تهذيب اللغة
بَاب المعتل من حرف النُّون
ن ف (وَا يء)
نفى، ناف، فَنًّا، فان، إنف، ينف، أفن، وفن، فون، فنو، نفو، إفن.
ينف: يَنُوف: اسمُ جَبلٍ فِي الْبَادِيَة.
نفى: اللّيث: نَفَيْت الرَّجُلَ وغيرَه نَفْياً، إِذا طَرَدْته، فَهُوَ
مَنْفِيّ: قَالَ الله تَعَالَى: {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الاَْرْضِ}
(الْمَائِدَة: 33) .
قَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: مَن قَتله فَدَمُه هَدَرٌ، أَي لَا يُطالب
قاتلُه بدَمِه.
وَقيل: أَو يُنْفوا من الأَرْض: يُقاتلون حينما تَوجَّهوا مِنْهَا لَا
يُتْركون فارِّين.
وَقيل: نَفْيهم، إِذا لم يقْتلوا وَلم يأخُذوا مَالا، أَو يُخلَّدوا
فِي السِّجن، إِلَّا أَن يَتُوبوا قبل أَن يُقْدَر عَلَيْهِم.
ونَفْي الزَّاني الَّذِي لم يُحْصِن: أَن يُنْفَى من بَلَده الَّذِي
هُوَ بِهِ إِلَى بلد آخَر سنة.
وَهُوَ التَّغْرِيب الَّذِي جَاءَ فِي الحَديث.
ونَفْي المُخنَّث: أَن يُطرد من مُدن المُسلمين، كَمَا أَمر النبيّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَفْي هِيتٍ وماتع، وهما مُخَنّثان كَانَا
بالمَدينة.
ويُقال: نفيت الشَّيْء أَنْفِيه نَفْياً ونُفَاية، إِذا رَدَدْته.
والنُّفاية: المَنْفِيّ القَلِيل، مثل: البُراية والنُّحاتة.
ونَفِيُّ المَاء، مَا انْتَضح مِنْهُ إِذا نُزع من الْبِئْر بالدَّلو
والقِرَب؛ وَمِنْه قولُ الراجز:
كأنّ مَتْنَيْه من النَّفِيّ
من طُول إشْرافِي على الطَّوِيّ
مواقعُ الطّيْر على الصفيّ
وَهَذَا ساقٍ كَانَ أسود الجِلدة يَسْتَقِي من بِئْر مِلْح، فَكَانَ
يَبْيَضّ نَفِيّ المَاء على ظَهِره إِذا تَرَشَّش، لملُوحته.
أَبُو زيد: النِّفْية، والنِّفْوة، هما اسْم مَا نُفي من شَيْء
لِردَاءته.
ابْن شُميل: يُقَال للدائرة الَّتِي فِي قُصاص الشَّعر: النَّافِية؛
وقُصاص الشَّعر: مُقَدَّمه.
ابْن الْأَعرَابِي: النَّفِيّة، والنُّفْيَة: سُفرة مُدوَّرة تُتخذ من
خُوص النَّخْل.
وعوام النَّاس بالحجازِ يسمّونها: النَّبِيّة، وَهِي النَّفيّة.
اللحياني: النَّفِيّ والنَّثِيّ، هُوَ مَا نَفاه الرِّشاءُ مِن المَاء.
قَالَ: والفَنَا والثَّنا: فِناء الدَّار.
اللَّيْث: نَفِيّ الرِّيح: مَا نَفى من التُّرَاب فِي أُصول الحِيطان
وَنَحْوه.
(15/341)
وَكَذَلِكَ: نفيّ المَطر؛ ونَفِيّ القِدْر.
أَبُو عُبيد: نَفَى الرجلُ عَن الأَرض.
ونَفَيْته أَنا؛ وَقَالَ القُطاميّ:
فأصْبح جاراكُم قَتِيلاً ونافِياً
أَصَمّ فَزَادوا فِي مَسامعه وَقْرَا
وَقَالَ اللَّيْث نَحْوَه.
يُقال: نَفَى الشيءُ يَنْفى نَفْياً، أَي تَنَحّى.
وَمن هَذَا يُقال: نَفَى شَعَرُ فلَان يَنْفِي، إِذا ثار واشْعانّ؛
وَمِنْه قَول مُحَمَّد بن كَعْب القُرظيّ لعمر بن عبد الْعَزِيز حِين
استُخْلف فَرَآهُ شَعِثاً، فأدام النّظر إِلَيْهِ؛ فَقَالَ لَهُ عمر:
مَا لَك تديم النّظر إليّ؟ فَقَالَ: أنظر إِلَى مَا نَفَى من شَعرك،
أَي ثار وشَعِث.
وَيُقَال: انْتَفَى فلانٌ من وَلَده، إِذا نَفاه عَن أَن يكون لَهُ
ولدا.
وانْتفى فلانٌ من فلانٍ، وانْتَفل مِنْهُ، إِذا رَغِب عَنهُ أَنَفاً.
وانْتفى شَعرُ الإِنسان، ونفَى، إِذا تساقط.
وانتفى ورقُ الشّجر، إِذا تساقط.
ونَفَيان السَّحاب: مَا نَفَى من مَائه فأَسَاله؛ وَقَالَ سَاعِدَة
الهُذليّ:
يَقْرُو بِهِ نَفيانُ كُلِّ عشيّة
فالماءُ فَوق مُتونه يَتصبَّبُ
وَأما نَفيان السَّيْل، فَهُوَ مَا فاض من مُجتمعه كَأَنَّهُ يجْتَمع
فِي الْأَنْهَار والإخاذات، ثمَّ يَفيض إِذا مَلأها، فَذَلِك
نَفَيانهُ.
الْأَصْمَعِي: النَّفأ من النَّبت: القِطَع المتفرِّقة. واحدتها:
نُفْأة.
ناف: ناف، وأناف، إِذا أَشْرَف.
وَمن (ناف) يُقَال: هَذِه مِئة ونَيِّف، بتَشديد الْيَاء، أَي
زِيَادَة.
وعوامّ النَّاس يخفّفون وَيَقُولُونَ: ونَيْف، وَهُوَ لَحن عِنْد
الفُصحاء.
وَقَالَ أَبُو العبّاس: الَّذِي حَصَّلناه من أقاويل حُذّاق
البَصرِّيين والكوفيين أَن (النَّيِّف) من وَاحِدَة إِلَى ثَلَاث.
قَالَ: والبِضْع، من أَربع إِلَى تِسْع.
وَيُقَال: نَيَّف فلانٌ على السِّتِّين وَنَحْوهَا، إِذا زَاد
عَلَيْهَا.
اللَّيْث: يُقَال: أنافت هَذِه الدَّرَاهِم على مئة، وأناف الْجَبَل؛
وأناف البِناء.
فَهُوَ جَبَلٌ مُنِيف.
وَبِنَاء مُنِيف، أَي طَوِيل.
وناقة نِياف، وجَمل نِيَافٌ، أَي طَوِيل فِي ارْتِفَاع.
قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول: جمل نَيَّاف، على (فَيْعال) إِذا ارْتَفع
فِي سَيْره؛ وأَنْشد:
يَتْبعن نيّاف الضّحى عَزاهِلاَ
ويُروي: زيّاف الضُّحى، وَهُوَ عِنْدِي أصَحّ.
ابْن الْأَعرَابِي: النَّوْف: السَّنام العالي. وَبِه
(15/342)
سُمِّي نَوْفٌ البِكَالِيّ.
قَالَ: والنَّوْف: بُظارة الْمَرْأَة.
ويُقال لكل شَيْء مشرف على غَيره: إِنَّه لمُنِيف؛ قَالَ طرفَة يصف
الْخَيل:
وأنافتْ بهَوَادٍ تُلُعٍ
كَجذوعٍ شُذِّبت عَنْهَا القُشُرْ
وَمِنْه يُقال: عشرُون ونَيِّف، لِأَنَّهُ زَائِد على العَقْد.
وَكَذَلِكَ: ألْف ونَيِّف.
وَلَا يُقال: نَيِّف، إِلَّا بَعد كُل عَقْد.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: النَّيِّف، الفَضْل.
يُقال: ضَع النَّيِّفَ فِي مَوْضعه.
وَقد نَيَّف العددُ على مَا تَقُول.
المؤرّج: النَّوْف: المَصّ من الثَّدْي.
والنَّوْف: الصَّوْت.
يُقَال: نافت الضَّبُعة تَنُوف نَوْفاً.
قلت: وَهَذَانِ الحرفان لَا أَحفظهما، وَلَا أَدْرِي من رَوَاهُمَا
عَنهُ.
أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: نَئِف يَنْأَف، إِذا أَكل. ويَصْلُح فِي
الشُّرب.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: نَئِف فِي الشَّراب إِذا ارْتوى.
فين: الْكسَائي وَغَيره: الفَيْنة، الْوَقْت من الزَّمان.
قَالَ: وَإِن أخذت قَوْلهم، شَعَر فَيْنان، من (الفَنَن) ، وَهُوَ
الغُصن، صَرَفته فِي حَالي المَعرفة والنكرة، وَإِن أَخَذته من
(الفَيْنة) ، وَهُوَ الْوَقْت من الزَّمَان، ألحقته بِبَاب: فَعْلان
وفَعْلانة، فصرفْته فِي النكرَة، وَلم تَصْرفه فِي الْمعرفَة.
أَبُو زَيد: يَقال: إِنِّي لآتي فلَانا الفينةَ بعد الفَيْنة، أَي
آتِيه: الحِين بعد الْحِين، وَالْوَقْت بعد الْوَقْت، وَلَا أَريم
الِاخْتِلَاف إِلَيْهِ.
فَنًّا: اللَّيْث: الفَنَاء: نقيض البَقَاء، والفِعْل: فَنَى يَفْنَى
فَنَاءً، فَهُوَ فانٍ.
غَيره: فَنِي الرَّجُلُ يَفْنَى، إِذا هَرم وأَشْرف على المَوْت؛
وَقَالَ لَبيد يَصف الإنسانَ وفَنَاءه:
حبائِلُه مَبْثوثةٌ بِسَبِيله
ويَفْنَى إِذا مَا أَخْطأته الحَبائِلُ
أَي: يَهْرم فَيَمُوت، لَا بُد مِنْهُ، إِذا أخطأته أسبابُ المَنايا
فِي شبِيبته وَقبل هَرَمه.
الفِناء: سَعةٌ أمَام الدَّار. وَجمعه: الأَفْنِية.
ابْن الْأَعرَابِي: بهَا أفْناء من النَّاس وأَعْناء، أَي أَخْلاط.
الْوَاحِد: عِنْوٌ، وفِنْوٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو الهَيْثم: يُقال: هَؤُلَاءِ من أفْناء
النَّاس. وَلَا يُقال فِي الْوَاحِد: رجُلٌ من أَفناء النَّاس.
وَتَفْسِيره: قوم من هَاهُنَا وَهَاهُنَا نُزَّاعٌ.
(15/343)
وَلم نَعْرف لَهَا وَاحِدًا.
أَبُو عَمْرو: شَجَرَة فَنْواء: ذَات أَفَنانٍ.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: الفَنَاء، مَقْصور: عِنَبُ الثَّعْلَب.
ويُقال: نَبْت آخر؛ وَقَالَ زُهَيْر:
كأنّ فُتات العِهْنِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ
نَزَلْن بِهِ حَبُّ الفَنا لم يُحَطَّم
ابْن الْأَعرَابِي: أَنْشد قَول الراجز فِي صِفة راعي غَنَم:
صُلْب العَصَا بالضَّرْبِ قد دَمَّاها
يَقُول لَيْت اللَّه قد أَفْنَاهَا
فِيهِ مَعْنيان:
أَحدهمَا: أنّه جَعل عَصاه صُلْبة، لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى تَقْويمها،
ودَعا عَلَيْهَا فَقَالَ: لَيْت ربِّي قد أَهْلكها ودمّاها، أَي سَيّل
دَمَها بالضَّرب لخِلافها عَلَيْهِ.
وَالْوَجْه الثَّانِي فِي قَوْله (صُلب الْعَصَا) أَي لَا تُحوجه إِلَى
ضربهَا، فَعَصَاهُ بَاقِيَة. قَوْله (بِالضَّرْبِ قد دَمّاها) ، أَي:
كساها السِّمَن، كَأَنَّهُ دَمَّمَها بالشَّحْم، لِأَنَّهُ يُرَعِّيها
كُلّ ضَرب من النَّبات.
وَأما قَوْله (لَيْت الله قد أفناها) ، أَي: أَنْبت لَهَا الفَنَا،
وَهُوَ عِنَب الثَّعلب حَتَّى تَغْزُر وتَسْمَن.
قَالَ: والأفاني: نَبْت أصْفر وأحمر.
واحدته: أفَانِية.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: وَإِذا يَبس الأفاني، فَهُوَ الحَمَاط.
قلت: هَذَا غَلط، لِأَن (الأفاني) : نَبْت من ذُكور البَقْل، وَإِذا
يَبِس تناثر وَرَقُه.
وَأما الحَماط، فَهُوَ الحَلَمة وَلَا هَيْج لَهَا، لِأَنَّهَا من
الْجَنْبة.
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: الفَنَاة: البَقَرة.
وَجَمعهَا: فَنَوات.
قَالَ: وَقَالَ الأمويّ: فانَيْتُه، أَي سَكَّنْتُه.
غَيره: المُفاناة: المُداراة؛ وأَنْشد:
كَمَا يُفَانِي الشُّمُوسَ رائِدُها
أَبُو تُرَاب، عَن أبي السَّمَيْدع: بَنو فلَان مَا يُعانُونُ مالَهم
وَلَا يُفَانُونه، أَي مَا يقومُونَ عَلَيْهِ وَلَا يُصْلِحونه.
أفن: أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: المَأفون، والمأفوك، جَمِيعًا، من
الرِّجال: الَّذِي لَا زَوْرَ لَهُ وَلَا صَيُّور، أَي: لَا رأيَ لَهُ
يُرْجَع إِلَيْهِ.
وَأَخْبرنِي أَبُو الْحسن المَزنيّ، عَن أَحْمد ابْن يحيى، أَنه قَالَ:
وُجْدان الرَّقِين تُعَفِّي عَن أَفْن الأَفِين. مَعْنَاهُ: أَن
الرَّقين يَسْتر حُمْق الأحْمق.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: أفَنْتُ الإبلَ أفْنَاً، إِذا حَلَبْت
كُلّ مَا فِي ضَرْعها؛ وأَنْشَد للمُخبَّل:
(15/344)
إِذا أُفِنَت أَرْوى عِيالَك أَفْنُها
وَإِن حُيِّنتْ أَرْبى على الوَطْب حِينُها
والتَّحْيين: أَن تُحْلب فِي كل يَوْم وَلَيْلَة مرّة وَاحِدَة.
قلت: وَمن هَذَا قيل للأحمق: مأفون، كَأَنَّهُ نُزع عَنهُ عَقْلُه
كُلّه.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأفْن: نَقْص اللَّبَن.
ويُقال: مَا فِي فلانٍ آفِنةٌ، أَي خَصْلة تَأْفِن عَقْله؛ وَقَالَ
الكُمَيْت يمدح زِيَاد بن مَعْقِل الأسَدِيّ:
مَا حَوَّلَتْك عَن اسْم الصِّدْق آفِنَةٌ
من العُيُوب وَمَا نَبّرْت بالسَّبَبِ
يَقُول: مَا حوَّلتك عَن الزِّيَادَة خصْلَة تنْقُصك، وَكَانَ اسْمه
زياداً.
أَبُو زيد: أُفِن الرجلُ يُؤْفَن أفْناً، فَهُوَ مَأفون، وَهُوَ
الَّذِي لَا خَيْر فِيهِ.
أنف: اللَّيْث: الأَنْف، مَعْرُوف. وَجمعه: أُنوف.
ورَجلَ حَمِيّ الأنْف، إِذا كَانَ أنِفاً يَأَنَف أَن يُضَام.
وَقد أَنِف يَأْنَف أَنَفاً وأَنَفَةً.
وَفِي الحَدِيث: كالجَمل الأنِف.
قَالَ أَبُو عُبيد: هُوَ الَّذِي عَقر أنْفَه الخِطَامُ.
وَإِن كَانَ من خِشَاش أَو بُرَة أَو خِزَامة فِي أَنفه، فَهُوَ لَا
يَمْتنع على قائده فِي شَيْء، للوَجع الَّذِي بِهِ.
قَالَ: وَكَانَ الأَصْل فِي هَذَا أَن يُقال لَهُ: مأنُوف، لِأَنَّهُ
مَفْعول بِهِ.
كَمَا يُقَال: مَصْدور ومَبْطون، للَّذي يَشتكي صَدْره أوْ بَطْنه.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الأنِفُ: الذَّلُول.
وَلَا أرى أصْله إِلَّا من هَذَا.
الفَرّاء: أنَفْت الرَّجُلَ: ضربتُ أنْفَه.
وأَنَفه الماءُ، إِذا بَلَغ أنْفَه.
وَقَالَ بعض الكِلابيّين: أنِفَت الإبلُ، إِذا وَقع الذُّبَابُ على
أُنوفها وطَلَبت أماكِنَ لم تكن تَطْلُبها قبل ذَلِك.
وَهُوَ الأنَفُ، والأنفُ يُؤْذيها بالنَّهار؛ وَقَالَ مَعْقِل بن
رَيْحان:
وقَرِّبُوا كُلّ مَهْري ودَوسَرَةٍ
كالفَحْلِ يَقْدَعُها التَّفْقِيرُ والأنَفُ
وَقد أنِف البَعِيرُ الكَلأ، إِذا أجَمَه.
وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة، والناقة وَالْفرس، تَأَنَف فَحْلَها، إِذا
تبيّن حَمْلُها فكرهَتْه؛ وَقَالَ رُؤْبة:
(15/345)
حَتَّى إِذا مَا أنِفَ التّنُّومَا
وخَبَطَ العِهْنَةَ والقَيْصُومَا
ابْن الْأَعرَابِي: أنِفَ: أجَم؛ ونَئِف: كَرِه؛ قَالَ ذُو الرُّمّة:
رَعَتْ بارِضَ البُهْمَى جَمِيماً وبُسْرَةً
وصَمْعَاء حَتَّى آنَفَتْها نِصَالُها
أَي: صيّرت النِّصالُ هَذِه الإبلَ إِلَى هَذِه الحالةَ تَأْنف رَعي
مَا رَعَتْه، أَي تَأْجِمه.
وسمعتُ أعرابيًّا يَقُول: أنِفَتْ فرسي هَذِه الْبَلدة، أَي اجْتَوت
كَلأها فهُزِلَت.
ابْن السِّكيت: رَجُلٌ أُنَافِيٌّ: عَظِيم الأنْف.
وَقَالَ: أنَفَت الإبلُ، إِذا وَطِئت كلأً أُنُفاً، وَهُوَ الَّذِي لم
يُرْعَ. يُقَال: رَوْضَةٌ أُنُف.
وكأس أُنُف: لم يُشْرب بهَا قبل ذَلِك؛ كأنّه استُؤْنِف الشُّرْبُ
بهَا.
وأَنَفْتُه، إِذا ضربتَ أنْفَه.
وَيُقَال: هاج البُهْمَى حَتَّى آنَفَتِ الرَّاعيةَ نِصَالُها،
وَذَلِكَ أَن يَيْبَس سَفَاها فَلَا تَرْعاها الإبلُ وَلَا غيرُها،
وَذَلِكَ فِي آخر الحَرّ، فَكَأَنَّهَا جعَلتْها تأنف رَعْيها، أَي
تَكْرهه.
وَيُقَال: ائْتَنفتُ الأمْرَ، واستأنفته، إِذا اسْتَقْبَلته.
وَهُوَ من: أنْف الشَّيْء.
وأَنْف كُلّ شَيْء: أوَّلُه.
يُقال: هَذَا أَنْف الشدّ، أَي أوّله.
وأنف الْبرد: أوّلُه.
وأنف المطرِ: أول مَا أَنْبت؛ وَقَالَ امْرُؤ القَيس:
قد غَدا يَحْملني فِي أَنْفِه
لاحِقُ الأيْطل مَحْبُوكٌ مُمَرّ
وأَنّف خُفّ البَعير: طَرف مَنْسمه.
ابْن السّكيت: أَنْف الجَبل: نادِرٌ يَشْخَص مِنْهُ.
وأنْف الناب: طرفُه حِين يَطْلُع.
وأنْف الْبرد: أشدّه.
وأنْف الشّد: أَشَدّه.
وَالْعرب تُسمِّي (الْأنف) : أنفان؛ وَقَالَ ابنُ أَحْمَر:
يَسُوف بأَنْفَيْه النِّقاع كأنَّه
عَن الرَّوْض من فَرْط النَّشَاط كَعِيمُ
أَبُو زيد: أَنِفْت من قَوْلك أشَدَّ الأنَف، أَي كَرِهتُ مَا قُلْت
لي.
ابْن الْأَعرَابِي: الأَنْف: السيّد.
وَقَالَ فِي قَول الله جَلّ وعزّ: {الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ} (مُحَمَّد:
16) ، أَي: مُذْ سَاعة.
وَقَالَ الزجّاج: أَي: مَاذَا قَالَ السَّاعَة.
قَالَ: وَمعنى (آنِفا) ، من قَوْلك: استأنفتُ الشَّيْء، إِذا
ابْتدأتَه.
فَالْمَعْنى: مَاذَا قَالَ فِي أوّل وَقْتٍ يَقْرُب منَّا.
اللَّيْث: أتيت فلَانا آنِفا، كَمَا تَقول: من
(15/346)
ذِي قُبُل.
وَقَالَ غيرُه: أَنَّف فلانٌ مالَه تأنيفاً، وآنَفها إينافاً، إِذا
رَعاها أُنُف الكَلأ؛ وأَنشد:
لستُ بِذِي ثَلَّة مُؤَنَّفةٍ
آقِط ألبانَها وأَسْلَؤُها
وَقَالَ حُميد الأرْقط:
ضَرائِرٌ لَيْسَ لهنّ مَهْرُ
تَأَنِيفهنّ نَفَلٌ وأَفْرُ
أَي: رَعْيُهنّ الكَلأ الْأنف، هَذَانِ الضربان من الْعَدو والسَّير.
ويُقال: أَرض أَنِيفة، إِذا بَكَّر نباتُها.
وَهَذِه آنَفُ بِلَاد الله، أَي: أَسْرعها نَبَاتاً.
الْأَصْمَعِي: رَجُلٌ مِئْنَافٌ: يُرَعِّي مالَه أُنُفَ الكَلأَ.
ويُقال للْمَرْأَة إِذا حمَلت فَاشْتَدَّ وَحَمُها وتَشَهّت على
أَهلهَا الشيءَ بعد الشَّيْء: إِنَّهَا لتتأنَّف الشّهواتِ تأنُّفاً.
وَيُقَال للحديد الليِّن: أَنِيفُ وأَنِيث.
وَيُقَال: فلانٌ يَتَّبع أَنْفَه، إِذا كَانَ يَتشمَّم الرَّائِحَة
فَيَتْبعها.
وَإِذا نَسبوا إِلَى بني أنف النَّاقة، وهم بَطْن من بني سَعْد بن زَيد
مَنَاة، قَالُوا: فلانٌ الأنْفيّ، سُمُّوا: أَنْفِيّين، لقَوْل
الحُطيئة لَهُم:
قومٌ همُ الأنفُ والأذنابُ غَيْرُهُم
وَمن يُسوِّى بأنْف النَّاقة الذَّنَبَا
وفن: ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَفْنَة: القِلّة فِي كُل
شَيْء.
والتّوفُّن: النَّقْص فِي كُل شَيْء.
فون: وَقَالَ: التّفَوُّن: البَركة وحُسْن النَّمَاء.
فنو: والفَنْوة: الْمَرْأَة العربيّة.
وأَفْنى الرَّجُلُ، إِذا صَحِب أَفْناء النَّاس.
نفو: النّفْوة: الخَرْجَة من بَلد إِلَى بَلد.
افن: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أتَيْتُه على إفّان ذَلِك، وقِفّان ذَلِك،
وغِفّان ذَلِك، أَي على حِين ذَلِك.
قَالَ: والغَين، فِي بَني كِلاب.
(بَاب النُّون وَالْبَاء)
ن ب (وَا يء)
نبأ، نَاب، أنب، وبن، بني، بَان، أبن.
وبن: اللِّحياني: مَا فِي الدَّار وابِنٌ، أَي مَا فِيهَا أحد.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَبْنة: الأذَى.
والوَبْنة: الجَوْعَة.
أنب: وَقَالَ: الأناب: ضَرْبٌ مِن العِطْر يُضاهي المِسْك؛ وأَنْشد:
فَعُلّ بالعَنْبر والأَنَابِ
كَرْماً تَدَلَّى مِن ذَرَى الأعْنَابِ
يعْنى: جَارِيَة تَعُلّ شَعَرها بالأناب.
(15/347)
قَالَ: والأنَب: الباذِنْجان.
ابْن السِّكيت: أنَّب فلانٌ فلَانا، إِذا عَنَّفه، تَأْنِيباً.
غَيره: التّأنيب، والتَّوبيخ، والتَّثْريب: أَشد العَذْل.
اللَّيْث: الأُنْبُوب: مَا بَين العُقْدتَين فِي القَصب والقَنَاة.
وأَنُبوب القَرْن: مَا فَوق العُقد إِلَى الطَّرف؛ وأَنْشد:
بسَلِبٍ أُنْبوبه مِدْرَى
قَالَ: وَيُقَال لأَشراف الأَرض إِذا كَانَت رَقَاقاً مُرْتفعة:
أنَابيب؛ وَقَالَ العجّاج يَصف وُرود العَيْر الماءَ:
بكُلّ أُنْبوب لَهُ امْتِثالُ
وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
إِذا احْتَقّت الأَعْلامُ بالآل والْتَقَتْ
أَنابيبُ تَنْبُو بالعُيون العَوارِفِ
أَي: تُنكرها عَين كَانَت تَعْرفها.
الْأَصْمَعِي: يُقال: الْزم الأُنْبُوب. وَهُوَ الطَّريق.
والزم المَنْحَر، وَهُوَ القَصْد.
نبا: أَبُو زيد: نَبا: ارْتفع.
وربَا الْخُرَاج ونَبا، إِذا وَرِم.
اللَّيْث: نَبا بَصره عَن الشَّيْء نُبُوًّا، ونَبْوةً، مرّةً
وَاحِدَة.
ونَبا السَّيْفُ عَن الضَّريبة، إِذا لم يَحِكْ فِيهَا.
ونَبا فلانٌ عَن فلانٍ، إِذا لم يَنْقَد لَهُ.
ونَبا بفلان منزلُه، إِذا لم يُوافقه، وأَنْشد:
وإِذا نَبا بك مَنْزِلٌ فَتَحوَّل
وَإِذا لم يَسْتمكن السَّرْجُ أَو الرَّحْل على الظَّهر، قيل: نَبَا؛
وأَنشد:
عُذَافِرُ يَنْبو بأَحْناء القَتَبْ
ابنُ بُزرْج: أَكَل الرَّجُلُ أَكْلَةً إِن أَصْبح مِنْهَا لَنَابِياً.
وَلَقَد نَبَوْت من أَكْلَةٍ أَكلتُها، أَي سَمِنْت مِنْهَا.
وأَكل أَكلةً ظَهر مِنْهَا ظَهْرهُ، أَي سَمِن مِنْهَا.
ابْن شُميل: نَبا بِي فلانٌ، إِذا جَفانِي.
والنَّبْوة: الجَفْوة.
ويُقال: فلانٌ لَا يَنْبُو فِي يدَيك إنْ سأَلْته، أَي لَا يَمْنَعك.
ونَبت بِي تِلْكَ الأرْضُ، أَي لم أَجد بهَا قَراراً.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّبْوة: الارْتفاع. والنَّبْوة:
الجَفْوة. والنَّبْوة: الْإِقَامَة.
ابْن السِّكيت: النَّبِيّ، هُوَ: مَن أنْبأ عَن الله، فَترك هَمزه.
(15/348)
قَالَ: وَإِن أَخَذته من (النَّبْوة) و
(النَّباوة) ، وَهِي الِارْتفَاع من الأَرْض لارْتِفَاع قدره
وَلِأَنَّهُ شَرف على سَائِر الْخلق، فأصله غير الهَمز.
وَقَالَ فِي قَول أَوْس بن حَجَر:
لأَصْبح رَتْماً دُقاقَ الحَصى
مكانَ النَّبِيّ من الكاثِبِ
قَالَ: النَّبي: الْمَكَان المُرتفع. والكاثب: الرمل المُجْتمع.
وَقيل: النَّبِيّ: مَا نَبا من الحِجارة إِذا نَجَلتها الحَوافر.
وَقَالَ الْكسَائي: النَّبِيّ: الطَّريق.
والأَنبياء: طُرق الهُدى.
وَقَالَ الزجّاج: الْقِرَاءَة المُجْتمع عَلَيْهَا فِي (النَّبيين) و
(الْأَنْبِيَاء) طَرْح الْهمزَة، وَقد همز جماعةٌ من أَهل الْمَدِينَة
جَميع مَا فِي القُرآن من هَذَا، واشتقاقه من (نبأ) و (أنبأ) ، أَي
أخبر.
قَالَ: والأجود ترك الْهَمْز، لِأَن الِاسْتِعْمَال يُوجب أَن مَا
كَانَ مهموزاً من (فعيل) فَجَمعه: فعلاء، مثل: ظَريف وظُرفاء.
فَإِذا كَانَ من ذَوَات الْيَاء فَجمعه (أفعلاء) ، نَحْو: غَنِيّ
وأغنياء، ونبيّ وأنبياء، بِغَيْر همز.
فإِذا همزت، قلت: نبيء ونُبَآء، كَمَا تَقول فِي الصَّحِيح، وَهُوَ
قَلِيل.
قَالُوا: خَمِيس وأَخمساء، ونَصيب وأَنصباء.
فَيجوز أَن يكون (نَبِي) من (أنبأت) مِمَّا تُرك همزه لِكَثْرَة
الِاسْتِعْمَال.
وَيجوز أَن يكون من: نبا ينبو، إِذا ارْتَفع، فَيكون (فعيلا) من
(الرِّفعة) .
قَالَ أَبُو معَاذ النَّحويّ: سَمِعت أَعرابيًّا يَقُول: من يدُلني على
النَّبِيّ؟ أَي الطّريق.
حَدثنَا ابْن منيع: قَالَ: حَدثنَا عليّ بن سهل، عَن أبي سَلمة
التَّبوذكيّ. قَالَ: سَمِعْت أَبَا هِلَال يَقُول: مَا كَانَ
بِالْبَصْرَةِ رجُلٌ أعلم من حُميد بن هِلَال، غَير أنّ النَّباوة
أضَرَّت بِهِ.
قلت: كَأَنَّهُ أَرَادَ: أنّ طَلب الشَّرف أضَرّ بِهِ.
والنَّباوة: موضعٌ بِالطَّائِف أَيْضا، مَعْرُوف: وَفِي الحَدِيث:
خَطَب النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا بالنّبَاوة من
الطَّائِف.
وَمن مهموزه
نبأ: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: نَبَأتُ على القَوم أَنْبَأُ نَبْئاً،
إِذا طَلعت عَلَيْهِم.
ويُقال: نَبَأْتُ من أرضٍ إِلَى أَرض أُخرى، إِذا خرجت مِنْهَا
إِلَيْهَا؛ قَالَ عَديّ بن زيد يَصِف فرسا:
(15/349)
وَله النَّعْجةُ المَرِيّ تُجاه الرَّ
كْبِ عِدْلاً بالنَّابِىء المِخْرَاقِ
أَرَادَ ب (النابىء) : الثور، خرج مِن بَلدٍ إِلَى بَلد.
اللَّيْث: النَّبأ: الخَبر. وإنّ لفُلَان نَبأ، أَي خَبرا.
والفِعل: نبّأته، وأَنْبأته، واسْتَنْبَأْته.
والجَميع: الأَنْبَاء.
قَالَ اللّيث: والنَّبْأة: الصَّوتُ لَيْسَ الشّديد؛ وَأنْشد:
آنَسَتْ نَبْأةً وأَفْزعها القَنَّ
اصُ قَصْراً وَقد دَنا الإمْسَاءُ
أردْت: آنست صاحبَ نَبْأة.
ويُقال: نَابأْت الرَّجُلَ ونَابأنِي، إِذا أَخبرتُه وأَخبرك؛ قَالَ
ذُو الرُّمة يَهْجو قوما:
زُرْقُ العُيون إِذا جاوَرْتَهم سَرَقُوا
مَا يَسْرِقُ العَبْدُ أَو نَابأْتَهم كَذَبُوا
وَقيل: نابأتهم: تركتُ جِوارهم وتباعَدْتُ عَنْهُم.
وَيُقَال: تنبّأ الكذّاب، إِذا ادّعَى النُّبوة. وَلَيْسَ بنبيّ، كَمَا
تَنَبّأ مُسَيْلِمة الكذّاب وَغَيره من الدجَّالين الكذَّابين
المُتنبِّئين.
وَقَول الله تَعَالَى: {أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ
عَلَيْهِمُ الاَْنبَآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ} (الْقَصَص: 66) .
قَالَ الفَرَّاء: يَقُول الْقَائِل: قَالَ الله تَعَالَى: {الْيَوْمَ
مُسْتَسْلِمُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى} (الصافات: 27) كَيفَ
قَالَ هَاهُنَا: {الاَْنبَآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ} ؟ قَالَ أهل
التَّفسير: إِنَّه يَقُول: عَمِيت عَلَيْهِم الْحُجَج يَوْمئِذٍ
فَسَكَتُوا، فَذَلِك قَوْله: {الاَْنبَآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ} .
قلت: الحُجَج أنباء، وَهِي جمع (النبأ) ، لِأَن الْحجَج أنباء عَن الله
تَعَالَى.
نيب نوب: اللَّيْث: النَّاب: مُذكَّر، من الْأَسْنَان؛
وَالْجمع: أنْياب. والناب: الناقةُ المُسِنّة. ويُجمع: نِيَباً
وأنْياب.
والناب: سَيِّد الْقَوْم وكبيرُهم.
والنائبة: النازِلة.
يُقَال: نَاب هَذَا الأمرُ نوبَة: نَزَل.
ونابَتْهم نوائبُ الدَّهْر.
وناب عنّي فلَان فِي هَذَا الْأَمر نِيابةً، إِذا قَامَ مقامَك.
وأناب فلانٌ إِلَى الله إنابة، فَهُوَ مُنيب، إِذا تَابَ وَرجع إِلَى
الطَّاعَة.
وتَناوَبْنا الخَطْبَ والأَمْرَ نَتناوبه، إِذا قُمْتُما بِهِ نَوْبةً
بعد نَوبة.
وانتاب الرَّجُل القَوْم، إِذا أَتَاهُم مرّة بعد مَرّة.
وَيُقَال: المَنايا تَتناوبنا، أَي تَأتي كُلاًّ منّا لنَوْبته.
وَجمع النَّوْبة: نُوَب.
(15/350)
وَقَالَ غَيره فِي قَول أبي ذُؤَيب:
إِذا لَسَعْته النَّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَها
وحالَفها فِي بَيْت نُوبٍ عواسِلِ
لم يَرْج: لم يُبالِ. قَالَ أَبُو عُبَيد.
قَالَ: والنُّوب: جمع نَائِب، من النَّحل، لِأَنَّهَا تعود إِلَى
خَلِيّتها.
وَقيل: الدَّبْر يُسمَّى: نُوباً، لسَوادها، شُبِّهت بالنُّوبة، وهم
جِنْس من السُّودان.
وأَنْشد أَبُو بكر قولَ جَميل:
رَمَى اللَّه فِي عَيْنَي بُثَيْنة بالقَذَى
وَفِي الغُرّ من أَنْيابها بالقَوادح
قَالَ: أنيابها: ساداتُها، أَي: رمى الله بالهَلاك وَالْفساد فِي
أنْياب قَومهَا وساداتها، إِذْ حالوا بَينهَا وَبَين زيارتي.
وَقَوله:
رَمى اللَّه فِي عَيني بُثَينة بالقَذَى
كَقَوْلِك: سُبحان الله مَا أحسن عينيها
ونحوٌ مِنْهُ: قَاتله الله مَا أشجعه وهوت أُمّه مَا أرْجَله
وَقَالَت الكِندية تَرْثي إخوتها:
هَوت أُمهم مَا ذامُهم يومَ صُرِّعُوا
بِنَيْسان من أَنْياب مَجْدٍ تَصَرَّمَا
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: النَّوْبُ: مَا كَانَ مِنْك مَسِيرةَ
يَوْم وَلَيْلَة.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ، فِيمَا رَوى شَمر عَنهُ: النَّوْب: القَرَبُ
يَنُوبها يَعهد إِلَيْهَا يَنالها.
قَالَ: والقَرَب، والنّوب، وَاحِد.
أَبُو عمر: والقَرَب، أَن يَأْتِيهَا فِي ثَلَاثَة أَيَّام مَرّةً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النَّوْب، أَن يَطْرد الْإِبِل باكراً
إِلَى المَاء فيُمسي على المَاء يَنْتابه؛ وَمِنْه قولُ لَبيد:
إِحْدَى بَني جَعْفر كَلِفْتُ بهَا
لم تُمْسِ نَوْباً منِّي وَلَا قَرَبَا
وَقَالَ ابْن السِّكيت: النَّوْب، القُرْب؛ وَأنْشد لأبي ذُؤَيْب:
أرِقْتُ لذِكره من غير نَوْبٍ
كَمَا يَهْتاج مَوْشِيٌّ نَقِيبُ
أَرَادَ ب (الموشيّ) : الزمّارة من القَصب المُثقَّب.
قَالَ: والنُّوب: النَّحْل: جمع: نَائِب.
ويُقال: أَصبَحت لَا نَوْبة لكَ، أَي لَا قُوة لَك.
وَكَذَلِكَ: تركتُه لَا نَوْبَ لَهُ، أَي لَا قوّة لَهُ.
النَّضْر: يُقال للمطر الجَوْد: مُنِيب.
وأصَابنا رَبِيعٌ صِدْقٌ مُنيبٌ حَسَنٌ، وَهُوَ دُون الجَوْد.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: نابَ فلانٌ، إِذا لَزم الطاعةَ.
وأناب، إِذا تَابَ فَرجع؛ قَالَ الله تَعَالَى: {الرَّحِيمُ وَأَنِيبُو
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن
يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (الزمر: 54) .
(15/351)
ابْن شُميل: يُقَال للْقَوْم فِي السَّفر:
يتناوبون ويَتنازلون، ويَتطاعمون، أَي يَأْكُلُون عِنْد هَذَا نُزْلَة
وَعند هَذَا نزلةً. والنُّزْلة: الطَّعام يَصنعه لَهُم حَتَّى
يَشْبعوا.
يُقَال: كَانَ الْيَوْم على فلانٍ نُزْلتنا، وأكلنا عِنْده نُزْلتنا،
وَكَذَلِكَ النَّوْبة.
والتَّناوُب على كل وَاحِد مِنْهُم نَوْبة يَنُوبها، أَي طَعام يَوْم.
وَجمع، النَّوْبة، نُوَب.
بنى: اللَّيْث: بَنَى البَنّاء البِنَا بَنْياً، وبِنَاءً، وبِنًى،
مَقْصور.
والبِنْية: الْكَعْبَة؛ يُقَال: لَا وربّ هَذِه البِنْية.
قَالَ: والبُنوّة، مصدر (الابْن) .
وَيُقَال: تَبَنّيته، إِذا ادَّعَيْت بُنُوّته.
والنّسبة إِلَى (الْأَبْنَاء) : بنوي وأَبناوي، نَحْو الأَعْرابي،
ينْسب إِلَى (الْأَعْرَاب) .
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب: العربُ تَقول: هَذِه بِنْت فلَان،
وَهَذِه ابْنة فلَان، لُغَتَانِ، وهما لُغتان جيدتان.
وَمن قَالَ: ابْنة فلَان، فَهُوَ خطأ ولحن.
وَقَالَ الزجّاج: (ابْن) كَانَ فِي الأَصْل: بنْوٌ، أَو بَنَوٌ،
وَالْألف ألف وصل فِي (الابْن) .
يُقَال: ابْن بَيِّن البُنُوّة.
ويُحتمل أَن يكون أَصله: بَنَياً.
قَالَ: وَالَّذين قَالُوا: بَنون، كَأَنَّهُمْ جمعُوا (بَنياً) :
بَنُون؛ وَأَبْنَاء، جَمع (فِعْل) أَو (فَعَل) .
قَالَ: و (بنت) تدُل على أَنه يَسْتَقِيم (فِعْلاً) .
وَيجوز أَن يكون (فَعَلاً) نُقلت إِلَى (فِعْل) كَمَا نُقلت أُخت من
(فَعَلَ) إِلَى (فعل) .
فَأَما (بَنَات) فَلَيْسَ بِجمع (بنْت) على لَفظها، إِنَّمَا رُدّت
إِلَى أَصْلهَا، فَجمعت: بَنَات.
على أَن أصل (بنت) : فَعَلَة، مِمَّا حذفت لامُه.
قَالَ: والأخفش يخْتَار أَن يكون الْمَحْذُوف من (ابْن) الْوَاو.
قَالَ: لِأَنَّهُ أَكثر مَا يُحذف الْوَاو لِثقَلها، وَالْيَاء تحذف
أَيْضا لِأَنَّهَا تثقل.
وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن (يَداً) قد أَجمعُوا على أَن الْمَحْذُوف
مِنْهُ الْيَاء، وَلَهُم دَلِيل قَاطع على الْإِجْمَاع؛ يُقَال: يَديت
إِلَيْهِ يَداً. و (دَمٌ) مَحْذُوف مِنْهُ الْيَاء.
و (البُنُوّة) لَيْسَ بِشَاهِد قَاطع للواو، لأَنهم يَقُولُونَ:
الفُتُوَّة، والتَّثْنِيَة: فَتَيان.
ف (ابْن) يجوز أَن يكون الْمَحْذُوف مِنْهُ الْوَاو أَو الْيَاء، وهما
عندنَا مُتساويان.
قَالَ شَمر: أَنْشدني ابْن الْأَعرَابِي لرجُلٍ من بني يَرْبُوع:
(15/352)
مَنْ يَك لَا ساءَ فقد سَاءَنِي
تَركُ أُبَيْنِيك إِلَى غير راعِ
إِلَى أبي طَلْحة أَو واقِدٍ
ذَاك عَمْري فاعْلَمَنْ للضَّياع
قَالَ أُبْيني، تَصْغِير (بَنِينَ) .
وَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أُبَيْنى لَا تَرمُوا جَمْرة
العَقَبة حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس) .
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: البِنَى: الأبْنيَة من المَدَر
والصُّوف.
وَكَذَلِكَ: البِنَى من الكَرَم؛ وَقَالَ الحُطيئة يَمدح قوما:
أُولَئِكَ قَوْمي إِن بَنَوْا أَحْسَنُوا البِنَى
وَإِن عاهَدُوا أَوْفَوْا وَإِن عَقَدُوا شَدُّوا
وَقَالَ غَيره: يُقَال بِنْية وبِنَى، مثل رِشوة ورِشا، كأنّ البِنْية:
الْهَيْئَة الَّتِي بُني عَلَيْهَا، مثل المِشْية والرِّكْبَة.
أَبُو عُبيد، عَن الْفراء: من القِسي: البانِيَة، وَهِي الَّتِي بَنَت
على وترها، وَذَلِكَ أَن يكَاد يَنْقطع وترها فِي بَطْنها من لُصوقه
بهَا.
وطّيىء تَقول: قوسٌ باناة، يُريدون: بانِيَة؛ وأَنشد:
عارضٍ زَوْرَاءَ مِن نَشمٍ
غَيْرَ بانَاةٍ على وَتَرِهْ
قَالَ الْفراء: وَأما (البائنة) ، فَهِيَ الَّتِي بَانَتْ من وترها،
وَكِلَاهُمَا عَيْب.
والباني: العَرُوس الَّذِي بَنى على أَهله؛ وَقَالَ:
يَلوح كأنّه مِصْباح بانِي
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: والبَوانِي: أضلاع الزَّوْر.
قَالَ أَبُو عُبيد: ويُقال: ألْقى فلَان أرْواقه. وَألقى بَوانِيه،
وَألقى عَصَاهُ، إِذا أَقَامَ بِالْمَكَانِ واطمأنّ.
قلت: والأَرْواق: جمع (رَوْق) الْبَيْت، وَهُوَ رِوَاقه.
وَأما (البواني) فِي قَوْله (أَلقى الشَّام بَوانيه) .
فإِن ابْن جبلة: هَكَذَا رَوَاهُ عَن أبي عبيد، النُّون قبل الْيَاء،
وَلَو قيل (بوائنه) الْيَاء قبل النُّون، كَانَ حسنا.
والبوائن: جمع (البُوَان) ، وَهُوَ اسْم كُل عَمُود فِي البَيت مَا خلا
وَسَط الْبَيْت، الَّذِي لَهُ ثَلَاث طرائق.
ابْن السِّكيت: يُقَال: بَنى فلَان على أَهله، وَقد زَفّها،
وازْدَفّها.
والعامة تَقول: بنى بأَهْله، وَلَيْسَ من كَلَام العَرب.
وَيُقَال: أَبْنَيتُ فلَانا بَيْتاً، إِذا أَعْطيته بَيْتا يَبْنيه؛
وَمِنْه قولُ الشَّاعِر:
لَو وَصَل الغيثُ أَبْنَيْن امْرءاً
كَانَت لَهُ قُبّة سَحْقَ بِجَاد
(15/353)
قَالَ ابْن السّكيت: قَوْله (وَصل
الْغَيْث) ، أَي: لَو اتَّصل الْغَيْث لأَبْنَين امْرءاً سَحْق بِجاد،
بعد أَن كَانَت لَهُ قُبّة.
يَقُول: يُغِرن عَلَيْهِ فيُخَرِّبنه فيتّخذ بِنَاء من سَحق بِجاد، بعد
أَن كَانَت لَهُ قُبّة.
وَقيل: يَصف الْخَيل فَيَقُول: لَو سَمّنها الغيثُ بِمَا يُنبت لَهَا
الْكلأ لأَغَرْت بهَا على ذَوي القباب فَأخذت قبابَهم حَتَّى تكون
البُجُد لَهُم أبنيةً بعْدهَا.
وَالْعرب تَقول: إنّ المِعْزَى تُبْهي وَلَا تُبْنِي.
الْمَعْنى: أَنَّهَا لَا ثَلّة لَهَا حَتَّى تُتّخذ مِنْهَا الأبْنية.
وَقيل: الْمَعْنى أَنَّهَا تَخْرق البُيوت بوثْبها عَلَيْهَا، وَلَا
تُعين على الْأَبْنِيَة.
ومِعْزى الْأَعْرَاب جُرْدٌ لَا يَطول شعرهَا فيُغْزَل، وَأما مِعْزى
بِلَاد الصَّرْد وَأهل الرِّيف فَإِنَّهَا تكون وافية الشُّعور،
والأكراد يُسَوُّون بُيوتَهم من شعرهَا.
والبانَةُ: شجرةٌ لَهَا ثَمَرَة تُرَبَّب بأفاويه الطِّيب ثمَّ
يُعْتَصر دُهْنها طِيباً.
وَجَمعهَا: البانُ.
أَبُو عُبيد: المِبْناة النِّطْع. وَيُقَال: مَبْناة.
قَالَ: وَقيل المِبْنَاة: العَيْبة.
وَقَالَ شُريح بن هانىء: سَأَلت عَائِشَة عَن صَلَاة رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: لم يكن من الصَّلَاة شَيْء أحْرى أَن
يُؤَخِّرها من صَلَاة الْعشَاء. قَالَت: وَمَا رأيتُه مُتَّقِياً
الأَرْض بِشَيْء قطّ إِلَّا أَنِّي أذكر يوَم مَطَرٍ فَإنَّا بَسَطْنا
لَهُ بِنَاءً.
قَالَ شَمِر: قَوْلهَا (بِنَاء) ، أَي: نِطْعاً، وَهُوَ مُتّصل
بِالْحَدِيثِ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَدنان: يُقال للبيتِ: هَذَا بِناء.
أَخْبرنِي عَن الهَوازني، قَالَ: المَبْناة: من أَدَم كَهَيئَةِ
القُبّة تجعلها الْمَرْأَة فِي كِسْر بَيْتها تسكُن فِيهَا، وَعَسَى
أَن يكون لَهَا غنم فَتقْتصر بهَا دون الْغنم لنَفسهَا وثيابها. وَلها
إِزَار فِي وسط الْبَيْت من دَاخل يُكنّها من الحرّ وَمن واكِف
الْمَطَر، فَلَا تُبلَّل هِيَ وثيابها.
قَالَ شَمِر: وأقرأنا ابنُ الْأَعرَابِي للنابغة:
على ظَهر مَبْناةٍ جَدِيد سُيورُها
يَطُوف بهَا وَسْط اللَّطيمة بائِعُ
قَالَ: المَبْناة: قُبّة من أَدم.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المَبناة: حَصِير، أَو نطْع يَبْسطه التَّاجِر
على بَيْعه. فَكَانُوا يجْعَلُونَ الحُصُرَ على الأَنطاع يَطُوفون
بهَا، وَإِنَّمَا سُمّيت: مَبْناة: لِأَنَّهَا تُتَّخذ من أَدَم يُوصل
بعضُها إِلَى بعض؛ وَقَالَ جرير:
(15/354)
رَجعتْ وفودهمُ بتَيْمٍ بَعْدَمَا
خَرَزُوا المَبانِي فِي بَنِي زَدْهَامِ
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: فِي قَوْلهم: المِعزى تُبْهي وَلَا تُبني، أَي
لَا تُعْطِي من الثلّة مَا يُبْنى مِنْهَا بَيْتٌ.
قَالَ: وأبنيت فلَانا بَيْتا، أَي أَعْطيته مَا يَبْني بَيْتا.
وروى شَمِر أَن مُخنّثاً قَالَ لعبد الله بن أبي أُمية: إِن فتح الله
عَلَيْكُم الطَّائِف فَلَا تُفْلتنّ مِنْك باديةَ بنت غَيْلان،
فَإِنَّهَا إِذا جَلست تَبَنَّت، وَإِذا تكلّمت تَغَنَّتْ، وَإِذا
اضطجعت تَمنَّت، وَبَين رِجْلَيْهَا مِثل الْإِنَاء المُكْفأ.
قَالَ شَمر: سمعتُ ابْن الأعرابيّ يَقُول فِي قَوْله: (إِذا قعدت
تَبَنَّت) ، أَي: فرَّجت بَين رِجْلَيها.
قلت: كَأَنَّهُ يَجعل ذَلِك من (المَبْناة) ، وَهِي القُبة من الأَدم،
إِذا ضُربت ومُدَّت الأَطناب فانفرجت.
وَكَذَلِكَ هَذِه إِذا قَعَدت تَربَّعت وفرّجت رِجْلَيها.
وَقَوله (بَين رِجْليها مثل الْإِنَاء المُكْفأ) ، يَعْنِي: ضِخَم
رَكَبها ونُهوده كَأَنَّهُ إِنَاء مَكْبُوب.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال بنى لَحْمَ فلانٍ طعامُه، يَبْنيه بِناءً،
إِذا عَظُم من الْأكل؛ وأَنْشد:
بَنَى السَّوِيقُ لَحْمَها واللَّتُّ
كَمَا بَنَى بُخْتَ العِراق القَتُّ
قلت: وَجَائِز أَن يكون معنى قَول المخنّث (إِنَّهَا إِذا قَعدت
تَبَنّت) من قَوْلهم. بَنى لحمَ فلانٍ طعامُه، إِذا سَمّنه وعَظَّمه.
وَكَانَ الرجل إِذا جَمع إِلَيْهِ أَهله ضَرب عَلَيْهَا بَيْتاً،
وَلذَلِك قيل: بَنى فلانٌ على أَهْله.
بَين بون: يُقال: بَان الحقّ يَبين بَيَاناً؛ فَهُوَ بائِن.
وَأَبَان يُبين إبانة؛ فَهُوَ مُبين، بِمَعْنَاهُ؛ وَمِنْه قولُه
تَعَالَى: {} (الزخرف: 1، 2) .
وَقيل: {حم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - وَالْكِتَابِ} هُوَ مُبين كُلّ مَا يُحتاج إِلَيْهِ.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ
الْمُبِينِ} .
يُقال: بَان الشيءُ وَأَبَان، بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وَيُقَال: بَان الشيءُ، وأَبَنْتُه.
فَمَعْنَى (مُبين) مبيِّن، أَي إِنَّه مُبين خَيره وبركته، ومُبين
الْحق من الْبَاطِل، والحلال من الْحَرَام، ومُبين أَن نُبوة النبيّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حقّ، ومُبين قصَص الْأَنْبِيَاء.
قلت: وَيكون (المُستبين) أَيْضا، بِمَعْنى (المُبين) .
يُقال: بَان الشَّيْء، وبَيّن، وَأَبَان،
(15/355)
واسْتبان، بِمَعْنى وَاحِد؛ وَمِنْه قَوْله
تَعَالَى: {ءَايَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ} (النُّور: 34) بِكَسْر الْيَاء
وتشديدها، بِمَعْنى: مُتَبَيِّنات.
وَمن قَرَأَ (مُبَيَّنات) بِفَتْح الْيَاء، فَالْمَعْنى: إِن الله
بَيَّنها.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: قد بَيَّن الصُّبح لذِي عَينين، أَي تَبيَّن.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَول الله تَعَالَى: {) الْقُرْءَانَ خَلَقَ
الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ} (الرحمان: 3، 4) .
قيل: إِنَّه عَنى ب (الْإِنْسَان) هَاهُنَا: النبيّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم علّمه البَيان، أَي: علّمه القُرآن الَّذِي فِيهِ بيانُ كلّ
شَيْء.
وَقيل: الْإِنْسَان، هَاهُنَا: آدم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَيجوز فِي اللُّغَة أَن يكون (الْإِنْسَان) اسْما لجنس النَّاس
جَمِيعًا، وَيكون على هَذَا الْمَعْنى: علّمه الْبَيَان، جعله مُمَيّزا
حَتَّى انْفَصل الْإِنْسَان ببَيانه وتَمييزه من جَمِيع الْحَيَوَان.
قلت: و (الاستبانة) يَكون وَاقعا.
يُقَال: استبنتُ الشَّيْء، إِذا تأمّلته حَتَّى تبَيَّن لَك: قَالَ
الله تَعَالَى: { ((وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الاَْيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ
سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} (الْأَنْعَام: 55) ، الْمَعْنى: ولتستبين
أَنْت يَا مُحَمَّد سَبِيل الْمُجْرمين، أَي لتزداد استبانة؛ وَإِذا
بَان سَبيل الْمُجْرمين فقد بَان سَبِيل الْمُؤمنِينَ مِنْهُم.
وَأكْثر القُرّاء قرءوا {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} .
والاستبانة، حِينَئِذٍ، تَكون غير وَاقع.
وَيُقَال: تبيّنت الْأَمر، أَي: تأملته وتوسّمته؛ وَقد تبيّن الْأَمر،
يكون لَازِما وواقعاً.
وَكَذَلِكَ: بَيَّنته فَبَيَّن، أَي تَبيَّن، لَازم ومُتعدّ.
وَقَوله جلّ وعزّ: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا
لِّكُلِّ شَىْءٍ} (النَّحْل: 89) ، أَي: بُيِّن لَك فِيهِ كُلّ مَا
تحْتَاج إِلَيْهِ أَنْت وأمّتك من أَمر الدِّين.
وَهَذَا من اللّفظ العامّ الَّذِي أُرِيد بِهِ الْخَاص.
وَالْعرب تَقول: بَيَّنت الشيءَ تَبْييناً وتِبْياناً، بِكَسْر
التَّاء.
و (تِفعال) بِكَسْر التَّاء يكون اسْما فِي أَكثر كَلَام العَرب.
فَأَما الْمصدر فَإِنَّهُ يَجِيء على (تَفعال) ، بِفَتْح التَّاء، مثل:
التَّكذاب، والتَّصْداق، وَمَا أشبهه.
وَجَاء فِي المصادر حرفان نادران، وهما تِلْقاء الشَّيْء، والتِّبيان،
وَلَا يُقاس عَلَيْهِمَا.
والبَيْن، فِي كَلَام الْعَرَب، جَاءَ على وَجْهين مُتضادَّين:
(15/356)
يكون (البَين) بِمَعْنى: الفِراق؛ وَيكون
بِمَعْنى: الوَصْل.
قَالَ الله تَعَالَى: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم
مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} (الْأَنْعَام: 94) .
قَرَأَ نَافِع وحَفص، عَن عَاصِم وَالْكسَائِيّ: (بَيْنَكم) ، نَصْباً.
وَقَرَأَ ابنُ كثير وَأَبُو عَمْرو، وَابْن عَامر وَحَمْزَة (بَيْنُكم)
رفعا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: لَقد تَقَطَّع بَيْنُكم، أَي وَصْلُكم.
وَمن قَرَأَ (بَينكم) فَإِن أَبَا الْعَبَّاس رَوى عَن ابْن
الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ: تَقَطَّع الَّذِي كَانَ بَيْنكُم.
وَقَالَ الزجّاج: من فتح فالمَعنى: لقد تَقطع مَا كُنْتُم فِيهِ من
الشَّركة بَيْنكم.
ورُوي عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ: (لقد تقطّع مَا بَيْنكم) .
وَاعْتمد الفَرّاء وغيرُه من النَّحْوِيين قِراءة ابْن مَسْعُود، لمن
قَرَأَ (بَيْنَكم) .
وَكَانَ أَبُو حَاتِم يُنكر هَذِه الْقِرَاءَة وَيَقُول: من قَرَأَ
(بينَكم) لم يَجُز إِلَّا بموصول، كَقَوْلِك: مَا بَينكم.
قَالَ: وَلَا يجوز حَذف الْمَوْصُول وبقَاء الصِّلَة، وَلَا يُجِيز
العربُ: إنّ قَامَ زيدٌ، بِمَعْنى: إنّ الَّذِي قَامَ زيد.
قلت: أجَاز الفَراء، وَأَبُو إِسْحَاق النحويّ النَّصْب، وهما أعلم
بالنَّحو من أبي حَاتِم.
وَالْوَجْه فِي ذَلِك أَن الله خَاطب بِمَا أَنزل فِي كِتَابه قوما
مُشْرِكين، فَقَالَ: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا
خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ
وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ الَّذِينَ
زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}
(الْأَنْعَام: 94) .
أَرَادَ: لقد تقطع الشِّرك بَيْنكُم، فأضمر (الشّرك) لِمَا جَرى من
ذكْر الشُّركاء، فافْهمه.
وَيُقَال: بَين الرَّجُلين بَيْن بَعيد، وبَوْنٌ بَعيد.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً} (الْكَهْف:
52) .
فإنّ الزّجاج قَالَ: مَعْنَاهُ: جعلنَا بَينهم من الْعَذَاب مَا
يُوبقهم، أَي يُهلكهم.
وَقَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ: جعلنَا بَينهم، أَي: تواصُلَهم فِي
الدُّنيا مَوْبِقاً لَهُم يَوْم الْقِيَامَة، أَي: هلكاً. وَتَكون
(بَين) صفة بِمَعْنى: وسط، وخِلال.
وَيُقَال: بَانَتْ يَد النَّاقة عَن جنبها تبِين بُيوناً.
وَبَان الخليطُ يَبين بَيْناً وبَينُونة؛ قَالَ الطّرْماح:
أآذَن الثاوي بِبَيْنُونة
أَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم، أَنه
(15/357)
قَالَ: الْكَوَاكِب البابانيات، هِيَ
الَّتِي لَا تَنزل بهَا شَمس وَلَا قَمر، إِنَّمَا يُهْتَدى بهَا فِي
البَر وَالْبَحْر، وَهِي شآميّة، ومهبُّ الشمَال مِنْهَا، أوّلها
القُطب، هُوَ كَوْكَب لَا يَزُول، والجَدي والفَرْقدان، وَهُوَ بَيْن
القُطب، وَفِيه بَنات نَعش الصُّغرى.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: سَمِعت الْمبرد يَقُول: إِذا كَانَ الِاسْم
الَّذِي يَجِيء بعد (بَينا) اسْما حقيقيّاً رفعتَه بِالِابْتِدَاءِ.
وَإِن كَانَ اسْما مَصْدريًّا خَفضته، وَتَكون (بَينا) فِي هَذِه
الْحَال بِمَعْنى (بَين) .
قَالَ: فَسَأَلت أَحْمد بن يحيى عَنهُ أُعْلمه، فَقَالَ: هَذَا الدّر،
إلاّ أَن من الفُصحاء مَن يرفع الِاسْم الَّذِي بعد (بَينا) وَإِن
كَانَ مصدريًّا، فيُلحقه بِالِاسْمِ الْحَقِيقِيّ؛ وَأنْشد بَيت
الْخَلِيل بن أَحْمد:
بَيْنا غِنَى بيتٍ وبَهْجتِه
ذَهَب الغِنى وتَقَوَّض البَيْتُ
وَجَائِز: وبَهْجتُه.
قَالَ: وَأما (بَيْنَمَا) فالاسم الَّذِي بعده مَرْفُوع، وَكَذَلِكَ
المَصْدَر.
وَقَالَ اللَّيْث: البَيِّن من الرِّجَال: الفَصيح.
والبَيان: الفَصاحة.
كَلَام بَيِّن: فَصيح.
وَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَلا إِن التَّبْيين من الله
والعَجلة من الشَّيطان فتَبَيَّنوا) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَالَ الْكسَائي وَغَيره: التَّبْيين: التثّبت
فِي الْأَمر والتأنّي فِيهِ.
وقُرىء قَول الله تَعَالَى: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ
فَتَبَيَّنُواْ} (النِّسَاء: 94) .
وقرىء: (فتثبَّتوا) ، والمعنيان مُتقاربان.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي سَجدة الحُجُرات {ءَامَنُو صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ} (الحجرات: 6) ، و
(تَثَبَّتوا) ، قُرىء بِالْوَجْهَيْنِ أَيْضا.
شَمِر، قَالَ ابْن شُميل: البَيِّن من الرِّجال: السَّمْح اللِّسان،
الفصيح الظَّريف، العالي الْقَلِيل الرَّتَج.
وَقوم أَبيناء؛ وَأنْشد شَمر:
قد يَنْطِقُ الشِّعْرَ الغَبِيُّ ويَلْتَئِي
على البَيِّن السَّفّاك وَهُوَ خَطِيبُ
قَوْله: يلتئي، أَي: يُبطىء، من (اللأي) ، وَهُوَ الإبطاء.
ورُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِن من البَيان
لَسِحْراً) .
قَالَ أَبُو عُبيد: الْبَيَان، هُوَ: الْفَهم وذكاء القَلب مَعَ
اللَّسَن.
قَالَ: وَمَعْنَاهُ: أَنه يَبلغ من بَيَان ذِي الفَصاحة أَنه يَمدح
الْإِنْسَان فيُصدَّق فِيهِ حَتَّى يَصْرِف القُلوب إِلَى قَوْله
وحُبّه، ثمَّ يَذُمّه فيصدَّق فِيهِ حَتَّى يصرف الْقُلُوب إِلَى
قَوْله
(15/358)
وبُغضه، فَكَأَنَّهُ سَحر السامعين بذلك،
وَهُوَ وَجه قَوْله: (إِن من الْبَيَان لسِحْراً) .
وعَدن أَبْين: اسْم قَرْيَة على سِيف الْبَحْر ناحِية الْيمن.
ابْن السّكيتُ: البَيْن: الفِراق.
والبِبُن: القِطْعة من الأَرْض قدر مَدّ البَصر؛ وَأنْشد لِابْنِ
مُقْبل:
مِن سَرْوِ حِمْير أبوالُ البِغال بِهِ
أنّى تَسَدَّيْتَ وَهْناً ذَلِك البِينا
وَقَالَ أَبُو مَالك: البِين: الفَصل بَين الأَرضين، يكون الْمَكَان
حَزناً وبقُربه رمل وَبَينهمَا شَيْء لَيْسَ بَحزن وَلَا سهل.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: البِينُ: النَّاحِيَة.
والبِين: قَدر مدّ البَصر مِن الطَّريق.
وَقَالَ الباهليّ: وفَصْل بَيْن كل أَرْضَين يُقال لَهُ: بِين.
وَعَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (الحَياء والعِيّ
شُعْبتان من الْإِيمَان، والبَذاء والبَيان شُعْبتان من النِّفاق) .
وَقَالَ غَيره فِي قَوْله:
يَا رِيحَ بَيْنُونة لَا تَذْمِينا
جئْتِ بأَلْوان المُصَفَّرِينا
بَيْنونة: موضعٌ بَين عُمان والبَحرين، وَبِيء.
وَقَالَ أَبُو مَالك: بِئْرٌ بَيُونٌ، وَهِي الَّتِي لَا يُصيبها
رشاؤها، وَذَلِكَ لِأَن جِراب البِئر مُسْتقيم.
وَقَالَ غَيره: البَيُون: البِئر الواسعة الرَّأْس الضَّيقة
الْأَسْفَل؛ وَأنْشد:
إنّك لَو دَعَوْتني ودُوني
زَوْرَاءُ ذاتُ مَنْزع بَيُونِ
لقلتُ لَبَّيهْ لِمن يَدْعُوني
فَجَعلهَا: زَوْراء، وَهِي الَّتِي فِي جرابها عَوَج. والمَنْزع:
الْموضع الَّذِي يَصْعد فِيهِ الدَّلْو إِذا نُزع من الْبِئْر، فَذَلِك
الْهَوَاء هُوَ المَنزع.
وَقَالَ بَعضهم: بِئْرٌ بَيُون، وَهِي الَّتِي يُبين المُسْتقى
الحَبْلَ فِي جِرابها لعَوَجٍ فِي جُولها؛ قَالَ جرير يصف خَيْلاً
وصَهيلها:
يَشْنِفْن للنَّظر البَعيد كأنّما
إرنانُها ببَوائِن الأشْطَانِ
أَرَادَ: كَأَنَّهَا تَصهل فِي بِئْر دَحُول، وَذَاكَ أغْلظ لِصَهيلها.
أَبُو زيد، يُقَال: طلب فلَان البائِنَة إِلَى أبَوَيْه، وَذَلِكَ إِذا
طلب إِلَيْهِمَا أَن يُبِيناه بمالٍ، فَيكون لَهُ على حِدَةٍ.
قَالَ: وَلَا تكون البائنة إلاّ من الْوَالِدين، أَو أَحدهمَا.
وَقد أَبانه أَبَوَاهُ إبانةً.
حَتَّى بَان هُوَ بذلك، يَبينُ بيوناً.
(15/359)
حدّثنا عبد الله بن عُروة، عَن يُوسُف، عَن
جَرير، عَن مُغيرة، عَن الشَّعبي: قَالَ: سمعتُ النُّعمان بن بَشِير
يَقُول: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وطَلَبَتْ عَمْرةُ
إِلَى بَشِير بن سَعد أَن يُنْحِلَنِي نَخْلاً من مَاله، وَأَن
يَنْطَلِق بِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيُشْهده،
فَقَالَ: (هَل لَك مَعَه وَلَدٌ غَيره؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَهَل
أَبَنْت كُلَّ واحدٍ مِنْهُم بِمثل الَّذِي أَبَنْت هَذَا؟ فَقَالَ:
لَا. قَالَ: فإنّي لَا أَشْهد على هَذَا، هَذَا جَوْرٌ، أَشْهِد على
هَذَا غَيْرِي، اعْدلوا بَين أَوْلَادكُم فِي النَّخْل كَمَا تحبّون
أَن يَعْدِلوا بَيْنكم فِي البِرّ واللّطف) .
قَوْله: هَل أَبَنْت كُلّ وَاحِد؟ أَي: هَل أَعْطَيْت كُلَّ وَاحِد
مَالا تُبينه بِهِ، أَي: تُفْرده.
وَالِاسْم: البائنة.
ابْن شُميل: يُقال لِلْجَارِيَةِ إِذا تزوَّجت: قد بانَت.
وهُنّ قد بِنّ، إِذا تزوَّجن.
وبَيَّن فلانٌ بِنْته، وأبانها، إِذا زوَّجها وَصَارَت إِلَى زَوْجها.
أَبُو العبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ: البَوْنة: البِنْت الصَّغِيرة.
والبَوْنَة: الفَصِيلة.
والبَوْنَة: الفِرَاق.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: اسْتُ الْبَائِن أعرف؛ وَقيل: أَعْلم.
أَي: من وَلِي أمرا ومارَسَه فَهُوَ أعلم بِهِ ممّن لم يُمَارِسْه.
والبائن: الَّذِي يَقوم على يَمين النَّاقة إِذا حَلَبها. والجميع:
البُيَّن.
والبائن والمُسْتَعلي، هما الحالبان اللّذان يَحْلُبان النَّاقة،
أحَدُهما حالِبٌ وَالْآخر مُحْلِب. والمُعِين هُوَ المُحْلِب.
والبائن، عَن يَمِين النَّاقة يمسك العُلْبة. والمُسْتَعلي: الَّذِي
عَن شمالها، وَهُوَ الحالب.
يرفع البائنُ العُلْبة إِلَيْهِ؛ قَالَ الكُميت:
يُبَشِّر مُسْتَعْلِياً بائنٌ
من الحالبَيْن بأنْ لَا غِرَارَا
أبن: اللَّيْث: يُقال: فلانٌ يُؤْبَن بخَيْرِ وبِشَرَ، أَي: يُزَنّ
بِهِ. فَهُوَ مَأبُون.
قَالَ: والأُبنة: عُقدة فِي العَصَا. وَجَمعهَا: أُبَن.
ويُقال: لَيْسَ فِي حَسَب فلانٍ أُبْنَة؛ كَقَوْلِك: لَيْسَ فِيهِ
وَصْمة.
عَمْرو، عَن أَبِيه: يُقَال: فلانٌ يُؤْبَن بخَيْر، ويُؤْبن بشَرّ.
فَإِذا قلت: يُؤْبن، مجرَّداً، فَهُوَ فِي الشرّ لَا غَيْر.
وَفِي حَدِيث ابْن أبي هَالة فِي صفة مجْلِس النبيّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مجلسُه مجْلِس عِلْم وحياء لَا
(15/360)
تُرْفع فِيهِ الْأَصْوَات، وَلَا تُؤبن
فِيهِ الحُرم، أَي لَا تُذكر فِيهِ النّساء، ويُصان مَجْلِسُه عَن
الرَّفَث وَمَا يَقْبح نَشْرُه.
ورُوي عَن النّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن الشِّعر إِذا
أُبِنَت فِيهِ النِّساء.
قَالَ شَمر: أبَنْت الرجُلَ بِكَذَا وَكَذَا، إِذا أزْنَنْته بِهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أبَنْت الرّجل آبِنه، وآبنُه، إِذا رَمَيته
بقبيح وقذفْته بسُوء.
قَالَ: وَمعنى (لَا تؤبن فِيهِ الحُرم) ، أَي: لَا تُرمى بسُوء وَلَا
تُعاب، وَلَا يُذكر مِنْهَا القَبِيحُ وَمَا لَا يَنْبغي مِمَّا
يُسْتَحْيا مِنْهُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأَبِن، غير مَمْدُود الْألف، على (فَعِل)
من الطَّعام والشَّراب: الغَلِيظ الثَّخِين.
والأُبنة: العَيب فِي الحَسب والعُود.
وَقَول رُؤبة:
وامْدَح بِلَالًا غَيْر مَا مُؤَبَّنِ
قَالَ ابْن الأعرابيّ: مُؤَبَّن: مَعِيب.
وَخَالفهُ غَيره.
وَقيل للمَجْبُوس: مَأْبون، لِأَنَّهُ يُزَنّ بالعَيْب القَبيح.
وكأنّ أَصله من (أُبْنة) الْعَصَا، لِأَنَّهَا عَيْبٌ فِيهَا.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: أَبّنْت الرَّجُل تَأْبيناً، إِذا
مَدَحْتَه بعد مَوته؛ وَقَالَ مُتمِّم ابْن نُوَيْرة:
لَعَمْرِي وَمَا دَهْرِي بتأْبِين هالِكٍ
وَلَا جَزَعاً ممّا أَصَاب فأَوْجَعَا
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: التّأبين: اقتفاء الْأَثر؛
قَالَ أَوْس:
يَقُول لَهُ الرّاؤُون هذاكَ راكبٌ
يُؤَبِّن شَخْصاً فَوق عَلياء واقِفُ
يَصِف العَيْرَ.
وَقيل لمادح المَيت: مؤبِّن، لاتّباعه آثَار فِعاله وصَنائعه.
وَقَالَ شَمر: التَّأبين: الثَّنَاء على الرّجل فِي المَوت والحياة.
وإبّان الشَّيْء: وقته.
يُقَال: أَتَانَا فلَان إبّان الرُّطب، وإبّان اخْتراف الثِّمَار،
وإبّان الحَرّ أَو الْبرد، أَي أَتَانَا فِي ذَلِك الْوَقْت.
وَقَالَ ذُو الرُّمّة يَصِف عَيْراً وسَحِيلَه:
تُغنِّيه من بَين الصَّبيّين أُبْنةٌ
نَهُومٌ إِذا مَا ارْتدّ فِيهَا سَحِيلُها
تُغنِّيه، يَعْنِي (العَيْر) بَين الصّبّيين، وهما طرفا اللَّحْى.
والأُبْنة: العُقْدة، وعَنى بهَا هَاهُنَا: الغَلْصَمة. والنَّهُوم:
الَّذِي يَنْخِط، أَي يَزفر؛ يُقَال: نَهَم ونَأم فِيهَا فِي الأبْنة.
والسَّحِيل: الصَّوت.
وأَبَانَان: جبلان فِي الْبَادِيَة، ذكرهمَا مُهْلهل؛ وَقَالَ:
(15/361)
لَو بأبَانَيْن جَاءَ يَخْطُبها
رُمِّل مَا أنْف خاطبٍ بِدَمِ
وأَبَان: اسمٌ.
مَا يعرف بالابن وَالْبِنْت
ابْن الْأَعرَابِي:
ابْن الطِّين: آدم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَابْن مَلاط: العَضُد.
وَابْن مُخدِّش: رَأس الكَتِف؛ وَيُقَال: إِنَّه النُّغْض أَيْضا.
وَابْن النَّعَامة: عَظْم السّاق.
وَابْن النَّعامة: عِرْق فِي الرِّجْل.
وَابْن النَّعامة: مَحَجَّة الطّريق.
وَابْن النّعامة: الفرسُ الفارِه.
وَابْن النَّعامة: الساقي الَّذِي يكون على رَأس البِئر.
ويُقال للرَّجُل الْعَالم هُوَ:
ابْن بَجْدتها، وَابْن بُعْثُطها، وَابْن سُرْسُورها، وَابْن ثَراها،
وَابْن مَدِينتها، وَابْن زَوْمَلتها، أَي العالِم بهَا.
وَابْن الفَأرة: الدِّرْص.
وَابْن السِّنَّور: الدِّرص أَيْضا.
وَابْن النَّاقة: البابُوس. ذكره ابْن أَحْمر فِي شِعْره.
وَابْن الخَلّة: ابْن مَخاض.
وَابْن عِرْس: السُّرْعُوب.
وَابْن الجرَادة: السِّرْو.
وَابْن اللَّيْل: اللِّصّ.
وَابْن الطَّريق: اللِّصّ أَيْضا.
وَابْن غَبْراء: اللِّصّ أَيْضا.
وَقيل فِي قَول طَرفة:
رأيتُ بني غَبْراء لَا يُنْكرُونني
إنّ بني غبراء اسمٌ للصَّعاليك الَّذين لَا مالَ لَهُم، سُمُّوا: بَني
غَبْراء، للزُوقهم بغَبْراء الأَرض، وَهُوَ تُرابها.
أَرَادَ أَنه مَشهور عِنْد الفُقراء والأغْنياء.
وَقيل: بَنو غَبراء: هم الرُّفْقة يَتَناهدون فِي السَّفَر.
وَابْن إلاَهة، وأَلاَهة: ضَوء الشَّمْس، وَهُوَ الضِّحّ.
وَابْن المُزْنة: الْهلَال؛ وَمِنْه قَوْله:
رأيْتُ ابْنَ مُزْنَتها جانِحَا
وَابْن الكَرَوان: اللَّيْل.
وَابْن الحُبَارى: النَّهار.
وَابْن تُمَّرة: طَائِر. وَيُقَال: التُّمرَّة.
وَابْن الأَرْض: الغَدير.
وَابْن طامِر: البُرْغُوث.
وَابْن طامِر: الخَسيس من النَّاس.
وَابْن هَيَّان، وَابْن بَيّان، وَابْن هَيّ، وَابْن بَيّ، كُلّه
الخَسِيس من النَّاس.
(15/362)
وَابْن النّخلة: الدُّجى.
وَابْن اليَحْنة: السَّوْط. واليَحْنة: النَّخلة الطَّويلة.
وَابْن الْأسد: الشَّيْع، والحَفْص.
وَابْن القِردْ: الحَوْدَل، والرُّبَّاح.
وَابْن البَرَاء: أول يَوْم من الشّهر.
وَابْن المازِن: النَّمْل.
وَابْن الغُراب: البُجّ.
وَابْن الفوالي: الجانّ. يَعْنِي: الحيّة.
وَابْن القاويّة: فَرخ الحمَام.
وَابْن الفاسِيَاء: القَرَنْبي.
وَابْن الحَرام: السَّلا.
وَابْن الكَرْم: القِطْف.
وَابْن المَسَرَّة: غُصن الرَّيْحان.
وَابْن جَلاَ: السّيِّد.
وَابْن دَأْية: الغُراب.
وَابْن أَوْبر: الكَمْأة.
وَابْن قِتْرة: الحيّة.
وَابْن ذُكاء: الصُّبْح.
وَابْن فَرْتَنى، وَابْن تُرْنَى: ابْن البَغِيّة.
وَابْن أَحْذَار: الرَّجُل الحَذِر.
وَابْن أَقْوال: الرَّجُل الكثيرُ الكَلام.
وَابْن الفَلاة: الحِرْباء.
وَابْن الطَّوْد: الحَجر.
وَابْن حَجِير: اللَّيْل الَّتِي لَا يُرى فِيهَا الهِلال.
وَابْن آوى: سَبُعٌ.
وَابْن مَخاض، وَابْن لَبُون: من أَوْلَاد الْإِبِل.
ويُقال للسِّقاء: ابْن الأَدِيم.
فَإِذا كَانَ أكبر، فَهُوَ: ابْن أديمَين، وَابْن ثَلَاثَة آدِمة.
وَأَخْبرنِي المنذريّ، عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: يُقَال: هَذَا
ابنُك، ويُزاد فِيهِ الْمِيم فَيُقَال: هَذَا ابْنُمك. فَإِذا زيدت
فِيه الْمِيم أُعرب من مكانَيْن، فَقيل: هَذَا ابْنُمُك، فضُمَّت
النُّون وَالْمِيم، وأعرب بضَم النُّون وَضم الْمِيم؛ ومررت بابْنِمِك
وأريت ابْنَمَك، تُتْبع النُّون الْمِيم فِي الْإِعْرَاب، وَالْألف
مَكْسُورَة على كل حَال.
وَمِنْهُم من يُعربه مِن مكانٍ وَاحِد، فيُعرب الْمِيم لِأَنَّهَا
صَارَت آخر الِاسْم، ويدع النُّون مَفْتُوحَة على كل حَال، فَيَقُول:
هَذَا ابْنَمُك، وَهَذَا ابْنَمُ زيد، ومررت بابْنَم زيد، وَرَأَيْت
ابنَم زيد؛ وأَنْشد:
وَلَدْنا بني العَنْقاء وابْني مُحرِّق
فأَكرِمْ بِنَا حَالا وأَكرم بِنَا ابْنَما
وَزِيَادَة الْمِيم فِيهِ كَمَا زادوها فِي: شَدْقم،
(15/363)
وزُرْقم، وشَجْعم، لنوعٍ من الحيّات.
ويُقال فِيمَا يعرف ببنات:
بَنات الدَّم: بَنَات أَحْمر.
وَبَنَات المُسْنَد: صُروفُ الدَّهْر.
وبَنات مِعًى: البَعَر.
وبَنات اللَّبن: مَا صَغُر مِنْهَا.
وَبَنَات النَّقَا: هِيَ الحُلْكة، تُشَبَّه بِهن بَنان العَذَارى؛
قَالَ ذُو الرُّمة:
بَنات النّقَا تَخْفَى مِراراً وتَظْهرُ
وَبَنَات مَخْرٍ، وبناتُ بَخْرٍ: سحائب يَأْتِين قُبُل الصَّيف
مُنْتَصبات.
وَبَنَات غَير: الكَذِب.
وَبَنَات بِئس: الدَّواهي؛ وَكَذَلِكَ: بَنَات طَبق، وَبَنَات بَرح،
وَبَنَات أَوْدَك.
وَابْنَة الجَبْل: الصَّدَى.
وَبَنَات أعْنق: النِّسَاء، وَيُقَال: خيل نُسِبت إِلَى فَحل يُقَال
لَهُ: أَعْنق.
وَبَنَات صَهَّال: الخَيْل.
وبَنات شَحّاج: البِغال.
وَبَنَات الأخْدِريّ: الأُتْن.
وَبَنَات نَعش: من الْكَوَاكِب الشّماليَّة.
وَبَنَات الأَرْض: الْأَنْهَار الصَّغِيرَة.
وَبَنَات المنَى: اللَّيل.
وَبَنَات الصَّدْر: الهُموم.
وَبَنَات المِثال: النِّساء. والمِثال: الفِرَاش.
وَبَنَات طَارق: بَنات المُلوك.
وبَنات الدَّوّ: حَمير الوَحْش.
وَهِي بَنَات صَعْدة أَيْضا.
وَبَنَات عُرْجون: الشَّماريخ.
وَبَنَات عُرْهون: الفُطْر.
(بَاب النُّون وَالْمِيم)
ن م (وَا يء)
نمى، نوم، نيم، منى، مأن، يمن، ينم، ونم، أَمن، نأم، منأ، أنم، منا،
مين، إِنَّمَا.
أنم: اللَّيْث: الأَنام: مَا على ظَهر الأَرْض من جَميع الخَلْق.
قَالَ: وَيجوز فِي الشّعْر: الأَنِيم.
وَقَالَ المُفّسرون فِي قَول الله تَعَالَى: {للهالْمِيزَانَ
وَالاَْرْضَ وَضَعَهَا لِلاَْنَامِ} (الرحمان: 10) هم: الجِنّ
وَالْإِنْس.
والدّليل على مَا قَالُوا أَن الله تَعالى قَالَ بعقب ذِكره
(الْأَنَام) إِلَى قَوْله: {الْعَصْفِ} (الرحمان: 12) :
{وَالرَّيْحَانُ فَبِأَىِّءَالا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (الرحمان: 13) وَلم يَجْرِ للجنّ
ذِكْرٌ قبل ذَلِك، إِنَّمَا ذَكر الجانّ بعده، فَقَالَ: {)
(تُكَذِّبَانِ خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ
(15/364)
كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن
مَّارِجٍ} (الرحمان: 14، 15) الْآيَة.
والجنّ وَالْإِنْس، هما الثَّقَلان.
وَقيل: جَازَ مُخاطبة الثَّقَلين قبل ذِكرهما مَعًا، لِأَنَّهُمَا
ذُكرا بعقب الْخطاب؛ كَمَا قَالَ المثقَّب العبديّ:
فَمَا أَدري إِذا يَمَّمتُ أَرْضاً
أُريد الخَيْرَ أيّهما يَلِيني
أالخير الَّذِي أَنا أَبْتَغيه
أم الشّر الَّذِي هُوَ يَبْتَغِيني
فَقَالَ: أَيهمَا، وَلم يَجر للشرّ ذِكر إِلَّا بعد تَمام الْبَيْت.
نأم: أَبُو زيد: نأم الأَسدُ يَنْئِم نَئِيماً، وزأر يَزْأر زَئِيراً.
والنَّئِيم، أَهْون من الزَّئِير.
ابْن السِّكيت: يُقَال: أَسْكت نَامَته، مَهْمُوزَة مخّففة الْمِيم،
وَهُوَ من النّئِيم، وَهُوَ الصوَّت الضَّعيف.
وَيُقَال: نامّته بالتَّشديد، فَيجْعَل من المضاعف، وَهُوَ مَا يَنمّ
عَلَيْهِ من حَركته.
وَيُقَال: نأم البُوم أَيْضا؛ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
إلاّ نَئِيم البُوم والضُّوَعا
مأن: أَبُو زيد: مأنْتُ الرَّجُلَ أمْأَنُه مَأْناً، إِذا أصَبت
مأنَته، وَهُوَ مَا بَين سُرّته وعانَته وشُرْسُوفه.
وَيُقَال: مَا مَأَنْت مَأْنه، وَلَا شأنْت شأنَه، وَلَا انْتبلت
نَبْله، أَي مَا انْتَبَهت لَهُ وَلَا احتفلت بِهِ.
وَقَالَ الْفراء: أَتَانِي هَذَا الأَمْرُ وَمَا شأنت شَأْنه، وَلَا
مأنت مأنه، أَي لم أُعْمل فِيهِ.
وَقَالَ مرّة أُخْرَى: أَي مَا عَلِمت عِلْمه.
قَالَ: ومثلُه: مَا رَبأت رَبْأه.
أَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، يُقَال: مَا
شأنت شَأْنه، وَلَا مَأَلت مأْله، وَلَا هُؤْت هَوْأَه، وَلَا ربأت
ربأه، وَلَا نَبَلْت نَبْله، وَلَا مَأنت مَأْنه، أَي مَا شَعرت بِهِ.
قَالَ: والمأنة: أَسْفَل السُّرة.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعت أعرابيًّا من بني سُليم يَقُول: مَا مأنت
مَأْنه، أَي مَا عَلِمتُ عِلْمه. وَهُوَ بِمَأْنه، أَي بِعلْمه.
وَقَالَ شَمر، قَالَ الفرّاء: أَتَانِي وَمَا مَأنت مَأْنه، أَي: من
غير أَن تهيّأت، وَلَا أَعْددت، وَلَا عملت فِيهِ.
ونحوَ ذَلِك قلت.
شَمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَنه أَنشده قولَ المَرّار:
فتهامَسوا شَيْئاً فَقَالُوا عَرِّسوا
مِن غير تَمْئِنَةٍ لغير مُعرَّسِ
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: تَمْئنة: تهيئة وَلَا فِكْر وَلَا نَظر.
(15/365)
وَقد ذهب أَبُو عُبيد ب (التمَّئنة) فِي
بَيت المّرار إِلَى (المَئِنّة) الَّتِي فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود.
وَقد ذكرته فِيمَا تقدم وبيّنت وَجه الصَّوَاب فِيهِ.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: مأنت القومَ، من: المَؤُونة.
وَمن تَرك الْهَمْز قَالَ: مُنْتهم أَمُونهم.
قلت: وَهَذَا يدل على أَن (المؤونة) فِي الأَصْل مَهْموزة.
وَقيل: المَؤونة (فَعُولة) من: مُنْته أمُونَه مَوْناً، وهُمزت (مؤونة)
لانْضمام واوها، وَهَذَا حسن.
وَقَالَ اللَّيْث: المائِنة: اسْم مَا يُموَّن، أَي يُتكلَّف، من
(المؤونة) .
قَالَ: ومأنة الصَّدر: لحْمَة سَمِينة أَسْفَل الصَّدر كَأَنَّهَا
لَحمةٌ فَضْلٌ.
وَكَذَلِكَ: مأنة الطِّفْطِفة.
قَالَ شَمر: قَالَ ابْن الأَعرابي: المأنة: مَا بَين السُّرّة
والعَانة.
ويُجمع: مأنات، ومُؤُن: وأَنشد:
يُشَبَّهن السَّفِين وهُنّ بُخْتٌ
عِراضاتُ الأَباهِر والمُؤُن
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: المأنة: الطِّفْطِفة؛ وأَنْشَد:
إِذا مَا كُنْتِ مُهْدِيةً فأَهْدِي
من المَأنات أَو قِطَع السَّنَامِ
منأ: أَبُو عُبيد وَغَيره: المَنيئة، على (فعيلة) : الجِلْدُ أوّل مَا
يُدْبغ، ثمَّ يكون أَفِيقاً، ثمَّ يكون أَدِيماً.
ومنأتُه: وافقتُه، مِثَال (فعلته) .
وَقَالَ الأصمعيّ والكسائيّ: المَنيئة: المَدْبَغَة.
ابْن السِّكيت، عَن الأصمعيّ: المَنيئة الجِلْدُ مَا كَانَ فِي
الدِّباغ.
وبَعثت امْرَأَة من العَرب بِنْتاً لَهَا إِلَى جارتها، فَقَالَت:
تَقول لَك أُمّي: أَعْطِنِي نَفْساً أَو نَفْسين أَمْعَس بِهِ مَنيئتي
فإنِّي أَفِدَة.
وأَنْشد ابْن السِّكيت:
إِذا أَنْت باكَرْتَ المَنيئَة باكَرَتْ
مَداكاً لَهَا من زَعْفرانٍ وإئمِدَا
أَمن: قَالَ اللِّحيانيّ: أمِن فلانٌ يَأْمن أَمْناً، وأَمَناً،
وأَمَاناً، وأَمَنَةً.
فَهُوَ آمِن؛ قَالَ الله تَعَالَى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ
أَمَنَةً مِّنْهُ} (الْأَنْفَال: 11) .
نصب (أَمَنة) لِأَنَّهُ مَفْعول لَهُ، كَقَوْلِك: فعلت ذَلِك حَذَر
الشَّرّ.
قَالَ ذَلِك الزجّاج.
وَقَالَ اللّحياني: رجل أُمَنَة، للَّذي يأمنه
(15/366)
الناسُ وَلَا يَخافون غائلَته.
وَيُقَال: رَجل أَمَنة، بِالْفَتْح، للَّذي يصدِّق بكُل مَا يَسمع
وَلَا يكذِّب بِشَيْء.
ورُجل أَمَنةً أَيْضا: إِذا كَانَ يَطمئن إِلَى كُل أحد.
قَالَ: وَسمعت أَبَا زِيَاد يَقُول: أَنْت فِي أَمْن من ذَاك، أَي: فِي
أَمَان.
وَيُقَال: آمن فلانٌ العدوَّ إِيمَانًا. فأَمِنَ يَأْمَن. والعدوّ
مُؤْمَن.
قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر المَدِنّي {لَسْتَ مُؤْمِناً}
(النِّسَاء: 94) أَي: لَا نُؤْمنُك.
قَالَ: وَيُقَال: مَا كَانَ فلَان أمِيناً.
وَلَقَد أمُن يَأْمُن أَمانةً.
وإنّه لرجلٌ أُمّانٌ، أَي: لَهُ دِينٌ؛ وأَنْشد أَبُو عُبَيد:
وَلَقَد شَهِدْت التاجرَ الأُمَّ
انَ مَوْرُوداً شَرابُه
قَالَ اللِّحياني: رجُلٌ أَمِنٌ وأَمِينٌ: بِمَعْنى وَاحِد، وَمِنْه
قَول الله تَعَالَى: {سِينِينَ وَهَاذَا الْبَلَدِ} (التِّين: 3) ،
وتأويله: الآمِن؛ وأَنْشد:
أَلم تَعْلمي يَا أَسْمَ وَيْحك أنّني
حَلَفْتُ يَميناً لَا أخُون يَميني
يُرِيد: آمِنِي.
قَالَ شَمر: قَالَ أَبُو نصر فِي قَوْله: (التَّاجِر الأُمَّان) ، هُوَ
الأمِين.
وَقَالَ بَعضهم: الأُمّان: الَّذِي لَا يكْتب، لِأَنَّهُ أُمِّيّ.
وَقَالَ بَعضهم: الأُمّان: الزرّاع.
وَأنْشد ابْن السِّكيت:
شَرِبْت من أَمْن دَوَاء المَشْي
يُدْعَى المَشُوَّ طَعْمُه كالشرْيِ
وقرأت فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : أَعْطَيْت فلَانا مِن أَمْن
مَالِي، وَلم يفسّر.
قلت: كَأَن مَعْنَاهُ: من خَالص مَالِي، وَمن خَالص دوَاء الْمَشْي؛
قَالَ الحُوَيْدرة:
ونَقِي بآمِنِ مالِنا أَحْسَابَنا
ونُجِرّ فِي الهيَجا الرِّمَاحَ ونَدَّعِي
قلت: ونَقِي بآمِن مالنا، أَي: بخالص مالِنا.
اللَّيْث: نَاقَة أَمُون: وَهِي الأَمينة الوَثيقة.
قَالَ: وَهَذَا (فعول) جَاءَ فِي مَوضِع (مفعول) ، كَمَا يُقَال:
نَاقَة عَضُوب وحَلُوب.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَول القارىء بعد الْفَرَاغ من قِرَاءَة فَاتِحَة
الْكتاب (آمين) : فِيه لُغتان: تَقول الْعَرَب: أَمِين: بقصر الْألف.
وآمين: بِالْمدِّ؛ وأَنشد فِي لُغة مَن قَصر:
تباعَد مِنِّي فُطْحُلٌ إِذْ سألتُه
أَمِين فَزَاد اللَّهُ مَا بَيْننَا بُعْدَا
وأَنشد فِي لُغَة مَن مَدّ (آمين) :
(15/367)
يَا ربّ لَا تَسْلُبَنِّي حُبَّها أَبَداً
ويَرْحَم اللَّه عَبْداً قَالَ آمِينَا
قَالَ: ومعناهما: اللَّهُمَّ استجب، وهما موضوعان فِي مَوضِع اسْم
الاستجابة، كَمَا أَن (صَهْ) موضوعٌ مَوضِع (سُكوتاً) .
قَالَ: وحقّهما من الْإِعْرَاب الْوَقْف، لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَة
الْأَصْوَات، إِذْ كَانَا غير مشتقّين من فعل، إِلَّا أَن النُّون
فُتحت لالتقاء الساكنين، وَلم تكسر النُّون لثقل الكَسرة بعد الْيَاء،
كَمَا فتحُوا: أَيْن، وَكَيف.
قلت: يُروى عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: أَمِين: اسْم من أَسمَاء الله.
وَلَيْسَ يَصِحّ مَا قَالَ عِند أهل اللُّغَة أَنه بِمَنْزِلَة: يَا
الله، وأضمر: استجب لي، وَلَو كَانَ كَمَا قَالَ لَرُفع إِذا أُجري
وَلم يكن مَنْصُوبًا.
وحَدثني المُنذري، عَن أبي بكر الخطابيّ، عَن مُحَمَّد بن يُوسُف
العضيضي، عَن المؤمل بن عبد الرحمان، عَن أبي أُمية، عَن سعيد
المَقْبري، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنه قَالَ: آمين: خاتَمُ ربّ الْعَالمين على عباده الْمُؤمنِينَ.
قَالَ أَبُو بكر: فِي تَفْسِير قَوْله: (آمين خَاتم رب الْعَالمين) :
مَعْنَاهُ: أنّه طَابع الله على عباده، لِأَنَّهُ يدْفع بِهِ عَنْهُم
الْآفَات والبلايا، فَكَانَ كخاتم الْكتاب الَّذِي يَصُونه وَيمْنَع من
إفساده، وَإِظْهَار مَا فِيهِ لمن يكره علمه بِهِ، ووقوفه على مَا
فِيهِ.
ورُوي حديثٌ آخر عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: آمين: دَرَجَة فِي
الجّنة.)
قَالَ أَبُو بكر: مَعْنَاهُ: أَنه حرف يَكْتسب بِهِ قائلُه دَرَجَة فِي
الجنّة.
قَالَ: وَكَانَ الْحسن إِذا سُئل عَن تَفْسِير (آمين) قَالَ: هُوَ:
اللَّهُمَّ اسْتَجب.
وَقيل: معنى (آمين) : كَذَلِك تكون.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن الحرّاني، عَن ابْن السّكيت، قَالَ:
الأَمِين: المؤتمن؛ وأَنْشد:
حَلَفت يَمِينا لَا أخُون أَمِيني
أَي: الَّذِي يَأْتمنني.
قَالَ: وَسمعت أَحْمد بن يحيى يَقُول: إِذا دَعَوْت قلت: آمين، بقصر
الْألف، وَإِن شِئْت طَوّلت.
وَقَالَ: وَهُوَ إِيجَاب، رب افْعل.
ورُوي من عدَّة طُرق أَن (الْأمين) اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى.
وَأما (الْإِيمَان) فَهُوَ مصدر: آمن يُؤمن إِيمَانًا؛ فَهُوَ مُؤمن.
وَاتفقَ أهل الْعلم من اللُّغويين وَغَيرهم أَن (الْإِيمَان)
مَعْنَاهُ: التَّصْديق؛ وَقَالَ الله تَعَالَى: {خَبِيرٌ قَالَتِ
الاَْعْرَابُءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَاكِن قُولُو صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِْيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ
وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ} (الحجرات: 14) .
(15/368)
وَهَذَا مَوضِع يَحتاج النَّاس إِلَى
تفهّمه، وَأَيْنَ يَنْفصل المُؤمن من المُسلم، وَأَيْنَ يستويان؟
فالإسلام إِظْهَار الخُضوع والقَبول لما أَتَى بِهِ النبيّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَبِه يُحقَن الدَّم، فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك
الْإِظْهَار اعْتِقَاد وتصديقٌ بِالْقَلْبِ فَذَلِك الْإِيمَان،
الَّذِي يُقال للموصوف بِهِ: هُوَ مُؤمن مُسلم، وَهُوَ الْمُؤمن
بِاللَّه وَرَسُوله، غير مرتاب وَلَا شَاك، وَهُوَ الَّذِي يَرى أَن
أَدَاء الْفَرَائِض واجبٌ عَلَيْهِ، وَأَن الْجِهَاد بِنَفسِهِ وَمَاله
واجبٌ عَلَيْهِ، لَا يدْخلهُ فِي ذَلِك رَيب، فَهُوَ الْمُؤمن وَهُوَ
المُسلم حقًّا؛ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: { (رَّحِيمٌ إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ
يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ
اللَّهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: 15) أَي: أُولَئِكَ
الَّذين قَالُوا إنّا مُؤْمنون، فهم الصادقون.
فَأَما من أظهر قبُول الشَّريعة واستسلم لدفع الْمَكْرُوه، فَهُوَ فِي
الظَّاهِر مُسْلم وباطنُه غَير مصدِّق، فَذَلِك الَّذِي يَقُول:
أَسلمت، لِأَن الْإِيمَان لَا بدّ من أَن يكون صَاحبه لَا صدِّيقاً،
لِأَن قَوْلك: آمَنت بِاللَّه، أَو قَالَ قَائِل: آمَنت بِكَذَا
وَكَذَا، فَمَعْنَاه: صَدّقت، فَأخْرج الله تَعَالَى هَؤُلَاءِ من
الْإِيمَان، فَقَالَ: {أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِْيمَانُ فِى}
(الحجرات: 14) ، أَي: لم تصدِّقوا إِنَّمَا أَسْلمتم تعوُّذاً من
الْقَتْل.
فالمؤمن مُبطن من التَّصديق مثل مَا يُظهر، والمُسلم التامّ
الْإِسْلَام مُظْهرٌ الطَّاعَة مُؤمن بهَا، وَالْمُسلم الَّذِي أظهر
الْإِسْلَام تعوُّذاً غيرُ مُؤمن فِي الْحَقِيقَة، إِلَّا أنّ حُكمه
فِي الظَّاهِر حُكْم المُسلمين.
وَقَالَ الله تَعَالَى حِكَايَة عَن إخْوَة يُوسُف لأبيهم: {وَمَآ
أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} (يُوسُف: 17) . لم
يخْتَلف أهل التَّفْسِير أَن مَعْنَاهُ: وَمَا أَنْت بمصدِّق لنا.
وَالْأَصْل فِي الْإِيمَان الدُّخول فِي صِدْق الْأَمَانَة الَّتِي
ائتمنه الله عَلَيْهَا، فَإِذا اعْتقد التَّصديق بِقَلْبِه كَمَا صدَّق
بِلِسَانِهِ، فقد أدّى الْأَمَانَة وَهُوَ مُؤمن، وَمن لم يعْتَقد
التَّصْدِيق بِقَلْبِه فَهُوَ غير مؤدَ للأمانة الَّتِي ائتمنه الله
عَلَيْهَا وَهُوَ مُنافق.
وَمن زعم أَن الْإِيمَان هُوَ إِظْهَار القَوْل دون التَّصْدِيق
بالقَلب، فَإِنَّهُ لَا يَخلو مِن وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن يكون منافقاً يَنْضح عَن الْمُنَافِقين تأييداً لَهُم.
أَو يكون جَاهِلا لَا يَعلم مَا يَقوله وَمَا يُقال لَهُ، أَخرجه
الْجَهْل واللَّجاج إِلَى عِناد الْحق وتَرك قَبُول الصَّوَاب.
أعاذنا الله من هَذِه الصّفة وَجَعَلنَا مِمَّن عَلم فاسْتعمل مَا
عَلِم، أَو جهل فتعلّم مِمَّن علم، وسلّمنا من آفَات أهل الزَّيغ
والبدع. وحَسبنا الله وَنعم الْوَكِيل.
(15/369)
وَفِي قَول الله تَعَالَى: { (رَّحِيمٌ
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
فِى سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: 15)
مَا يبيّن لَك أَن (الْمُؤمن) هُوَ المُتضمن لهَذِهِ الصّفة، وَأَن من
لم يتضمّن هَذِه الصّفة فَلَيْسَ بمؤُمن، لِأَن (إِنَّمَا) فِي كَلَام
الْعَرَب تَجِيء لتثبيت شَيْء وَنفي مَا خَالفه. وَلَا حول وَلَا
قُوَّة إِلَّا بِاللَّه.
وَقَالَ النَّضر: قَالُوا للخليل: مَا الْإِيمَان؟ فَقَالَ:
الطُّمَأنينة.
قَالَ: وَقَالُوا للخليل: تَقول: أَنا مُؤمن؟ قَالَ: لَا أقوله.
وَهَذَا تَزْكِيَة.
وَالْمُؤمن: من أَسمَاء الله تَعَالَى، الَّذِي وَحَّد نَفْسه بقوله:
{وَإِلَاهُكُمْ إِلَاهٌ وَاحِدٌ} (الْبَقَرَة: 163) وَبِقَوْلِهِ:
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ} (آل عمرَان: 18) .
وَقيل: الْمُؤمن فِي صفة الله: الَّذِي آمن الخَلْق من ظُلمه.
وَقيل: الْمُؤمن: الَّذِي آمن أولياءَه عذابَه.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَقيل: المُؤمن: الَّذِي يصدق عبادَه مَا
وَعدهم.
وكُلّ هَذِه الصِّفات لله تَعَالَى، لِأَنَّهُ صَدَّق بقوله مَا دَعَا
إِلَيْهِ عبادَه من تَوحيد، وَلِأَنَّهُ آمَن الخَلْق من ظلمه، وَمَا
وعدنا من الْبَعْث، وَالْجنَّة لمن آمن بِهِ، وَالنَّار لمن كفر بِهِ،
فَإِنَّهُ مُصدِّق وَعده لَا شريك لَهُ.
وَيُقَال: استأمنني فلَان.
فآمَنته أُومنه إِيمَانًا.
وقُرىء فِي سَجدة بَراءة: {إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ}
(التَّوْبَة: 12) .
فَمن قَرَأَ بِكَسْر الْألف، فَمَعْنَاه: إِنَّهُم إِذا أجارُوا
وآمَنُوا المُسلمين لم يَفُوا وغَدَروا. وَالْإِيمَان، هَاهُنَا:
الْإِجَارَة وَالْأَمَانَة.
حَدثنَا السَّعْدِيّ، حَدثنا البكائي، حَدثنَا عبد الله، عَن أبي
هِلَال، عَن قَتَادَة، عَن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (لَا إِيمَان لمن لَا أَمَانَة لَهُ، وَلَا دين لمن لَا
عَهْد لَهُ) .
وَيُقَال: أمّن الإِمَام والدّاعي تَأْمِيناً، إِذا قَالَ بعد
الْفَرَاغ من أم الْكتاب: آمِين.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {فَوْزاً عَظِيماً إِنَّا عَرَضْنَا
الاَْمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ
أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا} (الْأَحْزَاب:
72) فقد رُوي عَن ابْن عبَّاس وسَعيد بن جُبير، أَنَّهُمَا قَالَا:
الْأَمَانَة، هَاهُنَا: الْفَرَائِض الَّتِي افترضها الله على عِباده.
وَقَالَ ابْن عمر: عُرضت على آدم الطَّاعَة والمَعْصية، وعُرِّف ثَوَاب
الطَّاعَة وعقاب المَعْصية.
وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ: أَن الْأَمَانَة، هَاهُنَا: النِّية الَّتِي
يَعْتقدها الْإِنْسَان، لِأَن الله ائتمنه عَلَيْهَا وَلم يُظهر
عَلَيْهَا أحدا من خَلقه، فَمن أَضْمر من التّوحيد والتصديق مثل مَا
أظهر، فقد أدّى الْأَمَانَة، وَمن أَضْمر
(15/370)
التَّكْذِيب وَهُوَ مصدِّق باللّسان فِي
الظَّاهِر، فقد حمل الْأَمَانَة وَلم يؤدّها، وكُل من خَان فِيمَا
اؤتمن عَلَيْهِ فَهُوَ حَامِل.
وَالْإِنْسَان فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا}
(الْأَحْزَاب: 72) ، هُوَ: الْكَافِر الشاكّ الَّذِي لَا يُصدِّق،
وَهُوَ الظلوم الجهول، يدلّك على ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {ظَلُوماً
جَهُولاً لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ
وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}
(الْأَحْزَاب: 73) .
اللحياني: يُقَال: مَا آمن أَن يَجد صحابةً، إِيمَانًا، أَي: مَا وثق.
وَالْإِيمَان، عِنْده: الثِّقَة.
ابْن الْأَنْبَارِي: رجل مُؤمن: مصدِّق بِاللَّه ورُسُله.
وَآمَنت بالشَّيْء، إِذا صدّقت بِهِ، قَالَ الله تَعَالَى: {يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} (التَّوْبَة: 61) . وأَنشد:
وَمن قَبْل آمنَّا وَقد كَانَ قَوْمُنا
يُصلُّون للأوثان قبلُ محمَّدا
مَعْنَاهُ: وَمن قبل آمنّا مُحَمَّدًا، أَي: صدّقناه.
قَالَ: وَالْمُسلم: المُخلص لله الْعِبَادَة.
نمى: روينَا عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَيْسَ
بالكاذب من أَصلح بَين النَّاس، فَقَالَ خيرا ونَمَى خَيْراً) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: نَميت حَدِيث فلَان
إِلَى فلانٍ، أَنْميه، إِذا بلّغته على وَجه الْإِصْلَاح وَطلب
الْخَيْر.
قَالَ: وَمعنى قَوْله: ونمى خيرا، أَي أَبلغ خيرا ورَفع خيرا.
وكُل شَيْء رَفَعْته، فقد نَمَيْته؛ وَمِنْه قولُ النَّابِغَة
الذُّبياني:
وانْمِ القَتُود على عَيْرانةٍ أُجُدِ
قَالَ: وَلِهَذَا قيل: نَمَى الخِضابُ فِي الْيَد والشَّعر، إِنَّمَا
هُوَ ارْتَفع وَعلا وَزَاد، فَهُوَ يَنْمي.
وَزعم بعض النَّاس أَن (يَنْمُو) لُغَة.
قَالَ الْأَصْمَعِي: وأمّا التَّنْمية، فَمن قَوْلك: نَمَّيت الحَدِيث
أُنَمِّيه تَنْميةً، بِأَن يُبَلِّغ هَذَا عَن هَذَا على وَجه
الْإِفْسَاد والنَّميمة.
وَهَذِه مذمومة، والأُولى مَحمودة.
وَالْعرب تفرّق بَين (نميت) مُخَفّفَة، وَبَين (نميت) مشدّدة، بِمَا
وصفت، وَلَا اخْتِلَاف بَين أهل اللُّغَة فِيه.
وَيُقَال: انتْمَى فلانٌ إِلَى فلَان، إِذا ارْتَفع إِلَيْهِ فِي
النّسَب.
ونماه جَدُّه، إِذا رَفع إِلَيْهِ نسبه؛ وَمِنْه قَوْله:
نَماني إِلَى العَلْياء كُلُّ سَمْيَدع
(15/371)
وكُلّ ارْتِفَاع: انْتماء.
يُقَال: انْتَمَى فلانٌ فَوق الوسادة؛ وَمِنْه قولُ الجَعْدي:
إِذا انْتَميا فَوق الفِراش عَلاَهما
تضوُّعُ رَيّا رِيحِ مِسْكٍ وعنَبْرِ
ابْن الْأَعرَابِي: عَن المفضّل، قَالَ: يُقَال للكَرمة: إِنَّهَا
لكثيرة النّوامي، وَهِي الأَغْصَان. واحدتها: نامية.
وَإِذا كَانَت الكرمة كَثِيرَة النوامي، فَهِيَ: عاطِبَة.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: إِن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي
أرمي الصّيْد فأُصْمِي وأُنْمِي.
فَقَالَ: كُلْ مَا أَصْمَيت ودَع مَا أَنْمَيْت.
والإصماء: أَن يَرْميه فيَقتله على المكَان بِعَيْنِه قبل أَن يَغِيب
عَنهُ. والإنماء: أَن يرميه فيَغيب عَن عين الرّامي وَيَمُوت وَهُوَ
لَا يرَاهُ، فيجده مَيتا، وَلَا يجوز أكله لِأَنَّهُ لَا يؤمَن أَن
يكون قَتله غيرُ سَهمه الَّذِي رَمَاه بِهِ.
يُقَال: أَنْميت الرّميّةَ.
فَإِن أردْت أَن تجْعَل الْفِعْل للرّمِيّة، قلت: قد نَمَت تَنْمى،
أَي: غَابَتْ وَارْتَفَعت إِلَى حَيْثُ لَا يَرَاهَا الرّامي.
قلت: قَالَ امْرُؤ القَيس:
فَهو لَا تَنْمِي رَمِيّته
مَا لَهُ لَا عُدّ مِن نَفَرِهْ
وَقَالَ اللَّيْث: نَمَيْت فلَانا فِي النّسَب، أَي رَفَعْته.
فانتمى فِي نَسَبه.
وتنمّى الشيءُ تَنمِّياً، إِذا ارْتَفع؛ قَالَ القُطَامِيّ:
فأَصْبح سَيْل ذَلِك قدت تنَمّى
إِلَى مَن كَانَ مَنْزِله يَفَاعَا
قَالَ: والأشياء كلّها على وَجه الأَرْض: نامٍ وصامت.
فالنامِي: مثل: النَّبَات وَالشَّجر وَنَحْوه.
والصامت: كالحجر والجَبل وَنَحْوه.
والنّامية من الْإِبِل: السَّمينة.
يُقال: نَمَت الناقةُ، إِذا سَمِنت.
سَلمة، عَن الفرّاء، قَالَ: النامية: الخَلْق؛ وَمِنْه الحَدِيث: (لَا
تُمثِّلوا بنامية الله) ، أَي بخَلْقه.
وَقَالَ غيرُه: يُقَال: أَنْميتُ لفُلَان، وأَمْدَيت لَهُ، وأمْضيت
لَهُ، وَتَفْسِير هَذَا: تَرْكه فِي قَلِيل الْخَطَأ حَتَّى يبلغ بِهِ
أقصاه، فيُعاقب فِي مَوضِع لَا يكون لصَاحب الْخَطَأ فِيهِ عُذْر.
أَبُو عُبيد، عَن الأصمعيّ: النُّمِّيّ: الفَلس، بالرّومية؛ وَقَالَ
النَّابِغَة الذُّبْيَاني:
(15/372)
وقارَفَتْ وَهْي لم تَجْرَبْ وباعَ لَهَا
مِن الفَصَافِص بالنُّمِّيّ سِفْسِيرُ
وَقَالَ شَمر: النُّمِّي: فُلوسٌ مِن رَصَاص.
وَقَالَ بَعضهم: مَا كَانَ من الدَّراهم فِيهِ رَصاص أَو نُحاس، فَهُوَ
نُمِّي.
وَكَانَت بالحِيرة على عَهد النُّعمان بن المُنذر.
ونُمِّيّ الرَّجُل: نُحاسه وطَبْعه؛ قَالَ أَبُو وَجْزة:
وَلَوْلَا غَيره لَكَشَفْتُ عَنهُ
وَعَن نُمِّيِّه الطَّبع اللَّعِين
نوم: يُقال: نَام الرَّجُلُ يَنَام نَوْماً. فَهُوَ نَائِم، إِذا
رَقَد.
ونامت الشَّاة وغيرُها من الْحَيَوَان، إِذا ماتَت.
وَفِي حَدِيث عَليّ: إِنَّه حثّ على قتال الْخَوَارِج فَقَالَ: إِذا
رأيتُموهم فأَنيموهم، أَي: اقْتُلوهم.
قَالَ الْفراء: النائمة: المَيتة.
والنامية: الجُثّة.
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: نَامَتْ السُّوق وحَمُقت، إِذا كَسَدت.
وَقَالَ غَيره: نَام الثَّوْب والفَرْوُ، إِذا أَخْلَق.
والمَنامة: القَطِيفة.
والمَنام: مصدر: يَنام نَوماً ومَناماً.
وَجمع (النَّائِم) : نِيام، ونُوّام، ونُوَّم، وَرجل نَوْمٌ، وَقوم
نَوْمٌ، وَامْرَأَة نَوْمٌ، ورَجُلٌ نَوْمانُ: كثير النَّوْم، ورَجُلٌ
نُوَمةٌ: ينَام كثيرا، ورَجُلٌ نُوَمة، إِذا كَانَ خامِل الذِّكْر.
وَفِي الحَدِيث: إنّما يَنْجُو من شَرّ ذَلِك الزَّمان كُلُّ مُؤمن
نُوَمة، أُولَئِكَ مَصابِيح العُلماء.
قَالَ أَبُو عُبيد: النُّوَمة: الخامِلُ الذِّكْر الغامِض فِي النّاس،
الَّذِي لَا يَعْرف الشَّرَّ وَلَا أَهْلَه.
اللَّيث: رجل نَوِيمٌ ونُوَمَة، أَي: مُغَفَّل.
وَيُقَال: اسْتَنام فلانٌ إِلَى فلَان، إِذا أَنِس بِهِ واطمأَنّ
إِلَيْهِ، فَهُوَ مُسْتَنِيم إِلَيْهِ.
وَقَالَ بَعضهم: يُقَال: نامَ إِلَيْهِ، بِهَذَا المَعْنى.
وأقرأني المُنذريّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي أنّه أَنشده:
فَقلت تَعَلَّم أنّني غيرُ نَائِم
إِلَى مُسْتَقِلَ بالخيانة أَنْيبَا
قَالَ: غير نَائِم، أَي: غير واثق بِهِ. والأَنْيب: الغَليظ الناب،
يُخَاطب ذِئْباً.
وَقَالَ غَيره: استنام الرَّجُلُ، بِمَعْنى: تناوم شَهْوةً للنَّوم؛
وأَنْشد:
إِذا اسْتنام راعه النَّجِيّ
قَالَ شَمِر: رُوي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لعَلي: مَا النُّوَمة؟
فَقَالَ: الَّذِي يَسْكُن فِي
(15/373)
الفِتْنة فَلَا يَبْدو مِنْهُ شَيْء.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: هُوَ الغافل عَن الشَّرّ.
وَقيل: هُوَ الْعَاجِز عَن الأُمور.
وَقيل: هُوَ الخامل الذّكر الغامِض فِي النَّاس.
قَالَ شَمِر: وكُلّ شَيْء سَكن، فقد نَام.
وَمَا نَامَتْ السّماءُ اللَّيْلَة مَطراً.
واسْتَنام أَيْضا، إِذا سَكن؛ قَالَ العجّاج:
إِذا اسْتنام راعه النَّجِيّ
ونام المَاء، إِذا دَامَ وَقَامَ.
ومنامه، حَيْثُ يَقُوم.
نيم: عَمْرو، عَن أبِيه: النِّيم: النّعْمة التامّة.
والنِّيم: ضَرْبٌ من العِضاه؛ قَالَ الهُذليّ:
ثمَّ يَنُوش إِذا أَدَّ النَّهارُ لَهُ
بعد التّرقُّب من نِيمٍ وَمن كَتَمِ
والنِّيم والكَتَم: شجرتان من العِضَاه.
أَبُو عُبيد: عَن أبي الْحسن الْأَعرَابِي، قَالَ: النِّيم: الفَرْو.
والنِّيم أَيْضا: الدَّرَج الَّذِي فِي الرِّمال إِذا جرت عَلَيْهِ
الرّيح؛ وأَنشد لذِي الرُّمّة:
حتّى انْجلى اللَّيْلُ عنّا فِي مُلَمَّعةٍ
مِثْل الأَدِيم لَهَا مِن هَبْوَةٍ نِيمُ
وَيُقَال: أَخذه نُوَام، وَهُوَ مثل السّبات يكون من داءٍ بِهِ.
أَبُو نصر: النِّيم: الفَرْو القَصِير إِلَى الصَّدْر.
قيل لَهُ: نِيم، أَي: نِصف فرو، بِالْفَارِسِيَّةِ، قَالَ رُؤبة:
وَقد أرَى ذَاك فَلَنْ يَدومَا
يُكْسَيْن من لِينِ الشَّبَابِ نِيمَا
وفُسِّر أَنه الفَرْو.
وَقيل: النِّيم: فَرْوٌ يُسَوَّى من جُلود الأرانب، وَهُوَ غالي
الثَّمن.
ويُقال: فلانٌ نِيمِي، إِذا كنت تَأْنس بِهِ وتَسْكُن إِلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: فِي قَول الله تَعَالَى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ
فِى مَنَامِكَ قَلِيلاً} (الْأَنْفَال: 43) . أَي: فِي عَيْنك.
وَقَالَ الزجّاج: رُوي عَن الْحسن أَن مَعْنَاهَا: فِي عَيْنك الَّتِي
تَنام بهَا.
قَالَ: وَكثير من أهل النَّحْو ذَهَبُوا إِلَى هَذَا.
وَمَعْنَاهُ عِنْدهم: إِذْ يُريكهم الله فِي مَوضع مَنامك، أَي: فِي
عَيْنك، ثمَّ حذف
(15/374)
(الْموضع) وَأقَام (الْمَنَام) مُقامَه.
وَهَذَا مَذْهَبٌ حَسَنٌ. وَلَكِن قد جَاءَ فِي التَّفْسِير أنّ النبيّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَآهُمْ فِي النَّوم قَلِيلا، وقَصّ الرُّؤيا
على أَصحابه، فَقَالُوا: صدقت رُؤْياك يَا رَسُول الله.
قَالَ: وَهَذَا المَذهب أَسْوغ فِي العَرَبيّة، لِأَنَّهُ قد جَاءَ:
{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِى صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
1764 - أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِى صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
1764 - أَعْيُنِهِمْ} (الْأَنْفَال: 44) فدلّ هَذَا على أنّ هَذِه
رُؤية الالتقاء وأنّ تِلْكَ رُؤْية النَّوم.
ابْن الْأَعرَابِي: نَام الرجل، إِذا تَواضع لله.
يمن: اللَّيْث: اليُمْن، نَظِير (البَرَكة) .
يُقَال يَمُن الرَّجُلُ، فَهُوَ مَيْمُون.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: روى سَعيد بن
جُبير، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي {ك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - هيع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ص صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} (مَرْيَم: 1) هُوَ: كافٍ هادٍ يَمينٌ عزيزٌ صادقٌ.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: فَجعل قولَه (كَاف) أول اسْم الله (كافٍ) ،
وَجعل (الْهَاء) أول اسْمه (هاد) ، وَجعل (الْيَاء) أول اسْمه يَمِين،
من قَوْلك: يَمَن اللَّهُ الإنْسَانَ يَيْمُنه يَمْناً ويُمْناً،
فَهُوَ مَيْمون.
قَالَ: فاليمين واليامن، يكونَانِ بِمَعْنى وَاحِد، كالقدير والقادر؛
وَأنْشد قولَ رؤبة:
بَيْتَك فِي اليامن بَيْت الأيْمَن
فَجعل اسْم الْيَمين مشتقاً من (الْيمن) ، وَالله أعلم.
قَالَ: وَجعل (الْعين) : عَزِيزًا، و (الصَّاد) : صَادِقا.
قلت: واليَمين، فِي كَلَام الْعَرَب، على وُجُوه:
يُقَال لليد اليُمنى: يَمين.
وَالْيَمِين: الْقُوَّة؛ وَمِنْه قولُ الشّماخ:
رأيتُ عَرابَة الأَوْسِيّ يَسْمُو
إِلَى الخَيْرات مُنْقَطع القَرِين
إِذا مَا رايةٌ رُفِعت لِمَجْدٍ
تلّقاها عرابةُ باليَمينِ
أَي: بالقُوة.
وَقَالَ: بِمَنْزِلَة حَسَنة.
وَيُقَال: قَدِم فلانٌ على أَيْمن اليَمِين، يَعْني: اليُمْن.
قَالَ: وَقَوله (تلّقاها عرابة بِالْيَمِينِ) ، أَرَادَ: باليُمْن.
وَقيل: أَرَادَ: باليَد اليُمْنى.
وَقيل: أَرَادَ: بالقُوة والحقّ.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {يَتَسَآءَلُونَ قَالُو صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
1764 - اْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ} (الصافات: 28) .
قَالَ الزجّاج: هَذَا قَول الكُفَّار الَّذين أضلّوهم، أَي: كُنْتُم
تَخْدعوننا بأقوى الْأَسْبَاب، فكنتم تأتوننا من قِبل الدِّين فتُروننا
أنّ الدّين وَالْحق مَا تُضلوننا بِهِ.
(15/375)
وَكَذَلِكَ قيل فِي قَوْله تَعَالَى:
{لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ
أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ} (الْأَعْرَاف: 17) : مِن قِبَل
دِينهم.
وَقَالَ بَعضهم: لآتِينّهم من بَين أَيْديهم، أَي: لأُغْوينهم حَتَّى
يكذّبوا بِمَا تقدّم من أُمور الأُمم السَّابِقَة، وَمن خَلفهم، حَتَّى
يكذبوا بِأَمْر البَعث، وَعَن أَيْمَانهم وَعَن شمائلهم، أَي:
لأُضّلنهم فِيمَا يعلمُونَ لأَمْر الكَسب، حَتَّى يُقال فِيهِ: ذَلِك
بِمَا كسبت يداك، وَإِن كَانَت اليَدان لم تَجْنيا شَيْئا، لِأَن
اليدَين الأَصْل فِي التصرّف، مثلا لجَمِيع مَا عُمِل بِغَيْرِهِمَا.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {لاَ تَنطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً}
(الصافات: 93) ، فَفِيهِ أقاويل:
أَحدهمَا: بيَمينه، وَقيل: بالقُوّة.
وَقيل: وبيَمينه الَّتِي حَلف حِين قَالَ: { (وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ
أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ} (الْأَنْبِيَاء: 57)
.
قَالَ اليزيدي: ويَمَنْت أَصْحَابِي: أَدْخلْتُ عَلَيْهِم اليُمن.
وَأَنا أيْمنهم يُمْناً ويُمْنَةً.
وشَأمتُ أَصْحَابِي: أَدْخلتُ عَلَيْهِم الشُّؤْمَ.
وَأَنا أَشْأَمهم شُؤْماً، وشَئِمت عَلَيْهِم، وَأَنا مَشْؤوم
عَلَيْهِم.
قَالَ: وشأمتهم: أخذت على شَمائلهم.
ويَسرتهم: أخذت على يَسارهم، يَسْراً.
وَفِي حَدِيث عُمر حِين ذكر مَا كَانَ فِيهِ من القَشَف والقِلّة فِي
جاهليَّته وأنّه وأُخْتاً لَهُ خَرَجا يَرْعيان ناضِحاً لَهما، وأنّ
أُمّهما زَوَّدَتْها بِيُمَيْنَتَيْها من الهَبيد كُلّ يَوْم.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَجه الْكَلَام: بيُمَيِّنَيْها بِالتَّشْدِيدِ؛
لِأَنَّهُ تَصغير (يَمِين) ، لَكِن قَالَ: يُمَيْنَيْها، على تَصْغِير
التّرخيم.
وَإِنَّمَا قَالَ: يُمَيْنَيها، وَلم يقل: يَديها، وَلَا كَفَّيها،
لِأَنَّهُ لم يُرد أَنَّهَا جَمعت كَفَّيها ثمَّ أعطتهما بِجَمِيعِ
الكفّين، وَلكنه إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا أَعطت كُلّ وَاحِد كفًّا
وَاحِدًا بِيَمينها، فهاتان يَمِينان.
وَقَالَ شمر: قَالَ غير أبي عُبيد: إِنَّمَا هُوَ يُمَيِّنَيْها.
قَالَ: وَهَكَذَا سمعتُ من يَزيد بن هَارُون.
قَالَ شَمر: وَالَّذِي أختاره بعد هَذَا: يُمَيْنَتَيْهَا، لِأَن
(المينة) إِنَّمَا هِيَ فِعل: أَعطى يَمْنةً ويَسْرةً.
قَالَ: وسمعتُ من لَقيت من غَطَفان يتكلّمون فَيَقُولُونَ: إِذا
أَهْوَيت بيَمينك مَبْسوطةً إِلَى طَعَام أَو غَيره فأعْطيت بهَا مَا
حَملته مَبْسوطة فَإنَّك تَقول: أَعطاه يَمْنةً من الطَّعام؛ فَإِن
أعطَاهُ بهَا مَقْبوضةً قَالَ: أعطَاهُ قَبْضةً من الطَّعَام؛ وَإِن
حَثَى لَهُ بِيَدِهِ، فَهِيَ الحَثْيَة، والْحَفْنَة.
قلت: وَالصَّوَاب عِنْدِي مَا رَواه أَبُو عُبيد: يُمَيْنَتَيْها.
(15/376)
وَهُوَ صَحِيح كَمَا رَوى، وَهُوَ تَصْغِير
(يَمْنَتَيْها) أَرَادَ: أَنَّهَا أَعْطَتْ كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا
بِيَمينها يمنةً، فصغّر (اليمنة) : يُمَيْنة، ثمَّ ثناها فَقَالَ:
يُمَيْنتين.
وَهَذَا أحسن الْوُجُوه مَعَ السّماع.
وَفِي حَدِيث عُروة بن الزّبير أَنه قَالَ: لَيْمُنُك لَئِن كنت
ابْتليت لقد عافَيْت، وَلَئِن كُنت أَخَذْت لقد أَبْقَيت.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَوْله لَيْمُنُك، وأيْمُنُك، إِنَّمَا هِيَ يَمين،
وَهِي كَقَوْلِهِم: يَمِين الله، كَانَ يحلفُونَ بهَا.
قَالَ امْرُؤ القَيس:
فقلتُ يَمينُ اللَّه أَبْرح قاعِداً
وَلَو ضَرَبُوا رأسِي لَدَيْك وأَوْصالِي
فَحلف بِيَمِين الله.
ثمَّ تجمع (الْيَمين) أَيْمناً؛ كَمَا قَالَ زُهير:
فتُجْمع أيمُنٌ منّا ومِنكم
بمُقْسَمة تَمُور بهَا الدِّمَاءُ
ثمَّ يحلفُونَ بأَيْمن الله فَيَقُولُونَ: وأيمن الله أفعل كَذَا
وَكَذَا، وأَيْمُنك يَا رب، إِذا خَاطب ربَّه.
فعلى هَذَا قَالَ عُروة: لَيْمُنُك.
هَذَا هُوَ الأَصْل فِي (أَيمن الله) ثمَّ كثر فِي كَلَامهم وخفّ على
ألسنتهم حَتَّى حَذفوا النُّون كَمَا حذفوها من (لم يكن) ، فَقَالُوا:
(لم يَك) ، وَكَذَلِكَ قَالُوا: أَيم الله.
وفيهَا لُغَات سواهَا.
قلت: أحسن أَبُو عبيد فِي جَمِيع مَا قَالَ، إِلَّا أَنه لم يُفَسّر
قَوْله: (أيْمُنُك) ، لم ضُمّت النُّون.
قَالَ: والعلّة فِيهَا كالعلّة فِي قَوْلهم: لعمرك، كَأَنَّهُ أُضمر
فِيهَا يَمينٌ ثَان، فَقيل: وأَيْمُنك فلأَيمنكَ عَظِيمة، وَكَذَلِكَ:
لَعَمْرك فَلَعَمْرك عَظِيم.
قَالَ: قَالَ ذَلِك الْفراء والأحمر.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى فِي قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ لَا صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ} (النِّسَاء: 87)
كَأَنَّهُ قَالَ: وَالله الَّذِي لَا إلاه إِلَّا هُوَ ليجمعنَّكم.
وَقَالَ غَيره: الْعَرَب تَقول: أيم الله، وهيم الله.
الأَصْل: أَيمن الله، وقَلبت الْهمزَة هَاء، فَقيل: هَيم الله.
وَرُبمَا اكتفوا بِالْمِيم وحَذفوا سَائِر الْحُرُوف، فَقَالُوا: مُ
الله ليفعلنّ كَذَا.
وَهِي لُغَات كلّها، وَالْأَصْل: يَمِين الله، وأَيْمن الله.
وَقَالَ بَعضهم: قيل للحلف: يَمِين، باسم: يَمِين الْيَد، وَكَانُوا
يَبْسطون أَيْمَانهم إِذا حَلفوا، أَو تحالفوا وتعاقدوا وتبايعوا،
وَلذَلِك قَالَ عُمر لأبي بكر: ابْسُط يدك أبَايعْك.
قلت: وَهَذَا صَحِيح، وَإِن صَحَّ أَن (يَمِينا)
(15/377)
من أَسمَاء الله، كَمَا رُوِيَ عَن ابْن
عَبَّاس، فَهُوَ الْحلف بِاللَّه.
غير أَنِّي لم أسمع (يَمِينا) فِي أَسمَاء الله إِلَّا مَا رَوَاهُ
عَطاء بن السَّائِب، عَن ابْن جُبير، عَنهُ، وَالله أعلم.
وَالْعرب تَقول: أَخذ فلَان يَمِينا وَأخذ يساراً، وَأخذ يَمْنة وأَخذ
يَسْرة.
وَأَصْحَاب الميمنة فِي كتاب الله: أَصْحَاب اليَمين.
وتَيامن فلَان: أَخذ ذاتَ الْيَمين.
وتياسر: أَخذ ذَات اليَسار.
الحرّاني، عَن ابْن السّكيت، يُقَال: يامِن بِأَصْحَابِك، وشائِم بهم،
أَي: خُذ بهم يَمِينا وَشمَالًا.
وَلَا يُقَال، تيامن بهم، وَلَا تَياسر بهم.
ويُقال: تيامن القومُ وأَيْمَنُوا، إِذا أَتَوا اليَمن.
ابْن الأنباريّ: العامّة تغلط فِي معنى (تيامن) فتظن أَنه أَخذ عَن
يَمينه، وَلَيْسَ كَذَلِك مَعْنَاهُ عِنْد الْعَرَب، إِنَّمَا
يَقُولُونَ: تيامَن، إِذا أَخذ نَاحيَة الْيمن، وتشاءم، إِذا أَخذ
نَاحيَة الشَّام، ويامن، إِذا أَخذ عَن يَمِينه، وشاءم، إِذا أَخذ عَن
شِمَاله.
قَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا نَشأت بَحْرِيّةً ثمَّ
تشاءَمت فَتلك عَيْنٌ غُدَيْقَة) .
أَرَادَ: إِذا ابتدأت السّحابة من نَاحيَة البَحر ثمَّ أخذت نَاحيَة
الشّام.
وَيُقَال: أشأم الرَّجُل وأيمن، إِذا أَراد الْيَمين
قَالَ: ويامن وأيمن أَيْضا، إِذا أَرَادَ اليمَنَ.
وَيُقَال: لناحية اليَمن: يَمين، ويَمَن.
وَإِذا نَسبو إِلَى (الْيَمين) قَالُوا: يَمينيّ.
وَإِذا نسبوا إِلَى (الْيمن) قَالُوا: يَمانٍ.
قَالَ: واليُمْنة، واليَمنة: ضربٌ من بُرود الْيَمين.
وَقيل لناحية الْيمن: يَمَنٌ، لِأَنَّهَا تلِي يَمِين الكَعبة.
كَمَا قيل لناحية الشَّام: شام، لِأَنَّهَا عَن شِمال الْكَعْبَة.
وَقَالَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُقبل من تَبوك:
(الْإِيمَان يَمانٍ والْحِكْمة يمانِية) .
قَالَ أَبُو عُبيد: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لأَن الْإِيمَان بَدا من
مَكَّة، لِأَنَّهَا مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومبعثه،
ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة.
وَيُقَال: إِن مَكَّة من أرضِ تهَامَة، وتهامة من أَرض الْيمن،
وَلِهَذَا سُمّي مَا ولي مَكَّة من أَرض الْيَمين واتصل بهَا: التهائم.
فمكة على هَذَا التَّفْسِير يَمَانِية، فَقَالَ: الْإِيمَان يمانٍ، على
هَذَا.
وَفِيه وَجه آخر: أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنى بِهَذَا
القَوْل الأَنصار، لأَنهم يَمانُون، وهم نَصروا الْإِيمَان، فنُسب
الْإِيمَان إِلَيْهِم.
(15/378)
وَهُوَ أحسن الوُجوه عِنْدِي.
قَالَ: وَمِمَّا يُبيِّن ذَلِك حديثُ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنه قَالَ لمّا وَفد عَلَيْهِ وَفْدُ الْيمن: (أَتَاكُم أهلُ اليَمن،
هم أَلْين قلوباً وأرَق أَفْئِدَة، الْإِيمَان يَمانٍ وَالْحكمَة
يمانِية) .
وَقَوْلهمْ: رَجُل يمانٍ، مَنْسُوب إِلَى (اليَمن) .
كَانَ فِي الأَصْل، يمنيّ، فزادوا ألفا قبل النُّون، وحذفوا يَاء
النِّسْبة.
وتهامة، كَانَت فِي الأَصْل تَهَمة، فزادوا ألفا، فَقَالُوا تهَام.
وَهَذَا قَول الْخَلِيل وسيبويه.
وَيُقَال: فلانٌ يُتَيمّن بِرَأْيهِ، أَي يُتبرَّك بِهِ.
والتَّيَمُّن: المَوت.
يُقَال: تَيمَّن فلانٌ تَيَمُّناً، إِذا مَاتَ.
وَالْأَصْل فِيهِ أَنه يُوَسَّد يمينَه إِذا ماتَ فِي قَبره؛ وَقَالَ
الجعديّ:
إِذا مَا رَأَيْت الْمَرْء عَلْبَى وجِلْدَه
كضَرْحٍ قديمٍ فالتيمُّن أَرْوَحُ
عَلْبى: اشتدّ عِلباؤُه وامتدّ. والضَّرْح: الجِلْد.
وَجمع (الميمون) : ميامِين، وَقد يَمنَه الله يُمناً، فَهُوَ مَيْمُون.
وَالله اليامن، وَجمع الميمنة: مَيامن.
ينم: اليَنَمة: عُشْبة.
وَالْعرب تَقول: قَالَت اليَنَمة: أَنا اليَنَمه، أَغْبُق الصَّبِيّ
بعد العَتَمه، وأكُبّ الثُّمال فَوق الأَكَمه.
اليَنَمة: عُشْبة إِذا رَعَتها الماشيةُ كَثُرت رَغْوة أَلْبَانهَا فِي
قِلّة.
مأن: أَبُو سعيد: يُقَال: امْأن مَأْنك، أَي: اعْمل مَا تُحْسن.
وَيُقَال: أَنا أمأنه، أَي: أحْسنه.
وَكَذَلِكَ: أشْأَنْ شَأَنك؛ وأَنْشد:
إِذا مَا عَلِمْتُ الأَمْر أقْرَرْتُ عِلْمَه
وَلَا أَدَّعي مَا لَسْتُ أَمْأَنُه جَهْلاَ
كفى بامْرىءٍ يَوْمًا يَقُول بعِلْمه
ويَسْكُت عمّا لَيْسَ يَعْلَمه فَضْلاَ
مين: المَيْن: الكَذِب، يُقال: مان يَمين مَيْناً، فَهُوَ مائن، أَي
كَاذِب.
وَفُلَان مُتماين الوُدّ، إِذا كَانَ غير صَادِق الخُلّة؛ وَمِنْه قَول
الشَّاعِر:
رُوَيْدَ عَلِيًّا جُدَّ مَا ثَدْي أُمِّهم
إِلَيْنَا وَلَكِن وُدّهم مُتمايِنُ
ويروى: مُتَيامن، أَي: مائل إِلَى اليَمن.
ويُقال: مان فلانٌ أهلَه يَمُونهم مَوْناً، إِذا عالهم.
(15/379)
ومِين فلانٌ يُمَان، فَهُوَ مَمُون.
ابْن الْأَعرَابِي: مان، إِذا شَقّ الأرْض للزَّرع.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المانُ: السِّكة الَّتِي يُحرث بهَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التموُّن: كَثْرَة النَّفقة على العِيال.
والتَّومُّن: كَثْرَة الأَولاد.
وَقَالَ الفَرّاء: المِيناء: جَوْهر الزُّجَاج الَّذِي يُعمل الزّجاج
مِنْهُ، مَمْدُود.
والمينا: الْموضع الَّذِي تُرْفأ إِلَيْهِ السُّفن، يُمد ويُقصر،
وَالْقصر فِيهِ أَكثر؛ وأنْشد فِي المَدّ:
فَلَمَّا اسْتقلت مِ المَناخ جِمالُها
وأَشْرَفْن بالأَحْمال قُلْتُ سَفِينُ
تأطَّرن بالمِيناء ثمَّ جَزَعْنه
وَقد لَحّ من أَحمالهنَّ شُحُونُ
وَقَالَ الْفراء: والمينى، مَقْصُور، الْموضع الَّذِي تُرفأ إِلَيْهِ
السفن، يكْتب بِالْيَاءِ.
منى: والمَنَا: بِفَتْح الْمِيم مَقْصُور: الَّذِي يُوزن بِهِ، يُكتب
بالأَلف، ويثنى، فَيُقَال: مَنَوان.
قَالَه ابْن السّكيت.
قَالَ: وَيُقَال: هُوَ مِنّي بمَنَى مِيل، أَي بقَدْرِ ميل.
وَحكى الْفراء: دَاري بِمَنَى دَاره، أَي بحِذائها.
قَالَ: والمَنَى، بِالْيَاءِ: القَدَر.
وَقد مَنَى الله لَك مَا يَسُرّك، أَي قَدّر الله لَك مَا يَسُرّك؛
قَالَ صَخر الغَيّ:
لعَمْرو أَبِي عَمْرو لقد سَاقه المَنَى
إِلَى جَدَثٍ يُوزَى لَهُ بالأَهاضِبِ
أَي، سَاقه القَدَر.
وَقد مَنَى اللَّهُ لَك المَوت يَمْنيه؛ وأَنْشد:
وَلَا تقولَنْ لشيءٍ سَوف أَفْعَله
حَتَّى تُلاقِيَ مَا يَمْنِي لَك المَانِي
أَي: مَا يقُدِّر لَك الْقَادِر.
وَقَالَ الآخر:
مَنَتْ لَك أَن تُلاقِيَني المَنَايَا
أُحادَ أُحادَ فِي الشَّهر الحَلالِ
أَي: قدرت لَك الأقْدار.
ابْن الْأَنْبَارِي: أَخْبرنِي ثَعلب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ:
قَالَ الشَّرقي بن القُطامي:
المَنايا: الأَحداث. والحِمامُ: الأَجَل. والحَتْف: القَدَر. والمَنون:
الزَّمان.
اللَّيْث: المَنا: الْمَوْت. وَكَذَلِكَ: المَنِيّة.
اللِّحياني: مَناه الله بحُبها يمنيه ويَمْنوه،
(15/380)
أَي: ابتلاه بحُبها، مَنْياً ومَنْواً.
قَالَ الرُّؤَاسي وَأَبُو زيد: يُقَال: هُوَ مَناً، ومَنوان، وأَمْناء،
للمِكيال الَّذِي يَكيلون بِهِ السَّمْن وَغَيره.
وَقد يكون من الْحَدِيد أَوْزَاناً.
وَبَنُو تَميم يَقُولُونَ: هُوَ: مَنٌّ، ومنَّان، وأَمْنان.
اللَّيْث: مِنى، مَقْصُور: مَوضِع مَعْرُوف بِمَكَّة.
سُمّيت (مِنى) لما يُمْنى بهَا من الدَّم، أَي: يُرَاق.
قَالَ الله تَعَالَى: {نُطْفَةً مِّن مَّنِىٍّ} (الْقِيَامَة: 37) .
قَالَ أُبو عُبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: المَنِي، مُشدَّد.
يُقَال: مَنَّى الرَّجُل وأَمْنَى، من المَنِيّ، بِمَعْنى.
وَرُوِيَ أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَنَى الله
الشَّيْء: قَدّره. وَبِه سُميت (مِنَى) .
وَقَالَ ابْن شُميل: سُمِّي: مِنى، لِأَن الكَبْش مُنِي بِهِ، أَي:
ذُبِح.
وَقَالَ ابْن عُيينة: أُخذ من (المنايا) .
وَأما (المُنى) بِضَم الْمِيم، فَجمع: المُنْية، وَهُوَ مَا يَتَمَّنى
الرَّجُل. والأُمْنِيّة: أُفُعولة. وَجَمعهَا، الأمانِيّ.
وَقَالَ اللّيث: ربّما طُرحت الْألف فَقيل: مُنْية، على (فُعلة) .
وَجَمعهَا: مُنى.
وَيُقَال: أُمْنية، على: أفْعُولة.
وَيجمع أمانيّ، مُشَدّدَة الْيَاء، وأمانٍ، مخفّفة، كَمَا يُقال: أثافٍ
وأثافيّ، وأضاحٍ وأضاحيّ، لجمع الأُثفية والأُضحيّة.
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال للناقة أول مَا تُضرب: هِيَ فِي
مُنْيتها، وَذَلِكَ مَا لم يَعلموا أَبِهَا حَمْلٌ أم لَا؟
ومُنْية البِكْر: الَّتِي لم تحمل قبل ذَلِك عشر لَيَال.
ومُنية الثِّنْي، وَهُوَ الْبَطن الثَّانِي خمس عشرَة لَيْلَة.
قيل: وَهِي مُنتهى الأيّام، فَإِذا مَضت عُرف ألاقحٌ هِيَ أم غير لاقح؟
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ:
البِكْر من الْإِبِل تُسْتَمْنى بعد أَربع عشرَة وَإِحْدَى وَعشْرين،
والمُسِنّة بعد سَبْعَة أيّام.
قَالَ: والاستمناء أَن يَأْتِي صاحبُها فيَضرب بِيَدِهِ على صَلاها،
ويَنْقُر بهَا، فَإِن اكتارَتْ بذَنبها أَو عقدت رَأسهَا وجَمعت بَين
قُطْريها عُلِم أنّها لاقح.
وَقَالَ فِي قَول الشَّاعِر:
(15/381)
قَامَت تُريك لَقَاحاً بعد سابعةٍ
والعَيْنُ شاحبةٌ والقَلْب مَسْتُورُ
قَالَ: مَستور، إِذا لقحت ذهب نشاطُها.
كأنّها بصَلاها وَهِي عاقدةٌ
كَوْرُ خِمارٍ على عَذْراء مَعْجُورُ
وَقَالَ شَمر، قَالَ ابْن شُميل: تُمْتَنَى القِلاص لِسَبع خطأ،
إِنَّمَا هُوَ: تَمْتتى القِلاصُ، لَا يجوز أَن يُقال: امْتَنيت
الناقةَ أَمْتنيها، فَهِيَ مُمْتَناة.
قَالَ: وقُرىء على نُصير وَأَنا حَاضر، يُقَال: أَمْنَت الناقةُ،
فَهِيَ تُمْني إمْناءً، فَهِيَ مُمْنية ومُمْنٍ، وامْتَنَت، فَهِيَ
مُمْتنية، إِذا كَانَت فِي مُنْيتها، على أنْ الفِعل لَهَا دُون
راعيها؛ وأنشدنا فِي ذَلِك لذِي الرّمة:
نَتُوجِ وَلم تُقْرف لِمَا يُمْتَنى لَهُ
إِذا نُتِجت ماتتْ وحَيَّ سَلِيلُها
فَرَوَاهُ هُوَ وَغَيره من الرُّواة: لما يُمْتنى، بِالْيَاءِ، وَلَو
كَانَ كَمَا رَوى شَمر لكَانَتْ الرِّوَايَة: لما تَمْتني لَهُ.
وَقَوله: لم تُقْرف: لم تُدَان لما يُمْتنى لَهُ، أَي: لم تحمل الْحمل
الَّذِي يُمْتنى لَهُ.
وَأنْشد نُصير لذِي الرّمة أَيْضا:
وحتّى اسْتبان الفَحلُ بعد امتْنائها
من الصَّيْف مَا اللَّاتِي لَقِحْن وحُولها
أَي: بعد امتنائها هِيَ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ الْفراء: مُنيْة النَّاقة، ومِنية
النَّاقة: الْأَيَّام الَّتِي يُسْتَبرأ فِيهَا لَقاحها من حيَالها.
وَيُقَال: الناقاة فِي مُنْيَتها.
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: المُنْية: اضْطِرَاب المَاء وامِّخاضه فِي
الرَّحم قبل أَن يتغيّر فَيصير مَشِيجاً.
وَقَوله: لم تُقْرف لما يُمْتنى لَهُ: يصف البَيضة أَنَّهَا لم تُقْرف،
أَي لم تجامع لما يُمتْنى لَهُ فيُحتاج إِلَى معرفَة مُنيتها.
ابْن السّكيت: قَالَ يُونُس: يُقَال: امتنى الْقَوْم، إِذا نزلُوا منى.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أمنى القومُ، إِذا نزلُوا مِنى.
عَمْرو، عَن أَبِيه، قَالَ: المُماناة: قِلّة الغَيرة على الحُرَم.
والمُماناة: المداراة. والمماناة: الِانْتِظَار. والمُماناة: المُعاقبة
فِي الرّكوب. والمُماناة: الْمُكَافَأَة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للدّيوث: المُماذل، والمُماني،
والمُماذي.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أَنْشدني أَبُو عَمْرو:
صُلْبٍ عَصاه للمطيّ مِنْهَمِ
لَيْسَ يُمَانِي عُقَبَ التَّجَسُّمِ
قَالَ: وَيُقَال: قد مانيتك مذ الْيَوْم، أَي انْتَظَرْتُك.
والمُماناة: المُطاولة؛ قَالَ غَيلان بن حُرَيث:
(15/382)
فَإِن لَا يَكن فِيهَا هُرَارٌ فإنني
بِسلَ يُمانِيها إِلَى الحَوْل خائِفُ
وَأنْشد أَيْضا:
وجُبْتُ لمَّاعاً بَعِيد البَوْنِ
مِن أَجْلها بِفِتْيةٍ مَا نَوْنِي
أَي: عاقبوني.
وَقَالَ أَبُو سعيد: المِناوة، والقِناوة: المُجازاة.
يُقَال: لأَمْنُونّك مِنَاوَتك، ولأَقْنُونَّك قِنَاوَتك.
وَقَالَ أَبُو العبّاس أَحْمد بن يحيى: التَّمنِّي: حديثُ النّفس بِمَا
يكون وَبِمَا لَا يكون.
قَالَ: والتمنِّي: السُّؤال للربّ فِي الْحَوَائِج، وَفِي الحَدِيث:
(إِذا تمنَّى أحدُكم فَلْيَسْتكثر فَإِنَّمَا يسْأَل ربَّه) .
قَالَ أَبُو بكر: تمنّيت الشَّيْء، أَي: قدّرته وأحببتُ أَن يَصير
إليّ، من (المَنا) وَهُوَ (القَدَر) . وتَمنّى: إِذا تَلا القُرآن.
وتمنَّى: كذب ووَضع حَدِيثا لَا أَصْل لَهُ.
وَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ دَأب، وَهُوَ يحدّث: هَذَا شَيْء رَوَيْته أم
شَيْء تَمنَّيْته؟
مَعْنَاهُ: افتعلته واخْتلقته وَلَا أصْل لَهُ.
قَالَ: والتمنِّي: التِّلَاوَة: قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَآ
أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىٍّ إِلاَّ إِذَا
تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أُمْنِيَّتِهِ} (الْحَج: 52) ، أَي: فِي تِلَاوَته مَا لَيس
فِيهِ.
قَالَ: والتمنّي: الكَذِب.
يَقُول الرجل: وَالله مَا تمنَّيت هَذَا الْكَلَام وَلَا اخْتَلْقته.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ
إِلاَّ أَمَانِىَّ} (الْبَقَرَة: 78) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: قَالُوا فِيهِ قولَين:
قيل: مَعْنَاهُ: لَا يَعْلمون الْكتاب إِلَّا تِلَاوَة.
وَقد قيل: إِلَّا أمانِي، أَي: إلاّ أكاذيب.
وَالْعرب تَقول: أَنْت إِنَّمَا تَمْتَني هَذَا القولَ، أَي:
تَخْتَلقه.
قَالَ: وَيجوز أَن يكون (أماني) نُسب إِلَى أَن الْقَائِل إِذا قَالَ
مَا لَا يَعلمه فَكَأَنَّهُ إِنَّمَا يتمنّاه، وَهَذَا اسْتعْمل فِي
كَلَام النَّاس، فَيَقُولُونَ للَّذي يَقُول مَا لَا حَقِيقَة لَهُ
وَهُوَ يُحِبهُ، هَذَا مُنى، وَهَذِه أمْنية.
قلت: والتلاوة سُمِّيت: أُمنية، لأنّ تالي الْقُرْآن إِذا مرّ بِآيَة
رَحْمَة تمنّاها، وَإِذا مرّ بِآيَة عَذَاب تمنّى أَن يُوقّاه.
مَناة: اسْم صَنم كَانَ لأهل الجاهليّة؛ قَالَ الله تَعَالَى:
{للهوَالْعُزَّى وَمَنَواةَ الثَّالِثَةَ الاُْخْرَى} (النَّجْم: 20) .
وَقيل فِي قَول لَبِيد:
دَرس المَنَا بمَتالِع فأَبَان
إنّه أَرَادَ (بالمَنَا) : الْمنَازل، فرَخّمها؛ كَمَا
(15/383)
قَالَ العجّاج:
قواطناً مكّة من وُرْق الحِمَا
أَرَادَ: الْحمام.
وَيُقَال: مُنِي ببلّية، أَي: ابْتُلي بهَا، كَأَنَّمَا قُدِّرت لَهُ
وقُدِّر لَهَا.
وَيُقَال: مَنيت الرجل، ومَنَوْته، أَي اخْتبرته.
ونم: أَبُو عُبيد: وَنَم الذّبابُ، وذَقَط؛ وأَنْشد:
لقد وَنَم الذُّبابُ عَلَيْهِ حتَّى
كأنّ وَنِيمه نُقَط المِدَادِ
إِنَّمَا: قَالَ النَّحويون: (إِنَّمَا) أَصْلهَا: مَا، مَنعت (إنّ) من
العَمل.
وَمعنى (إِنَّمَا) إثباتٌ لما يُذكر بعْدهَا ونَفْيٌ لما سواهُ؛
كَقَوْلِه:
وَإِنَّمَا ... ... .
يُدافع عَن أَحْسابهم أَنا أَو مِثْلي
الْمَعْنى: مَا يُدافع عَن أَحسابهم إلاَّ أَنا، أَو من هُوَ مِثْلي.
(15/384)
بَاب اللفيف من حرف النُّون
ناء، نأى، أَنى، آن، وَأَن، نوى، أون، نانا، إِن، أَيْن، أَيَّانَ،
الْآن، إيوَان، أَوَان، نون، وين، ونا.
ناء: ناء، بِوَزْن (ناع) .
قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: نُؤْت بالحِمْل، وَأَنا أَنوء بِهِ نَوءًا،
إِذا نهضتَ بِهِ مُثْقَلاً.
وَيُقَال: أَناءَنِي الحِمل، أَي: نُؤْت بِهِ.
وناء النجمُ يَنُوء نوءًا، إِذا سَقَط.
وَفِي الحَدِيث: (ثَلَاث من أَمر الجاهليّة: الطَّعن فِي الأَنْساب،
والنِّياحة، والأَنْواء) .
قَالَ أَبُو عبيد: الأنواء، ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ نجماً مَعْرُوفَة
الْمطَالع فِي أَزمنة السَّنة كلهَا من الصَّيف والشتاء وَالربيع
والخريف، يسْقط مِنْهَا فِي كُل ثلاثَ عشرَة لَيْلَة نجمٌ فِي الْمغرب
مَعَ طُلوع الْفجْر ويَطلع آخر يُقَابله فِي المَشرق من سَاعَته،
وَكِلَاهُمَا مَعْلُوم مسمًّى.
وانقضاء هَذِه الثَّمَانِية وَالْعِشْرين كلّها مَعَ انْقِضَاء السّنة،
ثمَّ يرجع الْأَمر إِلَى النَّجْم الأول مَعَ اسْتِئْنَاف السّنة
المُقبلة.
وَكَانَت الْعَرَب فِي الجاهليّة إِذا سقط مِنْهَا نجم وطلع آخر
قَالُوا: لَا بُدَّ من أَن يكون عِنْد ذَلِك مطر أَو ريَاح، فينسُبون
كل غيث يكون عِنْد ذَلِك النَّجْم، فَيَقُولُونَ: مُطرنا بنَوْء
الثريّا والدَّبَران والسِّمَاك.
فَهَذِهِ الأنواء، وَاحِدهَا: نَوْء.
قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّي نَوْءاً، لِأَنَّهُ إِذا سقط السَّاقِط
مِنْهَا بالمَغرب ناء الطالعُ بالمَشرق، ينُوء نوءًا، أَي: نَهض وطَلع،
وَذَلِكَ النُّهوض هُوَ النَّوْء، فسُمِّي النجمُ بِهِ.
وَكَذَلِكَ كُلّ ناهض بثَقل وإبطاء، فإِنه يَنُوء عِنْد نُهوضه.
وَقد يكون (النَّوء) : السُّقوط.
قَالَ: وَلم أسمع أَن (النَّوء) السُّقوط، إِلَّا فِي هَذَا الْموضع؛
قَالَ ذُو الرُّمّة:
تَنوء بأُخْراها فَلأياً قِيامُها
وتَمْشي الهُوَيْنَى عَن قَريبٍ فَتَبْهَرُ
قَالَ شمر: هَذِه الثَّمَانِية وَالْعشْرُونَ، الَّتِي أَرَادَ أَبُو
عبيد، هِيَ منَازِل الْقَمَر، وَهِي معروفةٌ عِنْد الْعَرَب وَغَيرهم
من الفُرس وَالروم والهند، لم يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهَا ثَمَانِيَة
وَعِشْرُونَ.
قَالَ: وَقد رَأَيْتهَا بالهنديّة والرُّومية والفارسية مُتَرجمة.
(15/385)
قَالَ: وَهِي بالعربيّة فِيمَا أَخْبرنِي
بِهِ ابْن الأعرابيّ: الشَّرطان، والبَطِين، والنَّجْم، والدَّبَران،
والهَقْعة، والهَنْعة، والذِّرَاع، والنَّثْرة، والطَّرْف، والجَبْهة،
والخراتان، والصَّرْفة، والعَوّاء، والسِّماك، والغَفْر، والزُّبَانى،
والإكْليل، والقَلْب، والشَّوْلة، والنَّعائم، والبَلْدة، وسَعْد
الذَّابح، وسَعْد بُلَع، وسَعْد السُّعود، وسَعْد الأَخْبية، وفَرْغَ
الدَّلْو المُقَدَّم، وَفرغ الدَّلْو المؤخَّر والحُوت.
قَالَ: وَلَا تَسْتَنىء العربُ بهَا كُلها، إِنَّمَا تذكر بالأنواء
بَعْضها، وَهِي مَعْرُوفَة فِي أشعارهم وكَلامهم.
وَكَانَ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: لَا يكون نوء حَتَّى يكون مَعَه
مَطر، وَإِلَّا فَلَا نَوْء.
قَالَ: وجَمع (النوء) أنواء، ونُوآن، مثل: نُوعان؛ قَالَ ابْن أَحْمَر:
الفاضلُ الْعَادِل الْهَادِي نقِيبته
والمسْتناء إِذا مَا يَقْحط المَطَرُ
المُستناء: الَّذِي يُطْلب نَوْءُه.
قلت: مَعْنَاهُ: الَّذِي يُطْلب رِفْدُه.
ابْن هانىء، عَن أبي زيد: أول الْمَطَر الوسمّي؛ وأنواؤه: العَرْقوتان
المُؤخَّرتان.
قلت: هما الفَرْغ المؤخّر.
ثمَّ الشَّرط، ثمَّ الثُّريّا، ثمَّ الشَّتَويّ، وأنواؤه: الجَوزاء،
ثمَّ الذِّراعان ونَثْرتهما، ثمَّ الجَبْهة، وَهِي آخر الشَّتويّ وَأول
الدفئي والصَّيْفيّ، ثمَّ الصيفي، وأنواؤه السماكان، الأول الأعزل
وَالْآخر الرَّقيب.
وَمَا بَين السّماكين صَيْف، وَهُوَ نَحْو من أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
ثمَّ الْحَمِيم، وَهُوَ نَحْو من عشْرين لَيْلَة عِنْد طُلوع
الدَّبران، وَهُوَ بَين الصَّيف والخريف، وَلَيْسَ لَهُ نَوْء. ثمَّ
الخريفي، وأَنواؤه: النَّسْران؛ ثمَّ الْأَخْضَر، ثمَّ عَرْقوتا
الدَّلْو الأُوليان.
قلت: وهما: الفَرغ المُقدَّم.
قَالَ: وكل مَطر من الوسميّ إِلَى الدَّفئيّ رَبيع.
أَبُو عبيد: سُئل ابْن عَبَّاس عَن رجل جعل أمرَ امْرَأَته بِيَدِهَا،
فَقَالَت لَهُ: أَنت طالقٌ ثَلَاثًا. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: خَطَّأ
الله نَوْءَها أَلا طَلّقت نَفسهَا ثَلَاثًا.
أَي: أخطأها المَطُر.
وَمن قَالَ: خَطَّ الله نوءها، جعله من (الخَطِيطة) .
قَالَ أَبُو سعيد: معنى (النوء) النُّهوض، لَا نَوْء المَطر.
والنَّوء: نُهوض الرّجل إِلَى كل شَيْء يَطْلُبهُ، أَرَادَ: خَطّأ الله
مَنْهضها ونَوْءها إِلَى كُلّ مَا تَنْويه، كَمَا تَقول: لَا سَدّد
الله فلَانا لما يَطْلُب.
وَهِي امْرَأَة قَالَ لَهَا زوجُها: طلّقي نَفسك.
فَقَالَت لَهُ: طلَّقْتُك، فَلم ير ذَلِك شَيْئاً،
(15/386)
وَلَو عَقَلت لقالت: طَلقت نَفسِي.
وَقَالَ الزجّاج فِي بعض أَماليه: وَذكر قَول النبيّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم (من قَالَ: سُقينا بالنَّجم فقد آمن بالنَّجم وكَفر بِاللَّه،
وَمن قَالَ سَقانا الله فقد آمَن بِاللَّه وكَفر بالنَّجم) .
قَالَ: وَمعنى: مُطرنا بِنَوْء كَذَا، أَي: مُطرنا بطُلوع نَجم وسُقوط
آخر.
والنوء، على الْحَقِيقَة سُقوط نجم فِي الْمغرب وطُلوع آخر فِي
الْمشرق.
فالسّاقطة فِي الْمغرب هِيَ الأَنْواء، والطالعة فِي الْمشرق هِيَ
البوارح.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: النوء، ارْتِفَاع نجم من الْمشرق وسُقوط
نَظِيره فِي الْمغرب، وَهُوَ نَظير القَوْل الأول.
فَإِذا قَالَ الْقَائِل: مُطرنا بِنَوْء الثُّريّا، فَإِنَّمَا
تَأْوِيله: أَنه ارْتَفع نجم من المَشرق وسَقط نَظِيره فِي الْمغرب،
أَي: مُطرنا بِمَا ناء بِهِ هَذَا النَّجْمُ.
قَالَ: وَإِنَّمَا غَلَّظ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا،
لِأَن الْعَرَب كَانَت تزْعم أَن ذَلِك الْمَطَر الَّذِي جَاءَ بسُقُوط
نجم هُوَ فِعل النَّجْم، وَلَا يجعلونه سُقْيا من الله، وَإِن وَافق
سُقوطَ ذَلِك النَّجْم، يجْعَلُونَ النُّجوم هِيَ الفاعلة، لِأَن فِي
الحَدِيث دَلِيلا على هَذَا، وَهُوَ قَوْله: (من قَالَ سُقينا بالنَّجم
فقد آمن بِالنَّجْمِ وكَفر بِاللَّه) .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَأما من قَالَ: مُطرنا بِنَوْء كَذَا
وَكَذَا، وَلم يُرد ذَلِك الْمَعْنى، وَمرَاده: أَنا مُطِرْنَا فِي
هَذَا الْوَقْت، وَلم يَقْصد إِلَى فعل النَّجم، فَذَلِك وَالله أعلم
جَائِز، كَمَا جَاءَ عَن عمر أَنه اسْتَسْقى بالمُصَلَّى ثمَّ نَادَى
العبّاسَ: كم بَقي من نوء الثريّا؟ فَقَالَ: إِن العُلماء بهَا
يَزْعمُونَ أَنَّهَا تعترض فِي الأُفق سَبعاً بعد وُقُوعهَا، فوَاللَّه
مَا مَضَت تِلْكَ السَّبع حَتَّى غِيث النَّاس.
فَإِنَّمَا أَرَادَ: كم بَقِي من الْوَقْت الَّذِي جَرت بِهِ العادةُ
أنّه إِذا تمّ أَتَى الله بالمَطر.
قَالَ: ورُوي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: فِي قَوْله تَعَالَى: {مُّدْهِنُونَ
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} (الْوَاقِعَة: 82) .
قَالَ: تَقولُونَ: مُطرنا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا.
قلت (مَعْنَاهُ) : وتجعلون شُكر رزقكم الَّذِي يَرزقكموه الله
التَّكذيب أَنه من عِنْد الرَّزَّاق، وتجعلون الرزق من عِنْد غير الله،
وَذَلِكَ كفر؛ وأمّا من جعل الرِّزق من عِنْد الله جلَّ وعزّ، وَجعل
النَّجم وقتا وقّته الله تَعَالَى للغَيْث، وَلم يَجْعَل الغَيث
الرَّزَّاق، رَجَوْت أَلا يكون مكذّباً، وَالله أعلم.
(15/387)
وَهُوَ معنى مَا قَالَه أَبُو إِسحاق
وَغَيره من ذَوي التَّمييز.
وَقَالَ أَبُو زيد: هَذِه الأنواء فِي غَيْبوبة هَذِه النُّجُوم.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {مِنَ الْكُنُوزِ مَآ
إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ} (الْقَصَص: 76) .
قَالَ: نَوْؤها بالعُصبة: أَن تُثقلهم.
وَالْمعْنَى: أَن مفاتحه تُنيء العُصبة، أَي: تُميلهم من ثِقلها.
فَإِذا أدخلت (الْبَاء) قلت: تنوء بهم، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى:
{آتُونِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} (الْكَهْف: 96) .
وَالْمعْنَى: آتوني بقِطْر أُفْرِغْ عَلَيْهِ.
فَإِذا حذفت (الْبَاء) زِدْت على الْفِعْل ألفا فِي أوّله.
قَالَ الْفراء: وَقد قَالَ رَجُلٌ من أَهل العربيّة: مَا إنّ
العُصبة لَتَنوء بمَفاتحه، فحوّل الفِعْل إِلَى (المفاتح) ؛ كَمَا
قَالَ الراجز:
إنّ سِراجاً لكريمٌ مَفْخَرُهْ
تَحْلَى بِهِ العَيْنُ إِذا مَا تَجْهَرُهْ
وَهُوَ الَّذِي يَحْلَى بِالْعينِ، فَإِن كَانَ سُمع (آتوا)
بِهَذَا، فَهُوَ وَجْه، وإلاّ فَإِن الرَّجُلَ جَهِلَ المَعنى؛
وَقد أنْشدني بعضُ الْعَرَب:
حتّى إِذا مَا التأمت مواصِلُهْ
وناء فِي شِقّ الشِّمالِ كاهِلُهْ
يَعْنِي: الرَّامِي لمّا أَخذ الْقوس ونَزع مالَ عَلَيْهَا.
قَالَ: ونرى أَن قَول الْعَرَب: مَا ساءك وناءك، من ذَلِك، إِلَّا
أَنه أَلْقى الْألف، لِأَنَّهُ مُتْبَعٌ ل (سَاءَك) ؛ كَمَا قَالَت
الْعَرَب: أكلت طَعَاما فهنأَني ومَرَأني.
مَعْنَاهُ، إِذا أُفرد: أَمْرأني، فَحذف مِنْهُ الْألف لما أُتْبِع
مَا لَيْسَ فِيهِ الْألف، وَمَعْنَاهُ: مَا ساءك وأناءك.
قلت: وَأرى الفَرّاء عَنَى بالرَّجُل الَّذِي قَالَ إِنَّه من أهل
العربّية: أَبَا الْحسن الْأَخْفَش.
قلت وأصل (النوء) المَيْل فِي شِقّ.
وَقيل: لمن نَهَضَ بِحمْلِهِ: ناء بِهِ، لِأَنَّهُ إِذا نَهض بِهِ
وَهُوَ ثَقيل أناء الناهضَ، أَي: أماله.
وَكَذَلِكَ النَّجم، إِذا سَقَط، مائلٌ نَحْو مَغيبه الَّذِي يَغيب
فِيهِ.
وَقَول ذِي الرّمّة فِي وَصف الْجَارِيَة:
تنوء بأُخراها
الْبَيْت مَعْنَاهُ: أَن أُخراها، وَهُوَ عَجيزتها، تُنيئها إِلَى
الأرضِ لضخمها وَكَثْرَة لَحْمها فِي أردافها. وَهَذَا تَحْويل
للفِعْل أَيْضا.
أَبُو زيد: يُقَال: ناء اللَّحم يَنيء نَيْئاً. وأنأتُه أَنا
إناءةً، إِذا لم تُنْضجه. وَكَذَلِكَ: نَهىءَ اللَّحْمُ.
(15/388)
وَهُوَ لحمٌ بَيِّن النُّهوء والنُّيُوء،
بِوَزْن (النُّيُوع) .
قلت: وَالْعرب تَقول: لحمٌ نِيّ، فيحذفون الْهمزَة، وَأَصله
الهَمز.
وَالْعرب تَقول للبَّن الْمَحْض: نِيءٌ.
فَإِذا حَمُض فَهُوَ نَضيج؛ وأَنْشد الأَصمعيّ:
إِذا مَا شَئتُ باكَرني غُلامٌ
بِزقَ فِيهِ نِيءٌ أَو نَضِيجُ
قَالَ: أَرَادَ (بالنِّيء) : خمرًا لم تَمْسَسْها النارُ، وب
(النَّضيج) : المَطْبوخ.
وَقَالَ شَمر: النِّيء من اللَّبن: ساعةَ يُحْلب قبل أَن يُجْعل
فِي السِّقاء.
قَالَه ابْن الأعرابيّ.
قَالَ شَمر: وناء اللحمُ يَنُوء نَوْءاً ونِيًّا، لم يَهْمز
(نيًّا) .
فَإِذا قَالُوا: النَّي، بِفَتْح النُّون، فَهُوَ الشَّحْم دون
اللَّحم.
وأمّا النُّؤْي، بِوَزْن النّعْي، فَهُوَ الحاجز حَول الخَيْمة.
وَجَمعهَا: أَنْآء.
ويُقال: إنْء نُؤْيك، كَقَوْلِك: انْع نُعيك، إِذا أَمرته أَن
يُسوِّي حول خبائه نُؤْياً مُطِيفاً بِهِ، كالطَّوْف يَصرف عَنهُ
ماءَ الْمَطَر.
والنُّهيْر: الَّذِي دون النُّؤْي، هُوَ: الأتيّ.
وَمن تَرك الْهَمْز قَالَ: نَ نُؤْيَك. وللاثنين: نَيَا نُؤْيَكما.
وللجماعة: نَوْا نُؤْيَكم.
وأمّا: نأى يَنْأى، بِوَزْن: نَعَى يَنْعى، فَمَعْناه: بَعُد.
وَقد: أنأيته إنئاء، إِذا أَبْعدته. والنَّأْيُ: البُعْد.
وَيُقَال للرَّجل إِذا تكبّر وأَعْرض بوَجْهه: نَأَى بِجَانِبه.
وَمَعْنَاهُ: أَنه أَنأى جانبَه من وَراء، أَي: نحّاه.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ
أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} (الْإِسْرَاء: 83) ، أَي: أنأى
جانِبَه عَن خالقه مُتغانياً عَنهُ مُعْرِضاً عَن عِبادته ودُعائه.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن المبرّد، أَنه أَنْشده:
أعاذلَ إِن يُصْبِح صَدَاي بِقَفْرةٍ
بَعِيداً نآنِي زائِرِي وقَرِيِبي
قَوْله: نآنِي، فِيهِ وَجْهَان:
أَحدهمَا: أَنه بِمَعْنى: أَبعدني، كَقَوْلِك: زِدْته فَزَاد،
ونَقَصْته فنقص.
وَالْوَجْه الثَّانِي فِي (نآني) بِمَعْنى: نَأى عنَّي.
وَقد قَالَ اللَّيْث: يُقال: نأيت الدمع عَن خدّي بإصبعي نَأْياً؛
وأَنْشد:
إِذا مَا الْتقينا سالَ مِن عَبَراتِنا
(15/389)
شآبِيبُ يُنْأَى سَيْلُها بالأَصابِعِ
قَالَ: والانتياء، بِوَزْن (الابتغاء) ، افتعال من (النأي) .
ويُجمع نُؤْي الخِباء: نُوًى، على فُعَل.
وَقد آنتأيت نُؤْياً.
والمُنْتأى: مَوْضِعه؛ قَالَ الطّرمّاح:
مُنتأى كالقَرْوِ رَهْنَ انْثلامِ
وَمن قَالَ: النُّؤْي: الأتيّ الَّذِي هُوَ دُون الحاجز، فقد
أَخطَأ؛ قَالَ النَّابِغَة:
ونُؤْيٌ كجِذْم الحَوْضِ أَثْلم خاشِعُ
وَإِنَّمَا يَنْثلم الحاجز الأتِيّ.
وَكَذَلِكَ قَوْله:
وسَفْع على آسٍ ونُؤْي مُعَثْلَب
والمُعَثْلب: المَهْدوم، وَلَا يَنْهدم إِلَّا مَا كَانَ شاخصاً.
وَالْعرب تَقول: نأى فلانٌ يَنْأَى، إِذا بَعُد، وناء عنِّي،
بِوَزْن (بَاعَ) ، على القَلْب.
وَمثله: رَآنِي فلَان، بِوَزْن (رعاني) ، وراءني، بِوَزْن (راعني)
.
وَمِنْهُم من يُميل أَوله فَيَقُول: نأى وَرَأى.
ابْن السِّكيت: يُقَال، ناوأت الرَّجُل مَناوأةً ونِوَاءً، إِذا
عادَيْته.
وَأَصله الْهَمْز، لِأَنَّهُ من: ناء إِلَيْك، ونُؤْت إِلَيْهِ،
أَي: نَهَضَ إِلَيْك، ونَهضت إِلَيْهِ؛ وأَنشد غَيره:
إِذا أَنْت ناوأت الرِّجالَ فَلم تَنُؤْ
بقَرْنَيْن غَرَّتْك القُرونُ الكَوامِلُ
وَلَا يَسْتَوي قَرْنُ النِّطَاح الَّذِي بِهِ
تَنُوء وقَرْنٌ كلّما نُؤْت مائِلُ
والنِّواء والمُناوأة: المُعاداة.
وَفِي الحَدِيث فِي الْخَيل: ورجُلٌ رَبطها فَخْراً ورِياءً
ونِواءً لأهل الْإِسْلَام، أَي: مُعاداةً لَهُم.
نأنأ: رُوي عَن أبي بكر الصّديق أَنه قَالَ: طُوبَى لمن مَاتَ فِي
النَّأنأَة.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: هِيَ النأنأة، مَهْمُوزَة،
وَمَعْنَاهَا: أوّل الْإِسْلَام.
إِنَّمَا سُمّي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ قَبل أَن يَقْوى الْإِسْلَام
وَيكثر أَهله وناصرُه، فَهُوَ عِنْد النَّاس ضَعيف، وأصل (النأنأة)
الضَّعْف.
ورَجل نَأنأٌ: ضَعِيف؛ قَالَ امْرُؤ القَيس:
لَعَمْرك مَا سَعْدٌ بخُلّة آثِم
وَلَا نَأنإٍ عِنْد الحِفاظ وَلَا حَصِرْ
قَالَ أَبُو عبيد: وَمن ذَلِك قولُ عليّ رَضِي الله عَنهُ
لسُلَيمان بن صُرَد، وَكَانَ تخلّف عَنهُ يومَ الْجمل ثمَّ
أَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ عليّ رَضِي الله عَنهُ: تَنَأنأَت
وتَراخَيْت فَكيف رَأَيْت صُنْع الله؟
قَوْله (تنأنأت) ، يُرِيد: ضَعُفت
(15/390)
واسْتَرْخَيْت.
وَقَالَ الأُموي: نأنأت الرجلَ نأنأة، إِذا نهَنهْتَه عَمَّا يُريد
وكَففته، كَأَنَّهُ يُرِيد: إِنِّي حَملته على أَن ضَعف عَمَّا
أَرَادَ وتراخى.
وَقَالَ اللِّحيانيّ: رَجلٌ نَأنأ، ونأنَاء، بالمدِّ وَالْقصر.
وَقَالَ الْكسَائي: ناءَيت عَنْك الشَّرَّ، على (فاعلت) ، أَي:
دافعت؛ وأَنْشد:
وَأَطْفَأت نيرانَ الحروب وَقد عَلَتْ
وناءَيْتُ عَنْهُم حَرْبَهم فتقرَّبوا
قَالَ: والنَّأي، لُغَة فِي: نُؤْي الدَّار.
وَكَذَلِكَ: النِّئي.
ويُجمع (النُّؤي) نُؤْيَاناً، بِوَزْن (نُعْيَاناً) ، وأَنْآء.
آن يؤون: ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ: آن يَؤُون أَوْناً، إِذا
استراح؛ وأَنْشد:
غَيَّر يَا بِنْتَ الحُلَيْس لَوْنِي
مَرُّ اللَّيالِي واخْتِلافُ الجَوْنِ
وسَفَرٌ كَانَ قَلِيلَ الأوْنِ
أَبُو عُبيد، عَن أبي زيد: أُنْتُ أَؤُون أَوْناً، وَهِي
الرَّفاهيَة والدَّعَة.
وَهُوَ رَجُلٌ أئِن، مثل (قَاعد) ، أَي: وادِع.
ابْن السِّكيت: بَيْننا وَبَين مَكَّة عَشْر ليالٍ آئِنات، أَي:
وادِعات.
ويُقال: أُن على نَفسك، أَي: ارْفُق بهَا فِي السَّير.
وَتقول لَهُ أَيْضا إِذا طاش: أُن على نَفسك، أَي: اتَّدِعْ.
وَيُقَال: أَوِّن على قَدْرك، أَي: اتَّئد على نَحْوِك.
وَقد أَوَّن تَأْوِيناً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقال للعِدْلين يُعْكمَان: الأَوْنان.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: شَرِب حَتَّى أَوَّنَ، وحَتَّى عَدَّن،
وَحَتَّى كأنّه طِرَافٌ؛ قَالَ رُؤْبة:
سِرًّا وَقد أَوَّن تَأوِينَ العُقُقْ
وصف أُتناً وَرَدت المَاء فشَربت حَتَّى امْتَلَأت خَواصرُها،
فَصَارَ المَاء مثل الأَوْنين إِذا عُدِلا على الدابّة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التَّأوُّن: امتلاء البَطن.
والتَّوؤن: ضَعْف البَدن والرأي، أَي ذَلِك كَانَ.
قلت: التّوؤّن: مَأْخُوذ من قَوْلهم: رجل وَأنٌ، وَهُوَ الأَحْمق.
رَوَاهُ أَبُو عُبيد، عَن الْفراء، عَن ابْن السّكيت.
يُقَال: أَوِّنوا فِي سَيركم، أَي: اقْتَصِدوا.
(15/391)
من (الأَوْن) وَهُوَ: الرِّفْق.
وَقد أوّنت، أَي: اقْتصدت.
وَيُقَال: رِبْعٌ آئنٌ خَيْرٌ من عَبَ حَصْحاص.
قلت: الوَأْبة، بِالْبَاء: مُقاربة الخَلْق.
والوأنة، بالنُّون: الحمقاء.
ابْن السِّكيت: امْرَأَة وَأْنة، إِذا كَانَت مُقاربة الخَلْق.
وَقَالَ اللّيث: الوأنةُ؛ سَواء فِيهِ الرَّجُل وَالْمَرْأَة،
يَعْني: المُقْتدر الخَلْق.
والإوان: شبه أَزَج غير مَسدود الوَجْه.
والإيوان، لُغَة؛ وَأنْشد:
إيوَان كِسْرى ذِي القِرَى والرَّيحان
وَجَمَاعَة (الإوَان) أُوُن، مثل: خِوان وخُوُن.
وَجَمَاعَة (الإيوان) : أواوين، وإيوانات؛ وأَنْشد:
شَطَّت نَوَى مَن أَهْلُه بالإيوان
قَالَ: وَجَمَاعَة إيوَان اللِّجام: إيوانات.
وَقَالَ غَيره: الإوان: من أعمدة الخِبَاء.
قَالَ: وكل شَيْء عَمدت بِهِ شَيْئا فَهُوَ: إوَان؛ قَالَ الرّاعي
يَذْكر امْرأة:
تَبِيت ورِجْلاها إوانان لاسْتها
عَصَاها اسْتُها حَتَّى يكلّ قَعودُها
أَي: رِجْلاها سَندان لاستها تَعْتمد عَلَيْهِمَا. وَقَوله: عَصاها
استُها، أَي: تُحرّك استها على البَعير.
اللَّيْث: الأَوان: الحَين وَالزَّمَان.
تَقول: جَاءَ أوانُ الْبرد؛ قَالَ العجّاج:
هَذَا أَوَان الجِدّ إِذْ جَدّ عُمَرْ
وَجمع، الأوان: آونة.
ابْن السِّكيت، عَن الْكسَائي، قَالَ: قَالَ ابْن جَامع: هَذَا
إوان ذَلِك.
وَالْكَلَام: أَوَان ذَلِك، بِالْفَتْح.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أتَيْتُه آئنة بعد آئنة، بِمَعْنى: آونة.
الْآن: سَلمَة، عَن الْفراء، قَالَ: الْآن، حرف بُني على الْألف
وَاللَّام، وَلم يُخْلعا مِنْهُ وتُرك على مَذْهَب الصِّفة،
لِأَنَّهُ صفة فِي الْمَعْنى واللَّفظ، كَمَا رَأَيْتهمْ فَعلوا ب
(الَّذِي) و (اللَّذين) فتركوهما على مَذهب الأداة، وَالْألف
وَاللَّام لَهما غير مُفَارقَة؛ وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فإنّ الألاء يعلمونك مِنْهُم
فَأدْخل الْألف وَاللَّام على (أَولا) .
ثمَّ تَركهَا مخفوضةً فِي مَوضِع النصب، كَمَا كَانَت قبل أَن
تدْخلهَا الْألف وَاللَّام؛ وَمثله قَوْله:
(15/392)
وإنّي حُبِسْت اليومَ والأَمْسِ قَبْلَه
ببابك حتّى كَادَت الشمسُ تَغْرُبُ
فَأدْخل الْألف وَاللَّام على (أمس) ثمَّ تَركه مخفوضاً على جِهَة
(الأُلاء) ، وَمثله قَوْله:
وجُنَّ الخازِ بازِ بِهِ جُنُونا
فَمثل (الْآن) بِأَنَّهَا كَانَت مَنْصُوبَة قبل أَن تدخل
عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام، ثمَّ أدخلتهما فَلم يُغيِّراها.
قَالَ: وأصل (الْآن) إِنَّمَا كَانَ (أَوَان) فَحذف مِنْهُ الْألف،
وغيّرت واوها إِلَى الْألف، كَمَا قَالُوا فِي (الراح) : الرِّياح؛
وأَنْشد أَبُو القَمقام:
كَأَن مَكَاكِيّ الجِواء غُدَيَّة
نَشَاوى تساقَوْا بالرِّياح المُفَلْفَل
فَجعل (الرِّياح) و (الأوان) مرّة على جِهَة (فَعَل) ، وَمرَّة على
جِهَة (فعَال) كَمَا قَالُوا: زَمَن، وزَمَان.
قَالُوا: وَإِن شِئْت جعلت (الْآن) أَصْلهَا من قَوْلك: آن لَك أَن
تفعل، أدخلت عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام، ثمَّ تركتهَا على مَذْهَب
(فَعَل) فَأَتَاهَا النصب من نَصْب (فَعل) ، وَهُوَ وَجه جَيد.
كَمَا قَالُوا: نَهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قِيل
وَقَالَ، فَكَانَت كالاسمين، وهما مَنْصوبتان.
وَلَو خَفَضْتهما، على أَنَّهُمَا أُخرجتا من نِيّة الفِعل إِلَى
نيّة الْأَسْمَاء، كَانَ صَوَابا.
وَسمعت الْعَرَب يَقُولُونَ: من شُبَّ إِلَى دُبَّ، وبعضٌ: مِن
شُبَ إِلَى دُبَ.
وَمَعْنَاهُ: فَعل مذ كَانَ صَغِيرا إِلَى أَن دَبّ كَبِيرا.
وَقَالَ الْخَلِيل: الْآن، مبنيّ على الْفَتْح، تَقول: نَحن من
الآنَ نَصيرُ إِلَيْك.
فنفتح (الْآن) لِأَن الْألف وَاللَّام إِنَّمَا يَدْخُلان لعْهدٍ،
و (الْآن) لم تَعْهده قبل هَذَا الْوَقْت، فَدخلت الْألف وَاللَّام
للْإِشَارَة إِلَى الْوَقْت، وَالْمعْنَى: نَحن من هَذَا الْوَقْت
نَفْعل. فَلَمَّا تضمّنت معنى هَذَا وَجَب أَن تكون مَوقوفة،
ففُتحت لالتقاء الساكنين، وهما الْألف وَالنُّون.
قلت: وَأنكر الزّجاج مَا قَالَ الفَراء أَن (الْآن) إِنَّمَا كَانَ
فِي الأَصْل (آن) ، وَأَن الْألف وَاللَّام دخلت على جِهَة
الْحِكَايَة.
وَقَالَ: مَا كَانَ على جِهَة الْحِكَايَة، نَحْو قَوْلك (قَامَ)
إِذا سمّيت بِهِ شَيْئا، فَجَعَلته مبنيًّا على الْفَتْح، لم تدخله
الْألف وَاللَّام.
ثمَّ ذكر قَول الْخَلِيل (الْآن) مبنيّ على الْفَتْح، وذَهب
إِلَيْهِ، وَهُوَ قولُ سِيبويه.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله عزّ وجلّ: {الئَانَ جِئْتَ بِالْحَقِّ}
(الْبَقَرَة: 71) فِيهِ ثَلَاث لُغَات:
قَالُوا: الْآن، بِالْهَمْزَةِ وَاللَّام سَاكِنة.
وَقَالُوا: أَلان، متحركة اللَّام بِغَيْر همز، وتُفْصل، قَالُوا:
مِن لاَن.
(15/393)
ولغة ثَالِثَة: قَالُوا: لانَ جِئْت
بِالْحَقِّ.
قَالَ: والآن: مَنْصُوبَة النُّون، فِي جَمِيع الْحَالَات، وَإِن
كَانَ قبلهَا حرف خافض، كَقَوْلِك: مِن الآنَ.
وَذكر ابْن الْأَنْبَارِي (الْآن) فَقَالَ: وانتصاب (الْآن)
بالمُضمر، وعلامةُ النصب فِيهِ فتحُ النُّون، وَأَصله: (الأوان)
فأُسْقطت الْألف الَّتِي بعد الْوَاو، وَجعلت الْوَاو ألفا،
لانفتاح مَا قَبلها.
قَالَ: وَقيل: أَصله: آن لَك أَن تفعل، فسمّى الْوَقْت بالفِعل
الْمَاضِي، وَترك آخِره على الفَتْح.
قَالَ: وَيُقَال على هَذَا الْجَواب: أَنا لَا أُكَلِّمك من الآنَ
يَا هَذَا، وعَلى الْجَواب الأول: من الْآن؛ وَأنْشد لأبي صَخْر:
كأنّهما مِلآنِ لم يَتغيَّرا
وَقد مَرَّ للدارَيْن من بَعدنَا عَصْر
وَقَالَ ابْن شُميل: هَذَا أَوَان الآنَ تَعلم، وَمَا جِئْت إِلَّا
أوانَ الآنَ، أَي: مَا جِئْت إِلَّا الآنَ، بَنصب (الْآن) فيهمَا.
وَسَأَلَ رجلٌ ابْن عمر عَن عُثمان، قَالَ: أَنْشدك الله هَل تعلم
أنّه فَرَّ يَوْم أُحد، وَغَابَ عَن بَدْر وَعَن بَيعة الرّضوان؛
فَقَالَ ابْن عمر: أمّا فرَاره يَوْم أُحد فَإِن الله عز وَجل
يَقُول: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} (آل عمرَان: 155) ،
وأمّا غَيبته عَن بَدر، فَإِنَّهُ كَانَت عِنْده بِنت رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت مَرِيضَة، وَذكر عُذْره فِي
ذَلِك ثمَّ قَالَ: اذْهَبْ بِهَذِهِ تلآن مَعك.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الأُموي: قَوْله (تلآن) يُرِيد: الْآن،
وَهِي لُغَة مَعْرُوفَة، يَزيدون التّاء فِي (الْآن) ، وَفِي
(حِين) ، ويحذفون الْهمزَة الأولى، فَيُقَال: (تَلأن) ، و (تِحين)
.
قَالَ: وأنْشد لأبي وَجْزة:
العاطفُون تَحينَ مَا من عاطِفٍ
والمُطْعمون زَمان مَا مِن مُطْعِمِ
وَقَالَ آخر:
وصَلّينا كَمَا زَعَمت تَلاَنا
قَالَ: وَكَانَ الْكسَائي والأحمر وَغَيرهمَا يَذْهبون إِلَى أَن
الرِّواية: العاطفونه، فَيَقُولُونَ: جعل الْهَاء صلَة، وَهُوَ فِي
وسط الْكَلَام، وَهَذَا لَيْسَ يُوجد إلاَّ على السَّكْت.
قَالَ: فحدّثت بِهِ الأُمويّ فأَنْكره.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَهُوَ عِنْدِي على مَا قَالَ الأُمويّ، وَلَا
حُجّة لمن احْتج بِالْكتاب فِي قَوْله: {فَنَادَواْ وَّلاَتَ
حِينَ} (ص: 3) لِأَن التَّاء مُنْفصلة من (حِين) ، لأَنهم كتبُوا
مثلهَا مُنْفَصِلا أَيْضا ممّا لَا يَنْبَغِي أَن يفصل كَقَوْلِه:
{ياوَيْلَتَنَا مَا لِهَاذَا الْكِتَابِ} (الْكَهْف: 49) والّلام
مُنْفصلة من (هَذَا) .
قلت: والنَّحْويون على أَن التَّاء فِي قَوْله تَعَالَى:
{فَنَادَواْ وَّلاَتَ} (ص: 3) فِي الأَصْل
(15/394)
هَاء، وَإِنَّمَا هِيَ: وَلاَه، فَصَارَت
تَاء للمُرور عَلَيْهَا، كالتاآت المُؤنَّثة.
وَقد ذكرت أقاويلهم فِي بَاب (لَا) من كتاب اللَّام، بِمَا فِيهِ
الْكِفَايَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
أَبُو زَيد: الْعَرَب تَقول: مَرَرْتُ بِزَيْد الْآن، تنقل اللَّام
وتكسر الدَّال وتُدغم التَّنْوِين فِي اللاّم.
أَيَّانَ: قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا
يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (النَّحْل: 21) أَي: لَا
يعلمُونَ مَتى البَعْث؟
وَقَالَ الفرّاء: قَرَأَ أَبُو عَبد الرحمان السُّلمي (إيّان
يُبْعثون) بِكَسْر الْألف، وَهِي لُغَة لسُلَيم.
قَالَ: وَقد سَمِعت الْعَرَب تَقول: مَتى إوان ذَاك؟ وَالْكَلَام:
أَوَان.
قلت: وَلَا يجوز أَن تَقول: أَيَّانَ فعلت هَذَا؟ أَي: مَتى فعلت؟
وَقَالَ تَعَالَى: {سَاهُونَ يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ
الدِّينِ} (الذاريات: 12) لَا يكون إِلَّا استفهاماً عَن الْوَقْت
الَّذِي لم يَجِىء.
أَيْن: اللَّيْث: أَيْن، وَقت من الأَمْكنة.
تَقول: أَيْن فلَان؟ فَيكون مُنْتصباً فِي الْحَالَات كلهَا، مالم
تَدْخله الْألف وَاللَّام.
وَقَالَ الزّجاج: أَيْن، وَكَيف: حرفان يُستفهم بهما، وَكَانَ
حقّهما مَوْقُوفين فحرِّكا لِاجْتِمَاع الساكنين، ونُصبا وَلم
يُخْفضا من أجل الْيَاء، لِأَن الكسرة مَعَ الْيَاء تَثْقُل
والفَتحة أخَفّ.
وَأَخْبرنِي المُنذريّ، عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: قَالَ الْأَخْفَش
فِي قَول الله تَعَالَى: {وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}
(طه: 69) : فِي حرف ابْن مَسْعود: أَيْن أَتَى؟
قَالَ: وَتقول الْعَرَب: جئتُك من أَيْن لَا تَعلم.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: أمّا مَا حُكي عَن الْعَرَب: جئْتُك من
أَيْن لَا تعلم، فَإِنَّمَا هُوَ جَوَاب مَن لم يَفْهم فاستفهم،
كَمَا يَقُول قَائِل: أَيْن المَاء والعُشب؟
أَبُو عبيد، عَن أبي زيد: الأين: الإعياء وَلَيْسَ لَهُ فِعْل.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: آن يئين أيْناً، من الإعياء،
وَأنْشد:
إنّا ورَبِّ القُلُص الضَّوامِر
إنّا، أَي: أَعْيَيْنا.
اللَّيْث: الأين: الإعياء، وَلَا يُشتقّ مِنْهُ فِعل إلاّ فِي
الشّعْر.
شَمر، عَن أبي خَيْرة؛ والحراني، عَن ابْن السِّكيت: الأَن
والأَيم: الذّكر من الحيّات.
وَقَالَ ابْن شُميل: كُل حَيّة: أَيْم، ذكرا كَانَ أَو أُنْثى.
(15/395)
وَرُبمَا شُدد فَقيل: أيّم؛ قَالَ الهُذلي:
باللَّيْل مَوْرِدَ أَيِّمٍ مُتَغَضّف
وَقَالَ العجاج:
وبَطْنَ أَيْم وقَواماً عُسْلُجاً
وَقَالَ أَبُو خَيرة: الأُيون، والأُيوم: جمَاعَة.
أَنى: قَالَ بَعضهم: أنَّى: أَدَاة، وَلها مَعنيان:
أَحدهمَا: أَن تكون بِمَعْنى: مَتى، قَالَ الله تَعَالَى:
{قُلْتُمْ أَنَّى هَاذَا} (آل عمرَان: 165) أَي: مَتى هَذَا؟
وَكَيف هَذَا؟
وَتَكون (أنَّى) بِمَعْنى: من أَيْن؛ قَالَ الله تَعَالَى:
{ءَامَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن} (سبأ: 52) .
يَقُول: من أَيْن لَهُم ذَلِك.
وَقد جَمعهمَا الشَّاعِر تَأْكِيدًا فَقَالَ:
أَنّى ومِن أَيْن آبَك الطَّرَبُ
وَقَالَ الله تَعَالَى: {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ
قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَاذَا} (آل عمرَان:
165) . يَحتمل الْوَجْهَيْنِ: قُلْتُمْ: من أَيْن هَذَا؟ وَيكون:
قُلتم كَيفَ هَذَا؟
وَقَوله تَعَالَى: {قَالَ يامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَاذَا} (آل
عمرَان: 37) أَي: من أَيْن لَك هَذَا.
وَقَالَ اللَّيْث: أَنى، مَعْنَاهَا: كَيفَ؟ وَمن أَيْن؟ من أَنَّى
شِئْت؟ من أَين شِئْت؟
وَقَالَ فِي قَول عَلْقمة:
ومُطْعَمُ الغُنْمِ يَوْمَ الغُنْم مُطْعَمُه
أنَّى تَوجَّه والمَحْرومُ مَحْرُومُ
أَرَادَ: أَيْنَمَا توجَّه؟ وكيفما توجَّه؟
قَالَ ابْن الأنباريّ: وَقَرَأَ بَعضهم: { (طَعَامِهِ ط {أَنَّا
صَبَبْنَا} (عبس: 25) .
قَالَ: من قَرَأَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَة قَالَ: الْوَقْف على
(طَعَامه) تامّ، وَمعنى: أنَّى: أَيْن؟
إِلَّا أنّ فِيهَا كِنَايَة عَن الوُجوه، وتأويلها: من أيّ وَجْه
صَبَبْنا المَاء؛ وأَنْشد:
أنّى ومِن أَين آبَك الطَّرَبُ
وَقَول الله تَعَالَى: {وَمِنْءَانَآءِ الَّيْلِ} (طه: 130) .
قَالَ أهل اللُّغَة: آنَاء اللَّيْل: ساعاته. وَاحِدهَا: إنْيٌ،
وإنًى.
فَمن قَالَ (إنيٌ) فَهُوَ مثل: نِحْي وأَنحاء.
وَمن قَالَ: إنًى، فَهُوَ مثل: مِعى وأَمْعاء؛ قَالَ الشَّاعِر:
بكُلّ إنْيٍ قَضَاه اللَّه يَنْتَعل
كَذَا رَوَاهُ ابْن الأنباريّ. وَقَالَ: وَاحِد: آنَاء اللَّيْل،
على ثَلَاثَة أوجه: إنْي، بِسُكُون النُّون.
وإنى، بِكَسْر الْألف.
وأنًى: بِفَتْح الْألف.
وَقَوله:
فورَدَتْ قبل إنَى صحَابها
(15/396)
يُروى: إنًى، وأَنًى. وَقَالَهُ
الْأَصْمَعِي.
وَقَالَ الْأَخْفَش: وَاحِد (الآناء) إنْو.
وأَنشد ابْن الْأَعرَابِي فِي (الإنَى) :
أَتَمّت حَملها فِي نصف شَهْر
وحَمْل الْحَامِلَات إنى طَوِيلُ
قَالَ أَبُو بكر فِي قَوْلهم: تأنيت الرَّجل، أَي: انتظرته وتأخّرت
فِي أمره وَلم أَعْجل.
وَيُقَال: إنّ خَير فلَان لِبَطيء أَنِيّ؛ قَالَ ابْن مُقْبل:
ثمَّ احتملْن أنِيًّا بعد تضْحية
مثل المخَارِيف من جَيْلان أَو هَجَر
قَالَ: وَرجل متأنَ، أَي متمكِّث متلبِّث، أنّيت، وآنَيت.
قَالَ ابْن الأنباريّ: الأنَى، من بُلُوغ الشَّيْء مُنتهاه،
مَقْصور يكْتب بِالْيَاءِ.
وَقد أَنَى يَأنِي؛ وَقَالَ:
بِيَوْم أَنًى ولِكُلّ حامِلة تمَامُ
أَي: أَدْرك وبَلغ.
وَقَوله تَعَالَى: {إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ} (الْأَحْزَاب: 53) أَي:
غير مُنْتظرين نُضْجَه وبُلوغه.
تَقول: أَنى يَأْنِي، إِذا نَضج.
وَقَالَ تَعَالَى: {بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ} (الرحمان: 44) .
قيل: هُوَ الَّذِي انْتهى فِي الْحَرَارَة.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: { (حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ}
(الغاشية: 5) أَي: مُتناهية فِي شدّة الْحَرَارَة.
وَأما قَوْله تَعَالَى: {الْمَصِيرُ أَلَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ
مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ} (الْحَدِيد: 16) هُوَ من: أَنى
يَأنِي، وَفِيه لُغات: يُقال: أنَى لَك يَأني، وآن لَك يَئين، ونال
لَك، وأنال لَك أَن تفعل كَذَا، كُله بِمَعْنى وَاحِد، وأجودها:
أَنَى لَك.
قَالَ الزجّاج: وَمَعْنَاهَا كلّها: حَان لَك يَحِين.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ الفَرّاء فِي اللُّغَات الثَّلَاث.
اللَّيْث، يُقَال: أَنَى الشيءُ يَأني أُنِيًّا، إِذا تأخّر عَن
وَقته؛ وَمِنْه قَوْله:
والزَّاد لَا آنٍ وَلَا قَفَارُ
أَي: لَا بطيء وَلَا جَشِبٍ غير مَأدُوم.
وَمن هَذَا يُقال: تأنَّى فلَان يتأنَّى، إِذا تمكّث وانْتَظر.
قَالَ: والأَنَى، من: الأَناة والتُّؤدة، قَالَ العجّاج، فَجعله
الأَناء:
طَال الأناء وزَايَل الحقّ الأَشر
وَهِي: الأَناة.
ابْن السِّكيت: الإنى من السَّاعات، وَمن بُلوغ الشَّيْء مُنتهاه،
مَقصور، يُكتب بِالْيَاءِ، ويُفتح فيمدّ؛ قَالَ الحُطيئة:
وآنَيْتُ العَشَاء إِلَى سُهَيْلٍ
أَو الشِّعرى فَطال بِي الأنَاءُ
روى أَبُو سَعيد بَيت الحُطيئة:
(15/397)
وأنَّيْت العَشَاء إِلَى سُهَيل
بتَشْديد النّون.
قَالَ: وَيُقَال: أنَّيْت الطَّعامَ فِي النَّار، إِذا أَطَلْت
مُكْثه.
وأنَّيْت فِي الشَّيْء، إِذا قَصّرت فِيهِ.
وَفِي الحَدِيث: إنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجُل
جَاءَ يَوْم الْجُمُعَة يتخطَّى رِقَاب النَّاس: (رأيتُك آنَيْت
وآذَيْت) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: آنيت، أَي أَخَّرت الْمَجِيء
وأَبْطأت.
وَمِنْه قيل للمُتمكّث فِي الأُمور: مُتأَنَ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: تأنّى، إِذا رَفق. وآنَيْت،
وأَنَّيت، بِمَعْنى وَاحِد.
اللَّيْث: يُقَال: اسْتأنَيْتَ بفلان، أَي: لم أُعْجِلْه.
وَيُقَال: اسْتَأن فِي أَمْرك، أَي: لَا تعجل؛ وأَنْشد:
اسْتأن تَظْفر فِي أمورك كلّها
وَإِذا عَزَمْت على الهَوى فتوكَّلِ
والأَناة: التُّؤَدة.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: الأَناة من النِّساء: الَّتِي
فِيهَا فُتور عَن القِيام.
والوَهْنانة، نَحْوهَا.
اللَّيث: يُقال للْمَرْأَة المُباركة الحكيمة المُواتية: أَنَاة.
وَالْجمع: أَنَوات.
قَالَ: وَقَالَ أهلُ الْكُوفَة: إِنَّمَا هِيَ الوَناة، من
الضَّعْف، فهمزوا الْوَاو.
وَقَالَ أَبُو الدّقَيش: هِيَ المُباركة.
والإناء، مَمْدُود: وَاحِد: الْآنِية؛ مثل: رِدَاء وأَرْدية.
ثمَّ تجمع الْآنِية: الْأَوَانِي، على فواعل، جمع (فاعلة) .
وَيُقَال: لَا تُؤْن فُرْصَتك، أَي: لَا تؤخِّرها إِذا
أَمْكَنَتْك.
وكل شَيْء أَخَّرته، فقد آنَيْته.
وَقيل: امْرَأَة أَنَاة، أَي رَزِينة لَا تَصْخب وَلَا تُفْحش؛
قَالَ الشَّاعِر:
أناةٌ كأنّ المِسْك تَحت ثِيَابهَا
ورِيحَ خُزَامَى الطَّلّ فِي دَمِثِ الرَّمْل
ونى يني: اللَّيْث: الوَنَى: الفَتْرة فِي الأعْمال والأمور
والتَّوانِي.
تَقول: فلانٌ لاَ يَني فِي أَمْره، أَي لَا يَفْتُر وَلَا يَعْجِز.
يُقَال: وَنَى يَنِي ونْياً، فَهُوَ وانٍ.
ويُقال: فلانٌ لَا يَنِي يَفْعل كَذَا وَكَذَا، بِمَعْنى: لَا
يَزال؛ وأَنْشد:
فَمَا يَنُون إِذا طافُوا بحَجِّهمُ
يهتِّكُون لِبَيْت اللَّه أَسْتَارَا
وناقة وانيةٌ، إِذا أَعْيت؛ وأَنشد:
ووانيةٍ زَجَرْتُ على وَجَاهَا
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَالَ أَبُو العبَّاس: الوَنى: واحدته:
ونِيّة، وَهِي اللّؤْلُؤة.
(15/398)
قلت: وَاحِدَة (الوَنى) : وناة، لَا:
وَنِيّة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَنِيّة: الدُّرّة؛ قَالَ أَوْس
بن حَجَر:
فحطَّت كَمَا حَطَّت وَنِيّة تاجِرٍ
وَهَى نَظْمُها فارْفَضّ مِنْهَا الطَّوائِفُ
عَمْرو، عَن أَبِيه، هِيَ الوَنِيّة والوَناة، للدُّرّة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سُمِّيت: وَنِيّة، لثَقبها.
وَقَالَ غَيره: جَارِيَة وَنَاة، كَأَنَّهَا الدُّرّة.
والوَناة: الَّتِي فِيهَا فُتور لِنَعْمتها.
نوى: اللَّيْث: النَّوَى: التَّحوُّل مِن دارٍ إِلَى دارٍ غَيرهَا،
كَمَا تَنْتوي الأعرابُ فِي بادِيَتها.
وانْتَوى القومُ، إِذا انتقلوا من بَلدٍ إِلَى بَلد.
والنِّيّة، والنَّوى، وَاحِد.
والعربُ تؤّنث: النَّوى، وأَنْشد:
عَدَتْه نِيَّةٌ عَنْهَا قَذُوفُ
قَالَ الطِّرمّاح:
آذَن النَّاوِي بِبَيْنُونة
ظَلْت مِنْهَا كصَرِيع المُدَام
النَّاوِي: الَّذِي أَزْمع على التحوّل. والنَّوى: البُعد.
والنَّوى: النِّيَّة.
وَهِي: النِّيَة، مُخفَّفة، وَمَعْنَاهَا: القَصْد لبلد غير
الْبَلَد الَّذِي أَنت فِيهِ مُقِيم.
وفلانٌ يَنْوي وَجه كَذَا، أَي يقْصده، من سَفر أَو عَمل.
والنَّوى: الوَجه الَّذِي يَقْصده.
وفلانٌ نَواك، وَنِيَّتك، ونَواتُك؛ قَالَ الشَّاعِر:
صَرَمَتْ أُمَيمةُ خُلَّتي وصِلاَتِي
ونَوتْ ولمّا تَنْتَوي كنَواتِي
ويُقال: لي فِي بني فلانٍ نَواة، ونِيّة، أَي حَاجَة.
وَقَالَ الفرّاء: نَواك اللَّهُ، بِمَعْنى: حَفِظك الله؛ وأَنْشد:
يَا عَمْرو أَحْسِن نَواكَ الله بالرَّشَد
واقْر السَّلامَ على الأَنقاء والثَّمَدِ
قَالَ: وَقَالَ أعرابيّ من بني سُليم لابْنٍ لَهُ سمّاه
(إِبْرَاهِيم) : ناويتُ بِهِ إِبْرَاهِيم، أَي: قَصدْت قَصْده
فتبرّكت باسمه.
وَفِي الحَدِيث: (نّية الرّجُل خيرٌ مِن عَمله) .
وَلَيْسَ هَذَا بمخالف لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(من نَوى حَسَنةً فَلم يَعْملها كُتِبت لَهُ حَسنة، ومَن عَملهَا
كُتبت لَهُ عَشْراً) .
وَالْمعْنَى فِي قَوْله: (نِية الْمُؤمن خيرٌ من عمله) : أَنه
يَنْوي الْإِيمَان مَا بَقِي، ويَنْوي الْعَمَل لله بِطَاعَتِهِ
مَا بَقِي، وَإِنَّمَا يخلّده الله جلّ وعزّ بِهَذِهِ النيّة لَا
بِعَمَلِهِ أَلا ترى أَنه إِذا آمن ونَوى الثَّبَات على الْإِيمَان
وأَداء
(15/399)
الطَّاعَات مَا بَقي، وَلَو عَاشَ مائَة
سنة يَعمل الطَّاعَات وَلَا نيّة لَهُ فِيهَا أَنه يعملها لله،
فَهُوَ فِي النَّار.
والنّية: عَمل الْقلب، وَهِي تَنْفَع الناوي وَإِن لم يعْمل
الْأَعْمَال، وأداؤها لَا يَنفعه دونهَا.
فَهَذَا معنى قَوْله: (نِيَّة الرجل خيرٌ من عمله) .
قَالَ أَبُو عُبيد: وَمن أَمْثَال الْعَرَب فِي الرَّجل يُعْرف
بالصِّدْق يُضْطَرّ إِلَى الْكَذِب، قَوْلهم: عِندَ النّوى يَكْذبك
الصَّادِقُ.
وَذكر قِصَّة العَبد الَّذِي خُوطر صاحبُه على كذبه.
والنَّوَى: هَاهُنَا: مَسِير الحيّ مُتحوِّلين من دارٍ إِلَى
أُخرى.
وأَخبرني المُنذري، عَن الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، قَالَ:
النِّية والنَّوى: الْوَجْه الَّذِي تُريده وتَنْويه.
قَالَ: ونَوِيّك: صاحبُك الَّذِي نِيّته نِيّتك؛ وأَنْشد:
وَقد عَلِمْت إذْ دُكين لي نَوِي
أنّ الشَّقِيّ يَنْتَحِي لَهُ الشَّقِي
قَالَ: وحَكى الفَرّاء: نَواه اللَّهُ، أَي: صَحِبه الله. وَيكون:
حَفِظه الله.
قَالَ: ورجلٌ مَنْوِيٌّ، ونِيّةٌ مَنْوِيّة.
إِذا كَانَ يُصيب النُّجْعة المَحْمودَة.
وَفِي حَدِيث عَبد الرحمان بن عَوْف: أنّ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم رأى عَلَيْهِ وَضَراً من صُفرة فَقَالَ: مَهْيَم. فَقَالَ:
تَزوَّجت امْرَأَة من الْأَنْصَار على نَواةٍ من ذهب. فَقَالَ:
(أَوْلِمْ وَلَو بِشَاة) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله: على نواة؛ يَعْنِي: خَمْسَة دَرَاهِم،
فسمَّى (نواة) ، كَمَا تُسمَّى الْأَرْبَعُونَ: أَوقيّة،
وَالْعشْرُونَ نَشًّا.
وَقَالَ: حدّثني يحيى بن سعيد، عَن سُفيان، عَن مَنصور، عَن
مُجَاهِد، قَالَ: الْأُوقِيَّة أَرْبَعُونَ، والنَّشّ عشرُون،
والنَّواة خَمْسَة.
قلت: وَلَفظ حَدِيث عبد الرحمان يدُلّ على أنّه تَزوّج امْرَأَة
على ذَهب قِيمَته خَمْسة دَرَاهِم، أَلا ترَاهُ قَالَ: على نواة من
ذَهب.
وَرَوَاهُ جماعةٌ عَن حُميد، عَن أنس. وَلَا أَدري لِمَ أَنْكره
أَبُو عُبيد؟
وَقَالَ إِسْحَاق: قلت لِأَحْمَد بن حَنبل: كم وَزْن نَواة من
ذَهب؟ قَالَ: ثَلَاثَة دَراهم.
قَالَ: وَقَالَ لي إِسْحَاق: النواة: خَمْسَة دَرَاهِم.
وَقَالَ المُبرد فِي تَفسير (النواة) مثلَ قَول أبي عُبيد سَوَاء.
وَقَالَ: العربُ تَعْنِي بالنّواة خَمسة دَراهم.
قَالَ: وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولون: على نَواة من ذَهب قِيمتُها
خَمْسة دَرَاهِم، وَهُوَ
(15/400)
خطأ وَغلط.
وَقَالَ غير وَاحِد: نَوَيْت النَّوى، وأَنْوَيته، وَذَلِكَ إِذا
أكلت التَّمر وَجمعت نَوَاه.
اللَّيْث: نَوَّت البُسرة، وأَنْوَت، إِذا عَقَدت نَوَاتها.
وَثَلَاث نَوَيات. والجميع: النَّوَى.
قَالَ: والنَّوَى: مَخْفِض الْجَارِيَة، وَهُوَ الَّذِي يَبْقى من
بَظْرها إِذا قُطِع المُتْك.
وَقَالَت أعرابّية: مَا تَرَك النَّخْجُ لنا مِن نَوًى.
أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي: إِذا سَمِنت النَّاقة، فَهِيَ
ناوِية.
وَقد نَوت تَنْوِي نَيًّا.
وهُن نُوقٌ نِوَاءٌ؛ قَالَ أَبُو النَّجم:
أَو كالمُكَسَّر لَا تَؤُوب جِيادُه
إلاّ غّوانِمَ وَهِي غَيْرُ نِوَاء
قَالَ أَبُو الدُّقَيش: النِّيّ، الِاسْم، وَهُوَ الشَّحْمُ.
والنَّيّ، هُوَ الفِعل.
يُقَال: نَوت النَّاقة نَيًّا، إِذا كثر نِيّها.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّيّ، والنِّيّ.
وَقَالَ غَيره: النِّيّ: اللَّحْم، بِكَسْر النُّون.
والنَّيّ: الشَّحم.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: النَّوى: الْحَاجَات.
والوَنى: ضَعْف البَدن. وأَنْوَى الرَّجُل، إِذا كثرت أَسْفارُه.
وأَنوى، إِذا تبَاعد.
وأَنْوَى، ونَوَى، ونَوَّى، إِذا أَلْقى النَّوى.
وأَنْوى، ونَوَى، ونَوَّى، من النِّيّة.
وأَنْوى، ونَوى، ونَوَّى، فِي السَّفَر. وأَنْشد:
إنّك أَنت المَحْزون فِي أَثر الْ
حَيّ فَإِن تَنْوِينّهم تُقِم
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قلت للمُفضَّل: مَا تَقول فِي هَذَا
الْبَيْت؟ قَالَ: فِيهِ مَعنيان:
أَحدهمَا: يَقُول: قد نَوْوا فِراقَك فَإِن تَنْو كَمَا نَوَوْا
تُقم فَلَا تَطْلُبهْم.
وَالثَّانِي: قد نَوَوْا السَّفَر، فَإِن تَنْو كَمَا نَوَوْا
تُقِم صُدُور الْإِبِل فِي طَلبهم؛ كَمَا قَالَ الآخر:
أقِم لَهَا صُدورَها يَا بَسْبَسُ
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الوَنْوة: الاسترخاء فِي العَقل. والوَنى:
الضَّعْف. والنَّنّ: الشَّعر الضَّعيف.
والوَنّ: الصَّنْج الَّذِي يُضْرب بالأصابع، وَهُوَ الونج، مشتقّ
من كَلَام العَجم.
أَبُو عُبيد: وَنَيْت فِي الْأَمر: فَتَرت.
وأَوْنَيْت غَيْرِي.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : فلانٌ نَوِيّ الْقَوْم وناويهم،
ومُنْتويهم، أَي صَاحب أَمرهم
(15/401)
ورأيهم.
نون: قَالَ الله جلّ وعزّ: (ن والقلم وَمَا يسطرون} (الْقَلَم: 1)
.
قَالَ الْفراء: لَك أَن تُدغم النُّون وتُظهرها، وإظهارها أَعجب
إليّ، لأنَّها هِجاء والهِجاء كالموقوف عَلَيْهِ وَإِن اتَّصَل.
وَمن أخفاها بناها على الاتِّصال.
وَقد قَرَأَ القُرَّاء بالوَجْهين جَمِيعًا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن (ن) الحُوت
الَّذِي دُحِيت عَلَيْهِ سَبْع أَرَضين.
وَجَاء فِي التَّفْسِير، أَن (ن) : الدَّواة.
وَلم يجىء فِي التَّفْسِير كَمَا فُسرت حُرُوف الهجاء.
قلت: (ن والقلم) لَا يجوز فِيهِ غير الهجاء، أَلا ترى أَن كُتَّاب
الْمُصحف كتبوه (ن) ، وَلَو أُرِيد بِهِ: الدواة والحوت، لكُتب:
نون.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ فِي بَاب إخفاء النّون وإظهارها: النّون،
مَجهورة ذَات غُنّة، وَهِي تخفى مَعَ حُرُوف الْفَم خَاصَّة،
وَتبين مَعَ حُرُوف الْحلق عَامَّة، وَإِنَّمَا خفيت مَعَ حُرُوف
الْفَم لقربها مِنْهَا، وَبَانَتْ مَعَ حُرُوف الْحلق لبُعدها
مِنْهَا.
وَكَانَ أَبُو عَمْرو يخفي النُّون عِنْد الْحُرُوف الَّتِي
تُقاربها، وَذَلِكَ أَنَّهَا من حُروف الْفَم، كَقَوْلِك: من
قَالَ؟ وَمن كَانَ؟ وَمن جَاءَ؟ قَالَ الله تَعَالَى {مَن جَآءَ
بِالْحَسَنَةِ} (الْأَنْعَام: 160) على الْإخْفَاء.
وَأما بَيَانهَا عِنْد حُرُوف الْحلق السّتة، فَإِن هَذِه
السِّتَّة تَبَاعَدت من مَخرجها وَلم تكن مِن قَبيلتها وَلَا من
حيِّزها، فَلم تخف فِيهَا كَمَا أَنَّهَا لم تُدْغم فِيهَا.
وكما أَن حُرُوف اللِّسَان لَا تُدغم فِي حُرُوف الحَلق لبُعدها
مِنْهَا، وَإِنَّمَا أُخْفيت مَعَ حُرُوف الْفَم كَمَا أُدغمت
اللَّام وَأَخَوَاتهَا، كَقَوْلِك: من أَجلك، من هُنَا، من خَافَ،
من حرم زِينَة الله، من عليّ، من عَلَيْك.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يُجري الْغَيْن وَالْخَاء مجْرى الْقَاف
وَالْكَاف فِي إخفاء النُّون مَعَهُمَا.
وَقد حَكَاهُ النَّضر عَن الْخَلِيل.
قَالَ: وَإِلَيْهِ ذهب سِيبويه.
قَالَ الله تَعَالَى: {) تُكَذِّبَانِ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ
رَبِّهِ} (الرحمان: 46) إِن شِئْت أَخفيت، وَإِن شِئْت أَبَنْت.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: النُّونة: الْكَلِمَة مِن
الصَّواب.
والنُّونة: النُّقْبة الَّتِي تكون فِي ذَقَن الصّبيّ الصَّغير.
وَفِي حَدِيث عُثْمَان أَنه رأى صَبِيًّا مَلِيحاً فَقَالَ:
وسِّموا نُونته، أَي: سَوِّدوها لِئَلَّا تُصيبه العَين.
(15/402)
وَذُو النُّون: سيفٌ كَانَ لمَالِك بن
زُهير، أخي قيس بن زُهَيْر، فَقتله حَمل بن بَدْر وَأخذ مِنْهُ
سيفَه (ذَا النُّون) ، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الهَباءة قتل
الْحَارِث بن زُهير حَمَل بن بدر وَأخذ مِنْهُ ذَا النُّون، وَفِيه
يَقُول الْحَارِث:
ويُخبرهم مكانُ النُّون منِّي
وَمَا أُعطيتُه عَرَق الخِلاَلِ
أَي: مَا أُعطيته مُكَافَأَة وَلَا مَودَّة، وَلَكِنِّي قتلت
حَملاً وأخذتُه مِنْهُ قَسْراً.
وَقَول الله تَعَالَى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً}
(الْأَنْبِيَاء: 87) هُوَ: يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام، سمّاه الله
(ذَا النُّون) لِأَنَّهُ حَبسه فِي جَوف الْحُوت الَّذِي التقمه.
والنُّون: الحُوت.
وَيُقَال للسَّيف العَريض الْمَعْطُوف طَرَفي الظُّبة: ذُو
النُّونَيْن؛ وَمِنْه قَوْله:
قَرَيْتُك فِي الشَّريط إِذا التَقَيْنَا
وَذُو النّونيْن يومَ الحَرْب زَيْني
والتَّنْوين: تَنْوِين الِاسْم إِذا أَجْرَيته.
أَن: قَالَ أَبُو زيد: أنّ الرّجُل يَئِن أَنِيناً، وأَنَت يَأنِت
أَنِيتاً، ونَأَتَ يَنْئِت نَئِيتاً، بِمَعْنى وَاحِد.
اللَّيْث: رَجُلٌ أُنَنَة: كثير الْكَلَام والبَثّ والشُّكْوى.
وَلَا يُشْتقّ مِنْهُ فِعْل.
وَمن (الأنين) يُقال: أنّ يَئِن أَنِيناً، وأَنًّا، وأَنَّةً.
وَإِذا أَمَرْت قُلت: إينَنْ، لِأَن الهمزتين إِذا الْتقتا فسَكنت
الأخيرةُ اجْتمعوا على تَلْيِينها.
وَأما فِي الْأَمر الثَّانِي فإِنه إِذا سكنت الْهمزَة بَقي
النُّون مَعَ الْهمزَة وَذَهَبت الْهمزَة الأولى.
وَيُقَال للْمَرْأَة: إنّي، كَمَا يُقال للرُّجل: اقْرِرْ،
وللمرأة: قِرّي.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: أنَّ الماءَ يُؤنّه، إِذا
صَبَّه.
وَفِي بعض أَخْبَار الْعَرَب: أُنّ مَاء ثمَّ أَغْلِه، أَي: صُبَّه
وأَغْلِه.
ابْن السِّكيت: يُقال: مَا لَهُ حانّة وَلَا آنَّة، أَي مَا لَهُ
نَاقَة وَلَا شَاة.
قَالَ: وَيُقَال: لَا أَفعلهُ بِمَا أنّ فِي السَّمَاء نَجْمٌ،
أَي: مَا كَانَ فِي السَّمَاء نجم؛ وَمَا عَنّ فِي السَّمَاء نجم،
أَي: مَا عَرض؛ وَبِمَا أنّ فِي الفُرات قَطرة، أَي: مَا كَانَ فِي
الفُرات قَطْرَة.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: إنّ طول الصَّلَاة وقِصَر الخُطْبة
مَئِنّة من فِقْه الرَّجُل، أَي: بَيَان مِنْهُ.
قَالَ أَبُو زيد: إِنَّه لَمِئّنة أَن يَفعل ذَلِك، وَإِنَّهَا
وإنهن لمِئَّنة أَن يَفْعَلُوا ذَلِك، بِمَعْنى: لخليق أَن
يَفْعَلُوا ذَلِك: وأَنْشد:
ومَنزل من هَوَى جُمْلٍ نزلتُ بِهِ
مَئِنّة من مَراصيد المَئِنّاتِ
(15/403)
بِهِ تجاوزتُ عَن أولى وكائِده
إنّي كَذَلِك رَكّاب الحَشِيّاتِ
أولى، حِكَايَة عَمْرو، عَن أَبِيه.
الأنّة والمَئِنة، والعَدْقة، والشَّوّزب، وَاحِد؛ وَقَالَ دُكَين:
يَسْقِي على دَرّاجة خَرُوس
مَعْصُوبة بَين رَكايا شُوسِ
مَئِنَّة مِنْ قَلَتِ النّفوسِ
يُقَال: مَكَان من هَلاك النُّفُوس. وَقَوله: مَكَان من هَلَاك
النُّفُوس: تَفْسِير لِمئِنّة، ودلّ ذَلِك على أَنه بِمَنْزِلَة
(مَظِنّة) والخَروس: البَكْرة الَّتِي لَيست بصافية الصَّوْت.
والجَروس، بِالْجِيم: الَّتِي لَهَا صَوت.
وَقَالَ أَبو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: سَأَلَني شُعبة عَن
(مَئِنّة) ، فَقلت: هُوَ كَقَوْلِك عَلامَة، وخليق.
قَالَ أَبُو زيد: هُوَ كَقَوْلِك: مَخْلقة، ومَجْدَرة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يَعني أَن هَذَا مِمَّا يُعْرف بِهِ فِقه
الرجل ويُستدلّ بِهِ عَلَيْهِ.
قَالَ: وكل شَيْء دلّك على شَيْء فَهُوَ مَئِنَّة لَهُ؛ وأَنشد
للمَرّار:
فتَهامَسُوا سِرًّا فَقَالُوا عَرِّسُوا
من غَيْر تَمْئِنة لغير مُعَرَّسِ
قلت: الَّذِي رَوَاهُ أَبُو عُبيد، عَن الْأَصْمَعِي، وَأبي زيد،
فِي تَفْسِير المَئِنّة، صَحِيح، وَأما احتجاجه بِرَأْيهِ بِبَيْت
المَرّار فِي التَّمْئنة للمَئِنّة، فَهُوَ غَلط وسَهو؛ لِأَن
الْمِيم فِي (التمئنة) أَصْلِيَّة، وَهِي فِي (مئنّة) مَفْعلة
لَيست بأَصلية.
وَقد فسرت بَيت المَرّار فِي بَاب (مأن) .
وَأما (مئنة) فَإِن اللحياني قَالَ: هُوَ مَئِنّة أَن يفعل ذَلِك،
ومَظِنَّة أَن يفعل ذَلِك، وأَنْشد:
إنّ اكْتحالا بالنَّقِيِّ الأَبْلج
ونَظَراً فِي الحاجِب المُزجَّجِ
مَئِنّة من الفَعال الأعْوج
فَكَانَ (مَئِنّة) عِنْد اللّحياني مُبدل الْهمزَة فِيهَا من
الظَّاء فِي (المظنة) ، لِأَنَّهُ ذكر حروفاً تُعاقب فِيهَا
الظَّاء الْهمزَة، مِنْهَا قَوْلهم: بَيت حَسن الأَهْرة والظَّهرة،
وَقد أَفر وظَفر، أَي: وَثب.
إِن: قَالَ اللَّيْث: قَالَ الْخَلِيل: (إِن) الثَّقِيلَة تكون
مَنْصُوبَة الْألف، وَتَكون مَكْسُورَة الْألف، وَهِي الَّتِي
تَنْصب الْأَسْمَاء.
قَالَ: وَإِذا كَانَت مُبتدأة لَيْسَ قبلهَا شيءٌ يُعتمد عَلَيْهِ،
أَو كَانَت مُستأنفة بعد كَلَام قديم ومَضى، أَو جَاءَت بعْدهَا
لَام مُؤَكدَة يُعْتمد عَلَيْهَا، كُسرت الْألف، وَفِيمَا سوى
ذَلِك تُنصب الْألف.
وَقَالَ الفرّاء فِي (أنّ) إِذا جَاءَت بعد القَوْل وَمَا تصرّف من
القَوْل، وَكَانَت حِكَايَة لم يَقع عَلَيْهَا القولُ وَمَا تصرف
مِنْهُ، فَهِيَ
(15/404)
مَكْسُورَة، وَإِن كَانَت تَفْسيراً
لِلْقَوْلِ نَصَبتها، وَذَلِكَ مثل قَول الله تَعَالَى: {وَلاَ
يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً} (يُونُس:
65) .
وَكَذَلِكَ المَعنى اسْتِئْنَاف، كَأَنَّهُ قَالَ: يَا مُحَمَّد،
إِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا.
وَكَذَلِكَ {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى
ابْنَ مَرْيَمَ} (النِّسَاء: 157) كسرتها، لِأَنَّهَا بعد القَوْل
على الْحِكَايَة.
قَالَ: وَأما قَوْله تَعَالَى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ
أَمَرْتَنِى بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ} (الْمَائِدَة: 117)
فَإنَّك فَتحت الْألف، لِأَنَّهَا مُفَسَّرة ل (مَا) ، و (مَا) قد
وَقع عَلَيْهَا القولُ فنصبها، وموضعها نَصْب.
وَمثله فِي الْكَلَام: قد قلت لَك كلَاما حَسناً أنّ أَبَاك شريفٌ،
وأنَّك عَاقل، فتحت (أنّ) لِأَنَّهَا فَسَّرت الْكَلَام،
وَالْكَلَام مَنْصوب.
وَلَو أردْت تَكْرِير القَوْل عَلَيْهَا كَسَرْتها.
قَالَ: وَقد تكون (إنّ) بعد القَوْل مَفْتُوحَة، إِذا كَانَ
القَوْل يُرافعها؛ من ذَلِك أَن تَقول: قولُ عبد الله مُذ الْيَوْم
أنّ النَّاس خارجون، كَمَا تَقول: قولُك مُذ الْيَوْم كلامٌ لَا
يُفْهم.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا وَقعت (إنّ) على الْأَسْمَاء والصِّفات
فَهِيَ مُشدَّدة.
وَإِذا وَقعت على فعل أَو حرف لَا يتَمَكَّن فِي صِفة أَو تَصريف
فخفِّفها، تَقول: بَلغنِي أَن قد كَانَ كَذَا وَكَذَا، تخفّف من
أجل (كَانَ) ، لِأَنَّهَا فِعل، وَلَوْلَا قد لم تَحْسن على حَال
من الفِعل حَتَّى تعتمد على (مَا) أَو على (الْهَاء) ، كَقَوْلِك:
إِنَّمَا كَانَ زَيْدٌ غَائِبا، وَبَلغنِي أَنه كَانَ أَخُو بكر
غنِيًّا.
قَالَ: وَكَذَلِكَ بَلغنِي أَنه كَانَ كَذَا وَكَذَا، تشدِّدها
إِذا اعتمدَتْ.
وَمن ذَلِك قَوْلك: إنْ رُبّ رجل، فتخفّف.
فَإِذا اعتمدَت قلت: إِنَّه رُبّ رجُل، شدَّدْت.
وَهِي مَعَ الصّفات مشدّدة: إنّ لَك، وإنّ فِيهَا، وإنّ بك،
وأَشَباهها.
قَالَ: وللعرب لُغَتَانِ فِي (إنّ) الْمُشَدّدَة:
إِحْدَاهمَا التَّثقيل، وَالْأُخْرَى التَّخْفِيف.
فأمّا من خَفّف فَإِنَّهُ يَرفع بهَا.
إِلَّا أَن نَاسا من أهل الْحجاز يخفِّفون ويَنصبون على توُّهم
الثَّقِيلَة.
وقرىء: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} (هود: 111)
خفَّفوا ونَصبوا.
وأنْشد الفَرّاء فِي تَخْفيفها مَعَ المُضْمر:
فَلَو أَنْك فِي يومِ الرَّخاء سأَلْتني
فِراقَك لم أَبْخل وَأَنت صَدِيقُ
وأنْشد القولَ الآخر:
(15/405)
لقد عَلِم الضَّيْفُ والمُرْمِلون
إِذا اغْبرّ أفْقٌ وهَبّت شَمالا
بأنْك رَبيعٌ وغَيثٌ مَرِيعٌ
وقِدْماً هُناك تكون الثِّمالا
وَقَالَ أَبُو طَالب النّحوي، فِيمَا رَوى عَنهُ المُنذري، قَالَ:
أهلُ الْبَصْرَة غير سِيبَوَيْهٍ وذَويه يَقُولُونَ: إنّ الْعَرَب
تخفِّف (أَن) الشَّدِيدَة وتُعملها؛ وأَنشدوا:
ووَجْهٍ مُشْرق النَّحْر
كأنْ ثَدْيَيه حُقّانِ
أَرَادَ (كأنّ) فخفَّف وأَعمل.
وَقَالَ الفَرّاء: لم نسْمع الْعَرَب تُخفّف (أَن) وتُعملها إلاّ
مَعَ المَكنّى، لِأَنَّهُ لَا يتبيّن فِيهِ إِعْرَاب، فأمّا فِي
الظَّاهِر فَلَا.
وَلَكِن إِذا خفّفوها رَفَعوا
وأمّا من خَفف: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ}
فإِنهم نَصبوا {أَخْلَدَهُ} ب {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} ، كَأَنَّهُ
قَالَ: (وَإِن ليوفينهم كُلا) .
قَالَ: وَلَو رُفعت (كل) لصَلح ذَلِك، تَقول: إنْ زيدٌ لقائم.
وَأما قَول الله تَعَالَى: (إِن هَذَانِ لساحران) (طه: 63) فَإِن
أَبَا إِسْحَاق النَّحوي اسْتَقصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحويون،
فحكيتُ كلامَه.
قَالَ: وَقَرَأَ المدنيون والكوفّيون، إلاّ عَاصِمًا: (إنّ هَذَانِ
لساحران) .
ورَوى عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (إنْ هَذَانِ) بتَخْفِيف (إنْ) .
ورُوي عَن الْخَلِيل (إنْ هَذَا لساحران) .
قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (إنّ هذَيْن لساحران) ، بتَشديد
(أنّ) وَنصب (هذَيْن) قَالَ أبوإسحاق: والحجّة فِي (إنّ هَذَانِ
لساحران) بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْع، أَن أَبَا عُبيدة روى عَن أبي
الخطّاب أَنه لُغة لِكنانة، يجْعَلُونَ ألف الِاثْنَيْنِ فِي
الرّفْع وَالنّصب والخفض على لفظ وَاحِد، يَقُولُونَ: رَأَيْت
الزيدان.
وروى أَهل الْكُوفَة وَالْكسَائِيّ والفَراء أَنَّهَا لُغة لبني
الْحَارِث بن كَعْب.
قَالَ: وَقَالَ النحويّون القُدماء: هَاهُنَا هَاء مُضمرة،
الْمَعْنى: إنّه هَذَانِ لساحران.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: (إِن) فِي معنى (نعم) ، الْمَعْنى: نعم
هَذَانِ لساحران؛ وَأنْشد:
ويَقُلْن شَيْبٌ قد عَلا
كَ وَقد كَبِرْت فَقلت إنَهْ
وَقَالَ الْفراء فِي هَذَا: إِنَّهُم زادوا فِيهَا النُّون فِي
التَّثْنِيَة، وتركوها على حَالهَا فِي الرّفْع وَالنّصب والجر،
كَمَا فعلوا فِي (الَّذين) فَقَالُوا: الَّذين، فِي الرَّفع
والنَّصب والجر.
فَهَذَا جَمِيع مَا قَالَ النحويّون فِي الْآيَة.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وأجودها عِنْدِي أَن، (أَن) وَقعت موقع
(نعم) ، وَأَن اللَّام
(15/406)
وَقعت موقعها، وَأَن الْمَعْنى: نعم
هَذَانِ لَهما ساحران.
وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الْجَوْدَة مَذْهب بني كنَانَة
وبَلْحارث بن كَعْب.
فأمّا قِرَاءَة أبي عَمْرو فَلَا أُجيزها، لِأَنَّهَا خلاف
المُصْحف.
قَالَ: وأَستحسن قِرَاءَة عَاصِم والخليل: (إنْ هَذَانِ لساحران) .
وَقَالَ غَيره: العربُ تجْعَل الْكَلَام مُخْتَصرا مَا بَعْدَه على
(إنّه) ، وَالْمرَاد: إِنَّه لكذلك، وإنّه على مَا تَقول.
فَأَما (إِن) الْخَفِيفَة، فَإِن المنذريّ رَوى عَن ابْن اليَزيدي،
عَن أبي زيد، أَنه قَالَ: (إِن) تقع فِي مَوضِع من الْقُرْآن
مَوْضِعَ (مَا) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}
(النِّسَاء: 159) ، مَعْنَاهُ: مَا من أهل الْكتاب.
وَمثله: {لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ}
(الْأَنْبِيَاء: 17) أَي: مَا كنّا فاعلين.
قَالَ: وتجيء (إِن) فِي مَوضِع (لقد) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى:
{إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} (الْإِسْرَاء: 108) ،
الْمَعْنى، لقد كَانَ من غير شكّ من الْقَوْم.
وَمثله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} (الْإِسْرَاء: 73) ،
{وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ} (الْإِسْرَاء: 76) .
وتجيء (إِن) بِمَعْنى (إِذْ) ، ضَرْبُ قَوْله تَعَالَى: {اتَّقُواْ
اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَوااْ إِن كُنتُمْ
مُّؤْمِنِينَ} (الْبَقَرَة: 278) الْمَعْنى: إِذْ كُنْتُم مُؤمنين.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (النِّسَاء: 59)
مَعْنَاهُ: إِذْ كُنْتُم.
قَالَ: و (أَن) بِفَتْح الْألف وتَخفيف النُّون، قد تكون فِي
مَوضِع (إِذْ) أَيْضا.
و (إِن) بَخْفض الْألف تكون مَوضِع (إِذا) ، من ذَلِك قولُه
تَعَالَى: {لاَ تَتَّخِذُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ
اسْتَحَبُّواْ} (التَّوْبَة: 23) .
من خَفضها جعلهَا فِي مَوضِع (إِذا) .
ومَن فتحهَا جعلهَا فِي مَوضِع (إِذْ) .
ثَعْلَب، عَن ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {لِلْيُسْرَى
فَذَكِّرْ إِن} (الْأَعْلَى: 9) .
قَالَ: (إِن) فِي معنى (قد) .
وَقَالَ أَبُو العبّاس، العربُ تَقول: إِن قَامَ زيد، بِمَعْنى قد
قَامَ زيد.
وَقَالَ الْكسَائي: سمعتُهم يَقُولُونَهُ فظننته شرطا، فسألتهم
فَقَالُوا: نُرِيد: قد قَامَ زيد، وَلَا نُرِيد: مَا قَامَ زيد.
وَقَالَ الْفراء: (إِن) الْخَفِيفَة أُمّ الْجَزاء، وَالْعرب
تُجازي بحروف الِاسْتِفْهَام كُلّها وتجزم الْفِعْلَيْنِ: الشَّرْط
وَالْجَزَاء، إِلَّا (الْألف) و (هَل) ، فَإِنَّهُمَا يَرفعان مَا
يليهما.
(15/407)
وَسُئِلَ ثَعلب: إِذا قَالَ الرّجل
لامْرَأَته: إِن دخلت الدَّار، إِن كلمت أَخَاك، فَأَنت طَالِق،
مَتى تَطْلُق؟ فَقَالَ: إِذا فعلتهما جَمِيعًا. قيل لَهُ: لِم؟
قَالَ: لِأَنَّهُ قد جَاءَ بشَرطين. قيل لَهُ: فَإِن قَالَ لَهَا:
أَنْت طَالِق إِن احمرّ البُسْر. فَقَالَ: هَذِه مسألةُ محَال،
لأنّ البُسر لَا بُدّ من أَن يَحمرّ. قيل لَهُ: فَإِن قَالَ: أَنْت
طَالِق إِذا احْمَرّ البُسر. قَالَ: هَذَا شَرط صَحِيح، تطلُق إِذا
احمرّ البُسر.
وَقَالَ الشَّافِعِي: فِيمَا أثْبت لنا عَنهُ: إنْ قَالَ الرَّجُل
لامْرَأَته: أنتِ طَالِق إِن لم أُطلِّقك، لم يَحْنث حَتَّى يُعلم
أنّه لَا يُطلِّقها بِمَوْتِهِ أَو بموتها.
وَهُوَ قَول الكوفيّين.
وَلَو قَالَ: إِذا لم أطلّقك، وَمَتى مَا لم أُطلّقك، فَأَنت
طَالِق، فَسكت مُدّة يُمكنهُ فِيهَا الطَّلَاق، طُلّقت.
أَنا: للْعَرَب فِي (أَنا) لُغات، وأجودها: أنّك إِذا وَقَفْت
عَلَيْهَا قُلت: أنَا، بِوَزْن (عَنَا) .
وَإِذا مَضَيت عَلَيْهَا قلت: أَنَ فَعَلْت ذَاك، بِوَزْن: عَنَ
فَعَلْت ذَاك.
تُحرِّك النُّون فِي الوَصل وَهِي سَاكِنة من مثله فِي الْأَسْمَاء
غير المتمكِّنة، مثل: (من) و (كم) إِذا تَحرّك مَا قبلهَا.
وَمن الْعَرَب من يَقُول: أَنا فعلت ذَاك، فَيثبت الْألف فِي
الْوَصْل وَلَا يُنوّن.
وَمِنْهُم من يسكّن النُّون، وَهِي قَليلَة، فَيَقُول: أنْ قُلت
ذَاك.
وقُضاعة تَمُدّ الْألف الأُولى: آنَ قُلته؛ قَالَ عَدِيّ:
يَا لَيت شعري آنَ ذُو عَجّةٍ
مَتَى أرى شَرْباً حوالَي أَصِيصْ
وَقَالَ العُدَيل فِيمَن يُثبت الْألف:
أَنا عَدْل الطِّعان لمن بَغَانِي
أَنا العَدْل المُبيِّن فاعْرفونِي
و (أَنا) لَا تَثْنية لَهُ من لَفظه إِلَّا ب (نَحن) ، ويَصلح
(نَحن) فِي التّثنية وَالْجمع.
فَإِن قيل: لمَ ثَنَّوا (أَنْت) فَقَالُوا: أَنْتُمَا، وَلم يثنوا
(أَنا) .
قيل: لمَا لم تجز: أَنا وَأَنا، لرجُل آخر، لم يُثنّوا.
وَأما (أَنْت) فثنّوه (بأنتما) لِأَنَّك تُجيز أَن تقولَ لرجلٍ:
أَنْت وَأَنت، لآخر مَعَه، فَلذَلِك ثُنِّي.
وَأما (إنّي) فتثنية (إِنَّا) ، وَكَانَ فِي الأَصْل: إنّنا، فكثرت
النونات، فحذفت إِحْدَاهَا، وَقيل: إنّا.
وَقَوله عزّ وجلّ: {قُلِ اللَّهُ وَإِنَّآ} (سبأ: 24) . الْمَعْنى:
إنّنا وَإِنَّكُمْ، فعطف (إيَّاكُمْ) على الِاسْم فِي قَوْله
(إنّا) على النُّون وَالْألف، كَمَا تَقول: إِنِّي وإيّاك.
مَعْنَاهُ: إنّي وإنّك، فافهمه؛ وَقَالَ:
(15/408)
إنّا اقْتَسمنا خُطّتَيْنا بعدكم
فحملتُ بَرّة واحْتملت فجارِ
(إِنَّا) تَثْنِيَة (إِنِّي) فِي الْبَيْت.
نِينَوَى: اسْم قَرْيَة مَعْروفة تُتاخم كَرْبلاء.
وين: الوَيْنة: العِنَبة السَّوداء. وَجمعه: الوَيْن؛ وأَنْشد:
كَأَنَّهُ الوَيْن إِذْ يُجْنى الوَيْن
يَصف شَعْر امرأَة.
يين: قَالَ أَبُو عَمْرو: يَيَن: اسْم مَوضع.
النُّون: اللَّيْث: النُّون حرف فِيهِ نونان بَينهمَا وَاو، وَهِي
مدّة.
وَلَو قيل فِي الشّعْر: نن، كَانَ صَوَابا.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو (نون) جزما.
وَقَرَأَ أَبُو إِسْحَاق (نون) : جرًّا.
وَقَالَ الفَراء {ن والقلم} (الْقَلَم: 1) : لَك أَن تُدْغَم
النُّون الْأَخِيرَة وتُظهرها، وإظهارها أعجب إليّ. لِأَنَّهَا
هجاء، والهجاء كالموقوف عَلَيْهِ، وَإِن اتَّصل.
وَمن أخفاها بناها على الآتصال.
وَقد قَرَأَ القُرّاء بالوَجهْين جَمِيعًا.
وَكَانَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة يُبِينانها، وَبَعْضهمْ يتْرك
الْبَيَان.
وَقَالَ النحويون: (النّون) تزاد فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال.
أما فِي الْأَسْمَاء فَإِنَّهَا تزاد أَولا فِي: تفعل، إِذا سُمِّي
بِهِ.
وتُزاد ثَانِيَة فِي: جُنْدب، وجَنْدل.
وتُزاد ثَالِثَة فِي: حَبَنطى، وسَرَندى، وَمَا أشْبهه.
وتُزاد رَابِعَة فِي: خَلْبن، وضَيْفن، وعَلْجن، ورَعْشن.
وتُزاد خَامِسَة فِي: مثل: عُثْمَان، وسُلطان.
وتُزاد سادسة فِي: زعفران، وكَيْذُبان.
وتُزاد سابعة فِي مثل: عُبَيْثران.
وتُزاد عَلامَة للصَّرف فِي كل اسْم منصرف.
وتُزاد فِي الْأَفْعَال ثَقيلَة وخَفِيفة.
وتُزاد فِي التّثنية وَالْجمع، وَفِي الْأَمر فِي جمَاعَة
النِّساء.
حَدثنَا عبد الله، عَن حَمْزَة، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر
والثَّوري، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظَبيان، أَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: أول مَا خَلق الله خَلق الْقَلَم فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ،
فَقَالَ: إِي رَبّ، وَمَا أكتب؟ فَقَالَ: الْقدر. قَالَ: فَكتب فِي
ذَلِك الْيَوْم مَا هُوَ كَائِن إِلَى قيام السَّاعَة. ثمَّ خلق
النُّون، ثمَّ بسط الأَرْض عَلَيْهَا فاضطربَ النُّون فمادت
الأَرْض، فخلق الله الجِبال فأثْبتها بهَا. ثمَّ قَرَأَ ابْن
عبّاس: {ن والقلم وَمَا يسطرون} (الْقَلَم: 1) .
(15/409)
وبالإسْناد عَن الحَسن وقَتادة فِي قَوْله:
{} (الْقَلَم: 1) قَالَا: الدَّواة والقَلم. وَمَا يَسْطُرون: مَا
يَكْتبون.
قَالَ أَبُو تُراب: وأَنْشدني جماعةٌ من فُصحاء قيس وأَهل الصِّدْق
مِنْهُم:
حاملةٌ دَلوك لَا مَحمولَهْ
مَلأى من المَاء كعَين النُّونَهْ
فَقلت لَهُم: رَوَاهَا الْأَصْمَعِي (كعين الموله) فَلم يَعْرفوها،
وَقَالُوا: النونة: السّمكة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المُوله: العَنْكبوت.
(15/410)
|