غريب الحديث لابن قتيبة - حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث طَلْحَة رَضِي الله عَنهُ انه أنْشد
قصيدة فَمَا زَالَ شانقا نَاقَته حَتَّى كتبت لَهُ.
حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ ثناه الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن أَبى
عَمْرو بن الْعَلَاء.
قَوْله: شانقا نَاقَته: هُوَ من شنقت النَّاقة اذا كففتها بزمامها
وَفِيه: لُغَة أُخْرَى: أشنقتها اذا أَنْت فعلت بهَا ذَلِك وَهُوَ من
الشنق والشنق: الْحَبل.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث طَلْحَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ
لعمر حِين استشارهم فِي جموع الْأَعَاجِم قد حنكتك الْأُمُور وجرستك
الدهور وعجمتك البلايا فَأَنت ولي مَا وليت لَا ننبو فِي يَديك وَلَا
نخول عَلَيْك.
(2/160)
يرويهِ أَبُو معشر عَن مُحَمَّد بن كَعْب
فِي قصَّة نهاوند.
قَوْله: جرستك الدهور يُرِيد: جربتك وأحكمتك. يُقَال رجل مجرس محنك
ومحكك.
وَقَوله: وعجمتك البلايا أَي خبرتك يُقَال: عجمت الرجل اذا خبرته وعجمت
الشَّيْء اذا ذقته. وَمِنْه قَول الْحجَّاج: ان أَمِير الْمُؤمنِينَ
نكب كِنَانَته فعجم عيدانها. وَقد ذكرته فِي حَدِيث الْحجَّاج وفسرته.
وَقَوله: وَلَا نخول عَلَيْك أَي: نتكبر. يُقَال: خَال الرجل يخول
واختال يختال وَيُقَال: رجل خَال أَي مختال. وَذُو حَال أَي: ذُو
مخيلة. قَالَ العجاج: من السَّرِيع ... وَالْخَال توب من ثِيَاب
الْجُهَّال ...
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: كل مَا شِئْت والبس مَا شِئْت اذا أَخْطَأتك
خلَّتَانِ سرف أَو مخيلة.
وَالْخُيَلَاء مِنْهُ. وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: الخولاء. لِأَن
الْحَرْف من الْوَاو وَكَذَلِكَ يرْوى هَذَا: من المتقارب
(2/161)
.. فان كنت سيدنَا سدتنا ... وان كنت للخال
فَاذْهَبْ فَخَل ...
بِضَم الْخَاء. فاما أَن يكون الْخُيَلَاء شاذا جَاءَ على غير أَصله
أَو يكون الْفِعْل مِنْهُ بِالْوَاو وَالْيَاء.
آخر حَدِيث طَلْحَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ.
(2/162)
حَدِيث سعيد بن أَبُو وَقاص
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سعد رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ اذا
دخل مَكَّة مراهقا خرج الى عَرَفَة قبل أَن يطوف بِالْبَيْتِ وَبَين
الصَّفَا والمروة ثمَّ يطوف بعد أَن يرجع.
حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ ثناه مُحَمَّد عَن القعنبى عَن مَالك.
قَوْله: مراهقا أَي: مقاربا لآخر الْوَقْت كَأَنَّهُ يقدم يَوْم
التَّرويَة أَو يَوْم عَرَفَة وَهُوَ من قَوْلك: رهقت الشَّيْء اذا
غَشيته أَو قاربته وَمِنْه قيل: غُلَام مراهق اذا كَانَ قد قَارب
الْحلم وَأَرَادَ أَن سَعْدا كَانَ اذا وافى مَكَّة وَقد ضَاقَ
الْوَقْت عَلَيْهِ خرج الى عَرَفَة فَشهد الْموقف والمشعر ثمَّ صَار
بعد ذَلِك الى مَكَّة فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة
طَوَافه الأول وَطواف الزِّيَارَة وهما الطوافان الواجبان.
وَكتب الي الرّبيع بن سُلَيْمَان يُخْبِرنِي عَن الشَّافِعِي انه
(2/163)
قَالَ: طواف الزِّيَارَة يجزىء من الطّواف
الأول وَلَا يجزىء الطّواف الأول من طواف الزِّيَارَة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سعد رَضِي الله عَنهُ انه لما ذهب
النَّاس يَوْم أحد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل سعد
يَرْمِي بَين يَدَيْهِ وفتى ينبله كلما نفدت نبله وَيَقُول: ارْمِ ابا
اسحق ثمَّ طلبُوا الْفَتى بعد فَلم يقدروا عَلَيْهِ.
حَدَّثَنِيهِ أَبى قَالَ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة
بن عَمْرو عَن ابي اسحق عَن ابْن عون عَن عُمَيْر بن اسحق انه ذكر
ذَلِك.
وَقَوله: ينبله كلما نفدت نبله نبله هَذَا غلط من بعض نقلة الحَدِيث
وانما هُوَ ينبله كلما نفدت نبله أنبله أَي: يُعْطِيهِ النبل. يُقَال
أنبلت فلَانا سَهْما أَي أَعْطيته اياه أَو ينبله يُقَال: نبلت الرجل
ناولته النبل ونبلته أحجارا أَعْطيته اياها وَهَذَا مِمَّا جَاءَ فِيهِ
افعلت وَفعلت تَقول: أنبلت ونبلت مثل: بكرت وأبكرت وَسميت وأسميت.
(2/164)
فَأَما نبلته أنبله فبمعنى رميته وَهُوَ لم
يرمه وانما كَانَ يُعْطِيهِ النبل ليرمي بهَا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سعد رَضِي الله عَنهُ ان امْرَأَة
راته متجردا وَهُوَ أَمِير على الْكُوفَة فَقَالَت: ان أميركم هَذَا
لأهضم الكشحين فوعك سعد فَقيل لَهُ ان امْرَأَة قَالَت كَذَا فَقَالَ:
مَالهَا ويحها أما رَأَتْ هَذَا وَأَشَارَ الى فقر فِي أَنفه. ثمَّ
أمرهَا فتوضات وصب عَلَيْهِ.
يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن مسعر.
الكشح: الخصر وَهُوَ الْقرب أَيْضا والهضم فِيهِ انضمامه يُرِيد: انه
لَيْسَ بمستفيض الخصر وَهَذَا مِمَّا يمدح بِهِ. قَالَ ذُو الرمة وَذكر
الْمَرْأَة: من الطَّوِيل. ... وَبَين ملاث المرط والطوق نفنف ... هضيم
الحشا رأو الوشاحين أصفر ...
والهضم فِي الْخَيل عيب والاجفار يحمدها فِيهَا. قَالَ: الْجَعْدِي يصف
فرسا: من المنسرح ... خيط على زفرَة فتم وَلم ... يرجع الى رقة وَلَا
هضم ...
(2/165)
قَوْله: خيط على زفرَة تَشْبِيه يَقُول:
هُوَ مجفرة الجنبين كَأَنَّهُ زفر فانتفخ جنباه عِنْد الزفرة فخيط على
ذَلِك وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {ونخل طلعها هضيم} ...
وَقَوله: فوعك سعد أَي حم يُقَال: وعكته الْحمى فَهُوَ موعوك ونفضته
فَهُوَ منفوض من النافض ووردته فَهُوَ مورود من الْورْد وَهُوَ ان
تَأْخُذهُ كل يَوْم وغبت عَلَيْهِ اذا أَخَذته يَوْمًا وَتركته يَوْمًا
وأربعت عَلَيْهِ اذا أَخَذته الرّبع وصلبت عَلَيْهِ من الصالب فَهُوَ
مصلوب عَلَيْهِ فان لم تُفَارِقهُ قيل: اردمت عَلَيْهِ وأغبطت.
والفقر: شقّ كَانَ فِي أَنفه يُقَال: فقرت أنف الْبَعِير اذا حززته
بحديدة ثمَّ وضعت على مَوضِع الحز الْجَرِير وَعَلِيهِ وتر ملوي نتذله
وتروضه وَمِنْه قيل عمل بِهِ الفاخرة وَهِي الداهية وَقيل انما قيل
للداهية فاقرة من فقار الظّهْر كَأَنَّهَا تكسره يُقَال: فقرتهم
الفاقرة وَرجل فقر وفقير أَي: مكسور الفقار. وَفِي حَدِيث لسعد رَضِي
الله عَنهُ آخر: ان رجلا من الْأَنْصَار أَخذ لحى جزور فَضرب بِهِ أنف
سعد ففزره فَكَأَن أَنفه مفزورا أَي: شقَّه يُقَال: فزرت الثَّوْب اذا
فسخته وَمِنْه قَول طَارق بن شهَاب:
(2/166)
خرجنَا حجاجا فأوطأ رجل منا رَاحِلَته
ظَبْيًا ففزر ظَهره فَرَأى فِيهِ عمر جديا قد جمع المَاء وَالشَّجر.
يُرِيد جديا قد جمع المَاء وَالشَّجر.
وَقَوله: فَأمرهَا فَتَوَضَّأت وصب عَلَيْهِ قد بَين ابْن شهَاب كَيفَ
يتَوَضَّأ العائن ويصبه الْمعِين على نَفسه وَذكر ذَلِك أَبُو عبيد
رَحمَه الله.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سعد رَضِي الله عَنهُ ان عمر رَضِي
الله عَنهُ سَأَلَ عَنهُ عَمْرو بن معدي كرب فَقَالَ: خير أَمِير نبطي
فِي حبوته أَو جبوته عَرَبِيّ فِي نمرته أَسد فِي تأمورته ويروي فِي
ناموسه يعدل فِي الْقَضِيَّة وَيقسم بِالسَّوِيَّةِ وينقل الينا حَقنا
كَمَا ينفل الذّرة.
قَوْله: نبطي فِي حبوته. لم يرد انه يحتبي احتباء النبطي لِأَن
الاحتباء للْعَرَب كَانَ يُقَال: حبى الْعَرَب حيطانها وعمائمها
تيجانها. وَلكنه أَرَادَ فِي حبوة الْعَرَب كالنبطي فِي علمه بِأَمْر
الْخراج وَعمارَة الْأَرْضين وان كَانَ الْمَحْفُوظ: حبوته فانه يُرَاد
جباية الْخراج يُقَال: جبيت المَال وجبوته وَهُوَ حسن
(2/167)
الجبية والجبوة للخراج.
والنمرة: بردة من صوف تلبسها الْأَعْرَاب وتلبسها الاماء وَجَمعهَا:
نمار. قَالَ جران الْعود: من الطَّوِيل ... عَلَيْكُم بربات النمار
فانني ... رَأَيْت صميم الْمَوْت فِي النقب الصفر ...
يَقُول: عَلَيْكُم بالاماء وَلَا تعصوا الْحَرَائِر وَقَالَ الْحسن فِي
بعض كَلَامه: أَيْن الَّذين طرحوا الخزور والحبرات ولبسو البتوت
والنمرات والبتوت: جمع بت وَهُوَ كسَاء كَالطَّيْلَسَانِ وَكَانَ
الْحسن يقيل فِي بت يحلق الشّعْر من خشونته.
والتامورة هَاهُنَا عريسة الْأسد وَهُوَ عرينه الَّذِي يكون فِيهِ وأصل
التامروة: الصومعة فاستعاره. وَيُقَال أَيْضا: تامور لَا هَاء.
(2/168)
وَأنْشد ابو سعيد لِرَبِيعَة بن مقروم
الضَّبِّيّ وَذكر امْرَأَة: من الْكَامِل ... لَو أَنَّهَا عرضت لأشمط
رَاهِب ... عبد الاله صرورة متبتل
لرنا لبهجتها وَحسن حَدِيثهَا ... وَلَهُم من تاموره بتنزل ...
والتامورة أَيْضا: علقَة الْقلب فَيجوز أَن يكون على هَذَا
التَّأْوِيل: اسد فِي شدَّة قلبه وشجاعته. والتامور أَيْضا: الدَّم.
وَرُبمَا جعل خمرًا وَأَصله بالسُّرْيَانيَّة قَالَ أَوْس بن حجر: من
الْكَامِل ... نبئت أَن بني سليم أدخلُوا ... أبياتهم تامور نفس
الْمُنْذر ...
أَرَادَ: الدَّم. أَي قَتَلُوهُ. وَمن رَوَاهُ: ناموسته فان الناموسة
مكمن الصَّائِد شبه بِهِ مَوضِع الْأسد.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سعد رَضِي الله عَنهُ ان أمه
قَالَت:
(2/169)
أَلَيْسَ قد أَمر الله ببر الوالدة
فوَاللَّه لَا أطْعم طَعَاما وَلَا أشْرب شرابًا حَتَّى تكفر أَو
أَمُوت فَكَانُوا اذا أَرَادوا أَن يطعموها أَو يسقوها شجروا فاها ثمَّ
أَو جروها.
قَوْله: شجروا فاها يُرِيد: أدخلُوا لَهُ عودا وَهُوَ من الشجار
والشجار: الْخَشَبَة الَّتِي تُوضَع خلف الْبَاب وَيُقَال لَهَا
بِالْفَارِسِيَّةِ: المترس وَمِنْه قَول الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب:
اني لمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين آخذ بحكمة
بغلته الْبَيْضَاء وَقد شجرتها بهَا.
وَمن وَجه آخر قد شنقتها بهَا أَي: كففتها.
والشجار أَيْضا مركب للنِّسَاء دون الهودج مَكْشُوف الرَّأْس وَفِي
حَدِيث حنين ان دُرَيْد بن الصمَّة كَانَ يَوْمئِذٍ فِي شجار لَهُ
يُقَاد بِهِ. وَيُقَال لَهُ أَيْضا: مشتجر والجميع مشاجر. وَمِنْه قَول
الشَّاعِر هُوَ لبيد: من الوافر ... وأربد فَارس الهيجا اذا مَا ...
تقعرت المشاجر بالفئام ...
(2/170)
تقعرت: سَقَطت والفئام: وطاء يكون فِي
المشاجر وَيُقَال: بَات فلَان مشتجرا اذا وضع يَده على خَدّه وَلم ينم
قَالَ أَبُو ذُؤَيْب: من الْبَسِيط
نَام الخلي وَبت اللَّيْل مشتجرا ... كَأَن عَيْني فِيهَا الصاب
مَذْبُوح ...
والصاب شجر يخرج مِنْهُ شَبيه بِاللَّبنِ اذا قطع يحرق ومذبوح: مشقوق.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سعد رضى الله عَنهُ ان عبد
الرَّحْمَن ابْن عَوْف لما تكلم يَوْم الشورى بالْكلَام الَّذِي قد
ذكرته فِي حَدِيثه قَالَ سعد: الْحَمد لله بديا كَانَ وأخرا يعود
أَحْمَده كَمَا أنجاني من الضَّلَالَة وبصرني من الْجَهَالَة فبمحمد بن
عبد الله استقامت الطّرق واستنارت السبل وَظهر كل حق وَمَات كل بَاطِل
اني نكبت قَرْني فَأخذت السهْم الفالج فِي القداح وَأخذت لطلْحَة بن
عبيد الله مَا أخذت لنَفْسي فِي حضوري فَأَنا بِهِ زعيم وَبِمَا
أَعْطَيْت عَنهُ بِهِ كَفِيل وَالْأَمر اليك بِابْن عَوْف ثمَّ تكلم
(2/171)
يعد بِكَلِمَة أسْتَغْفر الله مِنْهَا ...
يرويهِ يَعْقُوب بن مُحَمَّد عَن أَبى عمر الزري عَن مُسلم بن نشيط عَن
عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: نكبت قَرْني يُرِيد: كببت كِنَانَتِي والقرن: الجعبة من جُلُود
يُقَال: نكب كِنَانَته اذا كبها فنثر مَا فِيهَا من السِّهَام وَمِنْه
قَول الْحجَّاج: ان أَمِير الْمُؤمنِينَ نكب كِنَانَته فعجم عيدانها.
وَقَوله: فآخذت سهمي الفالج فِي القداح وَهُوَ الْقدح الَّذِي قمر بِهِ
الرجل فِي الميسر وَقد يجوز أَن يكون السهْم الفالج الَّذِي سبق بِهِ
فِي النضال وَهَذَا أعجب الْوَجْهَيْنِ الي لانه ذكر انه نكب كِنَانَته
فَأخذ سَهْمه وانما يكون فِي الكنائن سِهَام الرَّمْي وَأَرَادَ اني
أخذت خير الْأُمُور لي مغبة وأبلغها بِي الى الصَّوَاب والفوز وَأخذت
لطلْحَة فِي غيبته مثل ذَلِك. أَي: أجزت عَلَيْهِ مثل الَّذِي أجزته
على نَفسِي من الحكم وَأَنا بِهِ زعيم أَي: ضَامِن.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سعد رَضِي الله عَنهُ أَنه خطب
امْرَأَة بِمَكَّة فَقَالَ: لَيْت عِنْدِي من رَآهَا وَمن يُخْبِرنِي
عَنْهَا فَقَالَ
(2/172)
رجل مخنث: أَنا أنعتها لَك: اذا أَقبلت
قلت: تمشي على سِتّ واذا أَدْبَرت قلت: تمشي على أَربع.
بَلغنِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن بكر بن عبد الرَّحْمَن عَن
عِيسَى عَن ابْن أبي ليلِي عَن عبد الْكَرِيم عَن مُجَاهِد عَن عَامر
بن سعد.
وَفِي حَدِيث آخر انه قَالَ: انها تقبل بِأَرْبَع وتدبر بثمان وَقد ذكر
ذَلِك أَبُو عبيد وَفَسرهُ وَهَذِه الْمَرْأَة بنت غيلَان الثقفية ذكر
أَبُو الْيَقظَان انها سَبَب اتِّخَاذ النعش الاعلى قَالَ: وَكَانَت
تَحت عبد الرحمن بن عَوْف فَهَلَكت فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ
فصلى عَلَيْهَا فَرَأى خلقهَا من تَحت الثَّوْب ثمَّ هَلَكت بعْدهَا
زَيْنَب بنت جحش وَكَانَت أَيْضا خَلِيقَة فَقَالَ عمر: اني لأخاف أَن
يرى مِنْهَا مثل مَا روئي من بنت غيلَان فَهَل عنْدكُمْ حِيلَة
فَقَالَت اسماء بنت عُمَيْس: قد رَأَيْت بِالْحَبَشَةِ نعوشا لموتاهم
فَعمِلت نعشا لِزَيْنَب فَلَمَّا رَآهُ عمر قَالَ: نعم خباء الظعينة.
وَأما قَوْله: اذا اقبلت تمشي على سِتّ واذا أَدْبَرت قلت تمشي على
أَربع فانه يُرِيد انها عَظِيمَة الْخلق فاذا أدبربت رَأَيْتهَا
كالمكبة لعظم أردافها. فَقلت تمشي على أَربع واذا أَقبلت رَأَيْتهَا
كالمستلقية وتحرك مِنْهَا ثدياها لعظمهما وارتفاعهما ومنكباها ورجلاها
فَكَأَنَّهَا بحركة هَذِه السِّت تمشي على سِتّ وَنَحْو هَذَا قَوْلهم:
(2/173)
فلَان أصدر اذا استقبلته أكب اذا استدبرته
وَهَذَا مِمَّا يحمد فِي الْخَيل وَلذَلِك قَالَ الْقَائِل فِي صفة
فرس: اذا استقبلته أَفْعَى واذا استدبرته جبى.
آخر حَدِيث سعد رَحْمَة الله عَلَيْهِ
وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
وَصلى الله على مُحَمَّد النبى وَآله وَسلم تَسْلِيمًا.
(2/174)
- حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزمري
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عون انه كَانَ
فِي كَلَامه فِي أَصْحَاب الشورى يَا هَؤُلَاءِ ان عِنْدِي رَأيا وان
لكم نظرا وان حابيا خير من زاهق وان جرعة شروب أنقع من عذب موب وان
الْحِيلَة بالْمَنْطق أبلغ من السُّيُوب فِي الْكَلم فَلَا تطيعوا
الْأَعْدَاء وان قربوا وَلَا تفلوا المدى بالاختلاف بَيْنكُم وَلَا
تغمدوا السيوف عَن أعدائكم وتوتروا ثأركم وتولتوا أَعمالكُم لكل أجل
كتاب وَلكُل بَيت امام بأَمْره يقومُونَ وبنهيه يرعون وقلدوا أُمُوركُم
رحب الذِّرَاع فِيمَا نزل مَأْمُون الْغَيْب على مَا استكن يقترع
مِنْكُم وكلكم مُنْتَهى يرتضي مِنْكُم وكلكم رضى.
يرويهِ يَعْقُوب بن مُحَمَّد عَن أبي عمر الزُّهْرِيّ عَن مُسلم بن
نشيط عَن عَطاء بن أَبى رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: ان حابيا خير من زاهق. الحابي من السِّهَام: هُوَ الَّذِي يزحف
الى الهدف يُقَال: حبا يحبو فان أَصْحَاب
(2/175)
الرقعة فَهُوَ حاسق وخازق ومقرطس فَأن
جَاوز الهدف وَوَقع خَلفه فَهُوَ زاهق يُقَال: زهق السهْم اذا تقدم
وزهقت الْفرس وانزهقت بَين يَدي الْخَيل وأزهقتها: قدمتها والزهق:
التَّقَدُّم قَالَ رؤبة: من الرجز ... تكَاد أَيْدِيهنَّ تهوى فِي
الزهق ...
وَأَرَادَ عبد الرَّحْمَن ان الحابي من السِّهَام وان كَانَ ضَعِيفا
فقد أصَاب الهدف هُوَ خير من الزاهق الَّذِي قد جازه بِشدَّة مرّة
وقوته. وَلم يصبهُ وَضرب السهمين مثلا لواليين أَحدهمَا ينَال الْحق
أَو بعضه وَهُوَ ضَعِيف وَالْآخر يجوز الْحق وَيبعد مِنْهُ وَهُوَ قوى.
وَقَوله: وان جرعة شروب أَنْفَع من عذب موب. والشروب من المَاء هُوَ
الْملح الَّذِي لَا يشربه النَّاس الا عِنْد الضَّرُورَة. والموبىء:
الضار الْمدْخل فِي الوباء وَهُوَ الْمَرَض والحرف مَهْمُوز فَترك
همزَة ليقابل بِهِ الْحَرْف الَّذِي قبله وَهَذَا أَيْضا مثل ضربه
لِرجلَيْنِ أَحدهمَا أرفغ وأضر وَالْآخر أدون وأنفع.
وَقَوله: وان الْحِيلَة بالْمَنْطق أبلغ من السُّيُوب فِي الْكَلم
يُرِيد: أَن الْقَلِيل من القَوْل مَعَ التلطف مِنْهُ أبلغ من الهذر
وَكَثْرَة الْكَلَام بِغَيْر رفق وَلَا تلطف.
والسيوب: مَا سيب وخلي فساب اي: ذهب وَمِنْه سمي الرجل السَّائِب.
(2/176)
وَقَوله: وَلَا تفلوا المدى بالاختلاف
بَيْنكُم أَي: لَا تفلوا أحدكُم بالاختلاف وَضرب المدى مثلا وَهِي جمع
مدية والفلول: تكسر يُصِيب حَدهَا.
وَقَوله: وَلَا تغمدوا السيوف عَن أعدائكم فتوتروا ثأركم أَي: توجدوه
الْوتر فِي أَنفسكُم يُقَال: وترت فلَانا اذا اصبته بِوتْر واوترته:
أوجدته ذَلِك. والثأر: الْعَدو لِأَنَّهُ مَوضِع الثأر.
وَقَوله: وتؤلتوا أَعمالكُم أَي: تنقصوها يُرِيد: انه كَانَت لَهُم
مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعمال فِي الْجِهَاد فَإِذا
هم تركوها وَاخْتلفُوا فِيهَا نقصوها. وَفِيه لُغَتَانِ: لانه يليته
ليتا اذا نَقصه. وبهذه اللُّغَة قَول الله جلّ وَعز: {لَا يلتكم من
أَعمالكُم شَيْئا} . وَكَانَ من دُعَاء أم هَاشم السلولية: الْحَمد لله
الَّذِي لَا يلات وَلَا يفات وَلَا تشتبه عَلَيْهِ الْأَصْوَات. واللغة
الاخرى: ألت يألت وبهذه اللُّغَة قَول الله جلّ وَعز: {وَمَا ألتناهم
من عَمَلهم من}
(2/177)
شىء والحرف فِي الحَدِيث: تؤلتوا كَأَنَّهُ
من أولت يولت أَو آلت يؤلت ان كَانَ مهموزا وَلم أسمع بِهَذِهِ
اللُّغَة الا فِي هَذَا الحَدِيث.
وَقَوله: بنهيه يرعون أَي: يكفون. يُقَال: ورعت فلَانا عَن كَذَا فتورع
وورع اذا أَنْت كففته فَكف. وَمِنْه الْوَرع فِي الدّين.
وَقَوله: قلدوا أَمركُم رحب الذِّرَاع فِيمَا نزل. أَي: وَاسع الذرع
عِنْد الشدائد يجود وَيُعْطِي ويبسط يَده بالعطاء وَيفتح بِهِ بَاعه.
مَأْمُون الْغَيْب على مَا استكن يُرِيد: قلدوا رجلا تمنون غيبَة فِي
مَا خَفِي عَلَيْكُم فَلَا يخونكم وَلَا يبغيكم الغوائل ويقترع مِنْكُم
أَي: يخْتَار يُقَال: فلَان قريع قومه أَي: الْمُخْتَار مِنْهُم
للرياسة وَقد اقترعت من الابل فحلا أَي: اخترته.
وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله
عَنهُ انه لما بدا لَهُ أَن يُهَاجر أودع مطعم بن عدي جبجبة فِيهَا نوى
من ذهب.
الجبجبة: زنبيل لطيف من جُلُود وَجمعه جباجب.
(2/178)
قَالَ الاصمعي: وَيُقَال أَيْضا لموْضِع
منى جباجب وَلَا أحسببه سمي بذلك الا لِأَن الكروش تلقى فِيهِ أَيَّام
الْحَج. والكروش يُقَال لَهَا الجباجب وَاحِدهَا: جبجبة بِفَتْح
الجيمين فَسُمي الْمَكَان بهَا لكثرتها فِيهِ. والنوى: قطع من ذهب
يُقَال وزن الْقطعَة خَمْسَة دَرَاهِم وَيُقَال: قيمتهَا خَمْسَة
دَرَاهِم.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن رَضِي الله عَنهُ ان
الْحَارِث بن الصمَّة قَالَ: رَأَيْته يَوْم أحد عِنْد حر الْجَبَل
فعطفت اليه.
حر الْجَبَل: أَسْفَله وَأَصله وَجمعه: حرار. قَالَ خفاف ابْن ندبة من
المتقارب ... يعز العوادي سهل الطَّرِيق ... اذا طابقت وعشين الحرارا
...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن رَضِي الله عَنهُ ان
بِلَالًا رأى مَعَه يَوْم بدر أُميَّة بن خلف وَابْنه فَصَرَخَ
بِأَعْلَى صَوته: يَا أنصار الله أُميَّة راس الْكفْر قَالَ: فأحاطوا
بِنَا حَتَّى
(2/179)
جعلونا فِي مثل المسكة وَأَنا أذب عَنهُ
فأخلف رجل بِالسَّيْفِ فَضرب رجل ابْنه فَوَقع وَصَاح أُميَّة فَقلت:
انج بِنَفْسِك وَلَا نجاء بِهِ فهبتوا حَتَّى فرغوا مِنْهُمَا.
من حَدِيث مُحَمَّد بن اسحق فِي: الْمَغَازِي.
قَوْله: جعلونا فِي مثل المسكة يَعْنِي فِي مثل السوار يُرِيد: أَنهم
استداروا حولنا وصرنا وسطا فَكَأَنَّمَا فِي مثل سوار مِنْهُم.
قَالَ أَبُو وجزة وَذكر أتنا وَردت المَاء: من الْبَسِيط ... حَتَّى
سلكن الشوى مِنْهُنَّ فِي مسك ... من نسل جوابة الْآفَاق مهداج ...
يُرِيد: أَنَّهُنَّ أدخلن قوائمهن فِي المَاء فَصَارَ لَهَا
بِمَنْزِلَة الْمسك وَهُوَ السوار من الذبل وَجعل المَاء من نسل ريح
تجوب الْآفَاق لِأَنَّهَا استدرته. ومهداج: من الهدجة وَهُوَ حنين
النَّاقة على وَلَدهَا.
وَقَوله: فأخلف رجل بِالسَّيْفِ. قَالَ الْأَصْمَعِي: الاخلاف: أَن
يضْرب الرجل بِيَدِهِ الى السَّيْف فَيُقَال: أخلف الرجل الى مُؤخر
رَاحِلَته أَو فرسه ليَأْخُذ من هُنَاكَ شَيْئا أَو من حقيبته.
(2/180)
وَقَوله: هبتوهما: أَي ضربوهما
بِأَسْيَافِهِمْ حَيْثُ أدركوا وَكَذَلِكَ الهبج وَيُقَال لما علق من
وَرَاء الرَّاكِب خلفة. أنشدنا الرياشي عَن أَبى زيد: من المتقارب ...
كَمَا علقت خلفة الْمحمل ...
نجز حَدِيث عبد الرحمن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ.
(2/181)
2 - حَدِيث الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ ان عمر
رَضِي الله عَنهُ خرج يَسْتَسْقِي بِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ انا نتقرب
اليك بعم نبيك وقفية آبَائِهِ وَكبر رِجَاله فانك تَقول وقولك الْحق:
{وَأما الْجِدَار فَكَانَ لغلامين يتيمين فِي الْمَدِينَة وَكَانَ
تَحْتَهُ كنز لَهما وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا} فحفظتهما لصلاح
أَبِيهِمَا فاحفظ اللَّهُمَّ نبيك فِي عَمه فقد دلونا بِهِ إِلَيْك
مستشفعين ومستغفرين ثمَّ اقبل على النَّاس فَقَالَ: {اسْتَغْفرُوا
ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا ويمددكم}
الى قَوْله: {أَنهَارًا} .
قَالَ: وَرَأَيْت الْعَبَّاس وَقد طَال عمر وَعَيناهُ تَنْضَحَانِ
وسبائبه تجول على صَدره وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ أَنْت الرَّاعِي لَا
تمهل الضَّالة وَلَا تدع الكسير بدار مضيعة فقد ضرع الصَّغِير ورق
الْكَبِير وَارْتَفَعت الشكوى وَأَنت تعلم السِّرّ وأخفى اللَّهُمَّ
فأغشهم بغيائك من قبل أَن يقنطوا فيهلكوا فانه لَا ييأس من روحك الا
الْقَوْم الْكَافِرُونَ. فَنَشَأَتْ طريرة من سَحَاب وَقَالَ النَّاس:
ترَوْنَ
(2/182)
ترَوْنَ ثمَّ تلاءمت واستتمت ومشت فِيهَا
ريح ثمَّ هدرت وَدرت فوَاللَّه مَا برحوا حَتَّى اعتلقوا الْحذاء
وقلصوا المآزر وطفق النَّاس بِالْعَبَّاسِ يمسحون أَرْكَانه
وَيَقُولُونَ: هَنِيئًا لَك ساقي الْحَرَمَيْنِ.
يرْوى حَدِيث استسقاء عمر بِالْعَبَّاسِ رَضِي الله عَنْهُمَا من
وُجُوه بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وَهَذَا أتمهَا. وَهُوَ رِوَايَة أَبى
يَعْقُوب الْخطابِيّ عَن ابيه عَن جده.
قَوْله: قفبية آبَائِهِ يُرِيد: تلوهم وتابعهم وَهُوَ من قَوْلك:
قَفَوْت الرجل اذا تَبعته وَكنت فِي أَثَره يُقَال: هَذَا قفي
الْأَشْيَاخ وقفيتهم اذا كَانَ الْخلف مِنْهُ وَكبر رِجَاله أَي:
أقعدهم فِي النّسَب. وَقد تقدم تَفْسِير ذَلِك.
وَقَوله: فقد دلونا بِهِ اليك أَي: متتنا واستشفعنا. وَأَصله من
الدَّلْو لِأَن الدَّلْو بِهِ يستقى المَاء وَبِه يُوصل اليه
فَكَأَنَّهُ قَالَ: قد جَعَلْنَاهُ الدَّلْو إِلَى مَا عنْدك من
الرَّحْمَة والغيث.
وَقَوله: وسبائبه تجول على صَدره وَهِي جمع سبيبة مثل:
(2/183)
كتبية وكتائب والسبائب خصل الشّعْر وَقد
تجمع أَيْضا: سبيب قَالَ الشَّاعِر أَبُو النَّجْم الْعجلِيّ: من الرجز
... ينفضن أفنان السبيب والعذر ...
وَأَرَادَ: وذوائبه تجول على صَدره وَهَذَا يدل على أَن الْعَبَّاس
كَانَ ذَا جمة فينانة.
وَقَوله: لَا تهمل الضَّالة هَذَا مثل ضرّ بِهِ كَالرَّاعِي الْحسن
الرّعية اذا ضلت ضَالَّة من غنمه لم يَدعهَا تذْهب وَلكنه يطْلبهَا
حَتَّى يردهَا واذا اصاب شَاة مِنْهَا كسر لم يخلفها للسبع وَلكنه يعرج
عَلَيْهَا ويرفق بهَا حَتَّى تصلح.
والطرة من السَّحَاب: قِطْعَة تبدو فِي الْأُفق مستطيلة وطرة الرَّأْس
من ذَلِك.
وَأما قَوْلهم: هَنِيئًا لَك ساقي الْحَرَمَيْنِ فانهم أَرَادوا سقيا
الله بِهِ حرم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْيَوْم وانه
مَعَ هَذَا ساقي الحجيج بِمَكَّة وصاحبة السِّقَايَة. نجز حَدِيث
الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ. بِحَمْد الله.
(2/184)
- حَدِيث أبي ذَر جُنْدُب بن جُنَادَة
الْغِفَارِيّ
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ حَدِيث
إِسْلَامه انه قَالَ قَالَ لي أخي انيس ان لي حَاجَة بِمَكَّة
فَانْطَلق فَرَاثَ فَقلت: مَا حَبسك فَقَالَ: لقِيت رجلا على دينك
يزْعم أَن الله جلّ وَعز أرْسلهُ. قلت فَمَا يَقُول النَّاس. قَالَ:
يَقُولُونَ سَاحر شَاعِر كَاهِن. قَالَ أَبُو ذَر وَكَانَ أنيس أحد
الشُّعَرَاء فَقَالَ وَالله لقد وضعت قَوْله على أَقراء الشّعْر فَلَا
يلتئم على لِسَان أحد. وَلَقَد سَمِعت قَول الكهنة فَمَا هُوَ
بقَوْلهمْ وَالله انه لصَادِق وانهم لَكَاذِبُونَ. قَالَ أَبُو ذَر:
فَقلت أكفني حَتَّى أنظر. قَالَ: نعم. وَكن من أهل مَكَّة على حذر
فانهم قد شنفوا لَهُ وتجهموا فَانْطَلَقت فَتَضَعَّفْت رجلا من أهل
مَكَّة فَقلت: ايْنَ هَذَا الرجل الَّذِي تَدعُونَهُ الصابىء قَالَ:
فَمَال عَليّ أهل الْوَادي بِكُل مدره وَعظم وَحجر فَخَرَرْت مغشيا
عَليّ فارتفعت حِين ارْتَفَعت كَأَنِّي نصب أَحْمَر فَأتيت زَمْزَم
فغسلت عني الدَّم وشربت من مَائِهَا ثمَّ دخلت بَين الْكَعْبَة
وَأَسْتَارهَا فَلَبثت بهَا ثَلَاثِينَ من بَين يَوْم وَلَيْلَة
وَمَالِي بهَا طَعَام
(2/185)
الا مَاء زَمْزَم فَسَمنت حَتَّى
تَكَسَّرَتْ عُكَن بَطْني وَمَا وجدت على كبدى سخْفَة جوع. قَالَ:
فَبينا أهل مَكَّة فِي لَيْلَة قَمْرَاء اضحيان قد ضرب الله على
أصمختهم فَمَا يطوف بِالْبَيْتِ غير امْرَأتَيْنِ فاتتا عَليّ وهما
تدعوان اسافا ونائلا فَقلت: أنكحوا احداهما الاخرى. قَالَ: فَمَا
تناهما ذَلِك قَالَ: فَقلت وَذكر كلَاما فَاحِشا لم يكن عَنهُ فانطلقتا
وهما تُوَلْوِلَانِ وَتَقُولَانِ: لَو كَانَ هَاهُنَا أحد من
أَنْفَارنَا فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأَبُو بكر بِاللَّيْلِ وهما هَابِطَانِ من الْجَبَل فَقَالَ لَهما
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا لَكمَا قَالَتَا الصابىء
بَين الْكَعْبَة وَأَسْتَارهَا. قَالَ: فَمَا قَالَ لَكمَا قَالَتَا:
كلمة تملأ الْفَم. ثمَّ ذكر خُرُوجه الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وتسليمه عَلَيْهِ وَأَنه أول من حَيَّاهُ بِتَحِيَّة الاسلام
وَقَالَ ذهبت لأقبل بَين عَيْنَيْهِ فقدعني عَنهُ صَاحبه.
حَدَّثَنِيهِ أَبى حَدَّثَنِيهِ عَليّ بن مُحَمَّد عَن ابى ظفر
الْبَصْرِيّ عبد السَّلَام ابْن مطهر عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن
حميد بن هِلَال الْعَدوي عَن عبد الله بن الصَّامِت عَن أَبى ذَر.
قَوْله: انْطلق فَرَاثَ يَعْنِي: أَبْطَأَ يُقَال: راث علينا خبركم
ريثا. وَمن الْأَمْثَال: رب عجلة تهب ريثا.
(2/186)
يُرَاد أَن المستعجل غير المتأني وَلَا
المتثبت رُبمَا أَلْقَاهُ استعجاله فِي بطء.
وَقَوله: وضعت قَوْله على أَقراء الشّعْر يُرِيد: أَنْوَاعه وطرقه
وَاحِدهَا: قري يُقَال: هَذَا الشّعْر على قري هَذَا.
وَقَوله: شنفوا لَهُ أَي: أبغضوه والشنف: الشانى الْمُبْغض يُقَال:
شنفت لفُلَان شنفا.
وَقَوله: فَتَضَعَّفْت رجلا أَي: استضعفته. وَقد تدخل استفعلت على بعض
حُرُوف تفعلت وَنَحْو: تعظم واستعظم وتكبر واستكبر وتيقن واستيقن
وَتثبت فِي الْأَمر واستثبت.
وَقَوله: كَأَنِّي نصب أَحْمَر. وَالنّصب: صنم أَو حجر كَانَت
الْجَاهِلِيَّة تنصبه وتذبح عِنْده فيحمر للدم. يُرِيد: أَنهم أدموه.
قَالَ: وحَدثني أَبُو حَاتِم عَن أَبى عُبَيْدَة انه قَالَ فِي قَول
الله عزوجل: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب يوفضون} بِفَتْح النُّون الى علم
وَمن قَالَ: الى نصب فَهُوَ جمَاعَة مثل: رهن وَرهن.
(2/187)
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَول الله جلّ
وَعز: {وَمَا ذبح على النصب} وَاحِد الأنصاب. قَالَ: وَهِي قِرَاءَة
أَبى عَمْرو. مَفْتُوحَة الأولى سَاكِنة الثَّانِي. وَقَالَ لي أَبُو
حَاتِم: غلط أَبُو عُبَيْدَة وَلكنه يُقَال للشىء تنصبه: نصب وَنصب
وَنصب. وَلَيْسَ نصب جمعا لنصب. كَمَا قَالَ ابو عُبَيْدَة وانما جعله
جمعا لنصب فِيمَا نرى لِأَنَّهُ لَيْسَ يُوجد فِي الْكَلَام مَا جَاءَ
على فعل وَفعل الا قَلِيلا وَلَا أحفظ من ذَلِك الا هَذَا الْحَرْف.
وَقَوْلهمْ: الْعَصْر وَالْعصر والعمر والعمر. يُقَال: أَطَالَ الله
عمر فلَان وعمره ونرى قَوْلهم: لعمرك مِنْهُ ولعمر الله. كَأَنَّهُ قسم
بِبَقَاء الله جلّ وَعز. وَيجوز فِي هَذِه الْحُرُوف اسقاط الضمة
الثَّانِيَة فَيَقُول: عمر وعصر وَنصب. كَمَا يُقَال: السُّحت والسحت
وَا لرعب والرعب.
وَكَانَ زيد بن ثَابت يقْرَأ: / كَأَنَّهُمْ الى نصب يوفصون / قَالَ
الطرماح وَذكر ثورا يطوف حول شَجَرَة: من المنسرح
(2/188)
طوف متلي نذر على نصب ... نصب دوار محمرة
جدده ...
وَقَالَ الْأَعْشَى: من الطَّوِيل ... واذا النصب الْمَنْصُوب لَا
تنسكنه ... لعاقبة وَالله رَبك فاعبدا ...
وَقَوله: وَمَا وجدت على كَبِدِي سخْفَة جوع. قَالَ الْأَصْمَعِي:
السخفة: الخفة وَلَا أَحسب قَوْلهم: هُوَ سخيف الا من هَذَا.
وَقَوله: فِي لَيْلَة قَمْرَاء أَي: بَيْضَاء. وَمِنْه يُقَال: حمَار
أقمر. وَلَا أَحسب الْقَمَر الا من هَذَا. وَقَالَ بَعضهم: قعدنا فِي
القمراء يُرِيد الْقَمَر أَو اللَّيْلَة المقمرة. قَالَ الراجز: من
الرجز ... يَا حبذا القمراء وَاللَّيْل الساج ... وطرق مثل ملاء النساج
...
والأضحيان: المضيئة. يُقَال: لَيْلَة اضحيان واصحيانة.
(2/189)
وضحيانة وَيَوْم ضحيان. قَالَ الراجز: من
الرجز ... والظلمات والسراج الضحيان ...
يُرِيد: المضيىء. وَيُقَال: لَيْلَة ضحياء أَيْضا ووسم أضحى والأضحى
يذكر وَيُؤَنث. فَمن أنثه جعله جمع أضحاه وَهِي الذَّبِيحَة. وَمن ذكره
ذهب الى الْيَوْم.
وَقَوله: قد ضرب الله على اسمختهم هَكَذَا رُوِيَ بِالسِّين وانما هُوَ
بالصَّاد. جمع: صماخ الْأذن وَهُوَ الْخرق الَّذِي يُفْضِي الى
الرَّأْس وَهُوَ المسمع. وانما أَرَادَ أَنهم نَامُوا وَمثله قَول الله
جلّ وَعز: {فضربنا على آذانهم فِي الْكَهْف سِنِين عددا} . وَفِي
الْأذن أَمْثَال هَذَا أَحدهَا.
وَقَوْلهمْ: لبست عَلَيْهِ أُذُنِي أَي: سكت عَنهُ وَلم أَتكَلّم.
وَقَوْلهمْ: جعلته دبر أُذُنِي أَي: نَبَذته وَلم ألتفت اليه. وقولهما:
كلمة تملأ الْفَم يُقَال ذَلِك لكل كلمة عَظِيمَة. وَحَتَّى
الْأَصْمَعِي
(2/190)
عَن بَعضهم انه قَالَ: وَالله الَّذِي لَا
اله الا هُوَ فانها تملأ الْفَم وتقطع الدَّم. يُرِيد: تحقن الدَّم.
لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أمرت أَن أقَاتل النَّاس
حَتَّى يَقُولُوا لَا اله الا الله. فاذا قالوها عصموا دِمَاءَهُمْ
وَأَمْوَالهمْ الا بِحَقِّهَا وحسابهم على الله.
وَيُقَال: أكْرمُوا الا بل فانها رقؤ الدَّم. يُرَاد: أَنَّهَا تدفع
فِي الدِّيات فَيبْطل الْقود. قَالَ الْكُمَيْت: من المتقارب ... فَكنت
هُنَاكَ رقؤ الدِّمَاء ... للمتبعات الأنين الزفيرا ...
وَقَوله: فقد عَنى عَنهُ. أَي: كفني. يُقَال: قدعت الرجل وأقدعته اذا
كففته.
وقولهما: من أَنْفَارنَا يُريدَان: من قَومنَا وَكَأَنَّهُ جمع نفر.
يُقَال: هَؤُلَاءِ نفر فلَان أَي: رهطه. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس يذكر
راميا مصيبا: من المديد ... مَا لَهُ لَا عد من نفره ...
(2/191)
يَقُول: اذا عد يَوْمه لم يعد مَعَهم.
يُرِيد: أماتة الله وَلم يرد وُقُوع الْأَمر وَلكنه كَمَا يُقَال:
قَاتله الله وأخزاه اذا استجيد عمله أَو قَوْله. وَأنْشد الْأَصْمَعِي
للشماخ فِي وصف حمير: من الطَّوِيل ... مسببة قب الْبُطُون كَأَنَّهَا
... رماح نحاها وَجهه الرّيح راكز ...
وَقَالَ: مسببة يُقَال: قاتلها الله وَنَحْوه. واما اساف ونائل
وَيُقَال: نائلة فهما صنمان. وروى انهما كَانَا انسانين من بني عبد
الدَّار طافا بِالْكَعْبَةِ فصادفا مِنْهَا خلْوَة فَأَرَادَ أَحدهمَا
صَاحبه فنكسهما الله نُحَاسا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابى ذَر رَضِي الله عَنهُ أَن
الْأسود قَالَ خرجنَا عمارا فَلَمَّا انصرفنا مَرَرْنَا بِأبي ذَر
فَقَالَ:: أحلقتم الشعت وقضيتم التفث أما ان الْعمرَة من مدركم.
يرويهِ أَبُو النَّصْر عَن المَسْعُودِيّ عَن عبد الرَّحْمَن عَن
أَبِيه.
(2/192)
وحدثنى أَبى حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن أَبى
عُبَيْدَة انه قَالَ: قَضَاء التفث الْأَخْذ من الشَّارِب والأظفار
ونتف الابطين. والاستحداد وَهُوَ حلق الْعَانَة.
وَقَوله: أما ان الْعمرَة من مدركم يُرِيد: ان الْعمرَة من بلدكم
الَّذِي تسكنونه ومدرة الرجل بَلَده وأنشدني الباهليون عَن
الْأَصْمَعِي لبَعض الرجاز يصف حمارا: من الرجز ... شدّ على أَمر
الْوُرُود مِئْزَره ... لَيْلًا وَمَا ندى أذين المدره ...
يُرِيد: مُؤذن بِالْمَدِينَةِ يَقُول: من أَرَادَ الْعمرَة ابْتَدَأَ
لَهَا سفرا غير سفر الْحَج وَهَذَا مَذْهَب قد ذهب اليه قوم يَقُولُونَ
شهور الْحَج لَا يعْتَمر فِيهَا ويحتجون بقول الله تَعَالَى: {الْحَج
أشهر مَعْلُومَات} وَلم يذكر الْعمرَة. قَالُوا: فَمن أَرَادَ الْعمرَة
أنشأ لَهَا سفرا من منزله فِي غير أشهر الْحَج. وَقد يجوز أَن يكون
أَبُو ذَر أَرَادَ أَن فَضِيلَة الْعمرَة فِي افرادها بِالنِّيَّةِ
وَالسّفر وَلم يقل ذَلِك على الْوُجُوب.
(2/193)
روى اسرائيل عَن أَبى اسحق عَن الْبَراء
عَن عَازِب ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتَمر فِي ذِي
الْقعدَة.
وروى سُفْيَان عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه ان أهل الْجَاهِلِيَّة
كَانُوا يرَوْنَ الْعمرَة فِي أشهر الْحَج من أفجر الْفُجُور ويسمون
الْمحرم صفرا فَكَانُوا يَقُولُونَ اذا انْسَلَخَ صفر.
وَفِي حَدِيث آخر: اذا دخل صفر وَعَفا الْوَبر وبرأ الدبر فقد حلت
الْعمرَة لمن اعْتَمر فَقَالَ ابْن عَبَّاس قَالَ عمر: مَا اعْتَمر
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من التَّنْعِيم الا ليقطع أَمر
الشّرك.
وَقَوْلهمْ: عَفا الْوَبر أَي طر وَكثر. وَمِنْه قَول حميد بن تور يذكر
دَارا: من الطَّوِيل ... عفت مثل مَا يعْفُو الطليح فَأَصْبَحت ...
بهَا كبرياء الصعب وَهِي ركُوب ...
يَقُول: غطاها النَّبَات والعشب كَمَا طر وبر الْبَعِير وبرأ دبره
(2/194)
ثمَّ رَجَعَ الى وصف النَّاقة وَترك
الدَّار فَقَالَ: بهَا استكبار الصعب مِمَّا حمت وَهِي ذَلُول.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى ذَر رَضِي الله عَنهُ انه
قَالَ: بشر الكنازين برضفة فِي الناغض.
الرضفة: حجر يحمى بالنَّار وَحَجمه رضف. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: كَانَ
النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذا جلس فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَأَنَّهُ
على الرضف حَتَّى يقوم.
والناغض من الكيف هُوَ فرع الْكَتف. وانما قيل لَهُ ناغض لِأَنَّهُ
يَتَحَرَّك اذا عدا الرجل أَو حرك يَده. والنغض: الْحَرَكَة. يُقَال:
نغض ينغض وينغض وانغض رَأسه اذا حركه وَقَالَ الله جلّ وَعز: {فسينغضون
إِلَيْك رؤوسهم}
وَمِنْه قيل للظليم نغض لِأَنَّهُ يُحَرك رَأسه اذا عدا وَمِنْه قَول
سلمَان فِي حَدِيث اسلامه: درت من خَلفه فاذا الْخَاتم فِي
(2/195)
ناغض كتفه الْأَيْسَر. يَعْنِي خَاتم
النُّبُوَّة. وَفِيه لُغَة أُخْرَى يُقَال: طعنه على نغض كتفه. وَقَالَ
عبد الله بن سرجس: نظرت الى الْخَاتم على نغض كتفه. يُرِيد: مثل جمع
الْكَفّ. يُقَال: ضربه بِجمع كَفه اذا جمعهَا وَضم اصابعه وَفِيه لُغَة
أُخْرَى: جمع الْكَفّ بِكَسْر الْجِيم جعل أَبُو ذَر مَا يكنز من
الذَّهَب وَالْفِضَّة رضفا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابى ذَر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ
للْقَوْم الَّذين حَضَرُوا وَفَاته: أنْشدكُمْ الله والاسلام ان يكفنني
رجل مِنْكُم كَانَ أَمِيرا أَو عريفا أَو بريدا أَو نَقِيبًا.
يرويهِ: يحيى بن سليم عَن ابْن خثيم عَن مُجَاهِد عَن إِبْرَاهِيم بن
الاشتر عَن أَبِيه.
الْبَرِيد: هُوَ الرَّسُول وَمِنْه الحَدِيث: اذا
(2/196)
أبردتم الي بريدا فَاجْعَلُوهُ حسن
الْوَجْه حسن الِاسْم.
والنقيب قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ الْأمين وَالْكَفِيل على الْقَوْم
من قَول الله جلّ وَعز: {وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا} فَأَما
النكابة فَيُقَال هِيَ العرافة وَالِاسْم الْمنْكب وَقَالَ بَعضهم:
الْمنْكب عون العريف. قَالَ أَبُو زيد يُقَال: نقب فلَان على قومه ينقب
نقابة ونكب ينكب نكابة وَعرف يعرف عرافة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال
نكب فلَان على قومه ينكب اذا كامنكبا لَهُم يعتمدون عَلَيْهِ.
وَيُقَال أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى ذَر رَضِي الله عَنهُ انه
قَالَ لنا مَوْلَاهُ تَصَدَّقت علينا بخدمتها وَلنَا عباءتان نكافىء
بمها عَنَّا عين الشَّمْس واني لأخشى فصل الْحساب.
حَدثنِي ابى ثناه الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن حَمَّاد بن سَلمَة.
قَوْله: نكافىء بهما أَي: ندافع بهما. وأصل الْمُكَافَأَة المقاومة
والموازنة. وَمِنْه يُقَال: فلَان كفىء فلَان وكفؤه وَمِنْه قَول الله
جلّ وَعز: {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} والكفاءة
(2/197)
الْمصدر. يُقَال: كفؤ كفاءة. وَمِنْه قَول
الْأَحْنَف: لَا أُجِيب من لَا كفاءة لَهُ. وَيُقَال: مَالِي بِهِ قبل
وَلَا كفاء أَي: مَالِي طَاقَة بِهِ. وَهُوَ مصدر كافأته. وَمِنْه
الحَدِيث: ان أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا:
انك مِمَّا اذا صليت همست فَقَالَ ذكرت نَبيا أعطي جُنُودا من قومه
فَنظر اليهم فَقَالَ: من يكافىء هَؤُلَاءِ.
وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى ذَر رَضِي الله عَنهُ ان ابا
اسماء الرَّحبِي دخل عَلَيْهِ بالربذة وَعِنْده امْرَأَة سَوْدَاء
مشنعة وَلَيْسَ عَلَيْهَا أثر المجاسد.
يرويهِ عَفَّان عَن همام عَن قَتَادَة عَن ابي قلَابَة عَن أَبى اسماء.
المجاسد: جمع مجسد وَهُوَ الْمَصْبُوغ المشبع بالزغفران والجساد
الزَّعْفَرَان فَأَما المجسد بِكَسْر الْمِيم فانه الَّذِي يَلِي
الْجَسَد من الثِّيَاب. وَقَالَ الْفراء: المجسد والمجسد وَاحِد.
وَهُوَ
(2/198)
من: أجسد أَي: ألصق بالجسد فَكسر أَوله
بَعضهم. وَكَذَلِكَ قَالُوا: مصحف وَهُوَ مَأْخُوذ من: أصحف أَي: جمعت
فِيهِ الصُّحُف فَكسر أَوله. وَأَصله الضَّم ومطرف وَهُوَ من أطرف أَي:
جعل فِي طَرفَيْهِ العلمان. وَيُقَال: مطرف ومصحف على الْقيَاس.
والْحَدِيث يدل على أَن المجسد على مَا فسرنا أَولا لَيْسَ على مَا
قَالَ الْفراء.
والمشنعة: القبيحة يُقَال: منظر أشنع وشنيع وشنع ومشنع.
آخر حَدِيث أَبى ذَر رَحْمَة الله عَلَيْهِ.
(2/199)
- حَدِيث اسامة بن زيد
وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث اسامة رَضِي الله عَنهُ انه ذكر
سَرِيَّة خرج فِيهَا قَالَ: فصبحنا حَيا من جُهَيْنَة فَلَمَّا رأونا
جبوءا من أخيبتهم وَانْفَرَدَ لي وَلِصَاحِب السّريَّة رجل فاشرع
عَلَيْهِ الْأنْصَارِيّ رمحه فَالْتَفت وَقَالَ: لَا اله الا الله
فَرفع عَنهُ الْأنْصَارِيّ وأدركته فَقتلته. ثمَّ ذكر قَول النبى صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ: أقتلت رجلا يَقُول لَا اله الا الله فَقَالَ
أُسَامَة: فَلَا أقَاتل رجلا يَقُول لَا اله الا الله حَتَّى
أَلْقَاهُ. قَالَ سعد: وَأَنا لَا أقاتلهم حَتَّى يقاتلهم ذُو البطين
وَكَانَ لأسامة بطن مندح.
يرويهِ هرون بن الْمُغيرَة عَن عَمْرو بن أَبى قيس عَن مَنْصُور عَن
سعد ابْن عبيد عَن أَبى ظبْيَان.
قَوْله: جبوءا من أخيبتهم أَي: خَرجُوا مِنْهَا. يُقَال: جبأ عَلَيْهِ
الْأسود من حجره أَي: خرج. وَمِنْه قيل للجراد جابىء
(2/200)
لطلوعه. قَالَ الْهُذلِيّ: من الْبَسِيط
... صابوا بِسِتَّة أَبْيَات وَأَرْبَعَة ... حَتَّى كَأَن عَلَيْهِم
جابئا لبدا ...
والبطن المندح: المستفيض. وكل شىء اتَّسع فقد اندح. وَأَخْبرنِي
الرياشي عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ: يُقَال بنى فلَان بَيْتا فدحاه.
أَي وَسعه. وحَدثني الرياشي ايضا أَنه سَأَلَ أَعْرَابِيًا عَن قَول
الرَّاعِي: من الوافر ... تلقى نوؤهن سرار شهر ... وَخير النوء مَا
لَقِي السرارا ...
فَقَالَ مُطِرْنَا الْعَام الأول لَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا من الشَّهْر
فاندحت الارض كلأ. وَقَول الْأَصْمَعِي: دحاه اصله: دحجة فأبدل كَمَا
قَالَ: دَعَاهُ قلباه. وَأَصله لببه وكقول الله تَعَالَى: {وَقد خَابَ
من دساها} . آخر حَدِيث أُسَامَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ.
(2/201)
- حَدِيث حباب بن الأرث
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث خباب رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
هاجرنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبِيل الله نبغي
وَجه الله فَوَجَبَ أجرنا على الله فمنا من مضى لم يَأْكُل من أجره
شَيْئا وَمنا من أينعت لَهُ ثَمَرَة فَهُوَ يهدبها.
يرويهِ أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن خباب.
أينعت: أدْركْت. يُقَال: اينعت الثَّمَرَة وينعت. قَالَ الشَّاعِر: من
المديد ... فِي قباب عِنْد دسكرة ... حولهَا الزَّيْتُون قد ينعا ...
(2/202)
وَهُوَ الينع والينع. وَمِنْه قَول الله
جلّ وَعز: {انْظُرُوا إِلَى ثمره إِذا أثمر وينعه} .
وَقَوله: يهدبها أَي: يجنيها من ثَمَرهَا يقا ل: هدبها يهدبها هدبا اذا
اجتناها. وهدب النَّاقة هدبا اذا احتلبها. فَأَما الهدب بِفَتْح
الدَّال فانه من ورق الشّجر مَا لم يكن لَهُ عرض نَحْو: السرو
والطرفاء.
آخر حَدِيث خباب رَضِي الله عَنهُ
(2/203)
|