غريب الحديث لابن قتيبة - حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ انه ذكر
يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ: تَدْنُو الشَّمْس من رُؤُوس النَّاس
وَلَيْسَ على أحد مِنْهُم يَوْمئِذٍ طحربة.
يرويهِ عبد الرازق عَن معمر عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أَبى عمر
النَّهْدِيّ. الطحربة: اللبَاس. يُقَال: مَا على فلَان طحربة وَلَا
فراض أَي: لَيْسَ على شَيْء من اللبَاس. وَفِيه لُغَتَانِ أخريان:
طحربة وطحربة وَهَذَانِ الحرفان انما يأتيان فِي النَّفْي يُقَال لَا
على فلَان طحربة وَلَا عَلَيْهِ فراض. وَمثله فِي النَّفْي: مَا على
الْمَرْأَة خربصيصة وَلَا هلبسيسة. يُرَاد مَا عَلَيْهِ شَيْء من
الْحلِيّ.
وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي: أَتَانَا وَمَا عَلَيْهِ هلبسيسة
أَي: خرقَة.
(2/262)
وَقَالَ ابو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان
رَضِي الله عَنهُ انه قيل لَهُ: مَا يحل لنا من ذمتنا قَالَ: من عماك
الى هداك وَمن فقرك الى غناك.
يرويهِ ابو مُعَاوِيَة عَن وقاء بن اياس عَن أَبى ظبْيَان عَن سلمَان.
قَوْله: من عماك الى هداك يُرِيد: اذا ضللت طَرِيقا أخذت الرجل مِنْهُم
بالمجىء مَعَك حَتَّى يقفك على الطَّرِيق.
وَقَوله: من فقرك الى غناك يُرِيد: اذا مَرَرْت بحائطه أَو مَاله
وَأَنت مُحْتَاج الى مَا يقيمك لَا غنى بك عَنهُ. أخذت قدر كفايتك.
وَيُقَال: انما خص سلمَان فِي هَذَا لِأَن اهل الذِّمَّة صولحوا على
ذَلِك وَشرط عَلَيْهِم فَأَما من لم يشرط عَلَيْهِ فَلَيْسَ يجب
عَلَيْهِ فِي مَاله وَنَفسه شَيْء غير الْجِزْيَة ثمَّ يحرم مَا سواهَا
الا بِالثّمن أَو الْأُجْرَة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
يُوشك أَن يكثر اهلها يَعْنِي: الْكُوفَة فيملؤا مَا بَين النهرين
حَتَّى يَغْدُو الرجل على البغلة السهوة وَلَا يدْرك.
(2/263)
يرويهِ سُفْيَان بن عبد الله بن شريك عَن
جُنْدُب.
السهوة: اللينة السّير الَّتِي لَا تتعب راكبها وَلم أسمع من ذَلِك
فعلا. قَالَ زُهَيْر وَذكر نَاقَة: من الطَّوِيل ... كناز البضيع سهوة
الْمَشْي بازل ...
وَقَالَ الاصمعي: يُقَال أفعل ذَلِك سَهوا رهوا أَي: سَاكِنا بِغَيْر
تشدد.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ
أكره أَن أجمع على ماهني مهنتين.
يرويهِ أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن أَبى غفار عَن أبي عُثْمَان
النَّهْدِيّ.
الماهن: الْخَادِم والمهنة: الْخدمَة بِفَتْح الْمِيم. قَالَ ذَلِك
الْأَصْمَعِي. قَالَ: وَيُقَال: مهنة بِالْكَسْرِ وَكَانَ الْقيَاس لَو
قيل مثل: خدمَة وجلسة وركبة. الا أَنه جَاءَ على لفظ المفعلة
(2/264)
الْوَاحِدَة وأجازها بعض البغداديين
بِالْكَسْرِ وَأَحْسبهُ الْكسَائي. وَفِي بعض الحَدِيث ان رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم خطب يَوْم جُمُعَة فَقَالَ: مَا على
أحدكُم لَو اشْترى ثَوْبَيْنِ ليَوْم جمعته سوى ثوب مهنته. يَعْنِي:
ثوبي بذلته. وَمِنْه يُقَال: امتهنني الْقَوْم أَي: ابتذلوني.
وَالْأَصْل الْخدمَة. يُقَال: مهنت أمهنهم وأمهنهم. وَالَّذِي كره
سلمَان أَن جمع على خادمه أمهنهم وأمهنهم. وَالَّذِي كره سمان أَن جمع
على خادمه خدمتين فِي وَقت مثل أَن يطْبخ ويخبز فِي وَقت. هَذَا
وَنَحْوه.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ
فِي سَرِيَّة وَهُوَ أميرها على حمَار وَعَلِيهِ سَرَاوِيل وخدمتاه
تذبذبان.
يرويهِ وَكِيع عَن جَعْفَر بن برْقَان عَن حبيب بن أَبى مَرْزُوق عَن
مَيْمُون بن مهْرَان عَن رجل من عبد الْقَيْس.
أصل الْخدمَة: الْحلقَة وَلذَلِك قيل للخلخال.
(2/265)
خدمَة. وَيُقَال لكل مَا شدّ مَكَان
الخلخال خدمَة أَيْضا. قَالَ زُهَيْر يذكر الْخَيل: من الْبَسِيط ...
ترمى وتعقد فِي أرساغها الخدم ...
يَعْنِي: سيور المعاذات تعقد فِي أرساغها. وَيُقَال للبقر الوحشية
مخدمة لِأَن فِي سوقها خُطُوطًا من سَواد مستديرة كالخدام وَيُقَال
لموْضِع الخلخال من السَّاق المخدم للْمَرْأَة وَالرجل. وَلست أَدْرِي
مَا خدمتا سلمَان فان لم تكن هُنَاكَ حلقتان لجام أَو غَيره فَانِي
أرَاهُ أَن سَاقيه تتحركان فسماهما خدمتين اذ كَانَتَا موضعا للخدمتين
من النِّسَاء كَمَا يُقَال لَهُ: المخدم من الرجل وَهُوَ لَا يلبس
الخلخال. وَالْعرب تسمي باسم الشَّيْء اذا كَانَ مَعَه أَو بِسَبَبِهِ
كَقَوْلِهِم للوشاح: كشح لِأَنَّهُ يَقع على كشح الْمَرْأَة.
قَالَ أَبُو ذُؤَيْب: من المتقارب ... كَأَن الظباء كشوح النِّسَاء ...
يطفون فَوق ذراه جنوحا ...
والكشوح: أوشحة من ودع. وكما قَالُوا: قوم لطاف الأزر أَي: خماص
الْبُطُون وَمِمَّا يشْهد لهَذَا الْمَذْهَب الَّذِي ذَهَبْنَا اليه
فِي الخدمتين انه روى من وَجه آخر: ان سلمَان روئي فِي
(2/266)
هَذِه السّريَّة على حمَار عَلَيْهِ قَمِيص
ضيق الْأَسْفَل وَكَانَ رجلا طَوِيل السَّاقَيْن كثير الشّعْر فارتفع
الْقَمِيص حَتَّى بلغ قَرِيبا من رُكْبَتَيْهِ. فَلَمَّا انكشفت ساقاه
وهما مخدماه سماهما خدمتين وَلَو كَانَتَا مستورتين لَكَانَ الْمَعْنى
أبعد وَلَعَلَّه أَن يكون كَانَ على الْحمار مدليا رجلَيْهِ من جَانب
وهما تتحركان. فقد رُوِيَ عَن حُذَيْفَة انه ركب هَذِه الرّكْبَة وَعَن
غَيره.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ انه اشْترى
هُوَ وَأَبُو الدَّرْدَاء لَحْمًا فتدالحاه بَينهمَا على عود.
يرويهِ حَمَّاد عَن أَبى غَالب عَن أم الدَّرْدَاء.
قَوْله: تدالحاه أَي حملاه بَينهمَا كَأَنَّهُمَا جعلاه على عود ثمَّ
أَخذ كل وَاحِد بِطرف الْعود. وَهُوَ من قَوْلك: دلح بِحمْلِهِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ ان أَبَا
عُثْمَان ذكره فَقَالَ: كَانَ لَا يكَاد يفقه كَلَامه من شدَّة عجمته.
(2/267)
وَكَانَ يُسَمِّي الْخشب خشبانا.
رَوَاهُ يَعْقُوب بن ابراهيم عَن مُعْتَمر عَن ابيه عَن أبي عُثْمَان.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد: أَنا أنكر هَذَا الحَدِيث لِأَنَّهُ وصف شدَّة
عجمة سلمَان وانه لم يكن يفقه كَلَامه وَقد قدمنَا من كَلَامه مَا
يضارع كَلَام فصحاء الْعَرَب فان كَانَ انما اسْتدلَّ على عجمته بقوله
للخشب خشبان فَهَذَا فِي اللُّغَة صَحِيح جيد وَله مخرجان أَحدهمَا أَن
تَجْعَلهُ جمعا للخشب فَيكون جمع الحيمع مثل: حمل وحملان وسلق وسلقان
وَنَحْوه مِمَّا جَاءَ على فعل سَاكن الْعين سمن وسمنان وبطن وبطنان.
والمخرج الآخر أَن تجمع خَشَبَة فَتَقول: خشب سَاكِنة الشين ثمَّ تزيد
الْألف وَالنُّون فَتَقول: خشبان كَمَا تَقول: سود ثمَّ تَقول: سودان
وحمر ثمَّ تَقول: حمْرَان وَلَا أَدْرِي مِمَّن سَمِعت فِي صفة
قَتْلَى: من الْبَسِيط ... كَأَنَّهُمْ بجنوب القاع خشبان ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
(2/268)
كنت رجلا على دين الْمَجُوسِيَّة فاجتهدت
فِيهَا حَتَّى كنت قطن النَّار الَّذِي يوقدها.
من حَدِيث مُحَمَّد بن اسحق عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة عَن
مَحْمُود ابْن أَسد عَن ابْن عَبَّاس.
قطن النَّار: الْمُقِيم عِنْدهَا لَا يفارقها وَهُوَ من قَوْلك: قطن
فلَان بِالْمَكَانِ اذا أوطنه وَأقَام بِهِ يقطن قطنا فَهُوَ قاطن
وقطن. كَمَا يُقَال: هَذَا فارطكم الى المَاء وفرطكم. وَيجوز أَن يكون
قطن جمع قاطن مثل حارس وحرس وغائب وغيب. وَكَذَلِكَ فرط.
آخر حَدِيث سلمَان رَضِي الله عَنهُ.
(2/269)
- حَدِيث ابي الدَّرْدَاء عُوَيْمِر بن
مَالك
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ
انه قَالَ: من يتفقد يفقد وَمن لَا يغد الصَّبْر لفواجع الْأُمُور
يعجز. وَقَالَ: ان قارضت النَّاس قارضوك وان تَركتهم لم يتركوك وان
هربت مِنْهُم أدركوك. قَالَ الرجل كَيفَ أصنع قَالَ: أقْرض من عرضك
ليَوْم فقرك.
يرويهِ أَبُو أُسَامَة عَن مسعر عَن عون.
قَوْله: من يتفقد يفقد: يَقُول: من يتَأَمَّل أَحْوَال النَّاس
وأخلاقهم ويتعرفها يفقد أَي: يعْدم أَن يجد فيهم أحدا يرتضيه. وان
كَانَت الرِّوَايَة: من يتفقد يفقد فانه يُرِيد: من يتفقد أُمُور
النَّاس يفقد أَي: يَنْقَطِع عَنْهُم وَعَن ملابستهم فَلَا يُوجد
مَعَهم.
وَقَوله: وان قارضت النَّاس قارضوك يُرِيد: ان طعنت عَلَيْهِم ونلت
مِنْهُم بلسانك فعلوا مثل ذَلِك بك. وان تَركتهم لم يتركوك. وَقد ذكر
هَذَا الْحَرْف أَبُو عبيد.
وَأما قَوْله للرجل أقْرض من عرضك ليَوْم فقرك فانه أَرَادَ: من شتمك
مِنْهُم فَلَا تشتمه وَمن ذكرك بِسوء فَلَا تذكره ودع ذَلِك.
(2/270)
قرضا لَك عَلَيْهِ الْيَوْم الْجَزَاء
وَالْقصاص. وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وضع الله
الْحَرج الا من اقْترض من عرض أَخِيه شَيْئا فَذَلِك الَّذِي حرج
وَهلك. أَرَادَ: ان الله عز وَجل قد وضع عَنْكُم الضّيق فِي الدّين
وفسح لكم فَلَا حرج الا فِي مَا تنالون من أَعْرَاض الْمُسلمين.
وَقد تقدم ذكر الْعرض فِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبينت
مَا هُوَ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى الدَّرْدَاء انه قَالَ: اذا
رَأَيْت نعرة النَّاس وَلَا تَسْتَطِيع أَن تغيرها فدعها حَتَّى يكون
الله جلّ وَعز يغيرها.
يرويهِ حَرْمَلَة بن يحيى الْمصْرِيّ عَن عبد الله بن وهب عَن ابى
شُرَيْح انه بلغه ذَلِك عَن أبي الدَّرْدَاء.
الأَصْل فِي النعرة ذُبَاب أَزْرَق لَهُ ابرة يلسع بهَا. وَرُبمَا دخل
فِي أنف الْبَعِير فيركب رَأسه فَلَا يردهُ شَيْء.
وَالْعرب تسمي ذَا الْكبر من الرِّجَال اذا صعر خَدّه بذلك الْبَعِير
وتشبه الرجل يركب رَأسه ويمضي على الْجَهْل فَلَا يردهُ شَيْء بذلك.
وَمِنْه قَول عمر رَضِي الله عَنهُ: لَا أقلع عَنهُ حَتَّى أطير
(2/271)
نعرته. يَقُول: أخرج جَهله من رَأسه وَضرب
النعرة لَهُ مثلا.
وَقَالَ صَدَقَة بن يسَار: مَا دلهم على قَاتل عُثْمَان الا حمَار
أَخَذته النعرة فجَاء حَتَّى وقف على بَاب الْغَار فَدَخَلُوا عَلَيْهِ
فوجدوه فَقَتَلُوهُ. وَيُقَال للحمار اذا دخلت النعرة فِي انفه
فَاسْتَدَارَ: حمَار نعر. وَقد نعر ينعر نعرا.
وَقَالَ أمرؤ الْقَيْس وَذكر كَلْبا طعنه ثَوْر: من المتقارب ... فظل
يردنح فِي غيطل ... كَمَا يستدير الْحمار النعر ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ
انه قَالَ: لأَنا أعلم بشراركم من البيطار بِالْخَيْلِ هم الَّذين لَا
يأْتونَ الصَّلَاة الا دبرا وَلَا يسمعُونَ القَوْل الا هجرا وَلَا
يعثق محررهم.
يرويهِ مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن حُصَيْن عَن سَالم بن أَبى الْجَعْد
عَن أَبى الدَّرْدَاء.
دبر الصَّلَاة: آخرهَا ودبر الْبَيْت وكل شَيْء: مؤخرة. يُرِيد: انهم
يتثاقلون عَن الصَّلَاة فاذا كَاد الْأَمَام يفرغ أتوها.
(2/272)
والهجر: الْخَنَا فِي القَوْل وَالْفُحْش.
يُقَال: أَهجر فِي مَنْطِقه اذا جَاءَ بالخنا والقبيح من القَوْل.
يَقُول: لَا يَسْتَمِعُون من القَوْل الا الهجر.
وَقَوله: وَلَا يعْتق محررهم. وَالْمُحَرر: الَّذِي جعل حرا أَي:
اعْتِقْ. قَالَ الله جلّ وَعز حِكَايَة عَن أم مَرْيَم: {إِنِّي نذرت
لَك مَا فِي بَطْني محررا} أَي: عتيقا لَك من الْخدمَة والتعبيد للدنيا
وَجَعَلته لَك يعبدك وَهَذِه حجَّة من زعم ان الْوَلَد كالملك لِأَن
النّذر لَا يكون الا فِيمَا يملك.
وَأَرَادَ أَبُو الدَّرْدَاء: انهم اذا اعتقوا عبدا لم يطلقوه
وَلَكنهُمْ يستخدمونه كَمَا يستخدم العَبْد فَمَتَى أَرَادَ فراقهم
ادعوا رقّه.
يُقَال: اعتقت الْغُلَام فَعتق يعْتق عتقا وعتاقة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ
انه قَالَ: خير نِسَائِكُم الَّتِي تدخل قيسا وَتخرج ميسا وتملأ
بَيتهَا أقطا وحيسا وَشر نِسَائِكُم السلقعة الَّتِي تسمع لأضراسها
قعقعة وَلَا تزَال جارتها مفزعة.
(2/273)
يرويهِ اسماعيل بن عَيَّاش عَن رجل قد
سَمَّاهُ عَن أَبى الدَّرْدَاء.
قَوْله: تدخل قيسا هُوَ من قست الشَّيْء فَأَنا أقيسه قيسا. كَمَا
تَقول: كلته فَأَنا أكيله كَيْلا يُرِيد أَنَّهَا اذا مشت قاست بعض
الخطى بِبَعْض فَلم تعجل فعل الخرقاء وَلم تبطىء. وَلكنهَا تمشي مشيا
وسطا مستويا كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: من الْبَسِيط ... كَأَن مشيتهَا
من بَيت جارتها ... مور السحابة لَا ريث وَلَا عجل ...
ويروي: مر السحابة أَيْضا. وهم يصفونَ الخرقاء بِسُرْعَة الْمَشْي
قَالَ الشَّاعِر يصف نَاقَة: من الطَّوِيل ... مشت مشْيَة الخرقاء مَال
خمارها ... وشمر عَنْهَا ذيل درع ومنطق ...
وحَدثني أَبى قَالَ حَدثنِي عبد الرَّحْمَن عَن عَمه قَالَ ثَنَا
جَمِيع ابْن أَبى غاضرة وَكَانَ شَيخا مسنا من أهل الْبَادِيَة وَكَانَ
من ولد الزبْرِقَان بن بدر من قبل النِّسَاء قَالَ: كَانَ الزبْرِقَان
يَقُول: أحب كنائني الي الذليلة فِي نَفسهَا العزيزة فِي رهطها البرزة
الحيية الَّتِي فِي بَطنهَا غُلَام ويتبعها غُلَام وَأبْغض كنائني الي
الطلعة الخبأة الَّتِي تمشي الدفقي وتجلس الهبنقعة الذليلة فِي رهطها
(2/274)
العزيزة فِي نَفسهَا الَّتِي فِي بَطنهَا
جَارِيَة وتتبعها جَارِيَة.
الطلعة الخبأة: الَّتِي تتطلع وتختبىء. وَقَوله: تمشي الدفقي أَي: تسرع
فِي مشيها وَهُوَ من الاندفاق.
حَدثنِي أَبى حَدثنِي أَبُو حَاتِم ثَنَا أَبُو عُبَيْدَة ان التدفق
والدفقي أقصر الْعُنُق فاذا جاوزه الْفرس صَار الى الهرولة.
وَقَوله: تجْلِس الهبنقعة وَهُوَ: أَن تقعي وتضم فخذيها وتفتح
رِجْلَيْهَا يُقَال: هبنقع اذا جلس الهبنقعة. قَالَ جرير: من الْكَامِل
... ومهور نسوتهم اذا مَا أنكحوا ... غدوي كل هبنقع سآل ...
ويروي: تنبال وَهُوَ الْقصير.
حكى أَبُو زيد عَن الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي غذوي بِالذَّالِ.
وَقَالَ: الغذوية بِالذَّالِ شَاءَ صغارها يكره بيعهَا وشراؤها.
وَقَوله: تخرج ميسا هُوَ من: ماست تميس. والميس:
(2/275)
التَّبَخْتُر. وَمثله: الريس. وَيُقَال فِي
مثل: الْغَنِيّ طَوِيل الذيل مياس.
يُرَاد: أَن الْمَار يظْهر فَلَا يخفى. والميح أَيْضا ملثه. وَمِنْه
قَول ابْن مقبل يصف نسَاء: من الطَّوِيل ... يمحن بأطراف الذيول
عَشِيَّة ...
والسلفعة: الجريئة واكثر مَا يُقَال: السلفع بِلَا لِأَنَّهُ اكثر مَا
يُوصف بِهِ الْمُؤَنَّث. وَقد قَالَ أَبُو ذُؤَيْب: من الْكَامِل ...
بَينا تعنقه الكماة وروغه ... يَوْمًا أتيح لَهُ جرىء سلفع ...
فوصف بِهِ الْمُذكر.
والبلقعة: الَّتِي قد خلت من كل خير بِمَنْزِلَة الأَرْض البلقع.
وَأكْثر مَا يُقَال: بِلَا هَاء.
وَقَوله: تسمع لأضراسها قعقعة يُرِيد: شدَّة وقعها فِي الْأكل وَيكون
أَيْضا صريفها بأسنانها. يُقَال: فلَان يحرق بنانه اذا توعد
(2/276)
77 - وتهدد. وَفُلَان يحرق عَليّ الأرم.
وَقد فسرنا ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ
انه قَالَ: أَيّمَا رجل أشاد على امرىء مُسلم كلمة هُوَ مهنا برىء
وَيرى أَن شينة بهَا كَانَ حَقًا على الله جلّ وَعز أَن يعذبه بهَا فِي
نَار جَهَنَّم حَتَّى يَأْتِي بنفذ مَا قَالَ.
يرويهِ عبد الله بن الْمُبَارك عَن وهيب بن خَالِد عَن مُوسَى بن عقبَة
عَن سُلَيْمَان بن عمر بن ثَابت عَن جُبَير بن نفير الْحَضْرَمِيّ عَن
أَبى الدَّرْدَاء.
أشاد: أَي: رفع ذَلِك وأظهره. يُقَال: أشاد فلَان بذكرى وَمِنْه يُقَال
بِنَاء مشيد أَي: مطول مَرْفُوع. فَأَما المشيد فالمنبي باليشد وَهُوَ
الجص. وَقَوله: ينفذ مَا قَالَ أَي: بالمخرج من ذَلِك.
حَدثنِي ابى حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الاصمعي عَن ابْن أَبى الزِّنَاد
انه قَالَ: من شتم رجلا مُسلما حبس حَتَّى يأتى بنفذ مَا قَالَ.
وَقَالَ قيس بن الخطيم: من الطَّوِيل ... طعنت ابْن عبد القيس طعنة
ثَائِر ... لَهَا نفذ لَوْلَا الشعاع اضاءها ...
(2/277)
وَقَالَ جرير فَذكر طعنة: من الطَّوِيل ...
أنفاذها تقطر الدما ... وَهُوَ جمع نفذ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ
انه قَالَ: ان الْقلب يدثر كَمَا يدثر السَّيْف فجلاؤه ذكر الله جلّ
وَعز.
يرويهِ أَبُو كُدَيْنَة عَن خَالِد بن دِينَار عَن مُعَاوِيَة بن
قُرَّة.
قَوْله: يدثر أَي: يصدأ وأصل الدُّثُور الدُّرُوس. يقا ل: دثر الرّبع
اذا عَفا. قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: دثر مَكَان الْبَيْت
فَلم يحجه هود وَلَا صَالح حَتَّى كَانَ إِبْرَاهِيم فبوأه الله
إِيَّاه.
والدنور فِي الشّعْر كثير.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أَبى الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ
انه ذكر الأبدال فَقَالَ: لَيْسُوا بنزاكين وَلَا معجبين وَلَا
متماوتين.
(2/278)
النزاكون: العيابون للنَّاس وَأَصله من:
النيزك وَهُوَ دون الرمْح لَهُ سِنَان وزج. يُقَال: نزكت الرجل اذا
عبته. كَمَا يُقَال: طعنت عَلَيْهِ. وحَدثني أَبى قَالَ ثَنَا اسحق بن
رَاهَوَيْه أَو غَيره عَن النَّضر بن شُمَيْل انه قَالَ: ذكر شهر بن
حَوْشَب عِنْد ابْن عون فَقَالَ: ان شهرا نزكوه ان شهرا تَرَكُوهُ.
يَعْنِي طعنوا فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ
انه قَالَ: يَا رب قَائِم مشكور لَهُ وَيَا رب نَائِم مغْفُور لَهُ.
حَدَّثَنِيهِ أيى حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن المضاء عَن فرج بن فضَالة
عَن لُقْمَان بن عَامر عَن أبي الدَّرْدَاء.
الْقَائِم المشكور لَهُ هُوَ المتهجد بِاللَّيْلِ يسْتَغْفر لِأَخِيهِ
وَهُوَ نَائِم فيشكر لَهُ وَيغْفر للنائم.
آخر حَدِيث أَبى الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ.
(2/279)
- حَدِيث ابى سعيد سعد بن مَالك
الْخُدْرِيّ
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي سعيد أَنه قَالَ: رَأَيْت فِي
عَام كثر فِيهِ الرُّسُل الْبيَاض أَكثر من السوَاد ثمَّ رَأَيْت فِي
عَام بعد ذَلِك كثر فِيهِ التَّمْر السوَاد أَكثر من الْبيَاض.
يرويهِ اسماعيل بن أبي أويس عَن كثير بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن ربيح
ابْن عبد الرحمن عَن أَبِيه عَن جده أبي سعيد.
الرُّسُل: اللَّبن وَأَرَادَ أَن اللَّبن وَهُوَ الْبيَاض اذا كثر قل
التَّمْر وان التَّمْر وَهُوَ السوَاد اذا كثر قل اللَّبن وانهما لَا
يكادان يَجْتَمِعَانِ على الْكَثْرَة فِي عَام وَاحِد. قَالَ
الْأَصْمَعِي: يُقَال بالبدو اذا ظهر الْبيَاض قل السوَاد واذا ظهر
السوَاد قل الْبيَاض. وَقَالَ: يعنون بِالسَّوَادِ التَّمْر وبالبياض
اللَّبن والأقط. وَزَاد غَيره: واذا كثرت المؤنفكات زكتْ الأَرْض.
والمؤتفكات: الرِّيَاح اذا اخْتلفت واذا زخرت الأودية بِالْمَاءِ كثر
الثَّمر.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: انما قيل للرياح مؤنفكات لِأَنَّهَا كَأَنَّهَا
تنْقَلب أَو
(2/280)
تقلب الأَرْض وَقيل لمدائن قوم لوط:
الْمُؤْتَفِكَات لانقلابها وَيُقَال: أفكت الرجل أفكه أفكا اذا صرفته
عَن شَيْء وقلبته. قَالَ ابْن أذينة: من المنسرح
ان تَكُ عَن أحسن الصنيعة مأفوكا فَفِي آخَرين قد أفكوا. أَي: مصروفا
عَن ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابي سعيد رَضِي الله عَنهُ انه
قَالَ: خرجنَا فِي سَرِيَّة زيد بن حَارِثَة الَّتِي اصاب فِيهَا بني
فزازة فأتينا الْقَوْم خلوفا فقاتل النحام الْعَدوي يَوْمئِذٍ وَقد
أَقَامَ عَن صلبه نصيلا. فَقَالَ لَهُ زيد بن حَارِثَة: مَا هَذَا
النصيل قَالَ: اني أفويت مُنْذُ ثَلَاث فَخفت أَن يحطمني الْجُوع.
يرويهِ فليح بن سُلَيْمَان عَن عمَارَة بن غزيَّة وَربح بن عبد الرحمن
بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن عبد الرحمن عَن أَبِيه.
(2/281)
النصيل: الْحجر الطَّوِيل المدملك والبرطيل
مثله يشبه رَأس النَّاقة.
وَقَوله: قد أقويت أَي: قد نفذ زادي. كمل بِحَمْد الله وعونه.
(2/282)
- حَدِيث جُبَير بن مظعم
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث جبر رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:
نظرت النَّاس يقتتلون يَوْم حنين الى مثل البجاد الاسود يهوى من
السَّمَاء حَتَّى وَقع فاذا نمل مبثوث قد مَلأ الْوَادي فَلم تكن الا
هزيمَة الْقَوْم فَلم يشك انها الْمَلَائِكَة.
يرويهِ مُحَمَّد بن اسحق عَن أَبِيه.
البجاد: كسَاء وَجمعه بجد. وَمِنْه قيل: ذُو البجادين. يُقَال: بجد
النِّسَاء اذا لبسن البجد على الْمَيِّت. قَالَ الشَّاعِر: من الرمل
... لَو وصل الْغَيْث أبنينا امرا ... كَانَت لَهُ قبَّة سحق بجاد ...
(2/283)
أبنينا: أَي: جعلنَا لَهُ بِنَاء مَكَان
قبَّة سحق بجاد. والسحق: الْخلق.
يَقُول: لَو جَاءَ الْغَيْث وحملت الأَرْض غزونا فَصَارَ من كَانَ فِي
قبَّة فِي كسَاء خلق.
يَقُول: أغرنا عَلَيْهِ وأخذنا مَاله وقبته.
نجز بِحَمْد الله وعونه.
(2/284)
- حَدِيث أبي لبَابَة رِفَاعَة بن عبد
الْمُنْذر
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي لبَابَة انه كَانَ ارْتبط
بسلسلة ربوض الى أَن تَابَ الله عَلَيْهِ.
الربوض. الضخمة الثَّقِيلَة والشجرة الربوض هِيَ الْعَظِيمَة الغليظة.
قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... وَقَالُوا: ربوض ضخمة فِي جرانه ...
وأسمر من جلد الذراعين مقفل ...
يَعْنِي بالربوض: سلسلة عَظِيمَة. وَيَعْنِي بالأسمر من جلد الذراعين
غلا من قد قد من جلد الذراعين. والمقفل: الْيَابِس. وَكَذَلِكَ القافل.
كمل بِحَمْد الله وعونه.
(2/285)
- حَدِيث بِلَال موَالِي ابى بكر
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث بِلَال رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ
يُؤذن على أَطَم فِي دَار حَفْصَة يرقى على ظلفات أقتاب مغرزة فِي
الْجِدَار.
الأطم: بِنَاء مُرْتَفع والأطم والأجم الْحصن وَجمعه: آطام وآجام.
والظلفات من الرحل الخشبات الْأَرْبَع اللواتي يكن على جَنْبي
الْبَعِير واحدتها ظلفة.
نجز بِحَمْد الله وعونه.
(2/286)
- حَدِيث ابى هُرَيْرَة عَمْرو بن عبد غنم
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه
قَالَ فِي قَضَاء رَمَضَان: يواتره.
الرياشي قَالَ ثَنَا أَبُو معمر عَن عبد الوارث عَن عَليّ بن الحكم عَن
ابْن أبي مليكَة عَن عقبَة بن الْحَرْث عَن أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ عبد
الْوَارِث: سَأَلت أَبَا عَمْرو بكر بن حبيب وَأَبا الدقيش وَأَبا خيرة
عَن المواترة فَقَالُوا: تَصُوم يَوْمًا وتفطر يَوْمًا اَوْ تَصُوم
يَوْمًا وتفطر يَوْمَيْنِ.
وَقَالَ الرياشي قَالَ الْأَصْمَعِي: لَا تكون المواترة مُوَاصلَة
حَتَّى يكون بَينهمَا شَيْء.
وواتر كتبك اذا أَرَادَ معنى: وأصلهما فَهُوَ خطأ. وَهَذَا كَمَا ذكر
الوقوم لَان أصل المواترة أَن تَأتي بالاشياء وترا وترا أَي:
(2/287)
وَاحِدًا وَاحِدًا فاذا أَنْت قضيت شهر
رَمَضَان تباعا يَوْمًا فِي أثر يَوْم فقد شفعت الْيَوْم بِالْيَوْمِ
وَالشَّفْع: الزَّوْج. واذا أَنْت صمت يَوْمًا وَأَفْطَرت يَوْمًا أَو
يَوْمَيْنِ فقد واترت. لِأَنَّك أتيت بِيَوْم وَاحِد وتر صمته ثمَّ
أفطرت ثمَّ أتيت بآخر صمته ثمَّ أفطرت. وَلم يرد أَبُو هُرَيْرَة انه
لَا يجوز فِي قَضَاء رَمَضَان الا المواترة. وَمن صَامَ ذَلِك تباعا
فَهُوَ أفضل وانما أَرَادَ: يواتره ان أحب ذَلِك. فَأَما الْمُتَابَعَة
فَهُوَ الاجماع وَمِمَّا يشْهد لهَذَا التَّأْوِيل إِن يزِيد بَين
زُرَيْع روى عَن عَليّ بن الحكم بباقي الاسناد ان أَبَا هُرَيْرَة
قَالَ: لَا بَأْس أَن يواتر قَضَاء رَمَضَان ان شَاءَ.
فَقَوله: لَا بَأْس يدل على التَّفْرِيق لِأَن الْمُتَابَعَة هُوَ مَا
لايختلف فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ ان
مَرْوَان كَسَاه مطرف خَز فَكَانَ يثنيه عَلَيْهِ أثْنَاء من سعته
وَانْشَقَّ فبشكه بشكا وَلم يرفه.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ بن عبد العريز عَن ابْن عَائِشَة عَن
حَمَّاد بن
(2/288)
سَلمَة عَن عمار بن أبي عمار.
بشكة أَي: خاطه يُقَال: بشكت الثَّوْب وشصرته ونصحته اذا خطته فان
كَانَت خياطَة متباعدة قيل: شمجته وشمرجته.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه
قَالَ: يُوشك أَن يَجِيء من قبل الْمشرق قوم عراض الْوُجُوه فطس الْأنف
صغَار الْأَعْين حَتَّى يلْحقُوا الزَّرْع بالزرع والضرع بالضرع
وَالرِّوَايَة يَوْمئِذٍ يستقى عَلَيْهَا أحب الي من لاء وَشاء.
يرويهِ أَبُو سَلمَة عَن حَمَّاد عَن ابي التياح عَن مجَالد أبي عبد
العزيز عَن أبي هُرَيْرَة.
هَكَذَا يرويهِ الْمُحدث: لاء مثل مَاء. وَهُوَ غلط من بعض نقلة
الحَدِيث وانما هُوَ من: ألاء تَقْدِير: ألعاء. وَهِي الثيران
وَاحِدهَا لأ تَقْدِيره: لعا مَقْصُور مثل قفا وأقفاء. وَقَالَ الطرماح
وَذكر فلاة: من الطَّوِيل
(2/289)
.. كَظهر اللأي لَو تبتغي رية بهَا ...
نَهَارا لعيت فِي بطُون الشواجن ...
شبه الفلاة بِظهْر الثور فِي انملاسها يَقُول: لَو طابت بهَا مَا توري
بِهِ النَّار مثل بَعرَة أَو عود لشق ذَلِك عَلَيْك وَلم اجْمَعْ لأ
على وَهُوَ أقرب من لفظ الْمُحدث لِأَنَّهُ لم يَأْتِ لذَلِك مثل
مِمَّا كَانَ آخِره الْألف من المعتل نَحْو: قفا وعصا وانما جَاءَ فِي
السَّالِم نَحْو: جمل وجمال وأفعال لأدنى الْعدَد وَرُبمَا جَاءَ فِي
الْحَرْف جَامعا للمعنيين نَحْو: رسن وأرسان للقليل وَالْكثير. قَالَ
ذَلِك سِيبَوَيْهٍ.
وَالرِّوَايَة: الْبَعِير يستقى عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ من اقناء الْبَقر
وَالْغنم كَأَنَّهُ يُرِيد الزِّرَاعَة لِأَن اكثر من يقتني الثيران
وَالْغنم الزراعون.
وَقَوله: حَتَّى يلْحقُوا الزَّرْع بالزرع يُرِيد: اذا أهلكوا زرعا
ألْحقُوا الَّذِي يَلِيهِ بِهِ فِي الاهلاك. وَكَذَلِكَ الضَّرع
بالضرع.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ ان
رجلَيْنِ خرجا يُريدَان الصَّلَاة قَالَا: فَأَدْرَكنَا أَبَا
هُرَيْرَة وَهُوَ أمامنا فَقَالَ: مَا لَكمَا تفدان فديد الْجمل
قُلْنَا: أردنَا الصَّلَاة. قَالَ: الْعَامِد لَهَا كالقائم فِيهَا.
(2/290)
يرويهِ دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد
الله بن مُحَمَّد بن صَيْفِي عَن عَمه يحيى بن صَيْفِي عَن مَرْوَان بن
خثيم وَرجل من آل سعيد بن الْعَاصِ.
قَوْله: تفدان أَي: تعلو أصواتكما. يُقَال: فد الرجل يفد فديدا.
وَالْمعْنَى: انهما كَانَا يمشيان مشيا سَرِيعا أَو يعدوان فَيسمع
لَهما صَوت فَأَمرهمَا أَن يمشيا مشيا رويدا وأعلمهما انهما فِي
الصَّلَاة اذا أراداها.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه
دخل الْمَسْجِد وَهُوَ يندس الأَرْض بِرجلِهِ.
اراد: كَأَنَّهُ يضْرب الأَرْض بِرجلِهِ. يُقَال: ندس فلَان فلَانا اذا
طعنه وخزقه. وَمِنْه قَول الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... ندسنا أَبَا
مندوسة الْقَيْن بالقنا ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه
قَالَ:
(2/291)
ان فرس الْمُجَاهِد ليستن فِي طوله فَيكْتب
لَهُ حَسَنَات.
يرويهِ عَفَّان عَن همام عَن مُحَمَّد بن حجادة عَن أبي حُصَيْن عَن
ذكْوَان عَن أبي هُرَيْرَة.
وحَدثني أبي قَالَ: حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ:
الاستنان أَن يحضر وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْفَارِس. يُقَال: فرس سِنِين
وَذَلِكَ من النشاط. وأرد هَاهُنَا انه يمرح فِي الطول والطول: الْحَبل
وَهُوَ الطيل ايضا قَالَ طرفَة: من الطَّوِيل ... لعمرك ان الْمَوْت
مَا أَخطَأ الْفَتى ... لكالطول المرخى وثنياه بِالْيَدِ ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه
قَالَ: أَصْحَاب الدَّجَّال عَلَيْهِم السيجان شواربهم كالصياصي
وخفافهم مخرطمة.
يرويهِ أَبُو سَلمَة عَن حَمَّاد قَالَ: زعم أَبُو المهزم انه سمع
أَبَا هُرَيْرَة يَقُول ذَلِك.
السيجان: الطيالسة الْخضر وَاحِدهَا: سَاج مثل: تَاج
(2/292)
وتيجان وقاع وقيعان وَمِنْه حَدِيث ابْن
عَبَّاس: انه زر ساجا لَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ محرم فَافْتدى: وَقَالَ
الشماخ: من الطَّوِيل ... بلَيْل كلون الساج أسود مظلم ... قَلِيل
الوعى داج كلون الأرندج ...
والوعى الصَّوْت وَهُوَ مَقْصُور. والأرندج جُلُود سود. وفيهَا لُغَة
أُخْرَى: يرندج. وانما شبه اللَّيْل بالساج وَهُوَ أَخْضَر لِأَن
الخضرة عِنْدهم سَواد. وَلذَلِك قَالُوا لِليْل: أَخْضَر. وَقَالُوا
لسواد النَّاس ومعظمهم: خضراؤهم.
وَقَالَ أَبُو سُفْيَان لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم
فتح مَكَّة. يَا رَسُول الله: قد أبيدت خضراء قُرَيْش لَا قُرَيْش بعد
الْيَوْم. وَالشَّيْء اذا اشتدت خضرته روئي أسود. قَالَ ذُو الرمة
وَذكر مَطَرا: من الطَّوِيل ... كسا الأكم بهمى غضة حبشية ... تؤاما
ونقعان الظُّهُور الأقارع ...
(2/293)
جعلهَا حبشية من شدَّة الخضرة. وَقَالَ
حميد بن ثَوْر: من الطَّوِيل ... الى شجر ألمى الظلال كَأَنَّهُ ...
رواهب أخر من الشَّرَاب عذوب ...
الألمى الْأسود. يَقُول: هُوَ كثيف فظله أسود ثمَّ شُبْهَة فِي سوَاده
بالرواهب لِأَنَّهُنَّ يلبسن الأكيسة السود. أحر من من الشَّرَاب أَي:
هن صائمات. عذوب: قيام لَا يأكلن وَلَا يشربن.
وحَدثني أبي قَالَ: أَخْبرنِي السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ:
يُقَال: أباد الله غضراءهم أَي خَيرهمْ وغضارتهم. وَلَا يقا ل:
خضراءهم. قَالَ: والغضراء والخضراء طِينَة علكة خضراء. يُقَال: أنيط
بئره فِي غضراء. هَذَا أصل الْحَرْف. وَيُقَال: قوم مغضورن اذا كَانُوا
فِي خير ونعمة. والخضراء فِي مَوضِع آخر اسْم من أَسمَاء الكتيبة.
والصياصي: قُرُون الْبَقر. يَقُول: قد أطالوا شواربهم وفتلوها فَصَارَت
كَأَنَّهَا قُرُون بقر ملتوية وَاحِدهَا: صيصة.
(2/294)
وخفافهم مخرطمة أَي: ذَات خراطيم وأنوف.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه
سُئِلَ عَن صيد الْكَلْب فَقَالَ: اذا وذمته وأرسلته فَذكرت اسْم الله
فَكل مَا أمسك عَلَيْك مَا لم يَأْكُل.
يرويهِ وَكِيع عَن أبي الْمنْهَال الطَّائِي عَن عَمه عبد الله بن
يزِيد.
قَوْله: وذمته أَي: شددته ومسكته. وَالْأَصْل فِيهِ: الوذام وَهِي سيور
تقد طولا. واحدتها: وَذمَّة. وانما أَرَادَ بتوذيمه أَن لَا يطْلب
الصَّيْد بِغَيْر ارسال وَلَا تَسْمِيَة. واذا كَانَ مُطلقًا فعل
ذَلِك.
وَقد اخْتلف النَّاس فِي هَذَا فَكَانَ بَعضهم يَقُول: اذا أخرجت كلبك
الى الصَّيْد فَكل مِمَّا أمسك عَلَيْك وان لم ترسله.
وَقَالَ بعض الْحِجَازِيِّينَ: اذا انفلت الْكَلْب بِغَيْر ارسال أَو
أعَان غير مُرْسل مُرْسلا فَلَا تَأْكُل. وَهَذَا مَذْهَب أبي
هُرَيْرَة.
وَكَانُوا يجْعَلُونَ العذب فِي أَعْنَاق الْكلاب. قَالَ ذُو الرمة
وَذكر كلابا من الْبَسِيط ... مثل السراحين فِي أعناقها العذب ...
(2/295)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي
هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه ذكر قَول رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: بَينا أَنا نَائِم أَتَانِي آتٍ بخزائن الأَرْض فَوضعت
فِي يَدي. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: لقد ذهب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأَنْتُم ترغثونها.
يرويهِ ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: ترغثونها أَي ترضعونها. يَعْنِي الدُّنْيَا. يُقَال: رغث الجدي
أمه اذا رضعها. وشَاة رغوث اذا رضعها وَلَدهَا. قَالَ الشَّاعِر: من
الطَّوِيل ... وذموا لنا الدُّنْيَا وهم يرضعونها ... أفاويق حَتَّى
مَا يدر لَهَا ثعل ...
وَأنْشد بَعضهم: يرغثونها.
وحَدثني أبي حَدثنِي أَبُو حَاتِم ثَنَا الْأَصْمَعِي قَالَ: ثَنَا شيخ
لنا أَن رؤبة بن العجاج دخل على سُلَيْمَان بِي عَليّ بالشبكة
(2/296)
فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان: مَا عنْدك
للنِّسَاء يَا أَبَا الجحاف فقا ل: أَجِدهُ يَمْتَد وَلَا يشْتَد وأرده
فيرتد وأستعين عَلَيْهِ أَحْيَانًا بِالْيَدِ ثمَّ أورد فأقصب. فَشَكا
سُلَيْمَان نَحوا من ذَلِك فَقَالَ رؤبة: بِأبي أَنْت لَيْسَ ذَاك السن
انما ذَلِك لطول الرغاث. يُرِيد: لِكَثْرَة مَا تمصك النِّسَاء.
وَقَوله: أورد فأقصب هُوَ من الأقصاب. يُقَال: قصبت الابل فَهِيَ قاصبة
اذا وَردت فَلم تشرب. وأقصب الرجل اذا لم تشرب ابله فَضرب ذَلِك
لنَفسِهِ مثلا.
يُرِيد: انه اذا بَاشر لم يقدر على النِّكَاح.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه
قَالَ: تعس عبد الدِّينَار وَعبد الدِّرْهَم الَّذِي ان أعطي مدح وضبح
وان منع قبح وكلح تعس فَلَا انْتَعش وشيك فَلَا انتقش.
يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن لَيْث عَن رجل عَنهُ.
وَقَالَ: ضبح أَي: صَاح. وَهَذَا كَمَا يُقَال: فلَان ينبح دُونك
(2/297)
يَقُول: اذا أعطي خَاصم وجادل دُونك.
وَقَوله: وشيك أَي: أُصِيب بالشوك فَلَا انتقش أَي: فَلَا أخرجه من
الْموضع الَّذِي دخل فِيهِ. يُقَال: نقشت الشَّوْكَة اذا استخرجتها.
وَمِنْه سمي المنقاش. وَقد تقدم تَفْسِير هَذَا.
وَقَوله: تعس أَي: عثر. وَمِنْه يُقَال: تعسا لَهُ وَقَوله: فَلَا
قَامَ من مصرعه. وَمِنْه قيل: انْتَعش العليل اذا أَفَاق من علته ونهض.
وَقَالَ ذُو الرمة فِي وصف ولد الظبية: من الْبَسِيط ... لَا ينعش
الطّرف الا مَا تخونه ... دَاع يُنَادِيه باسم المَاء مبغوم ...
يَقُول: لَا يرفع عينه الا أَن يتعهده دَاع من أمه وَهُوَ صَوتهَا
وَالْمَاء: حِكَايَة صَوت الظبية. مبغوم من البغام. وَيُقَال: نعش
فلَان فلَانا اذا رفع من ذكره وَأمره وَمِنْه سمي النعش نعشا لِأَنَّهُ
يرفع. وَسمعت من يرويهِ: تعس فَلَا انْتَعش.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه
كَانَ
(2/298)
يتَوَضَّأ الى نصف السَّاق وَيَقُول: ان
الْحِلْية تبلغ الى مَوَاضِع الْوضُوء.
يرويهِ يزِيد بن هرون عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن
أبي هُرَيْرَة.
الْحِلْية هَاهُنَا التحجيل يَوْم الْقِيَامَة من أثر الْوضُوء.
وَأَرَادَ قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ان أمتِي يَوْم
الْقِيَامَة غر من السُّجُود محجلون من الْوضُوء.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ انه
رأى قوما يتعادون فَقَالَ: مَا لَهُم قَالُوا خرج الدَّجَّال فَقَالَ:
كذبة كذبهَا الصباغون أَو الصواغون.
يرويهِ أَبُو عباد عَن همام عَن فرقد.
يذهب النَّاس أَو اكثرهم الى أَنه أَرَادَ صاغة الْحلِيّ. وَرَأَيْت
بعض الْفُقَهَاء قد جعل هَذَا الحَدِيث فِي بَاب من لَا تقبل شَهَادَته
من
(2/299)
أهل الصناعات. وَهَذَا تَحْرِيف على أبي
هُرَيْرَة وظلم للصاغة وانما أَرَادَ بالصواغين الْكَذَّابين الَّذين
يصوغون الْكَذِب. يُقَال: فلَان يصوغ الْأَحَادِيث اذا كَانَ يَضَعهَا.
نجز وَالله الْمعِين.
(2/300)
- حَدِيث عبد الله بن عمر بن الْخطاب
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه دفع
من جمع وَهُوَ يَقُول: من الرجز ... اليك تعدو قلقا وضينها ...
مُخَالفا دين النَّصَارَى دينهَا
ان تغْفر آللهم تغْفر جما ... وَأي عبد لَك لَا ألما ...
حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ: حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد ثناه عَليّ بن
عَاصِم عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خشيم عَن عبد الرحمن بن سابط
قَالَ: سَمِعت ابْن عمر يَقُول ذَلِك.
وحَدثني ابي قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنِي سهل عَن الْأَصْمَعِي
وعبد الرحمن أَيْضا عَنهُ بِبَعْض الحَدِيث قَالَ: حَدثنِي شيخ من
نَجْرَان قَالَ: كَانَت كتب الْأَنْبِيَاء وصورها عِنْد النَّصَارَى
بِنَجْرَان فَكَانَت الأساقفة اذا مَاتَ مِنْهُم ميت ختم قبل مَوته
عَلَيْهَا فَكَانَت الْكتب عَلَيْهَا
(2/301)
خَوَاتِيم عدَّة فَخرج الأسقف الْأَكْبَر
يمشي وَمَعَهُ ابْنه فعثر فَقَالَ: تعس شانىء مُحَمَّد.
قَالَ سهل: لم يقل كَذَا وَلَكِن الْأَصْمَعِي كنى عَنهُ بشىء فَقَالَ
أَبوهُ: مَه يَا بني إِنَّه بني وان اسْمه وَصورته فِي الوضائع.
قَالَ الْأَصْمَعِي: والوضائع: كتب تكْتب فِيهَا الْحِكْمَة فَلَمَّا
مَاتَ الشَّيْخ دق الابْن الخواثيم ودق خَاتم أَبِيه وَأخرج صفة النبى
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصورته فَآمن بِهِ وَحج وَأَقْبل وَهُوَ
يَقُول: من الرجز ... اليك تعدو قلقا وضينها ...
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فَحَدثني ابْن أبي الزِّنَاد عَن هِشَام بن
عُرْوَة انه قَالَ: حدثت بِهَذَا الحَدِيث فشرق سنة أَو أَكثر ثمَّ
رَجَعَ الينا وَقد زَاد فِيهِ أهل الْعرَاق بَيْتا: من الرجز ...
مُعْتَرضًا فِي بَطنهَا جَنِينهَا ...
(2/302)
وحَدثني أبي قَالَ: خبرني عَن أبي
عُبَيْدَة انه قَالَ: الْوَضِين: بطان منسوج وَهُوَ فعيل فِي معنى
مفعول أَي: موضون. يُرِيد: ان نسجه بعضه على بعض.
وَقَوْلهمْ: للدرع موضونة من ذَلِك. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {على
سرر موضونة} يُرِيد: أَنَّهَا مضاعفة بَعْضهَا فِي بعض مداخلة كَمَا
توضن حلق الدرْع بَعْضهَا فِي بعض وتضاعف.
وَقَوله: قلقا يُرِيد أَن النَّاقة قد ضمرت وَلحق بَطنهَا فاتسع
الْوَضِين واضطرب. وَقَالَ غَيره: الْوَضِين: الهودج والبطان للقتب
والسفيف والتصدير للرحل. والحزام للسرج. وَقَوله: مُخَالفا دين
النَّصَارَى دينهَا. لَيْسَ لَهَا هِيَ دين انما أَرَادَ نَفسه.
وَقَوله: ان تغْفر اللَّهُمَّ تغْفر جما. حَدثنِي أبي حَدثنِي عبد
الرحمن عَن عَمه عَن يَعْقُوب بن مُسلم بن أبي طرفَة الْهُذلِيّ انه
قَالَ: مر أَبُو خرَاش الْهُذلِيّ يسْعَى بَين الصَّفَا والمروة وَهُوَ
يَقُول: من الرجز
(2/303)
.. لَا هم هَذَا خَامِس ان تما ... أتمه
الله وَقد أتما
ان تغْفر اللَّهُمَّ تغْفر جما ... وَأي عبدلك لَا ألما ...
والجم الْكثير. وَقَوله: لَا ألما أَي لم يلم بِالذنُوبِ ويقارفها.
وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فَلَا صدق وَلَا صلى} أَي: فَلم يصدق
وَلم يصل.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه
قَالَ: من اصبح على غير وتر أصبح على رَأسه جرير سَبْعُونَ ذرعا
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ شَبابَة بن الْحسن قَالَ: ثناه
الْقَاسِم بن الحكم العرني القَاضِي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن آدم
بن عَليّ عَن ابْن عمر.
الْجَرِير: الْحَبل يكون فِي عنق النَّاقة من أَدَم وَلَا أَحْسبهُ سمي
الرجل جَرِيرًا الا بِهِ. والجديل ايضا يكون فِي الْعُنُق. فاذا كَانَ
فِي الْأنف فَهُوَ زِمَام وَمِنْه قَول رَسُول الله صلى الله
(2/304)
عَلَيْهِ وَسلم لبني عبد الْمطلب وهم
ينزعون على زَمْزَم: انزعوا على سِقَايَتكُمْ فلولا أَن يغلبكم النَّاس
عَلَيْهَا لنزعت مَعكُمْ حَتَّى يُؤثر الْجَرِير بظهري.
الا أَن جرير السِّقَايَة لَا يكون من أَدَم وَسمي جَرِيرًا لِأَنَّهُ
يجر فعيل فِي معنى مفعول
أَرَادَ ابْن عمر معنى حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
مَا من ذكر وَلَا أتنى الا وعَلى رَأسه جرير مَعْقُود. فاذا
اسْتَيْقَظَ فَتَوَضَّأ حلت مِنْهُ عقده.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ كَانَ
يَقُول: يتقى من الضَّحَايَا وَالْبدن الَّتِي لم تسنن وَالَّتِي نقص
من خلفهَا.
حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ: حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن القعْنبِي عَن
مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر.
قَوْله: لم تسنن أَي: لم تنْبت أسنانها كَأَنَّهَا لم تعط
(2/305)
أسنانا. وَهَذَا كَمَا تَقول: فلَان لم
يلبن أَي: لم يُعْط لَبَنًا. وَلم يسمن أَي: لم يُعْط سمنا. وَلم يعسل
لم يُعْط عسلا. وَكَأَنَّهُ يُقَال: سنت الدَّابَّة اذا نَبتَت أسنانها
وسنها الله. وَقد مثل النَّهْي فِي الْأَضَاحِي عَن الهتماء وَيكون فِي
مَوضِع آخر سنت الشَّاة اذا أُصِيبَت فِي سنّهَا كَمَا تَقول: ثغر
الْغُلَام اذا أُصِيب فِي ثغره وكبد اذا أُصِيب فِي كبده ورؤس اذا
أُصِيب فِي على رَأسه. فاذا أردْت أَن ثغره نبت قلت: اثغر وأتغر وَلم
أسمع: أسن الا فِي الْكبر وَهُوَ الْقيَاس جَائِز وَلَا أَحسب قَول
الْأَعْشَى الا مِنْهُ: من المتقارب ... بحقتها قد ربطت فِي اللجي ...
ن حَتَّى السديس لَهَا قد أسن ...
يَقُول: ربطت فِي اللجين مُنْذُ كَانَت حقة الى أَن أسن سديسها أَي:
نبت وَصَارَ سنا. وَمن النَّاس من يذهب ألى أَن: أسن فِي هَذَا
الْبَيْت بِمَعْنى: كبر كَمَا تَقول: اسن الرجل اذا كبر. وَلم نسْمع
بِأَنَّهُ يُقَال: أسن رَأس الرجل اذا كبر وَلَا اسنت يَده وَكَذَلِكَ
اسن فِي النبت نبت فِيمَا أثرى لَا أعرف وَجها غَيره.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه
كَانَ
(2/306)
يقعي ويثري فِي الصَّلَاة.
بَلغنِي عَن ابْن عَائِشَة عَن هَاشم عَن عبد الملك بن أبي سُلَيْمَان
عَن عَطاء.
قَوْله: يثري من الثرى يُرِيد: انه كَانَ يضع يَده بالثرى بَين
السَّجْدَتَيْنِ كَأَنَّهَا لَا تفارق الأَرْض حَتَّى يُعِيد
السُّجُود. وَمن اقعى فعل ذَلِك. قَالَ جرير: رَأَيْت عَطاء يقعي بَين
السَّجْدَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن
أَبَاهُ بعث بِهِ الى خَيْبَر فقاسمهم التَّمْر فسحروه فتكوعت اصابعه
فَغَضب عمر فنزعها مِنْهُم يَعْنِي: خَيْبَر.
وَفِي حَدِيث آخرو: انهم دفعوه من فَوق بَيت ففدعت قدمه من حَدِيث
مُحَمَّد بن اسحق.
قَوْله: تكوعت يَده من الْكُوع وَهُوَ أَن تعوج الْيَد من قبل الْكُوع
والكوع رَأس الزند الَّذِي يَلِي الابهام وَالْكر سوع
(2/307)
رَأس الزند الَّذِي يَلِي الْخِنْصر.
يُقَال: تكوعت وكوعت اذا اعوجت.
قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال للكلب اذا رمض: مر يكوع أَي: يطَأ على
كوعه.
وَقَوله: فدعَتْ قدمه من الفدع وَهُوَ: زيغ بَينهَا وَبَين عظم
السَّاق.
يُقَال: رجل أفدع وأكوع. وَمِنْه قَول عبد الله بن عمر فِي ذِي
السويقتين الَّذِي يهدم الْكَعْبَة من الْحَبَشَة كَأَنِّي بِهِ أضيلع
أفيدع قَائِما عَلَيْهَا يَهْدِمهَا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ ان قوما
اشْتَركُوا فِي قتل صيد فَقَالُوا: على كل رجل منا جَزَاء أم هُوَ
جَزَاء وَاحِد. فَقَالَ: انه لمعزز بكم بل عَلَيْكُم جَزَاء وَاحِد.
يرويهِ سُفْيَان عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة.
(2/308)
قَوْله: انه لمعزز بكم أَي: مشدد عَلَيْكُم
اذن.
حَدثنِي أبي خبرني عبد الرحمن عَن عَمه قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَمْرو بن
الْعَلَاء عَن قَول الله عز جلّ: {فعززنا بثالث} فأنشدنا: من الْكَامِل
... أجد اذا ضمرت تعزز لَحمهَا ... واذا تشد بنسعها لَا تنبس ...
أَي: لَا ترغو وَيُقَال: عزز مِنْهُ أَي: شدد مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه
قَالَ: مَا أعطي رجل أفضل من الطّرق يطْرق الرجل الْفَحْل فيلقح مئة
فتذهب حيرى دهر.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن
عَمْرو عَن أبي اسحق عَن سُفْيَان عَن ربيع بن قزيع.
قَوْله: تذْهب حيري دهر يُرِيد: آخر الدَّهْر. وَهُوَ بِمَنْزِلَة
قَوْلك: أبدا. يَعْنِي: ان آخر ذَلِك يجْرِي لَهُ مَا بَقِي الدَّهْر.
(2/309)
وَنَحْو من هَذَا قَوْلهم: لَا أفعل ذَلِك
أَبَد الأبيد وأبد الأبدين وَمَا اخْتلف الملوان وهما اللَّيْل
وَالنَّهَار. وَالْوَاحد: ملا مَقْصُور. وَكَذَلِكَ: الجديران والفتيان
وَلَا أَفعلهُ مَا سمر ابْنا سمير وَلَا آتِيك سمير اللَّيَالِي. هَذَا
كُله معنى قَوْلك: لَا أفعل ذَلِك أبدا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه
كَانَ يخابر بأرضه وَيشْتَرط أَن لَا يعرها.
يرويهِ سُفْيَان عَن أَيُّوب بن مُوسَى عَن نَافِع عَن ابْن عمر.
المخابرة الْمُزَارعَة. وَقَوله: يشْتَرط أَن لَا يعرها من: العرة
وَهِي الْعذرَة. وَمِنْه قَول النَّاس: انما أَنْت عرة. وَقد يستعار
فيسمى بِهِ الْقَبِيح من الْأُمُور. قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: اياكم ومشارة النَّاس فانها تدفن الْغرَّة وَتظهر
(2/310)
الْغرَّة. فالغرة هَاهُنَا: الْحسن والعرة:
الْقبْح.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه دخل
الْمَسْجِد الْحَرَام وَعَلِيهِ بردَان معافريان فنهد النَّاس اليه
يسألونه الْبرد الْمعَافِرِي مَنْسُوب الى: معافر من الْيمن بِفَتْح
الْمِيم. والعامة تضمها. وَمِنْه الحَدِيث: ان رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَمر معَاذًا حِين بَعثه الى الْيمن أَن يَأْخُذ من كل
حالم دِينَارا أَو عدله من الْمعَافِرِي.
وَقَوله: فنهد النَّاس اليه يسألونه يُرِيد: قَامُوا اليه يسألونه.
وَمِنْه قيل نهد ثدي الْمَرْأَة اذا ارْتَفع. ونهدت لِلْعَدو اذا
(2/311)
صمدت لَهُم. وَقَالَ أَبُو دؤاد: من مجزوء
الْكَامِل ... كمقاعد الرقباء للضرباء أَيْديهم نواهد ...
والضرباء: الَّذين يضْربُونَ بِالْقداحِ فأيديهم مُرْتَفعَة. واحدهم:
ضريب. والرقباء: الْأُمَنَاء عَلَيْهِم.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه
قَالَ فِي العَبْد يكون تَحْتَهُ الْحرَّة أَو الْحر يكون تَحْتَهُ
الْأمة أَيهمَا رق نقض الطَّلَاق برقه وَالْعدة للنِّسَاء.
يرويهِ معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر.
يَقُول: ان كَانَ الزَّوْج عبدا وَالْمَرْأَة حرَّة أَو كَانَ الزَّوْج
حرا وَالْمَرْأَة أمة فانها تبين مِنْهُ بتطليقتين. وَهَذَا مَذْهَب
النَّاس على غَيره أَو أَكْثَرهم.
كَانَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وعبد الله يَقُولَانِ: الطَّلَاق
بِالنسَاء يعنيان أَن الْحرَّة لَا تبين تَحت الْمَمْلُوك بِأَقَلّ من
ثَلَاث وَتبين الْأمة تَحت الْحر بِاثْنَتَيْنِ وَهَذَا مَذْهَب
الثَّوْريّ.
(2/312)
وَقَالَ زيد بن ثَابت: الطَّلَاق
بِالرِّجَالِ. يَعْنِي: ان الْحرَّة تَحت الْمَمْلُوك تبين
بِاثْنَتَيْنِ وَلَا تبين الْمَمْلُوكَة تَحت الْحر بِأَقَلّ من ثَلَاث
وَهُوَ مَذْهَب الْحِجَازِيِّينَ.
وَأما قَوْله: وَالْعدة للنِّسَاء فان الْكُوفِيّين والحجازيين مجمعون
على ذَلِك. وَالْمعْنَى: ان الْمَرْأَة ان كَانَت حرَّة اعْتدت بالوفاة
أَرْبَعَة أشهر وَعشرا اَوْ بِالطَّلَاق ثَلَاث حيض تَحت حر كَانَت أَو
عبد. وان كَانَت أمة اعْتدت بالوفاة شَهْرَيْن وَخَمْسَة أَيَّام
وبالطلاق حيضتين تَحت عبد كَانَت أَو حر.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه
قَامَ الى مقرى بُسْتَان فَقعدَ يتوطأ فَقيل لَهُ: أتتوضأ وَفِيه هَذَا
الْجلد فَقَالَ: اذا كَانَ قُلَّتَيْنِ لم يحمل نجسا.
(2/313)
يرويهِ عَفَّان عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن
عَاصِم بن الْمُنْذر.
المقرى الْحَوْض واكثر مَا يُقَال: مقراة بِالْهَاءِ للحوض فَسُمي بذلك
لِأَنَّهُ يقرى فِيهِ المَاء أَي: يجمع. يُقَال: قريت المَاء فِي
الْحَوْض أَي: جمعته. والقاري من الدَّوَابّ الَّذِي يجمع الْعلف فِي
شدقه. يقا ل: قرى يقرى. والمقرى ايضا انآء يقرى فِيهِ الضَّيْف.
وَقَالَ ابْن مَسْعُود: لَو مَرَرْت على نهي نصفه مَاء وَنصفه دم لشربت
مِنْهُ وتوضأت.
وَالنَّهْي: الغدير. وانما سمي نهيا لِأَن المَاء يَنْتَهِي اليه
وَكَذَلِكَ التنهية هُوَ الْموضع يقف فِيهِ المَاء. سمي بذلك لِأَن
المَاء يُنْهِي اليه وَجَمعهَا: تناه. وَيُقَال: انما قيل للغدير نهي
لِأَن لَهُ حاجزا ينْهَى المَاء ان يفِيض مِنْهُ. وَكَذَلِكَ الْحَبْس
هوالماء المستنقع سمي بذلك لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ حبس. وَيُقَال:
الْحَبْس حِجَارَة تحبس تبنى فِي مجْرى المَاء لتحبسه للشاربة.
(2/314)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن
عمر ان عُيَيْنَة بن حصن أَخذ عجوزا من هوَازن فَلَمَّا رد رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السبايا بست قَلَائِص أَبى أَن يردهَا فَقَالَ
لَهُ أَبُو صرد: خُذْهَا اليك فوَاللَّه مَا فوها ببارد وَلَا ثديها
بناهد وَلَا بَطنهَا بوالد وَلَا زَوجهَا بواجد وَلَا درها بماكد أَو
ناكد. فَردهَا وشكا الى الْأَقْرَع فَقَالَ: انك مَا أَخَذتهَا
بَيْضَاء غريرة وَلَا نصفاء وثيرة.
يرويهِ مُحَمَّد بن اسحق عَن نَافِع عَن ابْن عمر.
وَقَوله: وَلَا زَوجهَا بواجد أَي: محب والوجد الْمحبَّة. يُقَال:
فلَان يجد بفلانة وجدا شَدِيدا.
وَقَوله: وَلَا درها بماكد أَي: دَائِم. يُقَال: مكد بِالْمَكَانِ يمكد
بِهِ اذا أَقَامَ. والمكود: الَّتِي يَدُوم لَبنهَا وَلَا يَنْقَطِع
قَالَ حميد ابْن ثَوْر: من الطَّوِيل ... فصاف صنيعا يمتري أرحبية ...
مكودا اذا مَا الخور حارد جودها ...
(2/315)
وان كَانَ الْمَحْفُوظ: ناكدا فانه أَرَادَ
الغزيز والنكد من الابل: الغزيرات اللَّبن. قَالَ الْكُمَيْت يذكر
جديا: من الطَّوِيل ... وَلم يَك فِي النكد المقاليت مشخب ...
وَكَأن الْحَرْف من الأضداد. والغريرة والغرة والغر: الحدثة الَّتِي لم
تجرب الْأُمُور. والوثيرة: الوطيئة.
حَدَّثَنى أبي حَدثنِي أَبُو حَاتِم الْأَصْمَعِي عَن المنتجع بن
نَبهَان عَن النوار قَالَ: النِّسَاء فرش فَخَيرهَا أوثرها. .
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه
قَالَ: من حلف على يَمِين فِيهَا اصر فَلَا كَفَّارَة لَهَا.
يرويهِ اسحق بن ابراهيم عَن أبي مُعَاوِيَة عَن حميل بن زيد عَن ابْن
عمر.
(2/316)
وَفِي الحَدِيث ان الاصر أَن يحلف بِطَلَاق
أَو عتاق أَو مشي أَو نذر. والاصر الثّقل والشدة. وَمِنْه قَول الله
جلّ وَعز: {وَلَا تحمل علينا إصرا كَمَا حَملته على الَّذين من قبلنَا}
وَيُقَال: أصرت الرجل أصرا اذا أَنْت حَبسته وضيقت عَلَيْهِ.
فَأَرَادَ ابْن عمر ان الرجل اذا حلف بِالطَّلَاق أَو الْعتاق على
شَيْء ثمَّ حنث لم تكن فِيهِ كَفَّارَة وَلم يكن فِيهِ الا أَن يُطلق
أَو يعْتق. وَذَلِكَ أَن يَقُول: ان كلمت فلَانا فامرأته طَالِق أَو
غلامي حر ثمَّ يكلمهُ. وَسمي الطَّلَاق وَالْعِتْق وَالنّذر: اصرا
لِأَنَّهَا أثقل الايمان وأضيقها مخرجا.
وَقد أجمع الْفُقَهَاء على مَذْهَب ابْن عمر فِي الطَّلَاق أَنه لَا
كَفَّارَة لَهُ. وَأما الْعتْق فقد ذكر عَن عَائِشَة انها رَأَتْ فِيهِ
الْكَفَّارَة ووافقها على ذَلِك عَطاء وَالنَّاس جَمِيعًا بعد على أَنه
بِمَنْزِلَة الطَّلَاق وَلَا كَفَّارَة لَهُ والاصر فِي مَوضِع آخر:
الْعَهْد. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {وأخذتم على ذَلِكُم إصري} .
318 -
(2/317)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن
عمر رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ يفرق بِالشَّكِّ وَيجمع بِالْيَقِينِ.
يرويهِ ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب.
قَوْله: يفرق بِالشَّكِّ يَعْنِي فِي الطَّلَاق وَذَلِكَ أَن يحلف
الرجل على امْر قد اخْتلف النَّاس فِيهِ وَلَا يعلم من الْمُصِيب
مِنْهُم. كَرجل قَالَ: كل امْرَأَة لي بِالْبَصْرَةِ طَالِق
وَامْرَأَته بسفوان.
وَأهل الشَّام وَأهل الْحجاز يَزْعمُونَ انها من الْبَصْرَة وَأهل
الْبَصْرَة يَزْعمُونَ انها لَيست من الْبَصْرَة. فَكَانَ ابْن عمر
يفرق عِنْد مثل هَذَا من الشَّك احْتِيَاطًا. وَقد رُوِيَ عَن جَابر بن
زيد فِي هَذِه الْقِصَّة بِعَينهَا أَنه لم ير فِيهَا طَلَاقا
وَأَحْسبهُ كَانَ لَا يرى أَن يفرق فِي مثل هَذَا الا بِالْيَقِينِ أَو
كَرجل كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ فَبت طَلَاق احديهما بِعَينهَا ثمَّ
أشكل عَلَيْهِ أَيَّتهمَا هِيَ فَكَانَ ابْن عمر يفرق عِنْد مثل هَذَا
من الشَّك بَينه وَبَين امرأتيه جَمِيعًا. فان تبين لَهُ بعد الشَّك
ايتهما طلق واستيقن ذَلِك جمع بَينه وَبَين الْأُخْرَى الَّتِي لم تطلق
وَهُوَ معنى قَوْله: وَيجمع بِالْيَقِينِ.
(2/318)
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن
عمر رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ يتَوَضَّأ ويغتسل بالحميم.
يرويهِ اسماعيل بن ابراهيم عَن أَيُّوب عَن نَافِع.
ويروى مثله عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ.
الْحَمِيم: المَاء الْحَار. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {يصب من فَوق
رؤوسهم الْحَمِيم} وَهُوَ أَيْضا: الْعرق وبالحميم سمي الْحمام. قَالَ
المرقش وَذكر امْرَأَة: من المنسرح. ... فِي كل يَوْم لَهَا مقطرة ...
ذَات كباء معد وحميم ...
مقطرة: مجمرة. وَهِي مفعلة من الْقطر وَهُوَ الْعود الَّذِي يتبخر
بِهِ.
وَالَّذِي يُرَاد من الحَدِيث: انه كَانَ يتَوَضَّأ بِالْمَاءِ وَقد
عملت فِيهِ النَّار. وَالنَّاس على هَذَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنه
لَا فرق بَينه وَبَين الْبَارِد الا
(2/319)
مَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد فانه رُوِيَ: انه
كَانَ لَا يتَوَضَّأ بِالْمَاءِ السخن الا فِي حَال ضَرُورَة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ انه
كَانَ يَغْدُو فَلَا يمر بسقاط وَلَا صَاحب بيعَة الا سلم عَلَيْهِ.
يرويهِ مَالك عَن اسحق بن عبد الله عَن الطُّفَيْل بن أبي بن كَعْب.
السقاط: بَائِع سقط الْمَتَاع وَهُوَ رذاله. والعوام تسميه: السَّقطِي.
وبيعة من البيع مثل ركبة وشربة وسيمة من ساومت بِالْبيعِ سوما.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن
الْفِتْنَة ذكرت عِنْده فَقَالَ: لأكونن فِيهَا مثل الْجمل الرداح
الَّذِي يحمل عَلَيْهِ الْحمل الثقيل فيهرج فيبرك وَلَا ينبعث حَتَّى
ينْحَر.
يريويه عَليّ بن مُحَمَّد عَن الْحسن بن دِينَار عَن الْحسن.
الرداح: الْجمل الْعَظِيم من الابل وَقَوله: يهرج أَي:
(2/320)
يسدر. يُقَال: هرج الْبَعِير يهرج هرجا.
قَالَ أَبُو النَّجْم: من الرجز ... فِي يَوْم قيظ ركدت جوزاؤه ... وظل
مِنْهُ هرجا حرباؤه ...
قَوْله: ركدت حوزاؤه: أَي: ركد بارحها.
نجز وَللَّه الْمِنَّة.
(2/321)
|