غريب الحديث لابن قتيبة والنجش فِي الْمُبَايعَة
هُوَ أَن يزِيد الرجل فِي ثمن السّلْعَة وَهُوَ لَا يُرِيد شراءها
ليزِيد غَيره بِزِيَادَتِهِ وأصل النجش الختل وَمِنْه قيل للصائد ناجش
لِأَنَّهُ يخْتل الصَّيْد ويحتال لَهُ وكل من اسْتَشَارَ شَيْئا فقد
نجش.
والشرك ثَلَاث
شركَة الْمُضَاربَة وَشركَة الْعَنَان وَشركَة الْمُفَاوضَة فَأَما
شركَة الْمُضَاربَة فَهُوَ أَن يدْفع رجل إِلَى رجل مَالا يتجر بِهِ
وَيكون الرِّبْح مِنْهُمَا على مَا يتفقان عَلَيْهِ وَتَكون الوضيعة
على رَأس المَال.
(1/199)
وأصل الْمُضَاربَة الضَّرْب فِي الأَرْض
وَذَلِكَ أَن الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ يدْفع إِلَى الرجل مَاله
على أَن يخرج بِهِ إِلَى الشَّام وَغَيرهَا فيبتاع الْمَتَاع على هَذَا
الشَّرْط.
وَأما شركَة الْعَنَان
فَإِنَّهُ مَأْخُوذ من قَوْلك عَن لَك الشَّيْء يعن إِذا عرض لَك
يُقَال شَارك فلَان شركَة عنان وهوأن يشتركا فِي شَيْء خَاص كَأَنَّهُ
عَن لَهما أَي عرض فاشتركا فِيهِ.
وَأما الْمُفَاوضَة فِي الشّركَة
فَهُوَ أَن يشتركا فِي جَمِيع مَا يستفيدان فَلَا يُصِيب وَاحِد
مِنْهُمَا شَيْئا إِلَّا كَانَ فِيهِ للْآخر شركَة وَسميت مُفَاوَضَة
لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا يعملان ويشرعان فِي الْأَخْذ والإعطاء ويستويان
فِي الرِّبْح وَمِنْه يُقَال تفاوض الرّجلَانِ فِي الحَدِيث إِذا شرعا
فِيهِ جَمِيعًا.
وَكتب إِلَيّ الرّبيع بن سُلَيْمَان يُخْبِرنِي عَن الشَّافِعِي أَنه
قَالَ شركَة الْمُفَاوضَة بَاطِل وَلَا تقع الشّركَة عِنْده على أَمر
مَجْهُول
(1/200)
وَلَا تجوز بالعروض وَلَا بِالدّينِ
وَذَلِكَ أَن يَقُول الرجل للرجل مَا اشْتريت من شَيْء فَهُوَ فِيمَا
بيني وَبَيْنك وَكَذَلِكَ مَا اشْتريت فَلَا تقع بِهَذَا شركَة وَمن
اشْترى شَيْئا فَهُوَ لَهُ قَالَ وَلَا تجوز الشّركَة إِلَّا
بِالدَّرَاهِمِ أَو بِالدَّنَانِيرِ وَإِن كَانَ لأَحَدهمَا دَنَانِير
وَللْآخر دَرَاهِم لم يجز وَلَا تجوز أَيْضا حَتَّى يخلطا.
وَقَالَ لنا إِسْحَق: الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ وَلكُل امْرِئ مَا نوى
وَلم نسْمع أحدا حكى عَن من يلْزمنَا قبُول قَوْله أَنه لَا يجوز
حَتَّى يخلطا وَهُوَ أَمر مُحدث.
وَأما أَصْحَاب الرَّأْي أَو أَكْثَرهم فيرون شركَة الْمُفَاوضَة
جَائِزَة فِي كل شَيْء حَتَّى فِي الْهَدِيَّة تهدى لأَحَدهمَا وَفِي
كل شَيْء خلا الْمِيرَاث.
وَأما بيع الْخِيَار
فَإِن الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَت تَدعُوهُ صَفْقَة الْخِيَار.
وحَدثني مُحَمَّد بن عبيد عَن عبد الصمد بن عبد الوارث عَن همام عَن
قَتَادَة عَن زُرَارَة بن أوفى عَن عمر أَنه قَالَ: البيع عَن ترَاض
صَفْقَة الْخِيَار وَمَعْنَاهُ أَن البيع يجب أَن يفْتَرق
الْمُتَبَايعَانِ راضيتين فَإِن وَقع البيع ثمَّ بدا لأَحَدهمَا فِيمَا
أَخذ أَو أعْطى قبل الْفِرَاق فسخ.
(1/201)
وَأما قَول الْعَرَب صَفْقَة الْخِيَار
فَإِنَّهَا كَانَت إِذا تبايعت وَرَضي كل وَاحِد قَالَ أَحدهمَا للْآخر
اختر الْآن إِمْضَاء البيع أَو فَسخه فَإِن اخْتَار أَمْضَاهُ على مَا
وَقع بَينهمَا وَجب البيع وَإِن لم يَتَفَرَّقَا وَإِن اخْتَار
الْفَسْخ فسخ فَهَذِهِ صَفْقَة الْخِيَار وَهُوَ معنى حَدِيث النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: التغابن بِالْخِيَارِ مَا لم يفترقا إِلَّا
بيع الْخِيَار يَقُول إِذا فعلا هَذَا وَجب البيع وَإِن لم يفترقا.
الشُّفْعَة
وَأما الشُّفْعَة فَإِن الرجل كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادَ
بيع منزل أَو حَائِط أَتَاهُ الْجَار وَالشَّرِيك والصاحب فشفع
إِلَيْهِ فِيمَا بَاعَ فشفعه وَجعله بِهِ أولى مِمَّن بعد سَببه فسميت
شُفْعَة وَسمي طالبها شَفِيعًا وَجعلهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حَقًا لقوم من ذَوي الْموَات والأسباب دون قوم.
(1/202)
النِّكَاح وَالطَّلَاق وَمَا يعرض من
الْأَلْفَاظ فِي أَبْوَابهَا
(1/203)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي النِّكَاح
وَالطَّلَاق وَمَا يعرض من الْأَلْفَاظ فِي أَبْوَابهَا
اخْتلف النَّاس فِي الإقراء فَقَالَ قوم هِيَ الْحيض لقَوْل النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَرْأَة تقعد أَيَّام أقرائها يُرِيد
أَيَّام الْحيض وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا الإطهار وَاحْتَجُّوا
بقول الْأَعْشَى [من الطَّوِيل] ... وَفِي كل عَام أَنْت جاشم غَزْوَة
... تشد لأقصاها عزيم عزائكا
مورثة مَالا وَفِي الأَصْل رفْعَة ... لما ضَاعَ فِيهَا من قُرُوء
نسائكا ...
يُرِيد أَنَّك غزوت فأضعت أطهارهن إِذا لم تغشهن فِيهَا
وَالْفَرِيقَانِ جَمِيعًا مصيبان على طَرِيق اللُّغَة لِأَن الْقُرْء
هُوَ الْوَقْت وكل شَيْء أَتَاك لوقت مَعْلُوم فقد أَتَاك لقرءه وقارئه
وَالْحيض يَأْتِي لوقت فَهُوَ قرء وَالطُّهْر يَأْتِي لوقت فَهُوَ قرء
قَالَ الْهُذلِيّ مَالك بن الْحَارِث [من الوافر]
(1/205)
.. كرهت الْعقر عقر بني شليل ... إِذا هبت
لِقَارِئِهَا الرِّيَاح ...
أَي إِذا هبت الرِّيَاح لوَقْتهَا وَذَلِكَ فِي الشتَاء وَقَالَ الآخر
[من الرجز] ... يَا رب ذِي ضغن عَليّ فارض ... لَهُ قُرُوء كقروء
الْحَائِض ...
يُرِيد أَن عداوته لأوقات كَمَا يَأْتِي الْحيض لأوقات والعقر الَّذِي
تعطاه الْمَرْأَة على وَطْء الشُّبْهَة هُوَ مَأْخُوذ من عقرت لِأَن
الْوَاطِئ للبكر يعقرها إِذا افتضها فَسُمي مَا أَعْطيته بالعقر عقرا
ثمَّ صَار هَذَا للثيب وَمن وَطْء فِي غير الْفرج أَيْضا.
الشّغَار
وللشغار الْمنْهِي عَنهُ أَن يُزَوّج الرجل امْرَأَة هُوَ
(1/206)
وَليهَا رجلا على أَن يُزَوجهُ الآخر ويعقد
بَينهمَا النِّكَاح على ذَلِك من غير مهر وَكَانَ الرجل يَقُول للرجل
فِي الْجَاهِلِيَّة شاغرني أَي زَوجنِي أختك على أَن أزَوجك ابْنَتي
وَقيل لذَلِك شغار لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يشغر إِذا نكح وأصل الشغر
للكلب وَهُوَ أَن يرفع إِحْدَى رجلَيْهِ ويبول فكني بذلك عَن النِّكَاح
إِذا كَانَ على هَذَا الْوَجْه وَجعل لَهُ علما كَمَا قيل للزِّنَا
سفاح لِأَن الزَّانِيَيْنِ يتسافحان يسفح هَذَا المَاء أَي يصبهُ ويسفح
هَذَا أما النُّطْفَة وَأما المَاء الَّذِي يغتسلان بِهِ فكني بذلك عَن
الزِّنَا وَجعل لَهُ علما.
وَكَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يلقى الْمَرْأَة فَيَقُول لَهَا
سافحيني فَيكون ذَلِك عِنْده أحسن من أَن يَقُول: زانيني.
الْعسيلَة
أما الْعسيلَة الَّتِي تذوقها الْمَرْأَة فِي النِّكَاح من الزَّوْج
وَتحل بهَا للمطلق ثَلَاثًا فَإِنَّهَا تَصْغِير الْعَسَل وَإِنَّمَا
صغر بِالْهَاءِ لِأَن الْعَسَل يؤنث وَيذكر والأغلب عَلَيْهِ
التَّأْنِيث قَالَ الشماخ
[من الطَّوِيل] ... كَأَن عُيُون الناظرين تشوقها ... بهَا عسل طابت
يدا من يشورها ...
وَكَذَلِكَ الضَّرْب وَهُوَ الْعَسَل الغليظ يذكر وَيُؤَنث
(1/207)
قَالَ الْهُذلِيّ أَبُو ذُؤَيْب
[من الطَّوِيل] ... فماضرب بَيْضَاء يأوي مليكها ... إِلَى طنف أعيا
براق ونازل ...
وَلَو صغرت على مَذْهَب التَّأْنِيث لَقلت ضريبة كَمَا قلت عسيلة
وَبَعض النَّاس يتَوَهَّم أَن عسيلة النِّكَاح الَّتِي تحل بهَا
الْمَرْأَة للمطلق ثَلَاثًا هِيَ النُّطْفَة وَأرَاهُ توهم ذَلِك للهاء
الَّتِي لحقته وَلَيْسَ ذَلِك كَمَا توهم وَإِنَّمَا الْعسيلَة
كِنَايَة عَن حلاوة الْجِمَاع فَكل من جَامع حَتَّى يجوز الْخِتَان
الْخِتَان فقد ذاق وأذاق الْعسيلَة وحلت بذلك الْمَرْأَة للزَّوْج
الأول أنزل أَو لم ينزل.
وَكَانَ ابْن مَسْعُود وَشُرَيْح يذهبان إِلَى أَن الْمهْر إِنَّمَا
يجب بذلك لَا بإغلاق الْبَاب وإرخاء السّتْر كَمَا يَقُول كثير من
النَّاس وَقَالَت بنت الحمارس أنْشدهُ الْأَصْمَعِي [من الرجز] ... هَل
هِيَ إِلَّا حظوة أَو تطليق ... أَو صلف مَا بَين ذَاك تَعْلِيق ...
(1/208)
.. قد وَجب الْمهْر إِذا غَابَ الحوق ...
والحوق حرف الْحَشَفَة وَهُوَ إطارها الْمُحِيط بهَا.
الظِّهَار
وَالظِّهَار الَّذِي تحرم بِهِ الْمَرْأَة مَأْخُوذ من الظّهْر
وَذَلِكَ أَن تَقول لَهَا أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي فَكَانَت تطلق فِي
الْجَاهِلِيَّة بذلك.
وَإِنَّمَا اختصوا الظّهْر دون الْبَطن والفخذ والفرج وَهَذَا أولى
بِالتَّحْرِيمِ لِأَن الظّهْر مَوضِع الرّكُوب وَالْمَرْأَة مركوبة
إِذا غشيت فَكَأَنَّهُ إِذا قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَرَادَ
ركوبك للنِّكَاح حرَام عَليّ كركوب أُمِّي للنِّكَاح.
فَأَقَامَ الظّهْر مقَام الرّكُوب لِأَنَّهُ مركوب وَأقَام الرّكُوب
مقَام النِّكَاح لِأَن الناكح رَاكب وَهَذَا من لطيف الِاسْتِعَارَة
للكناية.
وَقد أشكل على كثير من الْفُقَهَاء معنى قَول الله جلّ وَعز: {ثمَّ
يعودون لما قَالُوا} حَتَّى ظن بَعضهم أَن الْمَرْأَة لَا تحرم على من
ظَاهرهَا حَتَّى يُعِيد اللَّفْظ بالظهار
ثَانِيَة فَيَقُول أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي
وَهَذَا خلاف مَا أجمع عَلَيْهِ الْفُقَهَاء.
(1/209)
وَكَانَ الشَّافِعِي يذهب إِلَى أَن الْعود
لما قَالُوا أَنه الْعود إِلَى إمْسَاك الْمَرْأَة وَالرَّغْبَة فِيهَا
وَقَالُوا إِذا ظَاهر من امْرَأَته وَلم يطلقهَا فَكَأَنَّهُ لزمَه
الظِّهَار لِأَن إِمْسَاكه عَن الطَّلَاق سَاعَة ظَاهر هُوَ معاودته
لما حرم مِنْهَا فيمسكه وأحسب أَن أَبَا عبيد يتبعهُ على هَذَا القَوْل
وَلَا أرى هَذَا التَّأْوِيل على طَرِيق اللُّغَة صَحِيحا لِأَنَّهُ
لَو أَرَادَ بِالْعودِ الرُّجُوع إِلَى إمْسَاك الْمَرْأَة
وَالرَّغْبَة فِيهَا لقَالَ: وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ
يعودون لما كَانُوا عَلَيْهِ أَي يعودون إِلَى التَّمَسُّك بِالنسَاء
وَالرَّغْبَة فِيهِنَّ وَلم يقل {ثمَّ يعودون لما قَالُوا} لِأَن
الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ لم يكن قولا إِنَّمَا كَانَ نِكَاحا وتعاشرا
وائتلافا.
وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ على طَرِيق التدبر وَالِاسْتِدْلَال وَالله
أعلم أَن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يطلقون النِّسَاء بالظهار فَجعل
الله جلّ وَعز حكم الظِّهَار فِي الْإِسْلَام خلاف حكمه عِنْدهم فِي
الْجَاهِلِيَّة بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي تحلهن لَهُم وَأنزل:
{وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم} يُرِيد فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ
يعودون لما قَالُوا يَعْنِي مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ من هَذَا
الظِّهَار فِي الْإِسْلَام {فَتَحْرِير رَقَبَة من قبل أَن يتماسا}
وأضمر فكفارته وَمثل هَذَا من الْمَحْذُوف فِي الْقُرْآن كثير وَمِنْه
قَوْله تَعَالَى
(1/210)
{فَإِن أحصرتم فَمَا اسْتَيْسَرَ من
الْهَدْي} أَي فكفارة ذَلِك مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي وَقَوله بعد
ذَلِك {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه ففدية من
صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} أَرَادَ فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو
بِهِ أَذَى من رَأسه فحلق فَعَلَيهِ فديَة من صِيَام وشبيه بِهَذِهِ
الْآيَة مِمَّا يشكل على كثير من أهل النّظر قَول الله تَعَالَى:
{واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة
أشهر} وَذَلِكَ أَنهم رَأَوْا الْيَأْس يَقِينا والارتياب شكا وَلم
يَأْتِ فِي الْقُرْآن الْأَمر الَّذِي وَقع فِيهِ الارتياب فَيَقُول
إِن ارتبتم فِي كَذَا وَكَذَا من أمورهن فَقَالُوا فِيهِ أقاويل لَا
تخفى على من تدبرها إِذا فهم مَا قُلْنَاهُ.
وَالْمعْنَى إِن الله جلّ وَعز لما ذكر عدَّة اللواتي يحضن من
النِّسَاء فَقَالَ: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة
قُرُوء} ارتاب النَّاس فِي اللائي لَا يحضن من الْقَوَاعِد وَالصغَار
فَلم يدروا كَيفَ يعتدن فَأنْزل الله جلّ وَعز: {واللائي يئسن من
الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم} فَلم تعلمُوا كَيفَ يعتددن
{فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} وَكَذَلِكَ عدد اللائي لم يحضن وَإِن فِي هَذَا
الْموضع بِمَعْنى إِذْ كَأَنَّهُ قَالَ إِذا ارتبتم والمفسرون
يُقِيمُونَ إِن فِي مقَام إِذْ فِي كثير من الْقُرْآن نَحْو قَول الله
جلّ وَعز:
(1/211)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله
وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا إِن كُنْتُم مُؤمنين} وَقَوله جلّ وَعز:
{وَلَا تهنوا وَلَا تحزنوا وَأَنْتُم الأعلون إِن كُنْتُم مُؤمنين} .
وَكَفَّارَة الظِّهَار
الصّيام والأيمان وَالنُّذُور
مَأْخُوذَة من كفرت الشَّيْء إِذا غطيته وسترته كَأَنَّهَا تكفر
الذُّنُوب أَي تسترها وَكَذَلِكَ الغفران وَالْمَغْفِرَة السّتْر تَقول
غفرت كَذَا إِذا سترته وَمِنْه قيل لجنة الرَّأْس مغفر لِأَنَّهُ يغْفر
الرَّأْس وَلما كَانَت كَفَّارَة الذَّنب تسقطه وَكَأن غفران الذَّنب
هُوَ أَلا يُؤَاخذ بِهِ وَكَانَ مَعْنَاهُمَا جَمِيعًا السّتْر رجونا
أَن نَكُون من ستر الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا لم يؤاخذه فِي
الْآخِرَة إِن شَاءَ الله
الطَّلَاق
وَالطَّلَاق مَأْخُوذ من قَوْلك أطلقت النَّاقة فَطلقت إِذا أرسلتها من
عقال أَو قيد فَكَأَن ذَات الزَّوْج موثقة عِنْد زَوجهَا فَإِذا
فَارقهَا أطلقها من وثاق وَيدل على ذَلِك قَول النَّاس هِيَ فِي حبالك
إِذا كَانَت تَحْتك يُرِيد أَنَّهَا مرتبطة عنْدك كارتباط النَّاقة فِي
حبالها ثمَّ
(1/212)
فرقوا بالحركات بَين فعل النَّاقة وَفعل
الْمَرْأَة وَالْأَصْل وَاحِد فَقَالُوا طلقت النَّاقة بِفَتْح اللَّام
وَقَالُوا طلقت الْمَرْأَة بضَمهَا وَقَالُوا أطلقت النَّاقة وَقَالُوا
طلقت الْمَرْأَة.
ومتعة الْمُطلقَة
هُوَ نَفعهَا شَيْئا وكل من نفعته أَو أرفقته فقد متعته وَمِنْه قَول
الله جلّ وَعز: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تدْخلُوا بُيُوتًا غير
مسكونة فِيهَا مَتَاع لكم} يَعْنِي بيُوت الْخَانَات يَقُول تنفعكم
وتكنكم من الْحر وَالْبرد وَكَذَلِكَ قَوْله جلّ وَعز: {وَمِمَّا
يوقدون عَلَيْهِ فِي النَّار ابْتِغَاء حلية أَو مَتَاع زبد مثله}
يُرِيد ابْتِغَاء مَنْفَعَة وَكَذَلِكَ قَوْله فِي النَّار {جعلناها
تذكرة ومتاعا للمقوين} أَي تذكركم جَهَنَّم وتنفعكم إِذا سافرتم
وَلِهَذَا قيل للْمحرمِ بِعُمْرَة إِلَى الْحَج متمتع لِأَنَّهُ إِذا
قضى طَوَافه تمتّع بِلبْس ثِيَابه وَحل لَهُ كل مَا حرم عَلَيْهِ
وَلَيْسَ لمتعة الْمُطلقَة حد مَعْلُوم وإحداد الْمُتَوفَّى عَنْهَا
زَوجهَا هُوَ منعهَا نَفسهَا من الزِّينَة والكحل والصبيغ وَالطّيب وكل
من منعته من شَيْء فقد حددته عَنهُ وَمِنْه قيل للبواب حداد
(1/213)
لِأَنَّهُ يمْنَع النَّاس من الدُّخُول
وَيُقَال دون ذَلِك حدد أَي منع وَالطَّلَاق للعدة هُوَ أَن تطلق
الْمَرْأَة فِي قبل الطُّهْر أَي فِي أَوله من غير أَن تمسها لقَوْل
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: طلقوا الْمَرْأَة فِي قبل
عدتهَا.
وَلقَوْله لعبد الله بن عمر وَقد طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض ليرجعها
فَإِذا طهرت فليطلق أَو يمسك وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يُطلق للعدة وَهِي
المطهر وَيكون الاحتساب مِنْهُ بالعدة من الْحيض.
والمحصنة
ذَات الزَّوْج وَقد تكون الْحرَّة الْبكر يدلك على ذَلِك قَول الله
تَعَالَى فِي الْإِمَاء: {فَإِن أتين بِفَاحِشَة فعليهن نصف مَا على
الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} أَي على الْحَرَائِر لَا ذَوَات الْأزْوَاج
لِأَن ذَوَات الْأزْوَاج عَلَيْهِنَّ الرَّجْم وَالرَّجم لَا
يَتَبَعَّض وَإِنَّمَا سميت الْحرَّة الْبكر مُحصنَة لِأَن الْإِحْصَان
يكون لَهَا وَبهَا لَا بالأمة كَمَا قيل للبقر مثيرة وَإِن لم تثر
شَيْئا لِأَن المثيرة مِنْهَا وكما قيل لِلْإِبِلِ هدي وَإِن لم تهد
لِأَن الْهَدْي يكون مِنْهَا.
(1/214)
|