تهذيب اللغة

أَبْوَاب الثلاثي المعتل من حرف اللَّام

(بَاب اللَّام وَالنُّون)
ل ن (وايء)
لَان، نَالَ، وَلنْ.
لين لون لَان: اللّيث: يُقَال فِي فِعْل الشَّيْء اللَّيِّن: لانَ يَلِين لَيْناً، ولَيَاناً.
غيرُه: اللَّيَانُ: نَعْمة العَيْش، وأَنْشَد:
بَيْضَاءُ باكَرها النَّعيمُ فصاغَها
بِلَيَانَة فأَدَقَّها وأَجَلَّها
أَي: أدَقّ خَصْرها وأَجَلّ كَفَلَها، أَي وَثّره.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الهَيْثم: العربُ تَقول: هَيْن لَيْن، وهَيِّنٌ لَيِّنٌ.
قَالَ: وحدّثني عمي سُويد بن الصَّباح، عَن عُثْمَان بن زَائِد، قَالَ: قَالَت جدةُ سُفيانَ لسُفْيان:
بُنيّ إِن البِرّ شَيءٌ هَيِّنُ
الْمَفْرشُ اللَّيِّن والطُّعَيِّمُ
ومَنْطِقٌ إِذا نَطقت لَيِّنُ
قَالَ: يأْتونَ بِالْمِيم مَعَ النُّون فِي القافية.
وأَنْشده أبُو زَيد:
بُنيّ إنّ البِرّ شَيءٌ هَيْنُ
المَفْرش اللَّيّن والطُّعَيْمُ
ومَنْطق إِذا نَطَقْت لَيْنُ
وَقَالَ: قَالَ الكُمَيت:
هَيْنُون لَيْنُون فِي بُيوتهمُ
سِنْخُ التُّقَى والفَضائل الرُّتَبُ
وَقَالَ الفَراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {الْعِقَابِ مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِىَ} (الْحَشْر: 5) : كُل شَيْء من النَّخل سِوَى العَجْوة، فَهُوَ من اللِّين.
واحدته: لِينَة.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: هِيَ الأَلوان.
والواحدة: لُونة؛ فَقيل: لينَة، بِالْيَاءِ، لانكساراللاَّم.
أَبُو عُبَيد، عَن الْأَصْمَعِي: الأَلْوان: الدَّقل؛ وَاحِدهَا: لَوْن.
وَقَالَ فِي قَول حُمَيد الأرقط:
حَتَّى إِذا أَغْست دُجَى الدُّجُونِ
وشُبِّه الألْوان بالتَّلْوِينِ
يُقَال: كَيفَ تَركتم النَّخيل؟ فيُقال: حِين لَوّن. وَذَلِكَ من حِين أَخذ شَيْئا من لَونه الَّذِي يَصير إِلَيْهِ. فشَبّه ألوان الظَّلام بَعد الْمغرب يكون أَولا أصفر، ثمَّ يَحْمرّ، ثمَّ يَسْوَدّ بتَلْوين البُسْر يَصْفَرّ ويحمرّ ثمَّ يَسودّ.

(15/266)


ولِينة: موضعٌ فِي بِلَاد نجد عَن يَسار المُصْعد فِي طَرِيق مكَّة بِحذَاء الهَبِير؛ ذكره زُهير فَقَالَ:
مِن مَاء لينَة لَا طَرْقاً وَلَا رَنَقا
ويلينةَ ركايا عَذْبة نُقرت فِي حَجرٍ رِخْوٍ، وماؤها عَذْب زُلال.
نيل نول: قَالَ الله تَعَالَى: {وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً} (التَّوْبَة: 120) .
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن بَعضهم: النَّيْل، من ذَوَات الْوَاو، صُيِّر واوُها يَاء، لأنّ أَصله نَيْوِل فَأَدْغموا الْوَاو فِي الْيَاء، فَقَالُوا: نَيِّل ثمَّ خَفَّفوا فَقَالُوا: نَيْل، وَمثله: مَيِّت، ومَيْت.
اللَّيْث: النَّيل، مَا نِلْت من مَعروف إِنْسَان.
وَكَذَلِكَ: النَّوَال.
ويُقال: أناله معروفَه، ونَوَّله، إِذا أعطَاهُ؛ وَقَالَ طرفَة:
إنْ تُنَوِّلْه فقد تَمْنَعُه
وتُرِيه النَّجْم يَجْري بالظُّهُرْ
قَالَ: والنَّوْلة: اسْم للقُبْلة.
قَالَ: والنَّال، والمَنالة، والمَنَال، مصدر: نِلْت أَنَال.
وَيُقَال: نُلْت لَهُ بِشَيْء، أَي جُدْت.
وَمَا نُلْته شَيْئا، أَي مَا أَعْطيته.
غَيره: يُقَال: نالني بالخَير يَنُولني نَوْلاً، ونَوَالاً ونَيْلاً.
وأنالَني بِخَير إنالةً.
وَقَوله جلّ وعزّ: {نَّيْلاً} (التَّوْبَة: 121) من نِلْت أَنال، لَا من: نُلْت أَنُول.
وفلانٌ ينَال من عِرض فلَان، إِذا سَبّه.
وَهُوَ يَنال مِن مَاله، ويَنال من عدوِّه، إِذا وَتره فِي مالٍ أَو شَيْء.
كل ذَلِك من: نِلْت أَنال، أَي أَصَبْت.
وَيُقَال: نالني من فلانٍ معروفٌ، ينالني، أَي وصل إليّ؛ وَمِنْه قَول الله عزّ وجلّ: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَاكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} (الْحَج: 37) .
أَي: لن يصل إِلَيْهِ مَا يُنيلكم بِهِ ثوبا غيرُ التَّقْوى.
وَيُقَال: ناولت فلَانا شَيْئا مُناولة، إِذا عاطَيْتَه.
وتناولتُ من يَده شَيْئا: تعاطَيْتُه.
ونِلته مَعْرُوفا، ونَوَّلته.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي العبّاس فِي قَوْلهم للرَّجُل: مَا كَانَ نَوْلك أَن تَفْعل كَذَا؟
قَالَ: والنَّوْل من النَّوال، تَقول: مَا كَانَ فِعْلك هَذَا حظّاً لَك.
سَلمة، عَن الفَرّاء: يُقال: ألم يَأن لَك، وأَلم يَئِن لَك، وألم يَنِل لَك، لُغَات كلهَا.

(15/267)


أَحْسنهنّ الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن: {الْمَصِيرُ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ} (الْحَدِيد: 16) .
وَيُقَال: أنَى لَك أَن تفعل كَذَا، ونال لَك، وأَنَال لَك، وآن لَك، بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: المِنوال: الْخَشَبَة الَّتِي يَلُف الحائك عَلَيْهَا الثَّوْب.
وَهُوَ النَّول.
وَجمعه: أنوال.
اللَّيْث: المِنْوال: الحائك الَّذِي يَنْسُج الوسائد ونحوَها.
وأداتُه المَنصوبة تسمَّى أَيْضا: المِنْوال؛ وأَنشد:
كُمَيْتاً كَأَنَّهَا هرواةُ مِنْوال
وَقَالَ: أَرَادَ النَّسَّاج.
والنِّيل: نيلُ مصر، وَهُوَ نَهْرُه.
قلت: وَرَأَيْت فِي سَواد الْكُوفَة قَرْيَة يُقال لَهَا: النِّيل، يخترقُها خليج كَبِير يَتخلّج من الفُرات الكَبير؛ وَقَالَ لَبيد يَذكره:
مَا جاور النَّيل يَوْمًا أهلُ إِبْليلا
أَبُو عَمْرو: رجل نالٌ بِوَزْن مَال أَي جَواد.
وَهُوَ فِي الأَصْل نائل.
قَالَ شَمر: سمعتُ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: المِنْوال: الحائك نَفسه، يذهب إِلَى أَنه يَنْسُج بالنَّول، وَهُوَ مَنْسج يُنْسَج بِهِ.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: يُقَال: هم على مِنْوال وَاحِد، إِذا اسْتَوَت أخلاقُهم.
وَيُقَال: رَمَوْا على مِنْوَالٍ وَاحِد، إِذا احْتَتَنُوا فِي النِّضال، أَي اسْتَوَوْا.
ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: باحة الدَّار، ونالتُها وقاعتُها، وَاحِد؛ وَقَالَ ابْن مقْبل:
يُسْقَى بأَجْداد عادٍ هُمْلاً رَغَداً
مِثل الظِّباء الَّتِي فِي نالة الْحَرَمِ
الْأَصْمَعِي: أَي: ساحتها وباحتُها.
الكسائيّ: لقد تَنوّل علينا فلانٌ بشيءٍ يسير، أَي أَعْطَانَا.
وتَطَوَّل، مثْلُه.
أَبُو تُراب، عَن أبي مِحْجن: التنوُّل، لَا يكون إِلَّا فِي الْخَيْر؛ والتَّطوُّل، قد يكون فِي الخَير والشَّر.
وَلنْ: ثَعلب، عَن ابْن الأعرابيّ: التولُّن: رفع الصِّياح عِنْد المَصائب.

(بَاب اللَّام وَالْفَاء)
ل ف (وايء)
لِيف، فَلَا، فال، لفا، ألف، ولف، أفل.
فَلَا: اللَّيْث: الفَلاةُ: المَفَازة.
وَجَمعهَا: فَلا، وفَلَوات.
قَالَ: والفَلْو: الجَحش والمُهر.
وَقد فَلَوْناه عَن أُمه: أَي فَطَمْناه.
وافْتَليناه لأَنفسنا، أَي اتخذناه؛ وَقَالَ

(15/268)


الشَّاعِر:
نَقُود جِيادَهُنّ ونَفْتَليها
وَلَا نَغْذُو التُّيوسَ وَلَا القِهَادَا
وَقَالَ الأَعشى:
مُلْمِعٍ لاعةِ الفُؤاد إِلَى جَحْ
شٍ فَلاَه عَنْهَا فبِئس الفَالِي
أَي حَال بَينهَا وَبَين وَلَدهَا.
والجميع: أَفْلاء.
قَالَ: والفِلاَية، من فَلْي الرَّأْس.
والتَّفلّى: التكلُّف.
قَالَ: وَإِذا رَأَيْت الحُمر كَأَنَّهَا تتحاكّ دَفَقاً فإِنها تتفالى؛ وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
ظلَّت تفالى وظلَّ الجَوْنُ مُصْطَخِماً
كأنّه عَن سَرارِ الأَرض مَحْجُومُ
أَبُو زيد: فَلَيْت الرجل فِي عَقْله أَفْليه فَلْياً، إِذا نظرت مَا عَقْلُه.
ابْن الْأَعرَابِي: فَلَى: قَطع.
وفَلِي: انْقَطع.
أَبُو عُبيد: فلوت رأسَه بِالسَّيْفِ، وفَلَيْته، إِذا ضَربته؛ وأَنْشد:
أما تَراني رابِطَ الجَنَان
أَفْليه بالسَّيْف إِذا اسْتَفْلانِي
ابْن الْأَعرَابِي: العربُ تَقول: أَتتكم فاليةُ الأفاعي.
يُضرب مثلا لأوّل الشّر يُنْتَظر.
وَجَمعهَا: الفَوالي، وَهِي هناةٌ كالخنافس رُقْطٌ تألف العَقاربَ والحيّات.
ويُقال: فَلت فلانةُ رَأْسَه تَفْليه فِلايةً، إِذا بَحثت عَن القَمْل والخَطَا.
والنِّساء يُقال لَهُنَّ: الفاليات، والفَوالي؛ وَقَالَ عَمرو بن مَعدي كَرِب:
تَراه كالثَّغام يُعَلُّ مِسْكاً
يَسُوء الفاليات إِذا فَلَيْنِي
أَرَادَ: فَلَيْنني، بنُونين، فحذَف إِحْدَاهمَا اسْتثقالاً للْجمع بَينهمَا.
وفَلَيت الشِّعْر، إِذا تدبَّرته واستخرجْت مَعَانِيه.
وفَليت الْأَمر، إِذا تأمّلت وُجوهه ونَظرت إِلَى عَواقبه.
وَيُقَال: فلوتُ القومَ، وفَلَيتهم، إِذا تَخَلَّلتهم.
ابْن السِّكيت: فلوت المُهر من أُمه أَفْلوه، وافْتليته، إِذا فَصَلته عَنْهَا وقَطعت رَضاعه مِنْهَا.
وَقد فَلَيْت رَأْسَه.
وَيُقَال للمُهر: فُلوّ.
والجميع: أفلاء؛ وَمِنْه قَول أبي كَبير الهُذلي:
مُسْتَنّة سَنَن الفُلُوِّ مُرشّةٌ
ابْن الْأَعرَابِي: فَلاَ الرَّجُل، إِذا سَافر؛ وفلا، إِذا عَقل بعد جَهل.

(15/269)


وفلا، إِذا قَطع.
وَفِي الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس: امْر الدَّمَ بِمَا كَانَ قَاطعا من لِيطَة فالية، أَي قَصَبَة وشُقّة قَاطِعَة.
قَالَ: والسِّكين يُقَال لَهَا: الفالية.
ومَرى دم نَسيكته، إِذا استخرجه.
شمر، عَن ابْن شُمَيْل: الفلاة: الَّتِي لَا مَاء فِيهَا وَلَا أنيس، وَإِن كَانَت مُكْلئة.
يُقَال: علونا فلاةً من الأَرض.
أَبُو خَيرة: هِيَ الَّتِي لَا مَاء فِيهَا، فأقلّها للإِبل رِبْع، وللغَنم وَالْحمير غِبٌّ، وأكثرها مَا بلغت ممّا لَا ماءَ فِيهِ.
ابْن السّكيت: أَفْلَى القومُ: صارُوا إِلَى الفَلاَة.
وَسمعت الْعَرَب تَقول: نزل بَنو فلَان على مَاء كَذَا، وهم يَفْتلون الفلاة من ناحِية كَذَا، أَي يَرْعَون كَلأ الْبَلَد ويَرِدُون الماءَ مِن تِلْكَ الجِهة.
وافْتلاؤها: رَعْيها وَطلب مَا فِيهَا من لُمَع الْكلأ، كَمَا يُفْلى الرَّأْس.
فيل فول: قَالَ ابْن السِّكِّيت: رجل فِيلُ الرَّأي، وفالُ الرّأي، وفَيِّل الرَّأْي، وفَيْل الرَّأْي، وفائل الرَّأْي، إِذا كَانَ ضَعِيفا؛ وَقَالَ الْكُمَيْت:
بَنِي رَبِّ الجوَاد فَلَا تَفِيلوا
فَمَا أَنْتُم فنَعْذِرَكُم لِفِيلِ
وَيُقَال: مَا كنت أحب أَن أرى فِي رَأْيك فِيَالةً؛ وَقَالَ جرير:
رأيتُك يَا أُخَيطل إِذا جَرَيْنَا
وجِرِّبت الفِراسةُ كُنْت فَالا
اللَّيْث: الفُول: حَبٌّ يُقَال لَهُ: الباقلَّى.
الْوَاحِدَة: فُولة.
والفِيل: مَعْرُوف.
والتفيُّل: زِيَادَة الشَّبَاب ومُهْكَته؛ وأَنْشد:
حَتَّى إِذا مَا حَان مِن تَفَيُّله
غَيره: رجل فَيِّل اللَّحم: كَثِيرُه.
وَبَعْضهمْ يهمزه فَيَقُول: فَيْئل.
أَبُو عبيد: الفائلان: عرقان يَسْتبطنان الفَخذين.
وَقَالَ الأصمعيّ فِي قَوْله:
سَليم الشَّظَا عَبْل الشَّوَى شَنِجِ النَّسَا
لَهُ حَجَبَاتٌ مُشْرِفاتٌ على الفَالِ
قيل: أَرَادَ: على الفائل، فَقلب، وَهُوَ عِرق فِي الْفَخْذ يكون فِي خُرْبة الوَرك يَنْحَدر فِي الرِّجْل، وَلَيْسَ بَين الخربة والجوف عَظْم إِنَّمَا هُوَ جلد وَعظم؛ وَقَالَ الأَعشى:
قد تَخْضب العَيرَ من مَكنون فائله
وَذَلِكَ أَن الْفَارِس إِذا حَذَق الطَّعن قَصد الخُربة، لِأَنَّهُ لَيْسَ دون الْجوف عَظم. ومَكْنُون فائِله: دَمُه الَّذِي قد كُنّ فِيهِ.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: الفِيَال: لُعبة

(15/270)


للصِّبيان؛ وأَنشد:
كَمَا قَسم التُّرْب المفايلُ باليَدِ
اللَّيْث: يُقَال: فِيَال، وفَيَال.
فَمن فتح الْفَاء جعله اسْما، وَمن كسرهَا جعله مصدرا.
وَهُوَ أَن يُخبأ شَيْء فِي التّراب، ثمَّ يُقْسم قِسْمين، ثمَّ يَقُول الخابىء لصَاحبه: فِي أَي القِسْمين هُوَ؟ فَإِن أَخطَأ، قَالَ لَهُ: فال رَأْيُك.
غَيره: يُقَال لهَذِهِ اللّعبة: الطُّيَن، والسُّدَّر؛ وأَنْشد ابْن الأَعرابيّ:
فَبِتْن يَلْعَبْن حوالَيّ الطُّبَنْ
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: الفائل: اللَّحم الَّذِي على خُرْب الوَرِك.
وَكَانَ بَعضهم يَجعل الفائل عِرْقاً.
ابْن السِّكيت: الفأل: ضِدّ الطِّيَرة.
وَقد تفاءلت.
قَالَ: والفأل: أَن يكون الرجلُ مَرِيضا فَيسمع رجلا يَقُول: يَا سَالم؛ أَو يكون طالبَ ضالّة فَيسمع آخر يَقُول: يَا وَاجِد؛ فيتوجّه لَهُ فِي ظنّه، لِما سَمعه، أَنه يبرأ من مَرضه، أَو يجد ضالّته.
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يُحِبّ الفأل وَيكرهُ الطِّيَرة.
والطِّيرة: ضِدّ الفَأل.
والطيّرة: فَمَا يُتشاءم بِهِ؛ والفأل: فِيمَا يُسْتَحبّ.
قلت: وَمن الْعَرَب مَن يَجْعَل الفأل فِيمَا يُكره أَيْضا.
قَالَ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ: تفاءلت تفاؤلاً، وَذَلِكَ أَن تَسمع الْإِنْسَان وَأَنت تُريد حَاجَة يَدْعُو: يَا سعيد، يَا أَفْلح، أَو يَدْعُو باسم قَبِيح.
والفأل، مَهْمُوز.
وَفِي (النَّوادر) : يُقال: لَا فَأْلَ عَلَيْك، بمَعْنى: لَا ضَيْر عَلَيْك، وَلَا طَيْر عَلَيْك، وَلَا شَرّ عَلَيْك.
أفل: يُقال: أَفَلت الشمسُ تَأْفِل وتأفُل، أَفْلاً وأُفُولاً.
فَهِيَ آفِلة وآفِل.
وَكَذَلِكَ الْقَمَر يأفِل، إِذا غَابَ؛ قَالَ الله تَعَالَى: {فَلَمَّآ أَفَلَ} (الْأَنْعَام: 76) أَي: غَابَ وغَرَب.
اللَّيْث: إِذا اسْتقرّ اللّقاح فِي قَرار الرَّحم، قيل: قد أَفَل.
ثمَّ يُقال للحامل: آفِل.
وَيَقُولُونَ: لَبُؤة آفِل وآفلة، إِذا حَمَلت.
والأفيل: الفصيل، والجميع الإفال.
وَفِي (النَّوَادِر) : أفِلَ الرجلُ إِذا نشِط، فَهُوَ أفِل.
ألف: قَالَ الله تَعَالَى: {} {قُرَيْشٍ} (قُرَيْش: 1 و 2) الْآيَة.

(15/271)


قَالَ أَبُو إِسْحَاق: فِيهَا ثَلَاثَة أَوْجه: (لِإِيلَافِ قُريش) ، و (لإلاف قُريش) ، ولإلْف قُريش.
وَقد قُرىء بالوَجهين الأوَّلَين.
أَبُو عُبيد: أَلِفتُ الشيءَ، وآلَفْته. بِمَعْنى وَاحِد، أَي لَزِمْتُه، فَهُوَ مُؤْلَف، ومألوف.
وآلَفَتِ الظِّباءُ الرَّمْلَ، إِذا أَلِفَتْها؛ وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
من المُؤْلفات الرَّمْلِ أَدْماءُ حُرَّةٌ
شُعاعُ الضُّحَى فِي مَتْنها يَتَوضَّحُ
أَبُو زيد: أَلِفْت الشَّيْء: وأَلِفْتُ فلَانا، إِذا أَنِسْتَ بِهِ.
وأَلَّفْت بَينهم تَأليفاً، إِذا جَمعت بَينهم بعد تَفرُّق.
وأَلَّفْتُ الشيءَ: وَصَلْتُ بعضَه بِبَعْض؛ وَمِنْه: تَأليفُ الكُتب.
وأَلَّفْتُ الشيءَ، أَي وَصَلْتُه.
وآلَفت فلَانا الشيءَ، إِذا ألزمْته إِياه، أُولِفه إيلافاً.
وَقَول الله عزّ وجلّ: {} {قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ} (قُرَيْش: 1 و 2) الْمَعْنى: لِتُؤْلَفَ قُرَيْشٌ الرِّحْلتين فيتَّصلا وَلَا يَنْقطعا.
وَقيل: اللَّام مُتّصلة بالسُّورة الَّتِي قبلهَا، أَي أهلك الله أَصْحَاب الفِيل لِتُؤْلَفَ قُريش رحْلَتِيها آمِنين.
وَأَخْبرنِي المُنْذري، عَن أبي الحَسن الطُّوسِيّ، عَن أبي جَعْفَر الخَرّاز، عَن ابْن الْأَعرَابِي، أَنه قَالَ: أَصْحَاب الإيلاف أَرْبَعَة إخْوَة: هَاشم، وَعبد شمس، والمطَّلب، وَنَوْفَل: بَنُو عبد منَاف؛ فَكَانُوا يُؤَلِّفون الجِوَارَ يُتْبعون بعضَه بَعْضًا يُجيرون قُريْشًا بِميرهم، وَكَانُوا يُسمَّون المُجِيرين، فأمّا هَاشم فَإِنَّهُ أَخذ حَبْلاً من ملك الرُّوم، وَأخذ نوفلٌ حبلاً من كِسرى، وَأخذ عبد شمس حبلاً من النَّجَاشِيّ، وَأخذ المُطّلب حَبْلاً من مُلوك حِمْير، فَكَانَ تجّار قُريش يَختلفون إِلَى هَذِه الأَمْصار بحبال هَؤُلَاءِ الْإِخْوَة، فَلَا يُتَعَرَّض لَهُم.
ابْن الأنباريّ: من قَرَأَ لإلافهم وإلفهم فهما من أَلِف يَألف.
وَمن قَرَأَ لإيلافهم فَهُوَ من آلف يُؤلف.
قَالَ: وَمعنى: يُؤَلِّفون: يهيِّئون ويُجَهِّزون.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: يؤلِّفون: يُجيرُون؛ وَأنْشد ابْن الأنباريّ:
زَعمتُم أنّ إخوتكم قُريشاً
لَهُم إلْفٌ وَلَيْسَ لْكم إِلاَفُ
وَقَالَ الفَرّاء: من قَرَأَ إلْفَهم فقد يكون من يُؤَلِّفون.
قَالَ: وأجود من ذَلِك أَن يُجعل من يألفون رحْلَة الشتَاء والصَّيف.
قَالَ: والإيلاف من يُؤْلِفون، أَي يُهيِّئون ويُجَهِّزون.

(15/272)


وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي العبّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: كَانَ هَاشم يُؤَلِّف إِلَى الشَّام، وَعبد شَمس يؤلِّف إِلَى الْحَبَشَة، وَالْمطلب إِلَى الْيمن، وَنَوْفَل إِلَى فَارس.
قَالَ: ويتألّفون، أَي يَسْتجيرون؛ وأَنشد أَبُو عُبيد لأبي ذُؤَيْب:
تُوصِّل بالرُّكْبان حِيناً وتُؤْلِفُ ال
جِوارَ ويُغْشِيها الأَمانَ ذِمامُها
يصفُ حُمراً أُجيرت حِيَال أَقْوام.
وَقَول الله عزّ وجلّ: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} (التَّوْبَة: 60) هَؤُلَاءِ قومٌ من سادة الْعَرَب أَمر الله جلّ وعزّ نبيَّه فِي أوَّل الْإِسْلَام بتألُّفهم، أَي بمُقاربتهم وإعطائهم من الصَّدقات ليُرغِّبوا مَن وَرَاءَهُمْ فِي الْإِسْلَام، وَلِئَلَّا تَحْملهم الحميَّة مَعَ ضَعف نيّاتهم على أَن يَكُونُوا إلْباً مَعَ الكُفّار على الْمُسلمين، وَقد نَفَّلهم الله يَوْم حُنَين بمئتين من الْإِبِل تألُّفاً لَهُم، مِنْهُم: الأَقرع بن حَابِس التميميّ، والعبّاس بن مِرداس السُّلميّ، وعُيَينة بن حِصنْ الفزاريّ، وَأَبُو سُفيان بن حَرب، وَصَفوَان بن أُمية.
وَقَالَ بعضُ أهل الْعلم: تألّف النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَقت بعضَ السَّادة من الْعَرَب بمالٍ أعطاهموه، فَلَمَّا دَخل الناسُ فِي دين الله أَفْوَاجًا وَأظْهر الله دينَه على المِلَل كلهَا أغْنى وَله الْحَمد أَن يُتألَّف كافِرٌ اليومَ بمالٍ يُعطاه. وَللَّه الْحَمد وَلَا شريك لَهُ.
والأَلف، من الْعدَد، مَعْرُوف.
وَثَلَاثَة الآلاف، إِلَى العَشرة.
ثمَّ أُلوف جمع الْجمع؛ قَالَ الله تَعَالَى: {وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} (الْبَقَرَة: 243) .
ويُقال: ألفٌ أَقرع، لِأَن الْعَرَب تذكِّر الْألف.
وَإِن أُنّث على أَنه جمع، فَهُوَ جَائِز.
وَأكْثر كَلَام الْعَرَب على التَّذكير.
أَبُو عُبيد: يُقَال: كَانَ الْقَوْم تِسعمائة وَتِسْعَة وَتِسْعين فآلَفْتُهم، مَمْدُود.
وَقد آلَفُوا هم، إِذا صَارُوا أَلفْاً.
وَكَذَلِكَ أَمْأَيتهم، فأَمْأَوْا، إِذا صَارُوا مِئة.
وَيُقَال: فلَان أَلِيفي وإِلْفي.
وهم أُلاّفِي.
وَقد نَزَع الْبَعِير إِلَى أُلاّفه؛ وَقَالَ ذُو الرُّمة:
أكُنْ مِثْلَ الأُلاّف لُزَّت كُراعُه
إِلَى أُختها الأُخرى ووَلّى صواحِبُهُ
وَيجوز الأُلاّف، وَهُوَ جمع آلِف.
وَقد ائتلف الْقَوْم ائتلافاً، فتآلفوا تآلُفاً.
وألّف الله بَينهم تَأْلِيفاً.
وأَوالف الطَّير: الَّتِي قد أَلِفت مكّة.
وأَوالف الحَمام: دواجنُها الَّتِي تألف البُيوت؛ وَقَالَ العجّاج:
أَوَالفاً مكةَ من وُرْق الحِمى

(15/273)


أَراد: الحَمام.
وَقَالَ رُؤبة:
بِاللَّه لَو كنت من الأُلاّف
أَرَادَ: الَّذين يأْلَفون الْأَمْصَار.
واحدهم: آلف.
ولف: الباهليّ، عَن الأصمعيّ، إِذا تتَابع لَمَعان البَرْق، فَهُوَ وَلِيف ووِلاَف.
وَقد ولَف يَلِف وَلِيفاً، وَهُوَ مُخيلٌ للمَطو لَا يكَاد يُخلف إِذا وَلَف.
وَقَالَ بَعضهم: الوليف: أَن يَلمع مرَّتين مرَّتين؛ وَقَالَ صَخر الغَيّ:
لِشَمّاء بَعد شَتَات النَّوى
وَقد بِتُّ أَخْيَلْتُ بَرقاً وَلِيفَا
أَي: رأيتُه مُخِيلاً.
اللَّيْث: الوَلْف، والوِلاَف، والوَلِيف: ضَربٌ من العَدْو، وَهُوَ أَن تقع القوائمُ مَعًا، وَكَذَلِكَ أَن تَجِيء القوائم مَعًا.
والفِعل: وَلَف الفَرسُ يَلِف وَلْفاً، ووليفاً؛ وَقَالَ رُؤبة:
ويومَ رَكْض الْغَارة الوِلاَفِ
قَالَ ابْن الأعرابيّ: أَرَادَ ب (الولاف) : الاعتزاء والاتّصال.
قلت: كَأَنَّهُ أَرَادَ الإلاف فصيَّر الهمزةَ واواً.
وكل شَيْء غَطَّى شَيْئا وأَلبسه، فَهُوَ مُولِفُ لَهُ؛ وَقَالَ العجّاج:
وَصَارَ رَقْراق السّارب مُولِفَا
لِأَنَّهُ غطّى الأَرض.
لِيف: اللِّيف: لِيف النَّخْل، مَعروف. والقِطعة: لِيفة. وَقد ليّفه المُلَيِّف تَلْييفاً.
ابْن السِّكيت: فلَان يَلأف الطّعام لأْفاً، إِذا أَكله أَكْلاً جَيِّداً.
لفا: أَبُو زيد: لَفَأْتُ اللّحْم عَن العَظْم لَفْئاً: جَلَفْتُهُ عَنهُ.
قَالَ: واللَّفِيئَةُ: البَضْعة الَّتِي لَا عَظْم فِيهَا، نَحْو النَّحْضة، والهَبْرة، والوَذْرة.
وَيُقَال: فلَان لَا يَرْضى باللّفاء من الْوَفَاء، أَي لَا يَرضى بدُون وَفَاء حقِّه.
أَبُو الْهَيْثَم: يُقَال: لفأت الرَّجُلَ، إِذا نقصتَه حَقّه فأعطَيته دون الوَفاء.
يُقَال: رَضِي من الوَفاء باللّفَاء.
قَالَ: وجَمع اللّفيئة من اللَّحْم: لَفَايَا، مثل خَطيئة وخَطَايَا.
أَبُو عَمْرو: لَفأه بالعَصا ولَكَأه، إِذا ضَربه بهَا.
ولفأه حَقَّه، إِذا أَعطاه كلَّه.
قَالَ: ولَفأه حقّه، إِذا أَعطاه أَقلَّ من حَقِّه.
قَالَ أَبُو سعيد: قَالَ أَبُو تُراب: أَحْسب

(15/274)


هَذَا الْحَرْف من الأَضداد.

(بَاب اللَّام وَالْبَاء)
ل ب (وايء)
لاب، لبّى، ولب (يلب) ، وبل، ألب، أبل، بِلَا، بأل، لبأ.
لوب: قَالَ أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: اللُّوَاب: العَطَش.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: لاب يَلُوب لَوْباً، إِذا حام حول المَاء مِن العَطش.
اللَّيْث: نخل لُوبٌ، وإبلٌ لُوب ولوائِب، إِذا عَطِشت.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: مَا وجد لَبَاباً، أَي قَدْر لُعْقةٍ من الطَّعَام يَلُوكها.
قَالَ: واللَّباب: أقلّ من مِلء الفَم.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: اللاَّبة: الحَرّة.
وَجَمعهَا: لابٌ، ولُوبٌ.
وَفِي الحَدِيث: إنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (حَرّم مَا بَين لاَبَتَيْها) .
الأصمعيّ: اللاَّبة: هِيَ الأَرْض الَّتِي قد أَلبَستها حجارةٌ سُود.
وَجَمعهَا: لابات، مَا بَين الثَّلَاث إِلَى العَشرة.
فَإِذا كَثُرت، فَهِيَ اللاَّب، واللُّوب؛ وَقَالَ بِشر بن أبي حَاتِم يصف كَتيبة:
مُعاليةٌ لَا هَمّ إلاّ مُحَجِّرٌ
وحَرّة لَيْلى السَّهْلُ مِنْهَا فَلُوبُها
يُرِيد: جمع لابة، وَمثله: قارة وقُور، وساحة وسُوح.
شَمر، عَن ابْن شُميل: اللُّوبة تكون عَقبة جواداً أطول مَا يكون، وَرُبمَا كَانَت دَعْوةً.
قَالَ: واللُّوبة: مَا اشتدّ سوادُه وغَلُظ وانْقاد على وَجه الأَرض، وَلَيْسَ بالطويل فِي السَّمَاء، وَهُوَ ظاهرٌ على مَا حَوْله.
والحَرّة: أعظم من اللَّوبة.
وَلَا تكون اللوبة إِلَّا حِجَارَة سُوداً، وَلَيْسَ فِي الصَّمَّان لُوبة، لأنّ حِجَارَة الصَّمّان حُمْرٌ.
وَلَا تكون اللُّوبة إِلَّا فِي أنف الْجَبَل، أَو سِقْطٍ، أَو عُرْض من جَبل.
وَأَرَادَ بِمَا بَين اللاَّبتين، فِي الحَدِيث: المَدينة.
لبأ: ابْن هانىء، عَن أبي زيد: أُولَى الألبان: اللِّبأ عِنْد الْولادَة، وَأكْثر مَا يكون ثَلَاث حَلْبات، وأقلّه حَلْبة.
وَقد لَبّأت الناقةُ تَلْبِيئاً.
وناقة مُلَبِّىء: بِوَزْن مُلَبِّع، إِذا وَقع اللِّبَأُ فِي

(15/275)


ضَرْعها.
ثمَّ الفِصْح بعد اللِّبأ.
إِذا جَاءَ اللَّبن بعد انْقطاع اللِّبأ؛ يُقَال: قد أَفْصحت الناقةُ، وأَفْصح لَبَنُها.
وَيُقَال: لَبَأتُ اللِّبأَ أَلْبؤه لَبْئاً، إِذا حَلَبت الشاةَ لِبَأً.
ولَبأَتُ الْقَوْم أَلْبؤهم لَبْئاً، إِذا صَنَعت لَهُم اللِّبَأ.
وَيُقَال: أَلْبأت الجَدي، إِذا شَدَدْته إِلَى رَأس الخِلْف ليرضَعَ اللِّبأ.
واسْتَلبأ الجديُ، إِذا رَضع من تِلقاء نَفْسه.
ابْن الْأَعرَابِي: ألبأت اللّبأ، أَصْلحتُه وطَبَخْتُه.
وأَلْبأت الْقَوْم: زوّدتهم اللِّبأ.
وأَلبأَت الجَدْيَ: سَقَيته اللِّبأ.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: لَبأتهم من اللِّبأ، إِذا أَطْعَمتَهم.
اللَّيْث: اللِّبأ، مَهْمُوز مَقْصُور: أول حَلْب عِنْد وَضع المُلَبِّىء.
ولَبَأت الشاةُ ولدَها: أَرْضَعَتْه اللِّبأ؛ وَقد التبأها، إِذا رَضع لِبَأَها.
والتبأتُ، إِذا شَرِبْت.
أَبُو عبيد، عَن الْأَحْمَر، يُقَال: بَينهم المُلْتَبئة، أَي هم مُتفاوضون لَا يَكْتُمُ بَعضهم بَعْضًا.
وَفِي (النَّوَادِر) يُقَال: بَنو فلَان لَا يَلْتَبِئون فتاهم، وَلَا يَتعيّرون شَيْخهم، أَي لَا يُزوِّجون الغُلام صَغِيرا وَلَا الشَّيْخ كَبِيرا طلبا للنّسْل.
ابْن السّكيت: هِيَ اللَّبُؤة وَهِي اللُّغة الفصيحة واللَّبَأة، واللَّباة، واللّبْوَة، وَهِي الأُنثى من الأُسود.
ابْن الْأَعرَابِي: اللُّبَابَة: شجر الأُمْطِيّ الَّذِي يُعْمَل مِنْهُ العِلْك.
وَقَالَ: اللُّوباء، مُذَكّر، يُمدّ ويُقصر، يُقَال: هُوَ اللُّوبياء، واللُّوبيَا، واللُّوبياج.
أَبُو دَاوُد، عَن ابْن شُميل، قَالَ فِي تَفْسِير لَبَّيك قولا خَالف فِيهِ أَقَاوِيلَ مَن ذكرنَا: لَبَأ فلانٌ من هَذَا الطَّعَام يَلْبأ لَبْئاً، إِذا أكْثَر مِنْهُ.
قَالَ: ولَبَّيك، كَأَنَّهُ اسْتِرْزاق.
ألب: أَبُو عُبيد، عَن الْفراء وَأبي عَمْرو: الأَلْب: الطَّرْد.
وَقد أَلَبْتُها أَلْباً، بِوَزْن: عَلَبْتُها عَلْباً.
عَمْرو، عَن أَبِيه: الأَلب: الجَمع الْكثير من النَّاس.
والأَلْب: نشاط الساقي؛ وأَنْشد:
تَبَشّرِي بماتِحٍ أَلُوبِ
مُطَرِّحٍ لدَلْوِه غَضُوبِ
والأَلْب: مَيْل النّفْس إِلَى الهَوى.
والأَلْب: ابْتِدَاء بُرْء الدُّمَّل.
والأَلْب: العَطَش.

(15/276)


والأَلْب: التَّدْبير على العدُوِّ من حيثُ لَا يَعلم.
ابْن الأعرابيّ: الأَلُوب: الَّذِي يُسْرِع.
وَقد أَلب يَأْلِب، ويَألُب، وأَنْشد:
ألم تريا أَنّ الأَحاديث فِي غدٍ
وَبعد غدٍ يأْلِبْن أَلْب الطَّرائِدِ
ابْن بُزُرْج: المِئْلَب: السَّرِيع.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: هم عَلَيْهِ أَلْب وَاحِد، ووَعْل وَاحِد، وصَدْع وَاحِد، وضِلَعٌ وَاحِد، يَعْنِي اجْتماعهم عَلَيْهِ بالعَدَواة.
اللَّيْث: صَار الْقَوْم عَلَيْهِ ألباً وَاحِدًا فِي الْعَدَاوَة.
وَقد تألّبوا عَلَيْهِ تألُّباً، إِذا تضافروا عَلَيْهِ.
وَيُقَال: أَلْب فلانٍ مَعَه، أَي صَفْوه مَعَه.
أَبُو زيد: أَصَابَت القومَ أُلْبَةٌ وجُلْبَة، أَي مجاعةٌ شَدِيدَة.
اللَّيْث: اليَلَب والأَلْب: البَيْض من جُلود الْإِبِل.
وَقَالَ بَعضهم: هُوَ الفُولاذ من الْحَدِيد؛ وأَنْشد لعَمْرو بن كُلْثوم:
علينا البَيْض واليَلَب اليَمانِي
وأسيافٌ يَقُمْن ويَنْحَنِينَا
وَقَالَ ابْن السِّكيت: سَمعه بعضُ الْأَعْرَاب فَظن أَن اليلب أَجود الْحَدِيد؛ فَقَالَ:
ومِحْورٍ أُخْلِص من مَاء اليَلَب
قَالَ: وَهُوَ خطأ، إِنَّمَا قَالَه على التَّوَهّم.
وَقَالَ ابْن شُميل: اليَلَب: خَالص الحَديد.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: اليَلب: الدَّرَق.
وَقيل: هِيَ جُلود تُلبس بِمَنْزِلَة الدُّرُوع.
الْوَاحِدَة: يَلبة.
وَهِي جُلُود يُخرز بعضُها إِلَى بَعض تُلْبَس على الرُّؤوس خَاصَّة، وَلَيْسَت على الأجساد.
ولب: أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: وَلَب إِلَيْهِ الشّيءُ يَلِب وُلُوباً: وَصل إِلَيْهِ كَائِنا مَا كَانَ.
ابْن الْأَعرَابِي: الوالبة: نَسْل الْإِبِل والغَنم والقَوم.
اللَّيْث: الوالبة: الزَّرعة الَّتِي تَنْبُت من عُروق الزَّرْعة الأُولى، تَخْرج الوُسْطى فَهِيَ الأُمّ، وتَخرج الأوالب بعد ذَلِك فتَتَلاحَق.
وبل: ابْن الْأَعرَابِي: الوابِلة: طَرف الكَتِف.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: هِيَ لَحمة الكَتِف.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الوابلة: الحَسَنُ، وَهِي طَرف عَظْم العَضُد الَّذِي يَلِي المَنْكِب، سمِّي حَسَناً لِكَثْرَة لَحمه، وأَنْشد:
كأنّه جَيْأَلٌ عَرْفاء عارضَها
كَلْبٌ ووابلةٌ دَسْماء فِي فِيها
شَمر: هِيَ رأسُ العَضُد فِي حُقّ الكَتف.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: اسْتَوْبلتُ

(15/277)


الأرْضَ: اسْتَوْخَمْتُها.
أَبُو زيد: استوبلتُ الأرضَ، إِذا لم تَسْتمرىء بهَا الطعامَ وَلم تُوافقه فِي مَطْعمه، وَإِن كَانَ مُحِبّاً لَهَا.
قَالَ: والوَبيل: الَّذِي لَا يُسْتَمْرأ.
وَمَاء وَبِيل، ووبيء، ووَخيم، إِذا كَانَ غير مَرِيء.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله جلّ وعزّ: {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً} (المزمل: 16) هُوَ الثَّقيل الغليظ جدّاً.
وَمن هَذَا قيل للمَطر الشَّديد الضَّخم القَطر، الغليظ الْعَظِيم: الوابل.
قَالَ: وَقَالَ الكسائيّ: أرضٌ مَوبُولة، من الوابل.
والوَبْل، مثل الوَابل.
اللَّيْث: سحابٌ وابِلٌ.
والمطر، هُوَ الوَبْل.
كَمَا يُقال: ودْق، ووادِق.
قَالَ: والوَبيل من المَرْعى: الوَخيم.
يُقَال: رَعَيْنا كلأً وَبِيلاً.
وَفِي الحَدِيث: (أيّما مالٍ أَدّيت زَكَاتَه فقد ذَهبت أَبَلَتُه) ، أَي: وَبَلته، فقُلبت الْوَاو همزَة.
قَالَ شَمر: مَعْنَاهُ شرُّه ومَضرّته.
والوَبال: الفَساد، واشتقاقه من الوَبِيل.
عَمْرو، عَن أَبِيه، الأَبَلة: العاهَةُ.
وَفِي الحَدِيث: (لَا تبع الثَّمر حَتَّى تأمن عَلَيْهِ الأَبَلَة) .
أَبُو نصر، عَن الْأَصْمَعِي: الوَبِيل، والمَوْبِل: العَصا الضَّخْمة.
قَالَ: والمَوْبل أَيْضا: الحُزْمة من الحَطَب؛ وأَنشد:
زَعَمت جُؤَيّة أَنّني عَبدٌ لَهَا
أَسْعَى بمَوْبِلها وأَكْسِبها الخَنا
والإيبالة: الْحزْمةُ من الحَطب، ومَثَلٌ يُضْرب: ضِغْثٌ على إيبالة، أَي زِيادة على وِقْر.
اللَّيْث: الوَبيل: خَشَبَة القَصّار الَّتِي يَدُقّ بهَا الثِّيَاب بعد الغَسْل.
(أبل) : وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : جَاءَ فلانٌ فِي أُبُلّته، وإبَالَته، أَي فِي قَبيلته.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: أَبَلت الوَحْشُ تأبلَ أَبْلاً، إِذا جَزأت بالرُّطْب عَن المَاء؛ وَقَالَ لَبيد:
وَإِذا حرّكتُ غَرْزِي أَجْمَرتْ
أَو قِرَابي عَدْوَ جَوْنٍ قد أَبَلْ
الأصمعيّ: أَبِل الرَّجُل يَأْبَل أَبَالةً، إِذا حَذِق مَصْلحة الْإِبِل وَالشَّاء.

(15/278)


وَإِن فلَانا لَا يَأتبل، أَي لَا يَثبت على رِعية الْإِبِل وَلَا يُقيم عَلَيْهَا فِيمَا يُصلحها.
قَالَ: وإبلٌ مُؤبلّة: كَثِيرَة.
وإبلٌ أَوَابِل: قد جَزأت بالرُّطْب عَن المَاء.
غَيره: أبّل الرَّجُل، إِذا كَثرت إبلُه، بتَشديد الْبَاء، وَمِنْه قَولُ طُفَيل الغَنوي:
فأَبّل واستَرْخَى بِهِ الخَطْب بعد مَا
أَساف وَلَوْلَا سَعْيُنا لم يُؤَبِّل
شَمر: إِبلٌ أُبّلٌ: مُهملة.
وَرجل أَبِلٌ بالإبِل بَيِّن الأبَلَة، إِذا كَانَ حاذقاً بالقِيام عَلَيْهَا؛ وَقَالَ الراجز:
إنّ لَهَا لراعياً جَريّا
أَبْلاً بمَا يَنْفعها قَوِيّا
لم يَرْع مَأْزُولاً وَلَا مَرْعِيّا
حَتَّى عَلاَ سَنامَها عُلِيّا
وأخبرين ابْن هاجك، عَن ابْن جَبلة، عَن أبي عُبيدة، أَنه أنْشدهُ:
يَسُنّها أَبِلٌ مَا إِن يُجَزِّئها
جَزْءاً شَدِيدا وَمَا إِن تَرْتوي كَرَعَا
سَلمَة، عَن الفَراء: إنّه لأَبِلُ مالٍ، على فَعِل، وتُرْعِيْة مَال، وإِزَاء مَال، إِذا كَانَ قَائِما عَلَيْهَا.
ابْن الْأَعرَابِي: الأبِيل: الرّاهب الرَّئيس؛ وهم الأبِيلُون.
وَقَالَ غَيره: هوالأَيْبُليّ؛ وَقَالَ الأَعْشَى:
وَمَا أَيْبُلِيّ على هَيْكل
بَناه وصَلّب فِيهِ وصارَا
أَبُو نصر، عَن الأصمعيّ، عَن مُعتمر بن سُلَيْمَان، قَالَ: رَأَيْت رجلا من أهل عُمان، وَمَعَهُ أَبٌ لَهُ كَبِير يمشي، فَقلت لَهُ: احْمِله. فَقَالَ: لَا يَأتبل، أَي لَا يَثْبت على الإبِل.
أَبُو نَصر: إبلٌ مُؤبَّلَة، إِذا كَانَت للقِنْية.
أَبُو زيد: سَمِعت رَدَّاداً الكِلابي يَقُول: تأبّل فلانٌ إبلاٌ، وتغنَّم غَنَماً، إِذا اتَّخذها.
وَالْعرب تَقول: إِنَّه ليروح على فلَان إبلاَنِ، إِذا راحتْ إبلٌ مَعَ راعٍ وإبِلٌ مَعَ راعٍ آخرَ.
وأقلّ مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم الْإِبِل الصِّرْمة، وَهِي الَّتِي جَاوَزت الذَّوْدَ إِلَى الثّلاثين.
ثمَّ الهَجْمة، أَولهَا الْأَرْبَعُونَ إِلَى مَا زَادَت.
ثمَّ هُنَيدة: مِئة من الْإِبِل.
وَتجمع الْإِبِل: آبال.
ابْن الأعرابيّ: الإبَّوْلُ: طائرٌ يَنفرد من الرَّفّ، وَهُوَ السَّطر من الطَّيْر.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ} (الْفِيل: 3) .
وَقَالَ أَبُو عُبيد: لَا واحدَ لَهَا.
وَقَالَ غيرُه: إبّالة، وأبابِيل، وإبَالة، كأنّها جمَاعَة.

(15/279)


وَقيل: إبَّوْل، وأَبَابِيل، مثل: عِجَّوْل وعَجَاجِيل.
وَقَالَ الفَراء فِي قَوْله: أبابيل لَا وَاحِد لَهَا، مثل الشَّماطيط.
قَالَ: وزَعم الرُّؤاسيّ أنّ وَاحِدهَا إبّالة.
وسمعتُ من العَرب: ضِغْثٌ على إبّالة، غير مَمْدُود، لَيْسَ فِيهَا يَاء.
وَلَو قَالَ قَائِل: وَاحِدهَا إيبالة كَانَ صَوَابا، كَمَا قَالُوا: دِينار ودَنانير.
ورُوي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لما قَتل ابْن آدم أَخَاهُ: تأبّلَ آدم، أَي تَرك غِشْيان حَوَّاء حُزْناً على وَلَده.
وأَنشد أَبُو عَمْرو:
أوابلُ كالأَوْزان حُوشٌ نُفُوسُها
يُهدِّر فِيهَا فَحْلُها ويَريسُ
يصف نوقاً، شَبَّهها بالقُصور سِمَناً. أوابل: جزأت بالرُّطْب.
وتأبّل الوحشيّ، إِذا اجتزأ بالرُّطْب عَن المَاء.
وَقَالَ الزّجّاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {عَلَيْهِمْ طَيْراً} (الْفِيل: 3) : جماعات من هَا هُنَا وجماعات من هَا هُنَا.
وَقيل: طيراً أبابيل: يَتبع بَعْضهَا بَعْضًا إبِّيلا إبِّيلا، أَي قَطيعاً خَلْف قَطيع.
اللّحيانيّ: أبَّنْت الميتَ تَأْبيناً، وأَبَّلته تَأبيلاً، إِذا أَثْنَيت عَلَيْهِ بعد وَفَاته.
ابْن الأعرابيّ: الأُبُلّة: الفِدْرة من التَّمر؛ وأَنشد قَول الهُذلي:
فيأكل مَا رُضّ مِن زادنا
ويأبَى الأُبُلَّة لم تُرضَضِ
وَقَالَ ابْن السِّكيت: تَقول: هِيَ الأُبُلَّة، لأبّلة البَصْرة؛ والأُبُلّة: الفِدْرة من التَّمر.
أَبُو مَالك: إِن ذَلِك الْأَمر مَا عَلَيْك فِيهِ أُبْلَة وَلَا أُبْنَة، أَي لَا عَيْب عَلَيْك فِيهِ.
ويُقال: إِن فعلت ذَاك فقد خَرَجْت من أَبَلَته، أَي مِن تَبِعته ومَذَمّته.
بِلَا: الأصمعيّ: بَلاه يَبْلُوه بَلْواً، إِذا جَرَّبه.
وبَلاه يَبْلوه بَلْواً، إِذا ابْتَلاه الله بِبَلاء.
يُقال: اللَّهُمَّ لَا تُبْلنا إلاّ بالّتي هِيَ أَحْسن.
وَيُقَال: أبلاه الله يُبليه إبلاءً حَسَناً، إِذا صَنع بِهِ صَنيعاً جَمِيلاً.
والبَلاء، الِاسْم؛ وَقَالَ زُهير:
جَزَى الله بِالْإِحْسَانِ مَا فَعلا بكم
وأبْلاهما خَيْرَ البَلاء الَّذي يَبْلُو
أَي: صنع بهما خير الصَّنيع الَّذِي يَبْلو بِهِ عِبَادَه.
ويُقال: بِلَى الثوبُ بِلًى وبَلاَءً؛ وَقَالَ العجّاج:
والدَّهر يُبْليه بلاءَ السِّرْبال
إِذا فَتحت الْبَاء مددت، وَإِذا كسرت قَصَرت؛ وَمثله: القِرَى والقَرَاء، والصِّلَى والصَّلاَء.

(15/280)


ويُقال: أَبْليت فلَانا، إِذا حَلَفْت لَهُ فطَيَّبت بهَا نَفْسَه؛ وَقَالَ أَوْسُ بن حَجَر:
كأنّ جَدِيدَ الأَرْض يُبْلِيك عنهمُ
تَقِيَّ اليَمِين بعد عَهْدِك حالِفُ
يَقُول: كأنّ جَدِيد أَرض هَذِه الدَّار، وَهُوَ وَجْهُها، لَما عَفا من رُسومها، وامَّحى من آثارها، حالِفٌ تقيّ الْيَمين يحلف لَك أَنه مَا حَلّ بِهَذِهِ الدَّار أحدٌ لدُروس معاهدها ومعالمها.
والبَلِيّة: الناقةُ تُعْقل عِنْد قَبر صَاحبهَا فَلَا تُعْلف حَتَّى تَموت، وَجَمعهَا: البَلاَيا.
وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَفعلون ذَلِك.
ويُقال: قَامَت مُبلّيات فلَان يَنُحْن عَلَيْهِ، وَهن النِّساء اللَّواتي يَقُمْن حول رَاحِلَته فَيَنُحن إِذا مَاتَ أَو قُتل؛ وَقَالَ أَبُو زُبيد:
كالبَلايا رُؤُوسها فِي الوَلاَيَا
مانِحَاتِ السَّمُوم حُرَّ الخُدود
وَيُقَال: نَاقَتك بِلْوُ سَفر، إِذا أَبْلاها السَّفَرُ.
ابْن الْأَعرَابِي: أَبْلَى فلانٌ إِذا اجْتهد فِي صِفة كَرم أَو حَرْب.
يُقال: أَبلى ذَلِك اليومَ بلَاء حَسَناً.
وَمثله: بالى يُبالي مُبالاة؛ وأَنشد:
مَا لي أَرَاك قَائِما تُبَالِي
وأنتَ قد قُمْتَ من الهُزَالِ
قَالَ: سَمِعه وَهُوَ يَقُول: أكلنَا وشَربنا وفَعلنا، يُعَدِّد المكارمَ، وَهُوَ فِي ذَلِك كَاذِب.
اللَّيْث: بَلِيّ: حيٌّ من الْيَمين.
والنِّسْبة إِلَيْهِم: بَلَوِيّ.
قَالَ: وَيُقَال: بُلي فلانٌ، وابْتُلي، إِذا امْتُحن.
وَالْبَلَاء، فِي الْخَيْر وَالشَّر.
وَالله يُبلي العبدَ بلَاء حسنا، ويُبليه بلَاء سيِّئاً.
وأَبْليت فلَانا عُذْراً، أَي بَيّنت لَهُ وجهَ العُذر لأُزيل عنِّي اللَّوْم.
والبَلْوى، اسْم من بَلاء الله.
وَفِي حَدِيث حُذَيفة: لَتَبْتَلُنّ لَهَا إِمَامًا أَو لَتُصَلُّن وُحْداناً.
شَمِر: يَقُول: لتختارُنّ. وأَصْله: بلاه يَبلوه، وابتلاه، أَي جَرَّبه.
ويُقال: اللَّهُمَّ لَا تُبْلنا إلاّ بِالَّتِي هِيَ أحسن، أَي لَا تَمْتحننا.
وَالِاسْم: البَلاء.
بَال: ثَعْلب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: بالَى فلانٌ فلَانا، إِذا فاخَره.
وبالاَه، إِذا نَاقَصَه.
وبالى بالشَّيْء، إِذا اهْتَمّ بِهِ.

(15/281)


غَيره: البالُ: بالُ النَّفس، وَهُوَ الاكتراث.
وَمِنْه اشْتُق: يَا لَيت.
وَلم يَخْطُر ببالي ذَلِك الْأَمر، أَي لم يَكْرِثْني.
والمصدر: البالَة.
وَمن كَلَام الحَسن: لم يُبَالِهم الله بالَةً.
ويُقال: لم أُبال، وَلم أُبَلْ، على القَصْر.
والبالُ أَيْضا: رخاءُ العَيْش.
إِنَّه رخيّ البال وناعمُ البال.
عَمْرو، عَن أَبِيه: البالُ: القَلْب.
والبال: جمع البالة، وَهِي الجِرَاب الضَّخْم.
ابْن نَجدة، عَن أبي زيد: من أَسمَاء النَّفس: البَال.
ابْن الْأَعرَابِي، عَن الْمفضل: بَال الرَّجُل يَبُول بَوْلاً شريفاً فاخراً، إِذا وُلد لَهُ ولدٌ يُشْبهه.
والبال: القَلْب.
والبال: الحالُ.
والبال: جمع البالة وَهِي عَصاً فِيهَا زُجٌّ يكون مَعَ صَيّادي أَهل البَصْرة.
قَالَ: والبال: جمع البالة وَهِي الجِراب الصَّغير.
شَمِر: البال: الحالُ والشَّأن؛ وَقَالَ عُبيد:
فبِتْنا على مَا خَيَّلت ناعِمَيْ بَال
مُجاهد، عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الله عزّ وجلّ: {سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ} (مُحَمَّد: 2) ، أَي: حالَهم فِي الدُّنيا.
والبال: الأَمَل؛ يُقَال: فلانٌ كاسِف البال.
وكُسوف باله: أَن يَضيق عَلَيْهِ أملُه.
وَهُوَ رَخِيّ البَال، إِذا لم يَشتدّ عَلَيْهِ الْأَمر وَلم يَكْتَرث.
ورُوي عَن خَالِد بن الْوَلِيد أَنه قَالَ: إِن عمر استَعْملني على الشَّام وَهُوَ لَهُ مُهمّ، فَلَمَّا أَلْقى الشَّام بَوَانِيَه وَصَارَ بَثَنيّةً عَزلني واسْتَعْمل غَيْري. فَقَالَ رجلٌ: هَذِه وَالله الفِتنة فَقَالَ خَالِد: أمَا وَابْن الخطّاب حيٌّ فَلَا، وَلَكِن ذَاك إِذا كَانَ النَّاس بِذِي بَلَّى، وَذي بَلَّى.
ألْقى بَوانِيَه، أَي قَرَّ قَرارُه وَاطْمَأَنَّ أَمْرُه.
وَقَوله: بِذِي بَلَّى، وَذي بَلَّى.
قَالَ أَبُو عُبيد: أَرَادَ تفرُّق النَّاس وَأَن يَكُونُوا طوائفَ من غير إِمَام يَجْمعهم.
وَكَذَلِكَ كُلّ من بَعُد عَنْك حَتَّى لَا تعرف مَوْضِعه، فَهُوَ بِذِي بلّى.
وَفِيه لُغة أُخْرَى: بِذِي بِلِيّان.
قَالَ: وَكَانَ الْكسَائي يُنشد هَذَا الْبَيْت فِي رجل يُطيل النَّوم:
تنامُ ويَذْهَب الأقوامُ حتّى
يُقال أَتَوْا على ذِي بِلّيانِ
يَعْنِي: أَنه أَطَالَ النّوم وَذهب أَصْحَابه فِي

(15/282)


سفرهم حَتَّى صَارُوا إِلَى مَوضِع لَا يعرف مكانهم من طُول نَومه.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: فلانٌ بِذِي بَلّى، وَذي بِلِيّان، إِذا كَانَ ضائعاً بَعيدا عَن أَهله.
اللَّيث: بَلَى، جَوَاب اسْتِفْهَام فِيهِ حرف نَفي، كَقَوْلِك: ألم تَفعل كَذَا؟ فَيَقُول: بَلَى.
وَقَالَ المبرّد: بل حُكمها الِاسْتِدْرَاك، أَيْنَمَا وَقعت، فِي جَحْد أَو إِيجَاب.
قَالَ: وبلى تكون إِيجَابا للنَّفْي لَا غير.
سَلمَة، عَن الْفراء: بلَى تَأتي بمعنيين: تكون إضراباً عَن الأول، وإيجاباً للثَّانِي: كَقَوْلِك، لَهُ عِنْدِي دِينَار، لَا بل دِينَارَانِ.
وَالْمعْنَى الآخر: أَنَّهَا تُوجب مَا قبلهَا وتُوجب مَا بعْدهَا، وَهَذَا يُسمَّى: الِاسْتِدْرَاك؛ لِأَنَّهُ أَرَادَهُ فنَسيه ثمَّ اسْتدركه.
قَالَ الْفراء: والعربُ تَقول: بَلْ وَالله لَا آتِيك، وبَنْ وَالله لَا آتِيك، يجْعَلُونَ اللَّام فِيهَا نُوناً.
وَقَالَ: هِيَ لُغَة بني سعد ولُغة كَلْب.
قَالَ: وسمعتُ الباهليّين يَقُولُونَ: لابَنْ، بِمَعْنى: لابَلْ.
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي فِي الإبلاء بِمَعْنى، الْيَمين:
وَإِنِّي لأُبلي فِي نسَاء سَواءها
فأمّا على لَيلى فإنّي لَا أُبْلِي
يَقُول: أَحْلف على غير ليلى إِنِّي لَا أُحب غَيرهَا، وَأما على لَيلى فإِني لَا أَحلف.
وَقَالَ بَعضهم: لَا أباليه بالة.
هُوَ فِي الأَصْل: لَا أباليه بالية، اسْم على فاعلة من الْبلَاء، كالعافية، هِيَ اسْم من عافاه الله.
بَال: اللَّيْث: البَئيل: الصَّغير النَّحِيف الضَّعيف، مثل الضَّئِيل.
وَقد بَؤُل يَبْؤل بآلَة.
اللحياني: هُوَ ضَئِيل بَئيل.
وَهِي الضَّآلة والبآلة، والضّؤولة والبُؤُولة.
أَبُو زيد: بَؤُل يَبْؤل، فَهُوَ بَئِيل، إِذا صَغُر.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: أَنْشد قَول أبي ذُؤيب:
كأنّ عَلَيْهَا بالةً لَطَمِيّةً
لَهَا مِن خلال الدأْيَتَيْن أَرِيجُ
وَقَالَ: البالة، الجراب، وَهِي بِالْفَارِسِيَّةِ (بيلة) الَّتِي فِيها المِسك.
أَبُو سعيد: البالة: الرَّائِحَة والشَّمة.
وَهِي من قَوْلهم: بلوته، أَي شَمَمْته واختبرته.
وَإِنَّمَا كَانَ أَصْلهَا بَلَوة، وَلكنه قدّم الْوَاو

(15/283)


قبل اللَّام، فصيّرها ألفا، وَهُوَ كَقَوْلِك: قاعَ وقَعَا، أَلا ترى قَول ذِي الرّمّة:
بأَصْفر وَرْدٍ آل حَتَّى كأَنَّما
يَسُوف بِهِ الْبَالِي عُصَارة خَرْدَلِ
أَلا ترَاهُ جعله: يَبْلُوه.

(بَاب اللَّام وَالْمِيم)
ل م (وايء)
مَال، أمل، ألم، مَال، لأم (لوم) ، ملا، أمْلى، لما، وَلم.
أمل: اللَّيْث: الأَمَل: الرَّجاء.
وَيُقَال: أَمَلْته آمُله، وأَمَله يأْمُله.
والتّأمُّل: التَّثبُّت.
والأَمِيل: حَبل من الرَّمْل مُعْتَزل عَن مُعْظَمه؛ على تَقْدِير مِيل؛ وأَنْشد:
كالبَرْق يَجْتَاز أَمِيلاً أَعْرَفَا
وَجمعه: أُمُل.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: الأَمِيل: حَبْل من الرَّمْل يكون عَرْضه نَحوا من مِيل.
قلت: وَلَيْسَ قولُ مَن زعم أَنهم أَرَادوا بِهِ الأَميل من الرمل: الأمْيل، فخُفِّف، بِشَيْء، وَلَا نَعلم فِي كَلَامهم مَا يشبه هَذَا.
وَيُقَال: مَا أَطول إمْلته من الأَمل.
ابْن الْأَعرَابِي: الأَمَلة: أعوان الرَّجُل.
واحدهم: آمِل.
ميل: اللّيث: المالُ، مَعْرُوف، وَجمعه: أَمْوَال.
ومالُ أهل الْبَادِيَة: النّعَم.
وَرَجُلٌ مالَةٌ: ذُو مَال، والفِعل: تَمَوَّل.
أَبُو زيد: المِيل، مَعْرُوف.
والمَيَلُ، مصدر الأَمْيَل، وَهُوَ المائل.
والفِعل: مَيِل يَمْيَل.
اللَّيْث: المَيْلاء من الرَّمْلِ: عُقْدة ضَخْمة مُعْتَزلة.
قلت: لَا أعرف المَيْلاء، فِي صِفة الرِّمَال، وأحْسبه أَراد قَول ذِي الرُّمّة:
مَيْلاَءَ من مَعْدنِ الصِّيران قاصِيَةٍ
أَبْعَارُهُنّ على أَهْدافها كَثَبُ
وَإِنَّمَا أَرَادَ هَا هُنَا ب (المَيْلا) : أَرْطَاة، وَلها حِينَئِذٍ مَعْنيان:
أَحدهمَا: أَنه أَراد أنّ فِيهَا اعْوجاجاً.
وَالثَّانِي: أَنه أَرَادَ أَنَّهَا مُنْتَحِيةً مُتباعدة من مَعدن بَقر الوَحْش.
اللَّيْث: المِيلُ: مَنارٌ يُبْنى للمُسافر فِي أنْشاز الأَرْض وأَشْرافها.
قلتُ: المِيلُ، فِي كَلَام الْعَرَب: قدر مُنتهى مدِّ البَصر من الأَرض.
وَقيل للأعلام المَبنيّة فِي طَريق مَكَّة:

(15/284)


أَمْيَال، لأنّها بُنيت على مقادير مَدَى الْبَصَر من الْميل إِلَى الْميل، وكلّ ثَلَاثَة أَمْيَال مِنْهَا فَرْسخ.
أَبُو حَاتِم، عَن الْأَصْمَعِي: قَول العامّة المِيل لما تُكحل بِهِ العينُ، خطأ، إِنَّمَا هُوَ المُلْمُول.
اللَّيْث: المِيل: المُلْمُول.
قَالَ: والأَمْيل من الرِّجال: الجبّار.
قَالَ: وَهُوَ فِي تَفْسِير الْأَعْرَاب: الَّذِي لَا تُرس مَعَه فِي الحَرب.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: الأمْيل: الَّذِي لَا سَيْف لَهُ، جمعه: مِيل؛ قَالَ الأعْشى:
لَا مِيلٌ وَلَا عُزُلُ
وَهَذَا هُوَ الصَّحيح.
وَيُقَال: تَمَوّل فلانٌ مَالا، إِذا اتّخذ قِنْية من المَال؛ وَمِنْه قولُ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (غير مُتموِّل مَالا، وَغير مُتأثِّل مَالا) .
والمعنيان مُتَقاربان.
وَيُقَال: مَال الرَّجُل يَمَالُ: كَثُر مالُه.
وَمَا أمْوَلَه أَي مَا أَكثر مالَه
عَمْرو، عَن أَبِيه، هِيَ العَنكبوت، والمُولَةُ، والشَّبَتُ، والْمِنَنة.
والمِشْطة المَيْلاء: مِشْطة مَعْرُوفَة، وَقد كرهها بعضُهم للنِّساء.
وَجَاء فِي الحَدِيث فِي ذكر النِّساء: (مائلاتٌ مُميلات) .
يَقُول: يَمِلْن بالخُيلاء ويُصْبِين قلوبَ الرِّجال.
وَقيل: مائلات الخِمْرة؛ كَمَا قَالَ الراجز:
مائلة الخِمْرة والكَلاَم
وَقيل: المائلات: المُتبرِّجات.
وَقيل: مائلات الرُّؤوس إِلَى الرِّجال.
وَفِي حَدِيث أبي مُوسى أَنه قَالَ لأنس: عُجِّلت الدُّنْيا وغُيِّبت الْآخِرَة، أما وَالله لَو عاينوها مَا عدلوا وَلَا مَيَّلوا. أَي: لم يَشكّوا وَلم يترددوا.
تَقول الْعَرَب: إِنِّي لأُميِّل بَين ذَيْنك الأَمْرين، وأُمايل بَينهمَا، أيّهما أركب، وأُمايط بَينهمَا، وَإِنِّي لأُمَيِّل وأُمايل بَينهمَا أيّهما أفضل؟ وَقَالَ عِمْران بن حطّان:
لما رأوْا مَخْرجاً من كُفْر قَومهم
مَضَوْا فَمَا مَيَّلوا فِيهِ وَمَا عَدَلُوا
أَي لم يَشكّوا.
وَإِذا مَيّل الرَّجُل بَين أَمْرين، فَهُوَ شاكّ.
وَقَوله: مَا عدلوا، كَمَا تَقول: كَمَا عَدلوا بِهِ أحدا.
أَبُو زيد: مَيل الحائطُ، ومَيل سنامُ الْبَعِير؛ ومَيِل الحوْضُ، مَيَلاً.
وَمَال الحائطُ يَمِيل مَيْلاً.
ابْن السِّكيت: فِي فلَان مَيَلٌ علينا.
وَفِي الْحَائِط مَيَلٌ.

(15/285)


لأم لوم: اللَّيْث: اللّوْم: المَلامة، وَقد لامَ يَلُوم.
ورَجُلٌ مَلُوم ومَلِيم: قد اسْتَحَقّ اللَّومَ.
قَالَ: واللّوْماء: المَلامة.
واللّوْمَةُ: الشّهْدة.
قَالَ: واللاّمة، بِلَا همز، واللاّمُ: الهَوْل؛ قَالَ المُتَلَمِّس:
ويكاد من لامٍ يَطير فؤادُها
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْق: اللاّم: القُرْب.
وَقَالَ أَبُو خيرة: اللاّم، من قَول الْقَائِل: لامٍ، كَمَا يَقُول الصائتُ: أيا أيا، إِذا سَمِعت الناقةُ ذَلِك طارت من حدّة قَلبهَا.
قَالَ: وَقَول أبي الدُّقَيْش أوْفق لمعْنى المتنكِّس فِي الْبَيْت؛ لِأَنَّهُ قَالَ:
ويَكاد من لامٍ يَطير فُؤادُها
إِذْ مَرَّ مُكّاءُ الضُّحَى المُتَنكِّسُ
ابْن الْأَعرَابِي: اللاّمُ: الشَّخْص فِي بَيت المتلمِّس.
يُقَال: رَأَيْت لامَه، أَي شخصه.
ثَعْلَب، عَنهُ: اللّوَمُ: كَثْرَة اللّوْم.
وَقَالَ الْفراء، وَأَبُو زيد: من الْعَرَب من يَقُول المَلِيم بِمَعْنى: المَلُوم.
وَمن قَالَ مَلِيم بناه على لِيمَ.
أَبُو عُبيدة: لُمْت الرَّجُلَ، وأَلَمْتُه. بِمَعْنى وَاحِد؛ وَمِنْه قَول مَعْقل بن خُويلد الْهُذلِيّ:
حَمِدْتُ الله أَن أَمْسى رَبِيع
بدار الهُون مَلْحِيّاً مُلامَا
ويُقال: قضى القومُ لُواماتٍ لَهُم، وَهِي الْحَاجَات.
واحدُها: لُوَامة.
أَبُو عبيد، عَن أبي عُبيدة: اللأمَةُ: الدِّرْع.
وَجَمعهَا: لُؤَم، مِثَال فُعَل.
وَقَالَ: وَهَذَا على غير قِيَاس.
شَمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: اللأمة: السِّلاح كُلّه.
يُقَال للسَّيف: لأْمَة؛ وللرُّمح: لأْمَة.
وَإِنَّمَا سُمِّيت: لأْمة، لِأَنَّهَا تُلائم الْجَسَد وتُلازمه.
قَالَ: ويُقال: اسْتلأم الرّجُل، إِذا لبس مَا عِنْده من عدَّة ودِرْع ومِغْفَر وسَيْف ونَبْل؛ وَقَالَ عَنترة:
إِن تُغْدِفي دُونِي القِناعَ فإنّني
طَبٌّ بأخْذ الْفَارِس المُسْتَلْئِم
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: اللأمة، الدِّرع الحصينة.
سُمّيت: لأْمَة، لإحكامها وجَودة حلقها؛ وَقَالَ ابْن أبي الحُقيق فَجعل اللأْمة البَيْضَ:
بِفَيْلَقٍ تُسْقِط الأحْبالَ رُؤيتُها
مُسْتَلْئِمي البَيْض من فَوق السَّرابِيلِ
وَقَالَ الْأَعْشَى، فَجعل اللأمة السِّلاَح كُلّه:

(15/286)


وقُوفاً بِمَا كَانَ من لأْمَةٍ
وهُنّ صِيَامٌ يَلُكْن اللُجُمْ
وَقَالَ غيرُه، فَجعل اللأمة الدِّرع وفُروجها بَين يَدَيها وَمن خَلفها:
كأنّ فُروج اللأمة السَّرْد شَكّها
على نفسِه عَبْلُ الذِّراعين مُخْدِرُ
أَبُو زيد: لَؤُم الرَّجل يَلْؤُم لُؤْماً ومَلأَمَةً؛ فَهُوَ لَئِيم.
وَيُقَال: قد ألأم الرَّجُل، إِذا صَنَع مَا يَدْعوه الناسُ عَلَيْهِ لَئِيماً، فَهُوَ مُلْئِم.
وَيُقَال: هَذَا رجل مِلأَمٌ، وَهُوَ الَّذِي يُعْذِر اللِّئام.
ابْن الْأَعرَابِي: المُلْئِم: الَّذِي يَلد اللِّئامَ.
قَالَ: ويُقال للرجل إِذا سُبّ: يَا لُؤْمان، ويامَلأَمان، وَيَا مَلأم.
قَالَ: واستلأم فلانٌ الأبَ، إِذا كَانَ لَهُ أبُ سَوْءٍ لَئِيم.
وَيُقَال: هَذَا لِئْم هَذَا، أَي مِثْله.
وَالْقَوْم أَلآم؛ وأَنشد:
أتقعد العامَ لَا تَجْني على أَحدٍ
مُجنَّدين وَهَذَا الناسُ أَلآمُ
قَالَ: واللأم: الاتِّفاق.
والمُلْئِم: الرَّجُل اللَّئِيم.
وتَلاءَم الشيئان، إِذا اجْتمعَا واتَّصَلا.
ويُقال: التأم الفَرِيقان والرَّجُلان، إِذا تصالحَا واجتمعا؛ وَمِنْه قولُ الأَعْشى:
يَظُن النَّاس بالمَلِكَيْ
ن أنّهما قد الْتأمَا
فَإِن تَسْمَع بَلأْمهما
فَإِن الأَمْرَ قد فَقِمَا
والتأم الجُرْحُ: التئاما، إِذا بَرأ والْتحم.
وَهَذَا طَعَام يُلائمني، أَي يوافقني.
وَلَا تَقُل: يُلاومني.
ولاءَمْت بَين الْفَرِيقَيْنِ، إِذا أَصْلَحْتَ بَينهمَا.
اللَّيْث: ألأْمت الجُرْحَ بالدَّواء.
وألأمت القُمْقُم، إِذا سَدَدْت صُدُوعَه.
ابْن السِّكيت: اللُّؤْمة: السِّنّة الَّتِي تَحْرث بهَا الأَرْض.
فَإِذا كَانَت على الفَدّان، فَهِيَ العِيَان.
وَجَمعهَا: عُيُن.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: سَهْمٌ لأمٌ: عَلَيْهِ ريشٌ لُؤَامٌ؛ وَقَالَ امْرُؤ القَيس:
نَطْعنهم سُلْكَى ومَخْلُوجةً
لَفْتَكَ لأْميْن على نابِلِ
قَالَ: وَقَالَ الكسائيّ: لأَمْتُ السهْم، مثل فَعَلْت: جَعلتُ لَهُ لُؤَاماً.
الأصمعيّ، وَأَبُو عُبيدة: من الرِّيش: اللُّؤَام، وَهُوَ ماكان بَطْن القُذّة مِنْهُ يَلي ظَهر الأُخرى، وَهُوَ أَجود مَا يكون، فَإِذا التقى بَطْنان، أَو ظَهران، فَهُوَ لُغَاب ولَغْب؛ وَقَالَ أَوْس بن حَجَر:

(15/287)


يُقَلِّب سَهْماً راشه بمَناكِبٍ
ظُهارٍ لُؤامٍ فَهُوَ أَعْجفُ شاسِفُ
وَيُقَال: استلام الرجل إِلَى ضَيْفه، إِذا فعل مَا يُلام عَلَيْهِ؛ وَقَالَ القُطاميّ:
ومَن يَكُن اسْتلام إِلَى ثَوِيَ
فقد أَحْسنتُ يَا زُفَر المَتَاعَا
لمى: أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: تزوّج فلانٌ لُمَتَه من النِّساء، أَي مِثْله.
ورُوي أَن شَيخا تزوَّج جَارِيَة شابّة زَمن عُمر بن الْخطاب، فَفَرِكَتْه وَقَتَلتْه، فَلَمَّا بلغ عُمَرَ الخبرُ قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، لِيتزوج كُلّ رَجُل لُمَته، أَي امْرَأَته على قَدْر سِنّه، وَلَا يتزوّج الشَّيْخ حدثةً يشقّ عَلَيْهَا تَزَوّجه.
ورُوي عَن فَاطِمَة البَتول أَنَّهَا خرجت فِي لُمَة من نِسائها تتوطّأ ذَيْلَها حَتَّى دَخَلت على أبي بكر الصّديق، أَي: فِي جمَاعَة من نِسائها.
وَقيل: اللُّمَة من الرّجال: مَا بَين الثّلاثة إِلَى العَشرة.
ويُقال: لَك فِيهِ لُمَة، أَي: أُسْوة؛ وأَنْشد ابْن الأعْرابيّ:
قَضاء الله يَغْلب كُلَّ حَيَ
ويَنْزل بالجَزْوع وبالصَّبُورِ
فَإِن نَغْبُر فإنّ لنا لُمَاتٍ
وإنْ نَغْبُر فَنحْن على نُذُورِ
أَي: نَذَرنا أنّا سنموت لَا بُدّ لنا من ذَلِك.
قَالَ: واللُّمَات: المُتوافقون من الرِّجال.
يُقَال: أَنْت لي لُمَة، وَأَنا لَك لُمة.
وَقَالَ فِي مَوضع آخر: اللُّمَى: الأتراب.
قلت: جعل النّاقِص من اللُّمَة واواً أَو يَاء، فجمعها على اللُّمَى.
قَالَ: واللّمْي: الشِّفاه السُّود.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : اللُّمَة فِي المحراث: مَا يَجُرّ بِهِ الثَّور يُثير بِهِ الأَرْض.
وَهِي: اللُّومة، والنَّورج.
أَبُو زيد: تَلَمّأت الأرضّ على فلانٍ تَلَمُّؤاً، إِذا هِيَ اسْتَوَت عَلَيْهِ فوارتْه؛ وأَنشد فِي ذَلِك:
وللأَرْض كم مِن صالِحٍ قد تَلَمَّأت
عَلَيْهِ فوارتْه بلمّاعةٍ قَفْرِ
ويُقال: قد ألمأتُ على الشَّيْء، إِذا احتويتَ عَلَيْهِ.
غَيره: يُقال: مَا أَدري أَيْن أَلمأَ مِن بِلَاد الله؟ أَي ذَهَب.
وَيُقَال: كَانَ فِي الأَرْض مَرعى وزَرع فهاجت الرِّياح فألْمأَتْها، أَي تَركتها صَعِيداً.
ابْن كُثْوة: مَا يَلْمَأ فَمُه بِكَلِمَة، وَمَا يَجْأَى فَمُه، بمَعْناه.

(15/288)


وَمَا يلمأ فَمُ فلَان بِكَلِمَة، مَعْنَاهُ: لَا يَسْتعظم شَيْئا تَكَلَّم بِهِ مِن قَبيح.
اللَّيْث: اللَّمى، مَقصور، من الشَّفة اللّمْياء، وَهِي اللَّطيفة القليلة الدَّم.
والنعت، أَلْمى ولَمْياء.
وَكَذَلِكَ: لَثة لَمياء: قَليلَة اللّحم.
وَقَالَ أَبُو نصر: سَأَلت الْأَصْمَعِي عَن اللّمى مرّة، فَقَالَ: هِيَ سُمْرة فِي الشّفَة.
ثمَّ سَأَلته ثَانِيَة، فَقَالَ: هُوَ سَواد يكون فِي الشّفتين؛ وأَنشد:
يَضْحكن عَن مَثْلوجة الأثلاج
فِيهَا لَمًى مِن لُعْسَةِ الأدْعاج
وظِلٌّ أَلْمي: كثيف أَسْود؛ قَالَ طرفَة:
وتَبْسِم عَن أَلْمَى كأنّ مُنَوَّراً
تَخَلَّل حُرَّ الرَّمْلِ دِعْصٌ لَهُ نَدِي
أَرَادَ: عَن ثَغْر ألْمى اللِّثات، فَاكْتفى بالنَّعت عَن المَنْعوت.
وَقَالَ أَبُو الجَرّاح: إنّ فُلَانَة لَتُلَمِّي شَفَتَيْها.
وَقَالَ بَعضهم: الأَلْمى: الْبَارِد الرِّيق. وظِلٌّ ألْمى: بارِد.
وجَعل ابْن الأعرابيّ: اللّمَى سَواداً.
ألم: أَبُو عُبيد: عَن ابْن السِّكيت: أَلِمْتَ بَطْنَك، ورَشِدْت أَمْرَك.
قَالَ: وانتصاب بَطْنك وأَمْرك على التّفسير، وَهُوَ مَعرفة، والمُفَسرات نكرات؛ كَقَوْلِك: قَرِرْت بِهِ عَيْناً، وضِقْت بِهِ ذَرْعاً. وَقد مَرّ تفسيرُه.
والأَلَم: الوَجع.
وَقد أَلِم الرَّجُل يَأْلَم، أَلَماً، فَهُوَ أَلِم.
ويُجمع الأَلم: آلاماً.
فَإِذا قلت: عَذَاب أَلِيم، فَهُوَ بِمَعْنى مُؤْلم.
وَمِنْه: رَجُلٌ وَجِع، وضَرْب وَجِع، أَي مُوجع.
وتألّم فلانٌ من فلانٍ، إِذا تشكَّى مِنْهُ وتوجَّع.
أَبُو زيد: يُقَال: مَا أجد أَيْلَمةً وَلَا ألماً، وَهُوَ الوَجع.
ابْن الْأَعرَابِي: مَا سَمِعت لَهُ أَيْلمةً، أَي صَوتاً.
شمر، عَنهُ: مَا وجدت أَيْلمةً وَلَا أَلماً، أَي وجعاً.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأَيْلمة: الحَركة؛ وأَنْشد:
فَمَا سمعتُ بعد تِلْكَ النَّأَمَهْ
مِنْهَا وَلَا مِنْه هُناك أَيْلَمهْ
وأَلُومَة: مَوضِع، وَقَالَ صَخْر الغَيّ:
ويَجْلُبوا الخَيْلَ من أَلُومةَ أَو
مِن بَطْن عَمْقٍ كَأَنَّهَا البُجُدُ
ملا أمْلى: أَبُو حَاتِم: حُبٌّ مَلآن، وقِرْبة مَلأَى، وحِبَابٌ مِلاَء.
وَإِن شِئت خَفّفت الْهمزَة فَقلت: مَلاً.

(15/289)


والمِلْء: مَا أَخذ الإناءُ من المَاء.
وَقد امْتَلَأَ الْإِنَاء.
وإناء مَلآن.
وشابٌّ مالىء الْعين، إِذا كَانَ فخماً حَسَناً؛ قَالَ الراجز:
بِهَجْمة تَملأ عَيْن الحاسِدِ
وَيُقَال: أَمْلأ فلانٌ فِي قَوْسه، إِذا أَغْرق فِي النَّزْع.
ومَلأ فلانٌ فُروج فَرسه، إِذا حَمله على أشَدّ الحُضْر.
أَبُو عُبيد: مُلىء فلانٌ، فَهُوَ مَمْلوء.
وَالِاسْم: المُلاءة، وَهُوَ الزُّكام.
وَقد أملأه الله، إِذا أَزْكَمه.
اللَّيْث: المُلأَة: ثِقَلٌ يَأْخُذ فِي الرَّأْس كالزُّكام من امتلاء المَعِدة.
والمَلأ، مَهْمُوز مَقْصُور: أَشْرَاف النَّاس ووُجوههم؛ قَالَ الله عزّ وجلّ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ} (الْبَقَرَة: 246) و {قَالَ الْمَلاَُ مِن قَوْمِهِ} (الْأَعْرَاف: 59) .
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سَمع رجلا من الْأَنْصَار مَرْجِعَه من غَزوة بَدْر يَقُول: مَا قتلنَا إِلَّا عجائزَ صُلْعاً. فَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُولَئِكَ الْمَلأ من قُريش لَو حَضرت فِعالَهم لاحْتَقرت فِعْلك.
وَالْمَلَأ أَيْضا: الخُلق: يُقَال: أحْسِنْ مَلأَك أَيهَا الرجل، وأحسنوا أمْلاءَكم.
وَفِي حَدِيث أبي قَتَادَة أَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما تكابُّوا على المَاء فِي تِلك الغَزاة لِعَطشٍ نالهم، قَالَ: (أَحْسنوا أَمْلاءكم فكُلّكم سَيَرْوَى) .
أَي: أَحْسِنُوا أَخلاقكم.
وَمِنْه قَوْله:
تَنادَوْا آل بُهْثة إِذْ رَأَوْنَا
فقُلْنا أحْسِني مَلأً جُهَيْنَا
أَي: أحسني خُلقاً يَا جُهَينة.
ويُقالُ: أَرَادَ: أحسني مُمالأة، أَي معاونةً، من قَوْلك: مالأت فلَانا، أَي عاونتُه وظاهرتُه.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه قَتل سَبْعَة نفر بصبيّ قَتَلُوهُ غِيلةً، وَقَالَ: لَو تمالأ عَلَيْهِ أهل صَنعاء لقتلتُهم بِهِ.
يَقُول: لَو تضافَروا واجتمعوا عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: رجُلٌ مَلِيء، مَهْمُوز: بَيِّنُ المَلاَء.
والمَلأ: الرُّؤساء، سُمّوا بذلك لأَنهم مِلاَءٌ بِمَا يُحتاج إِلَيْهِ.
قَالَ: والمَلأ: الخَلْق.
قَالَ: وهما مَهموزان مَقْصُوران.
وَأما الملا: المُتَّسع من الأَرْض، فَهُوَ غير مَهْمُوز، يكْتب بِالْألف وبالياء، والبَصريون يكتبونه بِالْألف؛ وَأنْشد:

(15/290)


أَلا غَنِّياني وارْفَعا الصَّوتَ بالمَلاَ
فإنّ المَلاَ عِنْدي يَزيد المَدى بُعْدَا
أَبُو زيد: مَلُؤ الرَّجُلُ يَمْلُؤُ مَلاءة.
فَهُوَ: مَلىء.
اللَّيْث: المُلاَءة: الرَّيْطة.
وَالْجمع: المُلاَء.
قَالَ: وَقوم مِلاَء.
قَالَ: ومَن خَفّف قَالَ: قومٌ مِلًى.
ابْن الْأَعرَابِي: المُلَى: الرّمَاد الحارّ.
والمُلَى: الزَّمانُ مِن الدَّهْر.
وَقَالَ ابْن السِّكيت، فِي قَول الشَّاعِر:
وتَحَدَّثوا مَلأً لِتُصْبح أُمّنا
عَذْراء لَا كَهْلٌ وَلَا مَوْلُودُ
أَي: تَشاوروا وتَحَدَّثوا مُتمالئين على ذَلِك ليقتُلونا أَجْمَعِينَ فتُصبح أمّنا كالعَذراء الَّتِي لَا وَلد لَهَا.
أَبُو عبيد: يُقال للْقَوْم إِذا تتابعوا برأيهم على أَمْر: قد تمالئُوا عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: تَمَلَّأْتُ من الطَّعَام تَمَلُّوءاً.
مَلوة من الدَّهْر، ومُلوة، ومِلوة، ومَلاوة؛ وهُذيل تَقول: مَلاَوة؛ وبعضُ الْعَرَب يَقُول: مُلاَوة، كُله من الطُّول.
ابْن الْأَعرَابِي: مَلاوة من الدَّهْر، ومُلاوة، ومِلاوة، أَي حينٌ من الدّهْر.
اللَّيْث: إِنَّه لفي مَلاوة من عَيْش، أَي قد أُمْلِيَ لَهُ.
وَالله يُملي من يَشَاء فيؤجّله فِي الخَفض والسَّعة والأَمْن؛ قَالَ العجّاج:
مُلاوةً مُلِّيتُها كأنِّي
ضاربُ صَنْجٍ نَشْوةٍ مُغَنِّي
الْأَصْمَعِي: أَمْلى عَلَيْهِ الزَّمنُ، أَي طَال عَلَيْهِ.
وأملى لَهُ، أَي طوّل لَهُ وأَمْهله.
ومَلاَ البَعيرُ يَمْلُو مَلْواً، إِذا سَار سَيْراً شَدِيدا؛ وَقَالَ مُلَيح الهُذليّ:
فأَلْقوا عليهنّ السّياط فشَمَّرت
سعالَى عَلَيْهَا المَيْسُ تَمْلُوا وتَقْذِفُ
شَمر: يُقَال: فلَان أَمْلأ لعَيْنِي من فلَان، أَي أتمّ فِي كل شَيْء منْظرًا وحُسْناً.
وَهُوَ رجل مالىءٌ للعَين، إِذا أَعجبك حُسْنه وبَهْجته.
ابْن الْأَعرَابِي: مالأه، إِذا عاونه؛ ولامأه، إِذا صَحبه أشباهُه.
مأل: ابْن الْأَعرَابِي: رَجُلٌ مَئِلٌ، وَامْرَأَة مَئِلة، أَي ضَخْمٌ تارٌّ.
وَقد مَئِلت تَمْأَل، ومَؤُلت، تَمْؤُل.
وَلم: وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: الوَلْمة: تَمام الشَّيْء واجْتماعه.
وأَوْلَم الرَّجُلُ: اجْتمع خَلْقُه وعَقْلُه.
قَالَ: والوَلَمُ: الحَبْلُ الَّذِي يُشدّ من التَّصْدير إِلَى السِّنَاف لئلاّ يَقْلقا.

(15/291)


والوَلْم: القَيْد.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: يُسمَّى الطَّعام الَّذِي يُصْنع عِنْد العُرس: الوَلِيمة.
وَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الرحمان بن عَوْف، وَقد جمع إِليه أَهله: (أَوْلِم) .
أَي: اصْنع وَلِيمةً.
وأصْل هَذَا كُله من الِاجْتِمَاع.
ابْن هانىء، عَن أبي زيد: رجلٌ وَيْلُمّة: داهيةٌ أيّ داهية.

(15/292)


بَاب لفيف حرف اللَّام
(لَام، لَو، لَا، لات، إمالا، أَلا، إِلَّا، إِلَى، لي، ألى، أَلا، آل، ة أل، ليل، لوى، ولى، أول، أيلول، إيليا، ولول، تلو
نَبدأ أَولا بالحروف الَّتِي جَاءَت لمعانٍ من بَاب اللاّم لحَاجَة النَّاس إِلَى مَعْرفَتهَا، فَمِنْهَا:
لَام: اللَّام الَّتِي توصل بهَا الْأَسْمَاء، وَالْأَفْعَال، وَلها معانٍ شتّى، فَمِنْهَا:
لَام الْملك
كَقَوْلِك: هَذَا المالُ لِزيد، وَهَذَا الفرسُ لِعَمرو.
وَمن النَّحْوِيين من يُسَمِّيها لَام الْإِضَافَة. سُمِّيت لَام الْملك لأنّك إِذا قلت: هَذَا لِزَيْد، عُلم أَنه مِلْكُه.
وإِذا اتَّصلت هَذِه اللَّام بالمكْنِيّ عَنهُ نُصبت، كَقَوْلِك: هَذَا المَال لَهُ، ولَنا، ولكَ، ولَها، ولَهما، ولَهم.
وَإِنَّمَا فُتحت مَعَ الكِنايات لِأَن هَذِه اللَّام فِي الأَصْل مَفْتُوحَة، وإِنما كسرت مَعَ الْأَسْمَاء لِيُفْصل بَين لَام الْقسم وَبَين لَام الْإِضَافَة، أَلا ترى أَنَّك لَو قُلت: إِن هَذَا المَال لِزيد، عُلم أَنه مِلْكه، وَلَو قلت: إنّ هَذَا لَزَيْدٌ، عُلم أَن المُشار إِلَيْهِ هُوَ زَيد فكُسرت ليُفرق بَينهمَا.
وَإِذا قلت: المالُ لكَ، فتحت؛ لأنّ اللَّبس قد زَالَ.
وَهَذَا قولُ الْخَلِيل والبَصْرييّن.
لَام كي
هِيَ كَقَوْلِك: جئتُ لِتَقُومَ يَا هَذَا.
سُمِّيت لَام كي لأنّ مَعْنَاهَا: جئتُ لكَي تَقُومَ.
وَمَعْنَاهَا: معنى لَام الْإِضَافَة، وَلذَلِك كُسرت؛ لِأَن الْمَعْنى: جِئْت لِقيامك.
وَقَالَ الفَراء فِي قَوْله تَعَالَى: {رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ} (يُونُس: 88) : هِيَ لَام كي. الْمَعْنى: يَا ربّ أَعْطَيتهم مَا أَعطيتهم ليضلّوا عَن سَبيلك.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى: الِاخْتِيَار أَن تكون هَذِه اللَّام وَمَا أشبههَا بِتَأْوِيل الخَفْض. الْمَعْنى: آتيْتهم مَا آتَيْتهم لضلالهم.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَالْتَقَطَهُءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ} (الْقَصَص: 8) مَعْنَاهُ: لِكَوْنه، لِأَنَّهُ قد آلت الْحَال إِلَى ذَلِك.

(15/293)


قَالَ: والعربُ تجْعَل لَام كي فِي مَعنى لَام الْخَفْض، وَلَام الْخَفْض فِي معنى لَام كي لتقارُب المعَنى.
قَالَ الله تَعَالَى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ} (التَّوْبَة: 95) . الْمَعْنى: لإعراضكم عَنْهُم، وهم لم يحلفوا لكَي تُعرضوا، وَإِنَّمَا حلفوا لإعراضهم عَنْهُم؛ وأَنْشد:
سَمَوْت وَلم تكن أَهلا لِتَسْمُو
ولكنّ المُضَيَّع قد يُصابُ
أَرَادَ: لم تكن أَهلا للسّمُوّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي قَوْله تَعَالَى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ} (التَّوْبَة: 121) : اللَّام فِي لِيَجْزيهم لَام الْيَمين، كَأَنَّهُ قَالَ: ليجزينّهم، فَحذف النُّون وَكسر اللَّام، وَكَانَت مَفْتُوحَة، فَأَشْبَهت فِي اللَّفْظ لَام كي، فنَصبوا بهَا كَمَا نصبوا ب (لَام كي) .
قَالَ: وَكَذَلِكَ قولُه تَعَالَى: {} {مُّبِيناً لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ} (الْفَتْح: 1 و 2) . الْمَعْنى ليغفرنّ الله لَك.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو حَاتِم غَلط، لِأَن لَام القَسم لَا تُكسر وَلَا يُنصب بهَا، وَلَو جَازَ أَن يكون معنى لِيَجْزِيَهُم الله: ليجزينّهم، لقُلنا: وَالله ليقومَ زيد، بِمَعْنى ليقومنّ، وَهَذَا مَعدوم فِي كَلَام الْعَرَب.
وَاحْتج أَبُو حَاتِم بِأَن الْعَرَب تَقول فِي التعجُّب: أَظْرِفْ بزَيْد فيَجْزمونه لشبهه بِلَفْظ الْأَمر. وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة ذَلِك؛ لِأَن التعجّب عُدل إِلَى لفظ الْأَمر، وَلَام الْيَمين لم تُوجد مَكْسُورَة قطّ فِي حَال ظُهُور الْيَمين، وَلَا فِي حَال إضمارها.
قَالَ أَبُو بكر: وَسَأَلت أَبَا العبّاس عَن اللَّام فِي قَوْله تَعَالَى: {مُّبِيناً لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ} (الْفَتْح: 2) ، فَقَالَ: هِيَ لَام كي. مَعْنَاهُ: إنّا فتحنا لَك فَتْحاً مُبيناً لكَي يَجتمع لَك مَعَ الْمَغْفِرَة تمامُ النّعمة فِي الْفَتْح، فَلَمَّا انضمّ إِلَى الْمَغْفِرَة شَيْء حَادث وَاقع حَسُن معنى كي.
وَكَذَلِكَ قولُه تَعَالَى: {لِيَجْزِىَ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} (سبأ: 4) هِيَ: لَام كي، تتصل بقوله تَعَالَى: {عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ} (سبأ: 3) إِلَى قَوْله تَعَالَى: {كُلٌّ فِى كِتَابٍ} (سبأ: 3) أَحْصَاهُ عَلَيْهِم لكَي يَجْزِي المُحسن بإحسانه والمُسيء بإساءته.
لَام الْأَمر
وَهُوَ كَقَوْلِك: لِيضْرب زيْدٌ عمرا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: أَصْلهَا نَصْب، وَإِنَّمَا كُسرت ليفرّق بَينهَا وَبَين لَام التوكيد، وَلَا يبالى بشبهها بلام الْجَرّ؛ لأنّ لَام الْجَرّ لَا تقع فِي الْأَفْعَال، وَتَقَع لَام التوكيد فِي الْأَفْعَال، أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: لِيضرب، وَأَنت تَأمر، لأشبه لامَ التوكيد،

(15/294)


إِذا قلت: إِنَّك لَتضربُ زيدا.
وَهَذِه اللَّام فِي الْأَمر أَكثر مَا تُستعمل فِي غير المُخاطب، وَهِي تجزم الفِعل، فَإِن جَاءَت للمُخاطب لم يُنْكر.
وَقَالَ الْفراء: رُوي أَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي بعض الْمشَاهد: (لِتأخذُوا مَصَافّكم) . يُرِيد: خُذوا مَصافّكم.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} (يُونُس: 85) .
أَكثر القُرّاء قرءوا بِالْيَاءِ.
ورُوي عَن زَيد بن ثَابت: {فَلْيَفْرَحُواْ} (يُونُس: 58) . يُرِيد أَصْحَاب النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ خيرٌ مِمَّا يجمعُونَ، أَي ممّا يَجمع الكُفّار.
وقوّى قراءةَ أُبيّ (فَافْرَحُوا) وَهُوَ البِناء الَّذِي خُلق للأَمر إِذا واجَهْت بِهِ.
قَالَ الْفراء: وَكَانَ الكسائيّ يَعيب قَوْلهم فَلْتفرحوا، لِأَنَّهُ وَجده قَلِيلا فَجعله عَيْباً.
وَقَرَأَ يَعْقُوب الحَضْرميّ، بِالتَّاءِ، وَهِي جَائِزَة.
اللَّام الَّتِي هِيَ لِلْأَمْرِ فِي تَأْوِيل الْجَزَاء
من ذَلِك قَول الله تَعَالَى: {لِلَّذِينَءَامَنُواْ اتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا} (العنكبوت: 12) .
قَالَ الْفراء: هُوَ أَمر فِيهِ تَأْوِيل الْجَزَاء، كَمَا أَن قَوْله تَعَالَى: {النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ} (النَّمْل: 18) نَهْيٌ فِي تَأْوِيل الجَزاء، وَهُوَ كثير فِي كَلَام الْعَرَب؛ وَأنْشد:
فَقلت ادْعِي وأَدْعُ فإنّ أَنْدَى
لِصَوْتٍ أَن يُنَادِي داعِيان
أَي: ادْعِي ولأَدعُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِن دعوتِ دعوتُ.
ونحوَ ذَلِك قَالَ الزّجاج.
وَقَالَ: يُقرأ قَوْله: {اتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا} (العنكبوت: 12) بِسُكُون اللاّم وبكسرهما، وَهُوَ أمرٌ فِي تَأْوِيل الشَّرط.
الْمَعْنى: إِن تَتّبعوا سَبيلنا حَملنا خطاياكم.
لَام التوكيد
وَهِي تَتصل بالأسماء وَالْأَفْعَال الَّتِي هِيَ جوابات القَسَم وَجَوَاب إنّ.
فالأسماء كَقَوْلِك: إنّ زيدا لكريم.
وَالْأَفْعَال كَقَوْلِك: إنّه ليذُبّ عَنْك.
وَفِي الْقسم: وَالله لأصلّين، ورَبّي لأصُومَنّ.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} (النِّسَاء: 71) أَي: ممّن أَظهر الْإِيمَان لَمن يُبطِّىء عَن القِتال.
قَالَ الزّجاج: اللَّام الأولى الَّتِي فِي قَوْله ليبطِّئن لَام الْقسم، و (من) مَوْصُولَة بالجالب للقسم، كأنّ هَذَا لَو كَانَ كلَاما لَقلت: إنّ مِنْكُم لَمن أحْلِف بِاللَّه وَالله ليبطِّئنّ.
قَالَ: والنَّحويون مجمعون على أَن (مَا)

(15/295)


و (من) و (الَّذِي) لَا يُوصَلْن بِالْأَمر والنّهي إِلَّا بِمَا يضمر مَعهَا من ذكر الْخَبَر، وَأَن لَام الْقسم إِذا جَاءَت مَعَ هَذِه الْحُرُوف فَلفظ الْقسم وَمَا أَشبهه لَفظه مضمرٌ مَعهَا وَمِنْهَا:
اللامات الَّتِي تؤكّد
بهَا حُروف المجازاة
وتُجاب بلام أُخرى توكيداً، كَقَوْلِك: لَئِن فَعَلْت كَذَا لتندمَنّ، وَلَئِن صَبَرت لَتَرْبَحَنّ.
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَآءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ} (آل عمرَان: 81) .
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي طَالب النَّحوي، أَنه قَالَ: المَعنى فِي قَوْله: (لما آتيتكم) : لمَهما آتيتكم، أَي: أَيّ كتاب آتيتكم لتؤمننّ بِهِ ولتنصُرنّه.
قَالَ: وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: قَالَ الْأَخْفَش: اللَّام الَّتِي فِي {لما آتيتكم اسْم، وَالَّذِي بعْدهَا صلَة لَهَا، وَاللَّام الَّتِي فِي لتؤمنن بِهِ ولتنصُرنه لَام القَسم، كَأَنَّهُ قَالَ: وَالله لتؤمننّ، فوكّد فِي أول الْكَلَام وَفِي آخِره. وَتَكون (من) زَائِدَة.
وَقَالَ أَبُو العبّاس: هَذَا كلّه غلط. اللَّام الَّتِي تدخل فِي أَوَائِل الجزاءات تُجاب بجوابات الأَيمان، تَقول: لَمَن قَامَ لآتينّه. فَإِذا وَقع فِي جوابها (مَا) و (لَا) عُلم أنّ اللَّام لَيست بتوكيد، لِأَنَّك تَضع مَكَانهَا (لَا) و (مَا) . وَلَيْسَت كالأولى، وَهِي جَوَاب للأُولى.
قَالَ: وَأما قَوْله: من كتاب فأَسْقط (من) فَهَذَا غلط، لِأَن (من) الَّتِي تدخل وَتخرج لَا تقع إِلَّا مواقع الْأَسْمَاء، وَهَذَا خبر، وَلَا تقع فِي الْخَبَر، إِنَّمَا تقع فِي الجَحد والاستفهام وَالْجَزَاء، وَهُوَ قد جعل (لَما) بِمَنْزِلَة: لَعَبد الله وَالله لقائمٌ، وَلم يَجعله جَزَاء.
وَمن اللامات الَّتِي تَصحب إنْ
فَمرَّة تكون بِمَعْنى (إِلَّا) ، وَمرَّة تكون صلَة وتوكيداً، كَقَوْل الله تَعَالَى: إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} (الْإِسْرَاء: 108) .
فَمن جَعل (إِن) جحداً جَعل اللَّام بِمَعْنى (إلاّ) .
الْمَعْنى: مَا كَانَ وَعْد ربِّنا إِلَّا مَفْعولاً.
وَمن جعل (إِن) بِمَعْنى (قد) جعل اللَّام توكيداً.
الْمَعْنى: قد كَانَ وَعْد ربّنا مَفْعُولا.
وَمثله قَوْله تَعَالَى: {قَالَ تَاللَّهِ إِن} (الصافات: 56) ، يجوز فِيهَا المَعْنيان.
لَام التَّعَجُّب وَلَام الاستغاثة
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن المبرّد: إِذا استُغيث بِوَاحِد وبجماعة، فَاللَّام مَفْتُوحَة، تَقول: ياللرِّجال يَا لَلْقوم، يَا لَزيد

(15/296)


وَكَذَلِكَ إِذا كنت تَدْعوهم.
فَأَما (لَام) الْمَدْعُو إِلَيْهِ فَإِنَّهَا تُكسر، تَقول: يَا للرّجال لِلْعَجب وَيَا لَلرّجال لِلماء وأَنْشد:
يَا لَلرّجال لِيوم الْأَرْبَعَاء أمَا
ينفكّ يُحْدِث بعد النَّهي لي طَرَبَا
وَقَالَ الآخر:
تكنّفني الوُشاةُ فأَزْعجوني
فيا لَلنّاس للواشي المُطَاعِ
وَتقول: يَا لِلْعجب، إِذا دَعَوْت إِلَيْهِ، كَأَنَّك قلت: يَا لَلنّاس لِلعجب.
قَالَ: وَلَا يجوز أَن تَقول: يَا لَزيد، وَهُوَ مقبل عَلَيْك، إِنَّمَا تَقول ذَلِك لِلْبعيد.
كَمَا لَا يجوز أَن تَقول: يَا قَوماه، وهم مقبلون عَلَيْك.
فَإِن قلت: يَا لَزيد، ولِعَمْرو، كسرت اللَّام فِي لعَمْرو، وَهُوَ مدعوّ، لِأَنَّك إِنَّمَا فتحت اللَّام فِي زيد للفَصل بَين المدعوّ والمدعوّ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَطفت على زيد اسْتَغْنَيْت عَن الْفِعْل، لِأَن الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي مِثل حَاله؛ وَأنْشد:
يَا لَلْكَهول وللشبّان لِلْعجب
وَالْعرب تَقول: يَا لَلْعَضيهة، وَيَا لَلْلأَفِيكة، وَيَا لَلْبَهِيتَةِ.
وَفِي اللامات الَّتِي فِي هَذِه الْحُرُوف وَجْهَان:
فَإِن أردْت بهَا الاستغاثة نَصَبتها.
وَإِن أردْت أَن تَدْعُو إِلَيْهَا بِمَعْنى التّعجب كسرتها، كأنَّك أردْت: يَا أَيهَا الرجل اعْجب لِلْعضيهة، وَيَا أيّها النَّاس اعجبُوا للأَفيكة.
وَمن اللامات:
لَام التّعقيب
للإضافة، وَهِي تدخل مَعَ الْفِعْل الَّذِي معَناه الِاسْم، كقَولك: فلَان عابرُ الرُّؤْيا، وعابرٌ للرؤْيا؛ وَفُلَان راهبُ ربّه، وراهبٌ لربّه.
وَمن ذَلِك قَول الله تَعَالَى: {لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} (الْأَعْرَاف: 154) .
وَقَالَ عزّ وجلّ: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (يُوسُف: 43) .
قَالَ أَحْمد بن يحيى: إِنَّمَا دخلت اللَّام تَعْقيباً للإضافة.
الْمَعْنى: الَّذين هم راهبون لرَبّهم، ورهبُوا ربَّهم، ثمَّ أدخلُوا اللَّام على هَذَا الْمَعْنى لِأَنَّهَا عَقّبت الْإِضَافَة.
اللَّام الَّتِي بِمَعْنى
(إِلَى) وَبِمَعْنى (أجل)
وَقد تَجِيء اللَّام بِمَعْنى (إِلَى) وَبِمَعْنى (أجل) .

(15/297)


قَالَ الله جلّ وعزّ: {رَبَّكَ أَوْحَى} (الزلزلة: 5) أَي: أوحى إِلَيْهَا.
وَقَالَ عزّ وجلّ: {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 61) ، أَي: وهم إِلَيْهَا سَابِقُونَ.
وَقيل: فِي قَوْله تَعَالَى: {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا} (يُوسُف: 100) ، أَي خَرُّوا من أَجله سُجَّداً، كَقَوْلِك: أكْرَمت فلَانا لَك، أَي: من أَجلك.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {مُرِيبٍ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لاَِعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ} (الشورى: 15) ، أَي: إِلَى ذَلِك فادْع.
لَام التَّعْرِيف
قَالَ الزّجاج وَغَيره: لَام التَّعْرِيف الَّتِي تصحبها الْألف، كَقَوْلِك: القومُ خارجون، وَالنَّاس طاعنون الْفرس وَالْحمار، وَمَا أَشبههما.
اللَّام الزَّائِدَة
وَمِنْهَا: اللَّام الزَّائِدَة فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال، كَقَوْلِك: فَعْمَلٌ للفَعْم، وَهُوَ المُمتلىء، وناقةٌ عَنْسل لِلْعَنس الصُّلْبَة.
وَفِي الْأَفْعَال، كَقَوْلِك قَصْمَلَه، أَي: كَسره، وَالْأَصْل: قَصمه.
وَقد زِيدت فِي (ذَاك) ، فَقَالُوا: ذَلِك، وَفِي أولاك فَقَالُوا: (أولالك) .
اللَّام الَّتِي فِي (لقد)
وَأما اللَّام الَّتِي فِي (لقد) فإِنها دخلت تَأْكِيدًا ل (قد) ، فاتصلت بهَا كَأَنَّهَا مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ اللَّام الَّتِي فِي (لَمَا) مخفّفة.
لَو: قَالَ اللَّيْث: لَو: حرف أُمْنيّة، كَقَوْلِك: لَو قَدم زَيد: {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} (الْبَقَرَة: 167) ، فَهَذَا قد يُكْتفى بِهِ عَن الجَواب.
قَالَ: وَقد تكُون (لَو) مَوْقوفة بَين نَفْي وأُمْنِيَّة، إِذا وُصلت ب (لَا) .
وَقَالَ المبرّد: (لَو) تُوجب الشَّيْء من أجل وُقوع غَيره.
وَلَوْلَا: تمنع الشَّيْء من أَجل وُقوع غَيره.
سَلمة، عَن الْفراء: تكون (لَو) سَاكِنة الْوَاو، إِذا جَعلتهَا أَدَاة، فَإِذا أَخرجتها إِلَى الْأَسْمَاء شَدَّدت واوها وأَعربتها؛ وَمِنْه قَوْله:
عَلِقَتْ لوّاً تُكَرِّرُه
إنّ لَوّاً ذَاك أَعْيَانَا
وَقَالَ الْفراء: لَوْلَا، إِذا كَانَت مَعَ الْأَسْمَاء فَهِيَ شَرط، وَإِذا كَانَت مَعَ الْأَفْعَال، فَهِيَ بِمَعْنى (هَلاّ) ، لَوْمٌ على مَا مَضَى وتَحْضيض لِما يَأْتِي.
قَالَ: و (لَو) تكون جَحْداً وتمنِّياً وشَرْطاً.
فَإِذا كَانَت شرطا كَانَت تخويفاً، وتَشْويقاً، وتَمْثيلاً، وشَرطاً لَا يَتِمّ.
وَقَالَ الزّجاج: (لَو) : يَمتنع بهَا الشَّيْء لِامْتِنَاع غَيره، تَقول: لَو جَاءَنِي زيدٌ لجِئته. وَالْمعْنَى: أنّ مَجِيئي امْتنع لِامْتِنَاع مَجِيء زَيد.
ابْن الْأَعرَابِي: اللَّوَّة: السَّوْأة.
تَقول: لَوَّةً لفُلَان بِمَا صَنع، أَي سَوْأة.

(15/298)


قَالَ: والتَّوة: السَّاعَة من الزَّمان.
والحَوّة: كلمةُ الحَقّ.
وَقَالَ: اللَّيّ، واللَّوّ: الْبَاطِل.
والحَوّ، والحيّ: الحقّ.
يُقَال: فلانٌ لَا يَعرف الحوَّ من اللَّوّ، أَي لَا يَعرف الْكَلَام البَيِّن من الخَفِيّ.
لَا: لَا: حرفٌ يُنْفَى بِهِ ويُجْحَد بِهِ.
وَقد تَجِيء زَائِدَة مَعَ الْيَمين، كَقَوْلِك: لَا أُقْسم بِاللَّه.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله تَعَالَى: {} (الْقِيَامَة: 1) وأشكَالِها فِي الْقُرْآن، لَا اخْتِلَاف بَين النَّاس أَن مَعْنَاهَا: أُقْسم بِيَوْم الْقِيَامَة.
وَاخْتلفُوا فِي تَفْسير (لَا) :
فَقَالَ بَعضهم: (لَا) لَغْوٌ، وَإِن كَانَت فِي أول السُّورة؛ لِأَن القُرآن كلّه كالسُّورة الْوَاحِدَة، لِأَنَّهُ مُتَّصل بعضُه بِبَعْض.
وَقَالَ الفَرّاء: (لَا) رَدٌّ لكلامٍ تقدَّم، كَأَنَّهُ قيل: لَيْسَ الْأَمر كَمَا ذُكِر.
ثمَّ قَالَ: وَكَانَ كثيرٌ من النَّحويين يَقُولُونَ: (لَا) صِلَةٌ.
قَالَ: وَلَا يُبْتدأ بِجَحْد، ثمَّ يُجعل صلَة يُراد بهَا الطَّرْح؛ لِأَن هَذَا لَو جَازَ لم يُعرف خَبَرٌ فِيهِ جَحْد من خبر لَا جحد فِيهِ، وَلَكِن الْقُرْآن نزل بالرّد على الَّذين أَنكروا الْبَعْث وَالْجنَّة وَالنَّار، فجَاء الإقسام بالرّد عَلَيْهِم فِي كثير من الْكَلَام المُبتدأ مِنْهُ وَغير المُبتدأ، كَقَوْلِك فِي الْكَلَام: لَا وَالله لَا أفعل ذَاك، جعلُوا (لَا) وَإِن رَأَيْتهَا مُبتَدأَة، رَدّاً لكَلَام قد مَضى.
فَلَو أُلْغِيَت (لَا) مِمَّا يُنوى بِهِ الجوابُ لم يكن بَين اليَمين، الَّتِي تكون جَوَابا، واليَمين الَّتِي تُستأنف، فَرْقٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَرَب تَطْرح (لَا) وَهِي مَنْويّة، كَقَوْلِك: وَالله أضربُك، تُريد: وَالله لَا أضربك؛ وأَنشد:
وآلَيْتُ آسَى على هالِكٍ
وأسأل نائحةً مَا لَها
أَي: لَا آسَى، وَلَا أسأَل.
وأفادني المُنذريّ، عَن اليزيديّ، عَن أبي زيد فِي قَول الله عزّ وجلّ: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} (النِّسَاء: 175) قَالَ: مَخَافَة أَن تضلّوا، وَلَو كَانَ: يُبَيِّن الله لكم ألاّ تَضِلّوا، لَكَانَ صَواباً.
قلت: وَكَذَلِكَ: ألاّ تضل، وَأَن تَضِلّ، مَعْنَاهُمَا وَاحِد.
وَمِمَّا جَاءَ فِي القُرآن من هَذَا قولُه جلّ وعزّ: {إِلاَّ غُرُوراً إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} (فاطر: 41) يُريد: ألاّ تَزولا.
وَكَذَلِكَ: قولُه تَعَالَى: {لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ} (الحجرات: 2) ، أَي: ألاّ تحبط.

(15/299)


وَقَوله تَعَالَى: {أَن تَقُولُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِنَّمَآ أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ} (الْأَنْعَام: 156) مَعْنَاهُ: ألاّ تَقولُوا.
قَالَ: وقولك: أَسأَلك بِاللَّه ألاّ تَقوله، وَأَن تَقوله.
فَأَما: ألاّ تَقوله: فَجَاءَت (لَا) لِأَنَّك لم تُرد أَن يَقُوله.
وَقَوله: أَسأَلك بِاللَّه أَن تَقوله: سَأَلتك هَذَا، فِي مَعْنى النَّهْي.
أَلا ترى أَنَّك تَقول فِي الْكَلَام: وَالله أَقُول ذَاك أبدا، وَالله لَا أَقُول ذَاك أبدا.
(لَا) هَا هُنَا طَرْحُها وإدخالُها سَوَاء، وَذَلِكَ أَن الْكَلَام لَهُ إباء وإنعام، فَإِذا كَانَ من الْكَلَام مَا يَجِيء من بَاب الإنعام مُوَافقا للإباء، كَانَ سَوَاء، وَمَا لم يكن لم يكن، أَلا ترى أَنَّك تَقول: آتِيك غَدا، وَأَقُول مَعَك، فَلَا يكون إِلَّا على مَعنى الإنعام.
فَإِذا قلت: وَالله أَقُول ذَاك، على معنى: وَالله لَا أَقُول ذَاك، صَلَح.
وَذَلِكَ لِأَن الإنعام: وَالله لأقولنّه، وَالله لأذهبنّ مَعَك، وَلَا يكون: وَالله أذهب مَعَك، وَأَنت تُريد أَن تَفْعل.
قَالَ: وَاعْلَم أَن (لَا) لَا تكون صلَة إلاّ فِي معنى الإباء، وَلَا تكون فِي معنى الإنْعام.
قلت: وَافق قولُ أبي إِسْحَاق قولَ الفَرّاء فِي تَفسير (لَا أُقْسم) .
وَقَالَ الفرّاء: العربُ تَجعل (لَا) صلَة إِذا اتّصلت بجَحْد قبلهَا؛ قَالَ الشَّاعِر:
مَا كَانَ يَرْضَى رسولُ الله دِينَهُم
والأَطْيبان أَبُو بَكر وَلَا عُمَرُ
أَرَادَ: (والطيبان) أَبُو بكر وعُمر.
وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {رَّحِيمٌ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَىْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ} (الْحَدِيد: 29) .
العربُ: تَجعل (لَا) صلَة فِي كُل كَلَام دَخل فِي أَوله جَحد، أَو فِي آخِره جَحْد غيرُ مُصرّح، فَهَذَا ممّا دخل آخِرَه الجحدُ، فَجعلت (لَا) فِي أوّله صلَة.
قَالَ: وأمّا الجحدُ السَّابِق الَّذِي لم يُصرّح بِهِ، فقولك: مَا مَنعك أَن لَا تَسْجد، وَقَوله تَعَالَى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (الْأَنْعَام: 109) ، وَقَوله تَعَالَى: { (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} (الْأَنْبِيَاء: 95) .
وَفِي (الْحَرَام) معنى جَحْد ومَنْع، وَفِي قَوْله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} مثله.
فَلذَلِك جُعلت (لَا) بعده صِلة، مَعْنَاهَا: السُّقُوط من الْكَلَام.
قَالَ: وَقد قَالَ بعض مَن لَا يعرف

(15/300)


العَربيّة: إنّ معنى (غير) ، فِي قَوْله تَعَالَى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} (الْفَاتِحَة: 7) معنى (سَوِي) ، وَأَن (لَا) صلَة فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ الضَّآلِّينَ} (الْفَاتِحَة: 7) .
واحتجّ بقول العجّاج:
فِي بِئر لَا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ
بإِفْكه حَتَّى رَأَى الصُّبْحَ جَشَرْ
قَالَ: وَهَذَا جَائِز، لِأَن الْمَعْنى وَقع فِيمَا لَا يتَبَيَّن فِيهِ عَمَلُه، فَهُوَ جَحْد مَحْض، لِأَنَّهُ أَرَادَ: فِي بِئْر مَا لَا يُحير عَلَيْهِ شَيْئا، كَأَنَّك قلت: إِلَى غير رُشْد توجَّه، وَمَا يَدْري.
وَقَالَ الفَراء: معنى (غير) فِي قَوْله تَعَالَى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} (الْفَاتِحَة: 7) معنى (لَا) ، وَلذَلِك زِدْت عَلَيْهَا (لَا) ، كَمَا تَقول: فلَان غير مُحْسِنٍ وَلَا مُجْمِلٍ.
فَإِذا كَانَت (غير) بِمَعْنى (سوى) لم يَجْز أَن تَكُرّ عَلَيْهَا (لَا) ، أَلا ترى أَنه لَا يجوز أَن تَقول: عِنْدِي سِوى عبد الله وَلَا زَيْدٍ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله (فِي بِئْر لَا حُور) : أَرَادَ: حُؤُور، أَي رُجُوع.
وَالْمعْنَى: أَنه وَقع فِي بئرٍ هَلَكة لَا رُجوعَ فِيهَا، وَمَا شَعر بذلك، كَقَوْلِك: وَقع فِي هَلَكة وَمَا شَعر بذلك.
قَالَ أَبُو عُبيد: أَنْشد الأصمعيّ لساعدةَ الهُذليّ:
أَفَعَنْك لَا بَرْقٌ كأنّ وَميضه
غابٌ تَسَنَّمه ضِرَامٌ مُثْقَبُ
قَالَ: يُرِيد: أمنك بَرْقٌ، و (لَا) صلةٌ.
وَهَذَا يُخالف مَا قَالَه الفَراء: إنّ (لَا) لَا تكون صلَة إِلَّا مَعَ حرف نَفْي تقدّمه؛ وأَنشد الْبَاهِلِيّ للشَّماخ:
إِذا مَا أَدْلَجت وَضَعَتْ يدَاها
لَهَا الإدْلاجُ ليلةَ لَا هُجُوع
أَي: عملت يداها عَمل اللَّيلة لَا يُهجع فِيهَا. يَعني: الناقةَ، ونَفَى ب (لَا) الهُجوع، وَلم يُعْمِل (لَا) ، وَترك الهجوع مجروراً على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْإِضَافَة؛ وَمثله قولُ رُؤبة:
لقد عَرَفْت حِين لَا اعْتِراف
نَفَى ب (لَا) وَتَركه مَجْروراً.
وَمثله:
أَمْسَى ببَلْدَةٍ لَا عَمَ وَلَا خالِ
وَقَالَ المُبرد فِي قَوْله عزّ وجلّ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّآلِّينَ} (الْفَاتِحَة: 7) : إِنَّمَا جَازَ أَن تَقع (لَا) فِي قَوْله {وَلاَ الضَّآلِّينَ} ، لأنّ معنى (غير) مُتضمّن معنى النَّفْي.
والنَّحويون يُجيزون: أَنْت زيدا غيرُ ضَارب، لِأَنَّهُ بِمَعْنى: أَنْت زيدا لَا ضاربٌ.
وَلَا يُجيزون: أَنْت زيدا مِثْل ضَارب، لِأَن زيدا من صلَة ضَارب فَلَا يتقدَّم عَلَيْهِ.

(15/301)


قَالَ: فَجَاءَت (لَا) تُشدِّد من هَذَا النَّفي الَّذِي تضمّنه (غير) لِأَنَّهَا تُقارب الدَّاخلة.
أَلا ترى أَنَّك تَقول: جَاءَنِي زيدٌ وَعَمْرو، فَيَقُول السامعُ: مَا جَاءَك زيد وَعَمْرو؛ فَجَائِز أَن يكون جَاءَ أحدُهما.
فَإِذا قَالَ: مَا جَاءَنِي زيدٌ وَلَا عَمْرو، فقد تبيّن أَنه لم يَأْته واحدٌ مِنْهُمَا.
قَالَ: وَقَوله تَعَالَى: {الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ} (فصلت: 34) يُقارب مَا ذكرنَا وإنْ لم يَكُنْه.
لَا، الَّتِي تكون للتبرئة
النَّحْويّون يَجعلون لَهَا وُجوهاً فِي نَصب المُفرد والمُكَرَّر، وتَنْوين مَا يُنَوَّن وَمَا لَا يُنَوَّن.
والاختيارُ عِنْد جَمِيعهم أَن يُنصب بهَا مَا لَا تُعاد فِيهِ، كَقَوْل الله تَعَالَى: {أَلَمْ} {ذَالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} (الْبَقَرَة: 1 و 2) .
أَجْمع القُرّاء على نَصْبه بِلَا تَنْوين.
فَإِذا أَعَدْت (لَا) كَقَوْلِه تَعَالَى: {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ} (الْبَقَرَة: 254) فأَنت بِالْخِيَارِ، إِن شِئْت نَصبت بِلَا تَنوين، وَإِن شِئْت رَفَعْت ونَوَّنت.
وفيهَا لغاتٌ كَثِيرَة سوى مَا ذكرتُ من نصب بعض المكرّر منوناً وَغير مُنوَّن، وَرفع بعض منوناً، وكل ذَلِك جَائِز.
وَقَالَ اللَّيْث: هَذِه لاَءٌ مَكْتُوبَة، فَتَمُدّها لِتُتِمّ الكلمةُ اسْماً.
وَلَو صغّرت لقِيل: هَذِه لُوَيّةٌ مَكْتُوبَة، إِذا كَانَت صَغِيرَة الكِتْبة غَيْرَ جَلِيلة.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {النَّجْدَينِ فَلاَ اقتَحَمَ} (الْبَلَد: 11) (فَلَا) بِمَعْنى (فَلم) ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَلم يقتحم العَقبة.
قَالَ: وَمثله: {الْمَسَاقُ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى} (الْقِيَامَة: 31) ، إِلَّا أَن (لَا) بِهَذَا الْمَعْنى، إِذا كُرِّرت أفْصَح مِنْهَا إِذا لم تُكَرَّر؛ وَقد قَالَ أُمية:
وأيّ عَبْدٍ لَك لَا أَلَمَّا
وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى: {النَّجْدَينِ فَلاَ اقتَحَمَ} (الْبَلَد: 11) : مَعْنَاهَا: فَمَا، وَقيل: فهلاّ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: المَعنى: فَلم يَقْتحم العَقبة؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الْمَسَاقُ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى} (الْقِيَامَة: 31) .
قَالَ: وَلم تذكر (لَا) هَا هُنَا إِلَّا مرّة وَاحِدَة، وقلّما تَتَكَلَّم العربُ فِي مثل هَذَا الْمَكَان إلاّ (بِلَا) مرَّتين أَو أَكثر؛ لَا تكَاد تَقول: لَا جئتني، تُرِيدُ: مَا جئتني، فَإِن قلت: لَا جئتني وَلَا زُرْتني، صَلُح.
وَالْمعْنَى فِي {النَّجْدَينِ فَلاَ اقتَحَمَ} مَوْجُود؛ لِأَن (لَا) ثَابِتَة، فَإِنَّهَا فِي الْكَلَام، لِأَن قَوْله: {مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ} (الْبَلَد: 17) يَدل على معنى {النَّجْدَينِ فَلاَ اقتَحَمَ} وَلَا آمَن.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ الْفراء.
لات: أفادني المُنْذريّ، عَن اليزيدي، عَن

(15/302)


أبي زيد: فِي قَوْله تَعالى: {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ} (ص: 3) ، قَالَ: التَّاء فِيهَا صلَة، وَالْعرب تَصِل هَذِه التَّاء فِي كَلَامهَا وتَنزعها؛ وأَنْشَد:
طَلبوا صُلْحنا ولاتَ أَوانٍ
فأَجَبْنَا أَن لَيْس حِين بَقَاء
قَالَ: وَالْأَصْل فِيهَا (لَا) ، وَالْمعْنَى فِيهَا (لَيْسَ) .
وَالْعرب تَقول: مَا أَسْتَطِيع، وَمَا أسْطيع.
وَيَقُولُونَ: (ثمت) فِي مَوضِع (ثمَّ) ، و (ربت) فِي مَوضِع (رب) ، و (يَا ويلتنا) ، و (يَا ويلتا) .
أَبُو الْهَيْثَم، عَن نصر الرّازي: فِي قَوْلهم: لات هَنَّا، أَي: لَيْسَ حينَ ذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ: لَا هَنَّا، فأَنَّث (لَا) فَقيل: لاةَ، ثمَّ أُضيف فتحوّلت الْهَاء تَاء، كَمَا أنَّثوا (رب) : ربّة، و (ثُم) : ثُمّة.
قَالَ: وَهَذَا قولُ الكسائيْ.
وَقَالَ الْفراء: مَعنى: ولات حِين مناص، أَي لَيْسَ بِحِين فِرار.
قَالَ: وتَنْصب بهَا لِأَنَّهَا فِي مَعنى (لَيْسَ) ؛ وأَنْشد:
طَلَبوا صُلْحنا ولات أَوَان
وَقَالَ شَمر: اجْتمع عُلَمَاء النَّحويين على أنّ أصل هَذِه التَّاء فِي (لات) هَاء، وُصلت ب (لَا) فَقَالُوا: (لاة) لغير معنى حَادث، كَمَا زادوها فِي (ثمَّ) و (ثمَّة) ، ولزمت، فَلَمَّا وصلوها جعلوها تَاء.
إمالا: قَالَ اللَّيث: قَوْلهم إمّا لَا فافْعل كَذَا، إِنَّمَا هِيَ على مَعنى: إِن لَا تفعل ذَاك فافْعل ذَا.
وَلَكنهُمْ لمّا جمعُوا هَؤُلَاءِ الأحرف فيصرْن فِي مَجرى اللَّفظ مُثقّلةً، فَصَارَ (لَا) فِي آخرهَا كَأَنَّهُ عَجُز كلمة فِيهَا ضمير مَا ذكرت لَك فِي كَلَام طَلبت فِيهِ شَيْئا، فرُدّ عَلَيْك أمرُك، فَقلت: إمّالا فافْعل ذَا.
قَالَ: وَتقول: الْقَ زيدا وإلاّ فَلَا.
مَعْنَاهُ: إِن لم تَلْق زيدا فدَعْ؛ وأَنشد:
فطلِّقها فلَسْت لَهَا بكُفءٍ
وإلاّ يَعْلُ مَفْرِقَك الحُسَامُ
فأَضمر فِيهِ: وَإِلَّا تُطَلِّقْها يَعْل، وَغير الْبَيَان أَحْسن.
أَبُو الزُّبير، عَن جَابر بن عبد الله: أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى جَمَلاً نادّاً فَقَالَ: لمن هَذَا الْجمل؟ فَإِذا فِتْيةٌ من الْأَنْصَار قَالُوا: اسْتَقَينا عَلَيْهِ عشْرين سنة وَبِه سَخِيمةٌ فأَرَدْنا أَن نَنْحَره فانْفَلت منّا؛ فَقَالَ: أَتَبِيعونه؟ قَالُوا: لَا بَلْ هُوَ لَك؛ فَقَالَ: إمّا لَا فأَحْسِنوا إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِي أَجَلُه.
قلت: أَرَادَ: إلاّ تبيعوه فأَحْسنوا إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الْعَامَّة رُبما قَالُوا فِي مَوضِع: افْعَل ذَاك إمّالا: افْعَل ذَاك بارى، وَهُوَ فارسيّ مَرْدُود.

(15/303)


والعامة تَقول أَيْضا: أُمَّا لِي، فيَضُمُّون الْألف ويُميلون، وَهُوَ خطأ أَيْضا.
وَالصَّوَاب: إمَّالا، غير مُمالٍ؛ لِأَن الأَدوات لَا تُمال.
ويُقال: خُذ هَذَا إمَّالا؛ وَالْمعْنَى: إِذا لم تَأْخُذ ذَاك فخُذ هَذَا.
وَهُوَ مِثْل المَثَل.
وَقد يَجِيء (لَيْسَ) بِمَعْنى (لَا) ، و (لَا) بِمَعْنى (لَيْسَ) ؛ وَمن ذَلِك قولُ لَبِيد:
إِنَّمَا يُجْزى الفَتى لَيس الْجَمَلْ
أَراد: لَا الجَمل.
وسُئل النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن العَزْل، فَقَالَ: (لَا عَلَيْكُم، ألاّ تَفْعلوه، فإنّما هُوَ القَدَر) .
مَعْنَاهُ: لَيْسَ عَلَيْكُم ألاّ تفعلوه، يَعني العَزْل، كَأَنَّهُ أَراد: لَيْسَ عَلَيْكُم الْإِمْسَاك عَنهُ مِن جِهَة التَّحريم، وَإِنَّمَا هُوَ القَدَر، إِن قدّر الله أَن يكون ولدٌ كَانَ.
أَلا: سَلمة، عَن الْفراء، عَن الْكسَائي: (أَلاَ) ، تكون تَنْبيهاً وَيكون بعْدهَا أَمْرٌ، أَو نَهْي، أَو إخْبار، تَقول من ذَلِك، أَلاَ قُم، أَلا لَا تَقم، أَلا إِن زيدا قد قَامَ.
وَتَكون عَرْضاً أَيْضا، وَيكون الفِعل بعْدهَا جَزْماً ورَفْعاً.
كل ذَلِك جَاءَ عَن العَرب.
تَقول من ذَلِك: أَلا تَنزل تَأْكُل؟
وَتَكون أَيْضا تَقْرِيبًا وتَوْبيخاً، وَيكون الْفِعْل بعْدهَا مَرفوعاً لَا غَيْر.
تَقول من ذَلِك: أَلا تَندم على فعالك؟ أَلاَ تَسْتَحي من جيرانك؟ أَلا تخَاف ربّك؟
قَالَ اللَّيْث: وَقد تُرْدَف (أَلا) ب (لَا) أُخْرى، فَيُقَال: أَلالا؛ وأَنْشد:
فَقَامَ يَذُود الناسَ عَنْهَا بِسَيْفه
وَقَالَ ألالا مِن سَبيل إِلَى هِنْدِ
ويُقال للرَّجُل: هَل كَانَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُول: ألالا، جَعل (أَلا) تَنْبيهاً، و (لَا) نِفْياً.
وأمّا:
إِلَّا: تكون اسْتثِْنَاء، وَتَكون حَرف جَزاء.
أَصْلهَا: إِن لَا، وهما مَعًا لَا يمالان؛ لِأَنَّهُمَا من الأدوات، والأدوات لَا تُمال، مثل: حَتَّى، وأمّا، وإلاّ، وَإِذا، لَا يجوز فِي شَيْء مِنْهَا الإمالة، لِأَنَّهَا لَيست بأسماء، وَكَذَلِكَ: إِلَى، وعَلى، ولدى، الإمالة فِيهَا غير جَائِزَة.
وأمّا: مَتى، وأنَّى، فَيجوز فيهمَا الإمالة لِأَنَّهُمَا محلاّن والمحالّ أَسْماء.
و (بلَى) يجوز فِيهَا الإمالة، لِأَنَّهَا (ياءٌ) زيدت فِي (بل) .
وأمّا (إِلَّا) الَّتِي أصلُها: إِن لَا، فإنَّها تَلي الأفعالَ المُسْتَقْبلة فتَجزمها، من ذَلِك قولُ الله تَعَالَى: {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الاَْرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (الْأَنْفَال: 73) فَجزْمُ

(15/304)


{تَفْعَلُوهُ} و {تَكُنْ} ب (إِلَّا) ، كَمَا تفعل (إِن) الَّتِي هِيَ أُمّ الجَزاء.
وَأما (إِلَّا) الَّتِي هِيَ للاستثناء فلهَا مَعانٍ:
تكون بِمَعْنى غير، وَتَكون بِمَعْنى سوى، وَتَكون بِمَعْنى لَكِن، وَتَكون بِمَعْنى لما، وَتَكون بِمَعْنى الِاسْتِثْنَاء المَحْض.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: إِذا استثنيت ب (إِلَّا) من كَلَام لَيْسَ فِي أوّله جحد فانْصِب مَا بعد (إِلَّا) .
وَإِذا اسْتَثنيت بهَا من كَلَام أَوله جَحد فارْفع مَا بَعدها.
وَهَذَا أَكثر كَلَام الْعَرَب، وَعَلِيهِ الْعَمَل، من ذَلِك قولُه عزّ وجلّ: {فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} (الْبَقَرَة: 249) فنَصب لِأَنَّهُ لَا جَحد فِي أَوله.
وَقَالَ تَعَالَى: {مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} (النِّسَاء: 66) فَرفع لِأَن فِي أَوّله الجَحد.
وقِسْ عَلَيْهَا مَا شَاكلها.
وَقَالَ:
وكُلُّ أَخٍ مُفارقُه أَخُوه
لَعمْر أَبِيك إلاّ الفَرْقَدانِ
قَالَ الفَرّاء: الْكَلَام فِي هَذَا الْبَيْت فِي معنى جَحد، وَلذَلِك رفع ب (إِلَّا) ، كَأَنَّهُ قَالَ: مَا أَحدٌ إِلَّا مُفارقُه أَخُوهُ إِلَّا الفرقدان، فجعلهما مُترجِماً عَن معنى (مَا أحدٌ) ؛ وَقَالَ لَبيد:
لَو كَانَ غَيْري سُلَيْمى الْيَوْم غَيَّره
وَقْع الحَوادث إلاّ الصارِمُ الذَّكَرُ
جعله الخليلُ بَدَلا من معنى الْكَلَام، كَأَنَّهُ قَالَ: مَا أحدٌ إِلَّا يتغيّر من وَقع الْحَوَادِث، إِلَّا الصارمُ الذَّكَر.
وَقَالَ الفَرَّاء، فِي قَول الله عزّ وجلّ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (الْأَنْبِيَاء: 22) .
قَالَ: (إلاّ) فِي هَذَا الْموضع بِمَنْزِلَة سوى، كَأَنَّك قلت: لَو كَانَ فيهمَا (سِوَى) الله لفَسدتا.
قلت: وَقد قَالَ بَعضُ النحويّين: مَعْنَاهُ: مَا فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله، وَلَو كَانَ فيهمَا سِوَى الله لفَسدتا.
وَقَالَ الْفراء: رَفْعه على نِيّة الوَصل لَا الِانْقِطَاع من أوّل الْكَلَام.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ} (الْبَقَرَة: 150) .
قَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ، إلاّ الَّذين ظلمُوا فَإِنَّهُ لَا حُجّة لَهُم فَلَا تَخْشَوْهم.
وَهَذَا كَقَوْلِك فِي الْكَلَام: الناسُ كلهم لَك حامدُون إِلَّا الظَّالم لَك المعتدي، فَإِن ذَلِك لَا يُعْتدّ بِتَرْكه الْحَمد، لموْضِع الْعَدَاوَة، وَكَذَلِكَ الظَّالِم لَا حُجة لَهُ، وَقد سُمِّي ظَالِما.
قلت: وَهَذَا صَحِيح، وَإِلَيْهِ ذهب الزّجاج،

(15/305)


فَقَالَ بعد ذكره قَول أبي عُبيدة، والأَخفش: القولُ عِنْدِي فِي هَذَا واضحٌ، الْمَعْنى: لئلاّ يكون للناسِ عَلَيْكُم حُجة إِلَّا مَن ظلم باحتجاجه فِيمَا قد وضح لَهُ، كَمَا تَقول: مَا لَك عليّ حُجّةٌ إِلَّا الظُّلم، وَإِلَّا أَن تَظْلمني.
الْمَعْنى: مَا لَك عليّ حُجةٌ أَلْبَتَّة، ولكنّك تَظلمْني، وَمَا لَك عَليّ حُجَّةٌ إِلَّا ظُلْمي.
وَإِنَّمَا سُمّي ظُلْمه هَا هُنَا حُجةً، لِأَن المحتجّ بِهِ سَماه حُجةً، وحُجته داحضةٌ عِنْد الله، قَالَ الله تَعَالَى: {لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ} (الشورى: 16) ، فقد سُمِّيت حُجة، إِلَّا أَنَّهَا حُجة مُبْطل، فَلَيْسَتْ بحُجة مُوجبَة حقّاً.
وَهَذَا بَيَان شافٍ إِن شَاءَ الله.
وَأما قولُه تَعَالَى: {ءَامِنِينَ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ} (الدُّخان: 56) ، فَمَعْنَى (إِلَّا) هَا هُنَا بِمَعْنى سوى، الْمَعْنى: لَا يَذُوقون فِيهَا الْمَوْت الْبَتَّةَ، ثمَّ نوى تَكْرِير (لَا يذوقون) أَي: لَا يَذوقون سوى المَوْتة الأولى.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَءَابَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} (النِّسَاء: 22) .
أَراد: سوى مَا قد سلف.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌءَامَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ} (يُونُس: 98) . مَعْنَاهُ: فهلاّ كَانَت قَرْيَة آمَنت، أَي: أهل قَرْيَة آمنُوا. وَالْمعْنَى معنى النَّفي، أَي فَمَا كَانَت قَرْيَة آمنُوا عِنْد نُزول العَذاب بهم فنَفَعها إيمانُها. ثمَّ قَالَ: إِلَّا قوم يُونس، اسْتثِْنَاء لَيْسَ من الأَول، كَأَنَّهُ قَالَ: لَكِن قومُ يُونس لما آمنُوا، وَذَلِكَ أنّهم انْقَطَعُوا من سَائِر الْأُمَم الَّذين يَنْفعهم إِيمَانهم عِنْد نُزول الْعَذَاب بهم.
وَمثله قولُ النَّابِغَة:
أَعْيَت جَوَابا وَمَا بالرَّبْع من أَحَدٍ
إِلَّا ألأوارِيّ لأْياً مَا أُبَيِّنها
فنصب أواريّ على الِانْقِطَاع من الأوّل.
وَهَذَا قَول الفَراء وَغَيره من حُذّاق النَّحويِّين.
وأَجازوا الرّفع فِي مثل هَذَا، وَإِن كَانَ المُسْتثنى لَيْسَ من الأول، وَكَانَ أَوله منفياً، يَجعلونه كالبدل؛ وَمن ذَلِك قَوْله:
وَبلْدةٍ لَيْسَ بهَا أَنِيسُ

(15/306)


إلاّ اليَعافيرُ وإلاّ العِيسُ
لَيست اليعافير والعيس من الأَنيس، فرفعهما، وَوَجْه الْكَلَام فيهمَا النَّصْب.
وَأما (إِلَّا) بِمَعْنى (لما) مثل قَول الله تَعَالَى: {الاَْحْزَابُ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرٌّ سُلَ فَحَقَّ عِقَابِ} (ص: 14) .
وَهِي قِرَاءَة عبد الله: (إِن كُلّهم لما كذب الرُّسُل) .
وَتقول: أَسألك بِاللَّه إِلَّا أَعْطَيتني، ولَما أَعْطيتني، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: وحَرف من الِاسْتِثْنَاء تَرفع بِهِ الْعَرَب وتَنْصب، لُغتان فصيحتان، وَهُوَ قَوْلك: أَتَانِي إخْوَتك إلاّ أَن يكون زيدا، وزيدٌ.
فَمن نَصب أَرَادَ: إِلَّا أَن يكون الأَمْرُ زيدا.
وَمن رفع بِهِ جعل (كَانَ) هَا هُنَا تَامَّة، مكْتفية عَن الْخَبَر باسمها، كَمَا تَقول: كَانَ الأَمر، كَانَت القِصّة.
وَسُئِلَ هُوَ عَن حَقِيقَة الِاسْتِثْنَاء إِذا وَقع ب (إلاّ) مكرّراً مرَّتين أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا.
فَقَالَ: الأوّل حَطٌّ، وَالثَّانِي زِيَادَة، وَالثَّالِث حَطّ، وَالرَّابِع زِيَادَة، إِلَّا أَن تجْعَل بَعض (إِلَّا) إِذا جُزت الأوّل بِمَعْنى الأوّل، فَيكون ذَلِك الِاسْتِثْنَاء زِيَادَة لَا غير.
قَالَ: وأمّا قَول أبي عُبيدة فِي (إِلَّا) الأولى: إِنَّهَا تكون بِمَعْنى الْوَاو، فَهُوَ خطأ عِنْد النَّحويين.
إِلَى: الْعَرَب تَقول: إِلَيْك عنِّي، أَي أَمْسك وكُفّ.
وَتقول: إِلَيْك كَذَا وَكَذَا، أَي خُذْه؛ وَقَالَ القُطاميّ:
إِذا التَّيار ذُو العَضلات قُلنا
إِلَيْك إِلَيْك ضاقَ بهَا ذِرَاعَا
وَإِذا قَالُوا: اذْهب إِلَيْك، فمعْناه: اشْتَغل بنَفسك وأَقبل عَلَيْهَا؛ وَقَالَ الأَعشى يُخاطب عاذلته:
فاذْهَبي مَا إِليك أَدْركني الحِلْ
مُ عَدَاني من هَيْجِكم إشْفَافِي
وَقد تكون إِلَى انْتِهَاء غَايَة، كَقَوْلِه تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ} (الْبَقَرَة: 187) .
وَتَكون (إِلَى) بِمَعْنى (مَعَ) ، كَقَوْل الله تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} (النِّسَاء: 2) . مَعْنَاهُ: مَعَ أَمْوَالكُم.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} (الْمَائِدَة: 6) ، فَإِن أَبَا الْعَبَّاس وَغَيره من النَّحْوِيين جعلُوا (إِلَى) بِمَعْنى (مَعَ) هَاهُنَا، وأَوْجَبُوا غَسل المَرافق والكعبَيْن.
وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد وَإِلَيْهِ ذهب الزّجاج: اليدُ من أَطراف الْأَصَابِع إِلَى الْكَتف،

(15/307)


والرِّجْل من الْأَصَابِع إِلَى أَصل الفخذين، فَلَمَّا كَانت المَرافق والكعبان دَاخِلَة فِي تَحديد الْيَد والرِّجل، كَانَت دَاخِلَة فِيمَا يُغسل وخارجةً مِمَّا لَا يُغسل. وَلَو كَانَ الْمَعْنى: مَعَ الْمرْفق، لم يكن فِي الْمرَافِق فَائِدَة، وَكَانَت الْيَد كلهَا يجب أَن تُغسل، لكنه لما قيل: إِلَى الْمرَافِق، اقتُطعت فِي الغَسل من حَدِّ الْمرَافِق.
وَقد أشبعت القَوْل بِأَكْثَرَ من هَذَا فِي (تَفْسِير حُرُوف الْمُخْتَصر) ، فَانْظُر فِيهِ إِن طلبت زِيَادَة فِي الْبَيَان.
ابْن شُميل عَن الْخَلِيل: إِذا اسْتَأْجر الرجل دابّة إِلَى مَرْو، فَإِذا أَتَى أدناها فقد أَتَى مَرْو؛ وَإِذا قَالَ: إِلَى مَدِينَة مرو، فإِذا أَتَى بَاب الْمَدِينَة فقد أَتَاهَا.
وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (الْمَائِدَة: 6) أَي: إِن الْمرَافِق فِيمَا يُغْسل.
لي: وَقَالَ اللّيث فِي قَوْلك (لي) : هما حرفان قُرنا، وَاللَّام لَام الْملك، وَالْيَاء يَاء الْإِضَافَة، وَكسرت اللَّام من أجل الْيَاء.
ألى: قَالَ: الأَلاَء، شَجَرٌ وَرَقُه وحَمْلُه دِبَاغ.
وَهُوَ لَا يَزال أَخضر شتاءً وصَيْفاً.
والواحدة: أَلاَءة.
وتأليفها من لَام بَين هَمزتين:
يُقَال: أَديم مَأْلوء، أَي مَدْبُوع بالأَلاَء.
ابْن الْأَعرَابِي: إِهابٌ مَأْلًى، مَدْبُوغ بالأَلاَء.
أَبُو عَمْرو: من الشَّجر الدِّفْلي.
والأَلاء، والآآء، بِوَزْن العَاعاء، والحَبْن، كُلّه الدِّفْلى.
أَبُو زيد من الشّجر: الأَلاء.
الْوَاحِدَة: ألاَءة، بِوَزْن أَلاَعَة.
وَهِي شَجَرَة تُشبه الرَّأْس لَا تَتَغَيَّرُ فِي القَيظ، وَلها ثَمرة تُشْبه سُنْبل الذُّرَة، ومَنْبتها الرّمْل والأودية.
قَالَ: والسَّلامان نحوٌ من الأَلاء، غير أَنَّهَا أَصْغَر مِنْهَا، تُتَّخَذ مِنْهَا المَساويك، وثَمرتها مثل ثَمَرَتهَا، ومَنْبتها الأودية والصحارَى، وَقَالَ عَبد الله بن غَنمة يذكر قَتْل بِسْطام:
فخرّ عَلى الألاءة لم يُوَسَّد
كأنّ جَبِينَه سَيْفٌ صَقِيلُ
وأمّا الآء، فالواحدة: آءة.
وَهُوَ من مَراتع النعام.
أَبُو عَمْرو: الَّلأْلاَءُ: القَرْحُ التَّامُّ.
أَبُو عُبيد: اللأى، بِوَزْن اللَّعَا: الثور الوَحْشِيّ.

(15/308)


شَمِر، عَن أبي عَمْرو: الَّلأَى: البَقر، وَحكى: بِكَمْ لآكَ هَذِه؟ أَي بقرتك هَذِه؟ وَقَالَ الطِّرّماح:
كَظَهْر الَّلأًى لَا يُبْتغى رَيّةٌ بهَا
لَعَنَّت وشَقَّت فِي بُطون الشَّوَاجِنِ
والَّلأَى: بِوَزْن اللَّعا: الإبْطاء.
يُقَال: لأَى يَلأى لأْياً، ولأًى، والتأى يَلْتئي، إِذا أَبْطأ.
قَالَ اللَّيْث: لم أسمع الْعَرَب تَجعل الَّلأْى مَعْرفة، يَقُولُونَ: لأياً عرفتُ، وَبعد لأْي فَعَلت، أَي بعد جَهد ومشَقّة.
وَيُقَال: مَا كدت أحملهُ إِلَّا لأْياً.
قَالَ أَبُو عُبيد: اللأْي: الإبطاء والاحْتباس؛ وَقَالَ زُهَير:
فَلأْياً عرفتُ الدَّارَ بعد تَوهّم
قَالَ: وَسمعت الفَرّاء يَحْكِي عَن الْعَرَب أَنَّهَا تَقول لصَاحب اللُّؤلؤ: لأّاء، بِوَزْن لَعّاء، وكَرِه قَوْل النَّاس: لأّال.
اللَّيث: اللُّؤلؤ، مَعْرُوف، وَصَاحبه: لأّال.
قَالَ: وحذفوا الْهمزَة الْأَخِيرَة حَتَّى استقام لَهُم فَعّال؛ وأَنْشد:
دُرَّةٌ مِن عَقائِل البَحْر بِكْر
لم تَخُنْها مثاقبُ الَّلأّال
قَالَ: وَلَوْلَا اعتلال الهَمزة مَا حَسن حَذفها، أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ لبيَّاع السِّمْسم: سَمَّاس، وحَذْوُهما فِي الْقيَاس وَاحِد.
قَالَ: وَمِنْهُم من يَرى هَذَا خطأ.
قَالَ: واللِّئالة، بِوَزْن اللِّعالة: حِرْفَةُ الَّلأّال.
ويُقال: تَلألأ النَّجم.
وتَلألأت النَّار، إِذا اضْطَرمت.
يُقَال: لأْلأَت النارُ لأَلأْةً، إِذا توقَّدت.
وَيُقَال: لَا أفعل ذَاك مَا لألأَت الفُور بأذنابها، وَذَلِكَ كلّه من اللَّمْع.
وَيُقَال للثور الوَحْشيّ: لأْلأ بِذَنبه.
الفرّاء: اللِّيَاء واحدته: لِياءة: اللُّوبياء.
وَيُقَال: للصَّبِيّة المَليحة: كأنّها لِياءة مَقْشورة.
والألاَء: النّعم.
واحدتها إِلْيٌ، وأَلْيٌ، وأَلْو، وأَلًى، وإِلًى.
وَقَالَ النَّابِغَة:
هُمُ الْمُلُوك وأَبْناء المُلوك لَهُم

(15/309)


فَضْلٌ على النَّاس فِي الأَلاء والنِّعَم
وَفِي الحَدِيث: (ومَجامرهم الأَلُوّة غير مُطَرَّاة) .
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الأصمعيّ: وَهُوَ العُود الَّذِي يُتبخّر بِهِ.
وأَراها كلمة فارسيةٌ عُرِّبت.
قَالَ أَبُو عُبيد: وفيهَا لُغتان: الأَلُوّة، والأُلُوَّة.
أَبُو عُبيد: الأَلْوة، والأُلِيَّة: اليَمِين.
وَالْفِعْل: آلى يُؤْلي إِيلاء، وتأَلّى يتألّى تألِّياً، وائتلى يَأتلي ائتلاءً.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ} (النُّور: 22) الْآيَة.
وَقَالَ الْفراء: الائتِلاء: الحَلف.
وَقَرَأَ بعض أهل الْمَدِينَة وَلَا يتألّ وَهِي مُخالفة الْكتاب، من تألّيت، وَذَلِكَ أَن أَبَا بكر حَلف ألاّ يُنْفق على مِسْطَح بن أُثاثة وقَرابته الَّذين ذكرُوا عَائِشَة، فأَنزل الله هَذِه الْآيَة، وَعَاد أَبُو بكر إِلَى الْإِنْفَاق عَلَيْهِم.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي طَالب، فِي قَوْلهم: لَا دَرَيْت وَلَا ائْتَلَيْت.
قَالَ الْفراء: ائتليت، افتعلت، من: أَلَوت: قَصَّرت، فَيَقُول: لَا دَرَيْت وَلَا قَصَّرت فِي الطَّلب ليَكُون أَشْقَى لَك؛ وأَنْشد:
وَمَا المرءُ مَا دَامَت حُشَاشةُ نَفسه
بمُدْرك أَطْرَاف الخُطوب وَلَا آلِي
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيُّ: هُوَ من: ألوت الشَّيْء، إِذا استَطعته، فَيَقُول: لَا دَرَيْت وَلَا اسْتطعت أَن تَدْرِي؛ وأَنشد:
فَمن يَبْتَغي مَسْعَاةَ قَوْمِيَ فَلْيَرُمْ
صُعوداً إِلَى الْجَوزاءِ هَل هُوَ مُؤْتَلِي
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ} (النُّور: 22) . من: ألوت، أَي قَصَّرت.
قلت: والقَوْل هُوَ الأَوّل.
ابْن الإعرابيّ: الأَلْو: التَّقصير، والأَلو: المَنْع، والأَلْو: الِاجْتِهَاد، والألْو: الِاسْتِطَاعَة، والألْو: الْعَطِيَّة؛ وأَنْشَد:
أخالدُ لَا ألُوك إِلَّا مُهَنَّداً
وجِلْدَ أَبِي عِجْلٍ وَثيق القَبائلِ
أَي: لَا أُعْطيك إلاّ سَيْفا وتُرساً من جِلْد ثَور.
قَالَ: وَالْعرب تَقول: أَتَانِي فلانٌ فَمَا ألوت رَدَّه، أَي مَا اسْتَطعتُ.
وأتاني فِي حَاجَة فأَلوت فِيهَا، أَي اجْتهدت فِيهَا.
أَبُو حَاتِم، عَن الْأَصْمَعِي: يُقال: مَا ألوتُ جَهْداً، والعامة تَقول: مَا آلوك جَهْداً، بِالْكَاف، وَهُوَ خطأ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَوْله تَعَالَى: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} (آل عمرَان: 118) أَي: لَا يُقَصِّرون فِي فَسادكم.

(15/310)


وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم، قَالَ: الألْو، من الأضداد.
يُقَال: أَلا يَأْلُو، إِذا فَتر وضَعُف؛ وَكَذَلِكَ: أَلَّى وائْتَلَى.
وأَلاَ، وأَلَّى، وتَأَلَّى، إِذا اجْتهد؛ وَأنْشد:
وَنحن جِيَاعٌ أيَّ أَلْوٍ تَأَلَّتِ
مَعْنَاهُ: أيّ جَهْد جَهَدَتْ.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: أَلَّيْت، أَي أَبطأت.
قَالَ: وسألني الْقَاسِم بن مَعْن عَن بَيْت الرَّبِيع بن ضَبُع الفَزارِيّ:
وَمَا أَلّى بَنِيَّ وَلَا أَسَاؤُوا
فَقلت: أَبطأوا. فَقَالَ: مَا تَدَع شَيْئا، وَهُوَ فَعَّلت، من: أَلَوت، أَي: أَبْطأت.
وَقَالَ غيرُه: هُوَ من الأُلُوّ، وَهُوَ التَّقْصِير.
وَقَوله:
جَهْراء لَا تَأْلُو إِذا هِيَ أَظْهرت
بَصَراً وَلَا مِنْ عَيْلةٍ تُغْنِيني
أَي: لَا تُطيق؛ يُقال: هُوَ يَأْلُو هَذَا الأَمر، أَي: يُطِيقه، ويَقْوَى عَلَيْهِ.
ويُقال: إنّي لَا آلُوك نُصْحاً، أَي: لَا أَفْتُر وَلَا أُقَصِّر.
اللحياني: جمع اللأي، وَهُوَ الثَّور ويُقال: البَقرة: ألآء، بِوَزْن ألعاع.
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: لآة، وأَلاة، بِوَزْن لَعاة وعَلاة.
اللحياني: يُقَال لضَرب من العُود: أَلُوّة، وأُلُوّة، ولِيّة، ولُوّة.
وَتجمع: أَلُوَّة: أَلاَوِية؛ وأَنشد:
بساقَيْن سَاقَيْ ذِي قَضين تحشُها
بأَعوادِ رَنْدٍ أَو أَلاَوِيَةً شُقْرَا
اللّيث: يُقال: أَلْيَة الشَّاة، وأَلْية الْإِنْسَان.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: هِيَ أَلْية النّعْجة، مَفْتُوحَة الْألف. وَالْجمع: أَلَيات.
وَلَا تَقُل: لِيّة، وَلَا إِلْيَة، فَإِنَّهُمَا خطأ.
ويُقال: كَبْش أَلْيان. ونعجة أَلْيَانة، بَيّنة الأُلَى، مَقْصور. وكبش أَلْيَان. ونَعْجة أَلْيا. وكِباشُ ونِعَاج أُلْيٌ، مثل: عُمْيٌ.
اللَّيْث: أَلْيَة الخِنْصر: اللّحمة الَّتِي تحتهَا.
وَهِي أَلْية اليَد.
ابْن الْأَعرَابِي: الإلْية، بِكَسْر الْهمزَة: القِبَلُ؛ وَجَاء فِي الحَدِيث: (لَا يُقَام الرَّجُل من مَجْلسه حَتَّى يَقوم من إلْية نَفْسه) ، أَي: من قِبَل نَفْسه.
قلت: وَقَالَ غَيره: قَامَ فلَان من ذِي إلْيَةٍ، أَي: من تِلْقاء نَفْسه.
ورُوي عَن ابْن عُمر: أَنه كَانَ يقوم لَهُ الرجلُ من لِيَة نَفْسه، بِلَا ألف.
قلت: كَأَنَّهُ اسمٌ من: وَلِي يَلي، مثل:

(15/311)


الشِّيَه، من: وَشَى يَشِي.
وَمن قَالَ: إلْيَة فأصلها: وِلْيَة، فقُلبت الْوَاو هَمزة:
أَبُو زيد: هما ألْيان، للأَلْيتين.
وَإِذا أفردت الْوَاحِدَة، قيل: ألْية؛ وأَنْشد:
ظَعِينةٌ واقفةٌ فِي رَكْب
ترتجُّ ألْياه ارْتجاج الوَطْبِ
وَكَذَلِكَ: هما خُصْيان.
الْوَاحِدَة: خُصْيَة.
وأمّا اللِّيّة بِغَيْر همز، فلهَا مَعْنيانِ.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: اللِّيّة: قرابةُ الرَّجُل وخاصّته؛ وأَنْشد:
فَمن يَعْصِبْ بِليّته اغْتِراراً
فَإنَّك قد مَلأت يدا وَشَامَا
قَالَ: واللِّيّة أَيْضا: العُود الَّذِي يُسْتَجْمر بِهِ. وَهِي الأَلُوّة.
وَيُقَال: لأى: أبْطأ. وأَلَى، إِذا تَكَبَّر.
قلت: وَهَذَا غَريب.
ابْن الأعْرابيّ: الأَلِيّ: الرَّجُلُ الكثيرُ الْإِيمَان. والأَلَى: الْإِيمَان.
والأُلَى، بِمَعْنى (الَّذين) ؛ وأَنشد:
فإنّ الأُلَى بالطَّفّ من آل هاشِم
ألل: قَالَ الله جلّ وعزّ: {لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} (التَّوْبَة: 10) .
رُوي عَن مُجاهد والشَّعبيّ: {إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: قَالَ أَبُو عُبيدة: الإلّ: العَهْد. والذِّمَّة: مَا يُتَذَمَّم بِهِ.
وَقَالَ الفَرّاء: الإلّ: القَرابة. والذِّمة: العَهْد.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَقيل: الإل: الحَلِف.
وَقيل: هُوَ اسمٌ من أَسمَاء الله.
قَالَ: وَهَذَا عندنَا لَيْسَ بالوَجه، لِأَن أَسمَاء الله تَعَالَى مَعْروفة، كَمَا جَاءَت فِي القُرآن وتُليت فِي الأَخبار، وَلم نَسمع الدّاعي يَقُول فِي الدُّعاء: يَا إلّ، كَمَا يَقُول: ياألله، وَيَا رحمان.
قَالَ: وَحَقِيقَة الإلّ عِنْدِي، على مَا تُوجبه اللُّغة: تَحديدُ الشَّيْء.
فَمن ذَلِك:
الألّة: الحَرْبة، لِأَنَّهَا محدّدة.
وَمن ذَلِك: أُذُنٌ مُؤَللَّة، إِذا كَانَت محدّدة.
ف (الإل) يخرج فِي جَميع مَا فُسّر من العَهْد والقَرابة والجِوار، على هَذَا.
إِذا قُلت فِي العَهد: بَينهمَا إلّ، فتأويله: أَنه قد حدّد فِي أخْذ العَهد.
وَإِذا قلت فِي الجِوار: بَينهمَا إل، فتأويله: جِوَار يحادّ الْإِنْسَان.
وَإِذا قلته فِي القَرابة، فتأويله: الْقَرَابَة الَّتِي تحادّ الْإِنْسَان.
سَلمة، عَن الفرَاء، الأُلّة: الرَّاعِية الْبَعِيدَة

(15/312)


المَرْعى من الرُّعاة.
والألّة: القَرابة.
رُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عَجب رَبُّكم من إِلِّكم) .
قَالَ أَبُو عُبيد: المُحدِّثون رَوَوْه: من إلِّكم، بِكَسْر الْألف، والمَحْفوظ عندنَا: من أَلِّكم، بِالْفَتْح، وَهُوَ أشْبه بالمصادر، كَأَنَّهُ أَرَادَ: من شِدّة قُنُوطكم.
وَيجوز أَن يكون من قَوْلك: ألّ يَئِلّ ألاًّ، وأَلَلاً، وأَلِيلاً، وَهُوَ أَن يرفع الرَّجُل صَوْتَه بالدُّعاء، ويَجأر؛ وَقَالَ الكُمَيت:
وأَنْت مَا أَنْت فِي غَبْرَاءَ مُظْلمةٍ
إِذا دَعَتْ أَلَلَيْها الكاعِبُ الفُضُلُ
فقد يكون أَلَلَيْها أَنه يُريد الألل الْمصدر، ثمَّ ثنّاه كأنهُ يُرِيد: صَوتا بعد صَوْت، وَيكون قَوْله: أَلَلَيْها أَن يُريد حكايةَ أصوات النِّساء إِذا صَرَخْن.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الأل فِي غير هَذَا: السُّرعة؛ يُقال: ألّ فِي السَّيْر يئل ويَؤُلّ، إِذا أَسْرع.
وَكَذَلِكَ: ألّ لَوْنُه يَؤُلّ أَلاَّ، إِذْ صَفا وبَرَق.
وَقَالَ أَبُو دُواد يصف الْفرس والوحش:
فَلَهزْتُهُنّ بهَا يَؤُلّ فَرِيصُها
مِن لَمْع رَايتنا وهُنّ غَوادِي
ابْن السِّكيت: الأُلّة: الحَرْبة.
وَجَمعهَا: الأَلّ.
قَالَ: والأَلّ، مصدر: ألّه يَؤُلّه أَلاًّ، إِذا طَعَنه بالألّة.
والألّ: الصِّياح.
يُقَال: ألّ يَئِلّ أَلاًّ وأَلَلاً، وأَلِيلاً؛ وأَنْشد:
إِذا دَعَت أَلَلَيْها
قَالَ: ثَنَّى المَصدر، وَهُوَ نَادِر.
وَقَالَ: والأَلِيلة: الدُّبَيْلة.
قَالَ: والأَلَلَةُ: الهَوْدج الصَّغِير.
والإلّ: الحِقْد، والإلّ: العَهْد.
والأُلّ: الأَوّل؛ وأَنشدنِي المُفضّل:
لِمَنْ زُحْلُوقَةٌ زُلّ
بهَا العَيْنان تَنْهَلُّ
يُنادي الآخِرَ الأُلُّ
أَلاَ حُلُّوا أَلاَ حُلُّوا
قَالَ: وَهَذَا يَعني لُعبةً للصِّبيان يَجْتمعون فَيَأْخُذُونَ خَشَبَةً فَيَضعونها على قَوْزٍ مِن الرَّمل، ثمَّ يجلس على أحد طَرَفَيها جماعةٌ، وعَلى الآخر جماعةٌ، فأيّ الجماعتين كَانَت أَوْزن ارْتفعت الأُخرى، فينادون أصحابَ الطّرف الآخر: أَلا حُلُّوا، أَي خَفِّفوا مِن عَددكم حَتَّى نُساويكم فِي التَّعْديل.
قَالَ: وَهَذَا الَّتِي تُسَمِّها العربُ: الدَّوْدَاة، والزُّحْلُوقة.
قَالَ: وتُسمَّى: أُرْجُوحة الْحَضَر المطوّحة.

(15/313)


غيرهُ: أَلاَل: حبلٌ بَعَرَفات.
والأَلِيلُ: الأَنِين؛ وأَنْشد:
أمَا تَراني أَشْتَكِي الأَلِيلاَ
قَالَ: والألَل، والألَلاَن: وَجْهَا السِّكِّين؛ وَوجْهَا كُلّ شيءٍ عريض.
قَالَ: وإيل: اسْم من أَسمَاء الله، بالعبرانيّة.
قلت: وَجَائِز أَن يكون أُعرب فقِيل: إِسْرَائِيل، وَإِسْمَاعِيل، كَقَوْلِك: عَبدالله، وعُبيد الله.
ابْن السِّكيت، عَن أبي عَمْرو: لَهُ الوَيْل والألِيل.
قَالَ: والأليل: الأنين؛ وأَنْشد:
لَهُ بَعد نَوْمات العُيون أَلِيلُ
أَي: توجُّع وأَنِين.
اللِّحياني: فِي أَسْنَانه يَلَل وأَلَل، وَهُوَ أَن تُقْبِل الأسْنانُ على باطِن الفَم.
غَيره: الأيَلُّ القَصِير الأسْنان.
وَالْجمع: اليُلُّ؛ وَقَالَ لَبِيد:
يُكْلِح الأَرْوَق مِنْهُم والأيَلّ
اللِّحياني: وَهُوَ الضَّلاَل ابْن الألاَل ابْن التَّلاَل؛ وأَنشد:
أَصْبحت تَنْهض فِي ضَلالك سادِراً
إنّ الضَّلاَلَ ابنُ الألال فأَقْصِرِ
ابْن الْأَعرَابِي: الأَلَلاَن: اللَّحمتان المُتطابقتان فِي الكَتِف، بَينهمَا فَجوةٌ على وَجه الْكَتف، يَسيل من بَينهمَا مَاء إِذا مِيزت إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى.
الْأَصْمَعِي، عَن امْرَأَة من الْعَرَب قَالَت لابنتها: لَا تُهدي إِلَى ضَرّتك الكَتِف فإِنّ المَاء يَجري بَين أَلَلَيْها، أَي: أَهْدى شَرّاً مِنْهَا.
قلت: وَإِحْدَى هَاتين اللَّحمتين الرُّقَّى، وَهِي كالشَّحمة البَيضاء تكون فِي مَرْجع الكَتِف، وَعَلَيْهَا أُخرى مثلُها تسمَّى: المَأتَى.
آل: ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأَوْلُ الرُّجوع.
وَقد آل يَؤُول أَوْلاً.
والأَوْلُ: بُلوغ طِيب الدُّهْن بالعِلاج.
الأصمعيّ: آل القَطران يَؤُول أَوْلاً، إِذا خَثُر.
قَالَ: وَآل مالَه يَؤُوله إيَالةً، إِذا أَصْلحه وسَاسَه؛ قَالَ لَبِيد:
بِصَبُوح صافِيةٍ وضَرْب كرِينةٍ
بمُؤَتّرٍ تأتالُه إبْهامُها
إِنَّمَا هُوَ تفتعله من أُلْته، أَي: أَصْلحته.
قلت: وَمِنْه قَوْلهم: أُلْنا وإيل وعلينا، أَي سُسْنا وساسُونا.
وَيُقَال لأَبْوال الْإِبِل الَّتِي جَزأت بالرُّطْب فِي آخر جَزْئها: قد آلت تَؤُول أَوْلاً، أَي: خَثُرت.

(15/314)


فَهِيَ آيلة؛ وَقَالَ ذُو الرّمة:
ومِن آيلٍ كالوَرْس نَضْح سُكُوبه
مُتُونَ الحَصَى من مُضْمَحِلَ ويابِس
ويُقال: طبخت النَّبيذ حَتَّى آل إِلَى الثُّلث، أَو الرُّبع، أَي رَجع.
عَمْرو، عَن أَبِيه: الْآل: الشَّخْص.
والآل: الْأَحْوَال؛ جمع: آلَة.
قَالَ: والآل: السَّراب.
والآل: الْخشب المجرَّد؛ وَمِنْه قَوْله:
آلٌ على آلٍ تَحمّل آلاَ
فالآل، الأول: الرجل؛ وَالثَّانِي: السراب؛ وَالثَّالِث: الخَشَب.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: اخْتلف النَّاس فِي الْآل:
فَقَالَت طَائِفَة: آل النَّبِي: من اتّبعه، قرَابَة كَانَ أَو غَير قَرابة.
وآلُه: ذُو قَرابته مُتَّبعاً كَانَ أَو غير مُتَّبع.
وَقَالَت طَائِفَة: الْآل والأهل، وَاحِد.
واحتجّوا بِأَن الْآل إِذا صُغِّر قَالُوا: أُهَيل، فَكَانَ الْهمزَة هَاء، كَقَوْلِهِم: هَنَرْت الثَّوب وأَنَرْتُه، إِذا جعلت لَهُ عَلماً.
ورَوى الفَرّاء، عَن الْكسَائي فِي تَصْغير آل: أُوَيْل.
قَالَ أَبُو العبّاس: فقد زَالَت تِلْكَ العلّة وَصَارَ الْآل والأهل أصلَيْن لمَعنَييْن، فَيدْخل فِي الصَّلاة كلّ من اتبع النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قرَابَة كَانَ أَو غيرَ قرَابَة.
ورَوينا عَن الشافعيّ أَنه سُئل عَن قَول النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد) ، مَن آلُ مُحَمَّد؟
فَقَالَ: مِن قائلٍ: آله: أَهله وأزواجه، كَأَنَّهُ ذهب إِلَى أَن الرجل يُقال لَهُ: أَلَكَ أَهْلٌ؟ فَيَقُول: لَا، وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنه لَيْسَ لَهُ زَوْجة.
قَالَ الشَّافِعِي: وَهَذَا مَعْنًى يحْتَملهُ اللِّسان، وَلكنه معنى كَلَام لَا يُعرف إِلَّا أَن يكون لَهُ سَبب من كَلَام يدلُّ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَن يُقال للرجل: تزوّجت؟ فَيَقُول: مَا تأهّلت، فيُعرف بأوّل الْكَلَام أَنه أَرَادَ: مَا تزوجت. أَو يَقُول الرجل: أَجْنبت من أَهلِي، فيُعرف أَن الْجَنَابَة إِنَّمَا تكون من الزَّوْجة.
فأمّا أَن يبْدَأ الرَّجُلُ فَيَقُول: أَهلي بِبَلَد كَذَا فَأَنا أزُور أَهلِي، وَأَنا كريم الأهْل، فإنّما يَذْهَب النَّاس فِي هَذَا إِلَى: أهل البَيت لَهُ.
قَالَ: وَقَالَ قائلٌ: آل مُحَمَّد: أهلُ دِين محمّد.
قَالَ: وَمن ذَهب إِلَى هَذَا أَشْبه أَن يَقُول: قَالَ الله لنُوح عَلَيْهِ السَّلَام: {احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} (هود: 40) ، وَقَالَ نوح: {رَبِّ إِنَّ ابُنِى مِنْ أَهْلِى} (هود: 45) ، فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ

(15/315)


أَهْلِكَ} (هود: 46) أَي: لَيْسَ من أَهل دِينك.
قَالَ الشَّافِعِي: وَالَّذِي نَذهب إِلَيْهِ فِي مَعنى الْآيَة أنّ مَعْناه: إِنَّه لَيْسَ من أَهلك الَّذين أَمرناك بحَمْلهم مَعَك.
فإِن قَالَ قائلٌ: وَمَا دَلّ على ذَلِك؟
قيل: قولُه: {وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} (هود: 40) فأَعلمه أَنه أَمره بِأَن يحمل من أَهله مَن لم يَسْبق عَلَيْهِ القولُ من أهل المَعاصي، ثمَّ بَين ذَلِك فَقَالَ: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} (هود: 46) .
قَالَ الشَّافِعِي: وذَهب ناسٌ إِلَى أَن آل مُحَمَّد: قرَابَته الَّتِي يَنْفرد بهَا دُون غَيرهَا مِن قَرابته.
قَالَ: وَإِذا عُدّ آل الرجل وَلده الَّذين إِلَيْهِ نَسبهم، وَمن يُؤْويه بيتُه مِن زَوْجة أَو مَملوك أَو مولى أَو أحد ضَمّه عيالُه، وَكَانَ هَذَا فِي بعض قَرابته من قبل أَبِيه دُون قرَابَته من قبل أمه، لم يجز أَن يُسْتدل على مَا أَرَادَ الله من هَذَا ثمَّ رَسُوله إِلَّا بسُنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا قَالَ: إنّ الصَّدقة لَا تَحِلّ لمحمّد وَآل محمّد، دلّ على أَن آل مُحمد هم الَّذين حُرِّمت عَلَيْهِم الصَّدقة وعُوِّضوا مِنْهَا الخُمس، وهم صَليبة بني هَاشم، وَبني المطّلب، وهم الَّذين اصطفاهم الله من خَلقه بعد نبيّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت: قد أخبرنَا بِجَمِيعِ ذَلِك الأوزاعيّ عَن حَرملة، عَن الشَّافِعِي.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن أبي الْهَيْثَم، عَن الْأَصْمَعِي: السَّراب، والآل، وَاحِد.
وَخَالفهُ غَيره، فَقَالَ: الْآل، من الضُّحى إِلَى زَوال الشَّمس؛ والسَّراب: بعد الزّوال إِلَى صَلَاة العَصر.
واحتجّوا بِأَن الْآل يَرفع كُلّ شَيْء حَتَّى يصير لَهُ آلٌ، أَي شخص، وَآل كل شَيْء شَخْصُه. وَأَن السّارب يَخْفض كلَّ شَيْء فِيهِ حَتَّى يصير لاصقاً بِالْأَرْضِ لَا شَخْص لَهُ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن الأعلم أبي بكر، عَن ابْن سَلام، عَن يُونُس، قَالَ: قَالَت الْعَرَب: الآلُ: مُذْ غُدْوة إِلَى ارْتِفَاع الضُّحَى الأعْلى، ثمَّ هُوَ سَراب سائرَ الْيَوْم.
وَأَخْبرنِي، عَن الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت: الْآل: الَّذِي يَرفع الشُّخوص، وَهُوَ يكون بالضُّحى؛ والسراب: الَّذِي يَجْري على وَجه الأَرْض كَأَنَّهُ المَاء، وَهُوَ يكون نِصْف النَّهَار.
قلت: وعَلى هَذَا رَأَيْت الْعَرَب فِي الْبَادِيَة. وَهُوَ صَحِيح؛ سُمِّي: سراباً، لِأَنَّهُ كَالْمَاءِ الجارِي.
وَقَالَ هِشام، أَخُو ذِي الرُّمة:

(15/316)


حتّى إِذا أَمْعَرُوا صَفْقَيْ مَبَاءَتهم
وجَرَّد الخَطْبُ أَثْباجَ الجَراثِيمِ
آلُو الجِمَالَ هَرامِيلَ العِفاء بهَا
على المَنَاكِب رَيْعٌ غيرُ مَجْلُوم
آلوا الجِمال: أَي رَدُّوها لِيَرْتحلُوا عَلَيْهَا.
اللَّيْث: الإيَال على فِعَال: وِعَاء يُؤَال فِيهِ شَرابٌ أَو عَصير، أَو نَحْو ذَلِك.
يُقَال: أُلْت الشَّراب أؤُوله أَوْلاً؛ وأَنْشد:
ففَتّ الخِتَامَ وَقد أَزْمَنَت
وأَحْدَثَ بعد إِيَالٍ إِيَالاَ
قلت: وَالَّذِي نَعرفه: آل الشَّرابُ، إِذا خَثُر وانْتهى بُلوغُه ومُنتهاه من الْإِسْكَار.
وَلَا يُقَال: أُلْتُ الشَّرابَ.
والإيَال، مصدر: آل يَؤُول أَوْلاً وإِيَالاً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْآلَة: سَرِير المَيت؛ وأَنْشد بَيت كَعب بن زُهَير:
كُل ابْن أُنْثى وَإِن طَالَتْ سَلامَتُه
يَوْمًا على آلَةٍ حَدْباء مَحْمُولُ
غَيره: آل فلانٌ من فلانٍ، أَي وَأَلَ مِنْهُ ونجَا، وَهِي لُغَة الْأَنْصَار؛ يَقُولُونَ: رَجُلٌ آيل، مَكَان وَائِل؛ وأَنشد بعضُهم:
يَلُوذ بشُؤْبُوبٍ من الشَّمس فَوْقها
كَمَا آلَ مِن حَرِّ النَّهارِ طَرِيدُ
وَآل لَحْمُ النَّاقة، إِذا ذَهب؛ وَقَالَ الأعْشى:
أَكْلَلتها بعد المِرَا
ح فآل مِن أَصْلابِها
أَي: ذَهب لحمُ صُلْيها.
اللَّيْث: الأيِّل: الذَّكر من الأوْعال.
والجميع: الأيَايل.
قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّي: أَيّلاً، لِأَنَّهُ يَؤُول إِلَى الْجبَال يَتحصَّن فِيهَا؛ وأَنشد:
كأنّ فِي أَذْنابهنّ الشُّوَّلِ
من عَبَس الصَّيْف قُرونَ الأَيِّلِ
وَقَالَ غيرُه: فِيهِ ثَلَاث لُغات: إيَّل، وأَيِّل، وأُيَّل.
ابْن شُميل: الأيّل، الذَّكر. والأُنثى: أيّلة. وَهُوَ الأرْوَى.
أَبُو عبيد: هُوَ الأُيّل، وأَنْشد شَمِرٌ للجَعْدِيّ:
وبِرْذَوْنة بَلّ البَراذِينُ ثَغْرها
وَقد شَرِبت من آخِر اللّيْل أُيّلاَ
قَالَ شَمر: الأُيّل، بِوَزْن فُعَّل، وَقَالَ: شَرِبتْ ألبان الأيَايل.
وَقَالَ أَبُو نصر: هُوَ البَوْل الخائِر.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: هَذَا محَال، وَمن أَيْن تُوجد ألبان الأيايل؛ وَالرِّوَايَة:
وَقد شَرِبت من آخر اللّيل أُيّلا
وَهُوَ: اللّبن الخاثر، من آل، إِذا خَثُر.
قَالَ أَبُو عَمْرو: أُيّل: ألبان الأيَايل.
وَقَالَ أَبُو نصر: هُوَ الْبَوْل الخائر، بِالْفَتْح

(15/317)


، من أَبْوَال الأُرْويّة، إِذا شربْته المرأةُ اغْتلمت؛ وَقَالَ الفرزدق:
وكأنّ خاثِره إِذا ارْتَثَؤُوا بِهِ
عَسَلٌ لَهُم حُلِبت عَلَيْهِ الأيِّلُ
ابْن شُميل: الأيّل: هُوَ ذُو القَرن الأشْعث الضخم، مثل الثور الأهليّ.
وَجمعه: الأيايل.
قَالَ: وَيُقَال لَهُ: أُيّل، مِثَال فُعَّل.
وأل: اللَّيْث: الْمَآل والمَوْئِل: المَلْجأ.
يُقال من المَوْئل: وأَلْت، مثل وَعَلْت.
وَمن الْمَآل: أُلْت، مثل عُلْت مَآلًا، بِوَزْن معالاً؛ وأَنشد:
لَا يَسْتطيع مَآلًا مِن حَبائِله
طَيرُ السَّماء وَلَا عُصْم الذُّرَى الوَدِقِ
وَقَالَ الله تَعَالَى: {لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً} (الْكَهْف: 58) .
قَالَ الْفراء: المَوْئِل: المَنْجَى، وَهُوَ المَلْجأ.
وَالْعرب تَقول: فلَان يُوائِل إِلَى مَوْضعه. يُرِيد: يذهب إِلَى مَوْضِعه وحِرزه؛ وأَنشد:
لَا واءَلَتْ نفسُك خَلَّيتها
للعامريِّين وَلم تُكْلَمِ
أَبُو الْهَيْثَم: وأل يَئِل وَأْلاً ووَأْلَة، ووَاءَل يُوائل مُواءَلَة، ووِئالاَ.
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: الوَأْلَة، مثل الوَعْلة، أبعار الْغنم وَالْإِبِل وَأَبْوَالهَا جَمِيعًا.
يُقَال: قد أَوأل الْمَكَان، فَهُوَ مُوئِل.
وَهُوَ الوَأْل والوَأَلة.
اللَّيْث: الوَأْل والوَعْل: المَلْجأ.
ليل: اللَّيْث: اللَّيل: ضِدّ النَّهار.
واللَّيل: ظلامُ اللَّيل.
والنّهار: الضِّياء.
فَإِذا أفردت أَحدهمَا من الآخر قلت: لَيْلَة، ويَوم.
وتصغير لَيْلَة: لُيَيْلة، أخرجُوا الْيَاء الْأَخِيرَة من مخرجها فِي اللَّيالي.
يَقُول بَعضهم: إِنَّمَا كَانَ أصل تأسيس بنائها لَيْلًا مَقْصور.
وَقَالَ الْفراء: لَيْلَة، كَانَت فِي الأَصْل: لَيْلية، وَلذَلِك صُغِّرت: لُيَيلة.
وَمثلهَا: الكَيْكة: البَيْضة، كَانَت فِي الأَصْل: كَيْكية؛ وَجَمعهَا: الكَيَاكي.
وَقَالَ اللَّيْث: العربُ تَقول: هَذِه لَيلة لَيْلاء، إِذا اشتَدّت ظُلْمتها؛ ولَيْلٌ أليل؛ وَقَالَ الكُميت:
وليلهم الأَلْيل
قَالَ: وَهَذَا فِي ضَرورة الشِّعر، أما فِي الْكَلَام ف (لَيْلاَء) .
النَّضْر: لَيلٌ لائِل: طَوِيل؛ وأَلْيلْت: صِرْت فِي اللَّيل.
وَقَالَ فِي قَوْله:

(15/318)


لَسْتُ بِلَيْلِيّ ولكنِّي نَهِرْ
يَقُول: أَسِير بالنّهار وَلَا أطيِق سُرَى اللَّيْل.
قَالَ: وَإِلَى نِصف النَّهَار تَقول: فعلتُ اللَّيلةَ.
فإِذا زَالَت الشمسُ قلت: فعلتُ البارحةَ، لِلَّيْلة الَّتِي قد مَضَت.
ابْن نَجدة، عَن أبي زيد: الْعَرَب تَقول: رَأَيْت الليلةَ فِي مَنَامِي، مُذْ غدوةٍ إِلَى زَوال الشَّمْس.
فَإِذا زَالَت الشَّمْس قَالُوا: رَأَيْت البارحةَ فِي مَنامي.
قَالَ: وَيُقَال: تَقْدَمُ الإبلُ هَذِه الليلةَ الَّتِي فِي السَّماء؛ إِنَّمَا تَعني: أَقربَ اللَّيالي من يَوْمك، وَهِي الليلةُ الَّتِي تَلِيه.
وَقَالَ أَبُو مَالك: الهِلالُ فِي هَذِه اللَّيلةِ الَّتِي فِي السَّمَاء؛ يَعْني: الليلةَ الَّتِي تَدْخلها، يُتكلَّم بِهَذَا فِي النَّهَار.
وأفادنا المُنذريّ، عَن أبي الْهَيْثَم: النّهار، اسْم، وَهُوَ ضدّ اللَّيل.
وَالنَّهَار: اسْم لكُل يَوْم.
وَاللَّيْل: اسْم لكُل لَيْلَة.
لَا يُقَال: نهارٌ ونهاران، وَلَا لَيل ولَيْلان.
إِنَّمَا وَاحِد النَّهار: يَوْم؛ وتَثنيته: يَوْمَانِ؛ وَجمعه: أيّام.
وضدّ الْيَوْم: لَيْلَة؛ وَجَمعهَا: ليالٍ.
وَكَأن الْوَاحِدَة ليلاة فِي الأَصْل، يدل على ذَلِك جمعهم إِيَّاهَا: اللَّيالي، وتَصْغيرهم إيّاها: لُيَيْلة.
قَالَ: وَرُبمَا وَضعت الْعَرَب النَّهَار فِي مَوضِع الْيَوْم.
فيجمعونه حينئذٍ: نُهُراً؛ وَقَالَ دُريد بن الصّمّة:
وغارة بَين الْيَوْم وَاللَّيْل فَلْتَةً
تداركتُها وَحْدي بسيدٍ عَمَرَّدِ
فَقَالَ: بَين الْيَوْم وَاللَّيْل، وَكَانَ حقّه: بَين الْيَوْم وَاللَّيْلَة، لأنّ اللّيلة ضدّ الْيَوْم، وَالْيَوْم ضد اللّيلة، وَإِنَّمَا اللَّيْل ضد النَّهَار؛ كَأَنَّهُ قَالَ: بَين النَّهَار وَبَين اللّيل.
وَالْعرب تَستجيز فِي كَلَامهَا: تَعالى النهارُ، فِي معنى: تعالَى الْيَوْم.
ابْن الْأَعرَابِي: أُمّ لَيلى، هِيَ الخَمر.
وليلى: هِيَ النّشوة، وَهُوَ ابْتِدَاء السُّكر.
وحَرّة لَيلى، مَعْرُوفَة، وَهِي إحْدى حِرَار بِلَاد العَرب.
ولَيلى: من أَسمَاء النِّساء، مَعْنَاهُ: أَنَّهَا ذَات نشوة، لما فِيهَا من النَّعْمة والفُتُور.
لوى: قَالَ اللَّيْث: لَوَيْتُ الحَبْلَ أَلْوِيه لَيّاً.
قَالَ: ولَوَيْت الدَّيْن ليًّا ولَيّاناً؛ وَفِي الحَدِيث: (ليّ الواجِد) .
قَالَ أَبُو عُبيد: اللّيّ: المَطْل؛ وأَنْشد للأَعْشَى:

(15/319)


يَلْوينَني دَيْنِي النهارَ وأَقْتَضي
دَيْنِي إِذا وَقَذَ النُّعاسُ الرُّقَّدَا
وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
تُطِيلَين لَيَّانِي وأنتُ مَلِيَّةٌ
وأُحْسِنُ يَا ذاتَ الوِشاح التَّقاضِيَا
الْأَصْمَعِي: لَوى الأمْرَ عَنهُ، يَلْويه لَيّاً.
وَيُقَال: أَلْوى بذلك الأَمْرِ، إِذا ذَهب بِهِ.
ولَوى عَلَيْهِم: عَطَف عَلَيْهِم وَتَحَبَّس.
ويُقال: مَا يَلْوي على أَحد.
ويُقال فِي وَجع الجَوْفِ: لَوِي يَلْوي لَوًى، مَقْصور.
وَيُقَال: لَوِي ذنبُ الْفرس، يَلْوَى لَوًى، وَذَلِكَ إِذا مَا اعْوَجّ؛ وَقَالَ العجّاج:
كالكَرِّ لَا شَخْتٌ وَلَا فِيهِ لَوًى
يُقال مِنْهُ: فرسٌ مَا بِهِ لَوًى وَلَا عَصَلٌ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: كَبْشُ أَلْوَى، ونَعْجة لَيَّاء، من شَاة لُيّ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: من أمثالهم: أَيْهاتَ أَلْوَتْ بِهِ العَنْقَاء المُغْرِب كأنّها داهية.
وَلم يُفسِّر أَصْله.
وأَلْوَى بثَوبه، إِذا لمَع بِهِ.
وَكَذَلِكَ: ألْوى البَعِيرُ بذَنبه.
أَبُو الْعَبَّاس: أَلْوى، إِذا جَفّ زَرْعُه.
وأَلْوى: عَطف على مُسْتَغِيث.
وأَلْوى: أكل اللَّوِيّةَ.
وأَلْوى: خاط لِواء الأَمِير.
وأَلْوى: أَكْثر التَّمَنِّي.
اللَّيْث: أَلْوى بثَوْبه للصَّرِيخ.
وألوت المرَأةُ بِيَدها.
وألوت الحربُ بالسَّوام، إِذا ذَهبت بهَا وصاحبُها يَنْظر إِلَيْهَا.
أَبُو عبيد: من أمثالهم فِي الرَّجُل الصَّعْب الشَّديد اللَّجاجة: لتجدنّ فلَانا أَلْوى بَعِيدَ المُستحر؛ وأَنْشد فِيهِ:
وجدتَني ألْوى بَعيد المُسْتَحَرّ
أحْمل مَا حُمِّلْتُ من خَيْرٍ وشَرّ
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم: الأَلْوى: الْكثير المَلاَوِي.
ويُقال: رَجُلٌ أَلْوى شَدِيد الخُصومة يَلْتوي على خَصْمه بالحجّة وَلَا يَقَرّ على شَيْء وَاحِد.
والألْوى: الشَّديد الالتواء، وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ بالفارسيّة: شخانيون.
قَالَ: ولويت الثّوبَ: عصرتُه حَتَّى خرج مَا فِيه مِن المَاء.
الأصمعيّ: اللِّوَى: مُنْقطع الرَّمْلة.
يُقَال: قد أَلْوَيتم فانْزِلُوا، وَذَلِكَ إِذا بَلَغوا لِوَى الرَّمْل.
واللَّوِيّة: مَا يُخْبأ للضَّيْف، أَو يَدَّخره الرَّجُلِ لِنَفْسه.
وَجَمعهَا: اللوَايَا؛ وَمِنْه قَوْله:

(15/320)


آثَرْتَ ضَيْفك باللَّوِيّة وَالَّذِي
كانتْ لَهُ ولِمثْلِه الأذْخَار
وَسمعت أعرابيّاً من بني كِلاب يَقُول لِقَعيدةٍ لَهُ: أَيْن لَوَاياك وحَواياك؟ ألاَ تُقدِّمينها إِلَيْنَا؟
أَرَادَ: أَيْن مَا خبأت من شُحيمة وقَدِيدة وَتَمْرَة وَمَا أشبههَا من شَيْء يُدَّخر للحقُوق.
واللَّوِيّ: مَا جَفّ من البَقْل.
وَقد أَلْوَى البَقْلُ.
وَجمع لِوَاء الْأَمِير: أَلْوِية، وأَلْواء.
وَجمع لِوَى الرَّمل: ألْوية، وأَلْواء.
ولَوَى خَبَره، إِذا كَتمه.
والأَلْوَى: المُعتزل لَا يزَال مُنْفرداً؛ وأَنْشد:
حَصانٌ تُقْصِد الألْوى
بِعَيْنَيْها وبالْجِيدِ
قَالَ: والأُنثى: لَيّاء.
ونسوة لِيّان؛ وَإِن شِئْت: لَيَّاوات.
والرِّجال ألْوُون.
وَالتَّاء وَالنُّون فِي الْجَمَاعَات لَا يمْتَنع مِنْهُمَا شَيْء من أَسمَاء الرِّجال ونعوتها، وَإِن نعت قيل: يلوى لوى، وَلَكنهُمْ استغنوا عَنهُ بقَوْلهمْ: لَوَى رَأسه.
وَمن جعل تأليفه من لَام وَاو، قَالَ: لَوى؛ وَقَالَ الله تَعَالَى فِي ذِكْر الْمُنَافِقين: {اللَّهِ لَوَّوْاْ} (المُنَافِقُونَ: 5) . 7
وقرىء: لَوَوْا.
اللَّيْث: يُقَال لَويتُ عَن هَذَا الْأَمر، إِذا الْتَويْت عَنهُ؛ وأَنشد:
إِذا الْتَوَى بِي الْأَمر أَو لَوِيت
مِن أَيْن آتِي الأمْرَ إِذْ أُتِيت
ولُؤيّ بن غَالب: أَبُو قُريش.
ابْن السِّكيت وَغَيره: هُوَ عَامر بن لُؤيّ، بِالْهَمْز.
وعوامّ النَّاس لَا يَهْمزون.
وَيُقَال: لَوَّى عَلَيْهِ الأمرَ، إِذا عَوّصه.
وَيُقَال: لوّأ الله بك، بِالْهَمْز تَلْوِئةً، أَي شَق بك؛ وأَنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
وَكنت أرَجِّي بعد نَعْمانَ جابِراً
فلَوّأ بالعَيْنَيْن والوَجْه جابِرُ
وَيُقَال: هَذِه وَالله الشَّوْهَة واللَّوْأة.
وَيُقَال للرجل الشَّديد: مَا يُلْوَى ظهرُه، أَي مَا يَصْرعه أحد.
والمَلاَوي: الثَّنايا الَّتِي لَا تَسْتقيم.
أَبُو عُبيد، عَن اليَزيديّ: أَلْوت النَّاقة بذَنَبها، ولوت ذَنبهَا.
وأَلوى الرَّجُلُ برَأْسه، ولَوى رأسَه.
وأَصَرّ الفرسُ بأُذنه، وصَرّ أذُنَه.
ولى: أَبُو عُبيدة وَغَيره: الْوَلْيُ: القُرْب، وأَنشد:

(15/321)


وَشطّ وَلْيُ النَّوى إنّ النَّوَى قَذَفٌ
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: الوَلْي، مثل الرَّمْي: الْمَطَر الَّذِي يَأْتِي بعد المَطر.
يُقال: وُلِيت الأرْضُ وَلْياً.
فَإِذا أردْت الِاسْم، فَهُوَ الوَلِيّ، مثل النَّعِيّ.
والنَّعيّ، الِاسْم؛ والنَّعْي، الْمصدر.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
لِنِي وَلْيَةً تُمْرِعْ جَنَابِي فإنّني
لِما نِلْتُ من وَسْمِيِّ نُعْماكَ شاكِرُ
لِني، أمْرٌ من الوَلْي، أَي أمطرني وَلْيةً مِنْك، أَي مَعروفاً بعد مَعْروف.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَلِيّ: التَّابِع المُحِبّ.
وَقَالَ فِي قَول النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من كنت مَولاه فعليٌّ مَوْلَاهُ) ، أَي من أحبّني وتولاّني فَلْيتولّه.
وَقَوله جلّ وعزّ: {) يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} (الْقِيَامَة: 34) .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ تَهَدُّد ووَعِيد.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو نَصر: قَالَ الْأَصْمَعِي: {أَوْلَى} مَعْنَاهُ: قاربك مَا تكره، أَي نزل بك يَا أَبَا جهل مَا تكره وقاربَك.
وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
فعادَى بَين هادَيَتَيْن مِنْهَا
وأَوْلَى أَن يَزيد على الثَّلاثِ
أَي: قَارب أَن يَزِيد.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: لم يقل أحد فِي أَوْلى لَك، أَحْسن ممّا قَالَ الأصمعيّ.
قَالَ: وَقَالَ غَيرهمَا: أَوْلى، يَقُولهَا الرَّجُل لآخر يُحَسِّره على مَا فَاتَهُ، وَيَقُول: يَا مَحْروم، أَي شَيْء فاتك؟
وَقَوله عزّ اسمُه: {مَا لَكُم مِّن وَلايَتِهِم مِّن شَىْءٍ} (الْأَنْفَال: 72) .
قَالَ الْفراء: يُريد: مَا لكم من مواريثهم من شَيْء.
قَالَ: وكَسْر الْوَاو هَا هُنَا من وِلايتهم أعجبُ إليّ من فتحهَا، لِأَنَّهَا إِنَّمَا تُفتح أَكثر ذَلِك إِذا أُرِيد بهَا النُّصرة.
وَكَانَ الْكسَائي يَفتحها ويَذهب بهَا إِلَى النُّصرة.
قلتُ: وَلَا أَظُنهُ عَلِم التَّفسير.
قَالَ الْفراء: ويختارون فِي وَلِيتُه وِلاَية: الْكسر، وَقد سَمِعناهما بِالْفَتْح وبالكسر فِي مَعْنَييْهما جَمِيعًا؛ وأَنْشد:
دَعيهم فهم أَلْبٌ عليّ ولايةٌ
وحَفْرهمُ أَن يَعْلموا ذاكَ دائِبُ
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس نَحوا مِمَّا قَالَ الفرّاء.
وَقَالَ الزّجاج: يُقرأ: (وَلاَيتهم) ،

(15/322)


و (وِلاَيتهم) ، بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا، فَمن فتح جَعلها من: النُّصرة والنَّسب.
قَالَ: والوِلاية، الَّتِي بِمَنْزِلَة الْإِمَارَة، مَكْسُورَة.
قَالَ: والوِلاية على الْإِيمَان وَاجِبَة، الْمُؤْمِنُونَ بعضُهم أَولياء بعض.
وَلِيٌّ بَيِّن الوَلاَية.
ووالٍ بيِّن الوِلاَية.
والوليّ: وليّ الْيَتِيم الَّذِي يَلِي أَمره ويَقُوم بكِفايته.
ووليّ الْمَرْأَة: الَّذِي يَلي عَقْد النِّكاح عَلَيْهَا وَلَا يَدعها تَسْتَبِدّ بعَقْد النِّكاح دُونه.
وَيُقَال: فلَان أولى بِهَذَا الْأَمر من فلَان، أَي: أحقّ بِهِ.
وهما الأَوْليان، أَي: الأَحَقّان؛ قَالَ الله عَزّ وجلّ: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الاَْوْلَيَانِ} (الْمَائِدَة: 107) .
قَرَأَ بهَا عليّ رَضِي الله عَنهُ، وَبهَا قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَنَافِع وكَثِير.
وَقَالَ الْفراء: مَن قَرَأَ الأَوْلَيان أَرَادَ: وَليَّي المَوْرُوث.
وَقَالَ الزجّاج: الأَوْلَيان، فِي قَول أَكثر الْبَصرِيين، يَرتفعان على الْبَدَل ممّا فِي يقومان. الْمَعْنى: فَلْيَقُم الأَوْليان بِالْمَيتِ مَقام هذَيْن الجائيين.
وَمن قَرَأَ الأوَّلِين ردَّه على الَّذين وَكَأن المَعنى: من الَّذين استَحقّ عَلَيْهِم أَيْضا الأوَّلين.
وَهِي قِرَاءَة ابْن عبّاس، وَبهَا قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ، وَاحْتَجُّوا بقول ابْن عبَّاس: أَرَأَيْت إِن كَانَ الأَوْليان صغيرَيْن؛ وَأنْشد أَبُو زيد:
فَلَو كَانَ أَوْلى يُطْعم القَوْمَ صِدْتُهم
ولكنّ أَوْلَى يَتْرُك القَوْمَ جُوَّعَا
قَالَ: أَولى فِي هَذَا حِكَايَة، وَذَلِكَ أنّه كَانَ لَا يُحسن أَن يَرمي، وأحبّ أَن يُمتدح عِنْد أَصْحَابه، فَقَالَ: أَوْلَى، وَضرب بِيَدِهِ على الْأُخْرَى، وَقَالَ: أولى، فحكي ذَلِك.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِن وَرَآئِى} (مَرْيَم: 4) .
قَالَ الْفراء: هم وَرثة الرَّجل وَبَنُو عَمِّه.
قَالَ: والوَليّ والمَوْلى، وَاحِد فِي كَلَام الْعَرَب.
قلت: ومِن هَذَا قولُ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَيّمَا امرأةٍ نَكَحت بِغَيْر إذْن مَوْلَاهَا) .
وَرَوَاهُ بَعضهم وَليهَا، لأنّهما بِمَعْنى وَاحِد.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ابْن فَهم، عَن ابْن سَلام، عَن يُونُس، قَالَ: الْمولى، لَهُ مَوَاضِع فِي كَلَام الْعَرَب:
مِنْهَا: الْمولى فِي الدِّين: وَهُوَ الْوَلِيّ، وَذَلِكَ قولُ الله تَعَالَى: {أَمْثَالُهَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى

(15/323)


الَّذِينَءَامَنُواْ وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ} (مُحَمَّد: 11) .
وَمِنْه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَن كُنت مَولاه) ، أَي وليّه.
قَالَ: وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مُزَينة وجُهينة وأَسْلَم وغِفار موالِي الله وَرَسُوله) ، أَي: أولياؤُهما.
قَالَ: وَالْمولى: العَصَبة، وَمِنْه قولُه عزّ وجلّ: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِن وَرَآئِى} (مَرْيَم: 5) .
وَقَالَ اللِّهْبِيّ يُخاطب بني أُميّة:
مَهْلاً بَنِي عَمِّنا مَهْلاً مَوالِينا
امْشُوا رُوَيْداً كَمَا كُنْتُم تكَونُونَا
قَالَ: وَالْمولى: الحليف، وَهُوَ من انْضَمَّ إِلَيْك فعزّ بِعِزّك وامْتَنع بمَنَعتك.
والمَوْلى: المُعْتَق انْتسب بنَسبك، وَلِهَذَا قيل للمُعْتقين: المَوالِي.
قَالَ: قَالَ أَبُو الهَيثم: المَوْلى على سِتّة أوْجه:
الْمولى. ابنُ العَمّ، والعمُّ، والأخُ، والابْنُ، والعَصَبات كلهم، والمَوْلَى: النَّاصِر، والمَوْلَى: الَّذِي يَلِي عَلَيْك أَمْرَك.
قَالَ: وَرجل وَلاء، وقومٌ وَلاء، فِي معنى: ولِيّ، وَأَوْلِياء.
والوَلاَء، مصدر.
والمَولى: مولى المُوالاة، وَهُوَ الَّذِي يُسلم على يدك ويُوالِيك.
وَالْمولى: مولى النِّعمة، وَهُوَ المُعْتِق أَنعم على عَبْده بعِتْقه.
وَالْمولى: المُعْتَق، لِأَنَّهُ ينزل منزلَة ابْن الْعم، يجب علَيك أَن تَنْصره، وترَثه إِن مَاتَ وَلَا وارِثَ لَهُ.
والتَّولية، تكون إقبالاً، وَمِنْه قولُه جلّ عزّ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (الْبَقَرَة: 144) ، أَي: وَجِّه وَجهك نَحوه وتلقاءَه.
وَكذلك قَوْله تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} (الْبَقَرَة: 148) .
قَالَ الْفراء: هُوَ مُسْتقبلها.
والتَّولية، فِي هَذَا الْموضع: إقْبال.
قَالَ: والتّولية، تكون انصرافاً؛ قَالَ الله تَعَالَى: {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} (التَّوْبَة: 25) .
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {يُوَلُّوكُمُ الاَْدُبَارَ} (آل عمرَان: 111) .
هِيَ، هَاهُنَا: انصراف.
وَقَالَ أَبُو مُعاذ النّحوي: قد تكون (التَّوْلِية) بِمَعْنى: التَّوَلِّي.
يُقَال: وَلّيت وتولّيت، بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وَسمعت الْعَرَب تنشد بيتَ ذِي الرُّمّة:

(15/324)


إِذا حَوّل الظِّلُّ العَشِيَّ رَأيتَه
حَنِيفاً وَفِي قَرْن الضُّحَى يَتَنَصَّرُ
أَرَادَ: تحوُّل الظِّل بالعَشِيّ.
وَقَوله: {هُوَ مُوَلِّيهَا} (الْبَقَرَة: 148) أَي: متولّيها، أَي مُتّبعها وراضِيها.
تولَّيت فلَانا: اتَّبعته ورَضِيت بِهِ.
وَيُقَال للرُّطْب إِذا أَخذ فِي الهَيْج: قد وَلى، وتَولى.
وتَوَلِّيه: شُهْبَتُه.
والتَّوْلية فِي البَيع: أَن تَشْتَري سِلْعةً بِثمن مَعْلوم ثمَّ تولّيها رجلا آخر بذلك الثَّمن.
وَتَكون (التَّولية) مصدرا، كَقَوْلِك: ولَّيت فلَانا عمل ناحيته، إِذا قلدته وِلايَتها.
و (التَّوَلِّي) يكون بِمَعْنى: الْإِعْرَاض، وَيكون بِمَعْنى: الاتّباع؛ قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَنتُمُ الْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ} (مُحَمَّد: 38) ، أَي: تُعرضوا عَن الْإِسْلَام.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ} (التَّوْبَة: 23) ، مَعْنَاهُ: من يَتَّبعهم ويَنْصرهم.
وتوليت الْأَمر تولياً، إِذا وَليته؛ قَالَ الله تَعَالَى: {تَوَلَّى كِبْرَهُ} (النُّور: 11) أَي: وَلي وِزر الْإِفْك وإشاعته.
ابْن الْأَعرَابِي: الْمُوَالَاة: أَن يتشاجر اثْنَان فَيدْخل ثَالِث بَينهمَا للصُّلح، وَيكون لَهُ فِي أَحدهمَا هوى فيواليه، أَي يُحابيه.
قَالَ: والى فلَان فلَانا، إِذا أَحَبَّه.
وللمُوالاة مَعنى ثَالِث، سمعتُ العربَ تَقول: والُوا حَواشِيَ نَعَمكم من الجِلّة، أَي اعزلوا صغارها عَن كِبَارهَا.
واليْناها فتوالَت؛ وأَنْشد بعضُهم:
وكُنّا خُلَيْطَى فِي الجِمالِ فأَصْبحت
جِمالِي تُوالَي وُلَّهاً مِن جِمَالِكا
وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
ولكنّها كانتْ نَوى أَجْنبيّةً
تَوَالِيَ رِبْعيّ السِّقَابِ فأَصْحَبَا
ورِبْعي السِّقاب: الَّذِي نُتج فِي أول الرّبيع. وتواليه أَن يُفْصل عَن أمّه فيشتد وَلَهُه إِلَيْهَا إِذا فَقدها أوّل مَا يُوالَى، ثمَّ يَسْتمر على المُوالاة. ويُصْحِب، أَي يَنْقاد ويَصْبر بعد شدَّة وَلهه لمُفارقته أُمّه.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : توالَيْتُ مَالِي، وامْتَزْت مالِي، وازْدَلْت مالِي، بِمَعْنى وَاحِد.
جعلت هَذِه الأحرف واقِعَة، وَالظَّاهِر مِنْهَا أَنَّهَا لَازِمَة.
والوليّة: البَرْذعة، وَجَمعهَا: الوَلايا.
والمَوالاة: المُتابعة.
يُقال: والَى فلانٌ برُمْحه بَين صَيْدين، وعادى بَينهمَا، وَذَلِكَ إِذا تَابع بَينهمَا بطَعْنَتين مُتواليَتْين.
ويُقال: أصبته بِثَلَاثَة أَسهم وَلاَءً، أَي تِباعاً.

(15/325)


وتوالت إليّ كُتُب فلانٍ، أَي تَتابَعت؛ وَقد والاها الكاتبُ.
ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول النَّمرِ بن تَولب يَصف نَاقَة سَمِينَة نَحرها:
عَن ذاتِ أَوْلية أَسَاوِدَ رَيّها
وكأنّ لونَ المِلْح فَوق شِفَارِها
قَالَ: الأَوْلية: جمع الوليّة، وَهِي البرْذعة. شَبّه مَا تراكم عَلَيْهَا من الشَّحْم بالوَلاَيا، وَهِي البَراذع.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي نَحْوَه.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ أَنها أكلت وليًّا بعد وليّ من الْمَطَر. أَي: رَعت مَا نَبَت عَنْها فَسَمِنت.
قلت: (الولايا) إِذا جَعلتها جمع (الوليّة) ، وَهِي البَرذعة الَّتِي تَحت الرَّحْل، فَهِيَ أَشْهر.
وَمِنْه قَول أبي ذُؤيب:
كالبلايَا رُؤُوسها فِي الولاَيا
مانحات السَّمُوم حُرَّ الخُدُودِ
وَيُقَال: اسْتبق الفارسان على فرسَيْهما إِلَى أَمَدٍ تسابَقا إِلَيْهِ، فاستولى أحدُهما على الْغَايَة، إِذا سَبق الآخر إِلَيْهَا: وَقَالَ النَّابِغَة:
سَبْق الْجواد إِذا اسْتَوْلَى على الأَمَدِ
واستيلاؤه على الأَمد: أَن يَغْلب عَلَيْهِ بسَبْقه إِلَيْهِ.
وَمن هَذَا يُقال: استولى فلانٌ على مَالِي، إِذا غلب عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ: اسْتَوْمى عَلَيْهِ، بمَعناه.
وهما من الحُروف الَّتِي تعاقب فِيهَا اللَّام وَالْمِيم، وَمِنْهَا قَوْلهم: لَوْلَا فَعَلْت كَذَا، ولومَا فعلت كَذَا، بِمَعْنى (هلا) ؛ قَالَ الله تَعَالَى: {لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (الْحجر: 7) ؛ وَقالَ عَبِيد:
لَو مَا على حِجْر ابْن أُمّ
قَطَام تَبْكي لَا عَلَيْنَا
الأصمعيّ: خالَمْتُه وخالَلْتُه، إِذا صادقته؛ وَهُوَ خِلِّي وخِلْمي.
أَبُو زيد: الرّوال، والرّوام: اللُّغام.
وَيُقَال: أوليت فلَانا شَرًّا، وأوليته خيرا، كَقَوْلِك: سُمْتُه خيرا وشرًّا.
وأوليته مَعْرُوفا: أسْديته إِلَيْهِ.
ويل: وَقَالَ الله تَعَالَى: {} (المطففين: 1) و {} (الْهمزَة: 1) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَيْلٌ، رفع للابتداء، وَالْخَبَر (لِلْمُطَفِّفِينَ) .
قَالَ وَلَو كَانَت فِي غير الْقُرْآن لجَاز (ويلا) على معنى: جعل الله لَهُم ويلاً، وَالرَّفْع أَجود فِي الْقُرْآن وَالْكَلَام؛ لِأَن الْمَعْنى: قد ثَبَت لَهُم هَذَا.
قَالَ: وَالْوَيْل: كلمةٌ تقال لكل من وَقع فِي

(15/326)


عَذَاب أَو هَلكة.
قَالَ: وأصل (الوَيل) فِي اللُّغَة: الهَلاك وَالْعَذَاب.
ورُوي عَن عَطاء بن يسَار أَنه قَالَ: الوَيل: وادٍ فِي جَهنم لَو أرْسلت فِيهِ الجبالُ لماعَتْ من حرّه قبل أَن تبلغ قَعْره.
وَقَالَ اللَّيْث: الويل: حُلول الشّرِّ.
والوَيْلة: البَلِيّة والفضيحة.
وَإِذا قَالَ الْقَائِل: يَا ويلتاه، فَإِنَّمَا يَعْنِي: يَا فَضيحتاه.
وَكَذَلِكَ يُفسر قَوْله تَعَالَى: {ياوَيْلَتَنَا مَا لِهَاذَا الْكِتَابِ} (الْكَهْف: 49) .
وَقد تجمع الْعَرَب (الويل) : الوَيْلات.
ويُقال: ويّلت فلَانا، إِذا أكثرت لَهُ من ذِكْر الوَيْل.
وهما يَتَوايلان.
وَيُقَال: ويْلاً لَهُ وائلا، كَقَوْلِك: شغل شاغل.
وَإِذا قَالَت الْمَرْأَة: واوَيْلَها، قلت: وَلولَت؛ قَالَ رُؤْبة:
كَأَنَّمَا عَوْلَتُه من التَّأقْ
عَوْلَةُ ثَكْلَى وَلْوَلَت بعد المَأقْ
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي طَالب النَّحوي: أَن (وَيلة) كَانَ أَصْلهَا (وي) وصلت ب (لَهُ) .
وَمعنى: وي: حُزْن، أُخْرج مُخرج النُّدبة.
قَالَ: والعوْل: الْبكاء، فِي قَوْلهم، وَيْلَه وعَوْلَه، ونُصِبا على الذَّم والدُّعاء.
أول: قَالَ اللَّيْث: الْأَوَائِل: من (الأول) .
فَمنهمْ من يَقُول: تأسيس بنائِهِ من هَمزة، وواو وَلَام.
وَمِنْهُم من يَقُول: تأسيسه من واوين بعدهمَا لَام.
وَلكُل حُجّة.
وَقَالَ فِي قَوْله:
جَهَام تَحُثّ الوائلات أواخره
قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو الدُّقَيش (تحث الأوّلات) .
قَالَ: والأَوّل وَالْأولَى، بِمَنْزِلَة: أَفْعل، وفُعْلى.
قَالَ: وَجمع (الأولى) : الأوليات.
قلت: وَيجمع (الأوّل) : على (الأُوَل) مثل: الأَكبر، والكُبَر، وَكَذَلِكَ الأُولى.
وَمِنْهُم من شدّد الْوَاو من (أُوّل) مجموعاً اللَّيْث: من قَالَ: تأليف (أوّل) من همزَة وواو وَلَام، فَينبغي أَن يكون (أفعل) مِنْهُ: أأول، بهمزتين؛ لِأَنَّك تَقول: آب يؤوب: أَأْوب.

(15/327)


واحتجّ قَائِل هَذَا القَوْل أَن الأَصْل كَانَ (أَأْول) ، فقلبت إحْدى الهمزتين واواً، ثمَّ أُدْغمت فِي الْوَاو الْأُخْرَى، فَقيل: أَوّل.
وَمن قَالَ، إِن أصل تأسيسه واوان وَلَام، جعل الْهمزَة ألف (أفعل) ، وأَدغم إِحْدَى الواوين فِي الْأُخْرَى وشَدَّدهما.
وَيُقَال: رَأَيْته عَاما أَوّل، على بِنَاء (أفعل) .
اللَّيْث: وَمن نَوّن حمَله على النّكرة، وَمن لم يُنون فَهُوَ بابُه.
ابْن دُرَيْد: أوّل، فَوْعَل.
قَالَ وَكَانَ فِي الأَصْل (وَوّل) فقُلبت الْوَاو الأُولى همزَة، وأُدغمت إِحْدَى الواوين فِي الْأُخْرَى، فَقيل: أوّل.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله الله تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً} (آل عمرَان: 96) .
قَالَ: (أوّل) فِي اللُّغَة، على الْحَقِيقَة: ابْتِدَاء الشَّيْء.
قيل: وَجَائِز أَن يكون الْمُبْتَدَأ لَهُ آخر، وَجَائِز ألاّ يكون لَهُ آخِر.
فالواحد أوّل الْعدَد، وَالْعدَد غيرُ مُتناهٍ؛ ونعيم الْجنَّة لَهُ أوّل، وَهُوَ غير مُنْقطع.
وقولك: هَذَا أوّل مالٍ كسبته، جَائِز ألاّ يكون بعده كَسْب، وَلَكِن أَرَادَ: بل هَذَا ابْتِدَاء كَسْبي.
قَالَ: وَلَو قَالَ قَائِل: أوّل عبدٍ أملكهُ حُرّ، فَمَلك عَبْداً، لَعَتَق ذَلِك العَبْد، لِأَنَّهُ قد ابْتَدَأَ المِلْك.
فَجَائِز أَن يكون قَول الله تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} (آل عمرَان: 96) هُوَ الْبَيْت الَّذِي لم يكَن الحجّ إِلَى غَيره.
وَجَاء فِي خبر مَرْفُوع إِلَى النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْنَاد حسن، فِي تَفْسِير (الأوّل) فِي صفة الله عزّ وجلّ: (إِنَّه الأَوّل لَيْسَ قبله شَيْء، وَالْآخر لَيْسَ بعده شَيْء) .
وَلَا يجوز أَن نَعْدُوَ هَذَا التَّفسير.
قلت: وَقد قَالَ بعض اللُّغويين فِي اشتقاق (الأول) : إِنَّه (أفعل) ، من: آل يؤول؛ و (أُولى) فُعْلى مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ (أول) فِي الأَصْل: أَأْول، فقُلبت الْهمزَة الثَّانِيَة واواً، وأُدغمت فِي الْوَاو الأُخرى، فَقيل: أوّل.
وعُزي هَذَا القولُ إِلَى سِيبَوَيْهٍ.
وَكَأَنَّهُ من قَوْلهم: آل يؤول، إِذا نجا وسَبَق.
وَمثله: وأل يَئل، بِمَعْنَاهُ.
أَبُو زيد، يُقال: لَقِيتُه عامَ الأوَّل، وَيَوْم الأوَّل، جرّ آخِره.
وَهُوَ كَقَوْلِك: أتيتُ مسجدَ الجامِع.
قلت: وَهَذَا من بَاب إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَعْته.

(15/328)


أَبُو زيد: يُقَال: جَاءَ فلَان فِي أَوّليّة النَّاس، إِذا جَاءَ فِي أوّلهم.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد: أوّل يكون على ضَرْبَيْنِ: يكون اسْما. وَيكون نَعْتاً مَوْصُولا بِهِ (من كَذَا) .
فَأَما كَونه نعتاً، فقولك: هَذَا رجلٌ أوّلُ مِنْك، وَجَاءَنِي زيدٌ أوّل من مجيئك، وجئتك أوّلَ من أمس.
وأمّا كَوْنُه اسْما، فقولك: مَا تركت أوّلاً وَلَا آخِراً. كَمَا تَقول: مَا تركت لَهُ قَدِيما وَلَا حَدِيثا.
وعَلى أَي الْوَجْهَيْنِ سمّيت بِهِ رجلا انْصَرف فِي النكرَة، لِأَنَّهُ فِي بَاب الْأَسْمَاء بِمَنْزِلَة (أفكل) ، وَفِي بَال النُّعوت بِمَنْزِلَة (أَحْمَر) .
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: تَقول العربُ: أوّلُ مَا أطلع ضَبٌّ ذَنَبه.
يُقال ذَلِك للرجل يَصنع الخَيْر وَلم يكن صَنعَه قبل ذَلِك.
قَالَ: وَالْعرب ترفع (أوّل) ، وتَنصب (ذَنبه) ، على معنى: أوّلُ مَا أَطلع ذَنبه.
قَالَ: وَمِنْهُم من يرفع (أول) وَيرْفَع (ذَنبه) ، على معنى: أَول شَيْء أطلعه ذنبُه.
قَالَ: وَمِنْهُم من يَنْصب (أول) وَينصب (ذَنبه) ، على أَن يَجْعَل (أول) صفة.
قَالَ: وَمِنْهُم مَن يَنصب (أول) وَيرْفَع (ذَنبه) ، على معنى: فِي أوَّل مَا أَطلع ضَبٌّ ذَنبه، أَي فِي أوّل ذَلِك.
وأمّا (التَّأْوِيل) ، فَقيل: من أوّل يُؤوِّل تَأْوِيلا.
وثُلاثيه: آل يَؤول، أَي رَجع وَعَاد.
وسُئل أَحْمد بن يحيى عَن (التَّأْوِيل) فَقَالَ: التَّأْوِيل والتَّغيير، وَاحِد.
قلت: أُلْت الشيءَ: جَمَعْتُه وأَصْلَحته، فَكَأَن (التَّأْوِيل) جَمْع معانٍ مُشكلة بِلَفْظ وَاضح لَا إِشْكَال فِيهِ.
وَقَالَ بعضُ الْعَرَب: أَوَّل الله عَلَيْك أمْرَك، أَي جَمعه.
وَإِذا دَعوا عَلَيْهِ قَالُوا: لَا أَوّل الله عَلَيْك شَمْلَك.
ويُقال فِي الدُّعاء للمُضِلّ: أَوّل الله عَلَيْك، أَي رَدّ الله عَلَيْك ضالَّتك وجَمَعها لَك.
ويُقال: تأوّلت فِي فلانٍ الأَجْرَ، أَي تَحرَّيته وطَلَبْتُه.
اللَّيث: التأوّل والتأويل: تَفْسِير الْكَلَام الَّذِي تَختلف مَعَانِيه، وَلَا يَصح إِلَّا بِبَيَان غير لَفظه؛ وَأنْشد:
نَحن ضَرَبناكم على تَنْزيله
فاليومَ نَضْرِبْكم على تَأْوِيله
وَأما قَوْله تَعَالَى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ} (الْأَعْرَاف: 53) .

(15/329)


قَالَ أَبُو إِسْحَاق: مَعْنَاهُ: هَل ينظرُونَ إلاّ مَا يَؤول إِلَيْهِ أَمرهم مِن البَعث.
قيل: وَهَذَا التَّأويل هُوَ قَوْله جلّ وعزّ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} (آل عمرَان: 7) ، أَي: لَا يعلم مَتى يكون أَمر الْبَعْث وَمَا يؤول إِلَيْهِ الْأَمر عِنْد قيام السَّاعَة إِلَّا الله {وَالرَاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَءَامَنَّا بِهِ} (آل عمرَان: 7) ، أَي: آمنّا بالبَعث. وَالله أعلم.
قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه حَسن.
وَقَالَ غَيره: أعلم الله جلّ ثَنَاؤُهُ أنّ فِي الْكتاب الَّذِي أَنزله آيَات مُحكمات هنّ أم الْكتاب لَا تَشابه فِيهِ، فَهُوَ مَفْهُوم مَعْلُوم، وَأنزل آياتٍ أُخَر متشابهات تكلَّم فِيهَا الْعلمَاء مُجتهدين، وهم يعلمُونَ أَن الْيَقِين الَّذِي هُوَ الصَّوَاب لَا يَعلمه إِلَّا الله، وَذَلِكَ مثل المُشكلات الَّتِي اخْتلف المتأولون فِي تَأْوِيلهَا وتكلَّم فِيهَا من تكلَّم، على مَا أدّاه الِاجْتِهَاد إِلَيْهِ.
وَإِلَى هَذَا مَال أَبُو بكر بن الأنباريّ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم، يُقَال: إِنَّمَا طَعَام فلَان القَفْعاء والتَّأْويل.
قَالَ: والتأويل: نَبْت يَعْتلفه الحِمار، والقَفْعاء: شَجَرَة لَهَا شَوْك. ويُضرب هَذَا للرّجُل إِذا اسْتَبْلد فَهْمُه. وشُبِّه بالحمار فِي ضَعف عَقله.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الْعَرَب تَقول: أَنْت فِي ضَحائك بَين القَفْعاء والتَّأْويل. وهما نَبْتان مَحمودان من مَراعي البَهائم، فَإِذا أَرادوا أَن يَنْسبوا الرَّجُلَ إِلَى أنّه بَهيمة، إِلَّا أَنه مُخصب مُوسَّع عَلَيْهِ، ضَربوا لَهُ هَذَا الْمثل.
وأَنشد غَيره لأبي وَجْزة:
عَزْب المراتع نَظّارٌ أَطاع لَهُ
مِن كُلّ رابيةٍ مَكْرٌ وتَأْوِيلُ
وَرَأَيْت فِي تَفْسِيره أَنّ (التَّأْوِيل) : اسْم بقَلة يُولع بهَا بَقر الْوَحْش تَنْبُت فِي الرَّمْل.
قلت: المَكْر والقَفْعاء، معروفان، قد رأيتهما فِي الْبَادِيَة، وَأما (التَّأْوِيل) فَمَا سَمِعته إلاّ فِي شعر أبي وَجْزة هَذَا، وَقد رَعاه.
وَقَالَ أَبُو عُبيد فِي قَول الله تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} (آل عمرَان: 7) .
التَّأْوِيل: المَرجع والمَصير، مَأْخُوذ من: آل يَؤُول إِلَى كَذَا، أَي صَار إِلَيْهِ.
وأوّلته: صَيَّرته إِلَيْهِ.
وَكَانَ أَبُو عُبيد يُنشد بيتَ الأَعشى:
على أنّها كَانَت تَأَوّل حُبّها
تأوّل رِبْعِيّ السِّقاب فأَصْحَبَا
يَعْنِي: أنّ حبها كَانَ صَغِيرا فآل إِلَى العِظَم، مثل السَّقْب يكون صَغِيرا ثمَّ يَشُب

(15/330)


حَتَّى يصير مثل أُمّه.
قلت: إِلَةُ الرَّجل: أهل بَيته الَّذين يَئل إِلَيْهِم، أَي يَلجأ إِلَيْهِم.
وإلة، حرف نَاقص، أَصله: وِئْلة، مثل: (صِلة) و (زنة) ، أَصلهمَا: (وِصْلة) و (وِزْنة) .
وأمّا: إيلة الرجل، فهم أَصله الَّذين يَؤول إِلَيْهِم، وَكَانَ أَصله: إولة، فقلبت الْوَاو يَاء.
أَو يجوز أَن يكون الأَصْل (إيلة) ، فخففت.
وأَيلْة: قَرْيَة عربيّة، كَأَنَّهَا سُميت: أَيْلَة، لِأَن أَهلهَا يَؤُولون إِلَيْهَا.
وَأما: إيلة الرَّجُل، فقراباتُه.
وَكَذَلِكَ: وَلْيته.
ابْن السِّكيت: فِي أَسْنَانه يَلل وأَلَل، وَهُوَ أَن تُقبل الأَسنان على بَاطِن الْفَم.
ابْن الأعرابيّ: الأيَلُّ: الطَّوِيل الْأَسْنَان.
والأيَلّ: الصَّغِير الْأَسْنَان، وَهُوَ من الأضداد؛ وَقَالَ لَبِيد:
تُكْلح الأرْوق مِنْهَا والأيَلّ
لَا: ابْن الْأَعرَابِي: لاواه، إِذا خَالفه.
سَلمة، عَن الْفراء: لاوَيْت، أَي قلت: لَا.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: لَوْلَيْت، بِهَذَا الْمَعْنى.
وَقَالَ غيرُه: العربُ إِذا أَرَادوا تقليل مُدّة فِعل، أَو ظُهور شَيْء خَفِيّ، قَالُوا: كَانَ فِعْله كَلاَ.
وَرُبمَا كرّروا فَقَالُوا: كلا وَلَا؛ وَمِنْه قَول ذِي الرُّمة:
أصَاب خَصاصةً فَبَدَا كَلِيلاً
كلا وانْفَلّ سائِرُه انْفِلاَلا
وَقَالَ آخر:
يكون نُزول الْقَوْم فِيهَا كلاَ ولاَ
اللِّحياني، عَن الْكسَائي: لَوَّيت لاءً حَسنةً، بِالْمدِّ، ومَوَّيت مَاء حَسَنَة، إِذا كتبتَهما.
قَالَ: وَهَذِه لاءٌ مُلوّاة، أَي مَكْتوبة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء فِي قَوْله:
أَبى جُودُه لَا البُخْلَ واسْتَعْجلت نَعَمْ
بِهِ مِن فَتى لَا يَمْنع الجُوعَ قاتِلَهْ
قَالَ: أَرَادَ: أبَى جُودُه (لَا) الَّتِي تُبَخِّل الْإِنْسَان، كَأَنَّهُ إِذا قيل لَهُ: لَا تُسْرف وَلَا تبذِّر أَبى جُودُه قولَ (لَا) هَذِه، واسْتَعْجلت بِهِ (نعم) فَقَالَ: نعم أفعل وَلَا أترك الجُودَ.
حكى ذَلِك الزّجّاج لأبي عَمْرو، ثمَّ قَالَ:

(15/331)


وَفِيه قَولَانِ آخرَانِ، على رِوَايَة مَن رَوى (أَبى جودُه لَا الْبُخْل) :
أَحدهمَا: أَن مَعْنَاهُ: أَبى جُودُه البُخْلَ، وَتجْعَل (لَا) صِلة، كَقَوْل الله تَعَالَى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} (الْأَعْرَاف: 11) ، وَمَعْنَاهُ: مَا مَنعك أَن تَسْجد.
قَالَ: وَالْقَوْل الثَّانِي، وَهُوَ عِنْدِي حَسن، قَالَ: أرى أَن تكون (لَا) غير لَغو، وَأَن يكون (الْبُخْل) مَنْصُوبًا بَدَلا من (لَا) . الْمَعْنى: أَبى جُوده لَا، الَّتِي هِيَ للبُخل، فكأنك قلت: أَبى جُوده الْبُخْل، وعجّلت بِهِ نَعم.
أيلول: وأَيْلول: اسْم الشَّهْر، أَحْسبهُ رُوميًّا.
إيلياء: وإيلياء: مَدِينَة بَيت الْمُقَدّس، وَمِنْهُم من يقصر فَيَقُول: إيليا؛ وكأنهما روميّان.
يليل: ويَلْيَل: اسْم جبل مَعروف فِي الْبَادِيَة.
ولول: وولول: اسْم سيفٍ كَانَ لعتّاب بن أَسِيد، وابنُه الْقَائِل يَوْم الْجمل:
أَنا ابْن عَتّابٍ وسَيْفي وَلْوَلْ
تلو: وَقَوله عزّ وجلّ: {أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ} (النِّسَاء: 134) .
قَرَأَ عَاصِم وَأَبُو عَمْرو: {وَإِن تَلْوُواْ} بواوين، من: لوى الْحَاكِم بقضيّته، إِذا دَافع بهَا.
وَأما قِرَاءَة من قَرَأَ (وَإِن تلوا) بواو وَاحِدَة، فَفِيهِ وَجْهَان:
أَحدهمَا: أنّ أَصله (تلووا) بواوين، كَمَا قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَعَاصِم، فأبدل من الْوَاو المضمومة همزَة، فَصَارَت تلْؤا، بإِسكان اللَّام، ثمَّ طُرحت الْهمزَة وطرحت حركتها على اللَّام، فَصَارَت: تلُو، كَمَا قيل فِي أَدوُر: أَدْؤر، ثمَّ طرحت الْهمزَة، فَقيل أدُر.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يكون (تلوا) من الْولَايَة، لَا من (الليّ) . وَالْمعْنَى أَن تلوا الشَّهَادَة فتُقيموها.
وَهَذَا كُله صَحِيح فِي قَول البصرييّن.
الْألف وَاللَّام
وَقَالَ ابْن الأنباريّ: العربُ تُدخل الْألف وَاللَّام على الفِعل المُسْتقبل على جِهَة الِاخْتِصَاص والحِكاية؛ وأَنْشد للفرزدق:
مَا أَنْت بالحَكم الْتُرْضَى شَهادَتُه
وَلَا الأصِيل ولاذي الرَّأْي والجَدَل
قَالَ: وأَنشد الفرّاء فِي مثله:
أخْفن اطِّنائي إِن سَكَتُّ وإنّني
لفي شُغل عَن ذَحْلها اليُتَتَبَّعُ
فَأدْخل الْألف وَاللَّام على (يتتبع) ، وَهُوَ فِعل مُسْتقبل، لما وَصَفنا.
ابْن هانىء، عَن أبي زيد، يُقَال: هَذَا اليَضرِبك، وَرَأَيْت اليضربك: يُرِيد: الَّذِي يَضربك. وَهَذَا الْوَضَع الشِّعر، يُرِيد: الَّذِي وَضع الشِّعْر؛ وَأنْشد الْمفضل:

(15/332)


يَقول الخَنا وأَبْغض العُجم ناطقاً
إِلَى ربِّنا صوتُ الحِمار اليُجَدَّعُ
يُرِيد: الَّذِي يُجَدَّع.

(آخر حرف اللَّام)

(15/333)