب الوَجه ذِي لُبد
قَالَ: فَإِن جِئْت إِلَى الْأَمر، فإِن أهل الْحجاز يتركون الْهَمْز فَيَقُولُونَ: رَ ذَاك؛ وللاثنين: رَيَا ذَاك؛ وللجميع: رَوا ذَاك؛ وللمرأة: رَيْ ذَاك، وللنِّسوة: رَيْن.
وتَميم تهمز فِي الْأَمر على الأَصْل، فَيَقُولُونَ: ارْأ ذَاك، وارْأيا، ولجماعة النِّسوة: ارْأَيْن.
قَالَ: فإِذا قَالُوا: أَرَيْت فلَانا مَا كَانَ من أمره، أَرَيْتكم فلَانا، أفَريتكم فلَانا؛ فإِن أَهل الْحجاز يهمزونها، وَإِن لم يكن مِن كَلَامهم الهَمْز.

(15/229)


فَإِذا عَدوت أهل الْحجاز فإِنَّ عامّة الْعَرَب على ترك الْهمزَة، نَحْو: أريت الَّذِي يُكَذِّب، أَرَيْتُكم. وَبِه قَرَأَ الْكسَائي، تَرَك الْهَمْز فِيهِ فِي جَمِيع الْقُرْآن؛ وأَنشد لأبي الْأسود:
أرَيْتَ امْرَأ كنْتُ لم أَبْلُه
أتانِي فَقَالَ اتَّخذني خَلِيلاً
فَترك الهمزَة.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي طَالب، عَن أَبِيه، عَن الْفراء فِي قَول الله عزّ وجلّ: {قُلْ أَرَأَيْتُكُم} (الْأَنْعَام: 40) .
قَالَ: الْعَرَب لَهَا فِي أَرَأَيْت لُغَتَانِ ومَعنيان:
أَحدهمَا أَن يسْأَل الرجُل الرجلَ: أَرَأَيْت زَيداً بِعَيْنِك؟ فَهَذِهِ مَهموزة.
فإِذا أوقعتها على الرّجل مِنْهُ قلت: أرأيتَك على غير هَذِه الْحَال؟ يُريد هَل رَأَيْت نَفْسك على غير هَذِه الْحَال. ثمَّ تُثنّي وتَجمع، فَتَقول للرَّجُلين: أَرَأيْتُماكما، وَلِلْقَوْمِ: أرأيتُموكم، وللنِّسْوة: أرأتنّ كنّ، وللمرأة: أرأيتِك، بخفض التَّاء، لَا يجوز إِلَّا ذَلِك.
وَالْمعْنَى الآخر، أَن تَقول: أرأيْتَك. وَأَنت تَقول: أَخْبرني، فتهمزها وتنصب التَّاء مِنْهَا، وتترك الْهَمْز إِن شِئْت، وَهُوَ أَكثر كَلَام الْعَرَب، وتترك التَّاء موحّدة مَفتوحة للْوَاحِد والواحدة والجميع، فِي مؤنثه ومذكره، فَتَقول للْمَرْأَة: أرأيتَك زيدا، هَل خَرج؟ وللنِّسوة: أرأَيتكنّ زيدا مَا فعل؟
وَإِنَّمَا تركت العربُ التَّاء وَاحِدَة لأنّهم لم يُريدوا أَن يكون الفِعل مِنْهَا وَاقعا على نَفسهَا، فاكتفوا بذكرها فِي الْكَاف، ووجّهوا التَّاء إِلَى الْمُذكر والتوحيد إِذا لم يكن الفِعل وَاقعا.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ الزّجاج فِي جَمِيع مَا قَالَ.
ثمَّ قَالَ: واخْتلف النّحويّون فِي هَذِه الْكَاف الَّتِي فِي (أرأيْتَكم) .
فَقَالَ الفرّاء والكسائيّ: لَفظهَا لَفْظ نَصب، وتأويلها تَأويل رَفْع.
قَالَ: وَمثلهَا الْكَاف الَّتِي فِي دُونك زيدا، لِأَن الْمَعْنى: خُذْ زَيداً.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَهَذَا القَوْل لم يَقُله النّحويّون القُدماء، وَهُوَ خطأ، لِأَن قَوْلك: أرأيتَك زَيْداً مَا شأنُه؟ يُصَيِّر أَرَأَيْت قد تعدّت إِلَى الْكَاف، وَإِلَى زيد، فتَصير أرأَيْت اسْمَيْن، فيَصير المَعْنى: أرَأيتَ نَفْسَك زَيداً مَا حَاله؟
قَالَ: وَهَذَا مُحَالٌ. وَالَّذِي يَذْهب إِلَيْهِ النَّحويون الموثوق بعلمهم أَن الْكَاف لَا مَوضِع لَهَا، وَإِنَّمَا الْمَعْنى: أَرَأَيْت زيد مَا حَاله؟ وَإِنَّمَا الْكَاف زِيَادَة فِي بَيَان الْخطاب، وَهِي الْمُعْتَمد عَلَيْهَا فِي الْخطاب. فَتَقول للْوَاحِد الْمُذكر: أرأَيْتَك

(15/230)


زيدا مَا حَاله؟ بِفَتْح التَّاء وَالْكَاف، وَتقول فِي الْمُؤَنَّث: أرأيتك زيدا مَا حَاله يَا مَرأة؟ فتفتح التَّاء على أصل خطاب الْمُذكر وتكسر الْكَاف، لأنّها قد صَارَت آخر مَا فِي الْكَلِمَة والمنبئة عَن الْخطاب، فَإِن عَدَّيت الْفَاعِل إِلَى المَفْعُول فِي الْبَاب صَارَت الْكَاف مفعولة، تَقول: رأَيْتني عَالما بفُلان.
فَإِذا سَأَلت عَن هَذَا الشَّرط قلت للرَّجل، أَرَأَيْتَك عَالما بفلان؟
وللاثنين: ارأَيْتماكما عالِمَيْن بفلان؟
وللجميع: ارأيْتُموكم؟ لِأَن هَذَا فِي تَأْوِيل: أَرأيتم أنْفُسكم؟
وَتقول للْمَرْأَة: أرأيتِك عَالِمَة بفُلان؟ بِكَسْر التَّاء.
وعَلى هَذَا قِيَاس هذَيْن الْبَابَيْنِ.
أَخبرني المُنذريّ، عَن أبي الْعَبَّاس ثَعْلَب، قَالَ: أَرأَيْتَك زَيْداً قَائِما؟ إِذا اسْتخبر عَن زيد تَرَك الهَمْز، وَيجوز الهَمْز.
وَإِذا استخبر عَن حَال المخَاطب كَانَ الهَمز الِاخْتِيَار، وَجَاز تَرْكه، كَقَوْلِك: أرَأَيْتَك نَفْسَك؟ أَي مَا حالُك، مَا أَمْرُك؟
وَيجوز: أَرَيْتَك نَفْسك؟
وَذكر شَمر حَدِيثا بِإِسْنَاد لَهُ أَن أَبَا البَخْتريّ قَالَ: تراءَيْنَا الْهلَال بِذَات عِرْق فسألنا ابْن عبّاس، فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَدَّه إِلَى رُؤيته، فإنْ أُغمِي عَلَيْكُم فَأكْمِلوا العِدَّة.
قَالَ شَمِر: قَوْله: تراءينا الْهلَال، أَي تكلَّفنا النَّظر إِلَيْهِ، هَل نَراه أم لَا؟
قَالَ: وَقَالَ ابْن شُميل: انْطلقْ بِنَا حَتَّى يُهلّ الهِلال، أَي نَنْظر أَنَراه؟
وَقد تراءينا الهِلال: أَي نَظرناه.
وَقَالَ الْفراء: الْعَرَب تَقول: راءَيت، ورَأَيْت.
وَقَرَأَ ابْن عبّاس: {يُرَآءُونَ النَّاسَ} (النِّسَاء: 142) .
وَقد رَأّيْت تَرْئِية، مثل: رَعَّيت تَرْعِية.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَرَيْتُه الشيءَ إراءةً، وإراية، وإرْءَاءةً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: تراءَيت فِي المِرآة تَرائِياً.
ورَأّيت الرَّجُل تَرْئِيّةً، إِذا أَمْسكت لَهُ المِرآة لِيَنْظُر فِيهَا.
واسْتَرْأيت الرجل فِي الرَّأْي، أَي اسْتَشَرتُه.
وراءيته، وَهُوَ يُرائيه، أَي يُشاوره؛ وَقَالَ عِمران بن حَطّان:
فإنْ تكُن حِين شَاوَرْناك قلْتَ لنا
بالنُّصح مِنْك لنا فِيمَا نُرائِيكَا
أَي: نَسْتَشيرك.
قُلت: وأمّا قَول الله عزّ وجلّ: {يُرَآءُونَ النَّاسَ} (النِّسَاء: 142) وَقَوله: {يُرَآءُونَ} {يُرَآءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (الماعون: 6 و 7)

(15/231)


فَلَيْسَ من المُشاورة، وَلَكِن مَعناه، إِذا أَبْصرهم النّاس صَلّوا، وَإِذا لم يَرَوهم تَركوا الصَّلاة.
وَمن هَذَا قَول الله عز وَجل: {بَطَراً وَرِئَآءَ النَّاسِ} (الْأَنْفَال: 47) .
وَهُوَ المُرائي، كأنّه يُرِي الَّذِي يَراه أَنه يَفْعل وَلَا يفعل بالنيّة.
وَأما قَول الفَرزدق يهجو قوما ويَرمي امرأَةً مِنهم بِغَيْر الجَمِيل:
وبَات يُراآها حصاناً وَقد جَرَتْ
لنا بُرَتاها بالّذي أَنا شَاكره
قَوْله: يُراآها: يظنّ أَنَّهَا كَذَا. وَقَوله: لنا بُرتاها، مَعْنَاهُ: أَنَّهَا أَمكنته من رِجْلَيها.
قَالَ شَمر: الْعَرَب تَقول: أرى الله بفلانٍ، أَي أرى الله الناسَ بفُلاَنِ العذابَ والهلاك، وَلَا يُقَال ذَلِك: إِلَّا فِي الشَّرّ؛ وَقَالَ الْأَعْشَى:
وعَلِمت أنّ الله عَمْ
داً خَسَّها وأَرَى بهَا
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أرى الله بهَا أعداءها مَا يَسُرهم؛ وَأنْشد:
أرانا الله بالنَّعَم المُنَدَّى
وَقَالَ أَبُو حَاتِم نحوَه.
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا تَراءى نارَاهُما) .
قَالَ أَبُو عُبيد: مَعْنَاهُ: أنّ المُسلم لَا يَحلّ لَهُ أَن يَسْكن بِلَاد المُشركين فَيكون مَعَهم بقَدْر مَا يَرى كُلُّ واحدٍ مِنْهُم نَار صَاحبه.
وَيُقَال: تراءينا، أَي تلاقينا فرأيتُه ورآني.
وَقَالَ: أَبُو الْهَيْثَم فِي قَوْله: لَا ترَاءى ناراهما، أَي لَا يَتَّسم المُسلم بِسمة المُشْرك وَلَا يَتَشَبَّه بِهِ فِي هَدْيه وشَكله، وَلَا يتخلّق بأخلاقه، من قَوْلك: مَا نارُ بَعِيرك؟ أَي مَا سِمَته؟
وَيُقَال: دَاري تَرى دَار فلَان، أَي تقَابلهَا؛ وَقَالَ ابْن مُقْبِل:
سَلِ الدّارَ مِن جَنْبَي حَبِيرٍ فواحِفٍ
إِلَى مَا رَأى هَضْبَ القَلِيب المصَبَّح
أَرَادَ: إِلَى مَا قابَله.
قَالَ الْأَصْمَعِي: رأسٌ مُرْأى، بِوَزْن مُرْعًى، إِذا كَانَ طَوِيل الخَطم فِيهِ شَبيه بالتَّصْويب، كَهَيئَةِ الإبْريق.
وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
وجَذْب البُرَى أَمْرَاس نَجْرَان رُكِّبت
أواخِيُّها بالمُرْأَيات الزَّواحِف
يَعْنِي أواخيّ الأمراس، وَهَذَا مَثل.
والرّاية: العَلم، لَا تهمزها العربُ، وَتجمع: رايات، وَأَصلهَا الهَمز.
وَيُقَال: رَأَيْت رايتَه، أَي رَكَزتُها.
وَبَعْضهمْ يَقُول: أَرْأَيتها، وهما لُغتان.
وَقَالَ اللَّيث: الرَّايَة، من رايات الْأَعْلَام.
وَكَذَلِكَ الرَّايَة الَّتِي تجْعَل فِي العُنق.

(15/232)


وهما من تأليف ياءين وَرَاء.
وتصغير الرَّاية: رُيَيَّهْ.
وَالْفِعْل: رَيَّيْت رَيّاً، ورَيَّيْت تَرِيَّةً.
وَالْأَمر بِالتَّخْفِيفِ ارْيهْ، وَالتَّشْدِيد ريِّهْ.
وعلمٌ مَرِيّ، بِالتَّخْفِيفِ.
وَإِن شئتَ بَيَّنت الياءات فقُلت. مَرْئِيٌّ، بِبَيان الياءات.
وَالْعرب تَقول: أَرى اللَّهُ بفلانٍ، أَي أَرْأَى بِهِ مَا يَشمِت بِهِ عدوّه؛ وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
وَعلمت أنّ الله عَمْ
داً خَسَّها وأَرَى بهَا
يَعني قَبيلَة ذكرهَا، أَي أَرَى الله عدوَّها مَا شَمِت بِهِ.
وَقَالَ النّضر: الإرآء: انتكاب خطم الْبَعِير على حَلْقه.
يُقَال: جمل مُرْأى، وجِمالٌ مُرْآة.
أَبُو عُبَيد، عَن أبي زيد: إِذا استبان حمل الشَّاة من الْمعز والضأن وعَظُم ضَرْعها قيل: أَرْأَت، تَقْدِيره أَرْعَت.
ورمّدت تَرْمِيداً، مثله.
وروى ابْن هانىء عَنهُ: أرأت العَنْزُ خاصّة، وَلَا يُقال للنّعجة: أَرأت، وَلَكِن يُقال: أَثْقلت، لأنّ حياءها لَا يَظهر.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال من الظَّن: رِيتُ فُلاناً أَخَاك.
وَمن همز قَالَ: رُؤِيت.
فَإِذا قُلت: أرى وَأَخَوَاتهَا، لم تهمز.
قَالَ: ومَن قلب الْهمزَة من رأى قَالَ: رَاء، كَقَوْلِك: نأى، وناء.
وَرُوِيَ عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه بَدَأَ بالصّلاة قبل الخُطْبة يَوْم الْعِيد ثمَّ خَطب فرُئِي أَنه لم يُسمع النِّساء فأتاهن ووعَظهن.
وَقَالَ الْفراء: قَرَأَ بعض القُرّاء: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} (الْحَج: 2) فنصب الرَّاء من تُرى.
قَالَ: وَهُوَ وَجه جيّد، يُريد مثل قَوْلك: رُئيتُ أَنَّك قَائِم، ورُئِيتك قَائِما، فَيجْعَل سكارى فِي مَوضِع نَصب، لِأَن ترى تحْتَاج إِلَى شَيْئَيْنِ، تَنْصبهما، كَمَا تحْتَاج ظَنّ.
قلت: رُئيت، مقلوب، الأَصْل فِيهِ: أُريت، فأخّرت الْهمزَة، وَقيل: رُئيت، وَهُوَ بمَعنى الظّنّ.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: فلانٌ يتَرَاءَى بِرَأْي فلَان، إِذا كَانَ يَرى رَأْيه ويَميل إِلَيْهِ ويَقْتدي بِهِ.
ويقالُ: مَنَازِلهمْ رئاءٌ، على تَقْدِير رِعَاء، إِذا كَانَت متحاذية؛ وأَنْشد:

(15/233)


ليَالِي يَلْقَى سِرْبُ دَهْما سِرْبَنا
ولَسْنا بجيرانٍ وَنحن رِئَاءُ
ابْن بُزُرْج: التَّرْئية، بِوَزْن التَّرْعِية: الرجُلُ المُخْتال.
وَكَذَلِكَ: التَّرائية، بِوَزْن التّراعِية.
اللَّيْث: التَّرِيّة، مشدّدة الْيَاء، والتَّرِيَة، خَفِيفَة الْيَاء بِكَسْر الرَّاء، والتَّرْية، بجزم الرَّاء، كلهَا لُغات، وَهِي مَا ترَاهُ الْمَرْأَة من بقيّة حَيضها من صُفرة أَو بَياض.
قلت: كأنّ الأَصْل فِيهِ تَرئية، وَهِي تفعلة من رَأَيْت فخفّفت الْهمزَة، فَقيل: تَرْيِية، ثمَّ أُدغمت الْيَاء فِي الْيَاء فَقيل: تَرِيّة.
وَقَالَ: وَيُقَال للْمَرْأَة: ذاتُ التَّرِيّة، وَهِي الدمُ الْقَلِيل.
وَقد رَأَتْ تَرِيَّة، أَي دَمًا قلِيلاً.
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إنّ أَهل الجنَّة ليتراءَوْن أهْلَ عِلِّيّين كَمَا تَرَوْن الْكَوْكَب الدُّرِّي فِي كَبِدِ السَّماء) .
قَالَ شمر: يَتراءَوْن: يتفاعلون، من رَأَيْت كَقَوْلِك: تراءَيْنا الهِلاَل.
وَقَالَ: مَعْنَاهُ: يَنْظُرون.
وَقَالَ غَيره: معنى يتراءون أَي: يرَوْنَ، يدُل على ذَلِك قَوْله: كَمَا تَرَوْن.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: يُقال لكل سَاكن لَا يَتَحَرَّك: ساجٍ وَرَاهٍ وَرَاءٍ.
قَالَ شمر: لَا أعرف راءٍ بِهَذَا الْمَعْنى إِلَّا أَن يكون أَرَادَ رَاه فَجعل بدل الْهَاء يَاء.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: رِئِيٌّ من الجِنّ، بِوَزْن رِعِيّ وَهُوَ الَّذِي يَعْتاد الْإِنْسَان من الجِنّ.
قَالَ: الرِّئْيُ، بِوَزْن الرِّعْي بِهَمْزَة مُسكَّنة: الثوبُ الفاخر الَّذِي يُنْشر ليُرَى حُسْنه؛ وأَنْشد:
بِذِي الرِّئْي الجَمِيل من الأَثاث
أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَرْأَى الرَّجل، إِذا كَثرت رُؤَاه، بِوَزْن رُعَاه وَهِي أحلامه، جمع الرُّؤْيا.
اللَّحياني: على وَجْهه رَأْوة الحُمق، إِذا عَرفت الحُمق فِيهِ قبل أَن تَخْبُره.
ويُقال: إنّ فِي وَجهه لرَأْوَةً، أَي نَظْرةً ودَمامَة.
قَالَ: وأرْأَى، إِذا تَبَيَّنت الرَّأْوَةُ فِي وَجْهه، وَهِي الحَماقة.
وأَرْأَى، إِذا ترَاءى فِي المِرآة.
وأرأى، إِذا صَار لَهُ رَئيّ مِن الجِنّ.
وَيُقَال: أَرْأَى الرَّجُل، إِذا أظهر عَملاً صَالحا رِيَاءً وسُمْعة.
وأَرْأَى، إِذا اشْتكى رِئَته، وأرأى؛ إِذا اسْودّ ضَرْعُ شاتِه.
وأَرْأى: إِذا حَرّك بعَينيه عِنْد النّظر تَحْريكاً كثيرا، وَهُوَ يُرأْرِي بعَينَيه.

(15/234)


أَبُو الْحسن اللَّحياني: يُقَال: إِنَّه لخَبيثٌ وَلَو ترى مَا فلَان؟ وَلَو تَرَ مَا فلَان؟ رَفْعٌ وجَزْم.
وَكَذَلِكَ: لَا تَرَ مَا فلَان؟ وَلَا ترى مَا فلَان؟
فِيهَا جَمِيعًا وَجْهَان: الْجَزْم وَالرَّفْع.
فإِذا قَالُوا: إِنَّه لخبيث، وَلم تَرَ مَا فلَان، قالُوا بِالْجَزْمِ.
وَفُلَان فِي كُله رفْع.
وتأويلها: وَلَا سِيمَا فلانٌ.
حُكي ذَلِك كُله عَن الْكسَائي.
رأرأ: عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن أَبِيه: الرَّأرأة: تَقْليب الهَجُول عَيْنَيها لطالبها.
يُقَال: رأرأت، وجَحظت، ومَرْمَشت، بعَيْنَيها.
ورأيته جاحظاً مِرْماشاً.
وَقَالَ اللّحياني: يُقَال: رَأْرأٌ، ورَأْرَاءٌ، إِذا كَانَ يُكْثر تَقْليب حدقَتَيه.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: رَأْرأت بالغنم رَأْرأة، تَقْدِيره رَعْرَعت رعرعة، وطَرْطَبْت بهَا طَرْطَبة، إِذا دَعَوْتها.
وَهَذَا فِي الضَّأْن والمَعز.
قَالَ: والرّأْرأة، مثْلها: إشْلاَؤُكها إِلَى المَاء.
قَالَ: والطّرطبة، بالشَّفَتين.
وَيُقَال: رَجُل رَأرَاء؛ وَامْرَأَة رَأراء، بِغَيْر هَاء، مَمْدُود؛ وَقَالَ:
شِنْظيرةُ الْأَخْلَاق رَأْراء العَيْن
ويُقال: رأرأتِ الظِّباءُ بأَذْنابها، ولألأت، إِذا بَصْبَصت.
رَاء: أَبُو عُبيد، عَن الأَصْمعي: من نَبَات السَّهل: الرَّاء، والواحدة: راءَة.
وَقَالَ أَبُو الهَيثم: الرّاء: زَبَدُ البَحْر.
والمَظّ: دم الْأَخَوَيْنِ، وَهُوَ دمُ الغزال وعُصارة عُروق الأرْطى، وَهِي حُمر؛ وأَنشد:
كأنّ بنَحْرها وبِمِشْفَريْها
ومَخْلِج أَنفها رَاء ومَظَّا
والمَظّ: رُمّان البَرّ.
أرر أير أدر: الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت: آر الرَّجُل حَلِيلته يَؤُورها.
وَقَالَ غَيره: آرها يَثِيرها أيْراً؛ إِذا جامَعها.
وَقَالَ الفَراء، فِيمَا رَوى عَنهُ أَبُو عُبيد: أَرَرْت الْمَرْأَة أَؤُرُها أرَّا، إِذا نكحتَها.
وَفِيمَا أَقْرَأَنِي الْإِيَادِي، عَن شَمر لأبي عُبيد: رَجُلٌ مِئَرّ، إِذا كَانَ كثير النِّكاح.
مَأْخُوذ من الأير. هَكَذَا قَرَأت عَلَيْهِ.

(15/235)


وَهُوَ عِنْدِي تَصْحِيف، وَالصَّوَاب: رَجُلٌ مِيئر، بِوَزْن مِيعر فَيكون حِينَئِذٍ مِفْعلاً من: آرها يثيرها أيْراً.
وَإِن جعلته من الأرّ قلت: رجلٌ مئَرّ؛ وأَنْشد أَبُو بكر مُحَمَّد بن دُريد قولَ الرّاجز:
بَلّت بِهِ عُلابِطاً مِئَرَّا
ضَخْم الكراديس وأًى زِبِرَّا
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: آر الرَّجُل، إِذا شَفْتَن؛ وَأنْشد:
وَمَا النّاس إِلَّا آئِرٌ ومَئِير
قلت: جعل أرّ وآرَ بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: من أَسمَاء الصَّبا: إير، وهِير؛ وأَيْر، وهَيْر؛ وأَيِّر، وهَيِّر، على مِثَال فَيْعل.
ابْن السّكيت، عَن الفرّاء فِي بَاب فِعْل وفَعْل، يُقَال للشمأل: إير وأَير، وهِير وهَيْر.
قَالَ: وَقَالَ غَيره: هِيَ الصَّبا.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: الإيرُ: رِيحُ الجَنْوب.
وَجمعه: إِيَرَة.
قَالَ: والآرُ: العارُ.
والإيَار: اللُّوح، وَهُوَ الْهَوَاء.
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن سَلمة، عَن الفَرّاء أَنه قَالَ: يُقال لرِيح الشَّمال: الجِرْبِيَاء، بِوَزْن رَجُلٌ نِفْرِجَاء وَهُوَ الجَبان.
وَيُقَال للشَّمال: إيرٌ، وأَيْر، وأَيِّر، وأَوُور.
قَالَ: وأَنشَدَ فِي بعض بني عُقَيل:
شآميّة جُنْحَ الظَّلام أَوُور
وَقَالَ: الأوُور، على فعول.
وَقَالَ الأصمعيّ: من أَسمَاء الصَّبا: إير، وأَيْر، وهِير وهَيْر، وأَيِّر وهَيِّر، على مِثَال فَيْعِل.
اللحياني عَن أبي عَمْرو: وَيُقَال للصّبا: إير وهِير، وأَير وهَير، وأيِّر وهَيِّر.
وَقَالَ اللَّيث: إيرٌ وهِيرٌ: موضعٌ بالبادية؛ وَقَالَ الشماخ:
على أَصلاب أَحْقب أَخْدَرِيَ
مِن اللاَّئِي تَضَمَّنَهُن إِيرُ
وَيُقَال: رجل أُيارِيٌّ، إِذا كَانَ عَظِيم الأَيْر.
ورَجُلٌ أُنافيّ: عَظِيم الْأنف.
ورُوي عَن عليَّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه تَمَثَّل يَوْمًا فَقَالَ: من يَطُلْ أَيْرُ أَبيه يَنْتَطِق بِهِ. مَعْنَاهُ: أَنه من كَثُرت ذُكور وَلد أبِيه شدَّ بعضُهم بَعضاً.
وَمن هَذَا الْمَعْنى قولُ الشَّاعِر:
فَلَو شَاءَ ربِّي كَانَ أَير أبيكمُ
طَويلا كأَير الْحَارِث بن سَدُوس
وَقَالَ اللَّيث: الإرَار: شِبه ظُؤْرة يَؤُرّ بهَا

(15/236)


الرّاعي رَحِم النَّاقة إِذا مَا رَنَت فَلم تَلْقَح.
وَتَفْسِير قَوْله: يَؤُرّ بهَا الرَّاعِي هُوَ أَن يُدخل يدَه فِي رَحمها فيَقْطع مَا هُناك ويُعَالجه.
قَالَ: والأيْر: أَن يَأْخُذ الرَّجُل إراراً، وَهُوَ غُصن من شَوك القتاد وَغَيره، فيضربه بالأرْض حَتَّى تلينَ أطرافُ شَوكه، ثمَّ يبُلّه ثمَّ يَذُرّ عَلَيْهِ مِلْحاً مَدقوقا فيؤَرّ بِهِ ثَفْر النَّاقة حَتَّى يُدْمِيها، وَذَلِكَ إِذا مَا رَنَت فَلم تَحمل.
قَالَ: والأرير: حكايةُ صَوت الماجِن عِنْد القِمار والغَلَبة، يُقَال: أرّ يأرّ أرِيراً.
أَبُو زيد: ائْتَرّ الرجل ائْتراراً، إِذا استَعْجل.
قلت: لَا أَدْرِي أبالزاي هُوَ أم بالراء؟
يرر: وَقَالَ اللّيث: اليَرَرْ، مصدر (الأيَرّ) .
يُقَال: صَخرة يَرّاء، وحَجرٌ أَيَرّ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدُقَيْش: إنّه لحارٌّ يارٌّ. عَنى رَغيفاً أُخْرج من التَّنُّور.
وَكَذَلِكَ إِذا حَمِيت الشمسُ على حَجر أَو شَيْء غيرِه صُلْب فلزمَتْه حرارةٌ شديدةٌ، يُقال: إنّه حارٌّ يارٌّ.
وَلَا يُقال لماءٍ وَلَا طِين إلاّ لشيءٍ صُلْب.
والفِعْل مِنْهُ: يَرّ يَيَرّ يَرَراً.
وَلَا يُوصف بِهِ على نَعْت أفعل وفَعْلان إِلَّا الصَّخر والصّفا، يُقَال: صَفاةٌ يَرّاء، وصَفاً أَيَرُّ.
وَلَا يُقال: إلاّ مَلَّةٌ حارّة يارّة.
وكل شَيْء من نَحْو ذَلِك إِذا ذكرُوا اليارّ لم يذكروه إِلَّا وقَبْله حارّ.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر الشُّبْرمَ فَقَالَ: (إِنَّه حارٌّ يارٌّ) .
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الكسائيّ: حارٌّ يارٌّ.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم حارّ جارّ، وحَرّان يَرّان، إتباع، وَلم يَخُصّ شَيْئا دون شَيْء.
وَقَالَ العجَّاج يصف الغَيْث:
وَإِن أصَاب كَدَراً مَدَّ الكَدَرْ
سنابِكُ الخَيْل يُصَدِّعْن الأَيَرّ
(أير) : قَالَ أَبُو عَمْرو: الأيَرّ: الصَّفا الشَّديد الصَّلابة.
وَقَالَ بعده:
مِن الصَّفا القاسِي ويَدْهَسْن الغَدَرْ
عَزَاَزةً ويَهْتَمِرْن مَا انْهَمَرْ
يَدْهَسْن الغَدَرَ، أَي يَدَعْن الجِرْفَةَ وَمَا تعادَى من الأَرض دَهاساً.
وَقَالَ بعده:
من سَهْلةٍ ويَتَأَكَّرْن الأُكَرْ
يعْنِي، الخيلَ وضَرْبها الأَرْض العَزَاز بحوافرها.
أَبُو عُبيد، عَن الأمويّ: الْحجر الأيَرّ، على مِثَال الأَصَمّ: الصُّلْب.

(15/237)


رير: أَبُو عُبيد، عَن اليزيدي: مُخّ رارٌ، ورَيْرٌ، ورِيرٌ، للذَّائِب.
وَقَالَ الفراءُ مِثلَه.
اللَّحياني، عَن أبي عَمْرو: مُخٌّ رِيرٌ، ورَيْرٌ، للرَّقِيق.
ورر: سَلمَة، عَن الفرّاء: الوَرْوَرِي: الضَّعيف البَصَر.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الأعْرابيّ.
قَالَ: والوَرّ: الوَرِك.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الوَرّة، بِالْهَاءِ: الوَرِك.
وَمن رباعيه
(فرنب) : الفِرْنِب: وَهُوَ الفأر. قَالَه ابْن الأعرابيّ.
آخر كتاب الرَّاء

(15/238)