غريب الحديث لابن قتيبة - حَدِيث عُثْمَان ابْن عَفَّان
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ انه
قَالَ: وددت أَن مَا بَيْننَا وَبَين الْعَدو هوتة لَا يدْرك قعرها
إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن
عَمْرو عَن ابى اسحاق عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم عَن الْحسن ان عُثْمَان
قَالَ ذَلِك.
الهوتة بِمَنْزِلَة الهوة والهوة تقديرها فعلة من: هوى يهوى قَالَ
الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي انما سميت هيت لِأَنَّهَا فِي هوة من
الأَرْض وَكَأن الْيَاء فِي هيت منقلبة عَن وَاو للكسرة قبلهَا
لِأَنَّهَا مَأْخُوذَة من الهوتة. وَمثل ذَلِك: الْبَصَر وَالْبَصْرَة
إِذا كسرت أَولهَا أسقطت الْهَاء وَإِذا فتحت اولها أثبت الْهَاء وَهِي
حِجَارَة رخوة وَبهَا سميت الْبَصْرَة. وَمعنى الحَدِيث أَنه اراد
سَلامَة الْمُسلمين فأثرها على الْجِهَاد مَعَ قَتلهمْ وَهُوَ مثل قَول
عمر رَضِي الله عَنهُ: وددت أَن وَرَاء الدَّرْب جَمْرَة وَاحِدَة
وَنَارًا توقد يَأْكُلُون مَا وَرَاءه وَنَأْكُل مَا دونه لَا يأتوننا
وَلَا نأيتهم.
(2/63)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث
عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ ان سَعْدا وَعمَّارًا ارسلا اليه أَن ائتنا
فانا نُرِيد ان نذاكر أَشْيَاء أحدثتها فَأرْسل إِلَيْهِمَا: ميعادكم
يَوْم كَذَا وَكَذَا حَتَّى أتشزن ثمَّ اجْتَمعُوا لِلْمِيعَادِ
فَقَالُوا: ننقم عَلَيْك ضربك عمارا فَقَالَ عُثْمَان: تنَاوله رَسُولي
من غير أَمْرِي فَهَذِهِ يَدي لعمَّار فليصطبر. وَذكروا بعد ذَلِك
أَشْيَاء نقموها عَلَيْهِ فأجابهم وَانْصَرفُوا راضين فَأَصَابُوا
كتابا مِنْهُ إِلَى عَامله أَن خُذ فلَانا وَفُلَانًا فَضرب أَعْنَاقهم
فَرَجَعُوا فبدءوا بعلي عَلَيْهِ السَّلَام فَجَاءُوا بِهِ مَعَهم
فَقَالُوا: هَذَا كتابك. فَقَالَ عُثْمَان: وَالله ماكتبت وَلَا أمرت
قَالُوا: فَمن تظن. قَالَ: اظن كاتبي وأظنك بِهِ يَا فلَان. فِي حَدِيث
طَوِيل اختصرناه.
حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عَفَّان عَن أَبى مُحصن
عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن جهيم رجل من فهر.
قَوْله: أتشزن يُرِيد: استعد للاحتجاج وَهُوَ مَأْخُوذ من الشزن وَهُوَ
عرض الشىء وجانبه كَأَن المتشزن يدع الظمأنينة فِي جُلُوسه وَيجْلس
مستوفزا على جَانب.
وَقَالَ عبيد الله بن زِيَاد: نعم الشَّيْء الامارة لَوْلَا قعقعة
الْبرد والتشزن للخطب.
وَقَوله: هَذِه يدى لعمَّار أَي: أَنا مستسلم لَهُ وَفِي الْيَد
أَمْثَال:
(2/64)
مِنْهَا قَوْلهم: هَذِه يَدي لَك يُرِيد
بِهِ الانقياد وَفُلَان يقلب كفيه على كَذَا إِذا نَدم. وَمثله: سقط
فِي يَده إِذا نَدم ورددت يَدَيْهِ فِي فِيهِ إِذا غظته. وَأَصله: انه
بعض على أَصَابِعه غيظا وتلهفا قَالَ الشَّاعِر: من المتقارب. ...
يردون فِي فِيهِ عشر الحسود ...
يُرِيد انه يعَض عَلَيْهِم أَصَابِعه غيظا وَنَحْوه قَول الْهُذلِيّ:
من المتقارب ... قد افنى أنامله أزمه ... فأضحى يعَض عَليّ الوظيفا ...
الأزم: العض.
وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} وَخرج
فلَان انازع يَد أَي عَاصِيا وهم عَلَيْهِ يَد أَي: مجتمعون
وَأَعْطَاهُ عَن ظهر يَد أَي: ابْتِدَاء لَا عَن بيع وَلَا عَن
مُكَافَأَة.
وَقَوله: فليصطبر أَي: فليقتص وأصل الاصطبار الْحَبْس على الْقود
وَالْقصاص. يُقَال: صبرته واصطبرته فسميا اصطبارا.
وَقَوْلهمْ: من تظن بِذَاكَ أَي: من تتهم وَأَصله: تظتن من
(2/65)
الظنة فأدغمت الظَّاء فِي الثَّاء ثمَّ
أبدلت مِنْهُمَا طاء مُشَدّدَة كَمَا تَقول: مظلم من الظُّلم
وَالْأَصْل: مظتلم ومدكر من الذّكر وَالْأَصْل: مذتكر وأنشدوا: من
الْبَسِيط ... هُوَ الْجواد الَّذِي يعطيك نائله ... عفوا وَيظْلم
أَحْيَانًا فيظلم ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ انه
جَاءَ ابْن أَبى بكر إِلَيْهِ فَأخذ بلحيته وَأَقْبل رجل مسقف
بِالسِّهَامِ فَأَهوى بهَا إِلَيْهِ.
حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ سهل بن مُحَمَّد ثناه الْأَصْمَعِي عَن
أبي الْأَشْهب.
المسقف الطَّوِيل وَفِيه مَعَ طوله انحناء وَكَذَلِكَ الأسقف يُقَال:
هُوَ أَسْقُف بَين السّقف قَالَ الْمسيب بن علس وَذكر غائصا: من
الْكَامِل ... فانصب أَسْقُف رَأسه لبد ... نزعت رباعيتاه للصبر ...
(2/66)
وحَدثني ابى حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن
الْأَصْمَعِي عَن أَبى عوَانَة أَو عوَانَة قَالَ: كَانَ القواد
الَّذين ولوا قبله سِتَّة: عَلْقَمَة بن عبس وكنانة بن بشر وَحَكِيم بن
جبلة وَالْأَشْتَر وعبد الله بن بديل كنَانَة بن بشر وَقتل مَكَانَهُ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أَنه
قَالَ: لَا يَغُرنكُمْ جشركم من صَلَاتكُمْ.
الجشر أَن يخرج لقوم دوابهم من الْمنَازل يرعونها يُقَال: بَنو فلَان
جشر إِذا كَانُوا يُقِيمُونَ فِي الرَّعْي لَا يرجعُونَ إِلَى الْبيُوت
كل لَيْلَة قَالَ الأخطل: من الْبَسِيط ... يعرمونك رَأس ابْن الْحباب
وَقد ... أَمْسَى وللسيف فِي خيشومه أثر
تسأله الصَّبْر من غَسَّان إِذْ حَضَرُوا ... والحزن كَيفَ قراك الغلمة
الجشر ...
(2/67)
وَالصَّبْر والحزن: قبيلتان من الْيمن
وَكَانَ عُمَيْر بن الْحباب يَقُول: إِنَّمَا هم جشر لنا. قَالَ: فهم
يَقُولُونَ لرأسه كَيفَ رَأَيْت قرى هَؤُلَاءِ الَّذين كنت تزْعم انهم
جشر لَك. وَلِهَذَا قيل لراعي الدَّوَابّ: جاشر وجشار وَمِنْه حَدِيث
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عبد الله بن عمر قَالَ:
كُنَّا فِي سفر مَعَه فنزلنا منزلا فمنا من ينتضل وَمنا من هُوَ فِي
جشره فَنَادَى مناديه: الصَّلَاة جَامِعَة يُرِيد بالجشر: إِنَّهُم
أخرجُوا دوابهم من الْمنزل الَّذِي نزلوه يرعونها قرب الْبيُوت
وَالَّذِي أَرَادَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ بقوله لَا يَغُرنكُمْ
جشركم من صَلَاتكُمْ انهم كَانُوا يتأولون فِي خُرُوجهمْ إِلَى الرعى
السّفر فيقصرون الصَّلَاة. فَقَالَ: لَا تَفعلُوا ذَلِك لِأَن الْمقَام
فِي المرعى وان طَال لَيْسَ بسفر.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ انه أَمر
مناديا فَنَادَى: ان الزَّكَاة فِي الْحلق واللبة لمن قدر وأقروا
الْأَنْفس حَتَّى تزهق.
حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة
بن عَمْرو بن
(2/68)
ابى إِسْحَاق عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن
الْمَعْرُور الْكَلْبِيّ عَن رجل.
قَوْله: لمن قدر يَعْنِي ان هَذَا زَكَاة مَا فِي يَديك فَإِنَّمَا مَا
ند فزكاته فِي الْموضع الَّذِي وَقع فِيهِ سهمك أَو سَيْفك بِمَنْزِلَة
الصَّيْد. وَمِنْه حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لهَذِهِ
الْبَهَائِم أوابد كأوابد الْوَحْش فَمَا غَلَبَكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ
هَكَذَا. هَذَا أَو نَحوه فِي الْكَلَام.
وَمِنْه الحَدِيث: إِن ناضحا تردى فِي بِئْر فذكي من قبل شاكلته فَأخذ
ابْن عمر مِنْهُ عشيرا بِدِرْهَمَيْنِ.
والشاكلة: الخاصرة. وَفِي حَدِيث آخر: أَن قرمليا تردى فِي بِئْر.
والقرملي الصَّغِير من الْإِبِل فِي جِسْمه.
وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ انه لما
قتل قيل انها فتْنَة باقرة كوجع الْبَطن.
يرويهِ سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَاصِم عَن ابى
وَائِل. الباقرة: الْفَاتِحَة الموسعة من قَوْلك: بقرت بَطْنه أَي:
(2/69)
شققته وَأَرَادَ أَن الألفة والاجتماع
كَانَا قبل قَتله فَلَمَّا قتل انصدع ذَلِك وانما سمي الاتب بقيرا للشق
وَهُوَ برد يشق ثمَّ تلقيه الْمَرْأَة فِي عُنُقهَا من غير كمين وَلَا
جيب وَشبههَا بوجع الْبَطن لِأَن وجع الْبَطن لَا يدرى مَا هاجه وَلَا
كَيفَ يَتَأَتَّى لَهُ.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى: الْفِتْنَة باقرة كوجع الْبَطن لَا يدرى أَنى
يُؤْتى لَهُ.
قَالَ ابْن أَحْمَر: من الوافر ... أرانا لَا يزَال لنا حميم ... كداء
الْبَطن سلا اَوْ صفارا ...
وَقَالَ آخر: من الطَّوِيل ... وَمولى كداء الْبَطن لَا خير عِنْده ...
وَلَا شَرّ الا أَن يغيب الأدانيا ...
وَأَرَادَ أَنَّهَا فتْنَة لَا يدرى كَيفَ يَتَأَتَّى لسكونها.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ إِن خبيب
بن شَوْذَب قَالَ: كَانَ الْحمى حمى ضرية على عهد عُثْمَان سرح الْغنم
سِتَّة الأميال ثمَّ زَاد النَّاس فِيهِ فَصَارَ خيال بامره
(2/70)
وخيال بأسود الْعين. وَقَالَ: وَحمى
الربذَة نَحْو من حمى ضرية.
حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن
حبيب بن شَوْذَب. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي تَفْسِير الخيال انهم
كَانُوا ينصبون خشبا عَلَيْهَا ثِيَاب سود ليعلم إِنَّه حمى وأنشدني
الرياشي: من الطَّوِيل ... أخي لَا اخا لي غَيره غير أنني ... كراعي
الخيال يستطيف لَا فكره ...
وَقَالَ: راعي الخيال: هُوَ الرأل ينصب لَهُ الصَّائِد خيالا فيالفه
فَيَجِيء فَيَأْخُذ الخيال فيتبعه الرأل.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم وخبرني ابْن سَلام الجُمَحِي عَن يُونُس
النَّحْوِيّ انه قَالَ: يُقَال لَيْسَ لي فِي هَذَا الْأَمر فكر
بِمَعْنى: تفكر.
(2/71)
وإمرة وأسود الْعين: جبلان قَالَ الشَّاعِر
يهجو قوما: من الطَّوِيل ... إِذا غَابَ عَنْكُم أسود الْعين كُنْتُم
... كراما وَأَنْتُم مَا أَقَامَ لئام ...
يُرِيد: ان لؤمكم لَا يَزُول حَتَّى يَزُول هَذَا الْجَبَل.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أَنه
قَالَ: قد اخْتَبَأْت عِنْد الله خِصَالًا إِنَّنِي لرابع الْإِسْلَام
وزوجني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنَته ثمَّ ابْنَته
وبايعته بيَدي هَذِه الْيُمْنَى فَمَا مسست بهَا ذكري وَلَا تغييت
وَلَا تمنيت وَلَا شربت خمرًا فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام.
يرويهِ زيد بن الْحباب عَن ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بِهِ عَمْرو
الْمعَافِرِي عَن أَبى ثَوْر الفهمي.
قَوْله: وَلَا تمنيت أَي: مَا افتعلت الْأَحَادِيث وتخرصت الْكَذِب
وَذكر الْفراء: ان رجلا من بعض الْعَرَب سمع ابْن دأب وَهُوَ يحدث
فَقَالَ: هَذَا شَيْء رويته أَو شَيْء تمنيته يُرِيد
(2/72)
اختلقته. وَيُقَال لتِلْك الْأَحَادِيث
المفتعلة: أماني واحدتها: أُمْنِية.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله تَعَالَى: {وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ لَا
يعلمُونَ الْكتاب إِلَّا أماني} فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن تجْعَل
الأمنية التِّلَاوَة كَقَوْلِه تَعَالَى فِي مَوضِع آخر: {وَمَا
أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى
الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} .
يَقُول: إِذا تَلا الْقُرْآن الشَّيْطَان فِي تِلَاوَته.
وَالْقَوْل الآخر أَن تجْعَل الأمنية: الإختلاق والافتعال يُرِيد: لَا
يعلمُونَ الْكتاب الا أَحَادِيث يسمعونها من كبرائهم مفتعلة لَيست من
كتاب الله تَعَالَى وَهَذَا أبين الْوَجْهَيْنِ عِنْدِي عَن الْفراء.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ ان أبان
بن سعيد قَالَ لَهُ حِين بعث بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِلَى أُسَارَى الْمُسلمين: يَابْنَ عَم: مَا أَرَاك متحشفا أسبل
فَقَالَ عُثْمَان: هَذَا إزرة صاحبنا.
يرويهِ عبيد الله بن مُوسَى عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن إِيَاس بن
سَلمَة عَن أَبِيه.
(2/73)
قَوْله: مَالِي أَرَاك متحشفا أَي: متيبسا
متقلص الثَّوْب وَمِنْه يُقَال ليابس التَّمْر ورديئه حشف. وَيُقَال
فِي مثل أحشفا وَسُوء كيلة أَي: أتجمع عَليّ أَن تُعْطِينِي رَدِيء
التَّمْر وتسي الْكَيْل وَيُقَال: المتحشف اللابس للحشيف وَهُوَ
الثَّوْب الْخلق كَمَا يُقَال متقمس للابس الْقَمِيص قَالَ الْهُذلِيّ
وَذكر صائدا: من الْبَسِيط ... يدني الحشيف عَلَيْهَا كي يواريها ...
وَنَفسه وَهُوَ للأطمار لِبَاس ...
عَلَيْهَا أَي على الْقوس وَقَوله: أسبل يُرِيد اسبل إزارك وَكَانَ قد
شمره فَقَالَ عُثْمَان: هَكَذَا يأتزر صاحبنا يَعْنِي النبى صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. والإزرة مثل: الرّكْبَة والجلسة والقتلة وَالْميتَة
وَيُقَال: مَاتَ فلَان ميتَة سوء وَهَذَا كُله يُرَاد بِهِ ذَلِك
الْجِنْس أَو الضَّرْب من الْفِعْل فَإِن اردت الْمرة الْوَاحِدَة
فَهُوَ بِالْفَتْح يُقَال: جلس جلْسَة وَاحِدَة وَقعد قعدة وَاحِدَة
ولقيته لقية وأتيته أتية. وَقد تَجْتَمِع فعلة وفعلة فِي حرف وَاحِد
وهما سَوَاء مثل الْهَيْئَة والهيئة والمهنة والمنهة أَي: الْخدمَة
واللقمة واللقمة واللقوة واللقوة وَهِي الْعقَاب. فَأَما الَّتِي تسرع
الْحمل: فَهِيَ لقُوَّة بِالْفَتْح لَا غير. وَفُلَان بعيد الهمة
والهمة وَمن المعتل: الضعة والضعة والقحة والقحة والطاة والطيئة من
الْوَطْأَة.
(2/74)
وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان
رَضِي الله عَنهُ إِنَّه قَالَ: كل شَيْء يحب وَلَده حَتَّى الحباري.
وَإِنَّمَا خص الْحُبَارَى من جَمِيع الْحَيَوَان لِأَنَّهُ يضْرب بهَا
الْمثل فِي الموق. يَقُول فَهِيَ على موقها تحب وَلَدهَا وتعلمه
الطيران إِذا هُوَ قوي وَذَلِكَ بِأَن تطير مرّة يمنة ويسرة عَنهُ
وَهُوَ ينظر ليتعلم قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... وكل شَيْء قد يحب
وَلَده ... حَتَّى الْحُبَارَى فتطير عِنْده ...
قَوْله: عِنْده أَي: عراضه وَمثل آخر يضْرب بهَا يُقَال: مَاتَ فلَان
كمد الْحُبَارَى. وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذا تحسرت وَأَلْقَتْ ريشها مَعَ
إِلْقَاء الطير ريشه أَبْطَأَ نَبَات ريشها فَإِذا طَار الطير ورامت
هِيَ الطيران فَلم تقدر عَلَيْهِ مَاتَت كمدا وَقَالَ أَبُو الْأسود:
من الوافر
وَزيد ميت كمد الْحُبَارَى ... إِذا ظعنت هنيدة أَو ملم ...
ملم أَي: مقارب للْمَوْت.
(2/75)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث
عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ انه خرج يومامن دَاره وَقد جىء بعامر بن عبد
قيس وأقعد فِي دهليزه فَرَأى شَيخا دميما أشغى ثطا فِي عباءة فَأنْكر
مَكَانَهُ فَقَالَ: يَا أَعْرَابِي: ايْنَ رَبك قَالَ: بالمرصاد.
قَالَ الْأَصْمَعِي: الشغا فِي الْأَسْنَان وَهُوَ أَن يخْتَلف ثنيتها
وَلَا تنسق يُقَال: رجل أشغى وَامْرَأَة شغواء وَقَالَ غَيره: الشغا:
خُرُوج الثنيتين من الشّفة وارتفاعهما وَإِنَّمَا قيل للعقاب: شغواء
لتعقف منقارها. والشط من الرِّجَال والأثط: هُوَ الذ ي عري وَجهه من
الشّعْر الا طاقات فِي اسفل حنكه والسنوط والسناط هُوَ الكوسج.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ انه
أهديت اليه يعاقيب وَهُوَ محرم بالعرج فَقَامَ عَليّ عَلَيْهِ
السَّلَام فَقَالَ لَهُ:
(2/76)
لم قُمْت فَقَالَ: لِأَن جلّ وَعز يَقُول:
{وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر مَا دمتم حرما} .
يرويهِ سُفْيَان عَن يزِيد بن ابى زِيَاد عَن عبد الله بن الْحَرْث بن
نَوْفَل. اليعاقيب: ذُكُور القبج وَاحِدهَا يَعْقُوب. وَقَالَ رجل
لعطاء: أهديت لي يعاقيب وَأَنا بِمَكَّة وذبحتها فَقَالَ لي: تصدق
بِثمنِهَا. قَالَ سَلامَة بن جندل وَذكر الشَّبَاب: من الْبَسِيط
ولى حثيثا وَهَذَا الشيب يتبعهُ ... لَو كَانَ يُدْرِكهُ ركض اليعاقيب
...
والر كض: الطيران وَيُقَال للْأُنْثَى حجلة وقبجة وَكَذَلِكَ الذّكر
بِالْهَاءِ حَتَّى تَقول: يَعْقُوب وَمثله النعامة الذّكر وَالْأُنْثَى
حَتَّى يَقُول ظليم وَكَذَلِكَ الدراجة للذّكر وَالْأُنْثَى حيقطان
والنحلة للذّكر والانثى حَتَّى تَقول: يعسوب والبومة الذّكر
وَالْأُنْثَى حَتَّى تَقول: صدى أَو فياد. والحبارى للذّكر
وَالْأُنْثَى حَتَّى تَقول: خرب وَمثل هَذَا كثير. وَقد اخْتلف النَّاس
فِي لحم الصَّيْد فِي الاحرام فكرهه قوم لقَوْل الله جلّ وَعز: {وَحرم
عَلَيْكُم صيد الْبر مَا دمتم حرما} ذَهَبُوا إِلَى لفظ الْآيَة
(2/77)
لِأَنَّهُ يَتَّسِع للمعنيين جَمِيعًا
صَيْده وَأكله مِنْهُم: ابْن عَبَّاس وَكَانَ يَقُول فِي هَذِه
الْآيَة: هِيَ مُبْهمَة. وَمِنْهُم ابْن عمر وَمِنْهُم عَائِشَة وروت
ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أهديت إِلَيْهِ وشيقة -
تُرِيدُ ظَبْي - فَردهَا وَمن ترخص وَأفْتى بِأَكْلِهِ: أَكثر مِنْهُم
عمر وَأَبُو هُرَيْرَة وَالزُّبَيْر.
وروى أَبُو قَتَادَة الانصاري انه أصَاب حمَار وَحش وَهُوَ حَلَال
فَأتى بِهِ أَصْحَابه وهم محرمون فشكوا فِي أكله فَلَحقُوا رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أمامم فَقَالَ: كلوه فَذهب هَؤُلَاءِ
إِلَى أَن الله تَعَالَى إِنَّمَا حرم على الْمحرم أَن يصطاده أَو
يعقره وَلم يحرم عَلَيْهِ أكل لَحْمه إِذا صَاده حَلَال لغير حرَام أَو
شَيْء من سَببه.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ انه
قَالَ حِين تنكر لَهُ النَّاس إِن هَؤُلَاءِ النَّفر رعاع غثرة تطأطأت
لَهُم إخْوَانًا وأراهموني الْبَاطِل شَيْطَانا أجررت المرسون رسنه
وأبلغت الراتغ مسقانه فَتَفَرَّقُوا عَليّ فرقا ثَلَاثًا فصامت
(2/78)
صمته أنفذ من صول غَيره وساع أَعْطَانِي
شَاهده ومنعنى غابه ومرخص لَهُ فِي مُدَّة زينت فِي قلبه فَأَنا
مِنْهُم بَين ألسن لداد وَقُلُوب شَدَّاد وسيوف حداد عذيري الله
مِنْهُم أَلا ينْهَى عَالم جَاهِلا وَلَا يردع أَو ينذر حَلِيم سَفِيها
وَالله حسبي وحسبهم يَوْم لَا ينطقون وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون.
وَفِي الحَدِيث أَن أم سَلمَة أرْسلت إِلَيْهِ يَا بني مَالِي أرى
رعيتك عَنْك مزورين وَعَن جنابك نافرين لَا تعف سَبِيلا كَانَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحبها وَلَا تقدح بزند كَانَ أكباه توخ
حَيْثُ توخى صاحباك فَإِنَّهُمَا ثكما الْأَمر ثكما وَلم يظلماه.
قَوْله: رعاع غثرة. كَذَا سمعته يرْوى عَثْرَة كَأَنَّهُ جمع عاثر مثل
كَافِر وكفرة وَفَاجِر وفجرة وَلم أسمع لغائر جمعا إِنَّمَا يُقَال:
رجل أغثر إِذا كَانَ جَاهِلا وَامْرَأَة غثراء والغثراء عَامَّة
النَّاس ورعاعهم. الغثرة والغبرة وَاحِد. يُقَال شَيْء أغثر وأغبر
والبغثاء والبرشاء الْجَمَاعَة من النَّاس وَإِنَّمَا قيل لَهَا بغثاء
وبرشاء لِأَن فِيهَا الْأَحْمَر وَالْأسود. وَكَانَ يَنْبَغِي على
هَذَا أَن يكون رعاع غثر مثل أغبر وغبر وَلَعَلَّه أَن يكون يجْتَمع
فِي الْحَرْف أفعل وفاعل كَمَا يُقَال وَاحِد وأوحد ومائل وأميل أَو
يكون أفعل قد
(2/79)
يجمع على فعلة فَإِنِّي سَمِعت فِي حَدِيث
آخر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا أَخَاف على
قُرَيْش إِلَّا أَنْفسهَا. ثمَّ وَصفهم فَقَالَ: أشحة بجرة يفتنون
النَّاس حَتَّى تراهم بَينهم كالغنم بَين الحوضين إِلَى هَذَا مرّة
وَإِلَى هَذَا مرّة.
والبجرة الْعِظَام الْبُطُون يُقَال رجل أبجر إِذا كَانَ عَظِيم
الْبَطن ناتىء السُّرَّة وَمِنْه سمي الرجل بجيرا وَهُوَ مصغر مرخم
يُرِيد أَنهم أَكلَة عِظَام الْبُطُون.
وَقَوله: تطأطأت يُرِيد: خفضت لَهُم نَفسِي وذللت وَيُقَال فِي الْمثل:
تطأطأ لَهَا تخطك. يُرَاد انخفض لَهَا وَلَا تتعزز فَإِنَّهَا تمْضِي
وَتذهب وَإِن كنت أشرفت لَهَا وتلقيتها بِمثلِهِ لم تأمن أَن تجر
عَلَيْك: مَا هُوَ أَشد مِنْهَا. ثمَّ ضرب تطأطؤ الدلاة لتطأطئه لَهما
مثلا.
والدلاه: جمع دَال وَهُوَ النازع بالدلو وَإِذا جذبها تطأطأ يُقَال
مِنْهُ: دلا يدلوه إِذا نزع. فَإِن أَلْقَاهَا فِي المَاء ليستقي قيل:
أدلى فَهُوَ مدل وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فأدلى دلوه} أَي أرسلها.
وَأما قَول العجاج: من الرجز
(2/80)
.. تكشف عَن جماته دلو الدَّال ...
فَإِن المدلي كَانَ فِي هَذَا الْموضع أشبه بِمَا أَرَادَ وَلكنه
أَرَادَ القافية وَعلم أَن الدَّال والمدلي جَمِيعًا صفتان للمستقي
فَكَأَنَّهُ قَالَ: تكشف عَن جماته دلو المستقي. وجمة المَاء معظمه.
وَأما قَوْله: تلددت تلدد الْمُضْطَر فَإِن التلدد: التلفت يَمِينا
وَشمَالًا وَهُوَ من اللديدين وهما صفحتا الْعُنُق ولديد الْوَادي
جانباه وَمِنْه اللدود وَهُوَ الوجور فِي أحد جَانِبي الْفَم لِأَنَّهُ
يجْرِي فِي أحد اللديدين. يُقَال: تركت فلَانا متحيرا يتلدد وَإِنَّمَا
أَرَادَ بِهِ انه داراهم وراقبهم كَمَا يفعل الْمُضْطَر وَلَيْسَ
بمضطر.
والمرسون هُوَ الَّذِي جعل عَلَيْهِ الرسن يُقَال: رسنت الدَّابَّة
وَالْبَعِير أرسنه رسنا وأرسنته وَهَذَا الْحَرْف وَحده جَاءَ من بَين
أَمْثَاله على فعلت وأفعلت وسائرها على أفعلت يُقَال: أنفرت الدَّابَّة
وألبدته وألببته وأعذرته وأحكمته من: الثفر واللبد واللبب والعذار
وَالْحكمَة فَأَما فِي عقل الْبَعِير وشده فَقَالَ جَاءَ فعلت مثل
هجرته بالهجار وعقلته بالعقال وأبضته بالأباض فِي حُرُوف كَثِيرَة.
وَقَوله: أحررته رسنه يُرِيد أَنه خلاه وَأَهْمَلَهُ يرْعَى كَيفَ
شَاءَ كَأَنَّهُ ير رسنه اذا خلي وَنَحْو مِنْهُ قَوْلهم: حبلك
(2/81)
على غاربك. وَالْغَارِب: مقدم السنام
وَالْأَصْل فِيهِ أَن يلقى حَبل النَّاقة على غاربها وتترك تسرح وَتذهب
وتجىء حَيْثُ شَاءَت فكني بذلك عَن الطَّلَاق.
والراتع الَّذِي يرتعي والمسقاة مَوضِع الشّرْب وَهُوَ بِفَتْح الْمِيم
والعوام تقوم مسقاة بِكَسْرِهَا وَكَذَلِكَ مرقاة الدرجَة بِفَتْح
الْمِيم وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه رفق برعيته ولان لَهَا فِي السياسة
كمن خلا الركاب ترعى كَيفَ شَاءَت. وَهُوَ مَعَ ذَلِك يبلغهَا المورد
فِي رفق وَمثل هَذَا فِي الرِّفْق بالابل قَول الرَّاعِي: من الطَّوِيل
... لَهَا أمرهَا حَتَّى إِذا مَا تبوأت ... بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا
...
قَوْله: لَهَا أمرهَا يُرِيد انه جعل أمرهَا إِلَيْهَا تذْهب كَيفَ
شَاءَت حَتَّى إِذا أَقَامَت فِي مَوضِع اختارته لأنفسها اضْطجع
وَتركهَا ترعى.
وَقَوله: ومرخص لَهُ فِي مُدَّة زينت فِي قلبه والمدة: أَيَّام الْعُمر
وَهِي الْعدة أَيْضا وَجَمعهَا: مدد وَعدد وَمِنْه قَول نادبة
الْأَحْنَف: أما وَالَّذِي كنت من أَجله فِي عدَّة وَمن الْحَيَاة
إِلَى مُدَّة وَمن الْمِضْمَار إِلَى غَايَة وَمن الْآثَار إِلَى
نِهَايَة.
وَقَوله: زينت فِي قلبه يُرِيد أَن هَذِه الْأَيَّام فِي الدُّنْيَا
حببت إِلَيْهِ فَبَاعَ بهَا حَظه من الْآخِرَة فَهُوَ يسْتَحل مني مَا
يحرم عَلَيْهِ. أَو نَحوه من الْمَعْنى.
وَقَوله: فصامت صمته أنفذ من صول غَيره يَقُول
(2/82)
امساكه أَشد من تطاول غَيره ووعيده.
يُقَال: صال عَلَيْهِ إِذا علاهُ.
وَمِنْه الحَدِيث: إِن هذَيْن الْحَيَّيْنِ من الْأَوْس والخزرج كَانَا
يتصاولان مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تصاول الفحلين
لاتصنع أَحدهمَا شَيْئا فِيهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
غناء إِلَّا قَالَ الآخر: لَا يذهبون بهَا فضلا علينا فَلَا ينتهون
حَتَّى يوقعوا مثلهَا. وَكَانَ فِي دُعَاء النبى صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: اللَّهُمَّ إنى بك أحاول وَبِك أصاول.
وَأما قَول أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا: لَا تعف سَبِيلا كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحبها تُرِيدُ: لَا تَأْخُذ فِي
غير الطَّرِيق الَّتِي أَخذ فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فتعفو سَبيله أَي: تدرس تبركك الْأَخْذ فِيهَا يُقَال: عَفا
الْمنزل وعفته الرّيح إِذا درس. والعفاء: موت الْأَثر. وَقد ذكرنَا
ذَلِك.
وَقَوْلها: لحبها أَي: نهجها وَالطَّرِيق اللاحب هُوَ الْمُسْتَقيم
الْوَاضِح الَّذِي لَا يَنْقَطِع.
وَقَوْلها: وَلَا تقدح زندا كَانَ أكباها يُقَال: كبا الزند يكبو كبوا
إِذا لم يور أَي: لم يخرج نَار. وأكبيته أَنا عطلته فَلم أور بِهِ
وأرادت لَا تستعن على أَمرك بِمن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قد عطله فَلم يستعن بِهِ. يُرِيد فِي الْعَمَل
(2/83)
أَو فِي الرأى. وأحسبها ذهبت فِي ذَلِك
إِلَى بعض أَقَاربه.
وَقَوْلها: توخ حَيْثُ مَا توخى صاحباك تُرِيدُ: تحر مَا تحرياه
فَإِنَّهُمَا ثكما الْأَمر ثكما أَي: لزماه يَعْنِي أَمر رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يفارقاه يُقَال: ثكمت الْمَكَان أثكمه
وثكمت الطَّرِيق إِذا لَزِمته وَكَذَلِكَ رمكت ورجبت ومكدت
بِالْمَكَانِ كل هَذَا إِذا أَقمت بِهِ وَلم تَبْرَح.
وَقَوْلها: لم يظلماه أَي: لم يعد لَا عَنهُ وأصل الظُّلم: وضع
الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه وَمثله فِي حَدِيث ابْن زمل: كبورا راوحلهم
فِي الطَّرِيق فَلم يظلموه يَمِينا وَلَا شمالا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ إِن
خيفان ابْن عرابة قدم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: كَيفَ تركت أفاريق
الْعَرَب فِي ذِي الْيمن فَقَالَ: أما هَذَا الْحَيّ من بلحارث بن
كَعْب فحسك أمراس ومسك أحماس تتلظى الْمنية فِي رماحهم وَأما هَذَا
الْحَيّ من أَنْمَار بن بجيلة وخثعم فجوب أَب وَأَوْلَاد عِلّة لَيست
بهم قبْلَة وَلَا ذلة صعابيب وهم أهل الأنابيب وَأما هَذَا الْحَيّ من
هَمدَان فأنجاد بسل مساعير غير عزل وَأما هَذَا الْحَيّ من مذْحج
فمطاعيم فِي الجدب مساريع فِي الْحَرْب.
(2/84)
يرويهِ مُحَمَّد بِهِ عبد الله
الْأنْصَارِيّ عَن عبد الله بن ثُمَامَة عَن أنس.
أفاريق الْعَرَب جمع: أفراق وأفراق جمع فرق وَفرْقَة وفريق بِمَنْزِلَة
وَاحِدَة.
وَأما قَوْله: فحسك فَهِيَ جَمِيع حسكة وَهُوَ شوك حَدِيد صلب.
ذكر ابْن الأعرابى عَن هِشَام بن سَالم قَالَ وَكَانَ شَيخا مسنا من
رَهْط ذِي الرمة قَالَ: أكلت حَيَّة بيض مكاء فَجعل المكاء يرفرف على
رَأسهَا وَيَدْنُو مِنْهَا حَتَّى اذا فتحت فاها تريده وهمت بِهِ ألْقى
فِي فِيهَا حسكة فَأخذت بحلقها حَتَّى مَاتَت فشبههم فِي امتناعهم على
من أَرَادَهُم وصعوبة مرامهم بالحسك والأمراس: الَّذين مارسوا
الْأُمُور وجربوها يُقَال: رجل مرس إِذا كَانَ كَذَلِك والأمراس
أَيْضا: الحبال وَاحِدهَا مرس والمسك جمع مسكة يُقَال رجل مسكة إِذا
كَانَ لَا يعلق بِشَيْء فيتخلص مِنْهُ وَلَا ينازله منَازِل فيفلت
مِنْهُ وَلِهَذَا قيل للبخيل: مسكة بِضَم الْمِيم لِأَنَّهُ يمسك مَا
فِي يَده فَلَا يُخرجهُ إِلَى اُحْدُ وَقد وَصفهم بِمثل هَذَا عَمْرو
بن معدي كرب لعمر حِين أوفده إِلَيْهِ سعد بن أبي وَقاص بعد
(2/85)
فتح الْقَادِسِيَّة فَقَالَ لَهُ عمر: مَا
قَوْلك فِي عِلّة بن جلد فَقَالَ: أُولَئِكَ فوارس أعراضنا وشفاء
أمراضنا أحثنا طلبا وأقلنا هربا قَالَ: فسعد الْعَشِيرَة قَالَ: أعظمنا
خميسا وأكثرنا رَئِيسا وأشدنا شريسا قَالَ: فبنو بلحارث بن كَعْب
قَالَ: حسكة مسكة قَالَ: فمراد قَالَ: أُولَئِكَ الأتقياء البررة
والمساعير الفخرة اكرمنا قرارا وأبعدنا آثارا.
أما قَوْله: فوارس أعراضنا فان الْأَعْرَاض: النواحي والجوانب يُرِيد
أَنهم يحْمُونَ نواحينا وَاحِدهَا عرض وَعرض كل شىء جَانِبه والأعراض
أَيْضا الجيوش وَاحِدهَا عرض قَالَ رؤبة: من الرجز ... إِنَّا إِذا
قدنا لقوم عرضنَا ...
أَي: جَيْشًا عَظِيما. وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ فوارس جيوشنا.
وَقَوله: شِفَاء أمراضنا يُرِيد: انهم يدركون لنا ثَأْرنَا
وَيَأْخُذُونَ لنا بدمائنا فيشفون أَنْفُسنَا.
وَقَوله: أعظمنا خميسا وَالْخَمِيس: الْجَيْش وأنشدنا
(2/86)
شريسا أَي: شراسة. يُقَال: قوم فيهم شريس
وشراسة اذا كَانَت فيهم زعارة.
وَقد يكون الشريس الرجل الشرس كَمَا يُقَال: حزن وحزين وطرف فِي
النّسَب وطريف ولسان ذلق وذليق والأحماس: الْأَشِدَّاء. يُقَال للشجاع:
حمس وحميس وحمس الوغى إِذا اشْتَدَّ وَيَوْم أحمس إِذا صعبت الْحَرْب
فِيهِ واشتدت.
والمساعير الَّذين يسعرون الْحَرْب أَي: يشبونها. واحدهم مسعر. بذلك
سمي الرجل وَأَصله فِي النَّار. يُقَال: سعرت النَّار اذا ألهبتها
وَكَذَلِكَ: سعرت الْحَرْب اذا هجتها وَأوقدت لَهَا نارها يُقَال: رجل
مسعر حَرْب.
وبسل: جمع باسل وَهُوَ الشجاع وعزل جمع أعزل وَهُوَ الَّذِي لَا سلَاح
مَعَه. آخر حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ.
(2/87)
- حَدِيث امير الْمُؤمنِينَ على بن ابى
طَالب
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه اشْترى
قَمِيصًا بِثَلَاثَة دَرَاهِم وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي هَذَا من
رياشه.
حَدَّثَنِيهِ ابى حَدَّثَنِيهِ أَبُو الْخطاب ثناه أَبُو عتاب عَن
الْمُخْتَار بن نَافِع عَن أبي مطر قَالَ: رايت عليا فعل ذَلِك.
وحَدثني ابى أَخْبرنِي أَبُو حَاتِم عَن أَبى عُبَيْدَة انه قَالَ فِي
قَول الله جلّ وَعز: {يَا بني آدم قد أنزلنَا عَلَيْكُم لباسا يواري
سوآتكم وريشا ولباس التَّقْوَى} .
الريش والرياش وَاحِد وهما مَا ظهر من اللبَاس قَالَ: وَيُقَال:
أَعْطَانِي فلَان رجلا بريشه ن أَي: بكسوته يَعْنِي كسْوَة الرجل.
قَالَ: والرياش أَيْضا: الخصب والمعاش.
ويروى عَن مطرف بن عبد الله انه قَالَ: لَا تنظروا إِلَى خفض عيشهم
ولين رياشهم وَلَكِن انْظُرُوا إِلَى سرعَة ظعنهم وَسُوء منقلبهم وَمن
هَذَا قيل: ريش الطَّائِر لِأَنَّهُ لِبَاسه.
(2/88)
حَدثنِي أَبى أَخْبرنِي عبد الرحمن بن عبد
الله قَالَ: أَخْبرنِي عمي الْأَصْمَعِي عَن عِيسَى بن عمر انه قَالَ:
الريش والرياش وَاحِد مثل: الدبغ والدباغ واللبس واللباس وَنَحْوه:
الْحرم وَالْحرَام والحل والحلال.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
لَا قَود إِلَّا بالأسل.
حَدَّثَنِيهِ ابى حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن أَبى غَسَّان النَّهْدِيّ
عَن ابْن أَبى غنية عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن عَليّ. الأسل هَا
هُنَا كل مَا أرق من الْحَدِيد وأرهف كالسنان وَالسيف والسكين وَمِنْه
قيل: أسله الذِّرَاع لما استدق مِنْهُ ورق. وَقيل: أسيل الخد.
وَأَرَادَ انه لَا يُقَاد من أحد الا بحديدة وان قتل بِحجر عَظِيم أَو
عَصا كَبِيرَة يقتل مثلهمَا أَو خنق. وَجَاء هَذَا فِي حَدِيث آخر
مُفَسرًا لَا قَود الا بحديدة. واكثر النَّاس عل هَذَا وَمِنْهُم من
يذهب إِلَى انه يقْتله بِمثل مَا قتل بِهِ ان حجرا فحجرا وان عَصا فعصا
وَإِن حديدا فحديدا. يذهب كثير من اصحاب اللُّغَة إِلَى ان الأسل
الرماح خَاصَّة وَلَيْسَ كَذَلِك. وَهَذَا الحَدِيث يبين مَعْنَاهُ
وَكَذَلِكَ الحَدِيث الآخر: ليذك لكم الأسل.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
من أَرَادَ
(2/89)
الْبَقَاء وَلَا بَقَاء فليباكر الْغَدَاء
وليقلل غشيان النِّسَاء وليخفف الرِّدَاء قيل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
وَمَا خفَّة الرِّدَاء فِي الْبَقَاء قَالَ: الدّين.
حدثت بِهِ عَن زيد بن الْحباب عَن عِيسَى بن الأشعب عَن جُوَيْبِر عَن
الضَّحَّاك عَن النزال بن سُبْرَة عَن عَليّ.
وحَدثني أَبى قَالَ ثناه أَبُو عبد الرحمن عَن أبي عُبَيْدَة انه
قَالَ: يَقُول فَقِيه الْعَرَب من سره النِّسَاء وَلَا نسَاء فليكر
الْعشَاء وليباكر الْغَدَاء وليخفف الرِّدَاء وليقلل غشيان النِّسَاء.
والنسأ التَّأْخِير يُقَال: أنسأه الله أَجله ونسأ الله أَجله وَمِنْه
النسئ فِي كتاب الله تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ تَأْخِير تَحْرِيم
الْمحرم. وَمِنْه: النَّسِيئَة فِي البيع وَقَوله: فليكر الْعشَاء أَي:
فليؤخره. قَالَ الحطيئة: من الوافر ... وأكريت الْعشَاء إِلَى سُهَيْل
... أَو الشعرى فطال بِي الأناء ...
وَيكون أكريت فِي غير هَذَا الْموضع: نقصت قَالَ ابْن أَحْمَر
(2/90)
وَذكر الابل: من الْكَامِل ... وتواهقت
أخفافها طبقًا ... والظل لم يفضل وَلم يكر ...
يُرِيد: ان الابل قد انتعلته فَلَيْسَ يزِيد وَلَا ينقص وَهُوَ مثل
قَول الآخر: من الْخَفِيف. ... إِذا الظل أحرزته السَّاق ...
وَأما قَوْله: ان الرِّدَاء هُوَ الدّين فمذهب فِي اللُّغَة حسن وَوجه
صَحِيح لِأَن الدّين أَمَانَة وَأَنت تَقول: هُوَ لَك عَليّ وَفِي
عنقِي حَتَّى أوديه إِلَيْك فَكَأَن الدّين لَازم للعنق والرداء موقعه
صفحة الْعُنُق فَسُمي الدّين رِدَاء وكنى عَنهُ بِهِ وَقَالَ
الشَّاعِر: من الْخَفِيف ... ان لي حَاجَة اليك فَقَالَ: ... بَين
أُذُنِي وعاتقي مَا تُرِيدُ ...
يَقُول هُوَ بَين أُذُنِي وعاتقي فِي عنقِي والمعني: اني ضمنته لَك
فَهُوَ عَليّ. وانما قيل للسيف رِدَاء لِأَن حمالته تقع موقع الرِّدَاء
وَقَالَ الشَّاعِر: من المتقارب ... وداهية جرها جارم ... جعلت رداك
لَهَا خمارا ...
(2/91)
أَي: ضربت بسيفك رُؤْسهمْ وَيُقَال: بل
أَرَادَ تعصبت بردائك كَمَا يفعل المتأهب المستعد نَحْو قَول الْوَلِيد
بن عقبَة: من الطَّوِيل ... إِذا مَا شددت الرَّأْس مني بمشوذ ... فغيك
مني تغلب ابْنة وَائِل ...
والرداء فِي غير هَذَا الْموضع الْعَطاء. يُقَال: فلَان غمر الرِّدَاء
إِذا كَانَ وَاسع الْعَطاء. قَالَ كثير: من الْكَامِل ... غمر
الرِّدَاء إِذا تَبَسم ضَاحِكا ... غلقت لضحكته رِقَاب المَال ...
والرداء أَيْضا الْحسن والنضارة. قَالَ آخر وَذكر الْكبر: من الطَّوِيل
... وَهَذَا رِدَائي عِنْده يستعيره ... ليسلبني نَفسِي أمال ابْن حنظل
...
يَقُول: الْكبر يستلب بهجتي وَقَالَ رؤبة فِي مثله: من الرجز ...
حَتَّى اذا الدَّهْر استجد سِيمَا ... من البلى يستوهب الوسيما
رِدَاءَهُ والبشر النعيما ...
أَرَادَ الْبشر الناعم وَقد يجوز أَن يكون كنى بالرداء عَن الظّهْر
(2/92)
لِأَنَّهُ يَقع عَلَيْهِ يَقُول: فليخفف
ظَهره وَلَا يثقله بِالدّينِ كَمَا قَالَ الآخر: ... خماص الأزر ...
يُرِيد: خماص الْبُطُون.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه رأى
رجلا فِي الشَّمْس فَقَالَ: قُم عَنْهَا فَإِنَّهَا مبخرة مجفرة
تَتْفُل الرّيح وتبلي الثَّوْب وَتظهر الدَّاء الدفين.
قَوْله: مجفرة أَي: تذْهب شَهْوَة النِّسَاء وتقطع عَن النِّكَاح
يُقَال: جفر الْفَحْل عَن الابل يجفر جفورا فَهُوَ جافر إِذا أَكثر
الضراب حَتَّى يَتْرُكهَا ويعدل عَنْهَا وَمثله: فدر يقدر ويفدر فدورا
وَمثله: أقطع الْفَحْل فَهُوَ مقطع.
وحَدثني أَبى حَدثنِي الْقطعِي ثَنَا الْحجَّاج عَن عبد الملك بن
قدامَة عَن أَبى عُثْمَان الجُمَحِي عَن أمه عَن أَبِيهَا ان عُثْمَان
بن مَظْعُون قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اني رجل تشق
عَليّ هَذِه
(2/93)
الْعزبَة فِي الْمَغَازِي أفتأذن لي فِي
الخصاء فَقَالَ: لَا وَلَكِن عَلَيْك بِالصَّوْمِ فانه مجفر.
حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن عَن عَمه قَالَ: تكلم
أَعْرَابِي فطمح بِهِ لِسَانه فَقَالَ: لَا تنكحن وَاحِدَة فتحيض إِذا
حَاضَت وتمرض إِذا مَرضت وَلَا تنكحن اثْنَتَيْنِ فَتكون بَين شرتين
وَلَا تنكحن ثَلَاثًا فَتكون بَين اثافي وَلَا تنكحن أَرْبعا فيفلسنك
ويهرمنك وينجلنك ويجفرنك فَقيل لَهُ: حرمت مَا أحل الله فَقَالَ:
سُبْحَانَ الله كوزان وقرصان وطمران وَعبادَة الرَّحْمَن.
وروى النَّاس عَن خَالِد بن صَفْوَان انه قَالَ: مَلَأت الْبَحْر
الْأَخْضَر بِالذَّهَب الْأَحْمَر فاذا الَّذِي يَكْفِينِي من ذَلِك
رغيفان وكوزان وطمران وَلست أَدْرِي أَيهمَا أَخذ من صَاحبه هَذَا
الْكَلَام.
قَوْله: تَتْفُل الرّيح أَي: تنتنها وَالِاسْم: التفل يُقَال: امْرَأَة
تفلة وَمِنْه الحَدِيث: لَا تمنعوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله وليخرجن
تفلات أَي: غير متطيبات وَقَالَ الراجز: من الرجز
(2/94)
يَابْنَ الَّتِي تصيد الوبارا ... وتتفل
العنبر والصوارا ...
والصوار: الشَّيْء الْقَلِيل من الْمسك. والداء الدفين: هُوَ
الْمُسْتَتر الَّذِي قد قهرته الطبيعة. يَقُول: فالشمس تعينه على
الطبيعة وتظهره.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان أَبَا
جناب قَالَ: جَاءَ عمي من الْبَصْرَة يذهب بِي فَقَالَت أُمِّي: وَالله
لَا أتركك تذْهب بِهِ ثمَّ ذكرت ذَلِك لعَلي رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ
عمي: نعم وَالله لأذهبن بِهِ وان على رغم أَنْفك قَالَ: يَقُول عَليّ:
كذبت وَالله وولقت ثمَّ ضرب بَين أدنيه بِالدرةِ.
حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ شَبابَة ثناه الْقَاسِم بن الحكم
العزني ثناه أَبُو جناب.
قَوْله: وولقت أَي: كذبت وَكَذَلِكَ ولعت والولق والولع: الْكَذِب.
يُقَال: ولق يلق ولقا. وَكَانَت عَائِشَة رَضِي الله
(2/95)
عَنْهَا تقْرَأ: ... {إِذْ تلقونه
بألسنتكم} قَالَ الشَّارِع فِي ولع وَذكر النِّسَاء: من الطَّوِيل ...
وَهن من الأخلاف والولعان ... يَعْنِي: انهن من أهل الْخلف فِي
المواعيد وَالْكذب.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه أَتَى
بِالْمَالِ فكوم كومة من ذهب وكومة من فضَّة. وَقَالَ: يَا حَمْرَاء
وَيَا بَيْضَاء احمري وابيضي وغري غَيْرِي. من الرجز ... هَذَا جناي
وخياره فِيهِ ... كل جَان يَده إِلَى فِيهِ ...
حَدثنِي أَبى ثناه سهل بن مُحَمَّد عَن الْأَصْمَعِي الا أَنه قَالَ:
وهجانه فِيهِ أَي: خالصه وَكَذَلِكَ الهجان من كل شَيْء هُوَ الْخَالِص
وَقَالَ الشَّاعِر: من الْخَفِيف
(2/96)
.. وَإِذا قيل من هجان قُرَيْش ... كنت
أَنْت الْفَتى وَأَنت الهجان ...
وَقَوله: هَذَا جناي وخياره فِيهِ مثل ضربه أَصله لعَمْرو ابْن عدي
ابْن أُخْت جذيمة الأبرش وَكَانَ يجني الكمأة بَين يَدي جذيمة مَعَ
أتراب لَهُ فَكَانَ أترابه إِذا وجدوا خيارا الكمأة أكلوها وَإِذا
وجدهَا عَمْرو جعلهَا فِي كمة أَو فِي حجره وأتى بهَا خَاله وَهُوَ
يَقُول هَذَا القَوْل. وَأَرَادَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه لم يتلطخ
من ذَلِك المَال بِشَيْء وَلم يصبهُ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ ان رجلا
استخرج معدنا فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ رجل بِمِائَة شَاة مُتبع فَأتى أمه
فَأَخْبرهَا فَقَالَت: يابني إِن الْمِائَة ثَلَاث مائَة أمهاتها مائَة
وَأَوْلَادهَا مائَة وكفأتها مائَة. فاستقاله فَأبى قَالَ: فاخذه
فأذابه فاستخرج مِنْهُ ثمن ألف شَاة فَقَالَ لَهُ البَائِع: لَآتِيَن
عليا فلأشين بك فَأتى عليا فَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ عَليّ: مَا ارى
الْخمس
(2/97)
الا عَلَيْك يَعْنِي: خمس الْمِائَة.
يرويهِ الْحجَّاج عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن سماك بن حَرْب عَن
الْحَارِث ابْن أَبى الْحَارِث الْأَزْدِيّ ان أَبَاهُ كَانَ أعلم
النَّاس بمعدن وانه أَتَى عَليّ رجل قد استخرج معدنا فَاشْتَرَاهُ
بِمِائَة شَاة مُتبع وَذكر الحَدِيث.
الكفأة بِالضَّمِّ وفيهَا لُغَة أُخْرَى: الكفاة بِفَتْح الْكَاف
وَالْأولَى أَجود وَهِي تكون فِي موضِعين أَحدهمَا أَن تدفع إِلَى رجل
ابلك وَتجْعَل لَهُ أوبارها وَأَلْبَانهَا تَقول: أكفأته ابلي وأعطيته
كفاة ابلي إِذا فعلت ذَلِك بِهِ والموضع الآخر ان تجْعَل ابلك قطعتين
فتنتج كل عَام نصفا وَتَدَع نصفا كَمَا تصنع بِالْأَرْضِ فِي
الزِّرَاعَة. وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذا حَالَتْ سنة كَانَ أقوى لَهَا
وَأَحْرَى أَن لَا تخلف. قَالَ التَّمْر بن تولب وَذكر رَوْضَة: من
الْبَسِيط
ميثاء جاد عَلَيْهَا وابل هطل ... فأمرعت لاحتيال قرط أَعْوَام ...
لاحتيال يُرِيد: انها حَالَتْ أعواما فَلم تنبث ثمَّ أنبت فَكَانَ
أَكثر لنبتها وَأقوى.
يَقُول اكفأت ابلي أَي: جَعلتهَا كفأتين بِضَم الْكَاف وَفتحهَا وَقَول
الْمَرْأَة وكفأتها مائَة تريك: ان الْغنم لَا تقطع قطعتين كَمَا يفعل
بالابل وَلكنهَا ينزى عَلَيْهِ جَمِيعًا وَتحمل جَمِيعًا فَتكون
(2/98)
كفأة مائَة من الشَّاء مائَة من
الْأَوْلَاد كَمَا تكون كفأة مائَة من الأبل خمسين وَقَالَ ذُو الرمة
يذكر ابلا: من الطَّوِيل
كلا كفأتيها تنفضان وَلم يجد ... لَهُ ثيل سقب فِي النتاجين لامس ...
قَوْله: كلا كفأتيها تنفضان يُرِيد أَن كل تِلْكَ الابل تحمل وانها لَا
تقطع قطعتين فَتحمل على وَاحِدَة وتترك وَاحِدَة. وَلكنهَا يحمل
عَلَيْهَا كلهَا فتنفض أَي: تضع. ثمَّ ذكر أَن اللامس وَهُوَ المذمر لم
يجد فِي لمسه الأناث وَإِذا أنثت الابل كَانَ أَحْمد لَهَا من أَن
تذكر.
وَقَوله: لأثين بك يُرِيك لأشين بك يُقَال: اثيت بِالرجلِ إِذا سعيت
بِهِ الى السُّلْطَان فَأَنا أثي بِهِ. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: أشوت
بِالْوَاو وَمثله مِمَّا يُقَال بِالْوَاو وَالْيَاء حنوت الْعود
وحنيته وأتيت الرجل وأتوته.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
ان من وَرَائِكُمْ أمورا متماحلة ردحا مكلحا مبلحا.
(2/99)
يرويهِ مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن أَبى
حَيَّان التَّيْمِيّ عَن أَبِيه عَن كدير الضَّبِّيّ.
المتماحلة: الطوَال يَعْنِي فتنا يطول أمرهَا ويعظم يُقَال: رجل متماحل
إِذا كَانَ طَويلا وسبسب متماحل. قَالَ الشَّاعِر وَذكر بَعِيرًا: من
الطَّوِيل ... بعيد من الْحَادِي إِذا مَا ترقصت ... بَنَات الصوى فِي
السبسب المتماحل ...
والردح: جمع رادح وَهِي الْعَظِيمَة وَيُقَال للكتيبة اذا عظمت رداح.
وللمرأة الْعَظِيمَة العجيزة رداح. وَمِنْه حَدِيث أَبى مُوسَى وَقيل
لَهُ: زمن عَليّ وَمُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُمَا أَهِي هِيَ
فَقَالَ: انما هَذِه الْفِتْنَة حَيْصَة من حيصات الْفِتَن وَبقيت
الرداح الْمظْلمَة الَّتِي من أشرف لَهَا اشرفت لَهُ.
قَوْله: حَيْصَة هُوَ من قَوْلك: حَاص يحيص اذا عدل وَمِنْه قَول الله
جلّ وَعز: {مَا لَهُم من محيص} يُرِيد: أَنَّهَا عطفة من عطفات
الْفِتَن وَلَيْسَت الْعَظِيمَة مِنْهَا.
وَقَوله: مكلحا أَي يكلح النَّاس بشدته يُقَال: كلح الرجل
(2/100)
وأكلحه الْهم. والمبلح من قَوْلك: بلح
الرجل اذا انْقَطع من الاعياء فَلم يقدر على أَن يَتَحَرَّك. وَيُقَال:
أبلحه السّير. وَقَالَ الْأَعْشَى: من الرمل ... واشتكى الأوصال مِنْهُ
وبلح ...
يُرِيد: ان ذَلِك الْبلَاء يقطعهم.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ
يَوْم خَيْبَر: من الرجز
... أَنا الَّذِي سمتن أُمِّي حيدره ... ضرغام آجام وَكنت قسوره
كليث غابات كريه المنظره ... أَو فيهم بالصاع كيل السندره ...
يرويهِ هَاشم بن الْقَاسِم عَن عِكْرِمَة بن عمار عَن اياس بن سَلمَة
عَن أَبِيه سَالَتْ بعض آل أَبى طَالب عَن قَوْله: أَنا الَّذِي سمتني
أُمِّي حيدره. فَذكر ان أم عَليّ بن أَبى طَالب فَاطِمَة بنت أَسد ولدت
عليا وَأَبُو طَالب غَائِب فَسَمتْهُ أسدا باسم أَبِيهَا فَلَمَّا قدم
أَبُو طَالب كره هَذَا الِاسْم الذس سمته بِهِ أمه وَسَماهُ عليا.
فَلَمَّا رجز عَليّ فِي يَوْم خَيْبَر ذكر
(2/101)
الِاسْم الَّذِي سمته بِهِ أمه. قَالَ:
وحيدرة: اسْم من أَسمَاء الْأسد كَأَنَّهُ قَالَ: أَنا الْأسد.
والسندرة شَجَرَة تعْمل مِنْهُ القسي والنبل. قَالَ الْهُذلِيّ أَبُو
جند ب: من الطَّوِيل ... إِذا أدْركْت أولاهم أخرياتهم ... حنوت لَهُم
بالسندري الموتر ...
يَعْنِي: القسي نَسَبهَا إِلَى الشَّجَرَة الَّتِي تعْمل مِنْهَا.
قَالَ رؤبة: من الرجز
... وارتاز عيري سندري مختلق ...
ارتاز أَي: رازه فغمز مَتنه وَالْعير: الْمُرْتَفع فِي وسط نصل السهْم
والمختلق: التَّام والسندري فِي هَذَا الْبَيْت: يقا ل: نبل منسوبة
وَنسب النصال اليها كَأَنَّهُ يَقُول: ارتاز نصال بل تَامَّة وَذكر
الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ: السندري فِي بَيت
(2/102)
رؤبة الْأَزْرَق. وَحكى عَن أَعْرَابِي انه
قَالَ: تَعَالَوْا نصد هَاهُنَا زريقا سندريا يُرِيد: طائرا خَالص
الزرق. فالسندرة فِي الحَدِيث تحْتَمل أَن تكون مكيالا يتَّخذ من هَذِه
الشَّجَرَة سمي باسمها كَمَا يُسمى الْقوس نبعة باسم الشَّجَرَة
الَّتِي اتَّخذت مِنْهَا. فَإِن كَانَت السندرة كَذَلِك فَانِي أَحسب
الْكَيْل بهَا كَيْلا جزفا فِيهَا افراط لِأَن من شَأْنهمْ ان يصفوا
المجازاة للضرب والطعن بِالْوَفَاءِ وَالزِّيَادَة. كَمَا قَالَ أَبُو
جُنْدُب: من الطَّوِيل ... فلهف ابْنة الْمَجْنُون أَلا تصيبه ...
فتوفيه بالصاع كَيْلا غذارما ...
والغذرمة كيل فِيهِ زِيَادَة على الْوَفَاء يُقَال: غذرم لَهُ يغذرم
وَفِي لُغَة أُخْرَى غمذر يغمذر وَهُوَ مقلوب وَهَذَا كَمَا يُقَال:
كال لَهُ بالقنقل وَقَالَ أَعْرَابِي لبائع كمأة: من الرجز ... مَالك
لَا تجرفها بالقنقل ... لَا خير فِي الكمأة ان لم تفعل ...
(2/103)
وتحتمل السندرة أَيْضا أَن تكون امْرَأَة
تكيل كَيْلا وافيا أَو رجلا. وَهَذَا الَّذِي خبرتك بِهِ شَيْء
يحْتَملهُ الْمَعْنى وَلم أسمع فِيهِ شَيْئا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
{من يطلّ أير أَبِيه ينتطق بِهِ} . هَذَا مثل ضربه وانما أَرَادَ من
كثر اخوته اشْتَدَّ ظَهره وَعز. وَضرب المنطقة اذ كَانَت تشد الظّهْر
مثلا لذَلِك وَقَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... فَلَو شَاءَ رَبِّي
كَانَ اير أبيكم ... طَويلا كأير الْحَارِث بن سدوس ...
قَالَ الاصمعي كَانَ لِلْحَارِثِ بن سدوس وَاحِد وَعِشْرُونَ ذكرا
وَكَانَ ضرار بن عَمْرو الضَّبِّيّ يَقُول: أَلا ان شَرّ حَائِل أم
فزوجوا الْأُمَّهَات وَذَلِكَ أَنه صرع وأخذته الر ماح فأشبل عَلَيْهِ
أخوته من أمه حَتَّى أنقذوه.
وأشبلوا: عطفوا.
وَأما الْمثل الآخر فِي قَوْلهم: من يطلّ ذيله ينتطق بِهِ فان أَبَا
حَاتِم خبرني عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ: يُرَاد بِهِ: من
(2/104)
وجد سَعَة وَضعهَا فِي غير موضعهَا.
وَلَيْسَ من الْمثل الأول فِي شىء.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه ذكر
مَسْجِد الْكُوفَة فَقَالَ: فِي زاويته فار التَّنور وَفِيه هلك يَغُوث
ويعوق وَهُوَ الغاروق وَمِنْه سير جبل الأهواز ووسطه على رَوْضَة من
رياض الْجنَّة وَفِيه ثَلَاث أعين انبتت بالضغث تذْهب الرجس وتطهر
الْمُؤمنِينَ عين من لبن وَعين من دهن وَعين من مَاء جَانِبه الْأَيْمن
ذكر وجانبه الْأَيْسَر مكسر وَلَو يعلم النَّاس مَا فِيهِ من الْفضل
لأتوه وَلَو حبوا.
حَدَّثَنِيهِ ابى حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الدينَوَرِي
ثَنَا خَالِد بن يزِيد الْكَاهِلِي ثَنَا أَبُو قيس البَجلِيّ عَن
الْوَلِيد الْهَمدَانِي عَن حَبَّة العرني.
قَوْله: أنبتت بالضغث أَحْسبهُ اراد الضغث الَّذِي ضرب بِهِ أَيُّوب
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَهله وَالْعين الَّتِي ظَهرت لما ركض
بِالْأَرْضِ رجله. وَزَاد الْبَاء فِي الضغث كَمَا قَالَ الله تبَارك
وَتَعَالَى: {تنْبت بالدهن} أَي: تنْبت الدّهن: {عينا يشرب بهَا عباد
الله}
(2/105)
أَي: يشْربهَا.
وَقَوله: جَانِبه الْأَيْمن ذكر أَي: صَلَاة وَذكر الله عز جلّ وجانبه
الْأَيْسَر مكر أرَاهُ الْمَكْر باللوذ بِهِ حِين قتل فِي الْمَسْجِد.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد عَليّ رَضِي الله عَنهُ ان رجلا ذكره فَقَالَ:
عِنْده شجاعة مَا تنكش.
قَوْله: مَا تنكش أَي: لَا تستخرج وَاصل هَذَا فِي الْبِئْر يُقَال:
هَذِه بِئْر مَا تنكش أَي مَا تنزح.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ
السَّلَام ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا رَافع
يتلَقَّى جَعْفَر بن أَبى طَالب فَأعْطَاهُ عَليّ حتيا وعكة سمن
وَقَالَ لَهُ: اني أعلم بِجَعْفَر انه ان علم ترَاهُ مرّة وَاحِدَة
ثمَّ أطْعمهُ فادفع هَذَا السّمن إِلَى أَسمَاء بنت عُمَيْس تدهن بِهِ
بني أخي من صمر الْبَحْر وتطعمهم من الحتي.
(2/106)
رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس مولى آل جَعْفَر
بن أَبى طَالب عَن اسماعيل بن عبد الله ابْن جَعْفَر.
الحتي سويق يتَّخذ من الْمقل. قَالَ الْهُذلِيّ لأضيافه: من الْبَسِيط
... لَا در دري ان أطعمت نازلكم ... قرف الحتي وَعِنْدِي الْبر مكنوز
...
وقرفه قشور تبقى فِيهِ من قشور الْمقل وَقَوله: ترَاهُ مرّة أَي: بله
كُله دفْعَة وَاحِدَة وأطعمه النَّاس. وَالثَّرَى: الندى.
وصمر الْبَحْر: نَتن رِيحه وغمقه وَمِنْه قيل للدبر الصمارى وَلَا أرى
الصيمرة الا من هَذَا أَي: انها مُنْتِنَة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا على المنامة
فَقَامَ الى شَاة بكي فحلبها.
(2/107)
حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ حَدَّثَنِيهِ
مُحَمَّد بن عبيد عَن عَفَّان عَن معَاذ عَن قيس ابْن الرّبيع عَن عبد
الرَّحْمَن بن الْأَزْرَق عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام.
المنامة الدّكان هَا هُنَا وَهِي القطيفة فِي مَوضِع آخر.
والبكيء القليلة اللَّبن يُقَال: بكأت وبكؤت وَمِنْه قَول طَاوُوس: من
منح منيحة لبن فَلهُ بِكُل حلبة عشر حَسَنَات غزرت أَو بكؤت.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ
لكميل بن زِيَاد: النَّاس ثَلَاثَة: عَالم رباني ومتعلم على سَبِيل
نجاة وهمج رعاع أَتبَاع كل ناعق.
الهمج أَصله البعوض وَاحِدهَا همجة فَشبه بِهِ رذال النَّاس قَالَ
أَبُو زيد نَحْو ذَلِك قَالَ: والهمجة من الرِّجَال والهجاجة الَّذِي
لَا عقل لَهُ قَالَ الْحَارِث بن حلزة: من السَّرِيع.
(2/108)
.. بَينا الْفَتى يسْعَى وَيسْعَى لَهُ ...
تاح لَهُ من أمره خالج
يتْرك مَا رقح من عيشه ... يعيث فِيهِ همج هامج ...
والترقيح: اصلاح المَال. يُقَال للتاجر: مرقح. وَمن ذَلِك قَول بعض
قبائل الْعَرَب فِي تَلْبِيَة الْحَج فِي الْجَاهِلِيَّة: لم نأت
للرقاحة جئْنَاك للنصاحة. أَي: لم نجىء للكسب وَالتِّجَارَة وَشبه
الْوَارِث فِي ضعفه وصغره بالبعوض. وَفِي هَذَا الحَدِيث انه قَالَ:
هَا ان هَاهُنَا - وأو مأ بِيَدِهِ الى صَدره - علما لَو أصبت لَهُ
حَملَة بلَى أصبت لقنا غير مَأْمُون. قَالَ أَبُو زيد: اللقن الْفَهم
يُقَال: لقنت الحَدِيث القنه لقنا وثقفته أثقفه ثقفا وثقافة وفهمته
أفهمهُ فهما وفهما كُله وَاحِد. وَنَحْو هَذَا قَوْله فِي حَدِيث آخر:
ويلمه كَيْلا بِغَيْر ثمن لَو أَن لَهُ وعَاء.
(2/109)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد حَدِيث عَليّ
عَلَيْهِ السَّلَام انه كَانَ ينْزع الدَّلْو بتمرة وَيشْتَرط أَنَّهَا
جلدَة.
يرويهِ ابْن الْمُبَارك عَن سُفْيَان عَن أبي اسحاق.
الْجلْدَة: التمرة الصلبة والجلدة من الْأَرْضين: الصلبة وَمِنْه
حَدِيث أَبى بكر فِي مهاجره مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
انه قَالَ: ألم يَأن الرحيل فَقلت: بلَى فارتحلنا حَتَّى اذا كُنَّا
بِأَرْض جلدَة كَأَنَّهَا مجصصة. وَالْجَلد أَيْضا كَذَلِك من
الْأَرْضين وَقَالَ الشَّاعِر يهجو رجلا: من الطَّوِيل ... وَكنت اذا
مَا قرب الزَّاد مُولَعا ... بِكُل كميت جلدَة لم توسف ...
كميت: تَمْرَة حَمْرَاء الى السوَاد. جلدَة: صلبة لم توسف: لم تقشر
واذا لم تتقشر فَهُوَ عِنْدهم أَجود قَالَ النَّابِغَة: من الطَّوِيل
... صغَار النَّوَى مكنوزة لَيْسَ قشرها ... إِذا طَار قشر التَّمْر
عَنْهَا بطائر ...
(2/110)
فَأَما الانصاري الَّذِي استقى ليهودي كل
دلو بتمرة لَيْسَ لَهُ تارزة. فَإِن التارزة: الْيَابِسَة الْحَشَفَة
يُقَال: ترز الرجل اذا مَاتَ. وَمِنْه قَول الشماخ وَذكر الصَّائِد: من
الطَّوِيل ... كَأَن الَّذِي يَرْمِي من الْوَحْش تارز ...
يعي مَيتا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان ابْن
الكسواء وَقيس بن عبَادَة جاءاه فَقَالَا: اتيناك مضافين مثقلين.
حَدَّثَنِيهِ ابى حَدَّثَنِيهِ بعض أَصْحَابنَا عَن الزيَادي عَن
الْأَصْمَعِي عَن أَبى هِلَال عَن الْحسن.
(2/111)
قَوْله: مضافين أَي: خَائِفين يُقَال:
أضَاف فلَان من الْأَمر إِذا حاذره قَالَ الْهُذلِيّ أَبُو ذُؤَيْب: من
الوافر ... وَمَا ان وجد معولة ثكول ... بواجدها اذا يَغْزُو وتضيف ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان الأشتر
قَالَ لَهُ: ان هَذَا الْأَمر قد تفشغ. قَالَ الْأَصْمَعِي: تفشغ فَشَا
وَكثر وَأنْشد لطفيل الغنوي: من الطَّوِيل ... وَقد سمنت حَتَّى كَأَن
مخاضها ... تفشغها ظلع وَلَيْسَت بظلع ...
وحَدثني أَبى حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن رجل من
قُرَيْش ان النَّجَاشِيّ قَالَ لقريش حِين أَتَوْهُ هَل تفشغ فِيكُم
الْوَلَد فان ذَلِك من عَلَامَات الْخَيْر. قَالُوا: نعم أَي: هَل
فَشَا وَكثر فَسَأَلَ عَن النَّجَاشِيّ هَل كَانَ يتَكَلَّم
بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَالَ: ذكرُوا أَنه اقام بِبِلَاد الْعَرَب
زَمَانا.
وَيُقَال: تفشغ فِي رَأسه الشيب اذا كثر وانتشر قَالَ
(2/112)
.. ابْن الرّقاع: من الْكَامِل ... اما ترى
شيبا تفشغ لمتي ... حَتَّى علا وضح يلوح سوادها ...
أَي: تشفق. وَفِيه لُغَة اخرى: ضاف والضائف: المحاذر. والمضوفة:
الْأَمر يخَاف مِنْهُ قَالَ الْهُذلِيّ. من الطَّوِيل ... وَكنت اذا
جارى دَعَا لمضوفة ... اشمر حَتَّى ينصف السَّاق مئزري ...
وَيُقَال: ضاف فلَان عَن الْأَمر اذا عدل وَمِنْه قيل: ضيف وَكَذَا
مُضَاف الى كَذَا أَي: ممال اليه.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
خير بِئْر فِي الأَرْض زَمْزَم وَشر بِئْر فِي الأَرْض برهوت.
(2/113)
يرويهِ قبيصَة عَن سُفْيَان عَن فرات عَن
عَامر بن وَاثِلَة عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام.
برهوت: بِئْر بحضرموت يرْوى أَن بهَا أَرْوَاح الْكفَّار. ذكر
الْأَصْمَعِي عَن رجل من أهل برهوت يَعْنِي الْبَلَد الَّذِي فِيهِ
هَذِه الْبِئْر قَالَ: نجد الرَّائِحَة المنتنة الفظيعة جدا ثمَّ نمكث
حينا فَيَأْتِينَا الْخَبَر بَان عَظِيما من عُظَمَاء الْكفَّار قد
مَاتَ فنرى ان تِلْكَ الرَّائِحَة مِنْهُ.
وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة أَخْبرنِي رجل انه أَمْسَى ببرهوت فَكَأَن
فِيهِ أصوات الْحَاج وَسَأَلت أهل حَضرمَوْت فَقَالُوا: لَا يَسْتَطِيع
أحد أَن يُمْسِي بِهِ. الْأَصْمَعِي: ووبار بَين حَضرمَوْت وَبَين
ريسوت وبرهوت. وَكَانَت وبار أمة فَكثر الرمل دونهم ودخلها دعيميص
الرمل من بني سعد بن زيد مَنَاة وَرجع ثمَّ ذهب يعود فَضرب وَجهه برمل
حَار وَقَالَ مرّة أُخْرَى: بِملَّة جَارة فَلم يقدر. وَبهَا نحل الْآن
من أَولهَا الى آخرهَا وَبهَا نوى مثل الْكحل وَنوى محرق. قَالَ: وانما
دَخلهَا دعيميص لِأَن فحلا من الابل جَاءَ فَضرب فِي ابله فَرَأى فِي
وبره أقماع التَّمْر ثمَّ أَتَاهُم من قَابل يهدر.
(2/114)
فِي بَنَاته فحصروه فتهيأ ثمَّ رَكبه فَأتى
وبار وَقد ذكر الشَّاعِر فَقَالَ: من الْكَامِل ... وَلَقَد ضللت
أَبَاك تطلب دارما ... كضلال ملتمس طَرِيق وبار ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه
قَالَ: أَيّمَا رجل تزوج امْرَأَة مَجْنُونَة أَو جذماء أَو برصاء أَو
بهَا قرن فَهِيَ امْرَأَته فان شَاءَ أمسك وان شَاءَ طلق.
يرويهِ وَكِيع عَن ابْن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ عَن عَليّ عَلَيْهِ
السَّلَام قَالَ الاصمعي: الْقرن: العفلة الصَّغِيرَة وَقَالَ غَيره
الْقرن كالعفلة وَمن العفلة يُقَال امْرَأَة عفلاء اذا كَانَ ذَلِك
بهَا. وَمِنْه حَدِيث شُرَيْح انه اخْتصم اليه فِي قرن جَارِيَة
فَقَالَ: أقعدوها فان اصاب الأَرْض فَهُوَ عيب وان لم يصب الأَرْض
فَلَيْسَ بِعَيْب والقرن فِي غير هَذَا الْحَبل الصَّغِير والقرن:
الدفعة من الْعرق يُقَال: عصرنا الْفرس قرنا أَو قرنين.
والقرن: الْخصْلَة من الشّعْر وَيُقَال: فلَان قرن فلَان فِي
(2/115)
السن وَهُوَ قرنه بِكَسْر الْقَاف فِي
الشدَّة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العفل أَيْضا شَحم خصيتي الْكَبْش
وَمَا حوله وَمِنْه قَول بشر: من الطَّوِيل ... حَدِيث الخصاء وارم
العفل معبر ...
وَقَالَ غَيره: العفل مجس الشَّاة اذا أَرَادوا أَن يعرفوا سمنها من
هزالها يُقَال: غبطت الشَّاة اذا جست ذَلِك الْموضع.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه قَاس
عينا بَيْضَة جعل عَلَيْهَا خُطُوطًا.
يرويهِ ابْن الْمُبَارك عَن حُسَيْن عَن عَليّ عَن أَبى جَعْفَر.
قَوْله: قَاس عينا هِيَ الْعين تلطم أَو تنخض أَو يُصِيبهَا مُصِيب
بِغَيْر ذَلِك مِمَّا يضعف مَعَه الْبَصَر فيتعرف مِقْدَار مَا نقص
مِنْهَا بَيْضَة يخط عَلَيْهَا خطوط وتنصب على مَسَافَة تلحقها
الصَّحِيحَة ثمَّ تنصب على مَسَافَة دونهَا تلحقها العليلة ويتعرف مَا
بَين
(2/116)
المسافتين فَيكون مَا يلْزم الجانبي بِحَسب
ذَلِك. وَهُوَ نَحْو قياسهم مَا نقص من اللِّسَان بالحروف الْمُقطعَة.
قَالَ ابْن عَبَّاس: لَا تقاس الْعين فِي يَوْم غيم وانما نهى عَن
ذَلِك: لِأَن الضَّوْء يخْتَلف يَوْم الْغَيْم فِي السَّاعَة
الْوَاحِدَة فَلَا يَصح الْقيَاس.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه ذكر
الْمهْدي من ولد الْحسن فَقَالَ: رجل أجلى الجبين أقنى الأسف ضخم
الْبَطن أزيل الفخذين أفلج الثنايا بفخذه الْيُمْنَى شامة.
الأزيل الفخذين: المتباعد مَا بَينهمَا وَهُوَ كالأفحج. يُقَال: تزيل
الشَّيْء اذا انفرج قَالَ أَبُو النَّجْم يذكر بَعِيرًا يَسْتَقِي أَو
رجلا: من الرجز
(2/117)
.. فِي لَحْمه بالغرب كالتزيل
يَقُول: تنفرج أعضاؤه من ثقل الدَّلْو.
وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَ:
عَلَيْكُم من النِّسَاء الحارقة.
بَلغنِي ذَلِك عَن ابْن عُيَيْنَة وانه قَالَ: هِيَ الضيقة وَلَا أرى
هَذَا الا من قَوْلهم: هُوَ يحرق عَلَيْهِ الأرم فِي شدَّة الْعَدَاوَة
والغيظ وَالْبَعِير يحرق نِيَابَة اذا صرف. وَذَلِكَ أَنه يشد نابا على
نَاب وَقَالَ الْأَصْمَعِي: (هُوَ يعَض عَلَيْهِ الأرم) وَقَالَ الأرم
الْأَصَابِع. وَقَالَ غَيره: يحرق. وَقَالَ: الأرم الأضراس.
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي كتاب: الْأَمْثَال لَو كَانَت الأضراس لكَانَتْ
الأزم بالزاي ذهب الى الأزم وَهُوَ العض وأغفل الأرم وانما سميت
الأضراس أرما لِأَن الأرم الْأكل يُقَال: أرم الْبَعِير يأرم أرما
فَهُوَ أرم والجميع الأرم وَيجوز أَن تسمى
(2/118)
الْأَصَابِع أرما لِأَنَّهُ يُؤْكَل بهَا
غير ان التَّفْسِير الأول هُوَ الصَّحِيح أَلا ترى أَن الْمُعَطل
الْهُذلِيّ يَقُول: من الطَّوِيل ... وَفهم بن عَمْرو يعلكون ضريسهم
... كَمَا صرفت فَوق الْجذاذ المساحن ...
ويعلكون ضريسهم هُوَ مثل قَوْلهم: يحرقون الارم عَلَيْهِ لانه أَيْضا
يُقَال: هُوَ يعلك على الأزم وَقَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ...
حبسنا وَكَانَ الْحَبْس منا سجية ... عصائب أبقتها السنون الأوارم ...
وَهِي السنون الَّتِي أكلت المَال واستأصلته وعصائب المَال: بقاياه.
وَكَانَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام يقْرَأ: {لنحرقنه ثمَّ لننسفنه فِي
اليم نسفا} وَقيل فِي تَفْسِيره: لنبردنه بالمبارد بردا. وَهُوَ من
هَذَا.
والحارقة: الَّتِي تضم كَمَا يشد العاض أَو المغتاظ المتوعد أَسْنَانه.
وَيُقَال لَهَا: العضوض والمصوص قريب من ذَلِك.
(2/119)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ
عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَ: ذِمَّتِي رهينة وَأَنا بِهِ زعيم لمن
صرحت لَهُ العبر أَن لَا يهيج على التَّقْوَى زرع قوم وَلَا يظمأ على
التَّقْوَى سنخ أصل الا وان أبْغض خلق الله إِلَى الله رجل قمش علما
غارا باغباش الْفِتْنَة عميسا بِمَا فِي غيب الْهُدْنَة سَمَّاهُ
أشباهه من النَّاس عَالما لم يغن فِي الْعلم يَوْمًا سالما بكر
فَاسْتَكْثر مِمَّا قل مِنْهُ فَهُوَ خير مِمَّا كثر حَتَّى اذا مَا
ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل قعد بَين النَّاس قَاضِيا لتلخيص
ماالتبس على غَيره ان نزلت بِهِ احدى المبهمات هيأ لَهَا حَشْوًا رثا
رَأيا من رايه فَهُوَ من قطع الشُّبُهَات فِي مثل غزل العنكبوت
لِأَنَّهُ لَا يعلم اذا أَخطَأ اخطأ أم أصَاب خباط عشوات رعاب جهالات
لَا يعْتَذر مِمَّا لَا يعلم فَيسلم وَلَا يعَض فِي الْعلم بضرس قَاطع
فيغنم يذرو الرِّوَايَة ذرو الرّيح الهشيم تبْكي مِنْهُ الدِّمَاء
وتصرخ مِنْهُ الْمَوَارِيث ويستحل بِقَضَائِهِ الْفرج الْحَرَام لَا
ملىء وَالله باصدار مَا ورد عَلَيْهِ وَلَا أهل لما فرظ بِهِ.
حَدَّثَنِيهِ ابى قَالَ حَدَّثَنِيهِ عَليّ بن مُحَمَّد عَن اسماعيل بن
اسحق الْأنْصَارِيّ عَن عبد الله بن لَهِيعَة عَن عبد الله بن
هُبَيْرَة.
الذِّمَّة الْعَهْد وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز
(2/120)
{لَا يرقبون فِي مُؤمن إِلَّا وَلَا ذمَّة}
وَهُوَ الذَّم أَيْضا قَالَ أُسَامَة الْهُذلِيّ: من الطَّوِيل ...
كَمَا نَاشد الذَّم الْكَفِيل الْمعَاهد ...
والزعيم: الْكَفِيل.
وَقَوله: أَلا يهيج على التَّقْوَى زرع قوم. يُرِيد: لَا يجِف يُقَال:
هاج النبت إِذا يبس. وَمِنْه قَول الله تَعَالَى: {ثمَّ يهيج فتراه
مصفرا} .
والسنخ وَالْأَصْل وَاحِد وأضاف أَحدهمَا الى الآخر لما اخْتلف اللفظان
وان كَانَ الْمَعْنى وَاحِدًا وَأَرَادَ انه من عمل لله عملا لم يفْسد
ذَلِك الْعَمَل وَلم يبطل كَمَا يفْسد النبت بهيج أَعْلَاهُ وعطش
أَسْفَله وَلكنه لَا يزَال ناضرا. وأغباش الْفِتْنَة ظلمها وَاحِدهَا
غبش وأغباش اللَّيْل بقايا ظلمه وَمِنْه الحَدِيث فِي صَلَاة الصُّبْح:
وَالنِّسَاء متلفعات بمروطهن مَا يعرفن من
(2/121)
الغبش. والهدنة هِيَ السّكُون يُقَال: هدن
اذا سكن والمهادنة الاصلاح. وسمى بذلك لِأَن السّكُون يكون بِهِ
وَأَرَادَ أَنه لَا يعرف مَا فِي الْفِتْنَة من الشَّرّ وَلَا مَا فِي
السّكُون من الْخَيْر.
وَقَوله: وَلم يغن فِي الْعلم يَوْمًا سالما يُرِيد: أَن الْجُهَّال
يسمونه عَالما وَلم يلبث فِي الْعلم يَوْمًا تَاما. وَهُوَ من قَوْلك:
غنيت بِالْمَكَانِ اذا لَبِثت بِهِ. وَمِنْه قيل للمنزل مغنى وللنازل
مغان لِأَنَّهُ يُقَام بهَا.
وَقَوله: حَتَّى إِذا مَا ارتوى من آجن والآجن: المَاء الْمُتَغَيّر.
والآسن نَحوه. شبه علمه بِهِ.
وَقَوله: قعد لتلخيص مَا الْتبس على غَيره. يُرِيد: لتبيينه وَهُوَ
التخليص متقاربان وَلَعَلَّهُمَا شىء وَاحِد من المقلوب خلصت ولخصت.
وَقَوله: ان نزلت بِهِ احدى المبهمات يُرِيد مَسْأَلَة معضلة مشكلة
وانما قيل لَهَا: مُبْهمَة لِأَنَّهَا أبهمت عَن الْبَيَان كَأَنَّهَا
أصمتت فَلم يَجْعَل عَلَيْهَا دَلِيل وَلَا اليها سَبِيل وَمن هَذَا
قيل لما لَا ينْطق من الْحَيَوَان: الْبَهَائِم وَمِنْه قيل للمصمت
اللَّوْن الَّذِي لَا شية لَهُ: بهيم وَمِنْه قيل للشجاع من الرِّجَال:
بهمة لِأَنَّهُ
(2/122)
استبهم على مَنَازِله الْوَجْه الَّذِي
يَأْتِيهِ فِي الْقِتَال مِنْهُ.
وَقَوله: خباط عشوات أَي: خبط ظلمات وخابط العشوة نَحْو واطىء العشوة.
وَهُوَ الَّذِي يمشي فِي اللَّيْل بِلَا مِصْبَاح فيتحير ويضل وَرُبمَا
تردى فِي بِئْر أَو سقط على سبع وَيُقَال فِي مثل: سقط الْعشَاء على
سرحان وَذَلِكَ ان خَارِجا خرج يطْلب الْعشَاء فَسقط على ذِئْب
فَأَكله. وَبَعض اصحاب اللُّغَة يزْعم أَن السرحان فِي هَذَا الْمثل
الْأسد قَالَ: وَهُوَ مثل قَوْلهم للأسد فِي مَوضِع آخر: حَيَّة
الْوَادي. وهذيل تسمي الْأسد سرحانا.
وَقَوله: وَلَا يعَض فِي الْعلم بضرس قَاطع يُرِيد: انه لم يتقن وَلم
يحكم فَيكون بِمَنْزِلَة من يعَض بناجذ. والناجذ: آخر الأضراس وانما
يطلع اذا استحكم شباب الرجل واستدت مرته وَلذَلِك تَدعُوهُ الْعَوام
ضرس الْحلم كَأَن الْحلم يأتى مَعَ طلوعه وَتذهب نزقة الصَّبِي وَمن
هَذَا الْمَعْنى قَول الشَّاعِر: من الوافر ... أَخُو خمسين مُجْتَمع
أشدي ... ونجذني مداورة الشؤون ...
(2/123)
وَيُقَال: رجل منجذ اذا كَانَ مجربا محكما
وَأَصله من طُلُوع الناجذ. وَيُقَال: قد عض فلَان على ناجذه وَكَذَلِكَ
الْبَعِير اذا عض على بازله فقد بلغ. وَالْفرس اذا عض على قارحه.
وَقَوله: يذرو الرِّوَايَة ذرو الرّيح الهشيم أَي: يسْرد الرِّوَايَة
كَمَا تنسف الرّيح هشيم النبت. وَهُوَ مَا يبس مِنْهُ وتفتت. وَمِنْه
قَول الله جلّ وَعز: {فَأصْبح هشيما تَذْرُوهُ الرِّيَاح} .
وَقَوله: لَا ملىء وَالله باصدار مَا قدر عَلَيْهِ يَقُول: لَيْسَ هُوَ
كَامِل لرد مَا سُئِلَ عَنهُ وَمَا أصَاب فِيهِ وَلَا هُوَ أهل لما قرظ
بِهِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه
قَالَ: أسلم وَالله أَبُو بكر وَأَنا جذعمة أَقُول فَلَا يسمع قولي
فيكف أكون أَحَق بمقام أَبى بكر.
يرويهِ الرّبيع بن نَافِع الْحلَبِي عَن ابراهيم بن يحيى الْمَدِينِيّ
عَن صَالح مولى التؤمة.
الجذعمة: الصَّغِير وَالْمِيم زَائِدَة. وَأَصله الْجَذعَة وَالْمِيم
تزاد آخرا رَابِعَة فَيكون الْحَرْف على فَعلم نَحْو: زرقم.
(2/124)
وَهُوَ الْأَزْرَق وستهم وَهُوَ الأستة
وفسحم وَهُوَ الْوَاسِع الصَّدْر. وَأَصله الفسح وَيكون الْحَرْف على
فَعلم نَحْو: شدقم وَهُوَ الْأَشْدَق وشجعم وَهُوَ الشجاع. وَيكون
الْحَرْف على فَعلم نَحْو: دقعم وَهُوَ التُّرَاب. وَأَصله الدقعاء.
يُقَال: فلام مدقع إِذا افْتقر فلصق بِالتُّرَابِ ودلقم وَهِي النَّاقة
المنكسرة الاسنان. والاصل: اندلقت اسنانها أَي: خرجت وَسَقَطت. وَقَالَ
سيبوية: وَلَا تجْعَل هَذِه الْمِيم زَائِدَة الا فِي الْموضع الَّذِي
يعرف فِيهِ أصل الْحَرْف فَلَا تجدها هُنَاكَ. وَأما مَا لَا يعرف
فِيهِ أصل الْحَرْف فنحو: عظلم وَهُوَ الوسمة وسلجم وَهُوَ الرَّأْس
الطَّوِيل. وَأَرَادَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: أسلم أَبُو بكر وَأَنا
كالجذعة فِي الصغر يُرِيد: انه لم يبلغ الْحلم.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان ابْن
عَبَّاس رَحمَه الله قَالَ: مَا رَأَيْت رَئِيسا محربا يزن بِهن لرأيته
يَوْم صفّين وعَلى رَأسه عِمَامَة بَيْضَاء وَكَأن عَيْنَيْهِ سِرَاجًا
سليط وَهُوَ يحمش أَصْحَابه الى أَن انْتهى الي وَأَنا فِي كثف
فَقَالَ: معشر الْمُسلمين استشعروا الخشية وعنوا الاصوات
(2/125)
وتجلببوا السكينَة وأكملوا اللؤم وأخفوا
الجنن وأقلقوا السيوف فِي الغمد قبل السلَّة وألحظوا الشزر واطعنوا
الشزر أَو النتر أَو الْيُسْر كلا قد سَمِعت ونافحوا بالظبا وصلوا
السيوف بالخطا والرماح بِالنَّبلِ وامشوا الى الْمَوْت مشْيَة سجحا أَو
سجحاء وَعَلَيْكُم الرواق المطنب فاضربوا ثبجه فان الشَّيْطَان راكد
فِي كَسره نافج حضنيه مفترش ذِرَاعَيْهِ قد قدم للوثبة يدا وَأخر
للنكوص رجلا.
والسليط: الزَّيْت وَهُوَ عِنْد قوم دهن السمسم قَالَ الْجَعْدِي وَذكر
امْرَأَة: من المتقارب
تضيىء كضوء سراج السليط لم يَجْعَل الله فِيهِ تحاسا.
أَي: دخانا. وَمِنْه قَوْله الله تَعَالَى: {يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ
من نَار ونحاس} .
وَقَوله: يحمشهم أَي: يذمرهم ويغضبهم وَيُقَال: أحمشت الرجل وأوابته
وأحفظته أَي أغضبته وَيُقَال: أحمشت
(2/126)
النَّار اذا ألهبتها. والكثف: الْجَمَاعَة
وَمِنْه: التكاشف والحشد نَحوه.
وَقَوله: وعنوا الْأَصْوَات إِن كَانَ الْمَحْفُوظ هَكَذَا بِفَتْح
الْعين وَتَشْديد النُّون فَإِنَّهُ أَرَادَ أحبسوها وأخفوها وَهُوَ
معنى صَحِيح نَهَاهُم عَن اللَّغط. والتعنية: الْحَبْس وَمِنْه قيل
للأسير عان وَقد ذَكرْنَاهُ فِي غير هَذَا الْموضع بِأَكْثَرَ من هَذَا
التَّفْسِير.
واللؤم: جمع لأمة على غير قِيَاس وَكَذَلِكَ يجمع كَأَنَّهُ جمع لؤمة.
وللأمة الدرْع. والجنن: الترسة. يَقُول: اجْعَلُوهَا خفافا وأقلقوا
السيوف فِي الغمد. يُرِيد: سهلوا سلها قبل أَن تحتاجوا إِلَى ذَلِك
لِئَلَّا تعسر عَلَيْكُم عِنْد الْحَاجة.
والظبأ: جمع ظبة السَّيْف أَي حَده وَهِي من المنقوص مثل: قلَّة وثبة
فتجمعها على الاصل.
وَقَوله: وصلوا السيوف بالخطى يَقُول: اذا قصرت عَن الضرائب تقدمتم
وأسرعتم حَتَّى تلحقوا مثل قَول قيس بن
(2/127)
الخطيم: من الطَّوِيل ... اذا قصرت أسيافنا
كَانَ وَصلهَا ... خطانا الى أَعْدَائِنَا فنضارب ...
وَقَوله: والرماح بِالنَّبلِ يُرِيد: اذا قصرت الرماح بعد من تُرِيدُ
أَن تطعنه مِنْك رميته بِالنَّبلِ.
وَقَوله: امشوا إِلَى الْمَوْت ميشية سجحا أَو سجحاء أَي: سهلة لَا
تتكلوا. وَمِنْه قَول عَائِشَة لعَلي يَوْم الْجمل: ملكت فأسجع أَي:
سهل.
وَيُقَال: خُذ أسجح أَي: سهل.
وَقَوله: عَلَيْكُم الرواق المطنب يَعْنِي: رواق الْبَيْت المشدود
بالأطناب وَهِي حبال تشد بِهِ وَهَذَا مثل قَول عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا: صرف الشَّيْطَان روقة وَمد طنبه. وَقد ذكرته فِي حَدِيثهَا
وفسرته.
وَقَوله: قد قدم للوثبة يدا وَأخر للنكوص رجلا هُوَ مثل قَول الله جلّ
وَعز: {وَإِذ زين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم} إِلَى قَوْله
تَعَالَى: {نكص على عَقِبَيْهِ} أَي: رَجَعَ على عقيبة. وَأَرَادَ
عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه قد قدم يدا ليثب ان رأى فرْصَة وان رأى
الْأَمر على من هُوَ مَعَه نكص رجلا.
(2/128)
وَقَوله: والحظوا الشزر وَهُوَ النّظر
بمؤخر الْعين نظر الْعَدو الْمُبْغض. يَقُول: ألحظوهم شزرا وَلَا
تنظروا اليهم نظرا يبين لَهُم فان ذَلِك أهيب لكم فِي صُدُورهمْ.
والطعن الْيُسْر مَا كَانَ حذاء وَجهك. والشزر عَن يَمِينك وشمالك.
والنبر من الطعْن: الخلس وَهَذَا اشبه الْوَجْهَيْنِ عِنْدِي بِمَا
أُرِيد بِالْحَدِيثِ لِأَن اختلاس الطعْن من حذق الطاعن تَقول
الْعَرَب: طعن نبر وَضرب هبر أَي: يقطع من اللَّحْم قطعا يلقيها. وَرمي
سعر: أَي: كَأَنَّهُ نَار. يُقَال: سعرت النَّار اذا ألهبتها. وَقَالَ
الْأَصْمَعِي أَيْضا: طعن نتر قَالَ: وطعنه الْفَارِس نترة وَكَانَ
ينشد: من المتقارب ... فتبعته طعنة نترة ... يسيل على الصَّدْر مِنْهَا
صبيب ...
وَغَيره يرويهِ: ثرة. وَقَالَ الشَّاعِر فِي اختلاس الطعْن: من
الطَّوِيل.
(2/129)
0 - ... يخالس الْخَيل طَعنا وَهِي محضرة
... كَأَنَّمَا ساعداه ساعدا ذيب ...
قَالَ الْهُذلِيّ من الطَّوِيل ... وطعنة خلس قد طعنت مرشة ... يمج
بهَا عرق من الْجوف قالس ... والحضنان: الجنبان.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان
مكَاتبا لبَعض بني أَسد قَالَ: جِئْت بِنَقْد أجلبه الى الْكُوفَة
فانتهيت بِهِ الى الجسر فَانِي لأسربه عَلَيْهِ أقبل مولى لبكر بن
وَائِل يَتَخَلَّل الْغنم ليقطعه فنفرت نقدة فقطرت الرجل فِي الْفُرَات
فغرق فَأخذت فارتفعنا الى عَليّ. فقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ:
انْطَلقُوا فان عَرَفْتُمْ النقدة بِعَينهَا فادفعوها اليهم وان
اخْتلطت عَلَيْكُم فادفعوا شرواها من الْغنم.
يرويهِ ابْن أَبى غنية عَن أَبى حبَان عَن أَبِيه.
النَّقْد: صغَار الْغنم وَاحِدهَا نقدة. وَمِنْه يُقَال: فلَان أذلّ من
النَّقْد.
(2/130)
1 - وَقَوله: اسربه: أَي: أرْسلهُ قِطْعَة
قِطْعَة. يُقَال: سرب عَليّ الابل أَي أرسلها قِطْعَة قِطْعَة.
وَقَوله: فقطرت الرجل أَي: أَلقيته فِي الْفُرَات وَأَصله من الْقطر
وَهُوَ نَاحيَة الشىء يُقَال: طعنه فقطره أَي: أَلْقَاهُ على أحد قطريه
وطعنه فجد لَهُ أَي: أَلْقَاهُ بالجدالة وَهِي الأَرْض. وَأَشد أَبُو
زيد: من الرجز ... قد أركب الْآلَة بعد الْآلَة ... وأترك الْعَاجِز
بالجدالة ...
أَي: الأَرْض وشرواها مثلهَا. وَقد تقدم تَفْسِير ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه
قَالَ: وَالله لود مُعَاوِيَة أَنه مَا بَقِي من بني هَاشم نافخ ضرمة
الا طعن فِي نيطه.
(2/131)
الضرمة: النَّار. يُقَال: مَا بِالدَّار
نافخ نَار وَلَا نافخ ضرمة سَوَاء أَي: مَا بهَا أحد.
وَقَوله: الا طعن فِي نيطه. يُرِيد: الا مَاتَ. وحَدثني أَبى قَالَ:
أَخْبرنِي أَبُو حَاتِم عَن أبي زيد قَالَ: طعن فلَان فِي نيطه. أَي:
طعن فِي جنَازَته. وَمن ابْتَدَأَ فِي شَيْء أَو دخل فِي شَيْء فقد طعن
فِيهِ. والنيط: الْمَوْت. يُقَال: رَمَاه الله بالنيط.
وحَدثني أَبى قَالَ ثَنَا أَبُو سعيد انه طعن فِي نيطه. وَقَالَ:
نِيَاط الْقلب وَهِي علاقته الَّتِي يتَعَلَّق بهَا فَإِذا طعن فِي
ذَلِك الْمَكَان مَاتَ. وَكَانَ الْقيَاس ان يُقَال: نوط لِأَنَّهُ من
ناط ينوط غير أَن الْيَاء تعاقب الْوَاو فِي حُرُوف كَثِيرَة قد ذكرتها
فِي غير هَذَا الْموضع مثل: لَاطَ بقلبي يلوط ويليط لوطا وليطا.
وحَدثني أَبى قَالَ: أَخْبرنِي ابْن حبَان النَّحْوِيّ قَالَ أَخْبرنِي
بكر الْمَازِني انه سَأَلَ يَا عُبَيْدَة والأصمعي عَن قَول
(2/132)
الْأَعْشَى: من الطَّوِيل ... لعمري لَئِن
أَمْسَى من الْحَيّ شاخصا ... لقد نَالَ خيصا من عفيرة خائصا ...
فَقلت: خيصا أَو حيصا فَقَالَا: مَا نَدْرِي. وَقَالَ الْأَصْمَعِي:
يُقَال فلَان يخوص فِي بني فلَان العطا اذا كَانَ يعطيهم شَيْئا
يَسِيرا وَقَالَ بكر: فَقلت لَهُ فَيَنْبَغِي أَن يكون الْمصدر خوصا
فَقَالَ: رُبمَا اشتق الْمصدر من غير لفظ الْفِعْل يُقَال: أَتَيْته
آتيه وآتوه وَلَا نعلم أحدا يوثق بعربتيه يَقُول: أتوته الا أَن
النَّحْوِيين لما سمعُوا أتوة قاسوه فَقَالُوا أتوته آتوه.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه
قَالَ: ان الله تَعَالَى أوحى إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
أَن ابْن لي بَيْتا فِي الأَرْض فَضَاقَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ
السَّلَام بذلك ذرعا فارسل الله جلّ وَعز اليه السكينَة. وَهِي ريح
خجوج فتطوت مَوضِع الْبَيْت كالحجفة.
(2/133)
حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ حَدَّثَنِيهِ عبد
الرَّحْمَن عَن بشر بن آدم عَن أبي الْأَحْوَص عَن سماك بن حَرْب عَن
خَالِد بن عرْعرة.
الخجوج من الرِّيَاح: السريعة المر وَيُقَال أَيْضا خجوجاة قَالَ ابْن
أَحْمَر يصف الرّيح: من الْكَامِل
هوجاء رعبلة الرواح خجوجاة الغدو رواحها شهر والخجوجي: الطَّوِيل
الرجلَيْن أَيْضا وَمثل هَذَا حَدِيثه الآخر انه قَالَ: السكينَة لَهَا
وَجه كوجه الانسان وَهِي بعد ريح هفافة والهفافة: الْخَفِيفَة السريعة.
قَالَ ابْن أَحْمَر وَذكر الظليم وبيضه: من الوافر ... ويلحفهن هفافا
ثخينا ...
والهفاف: جنَاحه لِأَنَّهُ خَفِيف سريع فِي طيرانه وَهُوَ ثخين لتراكب
الريش بعضه على بعض وَأما قَول ذِي الرمة: من الطَّوِيل ... وأبيض هفاف
الْقَمِيص أَخَذته ... فَجئْت بِهِ للْقَوْم مغتصبا ضمرا ...
فَإِنَّهُ أَرَادَ: الْقلب وقميصه: غشاؤه. وَجعله هفافا لرقته وَقَوله:
فَجئْت بِهِ للْقَوْم مغتصبا أَرَادَ أَن الْبَعِير الَّذِي أَتَاهُم
بِقَلْبِه نحر عَن غير عِلّة. يُقَال: جزور مَغْصُوبَة ومعبوطة اذا
نحرت
(2/134)
لغير عِلّة والضمر: اللَّطِيف. والحجفة:
الترس.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه كتب
الى ابْن عَبَّاس حِين أَخذ من مَال الْبَصْرَة مَا أَخذ: اني
أَشْرَكتك فِي أمانتي وَلم يكن رجل من أَهلِي أوثق مِنْك فِي نَفسِي
فَلَمَّا رَأَيْت الزَّمَان على ابْن عمك قد كلب والعدو قد حَرْب قلبت
لِابْنِ عمك ظهر الْمِجَن بِفِرَاقِهِ مَعَ المفارقين وخذلانه مَعَ
الخاذلين واختطفت مَا قدرت عَلَيْهِ من أَمْوَال الْأمة اختطاف
الذِّئْب الْأَزَل دامية المعزى.
وَفِي الْكتاب: ضح رويدا فَكَأَن قد بلغت المدى وَعرضت عَلَيْك أعمالك
بِالْمحل الَّذِي فِيهِ يُنَادي المغتر بالحسرة ويتمنى المضيع
التَّوْبَة والظالم الرّجْعَة.
قَوْله: قد حَرْب أَي: غضب يُقَال: حَرْب الرجل يحرب حَربًا وحربته
أَنا أَي: أغضبته وَأسد محرب أَي: مغضب.
(2/135)
وَقَوله: قلبت لِابْنِ عمك ظهر الْمِجَن
هَذَا مثل يضْرب لمن كَانَ لصَاحبه على مَوَدَّة أَو رِعَايَة ثمَّ
حَال عَن ذَلِك.
والمجن: الترس وَقَوله: اختطاف الذِّئْب الْأَزَل دامية المعزى
إِنَّمَا خص الدامية دون غَيرهَا لِأَن فِي طبع الذِّئْب محبَّة الدَّم
فَهُوَ يُؤثر الدامية على غَيرهَا ويبلغ بِهِ طبعه فِي ذَلِك انه يرى
الذِّئْب مثله وَقد دمي فيثب عَلَيْهِ ليأكله قَالَ الشَّاعِر: من
الطَّوِيل ... فَكنت كذئب السوء لما رأى دَمًا ... بِصَاحِبِهِ يَوْمًا
أحَال على الدَّم ...
وَقَالَ آخر: من الْبَسِيط
اني رَأَيْتُك كالورقاء يوحشها ... قرب الأليف وتغشاه اذا عقروا ...
والورقاء: ذئبة يَقُول: لَا تقرب الذِّئْب وتستوحش مِنْهُ فاذا عقر
وَثَبت عَلَيْهِ.
وَقَوله: ضح رويدا هَذَا مثل وَهُوَ كَمَا تَقول.
(2/136)
اصبر قَلِيلا وَيُقَال أَصله من تضحية
الابل وَهُوَ تغديتها يُقَال: ضحيتها اذا غديتها وَقَالَ زيد الْخَيل:
من الطَّوِيل ... فَلَو أَن نصرا أصلحت ذَات بَينهَا ... لضحت رويدا
عَن مظالمها عَمْرو ...
أَي: لكفت عَمْرو انفسها عَن ظلمها. وَنصر وَعَمْرو: حَيَّان من أَسد.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه
قَالَ: ان بني أُميَّة لَا يزالون يطعنون فِي مسحل ضَلَالَة وَلَهُم
فِي الأَرْض أجل ومهابة حَتَّى يهريقوا الدَّم الْحَرَام فِي الشَّهْر
الْحَرَام وَالله لكَأَنِّي أنظر الى غرنوق من قُرَيْش يَتَشَحَّط فِي
دَمه فاذا فعلوا ذَلِك لم يبْق لَهُم فِي الأَرْض عاذر وَلم يبْق لَهُم
ملك على وَجه الأَرْض بعد خمس عشرَة لَيْلَة.
يرويهِ هرون بن الْمُغيرَة عَن عمر بن سعيد عَن سَلمَة بن كهيل عَن
أَبى صَادِق عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام.
قَوْله فِي مسحل ضَلَالَة هُوَ من قَوْلهم: ركب فلَان مسحلة
(2/137)
اذا جد فِي أَمر هُوَ فِيهِ كَلَام أَو
غَيره وَمضى وَمِنْه: السحل وَهُوَ الصب يُقَال: سحلت السَّمَاء اذا
صبَّتْ.
والغرنوق: الشَّاب وَيُقَال: غرنوق وَالْجمع غرانيق وغرانقة وَأما
الغرانيق من طير المَاء فواحدها: غرنيق.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان عبد
الرَّحْمَن ابْن عَوْف لما تكلم يَوْم الشورى بالْكلَام الَّذِي ذكرته
فِي حَدِيثه تكلم عَليّ فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي اتخذ مُحَمَّدًا
منا نَبيا وابتعثه الينا فَنحْن بَيت النُّبُوَّة ومعدن الْحِكْمَة
أَمَان لأهل الارض وَنَجَاة لمن طلب وَلنَا حق أَن نعطه نَأْخُذهُ وان
نمنعه نركب أعجاز الابل وان طَال السرى لَو عهد الينا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عهدا لجالدنا عَلَيْهِ حَتَّى نموت أَو قَالَ لنا
قولا لأنفذناه على رغمنا لن يسْرع أحد قبلي إِلَى صلَة رحم
(2/138)
أَو دَعْوَة حق وَالْأَمر اليك يَابْنَ
عَوْف على صدق الْيَقِين وَجهد النصح اسْتغْفر الله لي وَلكم.
يرويهِ يَعْقُوب بن مُحَمَّد عَن أَبى عمر الزُّهْرِيّ عَن مُسلم عَن
نشيط عَن عَطاء بن أَبى رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: لنا حق ان نعطه نَأْخُذهُ وان نمنعه نركب أعجاز الابل وان طَال
السرى يُرِيد: أَنه ان مَنعه ركب مركب الصيم والذل على مشقة وان تطاول
ذَلِك بِهِ. وأصل هَذَا: ان رَاكب الْبَعِير اذا ركب بِغَيْر رَحل
وَلَا وطاء ركب عَجزه وَلم يركب ظَهره من أجل السنام وَذَلِكَ مركب
صَعب يشق على رَاكِبه وَلَا سِيمَا اذا تطاول بِهِ الرّكُوب على تِلْكَ
الْحَال وَهُوَ يسري أَي: يسير لَيْلًا واذا رَكبه بالوطاء والرحل ركب
الظّهْر وَذَلِكَ مركب يطمئن بِهِ وَلَا يشق عَلَيْهِ وَقد يجوز أَن
يكون أَرَادَ بركوب اعجاز الابل انه يكون ردفا تَابعا وَلَا يصبر على
ذَلِك وان تطاول بِهِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان أهل
الطَّائِف سَأَلُوهُ أَن يكْتب لَهُم الْأمان على تَحْلِيل الرِّبَا
وَالْخمر فَامْتنعَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَامُوا وَلَهُم تغذمر
وبربرة.
(2/139)
التغذمر: الْغَضَب والبربرة: كَلَام فِي
غضب والدمدمة نَحوه. قَالَ الطرماح وَذكر ثورا: من المتقارب ... وبربر
بربرة الهبرقي بِأُخْرَى خواذ لَهَا الآنحة ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه كَانَ
من مزحه أَن يَقُول: من الرجز ... أَفْلح من كَانَت لَهُ مزخه ...
يزخها ثمَّ ينَام الفخة ...
المزخة هَاهُنَا: الْمَرْأَة وأصل الزخ الدّفع يُقَال: زخ فِي قفا
فلَان حَتَّى اخْرُج من الْبَاب ومزخة مفعلة من ذَلِك أَي: مَوضِع الزخ
وَهُوَ النِّكَاح. وَمِنْه حَدِيث أَبى بكرَة حِين حدث مَعَه
مُعَاوِيَة بقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلَافَة نبوة
ثمَّ يؤني الله الْملك من يَشَاء قَالَ: فزخ فِي أقفائنا.
والفخة: الغطيط فِي النّوم يُقَال: فخ يفخ فخيخا اذا غط فِي نَومه
وَنَحْو من هَذَا حَدِيثه الآخر ذكره الرياشي قَالَ:
(2/140)
ثَنَا أَبُو عَاصِم قَالَ: ثَنَا معَاذ بن
الْعَلَاء بن عمار قَالَ: حَدثنِي أَبى عَن جدي قَالَ: سَمِعت عليا على
الْمِنْبَر يَقُول: مَا أصبت مُنْذُ وليت عَمَلي الا هَذِه القويريرة
أهداها الي الدهْقَان بِضَم الدَّال ثمَّ نزل الى بَيت المَال فَقَالَ:
خُذ ثمَّ قَالَ: من الرجز ... أَفْلح من كَانَت لَهُ قوصره ... يَأْكُل
مِنْهَا كل يَوْم مره ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ
لما قتل ابْن آدم أَخَاهُ غمص الله الْخلق وَنقص الْأَشْيَاء.
قَوْله: غمص الله الْخلق من قَوْلك: غمصت فلَانا أغمصه غمصا واغتمصته
اذا استصغرته واحتقرته. وَيُقَال: غمصت عَلَيْهِ قَوْله اذا عبته.
وَمِنْه قَول عمر رَضِي الله عَنهُ للمستقي لَهُ فِي جَزَاء الصَّيْد
الَّذِي اصابه وَهُوَ حرَام: أتغمص الْفتيا. وَيُقَال فلَان مغموص
عَلَيْهِ فِي حَسبه ومغموز عَلَيْهِ. وَكَأن أصل الصَّاد فِيهِ
(2/141)
الزَّاي ومخرجاهما متقاربان. وَأرى معنى
الحَدِيث انه نقص الْخلق من الطول والعظم وَالْقُوَّة والبطش
وَأَشْبَاه ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ ان رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه ليدي قوما قَتلهمْ خَالِد بن
الْوَلِيد فَأَعْطَاهُمْ ميلغة الْكَلْب وعلبة الحالب ثمَّ قَالَ: هَل
بَقِي لكم شَيْء فَأَعْطَاهُمْ بروعة الْخَيل ثمَّ بقيت مَعَه بَقِيَّة
فَدَفعهَا اليهم. من حَدِيث مُحَمَّد بن اسحق فِي الْمَغَازِي.
ميلغة الْكَلْب: الظّرْف الَّذِي يلغ فِيهِ الْكَلْب اذا شرب وَأَرَادَ
انه أَعْطَاهُم قيمَة كل مَا ذهب لَهُم حَتَّى ميلغة الْكَلْب الَّتِي
لَا قدر لَهَا وَلَا ثمن لِأَن الْكَلْب انما يولغ فِي قِطْعَة من
صَحْفَة أَو جَفْنَة قد انْكَسَرت وَكَذَلِكَ علبة الحالب وَهِي:
الْقدح الَّذِي يحلب فِيهِ من خشب ثمَّ أَعْطَاهُم بروعة الْخَيل
يُرِيد: أَن الْخَيل لما وَردت عَلَيْهِم راعت نِسَاءَهُمْ وصبيانهم
فَأَعْطَاهُمْ أَيْضا شَيْئا لما أَصَابَهُم من هه الروعة.
وَفِي حَدِيث آخر انه بقيت مَعَه بَقِيَّة فَأَعْطَاهُمْ اياها
وَقَالَ: هَذَا لكم بروعة صِبْيَانكُمْ ونسائكم.
(2/142)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ
رَضِي الله عَنهُ ان سَلامَة الْكِنْدِيّ قَالَ: كَانَ عَليّ يعلمنَا
الصَّلَاة على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ داحي
المدحوات وبارىء المسموكات وجبار الْقُلُوب على فطراتها شقيها وسعيدها
اجْعَل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك ورأفة تحننك على مُحَمَّد عَبدك
وَرَسُولك الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق والمعلن الْحق بِالْحَقِّ
والدامغ جيشات الأباطيل كَمَا حمل فاضطلع بِأَمْرك لطاعتك مستوفزا فِي
مرضاتك بِغَيْر نكل فِي قدم وَلَا وَهِي فِي عزم واعيا لوحيك حَافِظًا
لعهدك مَاضِيا على نَفاذ أَمرك حَتَّى أورى قبسا لقابس وأنار علما
لحابس آلَاء الله تصل باهله أَسبَابه بِهِ هديت الْقُلُوب بعد خوضات
الْفِتَن والاثم موضحات الْأَعْلَام ونائرات الْأَحْكَام ومنيرات
الاسلام فَهُوَ أمينك الْمَأْمُون وخازن علمك المخزون وشهيدك يَوْم
الدّين وبعيثك نعْمَة وَرَسُولك بِالْحَقِّ رَحْمَة الل هم افسح لَهُ
مفتسحا فِي عدلك أوعدنك وأجزه مضاعفات الْخَيْر من فضلك لَهُ مهنآت غير
مكدرات من فوز ثوابك المحلول وجزل عطائك الْمَعْلُول اللَّهُمَّ أعل
على بِنَاء الْبَابَيْنِ بناءه وَأكْرم مثواه لديك ونزله
(2/143)
وأتمم لَهُ نوره وأجزه من ابتعاثك لَهُ
مَقْبُول الشَّهَادَة مرضِي الْمقَالة ذَا منطق عدل وخطة فصل وَحجَّة
برهَان عَظِيم.
يرويهِ يزِيد بن هرون عَن نوح بن قيس عَن سَلامَة الْكِنْدِيّ.
قَوْله: داحي المدحوات يَعْنِي: باسط الْأَرْضين وَكَانَ عز وَجل
خلقهَا ربوة ثمَّ بسطها. قَالَ جلّ ذكره: {وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها}
وكل شىء بسطته ووسعته فقد دحوته وَمن هَذَا قيل لموْضِع بيض النعامة:
أدحي لِأَنَّهَا تدحوه للبيض أَي: نبسطه وتوسعه وَهُوَ: أفعول.
وَقَوله: بارىء المسموكات أَي خَالق السَّمَاوَات وكل شىء رفعته
وأعليته فقد سمكته. وسمك الْحَائِط وَالْبَيْت: ارتفاعه. قَالَ
الفرزدق: من الْكَامِل ... ان الَّذِي سمك السَّمَاء بنى لنا ...
بَيْتا دعائمه أعز أطول ...
وَقَوله: جَبَّار الْقُلُوب على فطراتها شقيها وسعيدها
(2/144)
من قَوْلك: جبرت الْعظم فجبر اذا كَانَ
مكسورا فلأمته وأقمته كَأَنَّهُ أَقَامَ الْقُلُوب وأثبتها على مَا
فطرها عَلَيْهِ من مَعْرفَته والاقرار بِهِ شقيها وسعيدها وَلم أجعَل
جبارا هَاهُنَا من: أجبرت فلَانا على الأمراذا أدخلته فِيهِ كرها
وقسرته لَا يُقَال: من: أفعل فعال لَا أعلم ذَلِك الا أَن بعض
الْقُرَّاء قَرَأَ: أهدكم سَبِيل الرشاد: بتَشْديد الشين وَقَالَ:
الرشاد الله تبَارك وَتَعَالَى فَهَذَا فعال من أفعل وَهِي قِرَاءَة
شَاذَّة غير مستعملة.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {وَمَا أَنْت عَلَيْهِم بجبار} . فانه
أَرَادَ مَا أَنْت عَلَيْهِم بِملك والجبابرة: الْمُلُوك وَاعْتِبَار
ذَلِك قَوْله عز وَجل: {لست عَلَيْهِم بمصيطر} أَي: بمسلط تسلط
الْمُلُوك. فَإِن كَانَ يجوز أَن يُقَال من: أجبرت فلَانا على الْأَمر
وَأَنا جَبَّار وَكَانَ هَذَا مَحْفُوظًا فقد يجوز أَن يَجْعَل قَول
عَليّ رَضِي الله عَنهُ: جَبَّار الْقُلُوب من ذَلِك وَهُوَ أحسن فِي
الْمَعْنى.
(2/145)
وَقَوله: دامغ جيشات الأباطيل يُرِيد
المهلك لما نجم وارتفع من الأباطيل وأصل الدمغ من الدِّمَاغ كَأَنَّهُ
الَّذِي يضْرب وسط الرَّأْس فيدمغ. أَي: يُصِيب الدِّمَاغ. وَمِنْه
قَول الله تَعَالَى: {بل نقذف بِالْحَقِّ على الْبَاطِل فيدمغه} أى:
يُبطلهُ والدماغ مقتل فاذا أُصِيب هلك صَاحبه. وجيشات: مَأْخُوذ من جاش
الشئ اذا ارْتَفع وجاش المَاء اذا طما وجاشت النَّفس.
وَقَوله: كَمَا حمل فاضطلع هُوَ افتعل من الضلاعة وَهِي الْقُوَّة
وَيُقَال فلَان مضطلع بِحمْلِهِ اذا كَانَ قَوِيا عَلَيْهِ والضلاعة:
الْعظم. وَمن الأضلاع أَخذ ذَلِك لِأَن الجنبين اذا عظما قوى الْبَعِير
على الْحمل.
وَقَوله: بِغَيْر نكل فِي قدم. النكل: النّكُول. يُقَال: نكل ينكل عَن
الْأَمر نكولا هَذَا الْمَشْهُور. وَنكل ينكل نكلا قَلِيله والقدم:
التَّقَدُّم قاب أَبُو زيد: يُقَال رجل قدم اذا كَانَ شجاعا وَكَأن
الْقدَم يجوز أَن تكون بِمَعْنى التَّقَدُّم وَبِمَعْنى الْمُتَقَدّم.
وَقَوله: وَلَا وَهِي فِي عزم أَي: وَلَا ضعف فِي رَأْي. وَقَوله:
حَتَّى أورى قبسا لقابس أَي: أظهر نورا من الْحق. يُقَال:
(2/146)
أوريت النَّار اذا قدحت فاظهرتها. وَقَالَ
الله تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُم النَّار الَّتِي تورون} .
وَقَوله: آلَاء الله تصل بأَهْله أَسبَابه يُرِيد: نعم الله وَهِي
آلاؤه وَاحِدهَا ألأ تصل بِأَهْل ذَلِك القبس وَهُوَ الاسلام وَالْحق:
أَسبَابه وَأَهله الْمُؤْمِنُونَ بِهِ.
هديت الْقُلُوب بعد الْكفْر والفتن موضحات الْأَعْلَام أَي: هديت
لموضحات الْأَعْلَام. يُقَال: هديته الطَّرِيق وللطريق والى الطَّرِيق.
وَقَوله: تائرات الْأَحْكَام ومنيرات الاسلام يُرِيد: الواضحات
الْبَينَات. يُقَال: نَار الشىء وأنار اذا وضح فَأتى باللغتين
جَمِيعًا.
وَقَوله: شهيدك يَوْم الدّين. يُرِيد الشَّاهِد على أمته يَوْم
الْقِيَامَة وبعيثك نعْمَة أَي: مبعوثك فعيل فِي معنى مفعول.
وَقَوله: افسح لَهُ مفتسحا أَي: أوسع لَهُ سَعَة فِي عدلك أَي: فِي ذِي
عدلك يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة فَإِن كَانَ الْمَحْفُوظ عدنك
فَإِنَّهُ أَرَادَ فِي جنتك جنَّة عدن. وَقَول: من جزل عطائك
الْمَعْلُول من الْعِلَل وَهُوَ الشّرْب بعد الشّرْب فالشرب الأول: نهل
وَالثَّانِي علل. يُرِيد: أَن عطاءه جلّ وَعز مضاعف كَأَنَّهُ يعل بِهِ
عَاده أَي: يعطيهم عَطاء بعد عَطاء.
(2/147)
وَقَوله: أعل على بِنَاء البانين بناءه
يُرِيد: ارْفَعْ فَوق أَعمال العاملين عمله وَأكْرم مثواه أَي: منزله
من قَوْلك: ثويت بِالْمَكَانِ اذا نزلته وأقمت بِهِ ونزله: رزقه.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قيل
لَهُ: أَنْت أمرت بقتل عُثْمَان أَو أعنت على قَتله فعبد وضمد.
العَبْد: الْغَضَب وَيُقَال مِنْهُ قَول الله جلّ وَعز: {قل إِن كَانَ
للرحمن ولد فَأَنا أول العابدين} أَي: الغضاب والضمد: شدَّة الغيظ.
قَالَ النَّابِغَة: من الْبَسِيط ... وَمن عصاك فعاقبه معاقبة ...
تنْهى الظلوم وَلَا تقعد على ضمد ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
خُذ الْحِكْمَة أَنى أتتك فَإِن الْكَلِمَة من الْحِكْمَة تكون فِي صدر
الْمُنَافِق
(2/148)
فنلجلج حَتَّى تسكن الى صَاحبهَا. يُرِيد:
ان الْكَلِمَة قد يعلمهَا الْمُنَافِق فَلَا تزَال تتحرك فِي صَدره
فَلَا تسكن حَتَّى يسْمعهَا الْمُؤمن مِنْهُ أَو الْعَالم فيثقفها
فتسكن فِي صَدره إِلَى أخواتها من كلم الْحِكْمَة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه لما
تزوج فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَام ذهب إِلَى يَهُودِيّ يَشْتَرِي
ثيابًا فَقَالَ لَهُ: بِمن تزوجت فَقَالَ: بابنة النبى صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ: أنبيكم هَذَا قَالَ: نعم. قَالَ: لقد تزوجت
امْرَأَة.
قَالَ أَبُو حَاتِم قَالَ ثَنَا الْأَصْمَعِي عَن نَافِع القارىء قَالَ
أَبُو حَاتِم: كَأَنَّهُ يعظم أمرهَا كَمَا يُقَال: فلَان رجل وكما
قَالَ الْهُذلِيّ أَبُو خرَاش: من الطَّوِيل. ... لعمر أبي الطير
المرية بالضحى ... على خَالِد لقد وَقعت على لحم ...
يعظم شَأْنه أَي: وَقعت على لحم أَي لحم.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
الْبَيْت
(2/149)
الْمَعْمُور نتاق الْكَعْبَة من فَوْقهَا.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن دَاوُد عَن رجل عَن ابْن أَبى زَائِدَة عَن
اسرائيل عَن سماك بن حَرْب عَن خَالِد بن عرْعرة عَن عَليّ رَضِي الله
عَنهُ.
قَوْله: نتاق الْكَعْبَة أَي: مطل عَلَيْهَا من فَوْقهَا من قَول الله
جلّ وَعز: {وَإِذ نتقنا الْجَبَل فَوْقهم كَأَنَّهُ ظلة} أَي: زعزع
فأظل عَلَيْهِم وكل شىء نقضته فقد نتقته.
وَقَالَ فِي قَول عَليّ: أَنا قسيم النَّار.
يرويهِ عبد الله بن دَاوُد عَن الْأَعْمَش عَن مُوسَى بن طريف.
أَرَادَ: ان النَّاس فريقان رَفِيق معي فهم على هدى وفريق عَليّ فهم
على ضلال كالجوارح. فَأَنا قسيم النَّار نصف فِي الْجنَّة معي وَنصف
فِيهَا وقسيم فِي معنى مقاسم مثل جليس وأكيل وشريب.
وَقَالَ فِي حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ان رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لما أعطَاهُ الرَّايَة وَبعث بِهِ الى خَيْبَر خرج بهَا
يؤج حَتَّى ركزها فِي رضم من حِجَارَة تَحت الْحصن.
(2/150)
يرويهِ اسحق عَن يزِيد بن سُفْيَان بن مروه
الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه سُفْيَان عَن سَلمَة بن عَمْرو بن
الْأَكْوَع.
قَوْله: يؤج أَي: يسْرع يُقَال: أج يؤج أجا وَيُقَال: الأج الهرولة
قَالَ الشَّاعِر هُوَ الركاض الزبيرِي: من الطَّوِيل ... سدا بيدَيْهِ
ثمَّ أج بسيره ... كأج الظليم من قنيص وكالب ...
وَقَالَ آخر: من الطَّوِيل ... وأج كَمَا أج الظليم المنفر ...
والرضم: جمع وَقد تقدم تَفْسِير ذَلِك. .
آخر حَدِيث عَليّ رضوَان الله عَلَيْهِ.
(2/151)
- حَدِيث الزبير بن الْعَوام
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الزبير رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ
لِابْنِهِ: لَا تخاصم الْخَوَارِج بِالْقُرْآنِ خاصمهم بِالسنةِ قَالَ
ابْن الزبير: فخاصمتهم بهَا فكأنهم صبيان يمرثون سخبهم.
حَدَّثَنِيهِ سهل بن مُحَمَّد قَالَ ثناه الْأَصْمَعِي عَن ابْن ابي
الزياد عَن ابْن الزبير.
السخب: جمع سخاب وَهُوَ الخرز ويروى ان أعرابية دخلت الْعرَاق فاتهمها
قوم بِعقد من ذهب لَهُم وَأخذت بِهِ فَبينا هِيَ كَذَلِك مر طَائِر
فَأَلْقَاهُ فَقَالَت من الطَّوِيل ... وَيَوْم السخاب من تعاجيب
رَبنَا ... على أَنه من بَلْدَة السوء أنجاني ...
وَمِنْه حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: انه حض على الصَّدَقَة
فَجعلت الْمَرْأَة تلقي خرصها وسخابها.
والخرص: الْحلقَة من الذَّهَب أَو الْفضة. وَقَوله:
(2/152)
يمرثون: أَي: يعضون يُقَال: مرت الصَّبِي
اذا عض يدردره وَهُوَ أصُول أَسْنَانه وَمِنْه قَول العجاج: من الرجز
... كَمَا تمنى مارث فِي مفطم ...
والمارث: الصَّبِي وَقَالَ آخر: من الْبَسِيط ... السن من جلفزيز عوزم
خلق ... والحلم حلم صبي يمرث الودعه ...
يُقَال: ودعه وودعة جَمِيعًا. والجلفريز: المسنة وَكَذَلِكَ بالعوزم
وَيُقَال أَيْضا: مرث فلَان الْخبز فِي المَاء ومرده اذا هُوَ فركه
فِيهِ. وَمَات الدَّوَاء يموثه ودافه اذا خلطه بِالْمَاءِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الزبير انه كَانَ أعفث.
حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ: ثناه أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي زَاد
غَيره عَن ابْن أبي الزِّنَاد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه.
قَالَ: كَانَ الزبير طَويلا أَزْرَق أخضع أشعر رُبمَا أخذت وَأَنا
غُلَام بِشعر كَتفيهِ حَتَّى أقوم تخط رِجْلَاهُ اذا ركب الدَّابَّة
نفج الحقيبة.
(2/153)
وَفِي حَدِيث آخر انه كَانَ حسن الباد على
السرج اذا ركب.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: سَأَلت الْأَصْمَعِي عَن الأعفث فَقَالَ: هُوَ
الْكثير التكشف اذا جلس والفرج: الذى لَا يزَال ينْكَشف فرجه
وَكَذَلِكَ الأجلع يُقَال للْمَرْأَة اذا كَانَت لَا تستتر: جالعة
وَمِنْه قيل للرجل اذا لم تنضم شفتاه على أَسْنَانه: أجلع. خبرني أَبُو
حَاتِم ان الْأَخْفَش النَّحْوِيّ كَانَ أجلع والأخضع الَّذِي فِيهِ
جنأ وَمِنْه قيل للْقَوْم اذا نكسوا رُؤْسهمْ خضع قَالَ الشَّاعِر: من
الْكَامِل ... واذا الرِّجَال رَأَوْا يزِيد رَأَيْتهمْ ... خضع
الرّقاب نواكس الْأَبْصَار ...
وَقَوله: نفج الحقيبة أَي: عَظِيم الْعَجز وَمِنْه قيل للدابة اذا شرب
المَاء فَعظم جنباه قد انتفج وَهَذَا مِمَّا تصف الشُّعَرَاء بِهِ
النِّسَاء والباد: أصل الْفَخْذ. والبادان ايضا من ظهر الْفرس مَا وَقع
عَلَيْهِ فخذا الْفَارِس سميا باسم الْفَخْذ أَو سمي أصل الْفَخْذ
بهما. قَالَ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قيل لامْرَأَة: علام تمنعين
زَوجك
(2/154)
القضة فانه يعتل بك. فَقَالَت: كذب وَالله
اني لأطأطىء الوساد وأرخي الباد. تُرِيدُ: انها لَا تضمهما.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الزبير رَضِي الله عَنهُ انه وصف
الْجِنّ الَّذين رَآهُمْ لَيْلَة استتبعه النبى صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: فَإِذا نَحن بِرِجَال طوال كَأَنَّهُمْ الرماح مستثفرين
ثِيَابهمْ.
يرويهِ بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن نمير بن يزِيد عَن قُحَافَة بن بنت
ربيعَة عَن الزبير.
والاستثفار بِالثَّوْبِ: أَن يدْخل مُؤخر ذيله بَين رجلَيْهِ وَمن
هَذَا: ثفر الدَّابَّة قَالَ الْكُمَيْت: من الْبَسِيط ... واستثفر
الْكَلْب انكارا لمولغه ... فِي حوله قصرت عَن نعتها الْحول ...
قَوْله: استثفر الْكَلْب يُرِيد: أَدخل ذيله بَين رجلَيْهِ لِأَنَّهُ
لم يعرف صَاحبه للبسة الْحَدِيد. وَكَذَلِكَ يفعل الْكَلْب اذا هُوَ
خَافَ.
والحولة: الداهية وَقَالَ زيد الْخَيل: من الْكَامِل
(2/155)
.. يتبعن نَضْلَة أير كلب منعظ ... عض
الْكلاب بعجبه فاستثفرا ...
وَفِي انكار الْكَلْب صَاحبه يَقُول الآخر: من الطَّوِيل ... لَا ترفعي
صَوتا وكوني فصية ... اذا ثوب الدَّاعِي وأنكرني كَلْبِي ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الزبير انه سَأَلَ عَائِشَة رَضِي
الله عَنْهُمَا بِالْخرُوجِ الى الْبَصْرَة فَأَبت عَلَيْهِ فَمَا
زَالَ يفتل فِي الذرْوَة وَالْغَارِب حَتَّى أَجَابَتْهُ.
الذرْوَة: أَعلَى السنام وَالْغَارِب: مقدمه. قَالَ الْأَصْمَعِي هَذَا
مثل يُقَال: مَا زَالَ يفتل فِي ذروته أَي: يخادعه حَتَّى يُزِيلهُ عَن
رَأْي هُوَ عَلَيْهِ.
وَذكر مُحَمَّد بن اسحق ان حيى بن أَخطب النضري أَتَى كَعْب بن أَسد
الْقرظِيّ وَكَانَ كَعْب موادعا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ لَهُ: جئْتُك بعز الدَّهْر جئْتُك بِقُرَيْش مَعهَا قادتها
(2/156)
وسادتها حَتَّى أنزلتهم مَوضِع كَذَا
وَكَذَا بغطفان مَعَ قادتها وسادتها حَتَّى أنزلتهم بِموضع كَذَا وَقد
عاهدوني وعاقدوني ان لَا يبرحوا حَتَّى نستأصل مُحَمَّدًا وَمن مَعَه
فَقَالَ لَهُ كَعْب: جئتني وَالله بدل الدَّهْر وبجهام قد هراق مَاءَهُ
يرعد ويبرق فَلم يزل بِهِ حيى يفتل فِي الذرْوَة وَالْغَارِب حَتَّى
نقض كَعْب عَهده.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الزبير رَضِي الله عَنهُ ان
صَفِيَّة بنت عبد المطلب أمة ضَربته فَقيل لَهَا: لم تضربينه فَقَالَت:
من الرجز ... أضربه لكَي يلب ... وكي يَقُود ذَا الجلب ...
بَلغنِي عَن الْأَصْمَعِي. قَوْلهَا: يلب من للب وَهُوَ الْعقل يُقَال:
لبب ألب لبا والجلب: جمع جلبة وَهِي أصوات وَيُقَال: قد جلب على فرسه
يجلب جلبا اذا صَاح بِهِ من خَلفه ليسبق وَيُقَال مِنْهُ قَول النبى
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا جلب.
(2/157)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الزبير
رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ فِي كَلَامه يَوْم الشوري حِين تكلم عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف بِمَا ذكرته فِي حَدِيثه لَوْلَا حُدُود الله جلّ
وَعز فرضت وفرائض لَهُ حدث تراح إِلَى أَهلهَا وتحيا لَا تَمُوت
لَكَانَ الْفِرَار من الْولَايَة عصمَة وَلَكِن لله علينا إِجَابَة
الدعْوَة وَإِظْهَار السّنة لِئَلَّا تَمُوت ميتَة عمية وَلَا نعمى
عمياء جَاهِلِيَّة وَالْأَمر اليك بِابْن عَوْف.
يرويهِ يَعْقُوب بن مُحَمَّد عَن أبي عمر الزُّهْرِيّ عَن مُسلم بن
نشيط عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: لَوْلَا حُدُود لله جلّ وَعز فرضت وفرائض حدت تراح إِلَى
أَهلهَا. أَي ترد اليهم. وَأَهْلهَا هم الأيمة. وَيجوز أَن يكون
الْأَئِمَّة يردونها على أَهلهَا من الرّعية يُقَال: أرح اليه حَقه
أَي: رده اليه.
وَقَوله: لِئَلَّا نموت ميتَة عمية أَي: ميتَة فتْنَة وَجَهل وَمِنْه
قَول طَاوُوس: من قتل فِي عمية فِي رميها تكون بَينهم بِالْحِجَارَةِ
أَو جلد بالسياط أَو ضرب بعصا فَهُوَ خطأ عقله عقل الْخَطَأ. وَمن فعله
عمدا فَهُوَ يُقَاد فَمن حَال دونه فَعَلَيهِ
(2/158)
لعنة الله وَهَذَا خلاف قَوْلهم: لَيْسَ
فِي الهيشات قَود. يُرِيدُونَ الْفِتْنَة.
والرميا: الرَّمْي. يُقَال: كَانَت بَينهم رميا ثمَّ حجرت بَينهم
حجيري. وَمثل فِي التَّقْدِير: الخصيصى والهجيري والخليفى الْخلَافَة
والمنيني من الْمَنّ والبزيزي وَمِنْه حَدِيث أَبى عُبَيْدَة بن
الْجراح رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: سَتَكُون نبوة وَرَحْمَة ثمَّ
خلَافَة وَرَحْمَة ثمَّ ملك يَجعله الله جلّ وَعز لمن يَشَاء ثمَّ يكون
بزيزى وَأخذ أَمْوَال بِغَيْر حق.
والبزيزي: السَّلب والتغلب من قَوْلك: بززته كَذَا أَي: سلبته اياه.
وَمِنْه الْمثل: من عز بز. أَي: من علب سلب. آخر حَدِيث الزبير رَحمَه
الله
(2/159)
|