تهذيب اللغة

حرف الْبَاء
ابْن المُظفر، قَالَ أَبُو عبد الرحمان: قد مَضت العربيّة مَعَ سَائِر الحُروف، فَلم يبْق للباء مضاعف، وَلَا صَحِيح وَلَا معتل وَلَا رُباعي، وَبَقِي مِنْهُ اللَّفيف وأحرف من المعتل مُعربة، مثل: البوم، ولميبة، وَهِي فارسيّة؛ وبَمَّ العُود، ويَبَنْبَم، مَوضِع.
البوم: قلت: أما (البوم) ، فَهُوَ الذّكر من الْهَام، وَهُوَ عربيّ.
يُقال: بُوم بَوّام باللَّيل، إِذا كَانَ يَصِيح.
يبنبم: وَذكر حُميد بن ثَوْر (يَبَنْبَم) :
إِذا شِئت غَنَّتْني بأجْزاع بِيشةٍ
أَو النّخل مِن تَثْليث أَو من يَبَنْبَمَا
بِمَ: و (بَمّ) : مَدِينَة بكرَمان، ذكرهَا الطِّرمّاح فَقَالَ:
ألَيْلَتنا فِي بَمّ كَرْمان أَصْبِحي
وَأما (بِمَ) العُود، الَّذِي يُضْرب بِهِ، فَهُوَ أحَد أوتاره، وَلَيْسَ بعربيّ.
بَاب اللفيف من حرف الْبَاء
بب بِي بَاء بأى بو بَاب بيا أَب آب ابى واب وبا.
بب: روى زَيد بن أَسلم، عَن أَبِيه، عَن عمر، أَنه قَالَ: لَئِن عِشْت إِلَى قَابل لأُلْحقنّ آخر النّاس بأولهم حَتَّى يَكُونُوا بَبَّاناً وَاحِدًا.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ عبد الرحمان بن مَهْدِيّ: يَعْني: شَيْئا وَاحِدًا.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَذَاكَ الَّذِي أَرَادَ. وَلَا أَحسب الْكَلِمَة عربيّة، وَلم أسمعها فِي غير هَذَا الحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرير: لَا نَعرِف (بَبّاناً) فِي كَلَام الْعَرَب؛ وَالصَّحِيح عندنَا: بَيَّاناً وَاحِدًا.
قَالَ: وأصل هَذِه الْكَلِمَة أَن الْعَرَب تَقول إِذا ذكرت مَن لَا يُعرف: هَذَا هيّان بن بيّان، كَمَا يُقال: طامِر بن طامِر.
قَالَ: فالمَعنى: لأُسوّينّ بَينهم فِي العَطاء، فَلَا أُفضِّل أحدا على أحد.
قلت: بَبّاء، بباءين، حرف رَوَاهُ هِشَام بن سعد وَأَبُو مَعْشر، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه: سَمِعت عمر.
وَمثل هَؤُلَاءِ الرُّواة لَا يُخطئون فيُصحِّفوا، و (بَبّان) وَإِن لم يكن عربيًّا مَحضاً فَهُوَ

(15/424)


صَحِيح بِهَذَا المَعنى.
وَقَالَ اللَّيْث: ببّان، على تَقْدِير (فَعْلان) ، ويُقال على تَقْدِير (فَعّال) ، وَالنُّون أَصْلِيَّة، وَلَا يُصرف مِنْهُ فِعْل.
قَالَ: وَهُوَ و (البأج) فِي معنى وَاحِد.
قلت: وَكَانَ رَأْي عُمر فِي أعطية النَّاس التَّفْضِيل على السَّوابق، وَكَانَ رَأْي أبي بكر التَّسْوية، ثمَّ رَجع عمر إِلَى رَأْي أبي بكر، وَالْأَصْل فِي رُجُوعه هَذَا الحَدِيث.
سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْحَاق السَّعدي يَقُول ذَلِك.
قلت: وبَبَّان، كَأَنَّهَا لُغَة يَمانية.
اللَّيْث: بَبَّة، يُوصف بِهِ الأَحمق.
وَكَانَ رَجُلٌ من قُريش يُقَال لَهُ: بَبَّة، وَكَانَ فِي صِغَره كثير اللَّحْم، فَلذَلِك سُمِّي: بَبّة.
ورَوى أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: البَبّ: الغُلام السائِل، وَهُوَ السَّمِين.
وروى عَمْرو، عَن أَبِيه، يُقال: تببّب، إِذا سَمِن.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقال للشابّ المُمتلىء البَدن نَعْمة وشَباباً: بَبّة؛ وأَنشد لامْرَأَة تُرقِّص ابْنهَا:
لأنْكِحَنَّ بَبَّهْ
جَارِيَة خِدَبَّهْ
مُكْرَمة مُحَبّهْ
تَجُبّ أَهْلَ الكَعْبَهْ
بِي أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: البَيّ: الخَسِيس من الرِّجال.
وَكَذَلِكَ، ابْن بَيّان، وَابْن هَيّان، كُله الخَسِيس من النَّاس وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ اللَّيْث فِي كِتَابه: هَيّ بن بيّ، وهَيّان بن بيّان.
قَالَ: ويُقال: إِن (هَيّ بن بَيّ) من ولد آدم، ذَهب فِي الأَرْض كَمَا تَفَرَّق سائرُ ولد آدم، فَلم يُحَسَّ مِنْهُ عَيْنٌ وَلَا أثرٌ وفُقد.
أَخبرني المُنذريّ، عَن أبي طَالب، أَنه قَالَ فِي قَوْلهم: حَيّاك الله وبَيّاك.
قَالَ: قَالَ الأصمعيّ: معنى (بَيّاك) : أضْحَكك.
وَذكر أَبُو عُبيد أَن آدم لما قُتل ابنُه مَكث مائَة سنةٍ لَا يضْحك، فَقيل لَهُ: حَيّاك الله وبَيّاك؛ فَقَالَ: وَمَا بَيَّاك؟ فَقَالَ: أَضحكك.
رَوَاهُ بِإِسْنَاد لَهُ عَن سَعيد بن جُبَير.
قَالَ أَبُو طَالب: وَقَالَ الآخر فِي (بياك) :

(15/425)


مَعْنَاهُ: بَوّأك مَنْزلاً، فَقَالَ: (بيَّاك) لازدواج الْكَلَام.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: بَيَّاك: قَصدك بالتحيَّة؛ وأَنْشد:
لما تَبَيَّيْنَا أخَا تَمِيم
أعْطى عَطاء اللَّحِز اللَّئِيم
وَقَالَ آخر:
باتت تَبَيَّا حَوْضَها عُكُوفَا
مِثْل الصُّفوف لاقت الصُّفُوفَا
أَي: تعتمد حَوْضَها.
وَقَالَ أَبُو مَالك: بَيَّاك: قَرَّبك؛ وأَنْشد:
بَيّا لَهُم إِذْ نزلُوا الطَّعاما
الكِبْدَ والمَلْحَاءَ والسَّنَامَا
ويُقال: بَيَّيْت الشَّيْء وبَيّنته، إِذا أَوْضحته.
والتّبْيِيُ: التَّبْيِين من قُرب.
بَاء: اللَّيْث: الْبَاءَة والمَباءة: منزل الْقَوْم حيثُ يَتَبّوءون من قِبَل وادٍ أَو سَنَد جَبَلٍ.
ويُقال: كُلّ مَنْزل يَنْزله الْقَوْم؛ قَالَ طرفَة:
طيِّبو الْبَاءَة سَهْلٌ وَلَهُم
سُبُلٌ إِن شِئْتَ فِي وَحْش وَعِر
قَالَ: والمَباءة أَيْضا: مَعْطن الْقَوْم لِلْإِبِلِ حَيْثُ تُناخ فِي المَوارد.
يُقَال: أبأنا الْإِبِل إباءة، أَي أَنَخْنَا بعضَها إِلَى بعض؛ وَأنْشد:
حَلِيفان بَينهمَا مِيرةٌ
يُبِيآن فِي عَطَنٍ ضَيِّقِ
أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي: المَباءة: المَنزل.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم، عَنهُ: يُقَال: تبوّأ فلَان منزلا، إِذا اتَّخذه.
وبَوَّأْته مَنْزِلاً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: أبأت القَوْمَ مَنْزِلاً.
وأبأت الإبلَ، فَأَنا أُبيئها إباءةً، إِذا رَدَدْتها إِلَى المَباءَة، وَهِي المَراحُ الَّذِي تَبيت فِيهِ.
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَول الله تَعَالَى: {إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ وَالَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ} (العنكبوت: 58) .
يُقال: بَوّأته منزلا، وأَثْوَيته منزلا، سَوَاء، مَعْنَاهُمَا: أنزلته.
وَقَالَ الْأَخْفَش: أبأت بِالْمَكَانِ: أَقَمْت بِهِ.
وبَوّأك بَيْتاً: اتّخذت لَك بَيْتاً.
وَقَوله تَعَالَى: {أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} (يُونُس: 87) أَي: اتَّخِذَا.
أَبُو زَيد: أبأت الْقَوْم مَنزلاً، وبَوَّأتهم منزلا، تَبْوِيئاً، إِذا نَزلت بهم إِلَى سَنَد جَبل أَو قِبَل نَهْر.
قَالَ: وَالِاسْم: المَباءة، وَهُوَ المَنزل.
شَمِر، عَن الْفراء، يُقَال: تَبَوّأ فلَان منزلا، إِذا نَظر إِلَى أَسْفَل مَا يُرَى وأشَدِّه

(15/426)


اسْتِوَاء وأَمْكنه لِمَبيته فاتَّخذه.
قَالَ شَمر: وَقد قَالُوا: تَبَوّأ: هيّأ وأَصلح.
وتَبَوَّأ: نَزل وَأقَام.
قَالَ: والمعنيان قريبان.
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَن اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فَلْيَتَزوَّج، ومَن لم يَسْتطع فَعَلَيهِ بالصَّوْم فإِنه لَهُ وجَاء) .
أَرَادَ ب (الْبَاءَة) : النِّكَاح والتَّزْويج.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقال: فلانٌ حريصٌ على الْبَاءَة، أَي: على النِّكاح؛ وأَنْشد:
يُعْرِس أَبْكاراً بهَا وعُنّسَا
أكرمُ عِرْسٍ باءَةً إِذْ أَعْرَسَا
قلت: ويُقال: للجماع نَفسه: باءة.
وَالْأَصْل فِي (الْبَاءَة) : الْمنزل، ثمَّ قيل لِعَقْد التّزويج: باءة، لأنّ من تزوج امْرَأَة بَوَّأها مَنْزِلاً.
سَلمة، عَن الفرّاء: الْبَاءَة: النِّكاح، وَالْهَاء فِيهِ زَائِدَة.
وَالنَّاس يَقُولُونَ: الباه.
أَبُو العبّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الْبَاء، والباءة، والباه: مقولاتٌ كُلّها.
ابْن الْأَنْبَارِي: الْبَاء: النِّكاح.
يُقال: فلانٌ حريصٌ على الْبَاء، والباءة، والباه، بِالْهَاءِ وَالْقصر، أَي: على النِّكاح.
والباءة: الْوَاحِدَة. وَالْبَاء: الْجمع.
قَالَ: وتُجمع (الْبَاءَة) على (الباآت) ؛ وأَنْشد:
يأيّها الرّاكبُ ذُو الثَّبات
إِن كنت تَبْغي صاحبَ الباآتِ
فاعْمِد إِلَى هاتيكم الأبيات
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: بَاء فلانٌ بِبِيئة سَوْء، أَي: بِحَال سَوْء.
ويُقال: فِي أَرض فلَان فلاةٌ تُبِيء فِي فلاة، أَي: تذْهب.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} (الْبَقَرَة: 90) .
قَالَ: باءُوا، فِي اللُّغَة: احْتَملوا.
يُقال: بُؤت بِهَذَا الذَّنْب، أَي: احْتَملتُه.
وَقيل: باءوا بِغَضب، أَي: بإثم اسْتَحّقوا بِهِ النَّار، على إِثْم تقدّم اسْتَحقّوا بِهِ أَيْضا النَّار.
وَقيل: باءوا: رجعُوا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: بَاء بإثمه، ويبُوء بِهِ بَوْءاً، إِذا أَقَرَّ بِهِ.
قَالَ: وباء فلانٌ بفلانٍ، إِذا كَانَ كُفْئاً لَهُ يُقْتل بِهِ، وَمِنْه قَول المُهلهل لِابْنِ الْحَارِث بن عَبَّاد حِين قَتله: بُؤ بِشسْع نَعْل كُلَيب.
مَعْنَاهُ: كن كُفْئاً لِشِسْع نَعْله لَا لِدَمه.
قَالَ الزجّاج: معنى: بَاء بذَنبه: احْتمله، وَصَارَ المُذْنب مَأْوَى الذَّنْب.

(15/427)


وبَوّأته منزلا، أَي: جعلته: ذَا مَنْزل.
وَقَالَ أَبُو زيد: بُؤْتُ بالذَّنْب أبُوء بِهِ بَوْءًا، إِذا اعْتَرَفْتَ بِهِ.
وباءَ الرجُل بِصَاحِبِهِ، إِذا قُتل بِهِ.
قَالَ صَخْر الغَيّ يَمْدح سَيْفاً لَهُ:
وصارِمٍ أُخْلِصَتْ خَشِيبتُه
أَبيض مَهْوٍ فِي مَتْنة رُبَدُ
الخَشِيبة: الطَّبع الأول قبل أَن يُصْقل ويُهيّأ.
فَلَوْتُ عَنهُ سُيوف أَرْ
يَحَ حتَّى باءَ كَفِّي وَلم أَكد أجِدُ
فلوت: انْتَفيت. أَرْيح، من الْيمن. بَاء كَفِّي، أَي: صَار كفِّي لَهُ مباءَةً، أَي: مرجعاً.
قَالَ أَبُو بكر: قَالَ أَبُو العبّاس، قَالَ أَبُو عُبيدة: يُقال: الْقَوْم بَواء، أَي سَوَاء.
وَيُقَال: مَا فلانٌ لفلانٍ بِبَواء، أَي: مَا هُوَ بكفء.
وَقَالَ الْأَخْفَش: يُقال بَاء فلَان بفلانٍ، إِذا قُتل بِهِ وَصَارَ دَمُه بِدَمه. والبَواءُ: السَّواء. يُقَال: القومُ على بَوَاء.
وقَسم المَال بَينهم على بَوَاء، أَي: على سَواء.
وأبأتُ فلانَاً بفلانٍ: قَتَلْتُه بِهِ.
وَفِي الحَدِيث أَنه كَانَ بَين حَيَّين من الْعَرَب قِتالٌ، وَكَانَ لأحد الحَيّين طَوْلٌ على الآخرين، فَقَالُوا: لَا نَرْضى حَتَّى يُقتل بالعَبد منّا الحُرّ مِنْهُم، وبالمرأة الرّجُل. فأَمرهم النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَتباءَوا.
قَالَ أَبُو عُبيد: هَكَذَا رُوي لنا: يتباءوا، بِوَزْن (يتباعوا) .
وَالصَّوَاب: عندنَا يَتَبَاوَءُوا، بِوَزْن (يتباوعوا) مثل: يتقاولوا، من (القَول) .
وَفِي حَدِيث آخر أَنه قَالَ: (الْجِرَاحَات بَوَاء) ، يَعْنِي: أَنَّهَا مُتساوية فِي القِصاص، وَأَنه لَا يُقْتص للمجروح إلاّ من جارحه الْجَانِي عَلَيْهِ، وَلَا يُؤْخَذ إِلَّا مثل جراحته سَوَاء، وَذَلِكَ: البَواء؛ وَقَالَت ليلى الأخيلية فِي مقتل تَوْبَة بن الحُمَيِّر:
فإِن تَكن القَتْلى بَوَاءً فإِنّكم
فَتى مَا قتلتُم آلَ عَوْفِ بن عامِرِ
قَالَ: وأنْشدني الْأَحْمَر لرجُل قَتل قَاتل أَخِيه:
فقلتُ لَهُ بُؤ بامرىءٍ لَسْتَ مِثْلَه
وَإِن كنتَ قُنْعاناً لمن يَطلبُ الدَّمَا
يَقُول: أَنْت وَإِن كنت فِي حَسَبك مَقْنعاً لكُل مَنْ طَلبك بثأْرٍ فلستَ مِثلَ أَخِي.
وَإِذا أَقَّص السُّلطانُ رجلا برجُل، قيل: أباء فلَانا بفلان؛ قَالَ طُفَيل الغَنَوي:

(15/428)


أباء بقَتْلانَا من القومِ ضعْفَهم
وَمَا لَا يُعَدّ من أَسِيرٍ مُكَلَّبِ
قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الْأَحْمَر: فإِن قَتله السّلطانُ بقَود، قيل: قد أقاد السَّلطانُ فلَانا، وأَقَصَّه، وأَباءه، وأَصْبره.
وَقد أبأتة أُبيئه إباءةً.
وَقَالَ ابْن السِّكيت فِي قَول زُهير بن أبي سُلْمَى:
فَلم أَرَ مَعْشراً أَسَرُوا هَدِيًّا
وَلم أَرَ جارَ بَيْتٍ يُسْتَباءُ
قَالَ: الهَدِيّ: ذُو الحُرمة. وَقَوله: يُستباء، أَي: يُتَبوّأ، تُتَّخذ امْرَأَته أَهْلاً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيباني: يُسْتباء، من (البَواء) ، يُرِيد: (القَوَد) ، وَذَلِكَ أَنه أَتاهم يُريد أَن يَسْتجير بهم فَأَخَذُوهُ وقتلوه بِرَجُل مِنْهُم.
اللَّيْث: يُقَال: بَوّأت الرُّمح نَحْو الْفَارِس، إِذا سَدَّدته قَصْده وقابَلْته بِهِ.
ويُقال: هم بَوَاء فِي هَذَا الْأَمر، أَي: أكْفاء ونُظَراء.
وَقَالَ أَبُو الدُّقيش: كلّمناهم فأَجابوا عَن بَواء وَاحِد، أَي: أَجابُوا كُلّهم جَوَابا وَاحِدًا؛ وَأنْشد للتَّغلبيّ:
أَلا تَنْتَهِي عنّا مُلوكٌ وتَتَّقي
مَحارِمَنا لَا يُبْأه الدَّم بالدَّم
ويُروى: لَا يَبْؤؤ الدَّم بالدّمِ، أَي: حِذارَ أَن تَبوء دِمَاؤُهُمْ بدماء من قَتَلُوهُ.
بو: اللَّيْث: البَوّ، غير مَهْمُوز: جِلد حُوار يُحْشى تبْناً تُظْأر عَلَيْهِ نَاقَة فَترْأمه.
قَالَ: والرَّمَاد: بَوّ الأثافِيّ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَوي: الرَّجُل الأَحْمق.
وب: الوَبّ: التهَّيؤ للحملة فِي الحَرْب.
يُقَال: هَبّ، ووَبّ، إِذا تهيّأ للحَمْلة.
قلت: الأَصْل فِيهِ: أَب، فقُلبت الْهمزَة واواً.
أَب: وَقَالَ أَبُو عُبيدة: أَبَبْت أؤبّ أَبًّا، إِذا عَزمت على المَسير وتَهيّأت؛ قَالَ الأعْشى:
صَرَمْتُ وَلم أَصْرِمْكمُ وكصارِمٍ
أخٌ قد طَوى كَشحاً وأَبَّ لِيَذْهَبا
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: يُقال للظِّباء: إِن أَصَابَت المَاء فَلَا عَباب، وَإِن لم تُصب المَاء فَلَا أَباب، أَي: لم تأتَبّ لَهُ وَلم تَتهيَّأ لِطَلبه.
وَقَوله تَعَالَى: {غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} (عبس: 31) . قَالَ الفَرّاء: الأبّ: مَا تَأْكُله الأَنْعام.
وَقَالَ الزجّاج: الأبّ: جَمِيع الْكلأ الَّذِي تَعتلفه الْمَاشِيَة.
وَقَالَ عَطاء: كل شَيْء يَنْبت على وَجه الأَرْض، فَهُوَ الأبّ.

(15/429)


وَقَالَ مُجَاهِد: الْفَاكِهَة: مَا أكله النَّاس؛ والأبّ: مَا أكلت الْأَنْعَام؛ وَأنْشد بَعضهم:
جِذْمنا قَيْسٌ ونجْدٌ دارُنا
وَلنَا الأبّ بِهِ والمَكْرَعُ
ثَعْلَب: عَن ابْن الاعرابي: أبّ، إِذا حَرّك.
وأَبّ، إِذا هَزم بحَمْلة لَا مَكذوبةَ فِيهَا.
اللَّيْث: يُقال: أَبَّ فلانٌ يَده إِلَى سَيْفه، أَي: رَدَّ يدَه لِيَسْتلّه.
بأى: أَبُو زيد: بأوت على الْقَوْم أَبأى بأواً، إِذا فَخرت عَلَيْهِم.
وَقَالَ اللّحياني: بَأَوت أَبْأَى بَأْواً، وبَأَيْت أبأَى بَأْياً، لُغَتَانِ.
سَلمَة، عَن الْفراء: البَأَواء، يُمد ويُقْصر، وَهِي العظمة. والبأْو، مثله.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: بَأَى يَبْأَى، مِثَال: بَعَى يَبْعى، بأْواً، مثل (بَعْواً) ؛ وأَنْشد أَبُو حَاتِم:
فَإِن تَبْأَيْ بِبَيْتك مِن مَعَدَ
يَقُل تَصْديقَك العُلماءُ جَيْرِ
وَقَالَ بَعضهم: بأَوت أبؤو، مثل (أبعو) ، وَلَيْسَت بجيِّدة.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: بأى، أَي شقّ شَيْئا. وَيُقَال: بأى بِهِ، بِوَزْن: بَعى بِهِ، إِذا شَقّ بِهِ.
سَلمة، عَن الْفراء: بَاء بِوَزْن (بَاعَ) ، إِذا تكبر، كَأَنَّهُ مقلوب من (بأى) ، كَمَا قَالُوا: رَاء، وَرَأى.
بأبأ: اللَّيْث: البأبأة: قَول الْإِنْسَان لصَاحبه: بِأبي أَنْت، وَمَعْنَاهُ: أفديك بِأبي، فُيشتْق من ذَلِك فِعل، فيُقال: بأْبَأَ بِهِ.
قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَقُول: وإبابَا أَنْت، جعلوها كلمة مبنيّة على هَذَا التّأسيس.
قلت: وَهَذَا كَقَوْلِه: يَا وَيْلتا، مَعْنَاهُ: يَا ويلتى، فقُلبت الْيَاء ألفا، وَكَذَلِكَ: يَا أَبتَا، مَعْنَاهُ: يَا أبتى.
وعَلى هَذَا توجّه قِرَاءَة من قَرَأَ: (يَا أَبَت إنِّي رأيْتُ) .
أَرَادَ: يَا أبتا: وَهُوَ يُرِيد يَا أبتي، ثمَّ حَذف الْألف.
وَمن قَالَ: يَا بِيَبَا: حوّل الْهمزَة يَاء، وَالْأَصْل: يَا بَابَا، مَعْنَاهُ، يَا بِأبي.
والفِعل من هَذَا: بَأبَأ يُبَأبىء بَأْبَأَةً.
عَمْرو، عَن أَبِيه: البأباء: مَمْدُود: ترقيص المَرأة ولَدها.
والبأباء: زَجْر السِّنور، وَهُوَ الغِسّ؛ وأَنشد ابْن الأعرابيّ لرجل فِي الْخَيل:
وهُنّ أهلُ مَا يَتمازَيْن
وهُن أهل مَا يُبَأْبَيْن
أَي: يُقَال لَهَا: يَأْبَى فرسي، نجّاني يَوْم كَذَا، و (مَا) فيهمَا صلَة، مَعْنَاهُ: أَنَّهُنَّ

(15/430)


يَعْنِي الْخَيل أهل للمُناغاة بِهَذَا الْكَلَام، كَمَا يُرقَّص الصّبيّ، وَقَوله: يتمازَين، أَي: يتفاضلْن.
أَبُو عبيد، عَن الْأمَوِي: تَبأبأت تَبَأْبُؤاً، إِذا عَدَوْت؛ وأنْشد ابْن السِّكِّيت:
وَلَكِن يُبَأْبِئُه بُؤْبؤٌ
وبِئْباؤَه حَجَأٌ أَحْجؤُه
وَقَالَ ابْن السِّكيت: يُبأْبئه: يُفدِّيه. بؤبؤ: سيّد كريم. وبئباؤه: تفديته. وحَجأَ، أَي: فَرح. أحجؤه، أَي: أفرح بِهِ.
والبؤبؤ: إِنْسَان الْعين الَّذِي بِهِ تُبصر.
وَفُلَان فِي بُؤْبؤ صِدْق، أَي: فِي أَصْل صِدْق.
أَبَا: قَالَ ابْن السِّكيت: يُقال: أَبَوْتُ الرَّجُلَ آبوه، إِذا كنتَ لَهُ أَبَا.
ويُقال: مَا لَهُ أبٌ يَأْبُوه، أَي: يَغْذوه ويُربِّيه.
قَالَ: وأَبَيْت الشَّيْء آباه إباءً: كرهته.
أَبُو عُبيد: تأَبَّيْت أَبَا، أَي اتَّخذت أَبَا، وتأَمَّيت أُمّاً، وتَعَمَّمت عمّاً.
وأَخبرني الْمُنْذِرِيّ، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي: فلَان يأْبُوك، أَي يكون لَك أَبَا؛ وأنْشد لِشَرِيك بن حَيَّان العَنبريّ يَهجو أَبَا نُخَيلة:
يَا أَيُّهذا المُدَّعي شَرِيكا
بَيِّن لنا وحَلِّ عَن أَبِيكَا
إِذا انْتَفَى أَو شَكّ حَزْنٌ فِيكا
وقَد سأَلنا عَنْك مَن يَعْزُوكَا
إِلَى أبٍ فكلُّهم يَنْفيكا
فاطْلُب أبَا نَخْلَة مَن يأبُوكا
وادَّع فِي فَصيلة تُؤْويكا
اللَّيْث: يُقال: فلَان يأْبُو هَذَا اليَتيم إباوةً، أَي: يَغْذوه كَمَا يَغذو الوالدُ ولدَه.
أَبُو عُبيد، عَن اليزيديّ: مَا كنتَ أَبَا، وَلَقَد أَبيت أُبُوَّة.
وَمَا كنت أُمّاً، وَلَقَد أَمِمْت أُمُومةً.
وَمَا كنتَ أَخا، وَلَقَد أَخَّيت وتأَخَّيت.
وَقَالَ غَيره: مَا كنت أَبَا، وَلَقَد أَبَوْت.
وَمَا كنت أَخا، وَلَقَد أَخَوْت.
وَمَا كنت أُما، وَلَقَد أَمَوْت.
وَيُقَال: هما أَبَواه، لِأَبِيهِ وأُمّه.
وَجَائِز فِي الشّعْر: هما أَبَاه.
وَكَذَلِكَ: رَأَيْت أَبَيْه.
واللغة الْعَالِيَة: رَأَيْت أَبَويه.
قَالَ: وَيجوز أَن يُجمع (الْأَب) بالنُّون. فيُقال: هَؤُلَاءِ أبونكم، أَي: آباؤكم، وهم الأبون.
قلت: وَالْكَلَام الجيّد فِي جمع (الْأَب) : هَؤُلَاءِ الْآبَاء، بِالْمدِّ.
وَمن الْعَرَب من يَقول: أُبُوّتنا أكْرم الْآبَاء، يجمعُونَ (الْأَب) على (فعولة) ، كَمَا يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ عُمومتنا وخُؤولتنا؛ وَقَالَ

(15/431)


الشَّاعِر فِيمَن جمع (الْأَب) أَبِين:
أقبل يَهْوِي مِن دُوَيْن الطِّرْبَالْ
وهْو يُفدَّى بالأبين والخالْ
رُوي عَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (تُنكح الْمَرْأَة لمالها وحسبها، عَلَيْك بِذَات الدِّين تَرِبَت يَداك) .
قَالَ أَبُو عُبيد: هَذِه كلمة جاريةٌ على لِسَان الْعَرَب يقُولونها وَلَا يُريدن وقُوع الْأَمر.
قَالَ: وَزعم بعضُ الْعلمَاء أَن قَوْلهم: لَا أَبَا لَك، وَلَا أبَ لَك، مَدح؛ وَلَا أُمّ لَك، ذمٌّ.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَقد وجَدنا (لَا أُم لَك) وُضع مَوضِع الْمَدْح أَيْضا، وَاحْتج بِبَيْت كَعب بن سعد الغَنوي يرثي أَخَاهُ:
هوت أُمّه مَا يبْعَث الصُّبْحُ غادياً
وماذا يُؤدي اللَّيْل حِين يؤوبَ
وَإِنَّمَا رد أَبُو الْهَيْثَم بِهِ على أبي عُبيد قَوْله وَقَالَ: إِنَّمَا معنى هَذَا كَقَوْلِهِم: وَيْح أُمّه، وويل أُمّه، وَلَيْسَ للرَّجُل فِي هَذَا من الْمَدْح مَا ذهب إِلَيْهِ، وَلَيْسَ يشبه هَذَا قَوْلهم، فِي: لَا أُمَّ لَك.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: إِذا قَالَ الرّجُل للرجل، لَا أُمَّ لَك، فَمَعْنَاه: لَيْسَ لَك أُمٌّ حُرّة، وَهُوَ شَتْم.
وَذَلِكَ أنّ بَني الْإِمَاء لَيْسوا بمَرْضِيِّين ولاحِقين بِبَني الأحْرار والأَشراف.
قَالَ: وَلَا يَقُول الرجلُ لصَاحبه: لَا أمّ لَك، إِلَّا فِي غَضبه عَلَيْهِ وتَقْصيره بِهِ شاتماً لَهُ.
وأمّا إِذا قَالَ: لَا أَبَا لَك، فَلم يتْرك لَهُ من الشَّتيمة شَيْئا.
وَإِذا أَرَادَ إكرامه قَالَ: لَا أَبَا لشانيك. وَلَا أبَّ لشانيْك، وَمَا أشبه ذَلِك.
روى إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَن ابْن شُميل أَنه سَأَلَ الخليلَ عَن قَول الْعَرَب: لَا أَبا لَك. فَقَالَ: مَعْنَاهُ: لَا كافِيَ لَك.
وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ: أَنَّك تُجْزَى أَمرك، وَهَذَا أَحْمد.
قَوْلهم: لَا أُم لَك، أَي: أَنْت لَقيط لَا تُعرف لَك أُمّ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن سَلمَة، عَن الْفراء، قَالَ: قَوْلهم: لَا أَبَا لَك، كَلمةٌ تَفْصل بهَا العربُ كلامَها.
وَقَالَ المبرّد: يُقال: لَا أَبَ لَك، وَلَا أبك، بِغَيْر لَام.
أَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: اسْتَئِب أَباً، واسْتأبِبْ أَباً، وتأَبَّ أَباً، واسْتَئمّ أُمّاً، واسْتَأْمَم أُمّاً، وتأَمَّم أمّاً.
قلت: وَإِنَّمَا شُدِّد (الْأَب) وَالْفِعْل مِنْهُ، وَهُوَ فِي الأَصْل غير مشدّد، لِأَن (الْأَب) أَصله: أَبُو، فزادوا بدل (الْوَاو) يَاء، كَمَا قَالُوا: قِنّ، للْعَبد، وَأَصله: قِنْيٌ.

(15/432)


وَمن الْعَرَب من قَالَ ل (الْيَد) : يدّ، فشدّد الدَّال، لِأَن أَصله: يَدْيٌ.
وَمن المَكنِيّ بِالْأَبِ قولُهم:
أَبُو الْحَارِث: كنية الْأسد.
وَأَبُو جَعدة: كنية الذِّئب.
وَأَبُو حُصَين: كُنية الثَّعلب.
وَأَبُو ضَوَطرى: الأحمق.
وَأَبُو حُباحب: للنار الَّتِي لَا يُنتفع بهَا.
وَأَبُو جُخادب: للجراد.
وَأَبُو برَاقش: لطائر مُبَرْقش.
وَأَبُو قَلَمون: لثوبٍ يتلوّن ألواناً.
وَأَبُو قُبيس: جَبل بمكّة.
وَأَبُو دارس: كُنيته الفَرْج، من (الدَّرس) ، وَهُوَ الحَيْض.
وَأَبُو عَمْرة: كنيته الجُوع؛ قَالَ:
حَلّ أبُو عَمْرة وَسْط حُجْرَتي
وَأَبُو مَالك: كُنية الْهَرم؛ وَقَالَ:
أَبَا مالكٍ إنّ الغَواني هَجَرْنني
أَبَا مالكٍ إنِّي أَظُنّك دائِبَا
أَبى يَأْبَى: أَبُو زيد: يُقال: أَبَى التَّيْس، وَهُوَ يَأْبَى أَبىً، مَنْقوص. وتَيس: آبَى. وعَنْز أَبْواء، فِي تُيوس أُبْوٍ. وأَعْنُز أُبْو؛ وَذَلِكَ أَن يَشم التَّيس من المِعزى الأهليّة بَوْل الأُرْوِيّة فِي مواطنها فَيَأْخذهُ من ذَلِك داءٌ فِي رَأسه ونُفَّاخ فَيرم رَأسه ويقتُله الداءُ فَلَا يكَاد يُقْدر على أكل لَحْمه من مَرارته.
وربّما أَبِيت الضأنُ من ذَلِك، غير أَنه قلّما يكون ذَلِك فِي الضَّأْن؛ وَقَالَ ابْن أَحْمَر لراعي غَنم لَهُ أَصابها الأُباء:
أقولُ لِكَنّازٍ تَدَكَّلْ فإنّه
أَبى لَا أظنّ الضأنَ مِنْهُ نَواجِيَا
فيا لكِ من أَرْوى تعادَيْت بالعَمَى
ولاقَيْت كَلاَّباً مُطِلاً ورامِيَا
أَبُو عبيد، عَن أبي زِيَاد الكِلابي والأَحمر: أَخذ الغَنم الأبَى، مَقْصُور، وَهُوَ أَن تشرب أَبْوَال الأَرْوَى فيُصيبها مِنْهُ دَاء.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن أبي الْهَيْثَم، قَالَ: إِذا شَمّت الماعزةُ السّهْليَّة بَول الماعزة الجَبليّة، وَهِي الأرْويّة، أَخذها الصُّداع فَلَا تكَاد تَبرأ، فَيُقَال: أَبِيت تَأْبَى.
قلت: قَوْله (تَشْرب أَبْوَال الأرْوى) خطأ، إِنَّمَا هُوَ تشمّ؛ كَمَا قَالَ أَبُو زَيد.
وَكَذَلِكَ سمعتُ الْعَرَب.
الحرّاني، عَن ابْن السِّكيت، فِي قَول العَرب: إِذا حَيَّا أحدُهم الْملك، قَالَ: أَبَيت اللَّعن.
قَالَ: أَبيت أَن تأَتي من الْأُمُور مَا تُلْعن عَلَيْهِ.
قَالَ: وَقَالَ الفَرّاء: لم يجىء عَن الْعَرَب حَرفٌ على (فَعَل يَفْعَل) مَفْتُوح الْعين فِي الْمَاضِي والغابر، إِلَّا وثانيه أَو ثالثه أحد

(15/433)


حُروف الْحلق، غير: أَبَى يَأْبَى، فَإِنَّهُ جَاءَ نَادرا.
قَالَ: وَزَاد أَبُو عَمْرو: رَكن يَرْكَن، أَيْضا.
وَخَالفهُ الفَرّاء فَقَالَ: إِنَّمَا يُقال: رَكَن يَرْكُن، ورَكِنَ يَرْكَن.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: لم يُسمع من الْعَرَب (فَعَل يَفْعَل) ممّا لَيْسَ لامه أَو عينه من حُروف الْحلق إلاّ: أَبَى يَأْبَى، وقَلاه يَقْلاه، وغَشى يَغْشى، وشَجَى يَشْجَى.
وَزَاد المبرّد: جَبَى يَجْبَى.
قلت: وَهَذِه الأحرف أَكثر الْعَرَب فِيهَا على: قَلَى يَقْلِي، وغَشِي يَغْشَى، وعَشى اللَّيْل يَعْشو، إِذا أظلم، وشَجاه يَشْجوه، وشَجِي يَشْجى، وجَبَا يَجْبِي.
ويُقال: رجلٌ أبِيّ، ذُو إباء شَديد، إِذا كَانَ يَأْبَى أَن يُضام.
ورَجُلٌ أَبَيَان: ذُو إبَاء شَدِيد.
ويُقال: تأَبّى عَلَيْهِ تأَبِّياً، إِذا امْتنع عَلَيْهِ. ورجُلٌ أبّاء، إِذا أَبَى الضَّيم.
ويُقال: أَخذه أُبَاءٌ، إِذا كَانَ يَأَبى الطَّعام فَلَا يَشْتهيه.
وَقَالَ بعضُهم: آبى المَاء، أَي امْتنع أَن ينزل فِيهِ إِلَّا بتَغْرير.
وَإِن نزل فِي الركيَّة ماتحٌ فأَسِنَ، فقد غَرَّر بِنَفسِهِ، أَي خاطر بهَا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: آبى، أَي: نقَص.
رَوَاهُ عَن المُفضل؛ وَأنْشد:
وَمَا جُنِّبَتْ خَيْلي ولكنْ وَزَعْتُها
تُسَرّ بهَا يَوْمًا فآبَى قَتَالُها
ورَواه أَبُو نَصْر، عَن الْأَصْمَعِي: فأَنّى قَتَالها، أَي: من أنَّى قَتَالها.
وروى أَبُو عمر، عَن أَحْمد بن يحيى، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، قَالَ: الأَبِي: السَّنِق من الْإِبِل.
والأبيّ: المُمْتنعَة من العَلف لِسَنَقها، والمُمتنعة من الْفَحْل لقلّة هَدَمها.
قَالَ: وَقَالَ بعضُهم: المُؤْبِي: الْقَلِيل من المَاء.
وَحكى: عندنَا ماءٌ مَا يُؤْبَى، أَي: مَا يقل.
شمر، عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للْمَاء إِذا انْقَطع: مَاء مُؤْبىً.
وَيُقَال: عِنْده دَراهم لَا تُؤْبى، أَي لَا تَنْقَطِع.
وركَّية لَا تُؤْبى: لَا تَنْقطع.
وأوبِى الفصيلُ عَن لبن أمه، أَي اتَّخم عَنهُ لَا يَرْضعها.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المُؤْبِي: الْقَلِيل.
وبا: أَبُو زيد: يُقال: وَبئت الأرضُ تَوْبأ وَبَأً.
وَهِي أَرض مَوْبُوءة، وَأَرْض وَبِئة، إِذا كثر مَرضُها.

(15/434)


وَقَالَ القُشيريون: وَبِئت الأرضُ تِيبَأُ، وأَوْبأت إيباءً.
وَهُوَ فصيل مُوبىً، إِذا سَنِق لآمْتِلائه.
وَقَالَ اللّحياني: مَاء مُوبىء، أَي وَبىء، مَن شَربه مرض.
قَالَ شَمر: وَقَالَ ابْن شُميل: أَرض وَبئة، على فعلة، ومَوْبوءة.
وَقد وَبئت، إِذا كَثر مَرضهَا.
وَيُقَال: وَبيئة، على (فعيلة) .
وَالْبَاطِل وبيء لَا تُحمد عاقبته.
أَبُو عُبيد، عَن الْكسَائي: أرضٌ وبئة، على (فعلة) ، ووبيئة: على (فعيلة) .
ابْن بُزُرْج: أَوْمأت بالعَينين والحاجبَين، ووبَأْتُ باليَدين والثَّوب والرَّأْس.
قَالَ: ووبأت الْمَتَاع، وعَبَأته، بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عبيد، عَن الْكسَائي: وبأت إِلَيْهِ، مثل: أَوْمَأت إِلَيْهِ.
آب: يُقَال: آب الْغَائِب يَؤُوب إياباً.
قَالَ الفَرَّاء: وأوبة؛ وأيبة؛ ومآبا، إِذا رَجَع.
ويُقال: لِتَهنئك أوبة الْغَائِب، أَي: إيابه.
والمآب: المَرجع.
وآبت الشَّمْس تؤوب مآباً، إِذا غَابَتْ فِي مآبها، أَي: فِي مغيبها؛ وَقَالَ تُبّع:
فَرَأى مَغيب الشَّمْس عِنْد مآبها
فِي عَين ذِي خُلُب وثَأطٍ حَرْمَدِ
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ إِذا أقبل من سَفر قَالَ: (آيبون تائبون لربِّنا حامدون) .
وَقَالَ تَعَالَى: {ذَالِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ} (ص: 25 و 40) أَي: حُسن الْمرجع الَّذِي يَصير إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة.
وَيُقَال: جَاءَ النَّاس من كل أَوب، أَي: مِن كُل وَجه.
وَيُقَال: مَا أحسن أوْبَ ذراعَي هَذِه النَّاقة، وَهُوَ رَجعها قَوَائِمهَا فِي السّيْر.
وَقَالَ شَمر: كل شَيْء يَرجع إِلَى مَكَانَهُ فقد آب يَؤُوب إياباً، إِذا رَجَعَ.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {مِنَّا فَضْلاً ياَجِبَالُ أَوِّبِى} (سبأ: 10) .
وَقَرَأَ بَعضهم: (يَا جبال أُوبي مَعَه) .
فَمن قَرَأَ (أَوِّبي مَعَه) ، مَعْنَاهُ: رَجِّعي مَعَه التَّسْبيح.
وَمن قَرَأَ (أُوبي مَعَه) فَمَعْنَاه: عُودي مَعَه فِي التَّسبيح كلّما عَاد فِيهِ.
قَالَ أَبُو بكر: فِي قَوْلهم (رجل أوّاب) سَبعة أَقْوَال:
قَالَ قوم: الأوّاب: الراحم.
وَقَالَ قوم: الأوّاب: التائب.
وَقَالَ سَعيد بن جُبير: الأوّاب: المُسبِّح.
وَقَالَ ابْن المسيّب: الأوّاب: الَّذِي يُذْنب

(15/435)


ثمَّ يَتوب، ثمَّ يُذْنب ثمَّ يَتوب.
وَقَالَ قَتَادَة: الأوّاب: المُطيع.
وَقَالَ عُبيد بن عُمير: الَّذِي يَذْكُر ذَنْبه فِي الْخَلَاء فَيسْتغفر الله مِنْهُ.
وَقَالَ أهل اللُّغة: الأواب: الرجّاع الَّذِي يَرجع إِلَى التَّوْبَة والطّاعة.
من: آبَ يؤوب، إِذا رَجَعَ: قَالَ الله تَعَالَى: {تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ} (ق: 32) .
قَالَ عَبيد:
وكُلّ ذِي غَيْبة يَؤُوب
وغائبُ الْمَوْت لَا يَؤُوب
وَقَالَ: تأوّبه مِنْهَا عَقابيل، أَي: رَاجعه.
وَقَالَ غَيره: يُقال للرجل يَرجع باللّيل إِلَى أَهله: قد تأوّبهم وائْتابهم، فَهُوَ مؤتاب ومتأوِّب.
والتأويب، فِي كَلَام الْعَرَب: مَسير النَّهَار كُلّه إِلَى اللّيل.
يُقال: أَوّب يُؤَوّب تَأْويبا.
وَالْمعْنَى: يَا جبال أوبي النَّهَار كلّه بالتّسبيح إِلَى اللَّيْل؛ قَالَ سلامةُ بن جَنْدل:
يَوْمانُ يومُ مُقامات وأنْدية
ويومُ سَيْرٍ إِلَى الأعَداء تَأْويب
أَبُو عُبيد، عَن أبي عَمْرو: التأْويب: أَن يسير النَّهَار وَينزل اللَّيْل.
وَقَالَ أَبُو مَالك: أوّب الْقَوْم تأَويباً، أَي: سارُوا بالنّهار.
قَالَ: وأسأدُوا، إِذا سارُوا باللَّيْل.
ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: يُقال أَنا عُذيقها المُرجَّب وحُجَيرها المُؤَوَّب.
قَالَ: المُؤوب: المُدوّر المقَوَّر المُلَمْلم.
وكلّها أَمْثَال.
قَالَ: والأَوْب: رَجْع الْأَيْدِي والقوائم فِي السَّير؛ قَالَ كَعْب بن زُهير:
كأَنّ أَوب ذِراعَيْها وَقد عَرِقَت
وَقد تَلَفَّع بالقُور العساقِيلُ
أوْبُ يَدَيْ ناقةٍ شَمْطاء مُعْولةٍ
ناحَت وجاوَبها نُكْدٌ مَثاكِيلُ
قَالَ: والمُؤَاوبة: تَبارِي الرَّكب فِي السَّير؛ وأَنْشد:
وإنْ تُؤاوبه تَجِدْه مِثْوَبَا
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: { (الاَْكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ} (الغاشية: 25) .
قَالَ: هُوَ بتَخفيف الْيَاء، والتّشديد فِيهِ خطأ.
وَقَالَ الزّجاج: قرىء (إيّابهم) بالتّشديد.
قَالَ: وَهُوَ مصدر: أَيّب إيّاباً، على معنى: فَيْعل فِيعالا، من: آب يَؤُوب.
وَالْأَصْل: إيواباً، فأُدغمت الْيَاء فِي الْوَاو، وانقلبت الْوَاو إِلَى الْيَاء، لِأَنَّهَا سُبقت بسُكون.
قلت: وَلَا أَدْرِي مَن قَرَأَ (إيّابهم)

(15/436)


بالتّشديد، والقُرّاء على (إيابهم) مخفّفاً.
قَالَ: ومآبة الْبِئْر ومثابتها: حَيْثُ يجْتَمع إِلَيْهِ المَاء فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: آبك الله، أَي: أبعدك الله، دُعَاء عَلَيْهِ، وَذَلِكَ إِذا أَمرته بخُطّة فعصاك ثمَّ وَقع فِيمَا يكره، فأَتاك فأَخبرك بذلك، فَعِنْدَ ذَلِك تقولُ لَهُ: آبك الله؛ وأنْشد:
فَآبك هَلاّ واللَّيالي بغرَّة
تُلِمّ وَفِي الأيّام عَنك غُفُول
وَقَالَ آخر:
فآبَك ألاّ كُنْت آلَيْت حَلْفةً
عَليه وأغْلقت الرِّتاجَ المُضَبَّبا
أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ سريع الأوبة، أَي: الرُّجوع.
وَقوم يحوّلون الْوَاو يَاء، فَيَقُولُونَ: سريع الأيْبَة.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الاَْيْدِ إِنَّهُ} (ص: 17) .
حَدثنَا أَبُو زيد، عَن عبد الْجَبَّار، عَن سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عبيد بن عُمير، قَالَ: الأوّاب: الحفيظ الَّذِي لَا يَقوم عَن مَجْلِسه حَتَّى يَسْتغفر.
وَقَالَ الزّجاجُ: الأوّاب: الكثيرُ الرّجوع.
والأوّاب: التوَّاب.
ويُقال: جَاءَ القومُ من كل أَوْب، أَي: من كلّ ناحِية.
ورمينا أوباً أَو أَوْبين، أَي رشقاً أَو رشقين؛ قَالَ ذُو الرّمة يصف صائداً:
طَوَى شَخْصَه حَتَّى إِذا مَا تَودَّفَتْ
على هِيلة من كُلّ أَوْب نِفَالها
على هيلة: أَي: على فَزع وهَول لِما مرّ بهَا مِن الصَّائد مرّة بعد أَخرى. من كُل أَوب، أَي: من كُل وَجْه؛ لِأَنَّهُ لَا مكمن لَهَا من كل وَجه، عَن يَمينها وَعَن شِمالها وَمن خَلفها.
وَأب: اللَّيْث: وَأَب الحافِرُ يَئِب وَأْبةً، إِذا انْضَمَّت سنابِكُه. وإنّه لوأْب الحافِر. وحافرٌ وَأْبٌ: شَديد.
ابْن السِّكيت: حافرٌ وَأْبٌ، إِذا كَانَ قَدْراً، لَا وَاسِعًا عَريضاً وَلَا مَصْرُوراً.
وقِدْرٌ وَئيبة، من: الْحَافِر الوَأْب.
وقِدْرٌ وَئِية، بياءين، من: الفَرس الوآة.
أَبُو عُبيد: الإبَة: العَيْب: وأَنْشد:
عَصَبْن برَأْسه إبَةً وعارَا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيباني: التُّؤَبَةُ: الاستحياء، وَأَصلهَا: وُأَبة، مَأْخُوذ من (الإبة) ، وَهُوَ العَيب.
قَالَ أَبُو عَمْرو: تَغدَّى عِنْدِي أعرابيّ فَصِيح من بني أَسَد، فَلَمَّا رَفع يدَه قُلت لَهُ: ازْدَد؛ فَقَالَ: وَالله مَا طَعَامك يأبا عَمْرو بِذِي تُؤبة، أَي: لَا يُسْتَحيا مِن

(15/437)


أكله.
وَقد اتَّأَب الرَّجُل من الشَّيْء يَتَّئِب، فَهُوَ مُتَّئِب، وَهُوَ افتعال، من (الإبة) ، و (الوأب) . وَقد وَأَب يَئِب، إِذا أَنِف.
وأوأبت الرّجل، إِذا فعلت بِهِ فعلا يُسْتحيا مِنْهُ؛ وَأنْشد شَمر:
وإنّي لكَىءٌ عَن المُوئِبات
إِذا مَا الرَّطيء انْمأَى مَرْتَؤُهْ
ابْن شُمَيْل: ركّية وَأْبة: قَعِيرة.
وقَصْعة وَأْبة: مُفَلْطحة واسِعة.
بوب بيب: اللَّيْث: البابُ: مَعْرُوف، وَالْفِعْل مِنْهُ: التَّبْوِيب. والبابة، فِي الْحُدُود والحساب وَنَحْوه: الْغَايَة. والبابة: ثَغر من ثُغور الرّوم. وَبَاب الأَبواب: من ثُغور الْخَزَر. والبوّاب: الحاجِب.
وَلَو اشْتَقّ مِنْهُ فِعل على (فِعَالة) لقيل: بِوَابة، بِإِظْهَار الْوَاو، وَلَا يُقلب يَاء، لأنّه لَيْسَ بمَصْدر مَحْض، إنّما هُوَ اسْم.
قَالَ: وَأهل البَصْرة فِي أسواقهم يُسمُّون الساقي الَّذِي يَطُوف عَلَيْهِم بِالْمَاءِ: بَيَّاباً.
ثَعْلَب: بَاب فلانٌ، إِذا حَفَر كُوَّة، وَهُوَ البِيبُ.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: البِيبُ: كُوَّة الْحَوْض، وَهِي مَسيل المَاء، والصُّنْبور، والثَّعْلَب، والمَثْعب، والأسْكُوب.
أَبُو عُبَيد: تَبَوَّبْت بَوَّاباً، أَي: اتَّخذت بَوَّاباً.
وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقال: أَتَانَا فلانٌ بِبَابِيَّة، أَي: بأُعجوبة؛ وأَنْشد قَول الجَعدِيّ:
ولكنّ بابيّةً فاعْجَبُوا
حَدِيث قُشَير وأفْعالُها
بابيّة: عَجِيبة.
اللَّيْث: البابيّة: هَدير الفَحل فِي تَرْجيعه تكْرَار لَهُ؛ قَالَ رُؤْبة:
بَغْبَغةً مرًّا ومَرًّا بابِيَّا
وَقَالَ أَيْضا:
يَسُوقُها أَعْيَسُ هدَّارٌ بَبِبْ
إِذا دَعَاهَا أَقْبَلت لَا تَتَّئِبْ
وبَيْبة: اسْم؛ وأنْشد:
ومارَ دَمٌ مِن جارِ بَيْبة ناقِعُ
وبالبَحْرين موضعٌ يُعرف ببابَيْن، وَفِيه يَقُول قائلُهم:
إِن ابْن بُورٍ بَيْن بابَيْن وجَمْ
والخيلُ تَنْحاه إِلَى قُطْر الأَجَمْ
وضبَّةُ الدُّغْمانُ فِي رُوس الأَكَمْ
مُخْضَرّةً أعْيُنها مِثْلُ الرَّخَمْ
عَمْرو، عَن أَبِيه: وبَوّبَ الرَّجُلُ، إِذا حَمل على العَدُوّ.
والبَوْبَاة: الفلاة، وَهِي المَوْمَاة.
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي قَوْلهم: هَذَا من بابَتِي.

(15/438)


قَالَ يَعقوب بن السِّكيت وَغَيره: البابة، عِنْد الْعَرَب: الْوَجْه الَّذِي أُريده ويَصْلُح لي.
وَقَالَ أَبُو العَميثل: البابَة: الخَصْلة.
وَقيل: بابات الكِتاب: سُطُوره.
بابة، وبابات، وأبواب؛ وأنْشد لِتَميم بن مُقْبل:
تخيَّر بابات الكِتَاب هِجائيَا
قَالَ: مَعْنَاهُ: تخيّر هجائي من وُجوه الكِتاب.
فَإِذا قَالَ النَّاس: من بابتي، فَمَعْنَاه: من الْوَجْه الَّذِي أُريده ويَصْلُح لي.
قَالَ ابْن دُريد: البِيبَة: المَثْعب الَّذِي يَنصب مِنْهُ المَاء إِذا أُفْرغ من الدَّلو فِي الْحَوْض. وَهُوَ البِيب، والبِيبَة.
يبب: قَالَ أَبُو بكر، فِي قَوْلهم: خرابٌ يَبَاب: اليَبَاب، عِنْد الْعَرَب: الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أحد؛ قَالَ ابْن أبي رَبِيعة:
مَا عَلَى الرّسْم بالبُلَيَّيْن لَو بَيّ
نَ رَجْعَ السَّلاَمِ أَو لَو أَجَابَا
فَإلَى قصْر ذِي العَشِيرة فالصَّا
لِف أَمْسى من الأَنِيس يَبابَا
مَعْنَاهُ: خَالِيا لَا أَحد بِهِ.
وَقَالَ شمر: اليَباب: الْخَالِي الَّذِي لَا شَيْء بِهِ.
يُقَال: خراب يَباب، إتباع ل (خراب) قَالَ الكُميت:
بِيَبَابٍ من التَّنائف مَرْتٍ
لم تُمَخَّط بِهِ أُنُوف السِّخَالِ
لم تُمخَّط، أَي: لم تُمْسح. والتَّمْخيط: مَسْح مَا على الْأنف من السِّخلة إِذا ولدت.
ويب: سَلمَة، عَن الْفراء، قَالَ الْكسَائي: من الْعَرَب مَن يَقُول: وَيْبَك، وَويْب غَيْرِك.
وَمِنْهُم من يَقُول: وَيْباً لزيد، كَقَوْلِك: ويلاً لزَيد. وَقد مرّ تَفْسِيره.
الْبَاء: وَقَالَ النَّحويون: الجالب للبَاء فِي (بِسم الله) معنى الِابْتِدَاء، كَأَنَّهُ قَالَ: أبتدىء باسم الله.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: (الْبَاء) مَعْنَاهَا: الإلصاق، ودَخلت (الْبَاء) فِي قَول الله تَعَالَى {أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ} (آل عمرَان: 151) لأَن معنى (أشرك بِاللَّه) : قَرن بِاللَّه غَيره، وَفِيه إِضْمَار، وَالْبَاء للإِلصاق والقِران.
وَمعنى قَوْلهم: وَكّلت بفلان، مَعْنَاهُ: قرنت بِهِ وَكيلا.
ورَوى مُجَاهِد عَن ابْن عمر أَنه قَالَ:
رَأَيْته يَشتدّ بَين الهَدَفَيْن فِي قَمِيص فَإِذا أصَاب خَصْلةً يَقُول: أَنا بهَا، أَنا بهَا يَعْنِي: إِذا أصَاب الهدف ثمَّ يرجع متنكّباً قوسه حَتَّى يَمُر فِي السُّوق.
وَقَالَ شمر، قَوْله: أَنا بهَا، يَقُول:

(15/439)


صَاحبهَا.
وَفِي حَدِيث سَلمة بن صَخْر أَنه أَتَى النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر أنّ رجلا ظاهَر من امْرَأَته ثمَّ وَقع عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لعلّك بذلك يَا سَلمة؟ فَقَالَ: نعم، أَنا بذلك) .
يَقُول: لعلّك صاحبُ الْأَمر.
وَفِي حَدِيث عُمر أَنه أُتي بِامْرَأَة قد زَنت، فَقَالَ لَهَا: مَنْ بك؟
يَقُول: من صاحُبك؟
قَالَ شمر: ويُقال: لما رَآنِي بالسَّلاح هِرِب.
مَعْنَاهُ: لما رَآنِي أَقبلت بالسِّلاح، وَلما رَآنِي صاحبَ سِلاح؛ قَالَ حُميد:
رأَتْني بحَبْلَيها فردَّت مَخَافَة
أَرَادَ: لمّا رأتني أَقبلت بحبلَيْها.
وَقَوله تَعَالَى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (الْحَج: 25) أَدخل (الْبَاء) فِي قَوْله (بإلحاد) لِأَنَّهَا حَسُنت فِي قَوْله: وَمن يُرد بِأَن يُلحِد فِيهِ.
وقولُه تَعَالَى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ} (الْإِنْسَان: 6) ، قيل: ذهب (بِالْبَاء) إِلَى الْمَعْنى، لِأَن الْمَعْنى: يَرْوَى بهَا عبادُ الله.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَول الله تَعَالَى: {} (المعارج: 1) .
أَرَادَ، وَالله أعلم: سَأَلَ عَن عَذَاب وَاقع.
وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: { (عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} (الْقَلَم: 5، 6) الْبَاء، بِمَعْنى (فِي) ، كَأَنَّهُ قَالَ: فِي أَيّكُم الْمفْتُون.
قَالَ الفَراء فِي قَول الله تَعَالَى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} (النِّسَاء: 79 و 166) : دَخلت (الْبَاء) فِي قَوْله {كفى باللَّه للمُبالغة فِي المَدْح وَالدّلَالَة على قَصد سَبيله، كَمَا قَالُوا: أَظرفْ بعَبد الله وأَنْبِل بِعَبْد الرحمان فأَدْخلوا (الْبَاء) على صَاحب الظّرف والنُّبل للمُبالغة فِي المَدح.
وَكَذَلِكَ قَوْلهم: ناهيك بأخينا وحَسبك بصديقنا أدخلُوا (الْبَاء) لهَذَا الْمَعْنى، وَلَو أَسقطت (الْبَاء) لقُلْت: كفى اللَّهُ شَهِيداً.
قَالَ: وَمَوْضِع (الْبَاء) وَقع فِي قَوْله تَعَالَى: وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} (النِّسَاء: 79 و 166) .
وَقَالَ أَبُو بكر: انتصاب قَوْله {شَهِيدا على الْحَال من الله أَو على القَطْع.
وَيجوز أَن يكون مَنْصوباً على التَّفسير مَعْنَاهُ: كفى بِاللَّه من الشَّاهِدين، فَيجْرِي من المَنْصوبات مَجْرى (الدِّرْهم) فِي قَوْلهم: عِنْدِي عشرُون دِرْهماً.
وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى: فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} (الْفرْقَان: 59) ، أَي: سَلْ عَنهُ خَبِيرا يُخبرك؛ وَقَالَ عَلْقَمَة:
فَإِن تسأَلوني بالنّساء فإِنني
بصيرٌ بأَدْواء النِّساء طَبيبُ
أَي: تسأَلوني عَن النِّساء.

(15/440)


قالَه أَبُو عُبيد.
وَقَالَ تَعَالَى: {الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ} (الانفطار: 6) ، أَي: مَا خَدعك عَن ربّك الْكَرِيم وَالْإِيمَان بِهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْله: {اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ} (الْحَدِيد: 14) أَي: خدعكم عَن الله وَالْإِيمَان بِهِ وَالطَّاعَة لَهُ الشيطانُ.
وَأَخْبرنِي المُنذري، عَن ثَعْلَب، عَن سَلمة، عَن الْفراء، قَالَ: سمعتُ رجلا من الْعَرَب يَقُول: أَرْجُو بِذَاكَ. فسأَلته؛ فَقَالَ: أَرْجُو ذَاك.
وَهُوَ كَمَا تَقول: يُعجبني بأَنك قَائِم، وَأُرِيد لأذهبَ، مَعْنَاهُ: أُرِيد أَذْهب.

(15/441)