غريب الحديث لابن قتيبة

- حَدِيث ابي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ انه صلى فَلَمَّا جلس فِي آخر الصَّلَاة سمع قَائِلا يَقُول: قرنت الصَّلَاة بِالْبرِّ وَالزَّكَاة. فَقَالَ: أَيّكُم الْقَائِل كَذَا فأرم الْقَوْم فَقَالَ: لَعَلَّك يَا حطَّان قلتهَا قلت: مَا قلتهَا وَلَقَد خشيت أَن تبكعني بهَا.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ أَبُو وَائِل ثناه أَبُو دَاوُد عَن هِشَام عَن قَتَادَة عَن يُونُس بن جُبَير عَن حطَّان بن عبد الله الرقاشِي.
قَوْله: أرم الْقَوْم أَي: سكنوا فَلم يتكلموا. قَالَ الراجز: من الرجز ... يردن وَاللَّيْل مرم طَائِره ... مرخى رواقاه هجود سامره ...
وَيُقَال: أرم الْعظم اذا صَار فِيهِ رم أَي: مخ. ورم اذا يَلِي وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {قَالَ من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم} .

(2/322)


وَقَوله: تكبعني بهَا أَي تستقبلني بهَا. قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال بكعت الرجل بكعا اذا استقبلته بِمَا يكره وَهُوَ نَحْو: التبكيت. يُقَال بكته بِذَنبِهِ تبكيتا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ: أَنه قَالَ: دلوني على مَكَان أقطع بِهِ هَذِه الفلاة فَقَالُوا: هويجة تنْبت الأرطى بَين فلج وفليج فحفر بِالْحفرِ وَلم يكن بالمنجشانية وماوية قَطْرَة الا ثماد ايام الْمَطَر ثمَّ اسْتعْمل سَمُرَة الْعَنْبَري على الطَّرِيق فَأذن لمن شَاءَ أَن يحْفر فابتدؤوا فِي يَوْم سبعين فَمَا من أَفْوَاه البئار.
حَدَّثَنِيهِ أبي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: سَمِعت القسومي يذكرهُ من ولد زبيب بن ثَعْلَبَة الْعَنْبَري يذكرهُ.
الهويجة: الْموضع المطمئن من الأَرْض والثماد: جمع ثَمد وَهُوَ المَاء الْقَلِيل. يُقَال: مَاء مثمود اذا كثر عَلَيْهِ النَّاس

(2/323)


حَتَّى يفنى وَقد ثمدته النِّسَاء اذا نزفت مَاءَهُ لِكَثْرَة الْجِمَاع.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ انه كتب إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: انا وجدنَا بالعراق خيلا عراضا دكا فَمَا يرى أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي اسهامها فَكتب اليه عمر: تِلْكَ البراذين فَمَا قارف الْعتاق مِنْهَا فَاجْعَلْ لَهُ سَهْما وَاحِدًا وألغ مَا سوى ذَلِك.
يرويهِ ابْن الْمُبَارك عَن مُحَمَّد بن رَاشد عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى. الدك: جمع أدك وَهُوَ العريض الظّهْر. وَيُقَال: الْقصير العريض. وَمن ذَلِك قيل للرابية: دكاء وَقيل للجبل الذَّلِيل: دك. وَجمع دكاء: دكاوات. وَجمع الدك: دككة.
وَأرى أَصله من: دككت الشَّيْء اذا أَلْصَقته بِالْأَرْضِ. قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِذا جَاءَ وعد رَبِّي جعله دكاء} أَي: مدكوكا مُلْصقًا بِالْأَرْضِ. وَيُقَال للناقة الَّتِي لَا سَنَام لَهَا: دكاء.
وَقَوله: فَمَا قارف الْعتاق مِنْهَا أَي: دنا وشاكلها. وَقد اخْتلف النَّاس فِي اسهام البراذين وَالْخَيْل.

(2/324)


فَكَانَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ يرَوْنَ الْخَيل والهجن سَوَاء اذا لحقت لُحُوق الْفرس.
وَقَالَ الشَّافِعِي: الهجن والبراذين بِمَنْزِلَة الْخَيل اذا أجازها الْوَالِي.
وَهُوَ أَيْضا مَذْهَب الثَّوْريّ غير أَن الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ يسهمان للْفرس أَو البرذون سَهْمَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُسهم لَهُ سهم وَلَا تفضل بَهِيمَة على انسان.
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيّ يفضل الْفرس على الهجين. وَأرى عمر فِي هَذَا الحَدِيث قد أسْهم لما أشبه الْعتاق من البراذين وألغى غَيرهَا مِمَّا لم يشبه الْعتاق فَلم يُسهم لَهُ.
حَدثنِي أبي حَدثنِي أَبُو حَاتِم ثَنَا أَبُو عُبَيْدَة ان الشّعبِيّ قَالَ: أول من عرب العراب رجل من وَادعَة هَمدَان اغارت الْخَيل فصبحت الْعَدو وأبطأت الكوادن فَجَاءَت ضحى

(2/325)


فاسهم للعراب وَترك الكوادن. ثمَّ كتب الى عمر بن الْخطاب بذلك فَقَالَ: هبلت الوادعي أمه. لقد أذكرني أمرا كنت أنسيته. وَقَالَ غير أبي عُبَيْدَة: لقد أدكرت بِهِ أمرا.
وَكتب اليه: أَن نعم مَا صنعت. ومقارفة البراذين الْعتاق أَن تقاربها فِي اللحوق والسرعة. وَأما المقاربة فِي الْخلقَة فانما تقع بَين الْعَتِيق والهجين وَبَين المقرف والهجين.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الهجنة من قبل الْأُم والاقراف من قبل الاب. وَأنْشد لهِنْد بنت النُّعْمَان بن بشير فِي روح بن زنباع: من الطَّوِيل ... وَهل هِنْد الا مهرَة عَرَبِيَّة ... سليلة أَفْرَاس تجللها بغل ...

(2/326)


.. فان نتجت مهْرا كَرِيمًا فبالحرى ... وان يَك اقراف فَمن قبل الْفَحْل ...
هَكَذَا رَوَاهُ يَعْقُوب عَن من سَمعه من أبي عُبَيْدَة. وَالَّذِي حَكَاهُ لي أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة فِي كتاب: الْخَيل انه قَالَ: الاقراف أَن يضْرب فهيا عرق البراذين وَلم يذكر من أَي جِهَة ذَلِك.
وروى الْأَصْمَعِي أَن سُلَيْمَان بن ربيعَة الْبَاهِلِيّ ميز بَين الْعتاق والهجن لما تشابهت على عمر فَدَعَا بترس أَو بطست مَاء فَوضع بِالْأَرْضِ ثمَّ أُوتيت الْخَيل فَشَرِبت مِنْهُ فَمَا ثنى سنبكه ثمَّ شرب جعله هجينا لِأَن عُنُقه قصرت فَاحْتَاجَ الى أَن يثني سنبكه حَتَّى يبلغ المَاء وَمَا لم يثن سنبكه جعله عتيقا لِأَن عُنُقه طَالَتْ فاستغنى عَن ثني سنبكه.
نجز وَللَّه الْمِنَّة.

(2/327)


- حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ انه أقسم لِأَن أكون عبدا حَبَشِيًّا فِي أعنز حضنيات أرعاهن حَتَّى يدركني أَجلي احب الي من أَن أرمي فِي أحد الصفين بِسَهْم أصبت أَو أَخْطَأت.
حضنيات منسوبة الى حضن وَهُوَ جبل عَظِيم بِنَجْد تَقول الْعَرَب فِي مثل: انجد من رأى حضنا. يَقُول: فَلِأَن أكون عبدا رَاعيا فِي هَذَا الْجَبَل بِنَجْد احب الي من أَن أشهد حَربًا فِي فتْنَة.
نجز وَللَّه الْمِنَّة.

(2/328)


- حَدِيث سهل بن حنيف
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث سهل رَضِي الله عَنهُ ان عَامر بن ربيعَة قَالَ: انْطَلَقت أَنا وَسَهل نلتمس الْخمر فَوَجَدنَا خمرًا وغدير مَاء. وَدخل المَاء فَنَظَرت فَأَعْجَبَنِي خلقه فَأَصَبْته بِعَين فَأَخَذته قفقفة.
الْخمر: مَا واراك من الشّجر. يقا ل: ذِئْب خمر اذا كَانَ يلْزم الْخمر وَلَا يظْهر. كَمَا يُقَال: ذِئْب الغضا وسرحان الغضا. والقفقفة: الرعدة. قَالَ جرير: من الطَّوِيل ... هم رجعوها مسحرين كَأَنَّمَا ... بجعثن من حى الْمَدِينَة قفقف ...
نجز وَللَّه الْمِنَّة.

(2/329)


- حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس انه ذكر عِنْده قَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ حرمتهن آيَة وأحلتهن آيَة.
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: تحرمهن عَليّ قَرَابَتي مِنْهُنَّ وَلَا تحرمهن عَليّ قرَابَة بَعضهنَّ من بعض.
حَدَّثَنِيهِ أبي حدثنهي مُحَمَّد بن عبيد قَالَ: ثناه سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن عِكْرِمَة.
أما قَول عَليّ: حرمتهن آيَة وأحلتهن آيَة فانه اراد للأخوات من الاماء دون الْحَرَائِر. فالآية الَّتِي حرمت الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ من الا مَاء قَول الله جلّ وَعز فِي آيَة التَّحْرِيم: {وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ} . فَلم يشْتَرط حرَّة دون أمة.
وَالْآيَة الَّتِي أحلته قَوْله تَعَالَى: {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع فَإِن خِفْتُمْ أَلا تعدلوا فَوَاحِدَة أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم} .
فَلم يسْتَثْن من ملك الْيَمين شَيْئا فَهُوَ على الْعُمُوم. واراد ابْن عَبَّاس أَن يخبر بِالْعِلَّةِ الَّتِي وَقع من أجلهَا تَحْرِيم الْجمع بَين

(2/330)


الْأُخْتَيْنِ الحرتين ليدل بهَا على الْحَال فِي الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ الأمتين فَقَالَ: لم يَقع ذَلِك بِقرَابَة احدى الْأُخْتَيْنِ الحرتين من الْأُخْرَى لِأَن التَّحْرِيم لَو كَانَ من أجل ذَلِك لم يحل بعد وَطْء وَاحِدَة مِنْهُمَا وَطْء الْأُخْرَى أبدا كَمَا لَا يجوز وَطْء الْأُم مَعَ الْبِنْت وَلَا بعْدهَا أبدا وَلكنه وَقع من أجل قرَابَة الرجل مِنْهُمَا لِأَن ذَوي محارم الْمَرْأَة مثل: أَبِيهَا وعمها وخالها وَابْن أَخِيهَا وَابْن أُخْتهَا وَمن النِّسَاء مثل: أمهَا وعمتها وخالتها وَبنت اختها هم قَرَابَات الرجل بالختونة والصهر وَهُوَ قرابتهم مَا كَانَت الْمَرْأَة تَحْتَهُ فَحرم عَلَيْهِ أَن يتَزَوَّج الْأُخْت على الْأُخْت لِأَنَّهَا من أصهاره. وَكَذَلِكَ حرم عَلَيْهِ أَن يجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها وَالْمَرْأَة وخالتها لِأَن عمَّة الْمَرْأَة اذا جَعلتهَا رجلا كَانَت عَمَّا وَهُوَ محرم الْمَرْأَة. وَهَذَا معنى قَول سُفْيَان الثَّوْريّ: يكره للرجل أَن يجمع بَين امْرَأتَيْنِ. وَلَو كَانَت أحداهما رجلا لم تحل لَهُ الْأُخْرَى اذا كَانَ ذَلِك من نسب وَلَيْسَت بنت الْعم وَلَا بنت الْخَال كَذَلِك لِأَنَّك اذا جعلت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا ذكرا لم يكن للْمَرْأَة محرما فَجَاز للرجل أَن يجمع بَين ابْنَتي عميه وابنتي خاليه.
وَالدَّلِيل على أَن الصهر قرَابَة من تَأْوِيل الْكتاب قَول بعض الْمُفَسّرين فِي قَول الله عز وَجل: {وَجعل لكم من أزواجكم بَنِينَ وحفدة}

(2/331)


أَرَادَ بالحفدة الْأخْتَان أفما نرَاهُ على هَذَا التَّأْوِيل قد قرنهم بالبنين وجعلهم هبة من الْأزْوَاج.
وَقَوله جلّ وَعز: {وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهرا} أَرَادَ بِالنّسَبِ قرَابَة النّسَب والصهر قرَابَة النِّكَاح. وَالدَّلِيل على ذَلِك من النّظر ان الله جلّ وَعز ورث كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ صَاحبه كَمَا ورث قَرَابَات النّسَب وَلم يحجبهما عَن الْمِيرَاث بِأحد وَعلة التوريث هِيَ الْقَرَابَة الَّتِي وَقعت بَينهمَا بِالنِّكَاحِ لَا النِّكَاح لِأَن الْمَرْأَة قد أخذت ثمن الْبضْع وَهُوَ الْمهْر. فلولا الْقَرَابَة مَا ورثته وَلَا ورثهَا وَالدَّلِيل من اللُّغَة ان الصهر عِنْدهم قرَابَة النّسَب ايضا. يَقُولُونَ: فلَان مصهر بِنَا اذا كَانَ نسبه نسبهم وَمن ذَلِك قَول زُهَيْر: من الْبَسِيط ... فَضله فَوق أَقوام ومجده ... مَا لم ينالوا وان عزوا وان كرموا ...

(2/332)


قَود الْجِيَاد وأصهار الْمُلُوك وصبر فِي مواط ن لَو كَانُوا بهَا سئموا قَالُوا: لم يرد هَاهُنَا ختونة الْمُلُوك وانما أَرَادَ الْقَرَابَة مِنْهُم فان احْتج مُحْتَج بِأَن الرجل يُوصي لأقربائه بشىء يكون ذَلِك لِقَرَابَتِهِ بِالنّسَبِ من أَبِيه وَأمه. وَلَا يكون لأهل بَيت لقرابة مِنْهُ شَيْء قيل لَهُ: ان الصهر وان كَانَ بِمَعْنى الْقَرَابَة فانه شهر وَاسْتعْمل فِي قرَابَة النِّكَاح دون النّسَب وانما تقع الْأَحْكَام على مَا يتعارف النَّاس ويستعملون وَهَذَا بِمَنْزِلَة قَول الرجل: ثُلثي لموَالِي فَيكون ذَلِك لمواليه بالعتاقة دون بني عَمه وقرابته وهم أَيْضا موَالِيه وَأرى ابْن عَبَّاس قد أخرج لَا مَاء بِهَذَا القَوْل مِمَّن حكم الْحَرَائِر لِأَنَّهُ لَا قرَابَة بَين الرجل وَبَين ملك يَمِينه وَالنَّاس على غير هَذَا لَا يرَوْنَ بَين الحرتين والأمتين فرقا فِي تَحْرِيم الْجمع بَينهمَا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: ان حل لتوطىء وتؤذي وتشغل عَن ذكر الله جلّ وَعز.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد ثناه ابْن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: حل هُوَ زجر النَّاقة يُقَال لَهَا: حل وَحل

(2/333)


اذا حثثتها على السّير. وَالْمعْنَى أَن زجرك نَاقَتك واعجالك اياها فِي الافاضة من عَرَفَات توطىء النَّاس وتؤذيهم ويشغلك عَن ذكر الله يوقل: فسر على هينتك فَأَما زجر الذُّكُور من الأبل فحوب وحوب وحوب. وَمِنْه حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدَّثَنِيهِ أبي حَدثنِي القومسي عَن الْحمانِي عَن أبي الْأَحْوَص عَن سماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه كَانَ اذا قدم من سفر قَالَ: آيبون تائبون لربنا حامدون حوبا حوبا.
كَأَنَّهُ كَانَ اذا فرغ من هَذَا الْكَلَام زجر بعيره وَقَالَ دُكَيْن: من الزجز ... اليك وجهنا الْمطِي نزجره ... حوب وعاج وَحل نذكرهُ ...
وَيُقَال: وعاج أَيْضا.
وَفِي حَدِيث آخر انه كَانَ اذا دخل أَهله قَالَ: توبا توبا لَا يُغَادر علينا حوبا.

(2/334)


وَالْحوب هَاهُنَا الاثم وَلَيْسَ هُوَ من الأول فِي شَيْء وَفِيه ثَلَاث لُغَات: حوب وحوب وحاب.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ ان أَبَا خيرة قَالَ: سَأَلته فَقلت: أأقصر الصَّلَاة الى الأبلة قَالَ: تذْهب وَترجع من يَوْمك قلت: نعم. قَالَ: لَا الا يَوْمًا متاحا.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ عَبده الصفار عَن عبد الصَّمد عَن شُعْبَة عَن شبيل الضبعِي عَن أبي خيرة.
يُرِيد: لَا تقصر الصَّلَاة الا فِي مسيرَة يَوْم تَامّ الى اللَّيْل. وَمثل قَول ابْن عمر: لَا تقصر الصَّلَاة الا فِي يَوْم تَامّ. وَكَذَلِكَ يَوْم آخر ذُو جريد وبريد أَي: تَامّ.
وَقد اخْتلف النَّاس فِي مِقْدَار السّفر الَّذِي تقصر فِيهِ الصَّلَاة. فَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: تقصر فِي مسيرَة ثَلَاثَة ايام سير الابل ومشي الْأَقْدَام.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: من خرج من الْكُوفَة الى الْمَدَائِن قصر

(2/335)


وَأفْطر وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ فرسخا.
وَكَانَ الثَّوْريّ يَقُول: قصر الصَّلَاة فِي السّفر يكون ثَلَاثَة أَيَّام من غير تَوْقِيت فِي الفراسخ. قَالَ: وَكَانَ بعض الْفُقَهَاء يقصر فِي مسيرَة يَوْم وَبَعْضهمْ فِي مسيرَة يَوْمَيْنِ. وَالثَّلَاثَة الْأَيَّام أحب الينا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يقصر الْمُسَافِر الا أَن يكون سَفَره الَّذِي يُرِيد ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين ميلًا بالهاشمي.
وَرَأَيْت اسحق بن رَاهَوَيْه يَقُول فِي هَذَا قولا يجمع الْأَقَاوِيل قَالَ: اذا كَانَ سفرك أَرْبَعَة برد بِثمَانِيَة وَأَرْبَعين ميلًا قصرت الصَّلَاة. وَذَلِكَ يَوْم تَامّ للمسرع وَثَلَاثَة للمبطىء الَّذِي يسير بعض الْيَوْم ويحط فِي بعضه.
قَالَ: وَأَخْطَأ هَؤُلَاءِ حَيْثُ وقتوا ثَلَاثِينَ فرسخا من غير سنة وَهُوَ يَقُولُونَ فِي الظَّاهِر ثَلَاثَة أَيَّام للمبطىء على الدَّوَابّ وللمشاة على الْأَقْدَام. وَمن يشك فِي ان الْمَاشِي على قَدَمَيْهِ لَا يقدر أَن يديم مشي عشرَة فراسخ

(2/336)


فِي كل يَوْم.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: الْحجر الْأسود يَمِين الله فِي الأَرْض يُصَافح بهَا عباده أَو قَالَ: خلقه كَمَا يُصَافح النَّاس بَعضهم بَعْضًا.
حَدَّثَنِيهِ أبي ثناه أَبُو سُفْيَان الغنوي ثناه عبد الله بن يزِيد عَن عباد بن أبي خَليفَة أَو عباد بن أبي حليمة عَن ابراهيم بن يزِيد عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس.
هَذَا تَمْثِيل وتشبيه وَأَصله: أَن الْملك كَانَ اذا صَافح رجلا قبل الرجل يَده. وَكَأن الْحجر للله جلّ وَعز بِمَنْزِلَة الْيَمين للْملك يسْتَلم ويلثم.
وَقَالَ ابْن عَائِشَة: ان الله جلّ وَعز حِين أَخذ الْمِيثَاق من بني آدم {وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} .
قَوَّال: أما سَمِعْتُمْ اذا لمسوه يَقُولُونَ: ايمانا بك ووفاء بعهدك.

(2/337)


وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ لَا يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر وَيَقُول: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا أَمر أَن يقْرَأ فِيهِ وَسكت فِيمَا أَمر أَن يسكت فِيهِ لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة وَمَا كَانَ رَبك نسيا.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب عَن حَمَّاد عَن زيد عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة
يذهب قوم فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث الى ان صَلَاة الظّهْر وَالْعصر لَا قِرَاءَة فيهمَا.
واجماع الْمُسلمين على أَنه لَا صَلَاة الا ظَاهِرَة أَو مخفأة الا من غلط فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث.
وانما أَرَادَ عِكْرِمَة أَن ابْن عَبَّاس كَانَ لَا يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر جَهرا وَيسمع أُذُنَيْهِ وَرَأى قوما يقرؤون فيسمعون أنفسهم وَمن قرب مِنْهُم فَنهى عَن ذَلِك وَأمرهمْ أَن ياتسوا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَالدَّلِيل على مَا قُلْنَا قَوْله جلّ وَعز: {وَمَا كَانَ رَبك نسيا} يُرِيد: أَن الْقِرَاءَة الَّتِي تجْهر بهَا أَو تحرّك بهَا لسَانك وتسمعها نَفسك يَكْتُبهَا الْمَكَان فاذا أَنْت قَرَأت فِي نَفسك لم يكتباها لَك الا ان الله جلّ وَعز لَيْسَ نسيا مَا لم يكتباه وَلَا يغفله. وَنَحْو هَذَا قَول أبي

(2/338)


هُرَيْرَة: اقْرَأ بهَا يَا فَارسي فِي نَفسك. يَعْنِي فَاتِحَة الْكتاب خلف الامام وان جهر.
يَقُول: لَا تحرّك بهَا لسَانك فَتكون قَارِئًا والامام يقْرَأ. وَلَكِن اجْعَل ذَلِك فِي نَفسك.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: اذا بعتم السرق فَلَا تشتروه.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد ثناه احْمَد بن عبد الله بن يُونُس عَن زُهَيْر عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن حَيَّان بن عُمَيْر عَن ابْن عَبَّاس.
السرق: الْحَرِير وَأَصله فَارسي سره أَي: جيد. فغرب. وَمثله من المعرب بِالْقَافِ الطابق وَالْخَنْدَق والفراتق انما هُوَ: بروانه والبرق: الْحمل انما هُوَ

(2/339)


بره
واليلمق: القباء وَأَصله: يلمه والرزدق السطر وَأَصله: رسته والمهرق: الصَّحِيفَة وَأَصله: مهره. والموق: الْخُف وَأَصله: موزه ويعرب أَيْضا فَيُقَال: موزج. وَمِنْه حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ان امْرَأَة رَأَتْ كَلْبا فِي يَوْم حَار يطِيف ببئر قد أدلع لِسَانه من الْعَطش فنزعت لَهُ بموقها فغفر لَهَا.
وَمِمَّا أعرب من الْفَارِسِي أَيْضا حَدثنِي أبي خبرني السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الزرجون الْخمر. وَأَصله بِالْفَارِسِيَّةِ: زركون أَي: لون الذَّهَب قَالَ: والقفشليل: المغرفة وَهِي بِالْفَارِسِيَّةِ: الكفجلاز والكرد: الْعُنُق وَأَصله

(2/340)


بالفارسة: كردن.
وخبرني عَن أبي عُبَيْدَة انه رُبمَا وَافق الأعجمي الْعَرَبِيّ. قَالُوا: غزل سخت أَي: صلب. والزور: الْقُوَّة. والدست: الصَّحرَاء وَهِي بِالْفَارِسِيَّةِ: دشت وَلم يكن ذهب الى أَن فِي الْقُرْآن شَيْئا من غير لُغَة الْعَرَب. وَكَانَ يَقُول: هُوَ اتِّفَاق بَين اللسانين. وخبرنا بِمثل ذَلِك عَن أبي عُبَيْدَة عبد الله بن مُحَمَّد بن هانىء. وَكَانَ غَيره يزْعم ان القسطاس

(2/341)


الْمِيزَان بلغَة قوم من الرّوم. والمشكاة: الكوة بِلِسَان الْحَبَشَة والسجيل بِالْفَارِسِيَّةِ: سنك وكل. وَالطور: الْجَبَل بالسُّرْيَانيَّة. واليم: الْبَحْر بالسُّرْيَانيَّة.
وَأَرَادَ ابْن عَبَّاس بقوله اذا بعتم السرق فَلَا تشتروه: اذا بعتموه نَسِيئَة فَلَا تشتروه مِمَّن ابتاعه مِنْكُم بِنَقْد. وَلَيْسَ يكره هَذَا فِي الْحَرِير خَاصَّة دون غَيره وَلكنه فِي جَمِيع الْأَشْيَاء. وَلَا أرَاهُ خص الْحَرِير فِي هَذَا الحَدِيث الا أَنه بلغه عَن تجار انهم يبيعونه نَسِيئَة ثمَّ يشترونه نَقْدا مِمَّن باعوه مِنْهُ بِدُونِ الثّمن.

(2/342)


وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه لما بَايع النَّاس عبد الله بن الزبير قلت: أَيْن الْمَذْهَب عَن ابْن الزبير أَبوهُ حوارِي الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام وجدته عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة بنت عبد المطلب وَعَمَّته خَدِيجَة بنت خويلد زوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخالته أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة وجده صديق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَأمه أَسمَاء ذَات النطاقين فشددت على عضده ثمَّ أثر عَليّ الحميدات والتويتات والأسامات. فبأوت بِنَفس وَلم أَرض بالهوان ان ابْن أبي الْعَاصِ مَشى اليقدمية وَيُقَال: القدمية وان ابْن الزبير مَشى الْقَهْقَرَى.
وَفِي حَدِيث آخر ان ابْن الزبير لوى ذَنبه ثمَّ قَالَ لعَلي ابْن عبد الله بن عَبَّاس: الْحق بِابْن عمك فغثك خير من سمين غَيْرك ومنك أَنْفك وان كَانَ أجدع فلحق عَليّ بِعَبْد الْملك بن مَرْوَان فَكَانَ آثر النَّاس عِنْده.

(2/343)


يرويهِ سُلَيْمَان بن أبي شيخ عَن مُحَمَّد بن الحكم عَن عوَانَة. ويروى أَيْضا بعض هَذِه الْأَلْفَاظ يحيى بن سعيد الْأمَوِي عَن الاعمش.
قَوْله: مَشى اليقدمية أَي: تقدم بهمته وأفعاله. يُقَال: مَشى فلَان القدمية والقدمية. وان ابْن الزبير الْقَهْقَرَى: أَي: نكص على عقيبة وَتَأَخر عَن مَا تقدم لَهُ الآخر.
وَقَوله: فبأوت بنفسي أَي: رفعتها وعظمتها. وأصل البأو التَّعْظِيم والتكبر. وَمِنْه قَول عمر فِي طَلْحَة بن عبد الله: لَوْلَا بِأَو فِيهِ وَأما قَوْله: أثر عَليّ الحميدات والتويتات والأسامات. فانه أَرَادَ آثر قوما من بني أَسد بن عبد العزى من قرَابَته وَكَأَنَّهُ صغرهم وحقرهم. قَالَ الْأَصْمَعِي: هم الحميديون من بني اسد من قُرَيْش. وَابْن أبي الْعَاصِ عبد الملك بن مَرْوَان نسبه الى أبي جده.

(2/344)


قَالَ عبد الله بن الزبير الْأَسدي فِي هَذَا الْمَعْنى: من الطَّوِيل ... مَشى ابْن الزبير الْقَهْقَرَى وَتَقَدَّمت ... أُميَّة حَتَّى أحرزوا القصبات ...
يُرِيد: قصبات السَّبق.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه ذكر ابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام حِين جَاءَ باسماعيل وَهَاجَر فوضعهما بِمَكَّة فِي مَوضِع زَمْزَم ثمَّ تَركهمَا فَلَمَّا ظمىء اسماعيل جعل يدحض الأَرْض بعقبيه وَذَهَبت هَاجر حَتَّى علت الصَّفَا الى الْوَادي والوادي يَوْمئِذٍ لَاحَ.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن ابْن عَائِشَة عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس.
اللاح: الضّيق. يُرِيد أَن ذَلِك كَانَ بِكَثْرَة الشّجر وَالْحِجَارَة ثمَّ وسع بعد وَمن هَذَا يُقَال: لححت عينه اذا التصقت. وَيُقَال: مَكَان لحح أَي: ضيق ولاح. وَقَالَ الشماخ يذكر الْعَينَيْنِ:

(2/345)


.. بخوصاوين فِي لحح كنين ...
يُرِيد: عينين فِي مَوضِع لحح أَي: ضيق يَعْنِي مستقرهما.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن الْمَدّ والجزر فَقَالَ: ملك مُوكل بقاموس الْبحار فاذا وضع قدمه فاضت واذا رَفعهَا غاضت.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ ابْن مَرْزُوق عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن صباح عَن أَشْرَس عَن ابْن عَبَّاس.
الْقَامُوس من الْبَحْر: وَسطه ومعظم مائَة. وَهُوَ فاعول من القمس والقمس: الغوص.
وَمِنْه حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: انه رجم رجلا ثمَّ صلى عَلَيْهِ وَقَالَ: انه الْآن لينقمس فِي رياض الْجنَّة. وَفِي حَدِيث آخر: فِي أَنهَار الْجنَّة.
والقلمس: الْبَحْر نَفسه وَهُوَ الرجاف أَيْضا

(2/346)


وأنشدني عبد الرحمن عَن عَمه: من الْكَامِل ... المطعمون الشَّحْم كل عَشِيَّة ... حَتَّى تغيب الشَّمْس فِي الرجاف ...
قَالَ: وَكَانَ يَقُول فِي قَول لبيد: من الرجز ... حَتَّى اذا القت يدا فِي كَافِر
أَنه الْبَحْر وَغَيره يَقُول: اللَّيْل.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ كَانَ أهل الْكتاب لَا يأْتونَ النِّسَاء الا على حرف. وَكَانَ الْأَنْصَار قد أخذُوا بذلك من صنيعهم وَكَانَ هَذَا الْحَيّ من قُرَيْش يشرحون النِّسَاء شرحا مُنْكرا.
بَلغنِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عبد الله بن نمير عَن مُحَمَّد بن اسحق عَن أبان بن صَالح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس.

(2/347)


قَوْله: يشرحون النِّسَاء يَعْنِي: يفتحونهن. وَمِنْه يُقَال: شرحت لَك الْأَمر اذا بَينته. انما هُوَ فتحك مَا انغلق مِنْهُ واحسب قَوْلهم: شرحت اللَّحْم من ذَلِك انما هُوَ فَتحته. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ} أَي يَفْتَحهُ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ ان رجلا قَالَ لَهُ: ان فِي حجري يَتِيما وان لَهُ ابلا فِي ابلي وَأَنا أمنح ابلي وأفقر فَمَا يحل لي من ابله فَقَالَ: ان كنت ترد نادتها وَتَهْنَأ جَرْبَاهَا وَتَلوط حَوْضهَا فَاشْرَبْ غير مُضر بِنَسْل وَلَا نَاهِك حَلبًا أَو قَالَ: فِي حلب.
يرويهِ سُفْيَان عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن أبن عَبَّاس.
بَلغنِي ان شَرط الرَّاعِي فِيمَا بَينه وَبَين من استرعاه مَاشِيَته أَن يَقُول المسترعي لِلرَّاعِي: ان عَلَيْك أَن ترد ضَالَّتهَا وَتَهْنَأ جربتها وَتَلوط حَوْضهَا ويدك مبسوطة فِي الرُّسُل مَا لم تنهك حَلبًا أَو تضر بِنَسْل فَيَقُول عِنْد ذَلِك الرَّاعِي لرب الْمَاشِيَة: لَيْسَ لَك أَن تذكر امي بِخَير وَلَا شَرّ وَلَك حذفة بالعصا عِنْد غضبك

(2/348)


أَخْطَأت أم اصبت ولي مقعدي من النَّار وَمَوْضِع يَدي من الْحَار هَذَا مَا يرْوى عَنْهُم. وَلست أَدْرِي أَهَذا مَأْخُوذ من كَلَام ابْن عَبَّاس ام أَخذ ابْن عَبَّاس مَا قَالَ من هَذَا الشَّرْط.
أما قَوْله: امنح وأفقر فقد فسرناه فِيمَا تقدم.
وَقَوله: تلوط حَوْضهَا أَي تطينه وأصل اللوط اللصوق أَي: تلصق الطين بِهِ وَمِنْه قيل: فلَان ألوط بقلبي مِنْك وَفِيه لُغَة أُخْرَى: لَاطَ يليط وَهُوَ أليط بقلبي. وأنشدني ابْن حبَان عَن أَبِيه عَن أبي زيد: من الوافر ... الا قَالَت بهان فَلم تابق ... نعمت وَلَا يليط بك النَّعيم ...
وَمِنْه حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ: أَنه كَانَ يليط أَوْلَاد الْجَاهِلِيَّة بِمن أدعاهم فِي الاسلام.

(2/349)


وَيُقَال: هُوَ يمدر حَوْضه اذا أَخذ الْمدر فسد بِهِ حصاص مَا بَين حجارته. قَالَ بعض الْأَعْرَاب: من الْكَامِل ... خلق السَّمَاء وَأَهْلهَا فِي جُمُعَة ... وَأَبُوك يمدر حَوْضه فِي عَام ...
وَقَوله: مَا لم تنهك حَلبًا أَي: مَا لم تستوعب مَا فِي الضَّرع وتستقصيه فتضر بِالْوَلَدِ. وانما رخص لَهُ فِي شرب فضل اللَّبن. وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمعذرة وَهِي الخافضة: أشمية وَلَا تنهكيه فانه أحظى لَهَا عِنْد البعل يُقَال: عذرت الْغُلَام وأعذرته اذا ختنته. ونهكت النَّاقة فِي الْحَلب: جهدتها وَمِنْه النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أَمر ضرار ابْن الْأَزْوَر أَن يحلب نَاقَة وَقَالَ لَهُ: دع دَاعِي اللَّبن

(2/350)


لَا تجهدن. يُرِيد: دع فِي الضَّرع مِنْهُ شَيْئا يسْتَنْزل اللَّبن وَلَا تنهكه حَلبًا فَيَنْقَطِع أَو يقل. وَلَيْسَ هَذَا من الْمَعْنى المذموم فِي شَيْء انما الْمَعْنى المذموم عِنْدهم: الكسع والتغزير. والكسع أَن تنصح الضرة بِمَاء بَارِد ثمَّ تضرب بالكف صعدا لتَصْعَد الدرة فِي الظّهْر فَيكون طرقا لَهَا فِي الْعَام الْمقبل وَقُوَّة فِي وَقتهَا ذَلِك.
قَالَ الْحَارِث بن حلزة: من السَّرِيع ... لَا تكسع الثول بأغبارها ... انك لَا تَدْرِي من الناتج ...
واصبب لأضيافك من رسلها ... فان شَرّ اللَّبن الوالج ...
والأغبار جمع غبر وَهُوَ بَقِيَّة اللَّبن فِي الضَّرع. يَقُول: لَا تفعل هَذَا فانك لَا تَدْرِي لَعَلَّك تَمُوت أَو يغار على ابلك فَيذْهب بهَا: فَيصير مهنؤها لغيرك.
وَقَالَ بعض الرجاز يذم رجلا: من الرجز ... أكبر مَا نعلمهُ من كفره ... أَن كلهَا يكسعه بغبره
ولايبالى وَطئهَا فِي قَبره ...

(2/351)


سمع بقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ان الابل وَالْغنم اذا لم يؤد صَاحبهَا الْحق عَلَيْهِ فِيهَا بطح لَهَا بقاع قرقر فوطئته.
يَقُول: فَهَذَا لَا يُبَالِي أَن تطَأ بعد مَوته. وَيُقَال: جهدت الرجل أَيْضا فِي السُّؤَال اذا ألححت عَلَيْهِ وَلبن مجهود أَي: منتهك. قَالَ الشماخ وَذكر ابلا بالغزارة: من الْبَسِيط ... تضحى وَقد ضمنت ضراتها غرقا ... من ناصع اللَّوْن حُلْو غير مجهود ...
ويروى: حُلْو الطّعْم مجهود.
والمجهود فِي هَذِه الرِّوَايَة: المشتهى. يُقَال: جهد الطَّعَام اذا اشتهي.
قَالَ أَبُو جَعْفَر عَن أَبِيه: غرقا جمع غرقة وَهُوَ دفْعَة من اللَّبن. وَكَذَلِكَ الكثبة. ناصع: أَبيض: غير مجهود: أَي ينهك.

(2/352)


وَلَا يجْهد فِي الْحَلب وَطلب الدرة أَي هُوَ يتحلب عفوا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: مَا رَأَيْت أحدا كَانَ أخلق للْملك من مُعَاوِيَة. كَانَ النَّاس يردون مِنْهُ أرجاء وَاد رحب لَيْسَ مثل الْحَصِير العقص يَعْنِي: ابْن الزبير ويروى: الْحصْر العصعص.
يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن همام بن مُنَبّه عَن ابْن عبا س.
قَوْله: يردون مِنْهُ أرجاء وَاد وَاسع لَا يضيق على من ورده ليشْرب.
والرجا: حرفه وشفيره. والحصر: الممسك الْبَخِيل. قَالَ الشَّاعِر: من الْكَامِل ... وَلَقَد تسقطني الوشاة فصادفوا ... حصرا بسرك يَا أميم ضنينا ...
أَرَادَ: بَخِيلًا بسرك والحصور: الضّيق من الرِّجَال والعقص: السيء الْخلق المتلوي الْعسر. وَفِيه لُغَة أُخْرَى:

(2/353)


عكص. والشكس مثله. وَقَالَ ذُو الرمة: من الوافر ... وَلَا عقصا بحاجته وَلَكِن ... عَطاء لم يكن عدَّة مطالا ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس ان الْحسن ذكره فَقَالَ: كَانَ أول من عرف بِالْبَصْرَةِ صعد الْمِنْبَر فَقَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان وفسرهما حرفا حرفا. وَكَانَ مثجا يسيل غربا.
يرويهِ سُفْيَان عَن أبي بكر الْهُذلِيّ عَن الْحسن.
قَوْله: وَكَانَ مثجا هُوَ من الثج والثج: السيلان. وَمِنْه قَول رَضِي الله جلّ وَعز عَنهُ: {وأنزلنا من المعصرات مَاء ثجاجا} يُرِيد: انه يصب الْكَلَام صبا.
وَقَوله: يسيل غربا أَي: يسيل فَلَا يَنْقَطِع: يُقَال: بِعَيْنِه غرب اذا كَانَت تسيل فَلَا تَنْقَطِع دموعها. قَالَ الشَّاعِر:

(2/354)


من الرجز ... مَا لَك لَا تذكر أم عَمْرو ... الا لعينيك غرُوب تجْرِي ...
قَالَ أَبُو زيد: الْغُرُوب: الدُّمُوع حِين تخرج من الْعين. والغربان من كل عين مقدمها ومؤخرها.
قَالَ الْأَصْمَعِي: وأصل هَذَا كُله: الدَّلْو. والغرب فِي غير هَذَا حد الشَّيْء. وَيُقَال فِي الرجل غرب أَي: حِدة. وَمِنْه حَدِيث لِابْنِ عَبَّاس آخر سُئِلَ عَن السّلف فَقَالَ: أعن أبي بكر كَانَ وَالله برا تقيا من رجل كَانَ يصادى مِنْهُ غرب.
وَسُئِلَ الْحسن عَن الْقبْلَة للصَّائِم فَقَالَ: اني أَخَاف عَلَيْكُم غرب الشَّبَاب.
وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: لم أر امرأاة خيرا وَلَا أَكثر صَدَقَة وأوصل لرحم وأبذل لنَفسهَا فِي كل شَيْء يتَقرَّب بِهِ الى الله جلّ وَعز من زَيْنَب مَا عدا سُورَة من غرب كَانَ فِيهَا توشك مِنْهَا الْفَيْئَة.

(2/355)


تُرِيدُ: كل خلالها محمودة مَا خلا سُورَة من حِدة وَالسورَة والثورة وَاحِد. يُقَال: سَار يسور وَمِنْه قيل: ساوره الْأسد. وَقيل للمعربد: سوار.
قَالَ الأخطل: من الْبَسِيط ... وشارب مربح بالكأس نادمني ... لَا بالحصور وَلَا فِيهَا بِسوار ...
وَمِنْه يُقَال: بِهَذَا الشَّرَاب سور.
وَقَوْلها: توشك مِنْهَا الْفَيْئَة أَي: يتسرع مِنْهَا الرُّجُوع. وَقَوله: يصادي أَي يدارى. والمصاداة والمدالاة والمداجاة والمراداة والمداملة كل هَذَا فِي معنى المداراة ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن أَبَا بشامة قَالَ قلت لَهُ: اني قلت حَيَّة وَأَنا محرم فَقَالَ: هَل بهشت اليك. قَالَ قلت: لَا. قَالَ: لَا بَأْس بقتل الأفعو وَلَا برمي الحدوه. قَالَ: فَمَا نسيت خلاف كَلَامه لكلامنا.
يرويهِ روح بن عبَادَة عَن عمرَان بن حدير عَن منقر أبي

(2/356)


بشامة.
قَوْله: هَل بهشت اليك. يُرِيد: هَل أَقبلت اليك تريدك يُقَال: قد بهش فلَان الى كَذَا اذا خف اليه يُريدهُ. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... سبقت الرِّجَال الباهشين الى العلى ...
وَمِنْه الحَدِيث ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أرسل أَبَا لبَابَة الى الْيَهُود فبهش اليه النِّسَاء وَالصبيان يَبْكُونَ فِي وَجهه.
وَأما قَوْله: الأفعو فان الْوَاو قد يبدلها بعض الْعَرَب من الْألف آخرا فَيَقُولُونَ: أفعو وحبلو. ذكر ذَلِك سِيبَوَيْهٍ وَغَيره.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:

(2/357)


ان الله جلّ وَعز أوحى إِلَى الْبَحْر أَن مُوسَى يَضْرِبك فأطعمه فَبَاتَ وَله أفكل.
يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن ابراهيم بن ميسرَة عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس. الأفكل: الرعدة. قَالَ النمر: من الطَّوِيل ... أرى أمنا أضحت علينا كَأَنَّمَا ... تجللها من نافض الْورْد أفكل ...
يُرِيد: انها غضِبت حِين رَأَتْهُ يوثر بألبان ابله فأرعدت كَأَن بهَا حمى.
وَالْأَرْض أَيْضا: الرعدة. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: أزلزلت الأَرْض أم بِي أَرض. أَي: بِي رعدة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس انه قَالَ: لَا تَأْكُلُوا من تعاقر الْأَعْرَاب فَانِي لَا آمن أَن يكون مِمَّا أهل بِهِ لغير الله. يرويهِ معَاذ عَن عَوْف عَن أبي رَيْحَانَة.
تعاقر الْأَعْرَاب: عفرهم الابل وَذَلِكَ أَن يتبارى الرّجلَانِ ويتجاوروا فيعقر هَذَا ويعقر هَذَا حَتَّى يعجز أَحدهمَا أَو

(2/358)


يبخل وَيكون ذَلِك للنَّاس فَنهى ابْن عَبَّاس عَن أكله اذ كَانَ رِيَاء وَسُمْعَة لم يرد الله بِشَيْء مِنْهُ. وَشبهه بِمَا أهل بِهِ لغير الله أَي: أُرِيد بِهِ غَيره. وَقد كَانَ غَالب أَبُو الفرزدق عَاقِر سحيم بن وثيل الريَاحي ففخر الفرزدق بذلك على جرير فَقَالَ جرير لتميم: من الطَّوِيل ... دعوا الْمجد الا أَن تسوقوا كزومكم ... وقينا عراقيا وقينا يَمَانِيا ...
الكزوم: النَّاقة المسنة. يُرِيد: أَن تفخروا بِنَاقَة مُسِنَّة عقرهَا غَالب حِين عاقره سحيم.
وقينا عراقيا يَعْنِي: البعيث وقينا يَمَانِيا يَعْنِي: الفرزدق. وانما جعل هَذَا عراقيا وَذَا يَمَانِيا لمواضع منازلهما. وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن طَعَام المتباريين أَن يُؤْكَل.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ:

(2/359)


كَانَ دحْيَة اذا قدم لم تبْق معصر الا خرجت تنظر اليه المعصر: الْجَارِيَة اذا دنت من الْحيض وَيُقَال: هِيَ الَّتِي أدْركْت. قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... قد أعصرت أَو قد دنا اعصارها ...
وانما كن يخْرجن اليه لجماله. وَكَانَ جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشبه بِهِ واذا خرج المعاصير وَهن يحجبن ويمنعن من الْخُرُوج كَأَن النِّسَاء أَحْرَى بِالْخرُوجِ. وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وَعز: {وأنزلنا من المعصرات مَاء ثجاجا} وَهِي السَّحَاب. وَالْأَصْل: معاصير الْجَوَارِي كَأَنَّهَا شبهت بهَا. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المعصرات: الكثيرات الْمَطَر. وَيُقَال: هِيَ ذَوَات الأعاصير.

(2/360)


وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رضى الله عَنهُ انه قَالَ: الْجَرَاد نثرة حوت.
يرويهِ وَكِيع عَن سُفْيَان عَن أبي خَالِد الوَاسِطِيّ عَن رجل عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: نثرة حوت أَي: عطسته وَيُقَال: نشرت الشَّاة تنثر نثرا اذا عطست.
والنثرة: الْأنف وانما قيل لأوّل نجم من الْأسد نثره الْأسد لأَنهم: أَرَادوا أَنفه. وَهُوَ من منَازِل الْقَمَر ونوءه عِنْدهم مَحْمُود وَمِنْه قيل للاستشاق: الاسنثار. وَالَّذِي يُرَاد من الحَدِيث: انه جعل الْجَرَاد من صيد الْبَحْر بِمَنْزِلَة السّمك يحل للْمحرمِ أَن يصيده ويأكله.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رضى الله عَنهُ أَنه سُئِلَ: مَا فِي أَمْوَال أهل الذِّمَّة فَقَالَ: الْعَفو.
قَوْله: الْعَفو يُرِيد: أَنه قد عُفيَ لَهُم عَمَّا فِيهَا من الصَّدَقَة وَعَن الْعشْر فِي أَرضهم.

(2/361)


وَقد اخْتلف النَّاس فِي هَذَا فَكَانَ مَالك يَقُول: لَيْسَ عَلَيْهِم فِي أرضيهم وَلَا مَوَاشِيهمْ وَلَا فِي أَمْوَالهم شَيْء الا مَا أمروا بِهِ فِي تِجَارَتهمْ. والجزية على رؤوسهم انما الصَّدقَات على الْمُسلمين طهرة لَهُم. وَزَكَاة لأموالهم وَكَانَ الثَّوْريّ يري عَلَيْهِم الْعشْر.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: أَربع لَا يجنبن: الثَّوْب والانسان وَالْأَرْض وَالْمَاء. ذكره لنا اسحق ابْن رَاهَوَيْه وَفَسرهُ بِنَحْوِ هَذَا التَّفْسِير.
قَالَ: الثَّوْب ان أَصَابَهُ عرق الْجنب لم ينجس وَكَذَلِكَ ان أَصَابَهُ عر ق الْحَائِض. والانسان ان صافحه جنب لم ينجس وَكَذَلِكَ ان صافحه مُشْرك أَو يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ.
وَالْمَاء ان اغْتسل فِيهِ جنب أَو أَدخل يَده فِيهِ ينجس. وَالْأَرْض ان اغْتسل عَلَيْهَا جنب لم تنجس.
والجنابة: النَّجَاسَة يُقَال: أجنبته فأجنب فَهُوَ مجنب.

(2/362)


وَقَالَ بَعضهم: وأصل الْجَنَابَة الْبعد وَكَأَنَّهُ من قَوْلك: جانبت الرجل اذا أَنْت قطعته وباعدته. ولج فلَان فِي جناب أَهله اذا لج فِي مباعدتهم. وَلذَلِك قَالُوا للغريب: جنب وللغربة: الْجَنَابَة. يقا ل: رجل غرُوب جنب اذا كَانَ غَرِيبا. وَنعم الْقَوْم هم لِجَار الْجَنَابَة أَي: لِجَار الغربة. فَسُمي الناكح مَا لم يغْتَسل جنبا لمجانبته النَّاس وَبعده مِنْهُم وَمن الطَّعَام حَتَّى يغْتَسل. كَمَا سمي الْغَرِيب جنبا لبعده من عشيرته ووطنه.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: فِي الرجل يَسْتَفِيد المَال يُزَكِّيه يَوْم يستفيده.
يرويهِ يزِيد عَن هِشَام بن حسان عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. لَا أعلم أحدا قَالَ بِهَذَا الا أَن يكون للرجل مَال قد حَال عَلَيْهِ الْحول وَوَجَبَت فِيهِ الزَّكَاة ويستفيد فِي وَقت وجوب الزَّكَاة عَلَيْهِ مَالا آخر فيضمه اليه ويزكيه. وَهَذَا شَيْء يذهب اليه بعض الْفُقَهَاء وَبَعْضهمْ يَقُول: لَا زَكَاة على الْمُسْتَفَاد حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول من يَوْم يستفيده وَلَا يرى أَن عَلَيْهِ ان يضمه الى مَا قد وَجَبت فِيهِ الزَّكَاة أَو يكون أَرَادَ بِالْمَالِ هَاهُنَا مَا تخرجه الأَرْض من الْحبّ. فالزكاة فِيهِ وَاجِبَة يُسْتَفَاد اَوْ فِي ثمنه يَوْم يقبض.

(2/363)


وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه ذكر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَيَوْم فتنته فَقَالَ: دخل المحرب وأقعد منصفا على الْبَاب.
الْمنصف: الْخَادِم والجميع مناصف. تَقول: نصفت الرجل فَأَنا أنصفه نصافة اذا خدمته. قَالَ عمر بن أبي ربيعَة: من الْبَسِيط ... قَالَت لَهَا ولأخرى من مناصفها ... لقد وجدت بِهِ فَوق الَّذِي وجدا ...
أَي: لأخرى من خدمها.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: فِي قَول الله تَعَالَى: {وَجِئْنَا ببضاعة مزجاة} .
الغرارة وَالْحَبل والخرص وَالشَّيْء. الْخرص: الْحلقَة حَلقَة القرط وحلقة الشنف وَالْجمع: أخراص. والخرص أَيْضا السنان وَجمعه: خرصان. وَرُبمَا جعلُوا الرمْح

(2/364)


خرصا والرماح خرصانا. قَالَ أَعْرَابِي فِي حَدِيثه وذكرقوما أَسرُّوا: استزلوهم عَن متون الْجِيَاد بلببة الخرصان نزع الدلاء بالأشطان.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: كَانَ الْوَحْي اذا نزل سَمِعت الْمَلَائِكَة صَوت مرار السلسلة على الصَّفَا.
يرويهِ حَمَّاد عَن عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس.
المرار: أَصله الفتل وَمِنْه قيل للحبل مرار لِأَنَّهُ يمر أَي: يفتل. وَيُقَال: ماررت فلَانا اذا تلونت عَلَيْهِ وخالفته وَهُوَ من الفتل. قَالَ أَبُو الْأسود وَسَأَلَ عَن رجل: مَا فعلت امْرَأَته الَّتِي كَانَت تشاره وتهاره وتزاره وتماره.
قَوْله: تزاره من الزر وَهُوَ العض. ومرار السلسلة أَن يجر على الصَّفَا فتتلوى حلقها على الصَّفَا فَيسمع صَوت ذَلِك. وان كَانَت الرِّوَايَة صَوت امرار السلسة بِالْألف وَهُوَ مصدر: أمررت الشَّيْء اذا أجررته ومررت بِهِ. وَأَحْسبهُ كَذَلِك لِأَنِّي وجدت فِي

(2/365)


6 - حَدِيث حنين انهم سمعُوا صلصلة بَين السَّمَاء وَالْأَرْض كامرار الْحَدِيد على الطست الْجَدِيد.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ يَقُول: اذا أَفَاضَ من عِنْده فِي الحَدِيث بعد الْقُرْآن وَالتَّفْسِير احمضوا.
قَوْله: أحمضوا هُوَ من الحمض والحمض مَا ملح من النبت. وَالْعرب تلقي الابل فِي الْخلَّة وَهُوَ ماحلا من النبت. فاذا مِلَّته ألقتها فِي الحمض.
واراد ابْن عَبَّاس اذا مللتم من الحَدِيث وَالْفِقْه فَخُذُوا فِي الْأَشْعَار وأخبار الْعَرَب لتروحوا بذلك قُلُوبكُمْ. وَنَحْوه قَول الزُّهْرِيّ: هاتوا من أَشْعَاركُم فان الْأذن مجاجة وَالنَّفس حمضة.
يُرِيد: أَنَّهَا تشْتَهي الشَّيْء بعد الشىء كَمَا تشْتَهي الابل الحمض بعد الْخلَّة.

(2/366)


وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَن أنس ابْن سِيرِين قَالَ: استحيضت امْرَأَة من آل أنس بن مَالك فأمروني فَسَأَلت ابْن عَبَّاس عَن ذَلِك فَقَالَ: اذا رَأَتْ الدَّم البحراني فَليدع الصَّلَاة فاذا رَأَتْ الطُّهْر وَلَو سَاعَة من النَّهَار فلتغتسل ولتصل.
يرويهِ خَالِد الْحذاء عَن أنس بن سِيرِين.
الدَّم: دم الْحيض بِعَيْنِه لَا دم الِاسْتِحَاضَة وانما سَمَّاهُ بحرانيا لغلظه وَشدَّة حمرته حَتَّى يكَاد يسود وَنسبه الى الْبَحْر وَالْبَحْر عمق الرَّحِم وكل عمق وكل شقّ بَحر. وَمِنْه قيل: تبحر فلَان فِي الْعلم أَي: تعمق فِيهِ وَتوسع. قَالَ العجاج وَذكر دَمًا: من الرجز ... ورد من الْجوف وبحراني ...
أَي: عبيط خَالص من الْجوف وَزَاد الْألف وَالنُّون فِي النّسَب لِأَنَّهُ أَرَادَ دم الْحيض الغليظ الطبيعي لَا الْعَارِض الرَّقِيق فِي الِاسْتِحَاضَة من عرق يسيل أَو ركضة من الشَّيْطَان كَمَا رُوِيَ فِي الحَدِيث. وَكَذَلِكَ ينسبون الى الْخلق والأعضاء فَيَقُولُونَ: رجل رقباني

(2/367)


اذا كَانَ غليظ الرَّقَبَة وجماني اذا كَانَ ذَا جمة وشعراني اذا كَانَ ذَا شعر. وَلَو نسبوه الى غير خلقه فِيهِ لأسقطوا الْألف وَالنُّون كَرجل أردْت أَن تنسبه الى شعر عِنْده أَو شعر يَطْلُبهُ فَتَقول: شعري وَلَا تقل شعراني.
وحَدثني أبي قَالَ: حَدثنِي أحنمد بن سعيد عَن أبي عُبَيْدَة انه قَالَ هَذِه امْرَأَة استحيضت وَلم تكن تعرف عدد ايام حَيْضهَا لاختلافها عَلَيْهَا فَأمرهَا أَن تتعرف ذَلِك من الدَّم فتقعد عَن الصَّلَاة مَا كَانَ الدَّم دم الْحيض الطبيعي الَّذِي ترَاهُ الْحيض من النِّسَاء ويعرفنه فاذا تغير ذَلِك ورق فَهُوَ حِينَئِذٍ عَارض فتستثفر وتتوضأ لكل صَلَاة وَتصلي فان رَأَتْ الطُّهْر سَاعَة من النَّهَار اغْتَسَلت فانء عاودها دم الِاسْتِحَاضَة تَوَضَّأت وصلت كَذَلِك أبدا حَتَّى ترى الدَّم البحراني ثَانِيَة فَتكون حَائِضًا فتقعد عَن الصَّلَاة وَلَو كَانَت هَذِه الْمَرْأَة تعرف أَيَّام حَيْضهَا لأمرها ان تقعد تِلْكَ الْأَيَّام عَن الصَّلَاة ثمَّ تستثفر وَتصلي وَلم يأمرها بِالنّظرِ الى الدَّم.
كمل حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ.

(2/368)


- حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ انه كتب الى عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ان الْبَحْر خلق عَظِيم يركبه خلق ضَعِيف دود على عود بَين غرق وبرق. فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: لَا يسألني الله عَن أحد حَملته فِيهِ.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي اسحق عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن عَمْرو بن شُعَيْب.
الْبَرْق: الدهش والحيرة. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فَإِذا برق الْبَصَر} اذا حَار عِنْد الْمَوْت. وَمن قَرَأَ: برق أَرَادَ: بريقه اذا شخص وَأَرَادَ: ان رَاكب الْبَحْر اما أَن يغرق واما أَن يكون فِيهِ مدهوشا حيران.

(2/369)


وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: ان ابْن حنتمة بعجت لَهُ الدُّنْيَا معاها وَأَلْقَتْ اليه افلاذ كَبِدهَا ونقت لَهُ مختها وَأَطْعَمته شحمتها وأمطرت لَهُ جودا سَالَ مِنْهُ شعابها ودفقت فِي محافلها فمص مِنْهَا مصا وقمص مِنْهَا قمصا وجانب غمرتها وَمَشى ضحضاحها وَمَا ابتلت قدماه أَلا كَذَلِك أَيهَا النَّاس قَالُوا: نعم. رَحمَه الله.
يرويهِ حكم بن هِشَام عَن حكم بن عوَانَة عَن أَبِيه عَن عَمْرو بن الْعَاصِ.
ابْن حنتمة: عمر بن الْخطاب وَأمه حنتمة بنت هِشَام بن الْمُغيرَة.
وَقَوله: بعجت لَهُ الدُّنْيَا معاها مثل ضربه. أَرَادَ: أَنَّهَا كشفت لَهُ عَمَّا كَانَ فِيهَا مخبؤا عَن غَيره. والبعج: الشق وَالْفَتْح.
وَأَلْقَتْ اليه أفلاذ كَبِدهَا يَعْنِي: كنوزها. وهم يكنون عَن المَال بأفلاذ الكبد وَهِي قطعهَا وَلذَلِك يَقُول: عَابِر الرُّؤْيَا فِي الكبد انه مَال مدفون.
والشعاب: الأودية. والمحافل: الْمَوَاضِع الَّتِي يحتفل فِيهَا المَاء.

(2/370)


أَي: يجْتَمع وَيكثر.
وَقَوله: فمص مِنْهَا مصا أَي: نَالَ الْيَسِير. وقمص قمصا أَي: نفر يُقَال دَابَّة بِهِ قماص بِكَسْر الْقَاف. وجانب غمرتها أَي: كثرتها. وَمَشى ضحضاحها وَهُوَ مَا رق من المَاء على وَجه الأَرْض. وَمِنْه: ان أَبَا طَالب فِي ضحضاح من نَار.
وَمَا ابتلت قدماه. يَقُول: لم يتَعَلَّق مِنْهَا بِشَيْء.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ لعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ على الْمِنْبَر يَا عُثْمَان: انك قد ركبت بِهَذِهِ الْأمة نهابير من الْأَمر فتب.
يرويهِ خَالِد بن الْحَارِث عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أَبِيه عَن أبي عَلْقَمَة.
النهابير: أَصله مَا أشرف على الرمل وشق على الرَّاكِب ان يقطعهُ. وَاحِدهَا نهبور وَيجمع نهابر أَيْضا. قَالَ نَافِع بن

(2/371)


لَقِيط: من الْكَامِل ... أُعْطِيك ذمَّة وَالِدي كليهمَا ... لأذرفنك الْمَوْت ان لم تهرب
ولأحملنك على نهابر ان تثب ... فِيهَا وان كنت المنهت تعطب ...
لأذرفنك الْمَوْت أَي: لأشرفن بك على الْمَوْت. وَمِنْه يُقَال: ذرف فلَان على السِّتين أَي: أشرف عَلَيْهَا. وروى بَعضهم عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَ: هَا أَنا الْآن قد ذرفت على السِّتين وَلَكِن لَا رَأْي لمن لَا يطاع.
وَهُوَ على هَذَا التَّفْسِير وَيحْتَمل ان يكون لم يبلغهَا وَلكنه قاربها وَيحْتَمل أَن يكون جازها فأرمى عَلَيْهَا.
يرويهِ سُفْيَان عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: قتل عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ابْن ثَمَان وَخمسين.

(2/372)


وَقَالَ أَبُو زيد: ذرفت على السِّتين وزرقت ووذمت وأرميت: زِدْت. يَقُول: لأحملنك على مشقات كالنهابير لَا تسلم مِنْهَا وَلَو كنت المنهت وَهُوَ الْأسد. يُقَال: نهت ينهت نهيتا. وَمِنْه قيل للمهالك: نهابر. وَمِنْه الحَدِيث: من أصَاب مَالا من مهاوش أذهبه الله فِي نهابر.
والمهاوش: الْفِتَن والاختلاط.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَمْرو رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ فِي سفر فَرفع عقيرته بِالْغنَاءِ فَاجْتمع النَّاس فَقَرَأَ فتقرقوا فَفعل ذَلِك وفعلوه غير مرّة. فَقَالَ: يَا بني المتكاء اذا أخذت فِي مَزَامِير الشَّيْطَان اجْتَمَعْتُمْ واذا اخذت فِي كتاب الله تفرقتم.
يرويهِ ابْن لَهِيعَة عَن أبي الْأسود.

(2/373)


عقيرته: صَوته. قَالَ الْأَصْمَعِي: وأصل ذَلِك أَن رجلا قطعت احدى رجلَيْهِ فَرَفعهَا ووضعها على الْأُخْرَى وصرخ بِأَعْلَى صَوته فَقيل لكل من رفع صَوته رفع عقيرته. وَقد كَانَ يذكر مَعَ ذَلِك حروفا قد ذكرتها فِي مَوَاضِع.
قَالَ وَمثله قَوْلهم: بَيْننَا وَبينهمْ مَسَافَة وَأَصله من السوف. وَهُوَ الشم. فَكَانَ الدَّلِيل بالفلاة رُبمَا أَخذ التُّرَاب فشمه ليعلم أَعلَى قصد هُوَ أم على جور ثمَّ كثر ذَلِك حَتَّى سموا الْبعد مَسَافَة. قَالَ رؤبة: ... اذا الدَّلِيل استاف أَخْلَاق الطّرق ...
قَالَ وَمثله: الْعقل فِي الدِّيَة. وَالْأَصْل: ان الابل كَانَت تجمع بِفنَاء ولي الْمَقْتُول وتعقل فسميت الدِّيَة عقلا وان كَانَت وَرقا أَو عينا.
قَالَ وَمثله قَوْلهم: بنى فلَان على أَهله. وَالْأَصْل: ان الابل كَانَت تجمع بِفنَاء ولي الْمَقْتُول وتعقل فسميت الدِّيَة عقلا وان كَانَت وَرقا اَوْ عينا.
قَالَ وَمثله قَوْلهم: بنى فلَان على أَهله. وَالْأَصْل: ان كل من أَرَادَ مِنْهُم الدُّخُول على أَهله ضرب عَلَيْهِ قبَّة. فَقيل لكل دَاخل بأَهْله بَان.
وَمِنْه قَوْلهم: ادفعه اليه برمتِهِ وَأَصله: ان رجلا دفع الى رجل بَعِيرًا بِحَبل فِي عُنُقه.
والرمة: الْحَبل الْخلق فَقيل ذَلِك لكل من دفع شَيْئا بجملته. وَهَذَا الْمَعْنى أَرَادَ الْأَعْشَى فِي قَوْله للخمار: ... فَقُلْنَا لَهُ: هَذِه هَاتِهَا ... بأدماء فِي حَبل مقتادها ...

(2/374)


أَي: بِعني هَذِه الْخمْرَة بِنَاقَة برمتها.
وَقَوْلهمْ فلَان نَسِيج وَحده وَذَلِكَ أَن الثَّوْب اذا كَانَ نفيسا لم ينسج على منواله غَيره. فاذا لم يكن نفيسا عمل على منواله سدى لعدة أَثوَاب فَقيل ذَلِك لكل من أَرَادوا الْمُبَالغَة فِي مدحه.
والمتكاء فِيهِ قَولَانِ.
يُقَال: هِيَ الَّتِي لَا تحبس بولها فان كَانَت كَذَلِك فَانِي أَحسب الْحَرْف من المتك وَهُوَ الْخرق. وأبدلت الْمِيم من الْبَاء كَمَا يُقَال:: سمد رَأسه وسبده اذا استأصله كَأَنَّهَا لما لم تمسك بولها خرقاء.
وَيُقَال: المتكاء: الَّتِي لم تخْفض.
وروى عَن ابراهيم انه سُئِلَ عَن رجل قَالَ لرجل: يَا بن المتكاء فَقَالَ: لَا حد عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَمْرو رَضِي الله عَنهُ انه لَهُ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ. كَيفَ تجدك قَالَ: اجدني أذوب وَلَا

(2/375)


أثوب. وَأَجد نجوى أَكثر من رزئي.
قَوْله: أذوب وَلَا أثوب يُرِيد: ان بدنه يذوب وَلَا يرجع شَيْء مِمَّا ذاب. يُقَال: ثاب جسم فلَان بعد النهكة. أَي: صلح وَعَاد.
والنجو: الْحَدث. يَقُول: هُوَ أَكثر من طعمي فَكيف الْبَقَاء على هَذَا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَمْرو رَضِي الله عَنهُ ان مُعَاوِيَة دخل عَلَيْهِ وَهُوَ عَاتب فَقَالَ: ان العصوب يرفق بهَا حالبها فتحلب العلبة. فَقَالَ: أجل وَرُبمَا زبنته فدقت فَاه وكفأت انآءه. أما وَالله لقد تلافيت أَمرك وَهُوَ أَشد انفضاجا من حق الكهدل فَمَا زلت أرمه بواذئله وَأَصله بوصائله حَتَّى تركته على مثل فلكة الْمدر.
يرويهِ بعض نقلة الْأَخْبَار.
العصوب من النوق الَّتِي لَا تدر حَتَّى تعصب فخذاها

(2/376)


377 - قَالَ الْكُمَيْت: من المتقارب ... وَلم تعط بالعصب مِنْهَا العصوب الا النهيت والا الطحيرا ...
والطحير والطحر أَن تضرب برجليها. والزبن أَن تدفع الحالب. والانفضاج: الاسترخاء. وَمِنْه يُقَال: انفضج بَطْنه والوذائل جمع وذيلة وَهِي السبيكة من الْفضة قَالَ الشَّاعِر: من المنسرح ... وتريك وَجها كالوذيلة لَا ضمآن مختلج وَلَا جهم ...
والوصائل: ثِيَاب يَمَانِية. يُرِيد: انه رمه بِقطع الْفضة وَوَصله بِهَذِهِ الثِّيَاب. وَهَذَا مثل ضربه لاحكامه اياه وتحسينه لَهُ. وَيجوز أَن يكون أَرَادَ بالوصائل الصلات جمع وصيلة.
والمدر: الْجَارِيَة اذا فلك ثدياها ودر فيهمَا المَاء.

(2/377)


وَالْحَامِل اذا در لَبنهَا مدر أَيْضا. يُقَال: أدرت هِيَ ودر اللَّبن.
يَقُول: كَانَ أَمرك سَاقِطا مسترخيا فأقمته حَتَّى صال كَأَنَّهُ حلمة فِي ثدي قد أدر.
وَأما حق الكهدل فَلم أسمع فِيهِ شَيْئا مِمَّن يوثق بِعِلْمِهِ. وَبَلغنِي انه بَيت العنكبوت. وَبِه يضْرب الْمثل فِي الوهن والضعف. قَالَ الله جلّ وَعز: {وَإِن أوهن الْبيُوت لبيت العنكبوت} وَيُقَال: هُوَ ثدي الْعَجُوز.
نجز وَللَّه الْمِنَّة.

(2/378)


- حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: ان أهل النَّار ليدعون يَا مَالك فيدعهم أَرْبَعِينَ عَاما ثمَّ يرد عَلَيْهِم انكم مَاكِثُونَ فَيدعونَ رَبهم مثل الدُّنْيَا فَيرد: اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون فَمَا ينبسون عِنْد ذَلِك مَا هُوَ الا الزَّفِير والاالشهيق.
يرويهِ معَاذ عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن أبي أَيُّوب الْأَزْدِيّ عَن عبد الله ابْن عَمْرو.
قَوْله: مَا ينبسون أَي: مَا ينطقون. وَقَالَ ابْن أبي حَفْصَة

(2/379)


أنشدت السّري بن عبد الله فَلم ينبس رؤبة. وَمِنْه قَول الشَّاعِر فِي نَاقَة: من الْكَامِل ... واذا تشد بنسعها لَا تنبس ...
أَي: لَا ترغو.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ وَهُوَ بِمَكَّة: لَو شِئْت لأخذت سبتي فمشيت فيهمَا ثمَّ لم أمذح حَتَّى أَطَأ على الْمَكَان الَّذِي تخرج مِنْهُ الدَّابَّة.
يرويهِ الْعَبَّاس بن الْوَلِيد عَن يزِيد عَن سعيد عَن قَتَادَة.
السبت: النَّعْل المدبوغة بالقرظ. وَقَوله: لم أمذح هُوَ من المذح والمذح: أَن يصطك الفخذان من الْمَاشِي لِكَثْرَة لحهما. يُقَال: مذح يمذح مذحا. وَهَذَا يُصِيب السمين من الرِّجَال وَالنِّسَاء. وَكَانَ عبد الله بن عَمْرو كَذَلِك.

(2/380)


قَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول الشَّاعِر: من الوافر ... كَأَن مَوَاضِع الربلات مِنْهَا ... فِئَام ينهضون الى فِئَام ...
وَالْمرَاد: اذا عظمت وسمنت مذحت. وَذَلِكَ اذا اصطك لحم فخذيها فَكَأَنَّهُ جيشان اصطكا.
والربلة: اللحمة الغليظة فِي بَاطِن الْفَخْذ. فان كَانَ الاصطكاك فِي الاليتين فَهُوَ الْمشق يُقَال: مشق الرجل مشقا. فان كَانَ فِي الرُّكْبَتَيْنِ فَهُوَ الصكك. يُقَال: صك يصك صككا وَلذَلِك قيل للنعامة صكاء.
وانما أَرَادَ عبد الله انه مَعَ سمنه لَا تصطك فخذاه حَتَّى يبلغ الْموضع لقُرْبه وَهَذَا مثل حَدِيثه الآخر: ان نَعْلَيْه كَانَتَا فِي يَدَيْهِ فَقَالَ: لَو شِئْت أَلا أنتعل حَتَّى أَضَع قدمي على الْمَكَان الَّذِي تخرج مِنْهُ الدَّابَّة لفَعَلت من أجياد مِمَّا يَلِي الصَّفَا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو أَنه قَالَ: الْحبَّة فِي الْجنَّة مثل كرش الْبَعِير يبيت نافشا.

(2/381)


يرويهِ ابْن لَهِيعَة عَن جرير عَن أبي عبد الرحمن الحبلي عَن عبد الله ابْن عَمْرو.
قَوْله: نافشا يَعْنِي: رَاعيا بِاللَّيْلِ. يُقَال: سرحت الابل والماشية بِالْغَدَاةِ وراحت بالْعَشي ونفشت بِاللَّيْلِ.
قَالَ الله جلّ وَعز: {إِذْ نفشت فِيهِ غنم الْقَوْم} وأنفشت الْغنم والابل انفاشا اذا أرسلتها بِاللَّيْلِ ترعى وَهِي ابل نفاش ونفش.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: صَلَاة الاوابين مَا بَين أَن ينكفت أهل الْمغرب الى أَن يثوب أهل الْعشَاء.
يرويهِ وَكِيع عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن أَخِيه عبد الله بن عُبَيْدَة عَن عبد الله بن عَمْرو.
الأوابون: التوابون وأصل الْحَرْف من آب يؤوب الى كَذَا أَي: رَجَعَ اليه فَقيل للتائب: أواب. لِأَنَّهُ يرجع عَن الْمعاصِي. وَقَوله: ينكفت أهل الْمغرب أَي: يَنْصَرِفُونَ الى مَنَازِلهمْ.

(2/382)


وَاصل الانكفات: الانضمام. وَيُقَال: كفت الشَّيْء اذا ضممته اليك فانكفت. أَي: انْضَمَّ. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا أَحيَاء وأمواتا} لِأَنَّهَا تضم الْحَيّ وَالْمَيِّت.
وحَدثني أبي ثَنَا السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ: يُسمى بَقِيع الفرقد كفتا لِأَنَّهُ مَقْبرَة تضم الْمَوْتَى. قَالَ: وَيُقَال: وَقع فِي النَّاس فِي كفت أَي: موت. يُرِيد: انهم يكفتون. أَي: يضمون فِي الْقُبُور. وَمِنْه حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله جلّ وَعز للكرام الْكَاتِبين: اذا مرض عَبدِي فَاكْتُبُوا لَهُ مثل مَا كَانَ يعْمل فِي صِحَّته حَتَّى أعافيه أَو أكفته. والراجع إِلَى منزله يَنْضَم إِلَيْهِ فَلذَلِك قيل لَهُ: منكفت.
وَقَوله: يثوب أهل الْعشَاء أَي يرجع من يُرِيد الْعشَاء الْآخِرَة الى الْمَسْجِد. وَأَرَادَ أَن صَلَاة الْأَوَّابِينَ مَا بَين صَلَاة الْمغرب وَصَلَاة الْعشَاء.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ أَنه

(2/383)


ذكر الْبَصْرَة فَقَالَ: أما انه لَا يخرج أَهلهَا مِنْهَا الا الألبة.
يرويهِ عبد الرحمن بن مهْدي عَن الحكم بن عَطِيَّة عَن عبد الله بن مطر عَن قيس بن عباد.
قَالَ أَبُو زيد وَغَيره: الألبة والجلبة جَمِيعًا المجاعة. قَالَ الْهُذلِيّ يذكر ضيفا: من الْبَسِيط ... وكأنما بَين لحييْهِ ولبته ... من جلبة الْجُوع جيار وأرزيز ...
والجلبة هَاهُنَا: الأزمة. والجيار: حر يخرج من الْجوف. قَالَ الْأَصْمَعِي: أَرَادَ بجيار جائرا وَلكنه جَاءَ بِهِ فعال يُقَال: ان للسم جائرا أَي: حرارة فِي الْجوف. وَمِنْه قَول الآخر: من الطَّوِيل ... تطالعني من ثغرة النَّحْر جَائِر ...
وانما قيل للمجاعة ألبة من التألب وَهُوَ التجمع كَأَن النَّاس فِي المجاعة يتجمعون وَيخرجُونَ أَرْسَالًا كَمَا تسمى المجاعة: قحمة وَذَلِكَ انها اذا وَقعت بِالْبرِّ أقحمتهم الى الرِّيف. وَكَذَلِكَ.

(2/384)


الجلبة يجوز أَن تكون اسْما مأخوذا من: أجلبوا وأحلبوا وتألبوا كُله. اذا اجْتَمعُوا وألبوا غَيرهم جمعوهم.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو ان قيم أرضه بالوهط استاذنه فِي بيع فضل المَاء وَذكر انه يطْلب بِثَلَاثِينَ ألفا فَكتب اليه: ان لَا تبعه وَلَكِن أقمء قلدك ثمَّ اسْقِ الْأَدْنَى فالأدني فَانِي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَن بيع فضل المَاء.
القلد يَوْم السَّقْي وَيَوْم الْورْد وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْورْد يَوْم الْحمى والقلد يَوْم تَأتيه الرّبع.
وَهَذَا هُوَ الأَصْل والوهط: مَال لَهُم وأصل الوهط: المطمئن من الأَرْض.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو أَنه قَالَ: احرث لديناك كَأَنَّك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كَأَنَّك تَمُوت غَدا.
حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن عبيد الله بن الغيزار عَن عبد الله بن عَمْرو.
قَوْله أحرث لدنياك يُرِيد: اجْمَعْ. يُقَال: حرثت واحترثت وَيُقَال فِي الاحتراث اصلاح المَال وتثميره. قَالَ كثير: من المتقارب ... بأية اني مَا ذكرت عرفت خلائق مني ثَلَاثًا ...

(2/385)


عفافا ومجدا اذا مَا الرِّجَال تبالوا خلائقهم واحتراثا.
أَي: جمعا لِلْمَالِ واصلاحا لَهُ.
والمعنييان متقاربان وَلَا أَحسب الرجل سمي حارثا الا من هَذَا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ انه ذكر الارضين السَّبع فوصفها فَقَالَ فِي صفة الْخَامِسَة: فِيهَا حيات كسلاسل الرمل وكالخطائط بَين الشقايق.
السلَاسِل: رمل مُنْعَقد ملتو مستطيل. والشقايق من الرمل قطع غِلَاظ تكون بَين جبلي الرمل وَاحِدهَا شَقِيقَة. فعيلة فِي معنى مفعولة. والخطيطة أَيْضا: الأَرْض الَّتِي لم تمطر بَين أَرضين قد مطرتا كَأَنَّهَا خطت بَينهمَا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: يُؤْتى بِرَجُل يَوْم الْقِيَامَة وَيخرج لَهُ تِسْعَة وَتسْعُونَ

(2/386)


سجلا فِيهَا خطاياه وَيخرج لَهُ بطاقة فِيهَا شَهَادَة أَن لَا اله الا الله فترجح بهَا.
البطاقة رقْعَة صَغِيرَة.
وَهَذِه كلمة مبتذلة بِمصْر وَمَا والاها يدعونَ الرقعة الَّتِي تكون فِي الثَّوْب وفيهَا رقم ثمنه بطاقة. وَلَا أدرى من أَي شىء أَخذ ذَلِك. وَالَّذِي دَعَا الى تَفْسِير هَذَا الْحَرْف وَهُوَ مبتذل بِتِلْكَ النَّاحِيَة كَثْرَة من سَأَلَني عَنهُ وَبَلغنِي انها سميت بطاقة لِأَنَّهَا تشد بطاقة من هدب الثَّوْب وَلست من هَذَا على يَقِين.
نجز وَالْحَمْد لله.

(2/387)


- حَدِيث عبد الله بن سَلام أَو عبد الله بن عمر
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عبد الله بن سَلام انه قَالَ: فِي التَّوْرَاة انما بَعثك لتمحو الْخمر وَالْميسر والمزامير والكنارات وَالْخمر وَمن طعمها وَأقسم رَبنَا بيمنة وَعزة حيله لَا يشْربهَا أحد بَعْدَمَا حرمتهَا عَلَيْهِ الا سقيته اياها من الْحَمِيم.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن يزِيد بن هرون عَن عبد العزيز ابْن أبي سَلمَة الْمَاجشون عَن هِلَال بن ابي هِلَال عَن عَطاء بن يسَار عَن عبد الله بن سَلام أَو عبد الله بن عَمْرو.
الكنارات: يُقَال هِيَ العيدان الَّتِي يضْرب بهَا وَيُقَال: الدفوف. وَقد ذكرهَا أَبُو عبيد.
وَأما قَوْله: وَعزة حيله فانه أَرَادَ حوله وهما الْحِيلَة. يُقَال: مَاله حول وَلَا حيل. وَهَذَا أَحول من هَذَا وأحيل أَي:

(2/388)


أَكثر حِيلَة وَمثله مِمَّا يُقَال بِالْيَاءِ وَالْوَاو: اني لَا أجد لَهُ لوطا بقلبي وليطا وَهُوَ ألوط بقلبي وأليط. وفوح الطّيب وفيحه وموث الدَّوَاء وميثه وَهُوَ أَن يدوفه وَبَينهمَا بون فِي الْفضل وَبَين فَأَما الْبعد فَهُوَ الْبَين بِالْيَاءِ لَا غير. وَأما قَول مُعَاوِيَة عِنْد مَوته: انكم لتقلبون حولا قلبا ان وقِي هول المطلع فان الْحول: الْكثير الاحتيال. وَالْقلب الْكثير التقلب وَالتَّصَرُّف. أَو التقليب والتصريف للأمور يدلك على ذَلِك قَول الشَّاعِر: من الْخَفِيف ... الْحول الْقلب الأريب وَلنْ يدْفع وَقت الْمنية الْحِيَل ...
نجز بِحَمْد الله.

(2/389)


- حَدِيث انس بن مَالك
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ ان مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: اصبحنا ذَات يَوْم بِالْبَصْرَةِ وَلَا نَدْرِي على مَا نَحن عَلَيْهِ من صومنا فَخرجت حَتَّى أتيت أنس بن مَالك فَوَجَدته قد أَخذ جذيذة كَانَ يَأْخُذهَا قبل أَن يَغْدُو فِي حَاجته ثمَّ غَدا.
حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ: ثناه اسحق بن رَاهَوَيْه ثناه وَكِيع عَن مهْدي ابْن مَيْمُون عَن ابْن سِيرِين.
الجذيذة: شربة سويق وَسميت جذيذة لانها تجذ أَي: تكسر وتجش اذا طحنت وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {فجعلهم جذاذا إِلَّا كَبِيرا لَهُم} أَي: قتاتا وَنَحْوه: الحطام والرفات وانما قيل لحجارة الذَّهَب: جذاذ لِأَنَّهَا تكسر وتسحن قَالَ الهذالي: من الطَّوِيل ... كَمَا صرفت فَوق الْجذاذ المساحن ...
والمساحن حِجَارَة تدق بهَا حِجَارَة الذَّهَب وَاحِدهَا: مسحنة.

(2/390)


وَيُقَال أَيْضا للسويق: جشيش وللشربة مِنْهُ جشيشة لِأَنَّهَا تجش أَي تكسر وترض. وَقَول الْعَامَّة: دشيشة غلط انما هِيَ: جشيشة لِأَنَّهَا تجش.
وَفِي حَدِيث الساحرة الَّذِي يرويهِ ابْن جريج عَن ابْن ابي مليكَة عَن عَائِشَة: انها قطعت جداول وَقَالَت: أحقل فاذا زرع يَهْتَز فَقَالَت: أفرك فاذا هُوَ قد يبس فَقَالَت: جشي هَذَا واجعليه سويقا واسقيه زَوجك.
وَالَّذِي يُرَاد من الحَدِيث أَن أنسا لما لم ير الْهلَال أصبح مُفطرا وَلم يتلوم على خبر يبلغهُ أَو على الظَّن انه قد رُؤِيَ فَيتم صَوْمه وَهَذَا على مَذْهَب من رأى: ان الصَّوْم لَا يجزىء الاذ بنية قبل الْفجْر وَلَا يجزىء من أصبح على الشَّك يَقُول: ان صَامَ النَّاس صمت وان أفطروا أفطرت.
قَالَ اسحق: روينَا عَن عمر بن عبد العزيز انه أصبح يَوْمئِذٍ فلعق لعقة من عسل ثمَّ شهدُوا عِنْده بِالرُّؤْيَةِ فَقَالَ: من كَانَ

(2/391)


أفطر فلييدله فرأي السّنة ترك التَّلَوُّم.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: أنفجنا أرنبا بمر الظهْرَان فسعى عَلَيْهَا الغلمان حَتَّى لغبوا فأدركتها فَأتيت بهَا أَبَا طَلْحَة فذبحها ثمَّ بِعْت بوركها معي الى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقبلها.
يرويهِ وَكِيع عَن شُعْبَة عَن هِشَام بن زيد.
قَوْله: أنفجنا أرنبا أَي: ذعرناه فعدت وَهَذَا كَمَا يَقُول: أعرق الْفرس تُرِيدُ: أعده لِأَنَّهُ اذا عدا عرق. فتكتفي بِذكر الْعرق من ذكر الْعَدو. وَكَذَلِكَ الأرنب اذا أثيرت انتفجت فَاكْتفى بِذكر الانتفاج من ذكر الْعَدو.
وَقَالَ عبيد الله بن زِيَادَة حَيْثُ بعث رَسُوله ليَأْتِيه بِالْكتاب الَّذِي فِيهِ حَدِيث عبد الله بن عَمْرو عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذكر الْحَوْض: أعرق الْفرس حَتَّى تَأتِينِي بِالْكتاب وَقَالَ المرقش الْأَصْغَر وَذكر فرسا: من الطَّوِيل

(2/392)


.. شهِدت بِهِ فِي غَارة مسبطرة ... يطاعن أولاها فِئَام مصبح
كَمَا انتفجت من الظباء جداية ... أَشمّ اذا ذكرته الشد أفيح ...
مسبطرة: منقادة. وَالْمصْبح: المغار عَلَيْهِ فِي الصُّبْح كَمَا انتفجت جداية يَقُول: نشاط هَذَا الْفرس وحدته كحدة جداية من الظباء اذا ذعر فَعدا. اذا ذكرته الشد أَي: اردته مِنْهُ وَحَمَلته عَلَيْهِ. والشد: الْعَدو. أفيح وَاسع فِي الجري. والجداية: الرشاء. وَقد ذَكرْنَاهُ فِيمَا تقدم.
وَأما الحَدِيث الآخر فِي فتنتين: تكون الأولى مِنْهُمَا فِي الْأُخْرَى كنفجة أرنب فانه يُرَاد ان الأولى مِنْهُمَا وان طَالَتْ اَوْ عظمت قَصِيرَة أَو خَفِيفَة عِنْد الثَّانِيَة كنفجة الأرنب اذا ذعرت.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: كَانَ الرجل اذا قَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان جد فِينَا.
يرويهِ يزِيد عَن حميد عَن أنس.
قَوْله: جد فِينَا أَي عظم فِي صدورنا وَمِنْه يُقَال: تَعَالَى

(2/393)


جد رَبنَا أَي: عَظمته. وَالْجد فِي غير هَذَا الْحَظ. يُقَال: لهَذَا الرجل جد فِي كَذَا أَي: حَظّ. وَرجل مجدود. وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: رَأَيْت النَّاس فِي امارة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ جمعُوا فِي صردح ينفذهم الْبَصَر وَيسْمعهُمْ الصَّوْت وَرَأَيْت عمر رَضِي الله عَنهُ مشرفا على النَّاس.
يرويهِ عبد الملك بن عُمَيْر بن أنس.
الصردح: الأَرْض الملساء وَجَمعهَا: صرادح وَكَذَلِكَ: الصحصح والصحصحان.
وَقَوله: ينفذهم الْبَصَر قَالَ الاصمعي: يجوزهم الْبَصَر وان كَانَت الرِّوَايَة: ينفذهم بِضَم الْبَاء فانه يُرِيد: يخرقهم حَتَّى يبلغ آخِرهم ويراهم كلهم.

(2/394)


وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ: ان الضَّب ليَمُوت هزلا فِي حجره بذنب ابْن آدم.
يرويهِ عمر بن يُونُس عَن هِلَال بن جهم عَن اسحق بن أبي طَلْحَة عَن أنس.
يُرِيد: ان الله عز جلّ يمسك السَّمَاء فَلَا تمطر بذنب ابْن آدم حَتَّى ينَال ذَلِك أحناش الأَرْض والهوام وانما خص الضَّب من بَين جَمِيع دَوَاب الأَرْض لِأَنَّهُ أبقى شَيْء ذماء وأصبر شَيْء على الْجُوع. ويزعمون انه يبلغ بالنسيم وانه مَعَ هَذَا طَوِيل الْعُمر. وَيُقَال: انه يَأْكُل حسوله وَلذَلِك قيل فِي الْمثل: أعق من ضَب
قَالَ الشَّاعِر: من الوافر ... أكلت بنيك أكل الضَّب حَتَّى ... تركت بنيك لَيْسَ لَهُم عديد ...
وَأما خِدَاش بن زُهَيْر: من الْبَسِيط

(2/395)


.. فان سَمِعْتُمْ بِجَيْش سالك سَرفًا ... أَو بطن مر فأخفوا الجرس واكتتموا
ثمَّ ارْجعُوا فأكبوا فِي بُيُوتكُمْ ... كَمَا أكب على ذِي بَطْنه الْهَرم ...
فان الْهَرم هَاهُنَا الضَّب جعله هرما لطول عمره وَذُو بَطْنه فِيهِ ثَلَاثَة أقاويل:
يُقَال: انه وَلَده كَأَنَّهُ قَالَ: ارْجعُوا عَن الْحَرْب الَّتِي لَا تستطيعونها الى ذَرَارِيكُمْ.
وَيُقَال: ذُو بَطْنه بعره وانه اذا شتا وَلم يجد شَيْئا أكل بعره.
وَيُقَال: ذُو بَطْنه قيئه وانه يقيء ثمَّ يرجع فيأكله كَمَا يفعل الْكَلْب والسنور.
وروى فِي حَدِيث آخر: ان الْحُبَارَى لتَمُوت هزلا بذنب ابْن آدم. وانما خصت الْحُبَارَى من بَين الطير لِأَنَّهَا أبعدها نجعة بَلغنِي أَنَّهَا تذبح بِالْبَصْرَةِ فتوجد فِي حواصلها الْحبَّة الخضراء صحاحا وَبَين الْبَصْرَة وَبَين منابت البطم مسيرَة أَيَّام

(2/396)


وَأَيَّام.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يُقيم بِمَكَّة فاذا حمم رَأسه خرج فَاعْتَمَرَ.
يرويهِ سُفْيَان عَن ابْن أبي حُسَيْن عَن بعض ولد أنس.
قَوْله: حمم راسه اي: نبت بعد الْحلق. وَذَلِكَ حِين يسود يُقَال: قد حمم الفرخ اذا اسود جلده من الريش. وَكَذَلِكَ تحميم الرَّأْس وَهُوَ أَن يسود من قبل أَن يطول الشّعْر وَيُقَال: حمم وَجه الْغُلَام قَالَ كثير: من الطَّوِيل ... وهم بَنَاتِي ان يبن وحممت ... وُجُوه رجال من بني الأصاغر ...
وَمعنى الحَدِيث انه كَانَ لَا يُؤَخر الْعمرَة الى الْمحرم وَلكنه يخرج الى التَّنْعِيم أَو الى الْجِعِرَّانَة أَو الى مِيقَاته. وَلَيْسَ

(2/397)


على من أهل بِعُمْرَة الى الْحَج أَن يخرج من مَكَّة اذا أَرَادَ أَن يهل بِالْحَجِّ وَلكنه يهل فِيهَا من حَيْثُ شاءه.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ انه كَانَ شفرة أَصْحَابه فِي غزَاة.
يرويهِ يحيى بن آدم عَن الْحسن بن صَالح عَن خَالِد بن الفزر عَن أنس.
شفرة أَصْحَابه يَعْنِي: خادمهم. وَيُقَال: شفرة الْقَوْم أَصْغَرهم يُرَاد اولاهم بخدمتهم أَصْغَرهم.
نجز وَالْحَمْد لله وَحده.

(2/398)


- حَدِيث الْبَراء بن مَالك
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الْبَراء بن مَالك رَضِي الله عَنهُ انه قَامَ يَوْم الْيَمَامَة لخَالِد بن الْوَلِيد أَو غَيره: طدني اليك. وَكَانَت تصيبه عرواء مثل النفضة حَتَّى يقطر.
قَوْله: طدني اليك أَي: ضمني اليك من قَوْلك: وطد يطد والمثبت والموطد وَاحِد.
وَكَانَ حَمَّاد بن سَلمَة يرْوى: اللَّهُمَّ أشدد وطدتك على مُضر. وَغَيره يَقُول: وطأتك. وَقَالَ الْقطَامِي: من الْبَسِيط ... وَمَا تقضت بوافي دينهَا الطادي ...
قَالَ الْأَصْمَعِي: الطادي صفة الدّين. وَالْأَصْل: واطد

(2/399)


وَلَكِن هَذَا من المقلوب وَهُوَ شَاذ.
والعرواء: الرعدة هَاهُنَا وَأَصله فِي الْحمى حِين تَأْخُذهُ بقرة. يُقَال: عري الرجل فَهُوَ معرو فاذا عرق فَهِيَ الرحضاء.
نجز وَالْحَمْد لله.

(2/400)


- حَدِيث الْبَراء بن عَازِب
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ انه سُئِلَ عَن يَوْم حنين فَقَالَ: انْطلق جفَاء من النَّاس وحسر الى هَذَا الْحَيّ من هوَازن وَهُوَ قوم رُمَاة فَرَمَوْهُمْ برشق من نبل كَأَنَّهَا رجل جَراد فانكشفوا.
يرويهِ أَبُو أُسَامَة عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن أبي اسحق عَن الْبَراء. الْجفَاء هَاهُنَا سرعَان النَّاس شبههم بجفاء السَّيْل من قَول الله جلّ وَعز: {فَأَما الزّبد فَيذْهب جفَاء} وَهُوَ مَا جفأه.

(2/401)


السَّيْل فَرمى بِهِ. وَأَصله الْهَمْز تَقول: جفأته جفأ أَي دَفعته.
وروى أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي عَمْرو انه قَالَ: يُقَال أجفأت الْقدر بزبدها اذا غلت فعلاها الزّبد.
والحسر: جمع حاسر وَهُوَ الَّذِي لَا جنَّة عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ يُرِيد: الرحالة وَقد تقدم ذكر هَذَا فِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

(2/402)