تهذيب اللغة

حرف الْفَاء
قَالَ ابْن المُظَفّر: قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: ذهبت العربيّة مَعَ الْحُرُوف الَّتِي مرت فَلم يَبْق للفاء إِلَّا اللّفيف وأحرف قَليلَة من المُعتل، وَهِي:
فُمّ، فَأم، فوم، فَمٌ
فمّ: وَمن المضاعف: ثُم وفُمّ، فِي النَّسَق.
يُقال: رَأَيْت عمرا فُمَّ زيدا، وثُمّ زيدا، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ الفَرّاء: فُمّ وثُم، من حُروف النّسَق.
فَأم: أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: الفِئام: وطاءٌ يكون للمَشاجِر.
وَجمعه: فُؤُم، على وزن فُعُم؛ قَالَ لَبِيد:
وأَرْبَد قارسُ الهَيْجَا إِذا مَا
تَقعَّرت المَشاجِرُ بالفِئَامِ
وَقَالَ غَيره: هَوْدجٌ مُفَأَّم، وُطِّىء بالفِئَام؛ وَأنْشد قولَ زُهَير:
على كُلِّ قَيْنيّ قَشِيب مُفَأَّمِ
وَرَوَاهُ غيرُه: قشيب مُفْأَّم.
والتَّفْئيم: تَوسيع الدَّلْو.
يُقال: أفأمت الدَّلْو، وأَفْعمته، إِذا مَلأْتَه.
ومَزَادةٌ مُفَأَّمة، إِذا وُسِّعت بِجلْد ثَالِث.
الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت: عِنْد فلَان فِئامٌ من النَّاس، والعامة تَقول: فِيام، وهم الْجَمَاعَة؛ وَأنْشد غَيره:
فِئَامٌ يَنْهضُون إِلَى فِئَام
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: فأَمْت وصأمْت، إِذا رَوِيتَ من المَاء.
وروى ابْن الْفرج لِابْنِ الأعرابيّ فِي بَاب الصَّاد وَالْفَاء: فَئِبْت وصَئِبْت، إِذا رويتَ من المَاء.
قَالَ أَبُو عَمْرو: التفاؤم: أَن تملأ الْمَاشِيَة أَفواهَها من العُشب؛ وَأنْشد:
ظلَّت برَمْلٍ عالجٍ تَسَنَّمُهْ
فِي صِلِّيانٍ ونَصِيَ تَفْأمُهْ
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سمعتُ أَبَا السَّميدع يَقُول: فئِمت فِي الشَّراب وصَئِمت، إِذَا كَرعت فِيهِ نَفَساً.
قلت: وكأنّه من: فأمت الْإِنَاء، إِذا أَفْعمته ومَلأته.

(15/411)


وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: فَئِب وصَئِب، إِذا رَوِي من المَاء.
قلت: وَهِي كُلها لُغَات، الْقَاف وَالْفَاء وَالْمِيم.
فام: ابْن شُميل، يُقال: قَطعوا الشَّاة فُوماً فُوماً، أَي قِطَعاً قِطَعاً.
اللَّيْث: الفامِيّ: السُّكرىّ.
قلت: مَا أرَاهُ عَربيّاً مَحْضاً.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا} (الْبَقَرَة: 61) .
قَالَ: الفُوم، فِيمَا يذكرُونَ: لغةٌ قديمَة، وَهِي الحِنْطة والخُبز، جَمِيعًا قد ذُكِرَا.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: سمعتُ الْعَرَب من أهل هَذِه اللُّغة يَقُولُونَ: فَوِّموا لنا، بالتَّشديد، يُريدون: اخْتبزوا لنا.
قَالَ: وَهِي فِي قِرَاءَة عبد الله (وثُومها) بالثاء.
وَكَأَنَّهُ أشبه الْمَعْنيين بالصّواب، لِأَنَّهُ مَعَ مَا يُشاكله من العَدس والبَصل.
وَالْعرب تُبدل الْفَاء ثاء فَيَقُولُونَ: جَدَف وجدث، للقَبْر؛ وَوَقع فِي عافور شّر، وعاثور شّر.
وَقَالَ الزجّاج: الفوم: الحِنْطة.
وَيُقَال: الحُبوب.
لَا اخْتِلَاف بَين أهل اللُّغة أنّ (الفوم) : الحِنطة، وَسَائِر الحُبوب الَّتِي تُختبز يَلْحقها اسمُ الفُوم.
قَالَ: وَمن قَالَ (الفوم) هَاهُنَا: الثُّوم، فَإِن هَذَا لَا يُعرف. ومُحال أَن يَطلب القومُ طَعَاما لَا بُرّ فِيهِ، وَهُوَ أَصْل الْغذَاء. وَهَذَا يَقطع هَذَا القَوْل.
وَقَالَ اللِّحياني: هُوَ الثُّوم والفُوم، للحِنْطة.
قلت: إِن كَانَ قَرَأَ ابْن مَسْعُود بالثاء فَمَعْنَاه: الفُوم، وَهُوَ الحِنْطة.
فَم: ابْن السّكيت: قَالَ الفرّاء: يُقال: هَذَا فمٌ، مَفْتُوح الْفَاء مخفف الْمِيم.
وَكَذَلِكَ فِي النَّصب والخَفض: رَأَيْت فَمَا، ومررت بِفَمٍ.
وَمِنْهُم من يَقُول: هَذَا فُمٌ، ومررت بفُم، وَرَأَيْت فُماً.
فيَضم الْفَاء فِي كل حَال، كَمَا يَفتحها فِي كل حَال.
وأمَّا تَشديد الْمِيم فَإِنَّهُ يَجوز فِي الشّعْر؛ كَمَا قَالَ:
يَا ليتها قد خَرَجت من فُمّه
وَلَو قَالَ: من فَمِّه، لجَاز.
قَالَ: وأمّا: فُو، وَفِي، وفا، فَإِنَّمَا يُقَال فِي الْإِضَافَة، إِلَّا أَن العجّاج قَالَ:

(15/412)


خالط من سَلْمى خياشِيم وفا
قَالَ: وَرُبمَا قَالُوا ذَلِك فِي غير الْإِضَافَة، وَهُوَ قَلِيل.
اللَّيْث: أمّا: فو، وفا، وَفِي، فَإِن أصل بنائها (الفَوْه) حذفت الْهَاء من آخرهَا. وحُملت الْوَاو على الرّفْع والنَّصب والجرّ، فاجترت الْوَاو صُروفَ النَّحْو إِلَى نَفسهَا، فَصَارَت كَأَنَّهَا مدّة تَتبع الْفَاء.
وَإِنَّمَا يستحسنون هَذَا اللَّفْظ فِي الْإِضَافَة، أما إِذا لم تُضف فَإِن الْمِيم تُجعل عماداً للفاء، لِأَن الْيَاء وَالْوَاو وَالْألف يَسْقطن مَعَ التَّنوين، فكرهوا أَن يكون اسْم بِحرف مغلق، فعمِّدت الْفَاء بِالْمِيم، إِلَّا أَن الشَّاعِر قد يَضطر إِلَى إِفْرَاد ذَلِك بِلَا مِيم، فَيجوز فِي القافية؛ كَقَوْلِه:
خالط مِن سَلْمى خياشيمَ وفا
قلت: وممّا يَدُلّ على أَن الأَصْل فِي: فَم، وفو، وفا، وَفِي، (هَاء) حُذفت من آخرهَا: قولُهم للرّجُل الْكثير الْأكل: فَيِّهٌ، وَامْرَأَة فَيِّهةٌ.
ابْن السِّكيت: رَجُلٌ أَفْوه: عَظِيم الفَم طَوِيل الأسْنان.
وَكَذَلِكَ: مَحالَة فوهاء، إِذا طَالَتْ أسنانها الَّتِي يَجري الرِّشاء فِيهَا.
ورَجُلٌ مُفَوَّه، وفَيِّهٌ: حَسن الْكَلَام.
سلَمة، عَن الفَرّاء: أَلْقَيت على الْأَدِيم دَبْغةً، والدَّبْغة: أَن تُلْقِي عَلَيْهِ فَمَا مِن دباغ خَفِيفة، أَي: فَماً من دِبَاغ، أَي نَفْساً.
ودَبَغْتُه نَفْساً، ويُجمع: أنْفُساً، كأنْفُس النّاس، وَهِي المرّة.
أَخْبرنِي المُنْذري، عَن ثَعلب عَنهُ، قَالَ أَبُو زُبيد يصف شِبْلين:
ثمَّ اسْتفاها فَلم يَقْطع رَضَاعَهما
عَن التَّصَبُّب لَا شَعْبٌ وَلَا قَدْعُ
اسْتَفاها: اشتدّ أكلُها. والتَّصَبُّب: اكتساء اللَّحم للسِّمن بعد العِظام، والتَّحلُّم، مثله. والقَدْع: أَن تُدفَع عَن الْأَمر تُريده؛ يُقَال: قَدَعته فقُدع قَدْعاً.
ورَجُلٌ فَيّه: جَيِّد الْأكل. وَقد اسْتفاه. وَهِي مُسْتَفِيه.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو زيد: من أمثالهم فِي الدُّعاء على الرَّجُل قولُهم: فاهَا لفيك؛ تُرِيدُ: فَا الدّاهية.
قَالَ: ومَعناه: الخَيبةُ لَك.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَأَصله أَنه يُريد: جَعل الله بفيك الأرضَ.
وكما يُقَال: بفيك الأَرْض، يُقال: بفيك الأثلب والحَجر؛ وأَنْشد:
فَقلت لَهَا فاها لفيك فَإِنَّهَا
قلُوص امرىء قارِيك مَا أَنت حاذِرُهْ
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: فاهَا لفيك، غير مُنوّن، إِنَّمَا يُرِيدُونَ: الدَّاهية، وَصَارَ بَدَلا من اللفّظ، بقوله: دَهاك الله، يدلّك على ذَلِك قَوْله:

(15/413)


وداهية مِن دَواهي المَنو
ن يَرْهَبها الناسُ لَا فَالها
فَجعل للدّاهية: فَمَا.
وَقَالَ آخر:
لَئِن مالكٌ أَمْسى ذليلاً لطالما
سَعَى للَّتِي لَا فَالها غَيْر آئِبِ
أَرَادَ: لَا فَم لَهَا، أَي: للداهية.
وأنْشد شَمر للكُميت:
وَلَا أَقُول لذِي قُربَى وآصِرة
فاهَا لفِيك على حالٍ من العَطَبِ
وَقَالَ شَمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: فاهاً بفيك، منوّنة، أَي: ألصق الله فَاك بِالْأَرْضِ.
قلت: وَقد مَرّ الْحَرْف مشبعاً فِي كتاب الْهَاء.
بَاب حُرُوف اللفيف من الْفَاء
فَاء فأى فأفأ فيف فوف فو فِي وفا آف أفّ.
فَاء: قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِن فَآءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الْبَقَرَة: 226) .
وَقَالَ الله تَعَالَى: {شَىْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ} (النَّحْل: 48) .
وَقَالَ الله تَعَالَى: {قَدِيرٌ مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآءَاتَاكُمُ} (الْحَشْر: 7) .
(فالفيء) فِي كتاب الله تَعَالَى على ثَلَاثَة معَان، مَرجعها إِلَى أصل وَاحِد، وَهُوَ الرُّجوع.
قَالَ تقدّس ذِكره فِي المُولين من نِسَائِهِم، {فَإِن فَآءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وَذَلِكَ أَن الْمولي حَلف ألاَ يطأَ امرأتَه، فَجعل الله لَهُ مُدّة أَرْبَعَة أشهر بعد إيلائه، فَإِن جَامعهَا هِيَ فِي الْأَرْبَعَة الْأَشْهر فقد فَاء، أَي: رَجَعَ عمّا حَلف عَلَيْهِ مِن ألاّ يُجامعها إِلَى جِماعها، وَعَلِيهِ لِحْنثه كفّارةُ يَمين، وَإِن لم يُجامعها حَتَّى تَنقضي أَرْبَعَة أشهر من يَوْم آلَى، فَإِن ابْن عَبَّاس وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة أوقعوا عَلَيْهَا تطْليقةً، وجَعلوا عَزِيمَة الطَّلَاق انْقِضَاء أَرْبَعَة أشهر. وَخَالفهُم الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم من أهل العِلم، وَقَالُوا: إِذا آنقضت أَربعة أشهر وَلم يُجامعها وُقِّفَ المُولي، فإمّا أَن يَفيء، أَي يُجَامِعهَا ويكفِّر، وَإِمَّا أَن يُطلِّق.
فَهَذَا هُوَ الْفَيْء من الْإِيلَاء، وَهُوَ الرُّجوع إِلَى مَا حَلف عَلَيْهِ أَلا يَفعله.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {شَىْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ} (النَّحْل: 48) فإِنْ التَّفيّؤ، تفَاعل من (الْفَيْء) ، وَهُوَ الظل بالعشيّ.
وتَفّيؤ الظلال: رُجوعها بعد انتصاف النّهار، وانتعال الْأَشْيَاء ظِلالَها.

(15/414)


وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ، عَن أبي طَالب النَّحْوِيّ، أَنه قَالَ: التفيَّؤ لَا يكون إلاّ بالْعَشي، والظّل بِالْغَدَاةِ، وَهُوَ مَا لم تَنَلْه الشَّمْس.
والفيء بالعَشي: مَا انصرفت عَنهُ الشَّمس.
قَالَ: وَقد بَيَّنه الشَّاعِر فَقَالَ:
فَلَا الظِّلّ مِن بَرْد الضُّحَى تَسْتَطيعه
وَلَا الفَيء مِن بَرْد العَشِيّ تَذوقُ
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن الْحَرَّانِي، عَن ابْن السّكيت نحوَه.
قَالَ: وَجمع (الْفَيْء) : أفياء، وفُيوء؛ وَأنْشد:
لعمري لأَنْت الْبَيْت أُكْرِم أَهْلَه
وأقْعُد فِي أَفْيائه بالأَصائِلِ
قَالَ: والظل: مَا نَسخَتْه الشَّمْس.
والفيء: مَا نَسخ الشمسَ.
ابْن الْأَعرَابِي عَن المفضّل، يُقَال للقِطْعة من الطَّير: فَيْءٌ، وعَرِقة، وصَفّ.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {قَدِيرٌ مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآءَاتَاكُمُ} (الْحَشْر: 7) .
فَإِن (الْفَيْء) : مَا ردّ الله تَعَالَى على أَهل دِينه من أَموال مَن خَالف أَهل دينه بِلَا قِتال، إمّا بِأَن يُجْلَوا عَن أوطانهم ويُخَلّوها للمُسلمين، أَو يُصالحوا على جِزية يُؤَدّونها عَن رُؤوسهم، أَو مالٍ غير الْجِزْيَة يَفْتدون بِهِ من سَفك دِمَائِهِمْ.
فَهَذَا المَال، هُوَ (الْفَيْء) فِي كتاب الله.
قَالَ الله تَعَالَى: {الْفَاسِقِينَ وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} (الْحَشْر: 6) أَي: لم تُوجفوا عَلَيْهِ خيلاً وَلَا ركاباً.
نزلت فِي أَمْوَال بَني النّضير حِين نَقضوا العَهد وجَلَوْا عَن أوطانهم إِلَى الشَّام، فقسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمْوَالهم من النخيل وَغَيرهَا فِي الوُجوه الَّتِي أرَاهُ الله أَن يَقْسمها فِيهَا.
وقِسمة الْفَيْء غيرُ قِسمة الغَنيمة، الَّتِي أوْجف الله عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ والرِّكاب.
وَقد بَيّنت جماع ذَلِك فِيمَا مَرّ من الْكتاب.
وأصل (الْفَيْء) : الرُّجُوع، كَمَا أعلمتك، سُمّي هَذَا المَال: فَيْئا، لِأَنَّهُ رَجَعَ إِلَى الْمُسلمين من أَمْوَال الكُفّار عَفْواً بِلَا قتال.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي قِتال أهل البَغي {تَبْغِى حَتَّى تَفِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءَ إِلَى أَمْرِ} (الحجرات: 9) أَي: تَرجع إِلَى الطَّاعَة.
وَيُقَال لنَوى التَّمر، إِذا كَانَ صُلْباً: ذُو فَيْئة، وَذَلِكَ أَنه تُعْلَفه الدّوابّ فتأكله، ثمَّ يَخرج من بُطونها كَمَا كَانَ نَدِيًّا؛ وَقَالَ عَلْقَمَة بن عَبدة يَصف فرسا:
سُلاَّءة كعَصا النَّهديّ غُلّ لَهَا

(15/415)


ذُو فَيْئَة من نَوى قُرّان مَعْجُومُ
ويفسّر قَوْله: (غُلّ لَهَا ذُو فَيْئة) تفسيرَيْن:
أَحدهمَا: أَنه أَدخل جَوْفَها نَوى من نَوى نَخِيل قُرّان حَتَّى اشتدَ لَحْمُها.
وَالثَّانِي: أَنه خُلِق لَهَا فِي بَطن حوافرها نُسورٌ صِلابٌ كأنّها نوى قُرّان.
وَيُقَال: تفيأَت المرأةُ لزَوجهَا، إِذا تكسّرت لَهُ تدلُّلاً؛ وَمِنْه قَول الراجز:
تَفّيأَت ذَات الدَّلال والخَفْر
لعابسٍ جافي الدَّلالَ مُقْشَعِرّ
قَالَ النَّضر: الأَفَى: القِطَع من الْغَيْم، وَهِي الفِرَق يَجِئْن قِطَعاً كَمَا هِيَ.
قلت: الْوَاحِدَة: أَفَاة.
وَيُقَال: هَفاة، أَيْضا.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: أفأتُ فلَانا على الأَمْر، إفاءةً، إِذا أَرَادَ أمرا فَعدلْتَه إِلَى أَمر غَيره.
وَقَالَ اللَّيْث: المَفْيؤة، وَهِي المَقْنؤة، من الْفَيْء.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: مَقْنأة، ومقْنُؤة، للمكان الَّذِي لَا تَطْلُع عَلَيْهِ الشَّمس.
وَلم أَسمع (مفيؤة) بِالْفَاءِ، لغير اللَّيْث، وَهُوَ يُشبه الصَّواب.
أَبُو زيد: يُقَال: فِئت إِلَى الْأَمر فَيْئاً، إِذا رَجَعت إِلَيْهِ.
وأفأت على الْقَوْم فَيْئا، إِذا أخذت لَهُم سَلَب قوم آخَرين فجِئْتهم بِهِ.
وأفأت عَلَيْهِم فَيْئا، إِذا أخذت لَهُم فَيْئا أُخذ مِنْهُم.
وَقَالَ النَّضر: يُقال لِلْحَديدة إِذا كَلّت بعد حِدّتها: قد فاءَتْ.
فأى: أَبُو زيد: فَأَوْت رأسَ الرَّجُل، إِذا فَلَقتَه بالسَّيف.
وَكَذَلِكَ: فَأَيْته.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: الفَأْوُ: مَا بَين الجَبَلْين؛ قَالَ ذُو الرُّمّة:
حَتَّى انْفأَى الفَأْوُ عَن أَعْناقها سَحَرا
قَوْله: انْفأَى، أَي: انْكَشَفَ. والفَأو، فِي بَيت ذِي الرُّمة: طَرِيق بَين قارَتين بِنَاحِيَة الدَّوّ بَينهمَا فَجٌّ واسِعٌ، يُقَال لَهُ: فأو الرَّيّان؛ وَقد مَرَرْتُ بِهِ.
والفِئة، بِوَزْن (فِعَة) : الفِرْقة من النّاس.
مَأْخُوذَة من: فأيت رَأسه، أَي: شَققته.
وَكَانَت فِي الأَصْل فِئْوة، بِوَزْن (فِعْلة) فنُقص.
وَجمع (الفئة) : فِئُون، وفِئَات.
اللَّيْث: يُقال فأوت رَأسه، وفأَيْته، وَهُوَ ضَرْبك قِحْفَه حتّى يَنْفرج عَن الدِّماغ.
والانْفِياء: الانفْراج.

(15/416)


قَالَ: وَمِنْه اشتُق اسْم (الفِئة) ، وهم طَائِفَة من النَّاس.
فأفأ: اللَّيْث: الفَأْفأة، فِي الْكَلَام كأنّ الْفَاء تَغْلب على اللِّسان.
تَقول: فَأْفأ فلانٌ فِي كَلَامه، فَأْفأةً.
ورَجُلٌ فَأْفاء، وَامْرَأَة فَأفاءة.
وَقَالَ المبرّد: الفَأْفأة: التَّرْديد فِي (الْفَاء) .
اللّحيانيّ، يُقال: رَجُلٌ فأْفأ وفَأْفَاء، يُمدّ ويُقْصر.
فيف: اللَّيْث: الفَيْف: المَفازة الَّتِي لَا مَاء فِيهَا، مَعَ الاسْتواء والسَّعة.
وَإِذا أُنِّثت، فَهِيَ: الفَيْفاء.
وَجَمعهَا: الفَيافي.
وَجمع (الفيف) : فُيوف، وأَفْياف.
قلت: وبالدَّهناء مَوضعٌ يُقَال لَهُ: فَيْف الرِّيح.
قَالَ شَمر: وَقَالَ المؤرِّج: الفَيْف من الأَرْض: مُختلَف الرِّياح؛ وأَنشد لِعَمْرو ابْن مَعْد يكرب:
أَخْبر المُخْبِرُ عَنْكُم أنّكم
يومَ فَيْف الرِّيح أُبْتُمْ بالفَلَج
ويُقال: فيف الرّيح: موضعٌ مَعْرُوف؛ قَالَ ذُو الرّمة:
والرَّكْب يعْلُو بهم صُهْبٌ يَمانِيةٌ
فَيْفاً عَلَيْهِ لِذيل الرِّيح نِمْنِيمُ
وَقَالَ غَيره: الفيفاء: الصَّحرَاء المَلْساء؛ وَجَمعهَا: الفَيافي.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: كُلّ طَرِيق بَين جَبَلين: فَيْفٌ؛ وأَنْشد:
مَهِيلُ أَفْيافٍ لَهَا فُيوف
وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
ومُغْبَرّة الأَفياف مَسْحولة الحَصَا
دَيامِيمها مَوْصُولة بالصَّفاصِفِ
وَقَالَ أَبُو خَيْرة: الفَيْفاء: البعيدةُ من المَاء.
وَقَالَ شمر: والقَول فِي (الفَيْف) (والفيفاء) مَا ذكره المُؤرّج من مُخْتَلف الرِّياح.
فوف: اللَّيْث: الأفواف: ضربٌ من عُصْب البُرود.
يُقال: بُرْدٌ أفواف، وبُرْد مُفَوّف.
قَالَ: والفَوْف، مصدر: الفُوفة.
يُقَال: مَا فافَ عنِّي بخَيْرٍ وَلَا زَنْجَر.
وَذَلِكَ أَن تسْأَل رجلا فَيَقُول بظُفر إبهامه على ظُفر سبّابته: وَلَا مثل ذَا.
وَالِاسْم مِنْهُ: الفُوفة.
وأمّا (الزَّنجرة) فَمَا يأخُذ بَطْنُ الظُّفر من طرف الثَّنية إِذا أخذْتها بِهِ.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الفُوفة: القِشْرة الرَّقيقة تكون على النَّواة.
قَالَ: وَهِي القِطْمير أَيْضا.
قَالَ: والفُوف ثيابٌ رِقاقٌ من ثِياب اليَمن

(15/417)


مُوشّاة.
ونحوَ ذَلِك حكى شَمِرٌ عَنهُ.
وَعَن أبي حَاتِم: الفُوف، بِضَم الْفَاء، وبُرد مُفَوَّف.
قلت: وروى أصحابُ أبي عُبيد عَنهُ، عَن الْفراء: الفُوف: البَياض الَّذِي يكون فِي أظفار الأَحْداث.
وَمِنْه قيل: بُرْدٌ مُفَوَّف.
وَقَالَ شَمر: هُوَ الفُوف، بالضّم.
قَالَ: وَسَأَلت ابْن الْأَعرَابِي عَن (الفُوف) فَلم يعرفهُ؛ وأَنشد:
وَأَنت لَا تُغْنين عني فُوفَا
فو: اللَّيْث: الفُوَّة: عُروق تُسْتَخرج من الأَرْض تُصْبغ بهَا الثِّيَاب.
يُقَال لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ: رُوبِين.
ولفظها على تَقْدِير: خُوّة، وقُوّة.
وَلَو وَصفت بهَا أَرضًا لَا يُزرع فِيهَا غيرُه، قلت: أرضٌ مَفْواة، من المَفَاوِي.
وثَوْبٌ مُفَوَّى، لِأَن الْهَاء الَّتِي فِي (الفُوَّة) لَيست بأصليّة، بل هِيَ هَاء التَّأْنِيث.
فِي: اللَّيْث: (فِي) حرفٌ من حُروف الصِّفَات.
وَقَالَ غَيره: (فِي) تَأتي بِمَعْنى (وسط) ، وَتَأْتِي بِمَعْنى (دَاخل) ، كَقَوْلِك: عبدُ الله فِي الدَّار، أَي: دَاخل الدَّار، ووَسط الدَّار.
وتجيء (فِي) بِمَعْنى، على، قَالَ الله جلّ وعزّ {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النَّخْلِ} (طه: 71) .
الْمَعْنى: على جُذوع النّخل.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله تَعَالَى: {طِبَاقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} (نوح: 16) ، أَي: مَعَهُنَّ.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: جَاءَت (فِي) بِمَعْنى: (مَعَ) ؛ قَالَ الجَعْديّ:
ولَوْحُ ذراعَيْن فِي بِرْكةٍ
إِلَى جُؤْجُؤٍ رَهِلِ المَنْكِبِ
وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
يَدْفع عَنْهَا الجُوعَ كُلَّ مَدْفَع
خَمْسون بُسْطاً فِي خَلايا أَرْبَعِ
أَرَادَ: مَعَ خلايا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول عَنْترة:
بَطَلٌ كأنّ ثِيابه فِي سَرْحَةٍ
يُحْذَى نِعَالَ السِّبْت لَيْسَ بِتَوْأَمِ
قَالَ: مَعْنَاهُ: كَأَن ثِيَابه على سَرحةٍ.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ} (الشورى: 11) أَي: يكثركم بِهِ؛ وَأنْشد:
وأَرْغبُ فِيهَا عَن عُبَيدٍ ورَهْطه
وَلَكِن بهَا عَن سِنْبِسٍ لستُ أَرْغَبُ
أَي: أَرغب بهَا.
وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: {أَن بُورِكَ مَن فِى النَّارِ

(15/418)


وَمَنْ} (النَّمْل: 8) أَي: بُورِكَ مَن على النَّار، وَهُوَ الله جَلّ وعَزّ.
وفا: اللَّيْث: يُقال: وَفَا يَفِي وَفَاءً؛ فَهُوَ وافٍ.
ووَفى رِيشُ الْجنَاح، فَهُوَ وافٍ. وكل شَيْء بَلغ تَمام الْكَمَال، فقد وَفَى وتَمّ.
وَكَذَلِكَ: دِرْهم وافٍ، يَعني: أَنه دِرْهم يَزِن مِثْقالاً. وكَيْلٌ وافٍ.
وَقَالَ شَمر: بَلغنِي عَن ابْن عُيينة، قَالَ: الوافِي: دِرْهمٌ ودانِقَان.
وَقَالَ غَيره: هُوَ الَّذِي وفَى مِثْقالاً.
ورَجُلٌ وَفِيٌّ: ذُو وَفاء.
قَالَ أَبُو بكر: قَوْلهم: لَزِم الوَفاء: معنى (الْوَفَاء) فِي اللُّغَة: الخُلق الشَّريف العالي الرَّفيع من قَوْلهم: وَفى الشَّعَرُ فَهُوَ وافٍ، إِذا زَاد.
قَالَ ذَلِك أَبُو العبّاس.
قَالَ: وَوَفَيْت لَهُ بالعهد أَفِي، ووافَيْت أُوافِي.
وارْضَ من الْوَفَاء باللَّفاء، أَي: بِدُونِ الْحق؛ وأَنْشد:
وَلَا حَظِّي اللَّفاء وَلَا الخَسِيس
والمُوافاة: أَن تُوافي إنْساناً فِي المِيعاد.
تَقول: وافَيْتُه.
ويُقال: أَوْفيته حَقَّه، ووفَّيته أَجْره.
وأوْفَيْت على شَرف مِن الأَرْض، إِذا أشْرَفْت عَلَيْهِ. فَأَنا مُوفٍ.
والميفاة: الْموضع الَّذِي يُوفِي فَوْقه الْبَازِي، لإيناس الطَّير أَو غَيره.
وَإنَّهُ لَمِيفاء على الْأَشْرَاف، إِذا لم يَزل يُوفي على شرف؛ قَالَ رُؤبة:
أبلغ مِيفاء رُؤس فوره
والوفاة: المَنِيّة. وتُوفي فلَان. وتوفّاه الله، إِذا قَبض نَفْسه.
وَقَالَ غَيره: تَوَفِّي الْمَيِّت، بِمَعْنى: اسْتيفاء مُدَّته الَّتِي كُتبت من عَدد أَيّامه وشُهُوره وأعوامه فِي الدّنيا.
ويُقال: تَوَفَّيْت المالَ مِنْهُ، واسْتوْفيته، إِذا أَخَذته كُلّه.
وتَوفَّيْت عَدد الْقَوْم، إِذا عَدَدْتَهم كلهم؛ وأَنْشد أَبُو عُبيدة لِمَنظور الوَبْريّ:
إنّ بني الأَدْرم لَيسوا من أَحد
وَلَا تَوفّاهم قُريْشٌ فِي العَدَدْ
أَي: لَا تجعلهم قريشٌ تَمام عَددهمْ، وَلَا تستوفي بهم عَدَدَهم.
وَمن هَذَا قولُ الله جلّ وعزّ: {بِوَكِيلٍ اللَّهُ يَتَوَفَّى الاَْنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِى قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الاُْخْرَى إِلَى} (الزمر: 42) أَي: يَسْتَوْفِي مُدد آجالهم فِي الدُّنْيا.
وَقيل: يَستوفي تمامَ عَدَدِهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وأمّا تَوَفِّي النَّائِم، فَهُوَ اسْتيفاء وَقت عَقله وتمييزه إِلَى أَن نَام.

(15/419)


وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله تَعَالَى: {رَبِّهِمْ كَافِرُونَ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (السَّجْدَة: 11) هُوَ من: تَوْفية العَدَد.
تَأْوِيله: أَن يَقْبض أَرواحكم أَجْمَعِينَ فَلَا ينقُص وَاحِد منْكم.
كَمَا تَقول: قد اسْتوفيت من فلَان، وتوفَّيت مِنْهُ مَا لي عَلَيْهِ. تَأْوِيله: لم يَبْق عَلَيْهِ شَيْء.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي وَأبي عُبيدة: وَفَيت بالعهد، وَأَوْفيت بِهِ، سَوَاء.
وَقَالَ شَمر: يُقال: وَفَى، وأَوْفَى.
من قَالَ (وَفَى) فَإِنَّهُ يَقُول: تَمّ، كَقَوْلِك: وَفَى لنا فلانٌ، أَي: تَمّ لنا قولُه وَلم يَغْدر.
ووَفَى هَذَا الطَّعَام قَفِيزاً، أَي: تمّ قَفِيزا؛ وَقَالَ الحُطيئة:
وَفى كَيْل لَا نِيبٍ وَلَا بَكَرات
أَي: تَمَّ.
ثمَّ قَالَ: وَمن قَالَ: (أوفى) فَمَعْنَاه: أوفاني حقَّه، أَي: أتَمَّه وَلم يَنْقُص مِنْهُ شَيْئا.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِيمَا رَدّ على شَمر: الَّذِي قَالَ شَمر فِي (وفى) و (أوفى) باطلٌ لَا معنى لَهُ، إِنَّمَا يُقال: أوفيت بالعهد، ووَفَيت بالعهد.
وكل شَيْء فِي كتاب الله تَعَالَى من هَذَا فَهُوَ بِالْألف؛ قَالَ الله تَعَالَى: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} (الْمَائِدَة: 1) و {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ} (الْإِسْرَاء: 34) .
ويُقال: وَفى الكيلُ، ووَفَى الشيءُ، أَي: تَمّ.
وأوْفَيته أَنا: أَتْمَمْتُه؛ قَالَ الله تَعَالَى: {أَوْفُواْ الْكَيْلَ} (الشُّعَرَاء: 181) .
قَالَ: ويُرْوى عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِنَّكُم وَفَيتم سَبْعين أُمّةً أَنْتُم خَيرها وأَكْرمها على الله) ، أَي تمت العِدّة سَبعين أُمّة بكم.
قَالَ: وَأما قَوْلهم: وفى لي فلانٌ بِمَا ضَمِن لي.
فَهَذَا من بَاب: أوفيت لَهُ بِكَذَا وَكَذَا، ووَفَّيت لَهُ بِكَذَا؛ قَالَ الأَعْشى:
وقبلك مَا أَوْفى الرُّقَادُ بجارَةٍ
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَول الله تَعَالَى: {مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى} (النَّجْم: 37) ، أَي: بلّغ.
يُرِيد: بلّغ أَن لَيْست تَزر وازرةٌ وِزْرَ أُخرى، أَي: لَا تحمل الوازرة ذَنْب غَيرهَا.
وَقَالَ الزّجاج: وفّى إِبْرَاهِيم مَا أُمِر بِهِ، وَمَا امْتحن بِهِ من ذَبح وَلَده، فعزم على ذَلِك حَتَّى فَداه الله بِذبح عَظِيم، وامْتُحن بالصَّبر على عَذاب قَومه، وأُمر بالاختتان فاخْتَتن.
قيل: وَفَّى، وَهِي أبلغ من (وَفى) ، لِأَن الَّذِي امتحن بِهِ من أعظم المِحَن.

(15/420)


ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الوفي: الَّذِي يَأْخُذ الحقّ ويُعْطي الْحق.
قَالَ: المِيفَى: طَبَق التَّنُّور.
وَقَالَ رَجُلٌ من العَرب لطّباخه: خَلِّب مِيفَاك حَتَّى يَنْضَج الرَّوْدَق.
قَالَ: خَلِّب، أَي: طَبِّق. والرَّوْدَق: الشِّواء.
وَقَالَ أَبُو الخطّاب: الْبَيْت الَّذِي يُطبخ فِيهِ الآجُر يُقَال لَهُ: المِيفَى.
قَالَ ذَلِك ابْن شُمَيل.
وَأما (المُوافاة) الَّتِي يَكتبها كتّاب دواوين الخَراج فِي حِسابهم، فَهِيَ عِنْدِي مَأْخُوذَة من قَوْلك: أَوْفيته حقَّه.
وَقد جَاءَ (فاعلت) بِمَعْنى: أفْعلت، وفَعَّلت، فِي حُرُوف بِمَعْنى وَاحِد.
يُقال: جَارِيَة مُناعمة ومُنعَّمة.
وضاعفت الشَّيْء، وأضعفته، وضَعَّفته، بِمَعْنى.
وتعاهدت الشَّيْء وتعهّدته.
وباعدته، وبَعّدته، وأبْعدته.
وقارَبْت الصبيَّ، وقَرَّبته.
وَهُوَ يُعاطيني الشَّيْء، ويُعْطيني.
قَالَ بِشْر بن أبي خازم:
كَأَن الأتْحميّة قَامَ فِيهَا
لِحُسْن دَلاَلها رَشَأٌ مُوافِي
قَالَ الباهليّ: مُوافٍ، مثل (مفاجىء) ؛ وأَنشد:
وكأنما وافاك يَوْم لَقيتَها
مِن وحْش وَجْرة عاقِدٌ مُتَرَبِّب
وَقيل: موافٍ: قد وافى جسمُه جسم أمّه.
صَار مثلَها.
آف: اللَّيْث: الآفة: عَرض مُفْسدٌ لما أَصاب من شَيْء.
وَيُقَال: آفةُ الظَّرف الصَّلَف، وَآفَة العِلْم النِّسْيان.
قَالَ: وَإِذا دَخلت الآفة على قَوم، قيل: قد إفُوا.
ويُقال فِي لُغة: إيفُوا.
ابْن بُزُرْج: إيف الطَّعام، فَهُوَ مَئيف، مثل: مَعيف.
قَالَ: وعِيه، فَهُوَ مَعُوه، ومَعيه، ومَعْهُوه.
قلت: وَقَول اللَّيْث (إفوا) الْألف مُمالة بَينهَا وَبَين الْفَاء سَاكن يُبَيِّنه اللّفظ لَا الخَطّ.
الْكسَائي: طَعام مَؤْوف، أَي: أصابتْه آفَة.
أُفٍّ: قَالَ الله تَعَالَى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} (الْإِسْرَاء: 23) .
أَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي طَالب، عَن أَبِيه، عَن الفرّاء، قَالَ: فِي (أفّ) سِتّ لُغات: يُقال: أُفَّ لَك، وأُفًّا لَك؛ وأُفِّ لَك، وأُفَ لَك؛ وأفُّ لَك، وأفٌّ لَك.
وَزَاد غَيره: أفَّة وإفَّة.

(15/421)


قَالَ الفّراء: وَلَا تقل فِي (أفّة) إِلَّا الرّفع والنَّصب.
قَالَ الفّراء: فَأَما الْقِرَاءَة فقُرىء: أُفِّ، بِالْكَسْرِ بِغَيْر تَنْوِين، وأُفَ، بالتَّنْوين.
فَمن خَفَض ونّون ذَهب إِلَى أَنَّهَا صَوت لم يُعرف مَعْنَاهُ إِلَّا بالنُّطق بِهِ، فَخَفضوه كَمَا تُخفض الْأَصْوَات، ونَوَّنوه كَمَا قَالَت الْعَرَب: سَمِعت طاقٍ طاقٍ، لصوت الضَّرْب؛ وَيَقُولُونَ: سَمِعت تَغٍ تَغٍ، لصوت الضَّحك.
وَالَّذين لم يُنَوِّنوه وخَفَضوا قَالُوا: أُفِّ، على ثَلَاثَة أحرف، وَأكْثر الْأَصْوَات على حرفين، مثل صَهٍ، وتَغٍ، ومَهٍ، فَذَلِك الَّذِي يُخفض وينون، لأنّه متحرك الأول، ولسنا بمُضطرين إِلَى حَرَكَة الثَّانِي من الأدوات وأَشباهها، فخفض بالنُّون.
وشُبهت (أُف) بقَوْلهمْ: مُدّ، ورُدّ، إِذْ كَانَت على ثَلَاثَة أَحْرف.
قَالَ: والعربُ تَقول: جَعل فلانٌ يتأفّف من رِيح وَجَدها.
مَعْنَاهُ: يَقُول أُف أُف.
وحُكي عَن الْعَرَب: لَا تقولنَّ لَهُ أُفًّا وَلَا قُفًّا.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ: من قَالَ أُفاً لَك، نَصَبه على مَذْهَب الدُّعاء، كَمَا يُقَال: ويلاً للْكَافِرِينَ.
وَمن قَالَ: أُفٌّ، رَفَعه بِاللَّامِ، كَمَا يُقَال: ويلٌ للْكَافِرِينَ.
وَمن قَالَ: أُفَ لَك، خَفضه على التَّشْبِيه بالأصوات، كَمَا يُقَال: صَهٍ ومَهٍ.
وَمن قَالَ: أُفيِّ لَك، أَضَافَهُ إِلَى نَفْسه.
وَمن قَالَ: أُفْ لَك، شَبّهه بالأدوات، ب (من) ، و (كم) ، و (بل) ، و (هَل) .
وَقَالَ أَبُو طَالب: أُفٌّ لَك وتُفٌّ؛ وأُمَّةٌ وتُفَّةٌ.
وَقَالَ الأصعمي: الأُفّ وسخ الْأذن؛ والتُّفّ: وسخ الأَظْفار.
يُقال ذَلِك عِنْد استقذار الشّيء، ثمَّ كثُر حَتَّى استعملوه فِي كل مَا يتأذّون بِهِ.
قَالَ: وَقَالَ غَيره: أُف، مَعْنَاهُ: قلّة، وتُف، إتباع، مَأْخُوذ من (الأَفف) ، وَهُوَ الشَّيْء الْقَلِيل.
أَبُو الْهَيْثَم بخطّه لِابْنِ بُزُرْج، يُقَال: كَانَ فلَان أُفوفة، وَهُوَ الَّذِي لَا يَزال يَقُول لبَعض أمره: أُف لَك، فَذَلِك الأُفوفة.
قَالَ القُتيبي، فِي قَول الله تَعَالَى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} (الْإِسْرَاء: 23) أَي: لَا تَسْتَثْقل شَيْئا من أَمرهمَا وتضيق صَدرا بِهِ، وَلَا تُغلظ لَهما.
قَالَ: وَالنَّاس يَقُولُونَ لما يكْرهُونَ ويَسْتَثقلون: أُفّ لَهُ.
وأصل هَذَا نَفْخك للشَّيْء يَسْقط عَلَيْك من تُرَاب أَو رماد، وللمكان تُريد إمَاطَة

(15/422)


الأَذى عَنهُ، فقيلت لكل مُسْتَثقل.
وَقَالَ الزجّاج: مَعنى (أفّ) النَّتن.
وَمعنى الْآيَة: لَا تَقُل لَهما مَا فِيهِ أَدنى تَبرُّم إِذا كبرا وأسَنَّا، بل تَولَّ خِدْمتهما.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأففُ: الضَّجر.
أَبُو عبيد، عَن أبي عَمْرو: اليأفوف، واليَهْفوف: الْحَدِيد القَلب من الرِّجال.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: واليأفوف: العَيِي الخَوّار؛ وأَنْشد لِلرَّاعِي:
مُغَمَّر العَيْش يَأفُوفٌ شَمائِلُه
يأبَى المودّة لَا يُعْطي وَلَا يَصِل
قَوْله: مُغَمَّر العَيش، أَي: لَا يكَاد يُصيب من الْعَيْش إِلَّا قَلِيلا، أُخذ مِن (الْغمر) .
وَقيل: هُوَ المُغفّل عَن كُلِّ عَيْش.
وَيُقَال: جِئْت على إفّان ذَاك، وعَلى تَئِفّة ذَاك، وعَلى أَفَف ذَاك، وعَلى تَئِفَة ذَاك، كل ذَلِك قُيِّدَ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: أَتَانِي على إفّان ذَاك، وأفَّان ذَاك، وأَفَف ذَاك، وعِدّان ذَاك، وتَئفّة ذَاك، وتَئِفَته، بِمَعْنى وَاحِد.

(آخر حرف الْفَاء)

(15/423)