تهذيب اللغة

كتاب حرف النُّون
أَبْوَاب المضاعف مِنْهُ

(بَاب النُّون وَالْفَاء)
ن ف
(نف، فن: مستعملة) .
نف: أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أَحْمد بن مُحَمَّد، عَن مُحَمَّد بن عمرويه، عَن المُثنَّى، عَن المؤرِّج: نَفَفْتُ السَّوِيقَ وسَفِفْتُه، وَهُوَ النَّفِيف والسَّفيف، لِسَفِيف السَّويق؛ وَأنْشد لرجل من أَزْد شَنُوءة:
وَكَانَ نَصِيري مَعْشَراً فطَحَا بهم
نَفِيفُ السَّوِيق والبُطونُ النَّوافِقُ
وَقَالَ: إِذا عَظُم الْبَطن وارتفع المَعَدُّ، قيل لصَاحبه: ناتق.
اللَّيْث: النَّفْنَف: الْهَوَاء.
وكل شَيْء بَينه وَبَين الأَرْض مَهْوًى، فَهُوَ نَفْنف؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
ترى قُرْطَها من حُرّة اللِّيت مُشْرِفاً
على هَلَكٍ فِي نَفْنف يَتطوَّحُ
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: النَّفْنَف: مَهْواةُ مَا بَين كُلّ جَبَلَيْن.
ابْن شُميل: نَفانف الكَبِد: نَواحِيها.
ونَفانِف الدَّار: نواحِيها.
شَمِر، عَنهُ: صُقْع الْجَبَل، الَّذِي كأنّه جدارٌ مَبْنِيٌّ مُسْتَوٍ: نَفْنَف.
قَالَ: والنَّفْنف أَيْضا: أسناد الجَبل الَّتِي تَعْلوه مِنْهَا وتَهْبط مِنْهَا.
قَالَ: والركيّة من شَفتها إِلَى قَعْرِها: نَفْنَف.
ونفَانِف الجَبل لَا تُنبت شَيْئا، لِأَنَّهَا خشنة غَلِيظَة بعيدَة من الأَرْض.
ابْن الْأَعرَابِي: النَّفْنَف: مَا بَين أَعلى الْحَائِط إِلَى أَسْفَل، وَبَين السَّمَاء وَالْأَرْض، وَأَعْلَى البِئر إِلَى أَسْفَل.
فن: اللَّيْث: الفَنّ: الْحَال.
قَالَ: والفُنون: الضُّروب؛ يُقَال: رَعَينا فُنون النَّبات، وأَصبنا فُنون الأَمْوال؛ وَأنْشد:
قد لَبِسْت الدَّهْر من أَفْنانِه
كل فنَ ناعمٍ مِنْهُ حَبِرْ
قَالَ: والرجلُ يفنِّن الْكَلَام، أَي يشتقّ فِي فنَ بعد فَنّ.
قَالَ: والتفنُّن، فِعْلك.
قَالَ: والتَّفنين: فِعْلُ الثَّوْب إِذا بَلِي فَتَفَزَّر

(15/334)


بعضُه من بعض من غير تَشَقُّق.
قَالَ: والفَنَن: الغُصْن المُستقيم طُولاً وعرضاً؛ وَقَالَ العجاج:
والفَنَنُ الشّارِقُ والغَرْبِيّ
وَقَالَ عِكرمة فِي قَول الله جلّ وعزّ: {) تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ} (الرحمان: 48) .
قَالَ: ظِلّ الأغْصان على الحِيطان.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: فسّره بعضُهم، ذواتا أَغْصان؛ وفَسّره بعضُهم: ذواتا ألوان.
وَاحِدهَا حِينَئِذٍ: فَنّ وفَنَن، كَمَا قَالُوا: سَنٌّ وسَنَن، وعَنٌّ وعَنَن.
وَقَالَ غَيره: وَاحِد (الأفنان) بِمَعْنى (الألوان) فَنّ.
وَإِذا أردْت (الأغصان) ، فواحدها: فَنَن.
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: شَجَرَة فَنْواء: ذَات أفنان.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَكَانَ يَنبغي فِي التَّقْدِير: فَنّاء.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أَحْمد بن يحيى: شَجَرَة فنّاء وفَنْواء: ذَات أفْنان.
وَأما: شَجَرَة قَنْواء، بِالْقَافِ، فَهِيَ الطَّويلة.
وَفِي حَدِيث أهل الْجنَّة: مُرْدٌ مُكَحَّلون أولُو أفانِين.
يُرِيد: أولو شُعور وجُمَم.
وأفانين: جمع أفنان؛ وأفنان: جمع فَنَن، وَهُوَ الخُصْلة من الشّعر، شُبِّه بالغُصن؛ قَالَ الشَّاعِر:
يَنْفُضن أفنان السّبِيب والعُذَر
يصف الْخَيل ونَفْضها خُصل شَعر نَوَاصِيهَا وأَذنابها.
وَقَالَ المرّار:
أعلاقةً أمَّ الوَليد بعد مَا
أَفْنانُ رأسِك كالثَّغام المُخْلِسِ
يَعْنِي: خُصل جُمّة رَأسه حِين شَاب.
أَبُو زيد: الفَيْنان: الشَّعر الطَّوِيل الحَسن.
قلت: هُوَ (فيعال) من (الفنن) ، وَالْيَاء زَائِدَة.
وَيُقَال: فَنّن فلانٌ رَأْيَه، إِذا لَوّنه وَلم يَثْبت على رَأْي وَاحِد.
ورَجَلٌ مِفَنٌّ مِعَنٌّ: ذُو فُنون من الْكَلَام وَاعْتِرَاض وعنَن؛ وَأنْشد أَبُو زيد:
إنّ لنا لكَنَّهْ
مِعَنَّةٌ مِفَنَّهْ
أَبُو زيد: المُفَنِّنة: الْمَرْأَة الْكَبِيرَة السيِّئة الخُلق.
ورَجُلٌ مُفَنِّن.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: التَفْنين: البُقعة السَّخيفة السّمجة فِي الثَّوب الصَّفِيق، وَهُوَ عَيْب.
وَفِي قَول أبَان بن عُثْمَان: مَثَل اللَّحن فِي الرَّجُل السَّرِيّ كالتَّفْنين فِي الثَّواب.

(15/335)


ابْن الْأَعرَابِي: الأُفنون: الحَيّة. والأُفنون: الْعَجُوز المُسِنَّة. والأُفنون: الغُصن المُلتفّ. والأُفنون: الجَرْيُ المُختلط، من جَرْي الْفرس والناقة. والأُفنون: الْكَلَام المُثَبَّج، من كَلَام الهِلْبَاجَة.
وَالْعرب تَقول: كنت بِحَالَة حَسَنَة فَنَّةً من الدَّهْر، وفَيْنةً من الدَّهْر، وضَرْبةً من الدَّهر، أَي طَرفاً من الدَّهْر.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: الفَنّ: العَنَاء.
فَنَنْتُ الرَّجُلَ: أفُنّه فنًّا، إِذا عَنَّيْته؛ وَقَالَ الراجز:
لأَجْعَلَنْ لابْنة عمروٍ فَنًّا
حَتَّى يكونَ مَهْرُها دُهْدُنَّا
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: الفَنّ: الطَّرْدُ.
وَهُوَ يَفُنّ الإِبلَ.
ابْن هانىء، عَن أبي زيد: الفَنّ: المَطْل.
ابْن الْأَعرَابِي: فَنْفَن الرّجُل: إِذا فَرَّقَ إبلَه كسلاً وتوَانِياً.
أَبُو عُبَيد: اليَفَن: الكَبِير؛ وَقَالَ الأعْشى:
وَمَا إِن أرَى الدَّهْر فِيمَا مَضى
يُغادر مِنْ شَارِفٍ أَو يَفَنْ
ابْن الْأَعرَابِي: من أَسمَاء الْبَقَرَة: اليَفَنَة، والعَجوز، واللِّفْت، والطَّغْيَا.
اللَّيْث: اليَفَن: الشَّيخ الفاني.
وَقَالَ: (الْيَاء) فِيهِ أَصْلية.
وَقَالَ بعضُهم: بل هُوَ على تَقْدِير (يفعل) ، لأنّ الدَّهْر فنَّه وأَبْلاه.

(بَاب النُّون وَالْبَاء)
ن ب
(نب، بن: مستعملان) .
نب: اللَّيْث: نَبّ التَّيسُ يَنِبُّ نَبِيباً.
وَقَالَ عُمَرُ لِوَفْدِ أهل الكُوفة، حِين شَكَوا سَعْدا: ليكلِّمْني بعضُكم وَلَا تَنِبُّوا عِنْدِي نَبِيبَ التُّيُوس.
عَمْرو، عَن أَبِيه: نَبَّب الرَّجُل، إِذا هَذَى عِنْد الجِماع.
ونَبْنَب، إِذا طَوّل عَمَله وحَسَّنه.
بن: اللَّيْث: البَنَّة: ريحُ مَرابض الغَنَم والبَقر والظِّباء.
تَقول: أجد لهَذَا الثَّواب بَنَّة طَيِّبة من عَرْف تُفّاح أَو سَفَرْجل.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: البَنّة: الرِّيح الطيِّبة. وَجَمعهَا: بِنَان.
أَبُو حَاتِم، عَن الْأَصْمَعِي: (البَنَّة) ، تُقال فِي الرِّيح الطيِّبة وغَير الطيِّبة.
اللَّيْث: الإبْنان: اللُّزوم.
يُقَال: أَبَنَّت السَّحابةُ، إِذا لَزِمت ودامت.
أَبُو عبيد: أَبْنَنْت بِالْمَكَانِ: أَقمت بِهِ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
أبَنَّ بهَا عَوْدُ المبَاءة طَيِّبٌ

(15/336)


وَيُقَال: رَأَيْت حيًّا مُبِنًّا بمَكَان كَذَا، أَي مُقِيماً.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله تَعَالَى: {وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (الْأَنْفَال: 12) .
قَالَ: وَاحِد (البَنان) : بَنَانة.
وَمَعْنَاهُ هَاهُنَا: الْأَصَابِع وغَيْرها من جَمِيع الْأَعْضَاء.
قَالَ: وَإِنَّمَا اشْتقاق (البنان) من قَوْلهم: (أَبَنَّ) بِالْمَكَانِ.
والبَنان بِهِ يُعْتمل كُلّ مَا يكون للإقامة والحياة.
اللَّيْث: البَنان: أَطراف الْأَصَابِع من اليدَين والرِّجْلَين.
و (البَنان) فِي كتاب الله: الشَّوى، وَهِي الأَيدي والارْجُل.
قَالَ: والبَنانة: الإصبع الْوَاحِدَة؛ وأَنشد:
لَا هُمّ أَكْرمت بَني كِنَانَه
لَيس لِحَيَ فَوْقهم بَنَانَهْ
أَي لَيْسَ لأحد عَلَيْهِم فَضل قِيسَ إصْبع.
قَالَ: وبُنَانة: حيٌّ من اليَمن.
عَمْرو، عَن أَبِيه: البَنانة: الرَّوضة المُعْشِبة.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن أبي الهَيثم: البَنانة: الإِصْبَع كُلها.
وتُقال للعُقدة العُلْيا من الإصْبع؛ وأَنْشد:
يُبلّغنا مِنْهَا البَنانُ المُطَرَّفُ
والمُطرّف: الَّذِي طرِّف بالحِنّاء.
قَالَ: وكل مَفْصل: بَنانة.
عَمْرو، عَن أَبِيه: البَنْبَنَة: صَوت الفُحش والقَذَع.
ابْن الْأَعرَابِي: بَنْبَن الرَّجُل، إِذا تكلّم بِكَلَام الفُحش، وَهِي البَنْبَنة.
وأَنشد شَمر:
فَصَارَ ثَناها فِي تَمِيم وَغَيرهم
عَشِيّة يَأْتِيهَا بِبَنْبَان عِيرُها
يَعْنِي: مَاء لبني تَمِيم يُقَال لَهُ: بَنْبَان.
قَالَ: والتَّبْنين: التَّثْبيت فِي الْأَمر.
والبَنِين: المُتثبِّت العاقِل.
الْفراء: البِنّ: الطِّرْق من الشَّحم.
يُقال للدابة إِذا سَمنت: رَكبها طِرْق وبِنٌّ على بِنّ.
والبِنُّ: الْموضع المُنْتن الرّائحة.
ورُوي عَن عمر أَنه قَالَ: حَتَّى تَكُونُوا بَنَاناً وَاحِدًا.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ ابْن مَهدي: يَعْنِي شَيْئا وَاحِدًا.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَذَاكَ الَّذِي أَرَادَ عمر، وَلَا أَحسب الْكَلِمَة عربيّة، وَلم أسمعها إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث.

(بَاب النُّون وَالْمِيم)
ن م
نم، من: (مستعملان) .

(15/337)


نم: قَالَ اللَّيْث: النَّمِيمة، والنَّمِيم، هما الِاسْم.
والنَّعْت: نمّام.
والفِعل: نَمَّ يَنِمّ نَمًّا ونَمِيماً ونَمِيمةً.
قَالَ: والنَّمِيمة: صوتُ الكِتابة.
ويُقال: هُوَ وَسْواس هَمْس الكَلام؛ وَمِنْه قولُه:
ونَمِيمة من قانِصٍ مُتلبِّب
فِي كفّه جَشْءٌ أَجْشّ وأَقْطَعُ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: إِنَّه سمع مَا نَمّ على القانِص.
وَقَالَ غَيره: النَّميمة: الصوتُ الخفِيّ مِن حَرَكَة شَيْء أَو وَطْء قَدَم.
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: نَمّ يَنِمّ ويَنُمّ.
الفرّاء مِثله.
وَالْأَصْل بالضّم.
اللَّيْث: النّمْنَمة: خطُوط مُتَقاربة قِصَارٌ شِبْهَ مَا تُنَمْنِم الرِّيحُ دُقَاقَ التُّراب.
قَالَ: ولكُل وَشْي نَمْنَمَةٌ.
قَالَ: والنِّمْنمُ: البَياضُ الَّذِي يكون على أَظْفار الأحْداث.
الْوَاحِدَة: نِمْنِمة؛ قَالَ رُؤبة يصف قَوْساً رُصِّع مَقْبِضُها بسُيُور مُنَمْنَمة:
رَصْعا كَسَاها شِيَةً نَمِيمَا
أَي: نَقَشها.
وكتابٌ مُنَمْنَم: مُنَقَّش.
ابْن الأعرابيّ: النَّمةُ: اللّمْعة من بَياض فِي سَواد، أَو سَواد فِي بَياض.
والنِّمَة: القَمْلة.
من: قَالَ الله عزّ وجلّ: {وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ} (الْأَعْرَاف: 160) .
قَالَ اللَّيْث: المنّ كَانَ يَسْقط على بَنِي إِسْرَائِيل من السّماء، إِذْ هم فِي التِّيه، وَكَانَ كالعَسل الحامِس حلاَوةً.
وَقَالَ الزَّجّاج: جُملة (المنّ) فِي اللُّغة: مَا يَمُن الله بِهِ ممّا لَا تَعب فِيهِ وَلَا نَصَب.
قَالَ: وَأهل التَّفسير يَقُولُونَ: إنّ المنّ شَيْء كَانَ يَسْقط على الشّجر حُلْوٌ يُشْرب.
وَيُقَال: إِنَّه التُّرَنْجَبيِن.
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الكَمْأة من المَنّ) .
وَمعنى (المَنّ) مَا وَصفنَا: أَنه ممّا مَنّ الله بِهِ من غير تَعب.
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: الْمَعْنى فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الكمأةُ من المنّ) : إِنَّمَا شَبّهها بالمَنّ الَّذِي كَانَ يَسْقط على بني إِسْرَائِيل، لِأَنَّهُ كَانَ يسْقط على بني إِسْرَائِيل عفوا بِلَا عِلاج، إِنَّمَا يُصْحبون وهم بأَفْنِيَتهم فَيَتناولُونه، وَكَذَلِكَ الكَمأة لَا مَؤُونةَ فِيهَا بَبذرٍ وَلَا سَقْىٍ.
وأمّا قَول الله جلّ وعزّ: {لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالاَْذَى} (الْبَقَرَة: 264) ف (المَنّ) هَاهُنَا: أَن تَمُنّ بِمَا أَعْطيت وتعتدّ

(15/338)


بِهِ، كَأَنَّك إِنَّمَا تقصد بِهِ الاعْتداد. والأَذى: أَن تُوبِّخ المُعْطَى، فأَعْلم الله أنّ المَنّ والأذى يُبْطلان الصَّدقة.
قَالَ الله تَعَالَى: {فَاهْجُرْ وَلاَ تَمْنُن} (المدثر: 6) أَي: لَا تُعْطِ شَيْئا مُقدَّراً لتأخُذَ بِهِ مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ.
وَقَوله تَعَالَى: {الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ} (فصلت: 8) ، أَي لَا يُمَنّ بِهِ عَلَيْهِم.
وَقيل: غير مَقْطُوع.
قلت: فالمَنّ: الَّذِي يَسْقُط من السّماء. والمَنّ: الاعْتِداد. والمَنّ: العَطَاء. والمَنّ: القَطْع.
وَمن صِفَات الله تَعَالَى: المَنّان. وَمَعْنَاهُ: الْمُعْطِي ابْتِدَاء. وَللَّه المِنَّة على عباده وَلَا مِنّة لأحد مِنْهُم عَلَيْهِ.
عَمْرو، عَن أَبِيه: المَنين من الرِّجال: الضَّعِيف. والمَنين: الْقوي. وحَبْلٌ مَنِين، أَي أَخْلَق وتَقَطَّع؛ وأَنْشد:
وَلم تَخُنِّي عُقَدُ المَنِين
والمَنِين: الغُبَار. ويُقال للثَّوب الخَلق: مَنِين. والمُنَّة: القُوّة والمِنّة: العَطِيّة. والمِنّة: الاعْتِداد.
أَبُو عَمْرو: المَمْنُون: الضَّعِيف. والمَمْنون: القَوِيّ.
غَيره: المَنّ، لُغَة فِي (المَنَا) ، الَّذِي يُوزن بِهِ. وَجمعه: أَمْنان.
وَمن قَالَ (مَنَا) ، جمعَه: أَمْنَاء.
سَلمة، عَن الفَراء، عَن الْكسَائي، قَالَ: (من) تكون اسْما، وَتَكون جَحْداً، وَتَكون اسْتفهاماً، وَتَكون شرطا، وَتَكون معرفَة، وَتَكون نكرَة، وَتَكون للْوَاحِد، وَتَكون للاثنين، وَتَكون خُصُوصا، وَتَكون للإنْس وَالْمَلَائِكَة وَالْجِنّ، وَتَكون للبهائم إِذا خُلطت بغَيْرهَا.
وَأنْشد الفَرّاء فِيمَن جَعلها اسْما:
فَضَلوا الأنامَ ومَن بَرا عُبْدانَهُمْ
وبَنَوْا بمكَّة زَمْزَماً وحَطيما
قَالَ: مَوضِع (من) خَفض، لِأَنَّهُ قَسم، كَأَنَّهُ قَالَ: فَضَل بَنو هَاشم سَائِر النَّاس، وَالله الَّذِي بَرى عُبْدَانَهُمْ.
قلت: هَذِه الوُجوه الَّتِي ذكرهَا الْكسَائي مَوْجُودة فِي الْكتاب.
أما الِاسْم الْمعرفَة: فكقولك: والسّماء ومَنْ بناها. مَعْنَاهُ: وَالَّذِي بَناها.
والجَحد كَقَوْل الله تَعَالَى: {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} (الْحجر: 56) ، المَعْنى: لَا يَقْنَط.
والاستفهام كَقَوْلِك: مَن تَعْني بِمَا تَقول؟
وَالشّرط كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَعْمَالَهُمْ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} (الزلزلة: 7) فَهَذَا شَرط، وَهُوَ عَام.
وَمن الْجَمَاعَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً} (الرّوم: 44) .

(15/339)


وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ} (الْأَنْبِيَاء: 82) .
وأمّا الْوَاحِد، فَقَوله تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} (يُونُس: 42) .
وللاثنين كَقَوْلِه:
تَعالَ فإِنْ عاهَدْتَني لَا تَخونُني
تَكُنْ مِثْلَ من ياذِئبُ يَصْطَحِبَانِ
قَالَ الفَرّاء: ثنَّى (يصطحبان) وَهُوَ فعل ل (مَن) لأنّه نَواه ونَفْسه.
وَقَالَ فِي جَمِيع النِّسَاء: {اللَّهِ يَسِيراً وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً} (الْأَحْزَاب: 31) .
سَلمة، عَن الْفراء: تكون (من) ابْتِدَاء غَايَة، وَتَكون بَعْضًا، وَتَكون صِلَة.
قَالَ الله عز وَجل: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ} (يُونُس: 61) ، أَي: مَا يَعْزب عَن عِلمه وَزْنُ ذَرّة؛ وأَنشد لداية الْأَحْنَف فِيهِ:
واللَّه لولاَ حَنَفٌ بِرجْلِه
مَا كَانَ فِي فِتْيانِكم مِنْ مِثْلِه
قَالَ الْفراء: من (صلَة) هَاهُنَا.
قَالَ: وَالْعرب تدخل (مِن) على جَمِيع المَحالّ، إلاّ على اللاّم وَالْيَاء.
وتُدخل (من) على (عَن) ، وَلَا تدخل (عَن) عَلَيْهَا؛ لِأَن (عَن) اسْم، و (من) ، أَدَاة؛ قَالَ القَطاميّ.
مِن عَن يَمين الحُبَيَّا نَظْرةٌ قَبَلُ
أَبُو عُبيد: العربُ تَضع (مِن) مَوضِع (مُذْ) يُقال: مَا رَأَيْته من سنة، أَي مُذْ سنة؛ وَقَالَ زُهير:
لمن الدِّيار بقُنّة الحِجْر
أَقْوَيْن مِن حِجَجٍ ومِن دَهْرٍ
أَي: مُذ حِجَجٍ.
وَتَكون (من) بِمَعْنى: اللَّام الزَّائِدَة؛ قَالَ الشَّاعِر:
أَمِن آل لَيْلَى عَرَفْت الدِّيَارَا
أَراد: الْآل لَيْلى؟
وَتَكون (من) بِمَعْنى البَدل، قَالَ الله تَعَالَى: {للهإِسْرَاءِيلَ وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَائِكَةً فِى الاَْرْضِ يَخْلُفُونَ} (الزخرف: 60) . مَعناه: وَلَو شِئْنَا لجعلنا بدلكم.
وَقَالَ الفَراء: (المَنون) تُذكَّر وتُؤنث، فَمن ذكّره أَراد بهَا الدَّهر، وَمن أَنَّث أَراد بهَا المَنِية؛ قَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
أَمن المَنُون ورَيْبها تَتَوجَّعْ
قَالَ: والمَنون: الْمَرْأَة تَتَزَوّج على مَالهَا، فَهِيَ أبدا تَمُنّ على زَوْجها. وَهِي المّنانة أَيْضا.
وَقَالَ بعض الْعَرَب: لَا تَتَزوّجَنّ حنّانةً وَلَا مَنّانة.
أَبُو عَمْرو: المِنَنَةُ: العَنْكَبُوت.
وَلم يَبْق للثلاثيّ الصّحيح كلمة مُسْتعملة فِي حَرْف النُّون.

(15/340)