وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي أَلْفَاظ تعرض فِي
أَبْوَاب من الْفِقْه مُخْتَلفَة
الصّيام
الصّيام هُوَ الْإِمْسَاك عَن الْمطعم وَالْمشْرَب والرفث وَمِنْه
يُقَال خيل صِيَام إِذا كَانَت واقفة لَا تعتلف وَلَا تعْمل
وَيُقَال صَامَ النَّهَار إِذا قَامَ قَائِم الظهيرة لِأَن
الشَّمْس إِذا صَارَت فِي كبد السَّمَاء وَقت الزَّوَال
وَكَأَنَّهَا تقف عَن السّير فَيُقَال عِنْد ذَلِك صَامَ النَّهَار
وَلذَلِك قَالَ ذُو الرمة [من الْبَسِيط] ... وَالشَّمْس حيرى
لَهَا بالجو تدويم ...
الِاعْتِكَاف
وَالِاعْتِكَاف هُوَ الْإِقَامَة يُقَال اعْتكف فلَان بمَكَان
كَذَا إِذا أَقَامَ بِهِ وَلم يخرج عَنهُ وَعَكَفَ فلَان على فلَان
إِذا أَقَامَ عَلَيْهِ وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز {وَانْظُر إِلَى
إلهك الَّذِي ظلت عَلَيْهِ عاكفا} أَي مُقيما وَقَالَ أَبُو
ذُؤَيْب يذكر الأثافي [من المتقارب]
(1/217)
.. فهن عكوف كنوح الْكَرِيم ... قد شف أكبادهن
الْهَوِي ...
أَي الأثافي عكوف كَمَا تعكف النوائح على الْقَبْر شف أكبادهن
الْحزن فهوت أجوافهن يُقَال شفني الْأَمر أَي شقّ عَليّ يُرِيد أَن
الأثافي مُقِيمَة لَا تَبْرَح مَكَانهَا.
الإهلال
والإهلال بِالْحَجِّ هُوَ الْإِظْهَار لَا يجابه بِالتَّلْبِيَةِ
وَمِنْه يُقَال أهل الصَّبِي واستهل إِذا صَاح أَو بَكَى حِين
يسْقط إِلَى الأَرْض.
الْإِحْرَام
وَالْإِحْرَام هُوَ الدُّخُول فِي التَّحْرِيم كَأَن الرجل يحرم
على نَفسه النِّكَاح وَالطّيب وَأَشْيَاء من اللبَاس فَيُقَال أحرم
أَي دخل فِي التَّحْرِيم كَمَا يُقَال أشتا إِذا دخل فِي الشتَاء
وَأَرْبع إِذا دخل فِي الرّبيع وأقحط إِذا دخل فِي الْقَحْط.
وَالْإِحْرَام أَيْضا الدُّخُول فِي الْأَشْهر الْحرم يُقَال أحرم
الرجل إِذا دخل فِي رَجَب وَأحل إِذا خرج مِنْهُ فَدخل فِي شعْبَان
وَيُقَال حل من الأحرام من الأول بِغَيْر ألف وَحج الْبَيْت
مَأْخُوذ من
(1/218)
قَوْلك حججْت فلَانا إِذا عدت إِلَيْهِ مرّة
بعد مرّة فَقيل حج الْبَيْت لِأَن النَّاس يأتونه فِي كل سنة
وَقَالَ المخبل [من الطَّوِيل] ... وَأشْهد من عَوْف حلولا
كَثِيرَة ... يحجون سبّ الزبْرِقَان المزعفرا ...
يَقُول يأْتونَ الزبْرِقَان مرّة بعد مرّة لسؤدده وسبه عمَامَته
وَقد ذكرت هَذَا الْبَيْت وَمَعْنَاهُ فِيمَا بعد.
الْعمرَة
وَالْعمْرَة الزِّيَادَة يُقَال أَتَانَا فلَان مُعْتَمِرًا أَي
زَائِرًا قَالَ الشَّاعِر [من الْبَسِيط] ... وراكب جَاءَ من تثليث
مُعْتَمر ...
أَي زائر.
الْبَدنَة
والبدنة هِيَ النَّاقة سميت
بَدَنَة بالعظم إِمَّا لسمنها أَو لسنها لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن
يساق مِنْهَا الصغار إِنَّمَا يساق مِنْهَا الثنيان فَمَا فَوق وكل
مَا أسن مِنْهَا وَعظم فَهُوَ أفضل وَيُقَال للرجل المسن:
(1/219)
بدن قَالَ الْأسود بن يعفر [من السَّرِيع] ...
هَل لشباب فَاتَ من مطلب ... أم مَا بكاء الْبدن الأشيب ...
التَّلْبِيَة
والتلبية مَأْخُوذَة من وَلَك
ألب فلَان بِالْمَكَانِ إِذا لزمَه وَمعنى لبيْك أَنا مُقيم عِنْد
طَاعَتك وعَلى أَمرك غير خَارج عَن ذَلِك وَلَا شارد عَلَيْك هَذَا
وَمَا أشبهه وَإِنَّمَا ثنوه لأَنهم أَرَادوا بِهِ إِقَامَة بعد
إِقَامَة وَطَاعَة مَعَ طَاعَة كَمَا قَالُوا حنانيك رَبنَا أَي
هَب لنا رَحْمَة بعد رَحْمَة أَو رَحْمَة مَعَ رَحْمَة وكما
قَالُوا سعديك أَي سَعْدا مَقْرُونا بِسَعْد.
وَيُقَال لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك بِكَسْر إِن وفتتحها
فَمن كسرهَا ابْتَدَأَ القَوْل بهَا وَمن فتحهَا أَرَادَ لبيْك
بِأَن الْحَمد وَالنعْمَة لَك أَو لِأَن الْحَمد لَك وَالْكَسْر
اعْجَبْ إِلَيّ.
إِشْعَار الْهَدْي
وإشعار الْهَدْي هُوَ أَن تطعن فِي أسنمتها وَإِنَّمَا سمي إشعارا
لِأَنَّهُ جعل عَلامَة لَهَا ودليلا على أَنَّهَا لله تَعَالَى وكل
شَيْء أعلمته بعلامة فقد أشعرته
(1/220)
وشعائر الله من هَذَا إِنَّمَا هِيَ إِعْلَام
طَاعَته.
استلام الْحجر
واستلام الْحجر هُوَ افتعال فِي التَّقْدِير مَأْخُوذ من السَّلَام
وَهِي الْحِجَارَة واحدتها سَلمَة تَقول استلمت الْحجر إِذا لمسته
من السلمة كَمَا تَقول اكتحلت إِذا أخذت من الْكحل وادهنت إِذا
أصبت من الدّهن
الملبد
والملبد الَّذِي لبد شعره حَتَّى لبد بلزوق يَجعله فِيهِ وَمِنْه
قَول الشَّاعِر [من الْكَامِل] ... يحملن كل ملبد مأجور ...
الضامر والعاقص
والضامر الَّذِي فتل شعره كَمَا يضفر الْحَبل والعاقص الَّذِي لواه
فَأدْخل أَطْرَافه فِي أُصُوله وَمِنْه قيل للشاة الملتوية
الْقُرُون عقصاء
الرمل
والرمل فِي الطّواف الجمز والإسراع وَلذَلِك قيل
(1/221)
لخفيف الشّعْر والشدو رمل
الْحُدُود
وَقيل للعقوبات على الذُّنُوب حُدُود كَجلْد الزَّانِي الْبكر ورجم
الْمُحصن وَقطع يَد السَّارِق لِأَنَّهَا عقوبات حَدهَا الله جلّ
وَعز فَلَيْسَ لأحد أَن يتجاوزها وَلَا يقصر عَنْهَا وَمَا دون
الْحُدُود تَعْزِير أَي تَطْهِير.
وَقد يكون التَّعْزِير لله جلّ وَعز أَن ينْسب إِلَى الظهارة
والقدس.
الْغرَّة
والغرة الَّتِي يودى بهَا
الْجَنِين هِيَ عبد أوأمة سميا بذلك لِأَنَّهُمَا غرَّة مَا يملك
الرجل أَي أفضله وأشهره وَالْعرب أَيْضا تجْعَل الْفرس غرَّة
لِأَنَّهُ غرَّة مَا يملك وَقَالَ ابْن أَحْمَر من الْبَسِيط ...
إِن نَحن إِلَّا أنَاس أهل سَائِمَة ... مَا إِن لنا دونهَا حرث
وَلَا غرر ... يُرِيد أَنه من أنَاس قليلي الْأَمْوَال لَيْسَ
لَهُم من المَال إِلَّا مَا يرْعَى
(1/222)
وَلَيْسَ لَهُم زرع وَلَا عبيد وَلَا خيل.
الدِّيَة
وَالْعقل الدِّيَة وَالْأَصْل فِي ذَلِك إِن الْإِبِل كَانَت تجمع
وتعقل بِفنَاء ولي الْمَقْتُول ثمَّ سميت الدِّيَة عقلا وَإِن
كَانَت دَرَاهِم ودنانير وَقيل لمن أَدَّاهَا عَاقِلَة وَمثل هَذَا
من كَلَام الْعَرَب كثير ستقف عَلَيْهِ فِي الْكتاب إِن شَاءَ
الله.
وَقد اخْتلف النَّاس فِي الْموضع الَّذِي تقطع فِيهِ يَد السَّارِق
فَقَالَ بَعضهم الرسغ وَجُمْهُور النَّاس عَلَيْهِ وَقَالَ بَعضهم
الْمرْفق وَقَالَ بَعضهم الْمنْكب وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى لم
يحد فِيهِ حدا كَمَا حد فِي الْوضُوء فَقَالَ تَعَالَى:
{فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق}
وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِي التَّيَمُّم فَقَالَ بَعضهم إِلَى الرسغ
وَقَالَ بَعضهم إِلَى الْمرْفق قِيَاسا على وضوء الصَّلَاة.
وَبَعض النَّاس يتَوَهَّم أَن الْيَد حَدهَا الرسغ وَمَا دون الرسغ
فَلَيْسَ يدا لما رأى الْكَفّ هِيَ المتناولة وَهِي المعطية
والباطشة وَسمع النَّاس يَقُولُونَ أَخَذته بيَدي ولمسته بيَدي ظن
أَن مَا دون الْكَفّ لَيْسَ من الْيَد وَالْيَد اسْم وَاحِد لعدة
أَعْضَاء للأصابع والكف والذراع
(1/223)
والعضك وكل هَذَا يُسمى يدا كَمَا أَن
الرَّأْس اسْم وَاحِد لِأَشْيَاء كالوجه والقفا وَالْعين وَالْأُذن
يدلك على ذَلِك قَول الله جلّ وَعز: {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم
وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} فَجعل الذِّرَاع مِنْهَا ويدلك
أَيْضا أَيدي الْأَنْعَام وَالسِّبَاع.
حَدثنَا سهل بن مُحَمَّد ثَنَا أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ عَن
الْعَرَب أَن فِي فرسن الْبَعِير السلَامِي وَهِي عِظَام الفرسن
وقصبها ثمَّ الرسغ ثمَّ الوظيف ثمَّ فَوق الوظيف من يَد الْبَعِير
الذِّرَاع ثمَّ فَوق الذِّرَاع الْعَضُد ثمَّ فَوق الْعَضُد
الْكَتف وَقَالُوا فِي رجله بعد الفرسن الرسغ ثمَّ الوظيف ثمَّ
السَّاق ثمَّ الْفَخْذ ثمَّ الورك.
وَذكر نَحْو هَذَا فِي الْخَيل وَالْبَقر وَالْغنم وَالسِّبَاع
وَإِن كَانَت قد تخْتَلف بعض أسمائها إِلَّا أَنَّهَا تجْعَل ذَلِك
كُله يدا من الفرسن والظلف والحافر إِلَى الورك فَمن قطع الْيَد من
الرسغ فقد قطع الْيَد كَمَا يقطع الشَّيْء نِصْفَيْنِ وَكَذَلِكَ
من قطعهامن الْمرْفق وَمن قطعهَا من الْمنْكب فقد قطعهَا كلهَا
وَمن وَجَبت لَهُ دِيَة يَد وَجَبت لَهُ بالرسغ كَمَا تجب بالمرفق
كَمَا تجب بالمنكب سَوَاء وَلَا يُزَاد لفضل مَا قطعه على الْكَفّ
وَلما كَانَت الْيَد على مَا أعلمتك لم يكن الحكم إِلَّا بتقليد من
يجب تَقْلِيده فِي مَوضِع الْقطع.
الْمُدبر
وَالْمُدبر من العبيد وَالْإِمَاء مَأْخُوذ من الدبر لِأَن
(1/224)
السَّيِّد أعْتقهُ بعد مماته وَالْمَمَات دبر
الْحَيَاة فَقيل مُدبر وَالْفُقَهَاء المتقدمون يَقُولُونَ
الْمُعْتق من دبر أَي بعد الْمَوْت وَلَو ان رجلا أحبس فرسا بعد
مَوته [25 / أ] لم يقل أحبسه عَن دبر وَلَا هُوَ فرس مُدبر وَإِن
كَانَ الْقيَاس وَاحِدًا لِأَن هَذِه اللَّفْظَة لم تطلق إِلَّا
فِي العبيد وَالْإِمَاء وَإِنَّمَا تَنْتَهِي فِي اللُّغَة إِلَى
حَيْثُ انْتَهوا ونقف حَيْثُ وقفُوا.
الْمُعْتق
وَالْمُعتق مَأْخُوذ من قَوْلك عتقت عَليّ يَمِين أَي سبقت وَعتق
فرخ القطاة إِذا طَار وعتقت الْفرس إِذا سبقت وَقَالَ أَعْرَابِي
فِي كَلَامه هَذَا أَوَان عتقت الشقراء أَي سبقت.
فَكَأَن الْمُعْتق خلي فَعتق أَي فَذهب وَإِنَّمَا قيل بِمن أعتق
نسمَة أعتق رَقَبَة وَفك رَقَبَة فخصت الرَّقَبَة دون جَمِيع
الْأَعْضَاء لِأَن ملك السَّيِّد لعَبْدِهِ كالحبل فِي الرَّقَبَة
وكالغل هُوَ بِهِ محتبس كَمَا تحبس الدَّابَّة بِحَبل فِي عُنُقهَا
فَإِذا أعتق فَكَأَنَّهُ أطلق من ذَلِك.
عصبَة الرجل
وعصبة الرجل قرَابَته لِأَبِيهِ وَبَنوهُ وَسموا بذلك لأَنهم
(1/225)
عصبَة عصبوا بِهِ أَي أحاطوا بِهِ فالأب طرف وَالِابْن طرف وَالْعم
جَانب وَالْأَخ جَانب وَالْعرب تسمي قَرَابَات الرجل أَطْرَافه
أنْشد أَبُو زيد لعون بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود من
الطَّوِيل ... فَكيف بأطرافي إِذا مَا شتمتني ... وَمَا بعد شتم
الْوَالِدين صلوح ...
وَلما أحاطب بِهِ هَذِه الْقرَابَات عصبت بِهِ وكل شيءاستدار حول
شئ واستكف فقد عصب بِهِ وَمِنْه العصائب وهم العمائم وَلم أسمع
للْعصبَةِ بِوَاحِد وَالْقِيَاس أَن يكون عاصبا مثل طَالب وطلبة
وظالم وظلمة.