غريب الحديث لابن قتيبة

- حَدِيث مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لرجل: كم عطاؤك قَالَ: أَلفَانِ وَخمْس مائَة فَقَالَ: مَا بَال العلاة بَين الفودين فَقَالَ: أَمُوت الْآن فَيكون لَك العلاة والفودان فرق لَهُ وَترك لَهُ عطاءه على حَاله.
الفودان: العدلان كل وَاحِد مِنْهُمَا فود وَيُقَال لجانبي الرَّأْس: فودان كل شقّ فود.
والعلاوة: مَا زيد على الْحمل وَوضع فَوْقه. أَرَادَ: مَا بَال خمس مائَة زَائِدَة على أَلفَيْنِ. وَأَرَادَ أَن يحطه اياها.
وَبَلغنِي ان هَذَا الرجل هُوَ لبيد بن ربيعَة الشَّاعِر.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ انه

(2/403)


قَالَ: أَي النَّاس أفْصح فَقَامَ رجل فَقَالَ: قوم ارتفعوا عَن فراتية الْعرَاق ويروى: لخلخانية الْعرَاق وتياسروا عَن كسكسة بكر وتيامنوا عَن كشكشة تَمِيم لَيست فيهم غمغمة قضاعة وَلَا طمطمانية حمير. قَالَ: من هم قَالَ: قَوْمك قُرَيْش. قَالَ: مِمَّن أَنْت قَالَ: من جرم.
حَدَّثَنِيهِ أبي قَالَ حَدَّثَنِيهِ سهل بن مُحَمَّد عَن الْأَصْمَعِي عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة.
اللخلخانية: العجمة. يُقَال: رجل لخلخاني وَامْرَأَة لخلخانية. وَأَرَادَ النبطية هَاهُنَا والخوزية.
والكشكشة فِي تَمِيم وَهُوَ ابدالها الشين من الْكَاف كَقَوْل أَعْرَابِي مِنْهُم: من الرجز ... تضحك مني ان رأتني أحترش ...

(2/404)


.. وَلَو حرشت لكشفت عَن حرش ...
أَرَادَ: حرك. يُقَال: فلَان يكشكش الْكَلَام وَفِي تَمِيم أَيْضا: العنعنة وَهِي ابدالهم الْعين من الْهمزَة فِي: أَن يَقُولُونَ: ظَنَنْت عَنْك ذَاهِب يُرِيدُونَ: ظَنَنْت أَنَّك.
وَفِي حَدِيث قيلة: تحسب عني نَائِمَة. أَي: تحسب أَنِّي. وينشد بَعضهم: من الْبَسِيط ... أعن ترسمت من خرقاء منزلَة ... مَاء الصبابة فِي عَيْنَيْك مسجوم ...
يُرِيد: أأن
والكسكسة: ابدال السِّين من الْكَاف. وَبَلغنِي عَن الْكسَائي فِي ذَلِك حِكَايَة لست أحفظها. وَقَالَ الْفراء: يَقُولُونَ: أبوس وأمس يُرِيدُونَ: ابوك وأمك فِي مُخَاطبَة الْمُؤَنَّث.
والغمغمة كَلَام غير بَين وَهُوَ التغمغم أَيْضا وَكَأن

(2/405)


فِي الغمغمة حِكَايَة اللَّفْظ قَالَ العجاج: من الرجز ... كَأَنَّهُمْ من فائظ مجرجم ... أراح بعد الْغم والتغمغم ...
أراح: أَي: مَاتَ. وَقَالَ الْمسيب بن علس: من الْكَامِل ... كغماغم الثيران بَينهم ... ضرب تغمص دونه الحدق ...
وغماغمها أصوات لَا تفهم والطمطمانية والطمطمانة للعجم يُقَال: طمطم بِالْفَارِسِيَّةِ شبه بِهِ كَلَام حمير لِكَثْرَة مَا فِيهِ من الْأَلْفَاظ الْمُنكرَة عِنْد الْعَرَب مثل ابدالهم الْمِيم من لَام الْمعرفَة كَقَوْل أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: طَابَ أم ضرب يُرِيد الضَّرْب.
وَيُقَال: للعجم طماطم كَمَا قَالَ كثير يصف خيلا: من الطَّوِيل ... ومقربة دهم وكمت كَأَنَّهَا ... طماطم يُوفونَ الوفور هنادك ...

(2/406)


أَرَادَ: هندا فَزَاد كافا. وَقَالُوا: سيوف هندكية. يُرِيدُونَ: هندية.
وَأما العجرفية: فانها تكون فِي أَعْرَاب قيس واليمن وَهِي جفَاء فِي الْقِرَاءَة وَالْكَلَام. وَقَالَ الهمذاني: جَلَست الى فتية من قُرَيْش أتعلم الْقُرْآن وَفِي عجرفية أهل الْيمن فَجعلُوا يَضْحَكُونَ.
والعجرفية فِي السّير أَيْضا جفَاء وخرق. وَقَالَ أُميَّة بن أبي عَائِذ الْهُذلِيّ: من المتقارب ... وَمن سَيرهَا الْعُنُق المسبطر ... والعجرفية بعد الكلال ...
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي حِين حدث بِهَذَا الحَدِيث وجرم من فصحاء النَّاس فَقلت لَهُ: فَكيف وهم من أهل الْيمن فَقَالَ: بجوارهم مُضر.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ لقوم

(2/407)


قدمُوا عَلَيْهِ: كلوا من فحى أَرْضنَا فقلما أكل قوم من فحاء أَرض فضره مَاؤُهَا.
يرويهِ يُونُس بن اسحق عَن أبي السّفر عَن عبد الرحمن بن أبي ثَوْر.
الفحا مَقْصُور وَجَمعهَا: أفحاء وَهِي التوابل الَّتِي تلقى فِي الْقدر نَحْو: الثوم والبصل وَأَشْبَاه ذَلِك. يُقَال: فحيت الْقدر اذا بزرتها.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ ان ابْن الزبير قَالَ لَهُ: انا لَا نَدع مَرْوَان يَرْمِي جَمَاهِير قُرَيْش بمشقصة ويضر صفاتها بمعوله وَلَوْلَا مَكَانك لَكَانَ أخف على رقابنا من فراشة واذل فِي أَنْفُسنَا من خشاشة وأيم الله لَئِن ملك أَعِنَّة خيل تنقاد لَهُ ليركبن مِنْك طبقًا تخافه.
وَقَالَ مُعَاوِيَة: يَا معشر قُرَيْش مَا أَرَاكُم منتهين حَتَّى يبْعَث الله عَلَيْكُم من لَا تعطفه قرَابَة وَلَا يذكر رحما يسومكم خسفا

(2/408)


ويوردكم تلفاص فَقَالَ ابْن الزبير: اذن وَالله نطلق عقال الْحَرْب بكتائب تموركرجل الْجَرَاد حافتيها الأسل لَهَا دوِي كَدَوِيِّ الرّيح تتبع غطريفا من قُرَيْش لم تكن أمه براعية ثلة. فَقَالَ مُعَاوِيَة: أَنا ابْن هِنْد أطلقت عقال الْحَرْب المكرم ذرْوَة السنام وشربت عنفوان المكرم اذ لَيْسَ للآكل الا الفلذة وَلَا للشارب الا الرنق أَو الطّرق.
جَمَاهِير قُرَيْش جماعاتها ومعاظمها يُقَال: جمهرت الشَّيْء أَي: جمعته.
والمشاقص السِّهَام وَاحِدهَا مشقص. وَفِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ان رجلا اطلع عَلَيْهِ فسدد اليه مشقصا فَرجع.
والمشقص أَيْضا: نصل من نصال السِّهَام فِيهِ طول فان كَانَ عريضا فَهُوَ معبلة وَمِنْه الحَدِيث: ان الطُّفَيْل ابْن عَمْرو الدوسي هَاجر الى الْمَدِينَة وَهَاجَر مَعَه رجل من قومه فاجتووا الْمَدِينَة فَمَرض فجزع فَأخذ مشاقص لَهُ فَقطع بِهِ براجمه فشخبت يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ.

(2/409)


قَالَ أَبُو زيد: يُقَال اجتويت الأَرْض اذا كرهت الْمقَام بهَا وان كنت فِي عَافِيَة وان لم توافقك فِي بدنك قلت: استوبلتها.
والبراجم رُؤُوس السلاميات من ظهر الْكَفّ اذا قبض الْقَابِض كَفه نشزت وَارْتَفَعت والرواجب: بطُون السلاميات والصفاة: الصَّخْرَة. وَجَمعهَا: صفا وصفي جمع الْجمع.
والفراشة: وَاحِدَة الْفراش الَّذِي يتهافت فِي النَّار وَبِه يضْرب الْمثل فِي الخفة والطيش فَيُقَال: مَا هم الا فرَاش نَار وذبان طمع.
والخشاشة: وَاحِدَة الخشاش وَهِي الْهَوَام وَمِنْه الحَدِيث: فِي امْرَأَة دخلت النَّار فِي هرة ربطتها فمل تطعمها وَلم تدعها تَأْكُل من خشَاش الأَرْض.
وَقَوله: ليركبن مِنْك طبقًا. والطبق فقار الظّهْر وكل فقرة طبقَة وَهَذَا نَحْو قَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي عُثْمَان:

(2/410)


المركوبة مِنْهُ الْفقر الْأَرْبَع وَالْمعْنَى: ليركبن مِنْك أمرا أَو حَالا.
وَقَوله: يسومكم خسفا وأصل الْخَسْف ان تحبس الدَّابَّة على غير علف ثمَّ يستعار فَيُوضَع فِي مَوضِع التذليل والهوان وَأَشْبَاه ذَلِك. وَقَالَ الْأَصْمَعِي رَحمَه الله: الْخَسْف النُّقْصَان. وَفِي خطْبَة عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام حِين قتل عَامله على الأنبار: من ترك الْجِهَاد ألبسهُ الله الذلة وسيم الْخَسْف وديث بالصغار.
والتدييث: كالتذليل وَقَوله: تمور أَي تجىء وَتذهب. وَقَالَ عِكْرِمَة لما نفخ فِي آدم عَلَيْهِ السَّلَام: الرّوح مار فِي رَأسه فعطس أَي: دَار. وَرجل الْجَرَاد: الْقطعَة. وَمِنْه يُقَال: مر بِنَا رجل من جَراد. وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه.
وَقَوله: لم تكن أمه براعية ثلة والثلة: الضَّأْن الْكثير وَلَا تكون من الْمعز وَقد تقدم ذكر ذَلِك.

(2/411)


فاذا ضممت الثَّاء فَقلت: الثلَّة فَهِيَ الْجَمَاعَة من النَّاس. قَالَ الله جلّ وَعز: {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} . وَكَانَ رعي الْغنم عِنْدهم فِي النِّسَاء عَيْبا يعير بعضم بَعْضًا بِهِ. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... اذا الْمَرْء صدت أمه وتقبلت ... فَلَيْسَ حَقِيقا أَن يَقُول الهواجرا ...
يَقُول: من كَانَت امهِ راعية تصر وتحلب فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يشْتم النَّاس ويعيرهم. وَقَالَ الآخر: من الطَّوِيل ... كَذبْتُمْ وَبَيت الله لَا تنكحونها ... بني شَاب قرناها تصر وتحلب ...
أَرَادَ: بنى الَّتِي شَاب قرناها وَهِي تصر وتحلب.
وذروة السنام والجبل كل شَيْء أَعْلَاهُ. وَفِي الحَدِيث: على ذرْوَة كل بعير شَيْطَان.
وَكَانَ جرير بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ يتفل فِي ذرْوَة الْبَعِير لطوله.
وعنفوان المكرع: أول المَاء وَأَرَادَ: انه عز فَشرب أول المَاء وَشرب غَيره الرنق وَهُوَ الكدر يَعْنِي: آخر المَاء.

(2/412)


وَأكل أَعلَى السنام وَأكل غَيره الفلذة وَهِي الكبد وَهَذَا مثل.
والطرق من المَاء الَّذِي خاضته الابل فكدرته وبالت فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ أَن الشّعبِيّ وَصفه فَقَالَ: كَانَ كَالْجمَلِ الطِّبّ يَأْمر بِالْأَمر فان سكت عَنهُ أقدم وان رد عَنهُ تَأَخّر.
يرويهِ أَبُو بكر ابْن عَيَّاش عَن أبي حَمْزَة الثمالِي عَن الشّعبِيّ.
الطِّبّ: الحاذق يُقَال: فلَان طب بِكَذَا وَطيب بِهِ اذا كَانَ حاذقا. والطب من الابل: الحاذق مَشْيه وحذقه: أَلا يضع خفه الا حَيْثُ يبصر.
وَقد رُوِيَ عَن مُعَاوِيَة نَحْو هَذَا. قَالَ لَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ: قد أعياني أَن أعلم: أجبان أَنْت أم شُجَاع فَقَالَ: من الطَّوِيل ... شُجَاع اذا مَا أمكنني فرْصَة ... والا تكن لي فرْصَة فجبان ...
وَقَالَ أَيْضا: لَا أَضَع سَيفي حَيْثُ يَكْفِينِي سَوْطِي وَلَا أَضَع سَوْطِي حَيْثُ يَكْفِينِي لساني ولوأن بيني وَبَين النَّاس شَعْرَة مَا انْقَطَعت. قيل: وَكَيف ذَلِك قَالَ: كنت اذا مدوها خليتها واذا خلوها

(2/413)


مددتها. وَهَذَا شَبيه بِالْحَدِيثِ الأول.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ ان مازح الْأَحْنَف بن قيس مرّة فَمَا رئي مازحان أوقر مِنْهُمَا. قَالَ لَهُ يَا أحنف: ماالشيء الملفف فِي البجاد فَقَالَ: هُوَ السخينة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي.
قَالَ الْأَصْمَعِي: أَرَادَ مُعَاوِيَة قَول الشَّاعِر: من الوافر ... اذا مامات ميت من تَمِيم ... فسرك أَن يعِيش فجىء بزاد
بِخبْز اَوْ بِتَمْر أَو بِسمن ... أَو الشىء الملقف فِي البجاد ...
قَالَ: والشي الملفف فِي البجاد وَهُوَ: وطب اللَّبن والبجاد: كسَاء يلف فِيهِ الوطب ليدرك اللَّبن.
وَأَرَادَ بقوله: هُوَ السخينة ان قُريْشًا كَانُوا

(2/414)


يعيرون بِأَكْل السخينة. وَهِي شَيْء يعْمل من دَقِيق وَسمن أغْلظ من الحساء وأرق من العصيدة. وانما تُؤْكَل فِي شدَّة الدَّهْر وَغَلَاء السّعر وعجف المَال.
وَفِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: انه دخل على عَمه حَمْزَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ فصنعت لَهُ سخينة فَأَكَلُوا مِنْهَا. وَسموا قُريْشًا سخينة تعييرا لَهُم بهَا. قَالَ خِدَاش بن زُهَيْر: من الْبَسِيط ... يَا شدَّة مَا شددنا غير كَاذِبَة ... على سخينة لَوْلَا اللَّيْل وَالْحرم ...
يَعْنِي: على قُرَيْش. وَقَالَ كَعْب: من الْكَامِل ... زعمت سخينة أَن ستغلب رَبهَا ... وليغلبن مغالب الغلاب ...
وَأما حَدِيثه الآخر ان عتْبَان بن مَالك حَبسه على خزيرة تصنع لَهُ. فان الخزيرة لحم يقطع صغَارًا وَيصب.

(2/415)


عَلَيْهِ مَاء كثير فاذا نضج ذَر عَلَيْهِ الدَّقِيق فاذا لم يكن فِيهَا لحم فَهِيَ عصيدة. واللفيتة: العصيدة الْمُغَلَّظَة.
وَفِي حَدِيث آخر يرويهِ مُحَمَّد عَن أنس انه كَانَ عِنْد أم سليم شعير فجشته فَجعلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطيفة وأرسلتني أَدْعُوهُ.
والخطيفة لبن يوضع على النَّار ثمَّ يذر عَلَيْهِ دَقِيق ثمَّ يطْبخ فيلعقه النَّاس. وَأَحْسبهُ سمي خطيفة لاختطاف النَّاس اياه بالملاعق والاختطاف كالاستلاب. وَمِنْه قيل لما تخرج بِهِ الدَّلْو من الْبِئْر: خطَّاف لِأَنَّهُ يخطف مَا علق بِهِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ ان رجلا قَالَ: خَاصَمت اليه فِي ابْن أخي فَجعلت أحج خصمي فَقَالَ: لست كَمَا قَالَ الشَّاعِر: من الْبَسِيط

(2/416)


.. أَنِّي أتيح لَهُ حرباء تنضبة ... لَا يُرْسل السَّاق الا ممسكا ساقا ...
رَوَاهُ الرياشي عَن عَبَّاس الْأَزْرَق عَن السّري بن يحيى عَن قَتَادَة. قَالَ الرياشي: وَذَلِكَ ان الحرباء يسْتَقلّ على نصف الشَّجَرَة ثمَّ يرتقي على أَغْصَانهَا اذا حميت الهاجرة فَيقبض على الْغُصْن بكفه ثمَّ يرتقى الى غُصْن أَعلَى مِنْهُ فَلَا يُرْسل الأول حَتَّى يقبض على الآخر وَهَذَا مثل يضْرب للرجل لَا يفرغ من حَاجَة حَتَّى يسْأَل أُخْرَى.
واراد مُعَاوِيَة ان هَذَا لَا تَنْقَضِي لَهُ حجَّة حَتَّى يتَعَلَّق بِأُخْرَى.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ انه قَالَ كَيفَ ابْن زِيَاد قَالُوا: ظريف على أَنه يلحن فَقَالَ: أَو لَيْسَ ذَلِك أظرف لَهُ.
حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن عِيسَى بن عمر

(2/417)


قَوْلهم: يلحن. أَرَادوا: اللّحن الَّذِي هُوَ الْخَطَأ. وَذهب مُعَاوِيَة الى اللّحن الَّذِي هُوَ الفطنة. وَالْأول بِسُكُون الْحَاء وَالثَّانِي بِفَتْحِهَا. يُقَال: رجل لحن اذاكان فطنا وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَعَلَّ أحدكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض الآخر. وَقَول الله تَعَالَى: {ولتعرفنهم فِي لحن القَوْل} أَي: فِي قَصده وَنَحْوه. وَقَالَ ابْن أَحْمَر: من الطَّوِيل ... وتعرف فِي عنوانها بعض لحنها ... وَفِي جوفها صمعاء تبلى النواصيا ...
وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي وَأبي زيد: انهما قَالَا:

(2/418)


واللحن اللُّغَة من قَول ذِي الرمة: من الْبَسِيط ... فِي لحنه عَن لُغَات الْعَرَب تعجيم ...
وَقد تقدم ذكر ذَلِك. وَأما قَول الآخر فِي جَارِيَة لَهُ: من الْخَفِيف ... منطق عَاقل وتلحن أَحْيَانًا ... وَأحلى الحَدِيث مَا كَانَ لحنا ...
فانه أَرَادَ اللّحن الَّذِي هُوَ الْخَطَأ كَأَنَّهُ استملحه من الْمَرْأَة واستثقل مِنْهَا الاعراب وَكَانَ بَعضهم يذهب فِي قَول مُعَاوِيَة فِي عبد الله بن زِيَادَة هَذَا الْمَذْهَب وَلَا أرَاهُ كَذَلِك.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ ان سهم ابْن غَالب كَانَ من رُؤُوس الْخَوَارِج فَخرج أَيَّام عبد الله بن

(2/419)


عَامر بِالْبَصْرَةِ عِنْد الجسر فآمنه عبد الله بن عَامر فَكتب اليه مُعَاوِيَة: لَو كنت قتلته كَانَت ذمَّة خاشفت فِيهَا. فَلَمَّا قدم زِيَاد صلبه على بَاب دَاره.
بَلغنِي عَن أبي الْيَقظَان سحيم بن قادم. قَوْله: ذمَّة خاشفت فِيهَا أَي: أسرعت الى نقضهَا. يُرِيد: انه لم يكن فِي قَتلك لَهُ الا أَن يُقَال: أَخْفَر ذمَّته حسب وَيُقَال: خاشف فلَان الى كَذَا اذا أسْرع وَرجل مخشف ومخاشف قَالَ الفرزدق يذكر كلابا: من الطَّوِيل ... وضارية مَا مر الا اقتسمته ... عَلَيْهِنَّ خَواص الى الظنىء مخشف ...
والضارية: الْكلاب. والطنىء: الرِّيبَة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ انه قدم مَكَّة فَذكر ابْنه يزِيد وعقله وسخاءه وفضله. فَقَالَ ابْن الزبير: أما انك قد تركت من هُوَ خير مِنْهُ. فَقَالَ مُعَاوِيَة: كَأَنَّك أردْت نَفسك يَا أَبَا بكر. قَالَ: وان أردتها فَمه. قَالَ مُعَاوِيَة: ان بَيته بِمَكَّة فَوق بَيْتك. قَالَ ابْن الزبير ان الله جلّ وَعز اخْتَار أبي وَاخْتَارَ النَّاس أَبَاهُ. فَالله الْفَصْل بيني وَبَينه.
قَالَ مُعَاوِيَة: هَيْهَات منتك نَفسك مَا لَيْسَ لَك وتطاولت الى

(2/420)


مَا لَا تناله ان الله اخْتَار عمي لدينِهِ وَاخْتَارَ النَّاس أبي لدنياهم. فَدَعَا عمي أَبَاك فَأَجَابَهُ ودعا أبي عمك فَاتبعهُ فَأَيْنَ تجدك الا معي. قَالَ ابْن الزبير: ذَلِك لَو كنت من بني هَاشم. قَالَ مُعَاوِيَة: دع هاشما فانها تَفْخَر عَليّ بأنفسها وأفخر عَلَيْك بهَا وَأَنا أحب اليها مِنْك وَأحب اليك مِنْهَا وَهِي أحب الي مِنْك. قَالَ ابْن الزبير: ان الله جلّ وَعز رفع بالاسلام بَيْتا وخفض بِهِ بَيْتا فَكَانَ بَيْتِي مِمَّا رفع الله بالاسلام. قَالَ مُعَاوِيَة: أجل وَبَيت حَاطِب بن أبي بلتعة مِمَّا رفع الله.
يرويهِ نقلة الْأَخْبَار.
احتجنا لتفسير هَذَا الحَدِيث أَن نذْكر نسب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنسب مُعَاوِيَة وَنسب عبد الله بن الزبير ليَصِح مَا أَرَادَ مُعَاوِيَة.
أما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ: مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب.
وَأما مُعَاوِيَة فَهُوَ: ابْن صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن

(2/421)


عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب.
وَأما عبد الله فَهُوَ: ابْن الزبير بن العوم بن خويلد بن أَسد ابْن عبد الْعُزَّى بن قصي بن كلاب.
فَقَوْل ابْن الزبير: ان الله اخْتَار أبي. يُرِيد: ان أَبَاهُ من الْعشْرَة الَّذين شهد لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ وَأَنه حوارِي النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأحد السِّتَّة الَّذين جعلت الشورى فيهم.
وَقَوله: اخْتَار النَّاس أَبَاهُ يَعْنِي: ان النَّاس اخْتَارُوا مُعَاوِيَة فولوه ففضل الزبير على مُعَاوِيَة بِأَن الزبير خَيره الله وان مُعَاوِيَة خَيره النَّاس.
وَأما قَول مُعَاوِيَة: ان الله جلّ وَعز اخْتَار عمي لدينِهِ. فانه يُرِيد: ان النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ولد هَاشم بن عبد منَاف وَابْنه من ولد عبد شمس بن عبد منَاف فهاشم عَمه. وَاخْتِيَار الله هاشما لدينِهِ هُوَ بِأَن جعل النُّبُوَّة فِي وَلَده.
وَقَوله: وَاخْتَارَ النَّاس أبي لدنياهم. يُرِيد: ان الْخلَافَة صَارَت لبني أُميَّة وامية جده.
وَقَوله: فَدَعَا عمي اباك فَأَجَابَهُ. يُرِيد: ان النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ولد هَاشم بن عبد منَاف عَم مُعَاوِيَة لِأَنَّهُ أَخُو عبد شمس بن

(2/422)


عبد منَاف وَعبد شمس أَبُو مُعَاوِيَة دَعَا يَعْنِي: هاشما عبد الْعُزَّى بن قصي بن كلاب. وَهُوَ أَبُو عبد الله بن الزبير فَأَجَابَهُ.
وَقَوله: دَعَا أبي عمك فَاتبعهُ. يُرِيد: ان النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ولد عبد منَاف وَعبد منَاف يجمع النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمُعَاوِيَة فِي الْأُبُوَّة دَعَا عبد الدار بن قصي وَهُوَ أَخُو عبد الْعُزَّى بن قصي وعبد العزى أَبُو عبد الله بن الزبير. وانما يُرِيد: أَوْلَاد هَؤُلَاءِ الَّذين ذكر وَبَين أَنه أقرب الى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأمس بِهِ من ابْن الزبير وَلذَلِك قَالَ: اني أَفْخَر عَلَيْك بهاشم.
وَقَوله: وَأَنا أحب اليها مِنْك. يُرِيد: انه أقرب اليها فَهُوَ أحب اليها وَهِي أحب الي مِنْك اذ كَانَت أَيْضا اقْربْ اليه.
وَأما قَوْله: وَبَيت حَاطِب بن أبي بلتعة مِمَّا رفع الله فان حَاطِبًا كَانَ من الأزد من حَيّ يُقَال لَهُم: النمر مكَاتبا لعبيد الله بن حميد بن زُهَيْر بن الْحَارِث بن الْأسود بن الْمطلب بن

(2/423)


أَسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي فَأدى الْمُكَاتبَة وَقتل عبيد الله كَافِرًا فِي بعض الْمَغَازِي فَأَرَادَ مُعَاوِيَة: انك ان كنت تفتخر بِرَفْع الاسلام اياك فان الاسلام قد رفع أَيْضا حَاطِبًا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ ان أَبَا بردة قَالَ: دخلت عَلَيْهِ حِين أَصَابَته قُرْحَته فَقَالَ: هَلُمَّ يَا بن أخي فَانْظُر فتحولت فاذا هِيَ قد ثبرت فَقلت: لَيْسَ عَلَيْك بَأْس يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. حَدَّثَنِيهِ أبي حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن سُفْيَان عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن حميد بن هِلَال عَن أبي بردة.
قَوْله: ثبرت أَي: انفتحت. والثبرة: النقرة فِي الشَّيْء والهزمة. وَمِنْه قيل للنقرة فِي الْجَبَل يكون فِيهَا مَاء الْمَطَر: ثبرة. قَالَ أَبُو ذُؤَيْب وَذكر خمرًا: من المتقارب

(2/424)


فشج بِهِ ثبرات الرصاف ... حَتَّى تزيل رنق الْمدر ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ ان رجلا قَالَ لَهُ: أَتَذكر الْفِيل قَالَ: أذكر خذقه. يَعْنِي: روثه. يُقَال: خذق وذرق وزرق بِمَعْنى.
وَقَالَ أَبُو الْحُوَيْرِث: سَمِعت عبد الملك بن مَرْوَان يَقُول

(2/425)


لقباث بن أَشْيَم الْكِنَانِي: يَا قباث: أَأَنْت أكبر أم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَقَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكبر مني وَأَنا أسن مِنْهُ. ولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفِيل ووقفت بِي أمتِي على رَوْث الْفِيل محيلا أعقله.
محيلا: أَتَى عَلَيْهِ حول.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ انه قيل لَهُ: أخبرنَا عَن نَفسك فِي قُرَيْش فَقَالَ: أَنا ابْن بعثطها وَالله مَا سوبقت الا سبقت وَلَا خضت بِرَجُل غمرة قطّ الا قطعتها عرضا. ذكره أَبُو الْيَقظَان.
قَالَ الْأَصْمَعِي: البعثط: سرة الْوَادي. يُرِيد: أَنه

(2/426)


وَاسِطَة قُرَيْش وَمن سرة البطاح.
وَقَوله: وَلَا خضت بِرَجُل غمرة الا قطعتها عرضا مثل ضربه لقُوَّة رَأْيه. وَمن خَاضَ الغمار فقطعها عرضا لَيْسَ كمن ضعف عَن ذَلِك فَاتبع الجرية حَتَّى يخرج بالبعد من الْموضع الَّذِي دخل فِيهِ. وَيُقَال: ان الْأسد يَخُوض الغمار عرضا لقُوته.
آخر الْجُزْء السَّادِس وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على رَسُوله سيدنَا الْمُصْطَفى مُحَمَّد النبى وَآله وَسلم تَسْلِيمًا وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل.

(2/427)


فرغ من نسخه لنَفسِهِ عبد الْغَنِيّ بن عبد الْوَاحِد بن عَليّ الْمَقْدِسِي عَفا الله عَنهُ وَأصْلح حَاله وَختم بِالْحُسْنَى أَعماله وَهُوَ يصلى على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَيسْأل الله سُبْحَانَهُ الْعَفو عَن ذنُوبه والتجاوز عَن سيئاته وان يَنْفَعهُ بِمَا علمه وَلَا يَجعله وبالا عَلَيْهِ انه سميع الدُّعَاء مُجيب النداء.
وَذَلِكَ بفسطاط مصر حرسه الله فِي الْعشْر الاول من شهر ربيع الأول من سنة احدى وَسبعين وخمسماية

(2/428)


- حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الْمُغيرَة انه خرج مَعَ سَبْعَة نفر من بني مَالك الى مصر فَعدا علهم فَقَتلهُمْ جَمِيعًا وهم نيام وَاسْتَاقَ العير وَلحق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاجتمعت الأحلاف الى عُرْوَة بن مَسْعُود فَقَالُوا: مَا ظَنك بِأبي عُمَيْر سيد بني مَالك قَالَ: ظَنِّي وَالله انكم لَا تتفرقون حَتَّى ترو يخلج أَو يحلج قومه كَأَنَّهُ أمة مخربة وَلَا يَنْتَهِي حَتَّى يبلغ مَا يُرِيد أَو ويرضي من رِجَاله فَمَا تفَرقُوا حَتَّى نظرُوا اليه قد تكْتب يزف فِي قومه.
يرويهِ مُحَمَّد بن اسحق عَن عَامر بن وهب وعبد الله بن مطرق.
قَوْله: يخلج فِي قومه أصل الخلج الجذب. يُقَال: خلجه خلجا اذا جذبه.
وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليردن عَليّ الْحَوْض أَقوام ثمَّ ليختلجن دوني أَي: ليجتذبون ويقطعون عني. وَمِنْه قيل للحبل خليج لِأَنَّهُ يجذب مَا شدّ بِهِ أَو لِأَنَّهُ يجذب اذا فتل وَأَرَادَ انه يمشي فِي قومه يجمعهُمْ.

(2/429)


ويذمرهم فَهُوَ لاسراعه يُحَرك يَدَيْهِ وأعضاءه.
وَمِنْه قَول الْحسن لرجل رَآهُ يمشي مشْيَة أنكرها فَقَالَ: تخلج فِي مشيته خلجان الْمَجْنُون لله فِي كل غضو مِنْهُ نقمة وللشيطان لعبة.
يُقَال: خلج بِعَيْنِه اذا غمز بهَا وخلجت عينه اذا تحركت والخلج أَن تَشْتَكِي مفاصل الرجل وأعضاؤه من عمل عمله أَو من كَثْرَة مشي وتعب. وان كَانَ الْمَحْفُوظ يحلج فانه أَيْضا من الاسراع. قَالَ العجاج: من الرجز ... تواضخ التَّقْرِيب قلوا محلجا ...
والمخربة: المثقوبة الْأذن. والخربة الثقبة وَالْجمع خرب. قَالَ ذُو الرمة وَذكر ظليما: من الْبَسِيط ... كَأَنَّهُ حبشِي يَبْتَغِي أثرا ... أَو من معاشر فِي آذانها الخرب ...
يَقُول: قد تطأطأ يرْعَى فَكَأَنَّهُ حبشِي يطْلب أثرا فِي الأَرْض أَو سندي فِي أُذُنه خربة.
يَقُول: رجل أخرب اذا كَانَ فِي أُذُنه ثقب فاذا انخرم فَهُوَ أخرم وانما شبهه بِأمة سندية لِأَنَّهُ كَانَ شَدِيد الأدمة.

(2/430)


وَقَوله: تكْتب أَي: تحزم وَجمع عَلَيْهِ ثِيَابه. وَمِنْه قيل: كتبت الْكتاب أَي: جمعت حُرُوفه.
وَقَوْلهمْ: كَتِيبَة لاجتماعها.
وَقَوله: يزف أَي: يسْرع كَمَا يزف الظليم. قَالَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون} .

(2/431)


- حَدِيث النُّعْمَان بن مقرن
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث النُّعْمَان بن مقرن انه قَامَ خَطِيبًا فِي غَزْوَة نهاوند فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس ان هَذِه الْأَعَاجِم قد أخطروا وأخطرتم لَهُم اخطارا أخطروا رثَّة وأخطرتم لَهُم الاسلام أَلا وأنكم بَاب بَين الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين ان كسر ذَلِك الْبَاب دخل عَلَيْهِم مِنْهُ أَلا واني هاز لكم الرَّايَة فاذا هززتها فليثب الرِّجَال الى أكمة خيولها فيقرطوها أعنتها أَلا واني هاز لكم الرَّايَة الثَّانِيَة فليثب الرِّجَال فتشدهما بنهما على أحقائها.
ثمَّ ذكر أَن النُّعْمَان طعن برايته رجلا ثمَّ رفع رايته مختضبة دَمًا كَأَنَّهَا جنَاح عِقَاب كاسر.
قَالَ: وجمعت الرَّايَات كَأَنَّهَا الاكام - بعد قتل النُّعْمَان - الى السَّائِب.
يرويهِ سُفْيَان عَن أبي بكر الْهُذلِيّ.
قَوْله أخطروا وأخطرتم هُوَ من الْخطر وَذَلِكَ أَن

(2/432)


يراهن الرّجلَانِ فَيكون مَا وضعاه على يَدي الْعدْل خطرا فَأَيّهمَا فَازَ أَخذه ز
يُقَال: أخطرلي فلَان وأخطرت لَهُ. وَالنَّدْب ايضا الْخطر.
قَالَ عُرْوَة بن الْورْد: من الطَّوِيل ... أيهلك معتم وَزيد وَلم أقِم ... على ندب يَوْمًا ولي نفس مخطر ...
يُرِيد أَن خطركم الأسلام وخطرهم الرثاث وَاحِدهَا رثَّة وَهِي الْأَمْتِعَة الردئية من الْغَنَائِم. وَكَذَلِكَ الرثة من النا س هم خشارتهم وضعفاؤهم. وَأرَاهُ من الرثاثة مأخوذا. وَمِنْه قَول سِيرِين: كاتبني أنس بن مَالك على عشْرين ألفا وَكنت فِي مفتح تستر فاشتريت رثَّة فربحت فِيهَا.
وَقَوله فيقرطوها أعنتها أَي: يجْعَلُوا الأعنة وَرَاء آدانها وَذَلِكَ أَن يلجموها وَهُوَ من القرط مَأْخُوذ.

(2/433)


أَخْبرنِي عبد الرحمن عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ يُقَال قرط الْفرس لجامها أَي: أحملها على أَن تجْرِي جَريا شَدِيدا حَتَّى يَمْتَد على أنوفها فَيصير كَأَنَّهُ قرط. وَأنْشد قَوْله: من الْبَسِيط ... وقرطوا الْخَيل من فلج أعنتها ... مستمسك بهواديها ومصروع ...
وانهما هَاهُنَا المناطق.
وَقَالَ الْحَارِث بن حلزة يمدح رجلا: من مجزوء الْكَامِل ... يحبوك بالزغف الفيوض على ... هميانها والأدم كالغرس ...
شبهها بِالنَّخْلِ لطولها والزغف: الدرْع اللينة الْمس والفيوض: السابغة والهميان: المنطقة ويكنو التكة فِي مَوضِع آخر. وَمِنْه الحَدِيث: ان يُوسُف حل الْهِمْيَان وَقعد مِنْهَا مقْعد الخاتن.
والأحقاء: جمع حقو وَهُوَ الْوسط وَالْعِقَاب الكاسر الَّتِي تكسر جناحها اذا انحطت الى الأَرْض.

(2/434)


والأكمة: المخالي وَاحِدهَا كمام. سميت بذلك لِأَنَّهَا تكم الْفَم. والكمام والحجام مَا يَجْعَل على فَم الْبَعِير ويشد بِهِ لِئَلَّا يعَض. يُقَال: كممت الْبَعِير وحجمته أَرَادَ فليثب الرِّجَال فليأخذوا عَن الْخَيل فيلجموها.

(2/435)


- حَدِيث حسان بن ثَابت
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث حسان انه أخرج لِسَانه فَضرب بِهِ رَوْثَة انفه ثمَّ أدلعه فَضرب بِهِ نَحره. وَقَالَ: يَا رَسُول الله ادْع لي بالنصر.
رَوْثَة الْأنف: أرنبته وَمَا يَليهَا من مقدمته. قَالَ الْهُذلِيّ: من الْكَامِل ... حَتَّى انْتَهَيْت الى فرَاش عزيزة ... شغواء رَوْثَة أنفها كالمخصف ...
يَعْنِي: عقَابا وفراشها عشها والمخصف الاشفى شبه بِهِ طرف أنفها.

(2/436)


- حَدِيث عبد الله بن الزبير
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير ان أهل الشَّام نادوه يَابْنَ ذَات النطاقين فقاال: ايه والاله أَو ايها واله. وَتلك شكاة ظَاهر عَنْك عارها ظَاهر عَنْك عارها من قَوْلك: لَا تجْعَل حَاجَتي ظهريا.
حَدَّثَنِيهِ يزِيد بن عَمْرو عَن الْحجَّاج بن نصير عَن قُرَّة بن خَالِد عَن هِشَام بن عُرْوَة.
قَوْله ايها والأنه تَقول للرجل اذا استزدته ايه فان وصلته قلت: ايه حَدِيثا. قَالَ ذُو الرمة: من الطَّوِيل ... وقفنا فَقُلْنَا: ايه عَن أم سَالم ... وَمَا بَال تكليم الديار البلاقع ...
يُرِيد حدثينا عَنْهَا. وَترك التَّنْوِين وَقد وصل لِأَنَّهُ نوى الْوُقُوف على الْحَرْف وان كَانَ الْمَحْفُوظ ايها فَهُوَ بِمَعْنى الارتضاء للشَّيْء والتصديق لِلْقَوْلِ. وَلها مَوضِع آخر وَذَلِكَ اذا أسكت رجلا

(2/437)


قلت: ايها عَنَّا. فاذا أغريته بِشَيْء قلت ويها واذ تعجبت من طيب شَيْء قلت واها. وَمِنْه قَول أبي النَّجْم: من الرجز ... واها لريا ثمَّ واها واها ...
وَقَوله: ظَاهر عَنْك عارها أَي: لَا يعلق بك وَلكنه ينبو عَنْك وَهُوَ من قَوْلك: ظهر فلَان على السَّطْح اي: علا عَلَيْهِ. قَالَ الرياشي قَالَ الله جلّ وَعز: فَمَا اسطاعوا أَن يظهروا. أَي: يعلوا عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو ذُؤَيْب: من الطَّوِيل ... وعيرها الواشون أيي أحبها ... وَتلك شكاة ظَاهر عَنْك عارها ...
وَلست أَدْرِي أَخذ بن الزبير هَذَا من أبي ذُؤَيْب أم ابتدأها هُوَ أَو هِيَ كلمة مقولة.
وحَدثني الرياشي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: كَانَ أَبُو ذُؤَيْب صَاحب عبد الله بن الزبير فِي مغزى الى افريقية وَمَات أَبُو ذُؤَيْب فدلاه ابْن الزبير فِي حفرته. وَفِيه يَقُول أَبُو ذُؤَيْب فِي هَذِه الْغُزَاة: من المتقارب

(2/438)


.. وَصَاحب صدق كسيد الضرا ... ينْهض فِي الْغَزْو نهضا نجيحا
وشيك الفضول بعيد القفو ... ل الا مشاحا بِهِ أَو مشيحا ...
والشكاة: الْعَيْب والذم. قَالَ الْأَصْمَعِي فِي رجزه: من الرجز ... يشكي بعي وَهُوَ البلغ الْحَدث ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير انه حض على الزّهْد وَذكر أَن مَا يَكْفِي الانسان قَلِيل فنزغه انسان من أهل الْمَسْجِد بنزيغة ثمَّ خبأ رَأسه فَقَالَ: ايْنَ هَذَا فَلم يتَكَلَّم. فَقَالَ: قَائِله الله ضبح ضبحة الثَّعْلَب وقبع قبعة الْقُنْفُذ.
حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي.
قَوْله: قبع أَي: أَدخل رَأسه. وَكَانَ غير الْأَصْمَعِي يروي عَن الزبْرِقَان بن بدر قَالَ: أبْغض الي كنائني الطلعة القبعة.
والأصمعي يرويهِ: الخبأة. وانما ضرب لَهُ الثَّعْلَب مثلا لجبته ورواغه والقنفذ. لاستخفائه فِي خُرُوجه فانه يخرج لَيْلًا وَقيل انه لَا ينَام.

(2/439)


وانما شبه النمام بالقنفذ لاستخفائه بِمَا يَأْتِي بِهِ قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... قنفذ ليل دَائِم التبحاث ...
وَقَالَ عَبدة: من الْكَامِل ... قوم اذا دمس الظلام عَلَيْهِم ... حدجوا قنافذ بالنميمة تمزع ...
حدجوا: رموا بِأَبْصَارِهِمْ اليها. ويروي: هدجوا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير انه قَالَ لما قتل عُثْمَان قلت لَا أستقيلها أبدا فَلَمَّا مَاتَ أبي أنقطع بِي ثمَّ استمرت مريرتي.
حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن ابْن أبي الزِّنَاد.
أصل المريرة: الفتل. يُقَال: استمرت مريرة فلَان على كَذَا. وَأَصله من الفتل: أَن يَسْتَقِيم للفاتل فَيضْرب مثلا.

(2/440)


قَالَ لَقِيط: من الْبَسِيط ... ثمَّ استمرت على شزر مريرته ... مستحكم السن لَا قحما وَلَا ضرعا ...
والشزر: الفتل الى فَوق. واليسر الى أَسْفَل.
وَمِنْه أخذت مرّة الرجل وَهِي قوته ومنته لِأَن الْقوي من الرِّجَال كَأَنَّهُ فتل. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوي.
قَالَ أَبُو زيد فلَانا لذُو مرّة اذا كَانَ قَوِيا محتالا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير انه نَازع مَرْوَان عِنْد مُعَاوِيَة فَرَأى ضلع مُعَاوِيَة مَعَ مَرْوَان فَقَالَ فِي كَلَام لَهُ: أطع الله نطعك فانه لَا طَاعَة لَك علينا الا فِي حق الله وَلَا تطرق اطراق الأفعوان فِي أصُول السخبر.
من حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك عَن هِشَام بن عُرْوَة.
الأفعوان: ذكر الأفاعي. والسخبر: شجر واحده

(2/441)


سَخْبَرَة. قَالَ حسان بن ثَابت: من الْكَامِل ... ان تغدروا فالغدر مِنْكُم شِيمَة ... واللؤم ينْبت فِي أصُول السخبر ...
وَهَؤُلَاء قوم تنْبت أَرضهم السخبر.
وَأَرَادَ ابْن الزبير لَا تتغافل عَمَّا نَحن فِيهِ وتطرق اطراق الأفعوان فِي أصُول السخبر وَمن شَأْنه أَن يأوى فِي أصُول السخبر.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير انه قَالَ: من حمل السِّلَاح ثمَّ وَضعه فدمه هدر.
يرِيه زَمعَة عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه.
قَوْله ثمَّ وَضعه يُرِيد: ضرب بِهِ فِي الْفِتْنَة وَهُوَ مثل الحَدِيث الَّذِي يرْوى: لَيْسَ فِي الهيشات قَود.
يُرَاد الْفِتْنَة والاختلاط. وَهَكَذَا رُوِيَ فِي هَذَا الْموضع بِالْيَاءِ وروى فِي غَيره بِالْوَاو.
قَالَ ابْن مَسْعُود: اياكم وهوشات اللَّيْل.

(2/442)


وَمِنْه قيل لبَعض الشُّعَرَاء أَبُو المهوش. وَمِنْه الحَدِيث: من أصَاب مَالا من مهاوش. وكل شىء خلطته فقد هوشته. فَأَما قَول الْعَامَّة: شوشته وَشَيْء مشوش فان لم يكن بِالْفَارِسِيَّةِ فان غيرته. وَالصَّوَاب: هوسته. وَقَالَ ذُو الرمة وَذكر الدَّار: من الطَّوِيل ... تعفت لتهتان الشتَاء وهوشت ... بهَا نائحات الصَّيف شرقية كدرا ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير انه قَالَ لرجل مَا على أحدكُم اذا أَتَى الْمَسْجِد أَن يخرج قرفة أَنفه.
يرويهِ مُحَمَّد بن أبي ربيعَة عَن مُسْتَقِيم بن عبد الملك.
أصل القرفة: القشرة. وَمِنْه يُقَال: صبغ فلَان ثَوْبه بفرف السدر أَي: بقشره. وَمِنْه يُقَال: تَركتهم على مثل مقرف

(2/443)


الصمغة أَي: مقشرها. وأحسب قرفة الطّيب مِنْهُ.
وَأَرَادَ ابْن الزبير انه يَنْبَغِي لمن أَرَادَ الْمَسْجِد أَن ينظف أَنفه ويقرف مَا فِيهِ مِمَّا قد يبس وَصَارَ كَأَنَّهُ قشر.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير أَنه خرج فَبَاتَ القفر فَلَمَّا قَامَ ليرحل وجد رجلا طوله شبران عَظِيم اللِّحْيَة على الولية فنفضها فَوَقع ثمَّ وَضعهَا على الرَّاحِلَة وَجَاء وَهُوَ الْقطع فنفضه فَوَقع فَوَضعه على الرَّاحِلَة وَجَاء وَهُوَ بَين الشرخين فنفض الرحل ثمَّ شده وَأخذ السَّوْط ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: من أَنْت قَالَ: أَنا أزب. قَالَ: وَمَا أزب قَالَ رجل من الْجِنّ. قَالَ: افْتَحْ فَاك أنظر. فَفتح فَاه فَقَالَ أهكذا حلوقكم لقد شوه الله حلوقكم ثمَّ قلب السَّوْط فَوَضعه فِي رَأس أزب حَتَّى باص.
حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن وَسَهل عَن الْأَصْمَعِي عَن يعلي بن عقبَة شيخ من أهل الْمَدِينَة مولى لآل الزبير الا أَنَّهُمَا قَالَا حَتَّى سبقه وَقَالَ غَيرهمَا حَتَّى باص.
وَقَالَ عبد الرَّحْمَن: أهكذا خلوقكم بِالْخَاءِ مُعْجمَة. وَقَالَ سهل: حلوقكم.
الولية البردعة. وَالْقطع: الطنفسة تكون تَحت الرجل على كَتِفي الْبَعِير والجميع قطوع. قَالَ الشَّاعِر: من الوافر.

(2/444)


.. أتتك العيس تنفح فِي براها ... تكشف عَن مناكبها القطوع ...
والشرخان جانبا الرحل. وَقَالَ عبد الله بن رَوَاحَة وغزا مَعَه ابْن أَخِيه على زاملة فَأَحْرَقتهُ الحقيبة: لَعَلَّك ترجع بَين شرخي الرحل. يَقُول: أستشهد وَترجع على رَاحِلَتي. وَقَالَ ذُو الرمة: من الْبَسِيط. ... كَأَنَّهُ بَين شرخي رَحل ساهمة ... حرف اذا مَا اسْترق اللَّيْل مَأْمُوم ...
الْمَأْمُوم: المشجوج. اسْترق اللَّيْل أَي: حِين كَاد يذهب. أَرَادَ كَأَنَّهُ من النعاس مشجوج. وخلوقكم جمع خلق.
وَقَوله: حَتَّى باص أَي: حِين سبقه وَفَاته. وَفِي حَدِيث عمر أَنه أَرَادَ أَن يسْتَعْمل سعيد بن عَامر فباص

(2/445)


مِنْهُ كَأَنَّهُ هرب واستر.
والبوص فِي غير هَذَا اللَّوْن فَأَما البوص بِضَم الْبَاء فَهُوَ لعجز.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن الزبير أَنه خطب حِين بلغه قتل مُصعب فَقَالَ فِي خطبَته: انا وَالله مانموت حبجا وَلَا نموت الا فَتلا قعصا بِالرِّمَاحِ تَحت ظلال السيوف وَلَيْسَ كَمَا يَمُوت بَنو مَرْوَان.
يرويهِ الْهَيْثَم عَن أَي جناب الْكَلْبِيّ عَن شيخ من أهل مَكَّة.
الجبج من أدواء الابل وَهُوَ أَن تَأْكُل العرفج ليجتمع فِي بطونها عجر حَتَّى تَشْتَكِي مِنْهُ.
يُقَال: جبجت تحبج حبجا فان لم تخرج مَا فِي بطونها وانتفتخت قيل: حبطت تحبط حَبطًا.
قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ان مِمَّا ينْبت الرّبيع مَا يقتل حَبطًا أَو يلم.

(2/446)


والقعص: أَن يَمُوت الْمَضْرُوب أَو المطعون أَو المرمي يُقَال مِنْهُ: اقعصته اقعاصا وَنَحْوه: أصميته.
وَأَرَادَ ابْن الزبير: انا لَا نموت على التخم والاكثار من الْمطعم كَمَا يَمُوت آل مَرْوَان وَلَكنَّا نموت قتلا. وَيُقَال: الحبط أَن تنتفخ بطُون الابل عَن أكل الذرق هُوَ الحندقوق.
وَمن القعص حَدِيث الزبير أَنه كَانَ يقعص الْخَيل قعصا بِالرُّمْحِ - يَعْنِي يَوْم الْجمل - حَتَّى نوه بِهِ عَليّ فَقَالَ لَهُ مَا قَالَ فَانْصَرف.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن الزبير انه لما أَرَادَ هدم الْكَعْبَة وبناءها أرسل أَرْبَعَة آلَاف بعير تحمل الورس من الْيمن.
يُرِيد أَن يَجعله مدرها فَقيل لَهُ: ان الورس يرفت فَقَسمهُ فِي عجز قُرَيْش وبناها بالقصة وَكَانَت فِي الْمَسْجِد جراثيم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس ابطحوا.

(2/447)


وَفِي الحَدِيث أَنه لما أبرز عَن ربضه دَعَا بكبره فنظروا اليه وَأخذ ابْن مُطِيع العتلة فعتل نَاحيَة من الربض وأقضه.
حَدَّثَنِيهِ شيخ لنا عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن ابْن جريج.
قَوْله: يرفت أَي: يتفتت والرفات نَحْو الفتات وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {أئذا كُنَّا عظاما ورفاتا} .
والقصة: الجص يُقَال: قصَص فلَان دَاره اذا جصصها.
والجراثيم جمع جرثومة وَهِي من تُرَاب أَو طين تعلو على الأَرْض.
وَيُقَال للشَّيْء اذا اجْتمع: قد تجرثم واجرنثم.
وانما أَرَادَهُ الْمَسْجِد كَانَ متعليا غير مستوي الأَرْض فَفِيهِ مَوَاضِع قد علت ومواضع قد تحفرت فَأَمرهمْ أَن يبطحوا أَي: يسووا الأَرْض بالبطحاء. وَهُوَ حمى وَرمل ينْقل من مسيل المَاء ويلقى فِي أَرض الْمَسْجِد حَتَّى يَسْتَوِي.

(2/448)


وَالْكبر: الْمَشَايِخ جمع أكبر والعتلة: البيرم وَقَوله: أقضه من القضة وَهُوَ الْحَصَى الصغار وَمِنْه قَول أبي ذُؤَيْب: من الْكَامِل ... أما لجنبك لَا يلائم مضجعا ... الا أقض عَلَيْك ذَاك المضجع ...
يَقُول: ثِيَابك. فَكَانَ فِيهِ قضة.

(2/449)


حَدِيث النِّسَاء

(2/450)


- حَدِيث ام الْمُؤمنِينَ عَائِشَة
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَائِشَة انها قَالَت: كَانَ الْمُسلمُونَ يوعبون فِي النفير مَعَ رَسُول الله فَيدعونَ مفاتحهم على ضمناهم وَيَقُولُونَ: ان احتجتم فَكُلُوا. فَقَالُوا: انما أحلُّوا لنا عَن غير طيب نفس. فَنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح} الى قَوْله: أَو مَا ملكتم مفاتحة.
حَدَّثَنِيهِ زيد بن أخزم الطَّائِي عَن بشر بن عمر عَن ابراهيم بن سعد عَن صلح بن كيسَان عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة.
قَوْلهَا: يوعبون أَي: يخرجُون بأجمعهم فِي الْمَغَازِي. يُقَال: أوعب بَنو فلَان لبني فلَان اذا جَاءُوا بأجمعهم. وَيُقَال: بَيت وعيب. اذا كَانَ وَاسِعًا يستوعب كلما جعل فِيهِ. وركض وعيب. وَهُوَ أقْصَى مَا عِنْد الْفرس.
قَالَ بعض العبديين: من المتقارب ... أخال بهَا كَفه مُدبرا ... وَهل ينجينك ركض وعيب ...
والضمنى هم الزمنى. واحدهم ضمن. مثل: زمن.

(2/451)


وزمنى وجرب وجربى. وَيُقَال: ضمن بَين الضمن وَالضَّمان.
وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة ان دقره قَالَ: كنت أَطُوف مَعهَا بِالْبَيْتِ وَعَلَيْهَا ثوب قد كَاد يشف فناولتها عطافا كَانَ عَليّ فرأت فِيهِ تصليبا فَقَالَت: نحيه عني.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد بن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي اسحق عَن لَيْث عَن بديل عَن دقرة.
قَوْلهَا: قد كَاد يشف أَي: يرق حَتَّى يَبْدُو مِنْهُ خلقهَا. وَمِنْه قيل للستر الرَّقِيق: شف وشف. والعطاف: الرِّدَاء. يُقَال لَهُ أَيْضا: معطف. وَمثله مِمَّا جَاءَ على هَذَا التَّقْدِير: ملحف ولحاف ومنطق ونطاق ومسن وَسنَان ومسرد وسراد وَهُوَ الأشفى. والسرد الخرء. وَهُوَ الْمُتَابَعَة وَمِنْه

(2/452)


قيل: فلَان يسْرد الصَّوْم أَي: يُتَابِعه. وَقَالَ الشماخ: من الطَّوِيل ... كَمَا تابعت سرد الْعَنَان الخوارز ...
أَي: خرزه. ومقرم وقرام وَهُوَ السّتْر. وَمِنْه الحَدِيث: كَانَ على بَاب عَائِشَة قرام فِيهِ تمائيل.
وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة انها قَالَت لما نزلت هَذِه الْآيَة: {وَليَضْرِبن بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبهنَّ} انْقَلب رجال الْأَنْصَار الى نِسَائِهِم فتلوها عَلَيْهِنَّ فَقَامَتْ كل امْرَأَة الى مرْطهَا المرحل فصدعت مِنْهُ صدعة فَاخْتَمَرْنَ بهَا. فَأَصْبَحْنَ فِي الصُّبْح على رؤوسهن الْغرْبَان.
حَدَّثَنِيهِ سعد بن مَنْصُور عَن دَاوُد الْعَطَّار قَالَ: حَدثنِي ابْن خَيْثَم عَن صَفِيَّة بنت شيبَة عَن عَائِشَة.
المروط: أكسية من صوف وَرُبمَا كَانَت من شعر وَرُبمَا كَانَت من خَز. والمرحل: الْمُوشى. وَيُقَال لذَلِك الْعَمَل:

(2/453)


الترحيل. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس وَذكر امْرَأَة: من الطَّوِيل ... ذيل مرط مرحل ...
وَأما قَوْلهَا: فَأَصْبَحْنَ على رؤوسهن الْغرْبَان. تُرِيدُ: أَن المروط كَانَت من شعر أسود فَصَارَ على الرؤوس مِنْهَا مثل الْغرْبَان وَمِمَّا يُوضح هَذَا حَدِيث حَدَّثَنِيهِ عَبدة الصفار قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد ابْن بشر الْعَبْدي عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن مُصعب بن شيبَة عَن صَفِيَّة بنت شيبَة عَن عَائِشَة ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج ذَات غَدَاة وَعَلِيهِ مرط مرحل من شعر أسود.
وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة انها قَالَت: اذا حَاضَت الْمَرْأَة حرم الجحران.
ذكره اسحق بن رَاهَوَيْه فَسمِعت رجلا من أهل الْحجاز من قُرَيْش يحْتَج بِهِ عَلَيْهِ فِي تَحْلِيل الأدبار وَقَالَ: لَوْلَا انهما كَانَا حَلَالا قبل الْحيض لم تقل: حرما بعد الْحيض. فَقَالَ فِي ذَلِك بعض أَصْحَاب اللُّغَة قولا ارْتَضَاهُ اسحق وعرفه وَقَالَ: انما هُوَ حرم الجحران بِضَم النُّون على لفظ الْوَاحِد. والجحران: الْفرج. وانشد فِيهِ بَيْتا أنسيته وَهَذَا مَذْهَب فِي اللُّغَة صَحِيح.

(2/454)


لِأَن هَذِه الْألف وَالنُّون تزادان آخرا. قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: جِئْت فِي عقب الشَّهْر وعقبانه اذا جِئْت بعد مَا مضى وَجئْت فِي عقبه وَعقبَة اذا جِئْت فِي آخِره.
وَقَالُوا فِي الْجَمِيع سود وسودان وحمر وحمران. وَقَالُوا فرس عري أَي: لَا جلّ عَلَيْهِ وَرجل عُرْيَان وَلَا رجل عري. وأصلهما وَاحِد. فَكَذَلِك قَالُوا: جُحر الضَّب وجحر الأرقم وَقَالُوا لِلْفَرجِ خَاصَّة جحران فزادوا الْألف وَالنُّون ليَكُون اسْما مُمَيّزا لَهُ من سَائِر الجحرة. وَقد يَفْعَلُونَ مثل هَذَا كثيرا قَالُوا: فحال النّخل وَفِي سَائِر الْأَشْيَاء: فَحل. وَقَالُوا أَخُوهُ بلبان أمه وَقَالُوا فِي سَائِر الْأَشْيَاء: لبن وَقَالُوا: عجيزة الْمَرْأَة. وَقَالُوا: عجز الرجل وَالْمَرْأَة جَمِيعًا. وَعجز كل شىء آخِره.
وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة. انها خطبت بعد مقتل عُثْمَان بِالْبَصْرَةِ فَقَالَت: ان لي حُرْمَة الأمومة وَحقّ الصُّحْبَة لَا يتهمني مِنْكُم الا من عصى ربه قبض رَسُول الله بَين شجري وَنَحْرِي وَأَنا احدى نِسَائِهِ فِي الْجنَّة وَله خصني رَبِّي من

(2/455)


كل بضع وَبِي ميز مؤمنكم من منافقكم.
وَفِي رِوَايَة أخري: وَفِي رخص لكم فِي صَعِيد الأقواء وَأبي ثَانِي اثْنَيْنِ.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: وَأبي رَابِع أَرْبَعَة من الْمُسلمين وَأول من سمي صديقا قبض رَسُول الله وَهُوَ عَنهُ رَاض قد طوقه وهف الْأَمَانَة.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وهف الْأَمَانَة واضطرب حَبل الَّذين فَأخذ بطرفيه وربق لكم أثناءه ووقذ النِّفَاق.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: وغاض نبغ الرِّدَّة وأطفأ مَا حشت يهود وَأَنْتُم يَوْمئِذٍ جحظ تنتظرون الدعْوَة.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تنتظرون العدوة وتستمعون الصَّيْحَة فرأب الثأي وأوذم السقاء وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: وأوذم العطلة وامتاح من المهواة واجتهر دفن الرواء حَتَّى قَبضه الله اليه واطئا على هام النِّفَاق مذكيا لِحَرْب الْمُشْركين يقظان اللَّيْل فِي نصْرَة الاسلام صفوحا عَن الْجَاهِلين.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: بعيد مَا بَين اللابتين عركة للأذاة بجنبيه خشَاش الْمرْآة والمخبر. واني أَقبلت أطلب بِدَم الامام المركوبة مِنْهُ الْفقر الْأَرْبَع فَمن ردناعنه بِحَق قبلناه وَمن 457

(2/456)


ردنا عَنهُ بباطل قَاتَلْنَاهُ. فَرُبمَا ظهر الظَّالِم على الْمَظْلُوم وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين.
يروي أحدى الرِّوَايَتَيْنِ زَكَرِيَّا بن يحيى الْكُوفِي قَالَ: حَدثنِي عَم أبي زحر بن حُصَيْن عَن جده حميد بن منْهب.
قَوْلهَا: قبض رَسُول الله بَين شجري وَنَحْرِي. قد ذكره أَبُو عبيد من هَذَا الحَدِيث وَفَسرهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلهَا فِي رِوَايَة آخرى: بَين حاقنتي وذاقنتي.
وَبَلغنِي عَن عمَارَة بن عقيل بن بِلَال بن جرير انه قَالَ: انما هُوَ بَين شجري وبجري فَسئلَ عَن ذَلِك فشبك بَين أَصَابِعه وقدمها من صَدره كَأَنَّهُ يضم شَيْئا.
وَيُقَال: اشتجر النَّاس اذا اخْتلفُوا. وَالْأَصْل أَن يشتبكوا فِي خُصُومَة أَو قتال وشبيه بِهِ التضام فِي الرُّؤْيَة فِي قَول النبى: لَا تضَامون فِي رُؤْيَته أَي: لَا تختلفون فِيهِ فتشتجرون وينضم بَعْضكُم الى بعض.
أَرَادَ عمَارَة انه قبض وَقد ضمته بِيَدِهَا الى نحرها وصدرها. وخالفت بَين أصابعها كَمَا يفعل من يضم الشَّيْء الَّذِي بِمَا يَدَيْهِ الى صَدره. وَالْمَحْفُوظ هُوَ الأول. وَقَوْلها: قد طوقه وهف الْأَمَانَة أَو الامامة. تَعْنِي: الصَّلَاة. وَلست أعرف اشتقاق الْحَرْف. وَأَحْسبهُ وهق الْأَمَانَة.

(2/457)


وَقَوْلها: وَله خصني رَبِّي من كل بضع. أَي: من كل نِكَاح. وَكَانَ تزَوجهَا بكرا من بَين جَمِيع نِسَائِهِ.
ذكر الرياشي عَن الْأَصْمَعِي انه قَالَ: يُقَال: كرم الْعَيْش أكل وَشرب وبضاع ثمَّ نم. وَمِنْه قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تستأمر النِّسَاء فِي بضاعهن أَو أبضاعهن. يُقَال: أبضعت الْمَرْأَة ابضاعا اذا زوجتها كَمَا تَقول أنكحتها انكاحا. وَالْبكْر اذنها سكانها.
والصعيد: التُّرَاب. قَالَ الله جلّ وَعز: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} . أَي تعمدوا ذَلِك. والأقواء جمع قواء. وَهُوَ القفر من الأَرْض. والقي مِنْهُ وَهُوَ فعل.
تُرِيدُ أَنَّهَا كَانَت سَبَب الرُّخْصَة فِي التَّيَمُّم. قَالَ عمار بن يَاسر: كُنَّا مَعَ رَسُول الله فِي سفر ففقد عقد لعَائِشَة

(2/458)


فطلبوه حَتَّى أَصْبحُوا وَلَيْسَ من الْقَوْم مَاء فَنزلت الرُّخْصَة فِي التَّيَمُّم.
وَقَوْلها: واضطراب حَبل الدّين فَأخذ بطرفيه وربق لكم أثناءه. تُرِيدُ: أَنه لَهما اضْطربَ الْأَمر أحَاط بِهِ من أَطْرَافه وضمه فَلم يشذ مِنْهُ أحد وَلم يخرج عَمَّا جمعهم عَلَيْهِ. وأصل ربق من تربيق البهم. يُقَال: ربقت البهم وربقتها اذا جعلت أعناقها فِي عرى حَبل. وَيُقَال: لكل عُرْوَة مِنْهَا ربقة. وَمِنْه الحَدِيث: من فَارق الْجَمَاعَة متبرئا فقد خلع ربقة الاسلام من عُنُقه وَيُقَال اللحبل: ربق.
قَالَ الْأَصْمَعِي: وانما تربق الصغار لِأَنَّهَا لَا تقوى على أَن تتباعد فِي المرعى مَعَ الْأُمَّهَات فتربق حَتَّى تجىء الْأُمَّهَات فترضعها.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْعَرَب تَقول: رمدت المعزى فرنق رنق. ورمدت الضَّأْن فربق ربق والترميد من الْمعز والضأن أَن يستبين حملهَا وتعظم ضروعها.
وَقَالَ ابْن الأعربي فِي تَأْوِيل هَذَا: ان المعزى تدفع فِي أول من حملهَا. يَعْنِي: تنزل اللَّبن. فَيَقُول: انْتظر الْولادَة وان أبطأوا.
والترنيق: الِانْتِظَار. يُقَال: رنق الطَّائِر اذا رَفْرَف. ورنق فلَان فِي نظره الى الشَّيْء اذا أدامه.

(2/459)


قَالَ: والضأن لَا تدفع الا عِنْد الْولادَة فاذا رمدت فَهِيَ الأرباق لأولادها.
وأثناء الْحَبل مَا انثنى مِنْهُ واحده ثنى يُرِيد: أَنه جعل وسط الْحَبل ربقا لكم وأوثقكم بِهِ. وَقبض على طَرفَيْهِ. وَهُوَ مثل ضربه.
قَالَ الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: قَالَ أَبُو مهْدي: تَعْنِي شُجَاع فَمر خَلْفي كَأَنَّهُ سهم زالج فَحدث عَنهُ فَرجع فاستكف كَأَنَّهُ كَفه حابل فرميته فانتظمت ثَلَاثَة أَثْنَائِهِ أَحدهَا رَأسه.
استكف اسْتَدَارَ والكفة: حبال الصَّائِد. والزالج من السِّهَام الَّذِي يمر على الأَرْض. يُقَال: زلج يزلج.
قَوْلهَا: وقذ النِّفَاق تُرِيدُ: انه أوهنه وأضعفه وَمِنْه يُقَال: فلَان وقيذ: اذا كَانَ شَدِيد الْعلَّة. وَقد وقذته الْعلَّة وَالْعِبَادَة اذا نهكته. وَمِنْه الموقوذ وَهِي الَّتِي تضرب حَتَّى تشرف على الْمَوْت ثمَّ تتْرك تَمُوت بِغَيْر ذَكَاة.
وَقَوْلها: غاض نبغ الرِّدَّة أَي: نَقصه وأذهبه. يُقَال: غاض المَاء اذا نقص. وغضته أَنا. ونبغ الرِّدَّة مَا نبغ مِنْهَا. أَي: ظهر. وانما سمي النَّابِغَة بقوله: من الوافر ... فقد نبغت لنا مِنْهُم شؤون ...
وَقَوْلها: وأطفأ مَا حشت يهود. تَعْنِي: مَا أوقدت من نيران الْحَرْب أَو الْفِتْنَة. يُقَال: حششت النَّار وأحمشتها اذا ألهبتها.

(2/460)


وَلم تصرف يهود لِأَنَّهُ يَجْعَل كالقبيلة. وَكَذَلِكَ مجوس. قَالَ الشَّاعِر: من الوافر ... كنار مجوس تستعر استعارا
وَقَوْلها: وَأَنْتُم يَوْمئِذٍ جحظ شاخصو الْأَبْصَار تترقبون أَن ينعق ناعق أَو يَدْعُو الى وَهن الاسلام دَاع وَالْعين تجحظ عِنْد الترقب وَعند الانكار للشَّيْء.
حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن مُوسَى بن سعيد الجُمَحِي عَن ابْن مُصعب الزبيرِي قَالَ قَالَ لي عُثْمَان بن ابراهيم بن مُحَمَّد بن حَاطِب الجُمَحِي وَكَانَ جزلا موجها ذَا عارضة أَتَانِي فَتى من قُرَيْش يستشيرني فِي امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَقلت: يَا بن أخي أقصيرة النّسَب أم طويلته قَالَ: فَكَأَنَّهُ لم يفهم. فَقلت: يَا بن أخي: إِنِّي أعرف فِي الْعين اذا أنْكرت وَأعرف فِيهَا اذا عرفت. وَأعرف فِيهَا اذا هِيَ لم تعرف وَلم تنكر. أما هِيَ اذا عرفت فتخواص وَأما اذ انكرت فتجحظ وَأما هِيَ اذا لم تعرف وَلم تنكر فتسحو.
القصيرة النّسَب يَا بن أخي الَّتِي اذا ذكرت أَبَاهَا اكتفيت والطويلة النّسَب الَّتِي لَا تعرف حَتَّى تطيل واياك يَا ابْن أخي وان تقع فِي قوم قد أَصَابُوا غثرة من الدُّنْيَا مَعَ دناءة فتضع نَفسك بهم.
قَوْله: تسحو أَي: تسكن والغثرة وَالْكَثْرَة هَاهُنَا بِمَعْنى. وَيُقَال لعوام النَّاس: الغثراء وَهَذَا شَبيه رؤبة عَن النسابة.
حدثنيى عبد الرَّحْمَن وَسَهل عَن الْأَصْمَعِي عَن الْعَلَاء بن أسلم الْعَدْوى

(2/461)


عَن رؤبة بن العجاج قَالَ أتيت النسابة الْبكْرِيّ فَقَالَ: من أَنْت قلت: ابْن العجاج قَالَ: قصرت وَعرفت لَعَلَّك كقوم عِنْدِي فان سكت عَنْهُم لم يَسْأَلُونِي وان حدثتهم لَو يعوا عني. قلت: أَرْجُو أَلا أكون كَذَلِك. قَالَ: فَمَا أَعدَاء الْمُرُوءَة قلت: تُخبرنِي قَالَ: بَنو عمر السوء ان رَأَوْا حسنا كتموه وان رَأَوْا سَيِّئًا أذاعوه ثمَّ تقال: ان للْعلم آفَة ونكدا وهجنة فآفته: نسيانه ونكده: الْكَذِب فَهِيَ وهجنته نشره عِنْد غير أَهله فَأخذ هَذَا الْمَعْنى رؤبة فَقَالَ: من الرجز ... قد رفع العجاج ذكرى فادعني ... باسم اذا الْأَنْسَاب طَالَتْ يكفني ...
وَقَوْلها: ورأب الثأي أَي: شده. يُقَال: رَأَيْت الشي. فَأَنا أرأبه اذا شددته. والثأي: الْفساد وَهُوَ فِي الخرز أَن تغلظ الاشفى ويدق السّير فيسيل المَاء. يُقَال: أثأت الخارزة اذا فعلت ذَلِك.
وَقَوْلها: وأوذم السقاء أَي: شده بالوذمة وَهُوَ سير يشد بِهِ. يُقَال: أوذمته وأوذمت الدَّلْو اذا شددت فِيهَا الوذم بَين آذانها والعرافي.
وَقَوْلها فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وأوذم العطلة فِيهِ قَولَانِ: يُقَال: هِيَ النَّاقة الْحَسَنَة. والعطلات الْجَمِيع. قَالَ الشَّاعِر: من الوافر

(2/462)


فَلَا تتجاوز العطلات مِنْهَا ... الى الْبكر المقارب والكزوم
وَلَكنَّا نعض السَّيْف صَلتا ... بأسوق عافيات اللَّحْم كوم ...
وَالْأَصْل فِي أوذم مَا أعلمتك. وَأَرَادَ أَنه شدّ النَّاقة لتسنو أَي: لتستقي.
وَالْقَوْل الآخر: أَن تجْعَل العطلة الدَّلْو الَّتِي ترك الْعَمَل بهَا حينا وَهُوَ من التعطل مَأْخُوذ. يُقَال: عطلت تعطل عطلا. يُرِيد: أَن أواذمها كَانَت قد رثت وتقطعت لبعد الْعَهْد بالمستقين فأوذمها واستقى بهَا.
وَقَوْلها: أمتاح من المهواة أَي: استقي. وَمِنْه يُقَال: فلَان يستميحني ويمتاحني اذا استعطاك. ومحته أميحه اذا أَعْطيته. والمائح الَّذِي يدْخل الْبِئْر فَيمْلَأ الدَّلْو. والماتح الَّذِي ينْزع الدَّلْو. والمهواة: الْبِئْر. وكل نفنف فَهُوَ مهواة. قَالَ ذُو الرمة: من الطَّوِيل ... بَيت بمهواة هتكت سَمَاء ... الى كَوْكَب يزوي لَهُ الْوَجْه شَاربه ...
فالمهواة مَا بَين أَسْفَل الْبِئْر وأعلاها. وَمِنْه قيل: هوى يهوى. وَقيل للنار: الهاوية.
وكوكب المَاء معظمه. وَالْبَيْت هَاهُنَا بَيت العنكبوت. يُرِيد: انه هتكه بِدَلْو حِين استقى.

(2/463)


وَقَوْلها: واجتهر دفن الرواء تُرِيدُ: انه كبحه يُقَال: جهرت الْبِئْر اذا كَانَت مندفنة المَاء فأخرجت مَا فيا من الحمأة والطين وَالْمَاء الآجن حَتَّى يظْهر طيب المَاء ويثوب. يُقَال: آبار مجهورة. قَالَ الراجز: ... اذا وردنا آجنا جهرناه ... أَو خَالِيا من أَهله عمرناه ...
وَقَالَ الفرزدق وَذكر جَيْشًا: من الطَّوِيل ... تظل بِهِ الأَرْض الفضاء معضلا ... وتجهر أسدام الْمِيَاه قابله ...
والأسدام الْمِيَاه المندفنة. يُقَال ركية دَفِين وركايا دفن. والرواء المَاء الْكثير وَهُوَ مَمْدُود. فاذا كسرت أَوله قصرت فَقلت: روى.
قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: مَاء رواء ومياه رواء سَوَاء بِفَتْح الرَّاء. وَهَذِه أَمْثَال ضربتها لضياع الْأَمر وانتشاره وَأَحْكَامه اياه. فشبهته بِرَجُل أَتَى على بِئْر قد اندفن مَاؤُهَا وتعطلت دلوها فنزحها وَأخرج مَا فِيهَا من الحمأة حَتَّى نبع المَاء.
وأوذم الدَّلْو ورمها وَشد سانية من خِيَار الابل
ثمَّ استقى. وَقَوْلها: بعيد مَا بَين اللابتين والملابة الجرة. وَجَمعهَا: لاب ولوب. وَالْأَصْل فِي هَذَا ان مَدِينَة الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة

(2/464)


وَالسَّلَام بَين لابتين وَحرم رَسُول الله مَا بَين لابتيها وَيُقَال: مَا بَين لابتيها أَجْهَل من فلَان. يُرَاد: مَا بَين طرفى الْمَدِينَة أَو الْقرْيَة أَجْهَل بِهِ. وأرادت عَائِشَة انه وَاسع الصَّدْر وَاسع العطن.
وَقَوله: صفوح عَن الْجَاهِلين تُرِيدُ: انه يعرض عَنْهُم. يُقَال: صفحت عَن الشَّيْء اذا أَعرَضت عَنهُ كَأَنَّك توليه صفحة وَجهك أَو صفحة عُنُقك.
قَالَ كثير وَذكر الْمَرْأَة: من الطَّوِيل ... صفوحا فَمَا تلقاك الا بخيلة ... فَمن مل مِنْهَا ذَلِك الْوَصْل ملت ...
أَي: معرضة بوجهها لَا ترى مِنْهُ الا جَانِبه. وَهُوَ احدى صفحتيه.
وَقَوْلها خشَاش الْمرْآة والمخبرة تُرِيدُ: انه لطيف الْجِسْم فِي رَأْي الْعين وَعند الاختبار أَيْضا اذا تجرد غير سمين وَيُقَال: رجل حشاش وخشاش اذا كَانَ ضربا لطيب الرَّأْس وَمِنْه قَول طرفَة: من الطَّوِيل ... أَنا الرجل الضَّرْب الَّذِي تعرفونه ... خشَاش كرأس الْحَيَّة المتوقد ...
وَقَوْلها: المركوبة مِنْهُ الْفقر الْأَرْبَع. والفقر: خَرَزَات الظّهْر ودأيه الْوَاحِدَة: فقرة ودأية.

(2/465)


قَالَ الْأَصْمَعِي: وانما قيل للغراب ابْن دأية لِأَنَّهُ يَقع على دابر الْبَعِير الدبر فينقره.
وَضربت فقر الظّهْر مثلا لما ارْتكب مِنْهُ لِأَنَّهَا مَوضِع الرّكُوب وَهَذَا كَمَا يُقَال: ركبت مني أمرا عَظِيما. وَقَالَ الأخطل: من الطَّوِيل ... لقد حملت قيس بن عيلان حربنا ... على يَابِس السيساء محدودب الظّهْر ...
والسيساء: عظم الظّهْر. وَهَذَا مثل أَي: حملتهم على مشقة وحملتها أَرْبعا لِأَنَّهَا أَرَادَت: انه ركب مِنْهُ أَربع عِظَام تجب لَهُ بهَا الْحُقُوق فَلم يرعوها وانتهكوها وَهِي حرمته بِصُحْبَة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصهره.
وَحُرْمَة الْبَلَد وَحُرْمَة الْخلَافَة وَحُرْمَة الشَّهْر الْحَرَام.
وَكَانُوا قَتَلُوهُ فِي شهر حرَام. قَالَ الشَّاعِر: من الْكَامِل ... قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما ... ودعا فَلم أر مثله مخذولا ...
أَي: دَاخِلا فِي حُرْمَة الشَّهْر. وَقَالَ الفرزدق: من الْكَامِل ... عُثْمَان اذ قَتَلُوهُ وانتهكوا ... دَمه صَبِيحَة لَيْلَة النَّحْر ...
ذكر انهم قَتَلُوهُ فِي يَوْم الْأَضْحَى وَمثله قَول الآخر فِيهِ:

(2/466)


من الْبَسِيط ... ضحوا بأشمط عنوان السُّجُود بِهِ ... يقطع اللَّيْل تسبيحا وقرآنا ...
وَمثل هَذَا فِي حَدِيث لَهَا آخر قَالَ مُوسَى بن طَلْحَة: أتيناها نسألها عَن عُثْمَان فَقَالَت: اجلسوا حَتَّى أحدثكُم بِمَا جئْتُمْ لَهُ وانا عبنا عَلَيْهِ كَذَا وَمَوْضِع الغمامة المحماة وضربه السَّوْط والعصا فعمدوا اليه حَتَّى اذا ماصوه كَمَا يماص الثَّوْب واقتحموا الْفقر الثَّلَاث حُرْمَة الشَّهْر وَحُرْمَة الْبَلَد وَحُرْمَة الْخلَافَة.
قَوْلهَا: مَوضِع الغمامة المحماة. تُرِيدُ: الْحمى الَّذِي حماه عُثْمَان. وَكَانُوا يَقُولُونَ فِيمَا يعتدون بِهِ عَلَيْهِ: انه حمى الْحمى. وَقَالَ رَسُول الله: لَا حمى الا لله وَرَسُوله.
يُقَال: أحميت الْمَكَان فَهُوَ محمى اذا جعلته حمى وحميت الْمَكَان حميا منعت مِنْهُ وحميت الْقَوْم حماية نصرتهم وذببت عَنْهُم.
وانما جعلته موضعا للغمامة لِأَنَّهَا تسقيه بالمطر. والغمامة: السحابة. وَالنَّاس شُرَكَاء فِي الْكلأ اذا سقته السَّمَاء وَلم يسقه أحد وَلذَلِك أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَن يحمي كلأ تسقيه السَّمَاء وَالنَّاس فِيهِ شُرَكَاء.
وَقَوْلها: وضربه السَّوْط والعصا تُرِيدُ انه ضرب بهما فِي

(2/467)


الْعُقُوبَات كَانَ من قبله يضْرب بِالدرةِ والنعل وَلَا يضْرب بهما. وَقَالَ بعض المفسيرين فِي قَول الله جلّ وَعز: {وَإِذا بطشتم بطشتم جبارين} قَالَ: بِالسَّوْطِ.
وَفِي بعض الحَدِيث انه بلغَهَا ان الْأَحْنَف قَالَ شعرًا يلومها فِيهَا فَقَالَت: لقد استفرغ حلم الْأَحْنَف هجاؤه اياي أَلِي كَانَ يستجم مثابة سفهه الى الله أَشْكُو عقوق أبنائي.
المثابة: الْموضع الَّذِي يثوب مِنْهُ المَاء وَجَمعهَا: مثاب. يُقَال: هَذِه بِئْر لَهَا ثآئب أَي: مَا يعود بعد النزح. وَقَالَ الرَّاعِي يذكر مَاء: من الْكَامِل ... سدما اذا التمس الدلاء نطافه ... صادفن مشرفة المثاب دحولا ...
والمثابة فِي غير هَذَا: مقَام الساقي. وأرادت ان الْأَحْنَف كَانَ حَلِيمًا عَن النَّاس فَلَمَّا صارد اليها سفه فَكَأَنَّهُ كَانَ يجم سفهه لَهَا.
وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: قدم النبى من سفر وَقد سترت على بَابي درنوكا فِيهِ الْخَيل أولات الأجنحة فهتكه. يرويهِ وَكِيع عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه.
الدرنوك: الْبسَاط. وَجمعه: درانك. قَالَ عَطاء: صلينَا

(2/468)


مَعَ ابْن عَبَّاس على درنوك قد طبق الْبَيْت كُله.
وَيُقَال أَيْضا ان الدرانك: الطنافس. قَالَ ذُو الرمة يصف بَعِيرًا: من الطَّوِيل ... عبنى القرا ضخم العثانين أنبتت ... مناكبه أَمْثَال هدب الدرانك ...
شبه الْوَبر على مناكبه بهدب الطنافس.
وَقَالَ الْفراء: الزرابي: الطنافس. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ الْبسط.
وأراهم قد سَموهَا جَمِيعًا زرابي كَمَا سَموهَا جَمِيعًا درانك.
وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت تَصُوم فِي السّفر حَتَّى أذلقها السمُوم.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد بن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي اسحق عَن ابْن عون عَن الْقَاسِم.
السمُوم: حر النَّهَار والحرور حر اللَّيْل. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يكون ذَلِك بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار قَالَ العجاج: من الرجز.

(2/469)


ونسجت لوامع الحرور ... برقرقان آلها الْمَسْجُور
سبائبا كسرق الْحَرِير ...
فَجعل الحرور فِي النَّهَار. وَقَوله: أذلقها السمُوم أَي: جهدها. وَمِنْه الحَدِيث فِي رجل رجمه رَسُول الله بالمصلى فَلَمَّا أذلقته الْحِجَارَة فر.
وَفِي السِّيرَة ان أَيُّوب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي مناجاته: أذلقني الْبلَاء فتكلمت وَمِنْه قيل: عَدو ذليق اذا كَانَ شَدِيدا قد بلغ فِيهِ الْجهد. قَالَ الْهُذلِيّ: من الطَّوِيل ... أَوَائِل بالشد الذليق وحثني ... لَدَى الْمَتْن مشبوح الذراعين خلجم ...
والمشبوح الذراعين العريضهما والخلجم: الطَّوِيل.
وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا ذكر لَهَا الْمُتْعَة

(2/470)


فَقَالَت: مَا نجد فِي كتاب الله الا النِّكَاح والاستسراء ثمَّ تلت: {وَالَّذين هم لفروجهم حافظون إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} .
يرويهِ يحيى بن أَيُّوب عَن يحيى بن سعيد عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة.
الاستسرار: التَّسَرِّي. وَكَانَ الْقيَاس أَن تَقول: الاستسراء من تسريت الا أَنَّهَا ردَّتْ الْحَرْف ألى أَصله.
قَالَ الْأَصْمَعِي: واصله تسررت من السِّرّ وَهُوَ النِّكَاح. قَالَ الله جلّ وَعز: {وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا} . أَي: نِكَاحا. فأبدل من الرَّاء يَاء كَمَا يُقَال: تظنيت من الظَّن. وَالْأَصْل: تظننت وتمطيت وَأَصله: تمططت. لِأَنَّهُ من: مط يَده أَي: مدها. وكما قَالَ العجاج: من الرجز ... تقضي الْبَازِي اذا الْبَازِي كسر.

(2/471)


أَرَادَ: تقضض. وَمثله كثير. وَقَالَ الْفراء: سَرِيَّة. فعلية منسوبة الى السِّرّ وَهُوَ النِّكَاح. الا أَنهم ضمُّوا أول الْحَرْف كَمَا يغيرون فِي النّسَب.
قَالُوا: قروي فِيمَن نسب الى: الْقرى. وأموي فِيمَن نسب الى أُميَّة.
وَقَالُوا: أموي أَيْضا على الْقيَاس. وَرجل دهري أُتِي عَلَيْهِ الدَّهْر.
وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة انه ذكر لَهَا قَول ابْن عمر عَن رَسُول الله فِي قَتْلَى بدر فَقَالَت: وَهل ابْن عمر.
بَلغنِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عَبدة بن سُلَيْمَان عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه.
قَوْلهَا: وَهل ابْن عمر تُرِيدُ: غلط. والوهل أَن يذهب وهمك الى الشَّيْء وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِك. يُقَال: وهلت أهل وهلا. وَمثله وهمت الى الشَّيْء أهم وهما. اذا ذهب وهمك اليه. وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن رجل مَاتَ وَأوصى ببدنة أتجزىء عَنهُ بقرة فَقَالَ: نعم وَمِمَّنْ صَاحبكُم قيل لَهُ: من بني رياض فَقَالَ: وَمَتى اقتنت بَنو ريَاح الْبَقر الى الابل وهم صَاحبكُم.
أَي: ذهب وهمه.

(2/472)


فَأَما وهمت أوهم وهما فبمعنى غَلطت. وأوهمت بِالْألف أسقطت تَقول: أوهمت فِي كَلَامي وَفِي حسابي. وأوهمت فِي صَلَاتي رَكْعَة.
وَأما الوهل بِفَتْح الْهَاء: فَهُوَ الفزغ. يُقَال: وهلت أوهل وهلا فَأَنا واهل ووهلته توهيلا.
وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت اذا سُئِلت عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع قَرَأت: {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ محرما على طاعم} الْآيَة. وَتقول ان البرمة لترى فِي مَائِهَا صفرَة.
يرويهِ سُفْيَان عَن يحيى بن سعيد عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة.
أَرَادَت أَن الله حرم الدَّم فِي كِتَابه وَقد يترخص النَّاس فِي مَاء اللَّحْم فِي الْقدر وَهُوَ دم وَلَا يجعلونه حَرَامًا فَكيف يقْضِي على مَا لم يحرمه الله بِالتَّحْرِيمِ وَلَيْسَت تَخْلُو أَن تكون علمت بنهي النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أكل لُحُوم السبَاع فَقَالَت: لَا تلحقوه بالمحرم واجعلوه مِمَّا كره أَو لَا تكون علمت بذلك أَو لم يَصح عِنْدهَا فَقَالَت: نَحن قد نترخص فِي مَاء البرمة وَفِي دم وَلَا

(2/473)


نحرمه فَكيف تَسْأَلُونِي عَمَّا قد أطلق الله فِي كِتَابه وَلم يحرمه.
وَقَالَ فِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا أَرَادَت بيع رباعها فَقَالَ ابْن الزبير: لتنتهين أَو لاحجرن عَلَيْهَا. فَقَالَت: لله عَليّ أَن ُأكَلِّمهُ أبدا فاستعان عَلَيْهَا فبلأ ي مَا كَلمته.
يرويهِ مُحَمَّد بن كثير عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزهير عَن الطُّفَيْل بن الْحَارِث وَفِي الحَدِيث انها بعثت الى الْيمن فاشتريت لَهَا أَرْبَعُونَ رَقَبَة فأعتقتهم.
الرباع: الْمنَازل. وَاحِدهَا ربع. وَقَوْلها: لله عَليّ أَن ُأكَلِّمهُ. أَرَادَت: أَلا ُأكَلِّمهُ فحذفت لَا وَالْمعْنَى اثباتها كَقَوْل الله تبَارك وَتَعَالَى: يبين الله لكم أَن تضلوا.
وَتقول فِي الْكَلَام وَالله أفعل ذَلِك أبدا تُرِيدُ: لَا أَفعلهُ.
وَقَوله: فبلأي أَي: بعد مشقة وَجهد. قَالَ الشَّاعِر وَذكر فرسا: من الطَّوِيل ... فلأيا بلأي مَا حملنَا غلامنا ... على ظهر محبوك ظماء مفاصله ...
أَي: جهدا بعد جهد مَا قَدرنَا على حمله على الْفرس.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث عَائِشَة انه بلغَهَا أَن أُنَاسًا يتناولون.

(2/474)


من أَبِيهَا فَأرْسلت الى أزفلة مِنْهُم فَلَمَّا حَضَرُوا قَالَت: أبي وَالله لَا تعطوه الْأَيْدِي ذَلِك طود منيف وظل مديد نجح اذ أكديتم وَسبق اذ ونيتم سبق الْجواد اذا استولى على الأمد فَتى قُرَيْش ناشئا وكهفها كهلا يفك عانيها ويرش مملقها ويرأب شعبها حَتَّى حليته قلوبها ثمَّ استشرى فِي دينه فَمَا بَرحت شَكِيمَته فِي ذَات الله حَتَّى اتخذ بفنائه مَسْجِدا يحيى فِيهِ مَا أمات المبطلون. وَكَانَ وقيذ الجوانح غزير الدمعة شجي النشيج فانصفقت اليه نسوان مَكَّة.
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى - فأصفقت اليه - ولدانها يسخرون مِنْهُ ويستهزئون بِهِ. وَالله يستهزىء بهم ويمدهم فِي طغيانهم يعمهون. وأكبرت ذَلِك رجالات قُرَيْش فحنت لَهَا قسيها وامتثلوه غَرضا فَلَمَّا فلوا لَهُ صفاة وَلَا قصموا لَهُ قناة.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَلَا قصفوا لَهُ قناة حَتَّى ضرب الْحق بجرانه وَألقى بركه ورست أوتاده فَلَمَّا قبض الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب الشَّيْطَان روقه وَمد طنبه وَنصب جبائله واجلب بخيله وَرجله وظنت رجال أَن قد أكثبت أطماعهم ولات حِين الَّذِي يرجون وأنى وَالصديق بَين أظهرهم وفقام حاسرا مشمرا قد جمع حَاشِيَته وَضم قطريه فَرد نشر الاسلام على غره واقام أوده بثقافه فابذعر النِّفَاق بوطأته وانتاش الدّين بنعشه حى أراح الْحق على أَهله وَقرر الرؤوس على كواهلها وحقن الدِّمَاء فِي المعدلة ذَاك ابْن الْخطاب لله أم حفلت لَهُ وَدرت عَلَيْهِ لقد أوحدت بِهِ ففنخ الْكَفَرَة وديخها

(2/475)


وشرد الشّرك شذر مذر وبعج الأَرْض وبخعها فقاءت أكلهَا ولفظت خبيئها ترأمه ويأباها وتريده ويصدف عَنْهَا ثمَّ وزع فِيهَا فَيْئهَا ثمَّ تَركهَا كَمَا صحبها فأروني مَاذَا ترتأون وَأي يومى أبي تَنْقِمُونَ أيوم اقامته اذ عدل فِيكُم ام يَوْم طعنه فقد نظر لكم اقول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبد العزيز عَن عَليّ بن عبد الرحمن الْجَزرِي عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور عَن عَليّ بن حُسَيْن عَن يحيى بن سُوَيْد السدُوسِي.
وَرُوِيَ لي عَن الْعُتْبِي وَعَن غَيره فَجمعت بَين الرِّوَايَات فَوَجَدتهَا مُتَقَارِبَة وأصلحت بَعْضهَا من بعض.
الأزفلة: الْجَمَاعَة من النَّاس وَكَذَلِكَ الثبة والزرافة. وَلَيْسَ لذَلِك عدد بِعَيْنِه.
لَا تعطوه الْأَيْدِي: لَا تتناوله وَلَا تبلغه. يُقَال: عطوت اذا تناولت. وَقَالَ الشَّاعِر وَذكر ظَبْيَة: من الطَّوِيل
... وتعطو بظلفيها اذا الْغُصْن طالها ...
والطود: الْجَبَل الْعَظِيم والمنيف: المشرف. يُقَال: أناف على كَذَا أَي: أشرف. وَمِنْه يقا لَك مائَة ونيف انما

(2/476)


هُوَ شَيْء زَائِد بعد الْمِائَة كَأَنَّهُ أظل.
وَقَوْلها: نجح من النجاح وَهُوَ الظفر بِالْحَاجةِ. يُقَال: أنجح الله حَاجته فنجحت وانجحه الله فنجح.
وَقَوْلها: أذا أكديتم تُرِيدُ: اذ خبتم وَلم تظفروا وَهُوَ من الكدية مَأْخُوذ. وَذَلِكَ أَن يحْفر الْحَافِر ليستنبط المَاء فاذا بلغ الكدية وَهِي الصلابة قطع لِأَنَّهُ ييأس من المَاء فَيُقَال: أكدى فلَان فَضرب ذَلِك مثلا لمن طلب شَيْئا فَلم يظفر بِهِ.
وَقَوْلها: سبق اذ ونيتم وَهُوَ من الونى. والونى مَقْصُور الفتور. يُقَال: ونى يني ووني يونا.
وَقَوْلها: استولى على الأمد أَي: على الْغَايَة. يُقَال: لَيْسَ لعذاب الْكَافِر أمد.
وَقَوْلها: يفك عانيها يَعْنِي: أَسِيرهَا أَي: يفتديه. وَمِنْه الحَدِيث: النِّسَاء عنْدكُمْ عوان: أَي: أسَارِي. وأصل التعنية: طول الْحَبْس.
وَقَوْلها: ويريش مملقها. والمملق: الْفَقِير. اي: يُغْنِيه. وَأَصله من الريش. كَأَن المعدم لَا نهوض بِهِ مثل المقصوص من الطير والمنتوف الريش. فأذا كسي نَهَضَ وطار. فَجعل الريش لِلْمَالِ مثلا وللباس.
وَقَوْلها: ويرأب شعبها أَي: يشده. والشعب: الصدع. تَقول: اذا اخْتلفت وافترقت لأم بَينهَا. وَمِنْه يُقَال لمصلح البرام المتكسرة: شعاب.

(2/477)


وَقَوْلها: ثمَّ استشرى فِي دينه. أَي: تَمَادى ولج. يُقَال: شري الْبَرْق واستشرى اذا تتَابع لمعانه. واستشرى الْفرس اذا جد فِي سيره بِلَا فتور وَلَا انكسار.
وَقَوْلها: فَمَا بَرحت شَكِيمَته فِي ذَات الله أَي: شدَّة نَفسه وأنفته. يُقَال: فلَان شَدِيد الشكيمة اذا كَانَ عَزِيز النَّفس أنفًا.
وَقَوْلها: وقيذ الجوانح. والجوانح: الضلوع الْقصار الَّتِي تلِي الْفُؤَاد واحدتها جانحة. والوقيذ: العليل الشَّديد الْعلَّة. يُقَال قد وقذته الْعلَّة وانما أَرَادَت أَنه عليل الْقلب محزونه. فَقَالَت: وقيذ الجوانح لِأَن الْقلب يَليهَا.
وَقَوْلها شجى النشيج: والنشيج: الصَّوْت مَعَه توجع. وَيُقَال: النشيج فِي الْبكاء مثل بكاء الصَّبِي اذا ردده فِي صَدره ثمَّ يُخرجهُ. وَمِنْه قيل لصوت الْحمار: نشيج. يُرِيد: انه يخزن ببكائه أَو بِصَوْتِهِ من سَمعه. والشجو: الْحزن. وَمِنْه قَالَت الشُّعَرَاء: أشجاك الرّبع وَقيل: بَكَى شجوه. وَيُقَال: شجوت الرجل أشجوه شجوا اذا أحزنته وأشجيته: أغصصته. وَيُقَال مِنْهُمَا: شجى يشجى شجا.
وَقَوْلها: فأصفقت لَهُ نسوان مَكَّة أَي: اجْتَمعْنَ. يُقَال: أصفق النَّاس على تأمير فلَان اذا اجْتَمعُوا وصفقوا لَهُ بالبيعة ضربوا بِأَيْدِيهِم على يَده. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي البيع.
وَقَوْلها: وَلَا قصموا لَهُ قناة أَي: لم يكسروها. وَمِنْه يُقَال: قَصم الله ظَهره. وَكَذَلِكَ قصفوا. وَمِنْه قيل: ريح قاصف اي: يقصف الشّجر والبنيان.
وَلَا فلوا لَهُ صفاة. والصفاة: الصَّخْرَة. وفلوا من

(2/478)


الفلول وَهُوَ الْكسر. يُقَال: فِي السَّيْف فلول اذا كَانَ فِي حَده تثلم. قَالَ النَّابِغَة: من الطَّوِيل ... وَلَا عيب فيهم غير أَن سيوفهم ... بِهن فلول من قراع الْكَتَائِب ...
وَلَا أَحْسبهُ قيل للمهزوم مفلول الا من هَذَا. كَأَنَّهُ كسر.
وَقَوْلها: ضرب الْحق بجرانه أَي: ثَبت وَأقَام. والجران: الصَّدْر وَكَذَلِكَ البرك وَالْأَصْل فِيهِ أَن يبرك الْبَعِير فَيضْرب بصدره الأَرْض. فَقيل ذَلِك للشَّيْء اذا ثَبت وَأقَام وَاسْتقر.
وَقَوْلها: ورست أوتاده أَي: ثبتَتْ. وكل شَيْء نبت فقد رسا يرسو.
وَقَوْلها: ضرب الشَّيْطَان روقه. والروق الرواق. وَهُوَ مَا بَين يَدي الْبَيْت. قَالَ الْأَصْمَعِي: رواق الْبَيْت سماوته وَهِي الشقة الَّتِي دون الْعليا. قَالَ الشَّاعِر وَذكر الْعَينَيْنِ: من الطَّوِيل ... لكلتيهما روق الى جنب مخدع ...
قَالَ أَبُو مُحَمَّد: قد لغز الشَّاعِر فِي هَذَا الْبَيْت وَقد وصف عَيْني النَّاقة وَقَالَ: لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا رواق ومخدع. فَجعل حاجبها شبه الرواق وداخل الْعين شبه مخدع.

(2/479)


وكل شَيْء دخل فِي شَيْء فقد خدع يُقَال: خدع الرمش والأطناب: الحبال الَّتِي يشد بهَا الْفسْطَاط. وَهِي الأواخي أَيْضا وَاحِدهَا طُنب.
والحبائل: جمع حبالة الصَّائِد وأرادت أَن الشَّيْطَان بعد وَفَاة رَسُول الله أَقَامَ بَينهم يستغويهم وَينصب لَهُم المصايد.
وَقَوْلها: أكثبت أطماعهم أَي: قربت. والكثيب: الْقَرِيب قَالَ العجاج: من الرجز ... من الضُّحَى والمكثب المرئي ...
يَقُول: من قرب رُوِيَ. وَقَالَ النبى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَوْم بدر: ان اكثبكم الْقَوْم فأنبلوهم.
وَقَوْلها: قد جمع حَاشِيَته وَضم قطريه أَي: جانبيه. وأقطار الأَرْض: جوانبها. وانما أَرَادَت أَنه تحزم وشمر لتلافي الاسلام.
وَقَوْلها: فَرد نشر الاسلام على غره. والغر: الطي والغرور: مكاسر الْجَسَد وَاحِدهَا: غر.
رُوِيَ ان رؤبة بن العجاج اشْترى ثوبا من بزاز فَلَمَّا استوجبه قَالَ للبزاز: اطوه على غره أَي: على كَسره الأول. وَيُقَال للَّذي يطوي الثِّيَاب أَولهَا طيها حَتَّى تتكسر على طيه: القسامي.
قَالَ رؤبة: من الرجز ... طي القسامي برود العصاب ...

(2/480)


والعصاب: الغزال. تُرِيدُ: انه ورد مَا انْتَشَر من الاسلام الى حَاله الَّتِي كَانَت فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَوْلها: وَأقَام أوده بثقافه أَي: عوجه بثقافه. والثقاف: مَا تقوم بِهِ الرماح ضَربته مثلا كَأَن الاسلام رمح اعوج فقومه بالثقاف. قَالَ عبيد: من مجزوء الْكَامِل ... انا اذا عض الثقاف بِرَأْس صعدتنا لوينا ...
وَيُقَال فِي مثل: دردب لما عضه الثقاف. أَي: خضع وذل. وَمثله بصبصن بالأذناب اذ حدينا.
وَقَوْلها: فابذعر النِّفَاق بوطأته أَي: وَطئه وطأ ثقيلا فابذعر أَي: تفرق وَمثله: اشفتر. وَقَوْلها: انتعاش الدّين بنعشه تُرِيدُ: انه استدركه واستنقذه بنعشه أَي: باقامته اياه من مصرعه. وَمِنْه يُقَال: انْتَعش العليل اذا أَفَاق وَقَامَ. وَيُقَال: نَعشك الله من هَذِه النكبة.
وَقَوْلها: حَتَّى أراح الْحق على أَهله أَي: رده قَالَ الْأَصْمَعِي: أرحت على الرجل حَقه رَددته عَلَيْهِ. وَأَصله: اراحة الرَّاعِي سائمته الى أَهلهَا. تَقول: لم يَدعه يشذ وَيذْهب وَلكنه أراحه كَمَا يرِيح الرَّاعِي غنمه.

(2/481)


وَقَوْلها: وَقرر الرؤوس على كواهلها تَقول: قد كَانَت الرؤوس على شفا ذهَاب بِوُقُوع الِاخْتِلَاف فأقرها على الكواهل أَو على مغارزها.
والكاهل مَا بَين الْكَتِفَيْنِ وحقن الدِّمَاء فِي أهبها أَي: فِي الأجساد ضربت الأهب لَهَا مثلا لِأَنَّهَا أوعية للدم وَهُوَ مثل قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو جعل الْقُرْآن فِي اهاب ثمَّ ألقِي فِي النَّار مَا احْتَرَقَ أَي: فِي جَسَد. وَقد تقدم ذكر ذَلِك.
وَقَوْلها: ام حفلت عَلَيْهِ أَي: جمعت اللَّبن فِي ثديها. والمحفلة من الشَّاء هِيَ الَّتِي يجمع اللَّبن فِي ضرْعهَا ثمَّ يُبَاع. وَهِي الْمُصراة.
وَقَوْلها: لقد أوجدت بِهِ أَي: أَتَت بِهِ فَردا لَا نَظِير لَهُ.
وَقَوْلها: ففنخ الْكَفَرَة أَي: أذلها وقهرها. وَقَالَ العجاج: من الرجز ... تالله لَوْلَا أَن تحش الطَّبْخ ... بِي الْجَحِيم حِين لَا مستصرخ
لعلم الْجُهَّال أَنِّي مفنخ ...
وَقَوْلها: وديخها هُوَ بِمَنْزِلَة دوخها. وَفِي اللغتان جَمِيعًا الْوَاو وَالْيَاء. وَمثله قد وشوطه وشيطه وتوهه وتيهه وتصوح البقل وتصيح وتبيغ الدَّم وتبوغ وطوحه الله وطيحه.
وَقَوْلها: وسرد الشّرك شذر مذر أَي: فرقه وبدده فِي

(2/482)


كل وَجه وذهبوا أيادي سبأ أَو شعاليل أَي: تفَرقُوا. وبعج الأض أَي: شقها. تُرِيدُ فِي الزِّرَاعَة وَمِنْه يُقَال: بعجت بَطْنه أَي: شققته وبخعها أَي: نهكها بالحرث وَالزَّرْع وجهدها.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال: بخعت لَهُ نَفسِي ونصحي أَي: جهدت لَهُ.
والباخع نَفسه المهلك نَفسه قَالَ الله جلّ وَعز: {لَعَلَّك باخع نَفسك أَلا يَكُونُوا مُؤمنين} .
وَقَوْلها: فقاءت أكلهَا. وَالْأكل اسْم مَا أكلت. وَالْأكل الْمصدر. وَمثله: الْغسْل وَالْغسْل فالغسل مصدر غسلت وَالْغسْل المَاء الَّذِي يغْتَسل بِهِ. وَكَذَلِكَ الظُّلم وَالظُّلم والدهن والدهن. وَأكل الأَرْض: الْبذر. تَقول: أَكلته وشربت مَاء الْمَطَر فقاءت ذَلِك حِين أنبتت. وَنَحْوه: لفظت خبيئها وَهُوَ فعيل فِي معنى مفعول من خبأت أَي: أَلْقَت مَا كَانَ

(2/483)


مخبوءا فِيهَا. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {يخرج الخبء فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فخبء السَّمَوَات الْمَطَر وخبء الأَرْض: النَّبَات.
وَقَوْلها: ترأمه أَي: تعطف عَلَيْهِ كَمَا ترأم الْأُم وَلَدهَا والناقة حوارها فتشمه تترشفه. ويصدف عَنْهَا أَي: يعرض عَنْهَا. يُقَال: صدف عني بِمَعْنى صد عني.

(2/484)


- حَدِيث ام الْمُؤمنِينَ ام سَلمَة
وَقَالَ فِي حَدِيث أم سَلمَة أَنَّهَا قَالَت: مَا صدقت بِمَوْت رَسُول الله حَتَّى سَمِعت وَقع الكرازين.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن القعْنبِي عَن مَالك.
الكرازين: الفؤوس وَاحِدهَا: كرزين وكرزن. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... فقد جعلت أكبادنا تحتويكم ... كَمَا تحتوي سوق العضاه الكرازنا ...
وأرادت: أَنَّهَا لم تصدق بِمَوْتِهِ حَتَّى سَمِعت وَقع الفؤوس فِي حفر قَبره.
وَكَانَ بَعضهم يذكر أَن الكرزين من الفؤوس مَا قطع بِهِ الشّجر ويحتج بِالْبَيْتِ الَّذِي ذَكرْنَاهُ.
وَفِي الحَدِيث مَا دلّ على أَنه أَيْضا مَا حفر بِهِ. وَقَالَ بَعضهم: الفأس هِيَ الَّتِي لَهَا رَأس. والحدأة الَّتِي لَهَا رأسان. والصاقور والمعول هُوَ الفأس الْكَبِيرَة الَّتِي يكسر بهَا الْحِجَارَة.
وَقَالَ فِي حَدِيث أم سَلمَة انها قَالَت: ابْن صياد وَلدته

(2/485)


أمه وَهُوَ أَعور مَعْذُور مسرور.
يرويهِ سُفْيَان بن عبد الملك بن عُمَيْر عَن أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة. الْمَعْذُور: المختون. يُقَال: عذرت الْغُلَام وأعذرته اذا ختنته وَالطَّعَام الَّذِي يصنع فِي الْخِتَان يُسمى: الاعذار. وَبَعْضهمْ يرويهِ: مختون مسرور. والمسرور: الْمَقْطُوع السرر والسرر والسر: مَا تقطعه الْقَابِلَة. يُقَال: سررت الْغُلَام سرا والسرة مَا يبْقى.
وَقَالَ فِي حَدِيث أم سَلمَة أَنَّهَا أَتَت عَائِشَة لما أَرَادَت الْخُرُوج الى الْبَصْرَة فَقَالَت لَهَا: انك سدة بَين رَسُول الله وَأمته وحجابك مَضْرُوب على حرمته. وَقد جمع الْقُرْآن ذيلك فَلَا تندحيه وَبَعْضهمْ يرويهِ: فَلَا تبدحيه وَسكن عقيراك فَلَا تصحريها الله من وَرَاء هَذِه الْأمة. لَو أَرَادَ رَسُول الله أَن يعْهَد اليك عهدا علت علت بل قد نهاك رَسُول الله عَن الفرطة فِي الْبِلَاد ان عَمُود الاسلام لَا يُثَاب بِالنسَاء ان مَال وَلَا يرأب بِهن ان صدع

(2/486)


حماديات النِّسَاء غض الْأَطْرَاف وخفر الْأَعْرَاض وَقصر الوهازة مَا كَانَت قائلة لَو أَن رَسُول الله عارضك بِبَعْض الفلوات ناصة قلوصا من منهل الى آخر ان بِعَين الله مهواك وعَلى رَسُول الله تردين قد وجهت سدافته يروي: سجافته وَتركت عهيداه وَلَو سرت مسيرك هَذَا ثمَّ قيل ادخلي الفردوس لاستحييت أَن القي مُحَمَّدًا هاتكه حِجَابا قد ضربه عَليّ. اجعلي حصنك بَيْتك ووقاعة السّتْر قبرك حَتَّى تلقيه وَأَنت على تِلْكَ أطوع مَا تكونين لله مَا لَزِمته وأنصر مَا تكونين للدّين مَا جَلَست عَنهُ. لَو ذكرتك قولا تعرفينه نهشته نهش الرقشاء المطرق.
فَقَالَت عَائِشَة رَحمهَا الله: مَا أقبلني لوعظك وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا تظنين ولنعم الْمسير مسير فزعت الي فِيهِ فئتان متناحرتان اَوْ متناجزتان ان أقعد فَفِي غير حرج وان أخرج فالى مَا لَا بُد من الازدياد مِنْهُ.
حَدَّثَنِيهِ شيخ بِالريِّ من أهل الْأَدَب. ورأيته عِنْد بعض الْمُحدثين غير أَنه كَانَ لَا يُقيم أَلْفَاظه.
السدة: الْبَاب وَمِنْه حَدِيث رَسُول الله انه ذكر أول من يرد الْحَوْض فَقَالَ: الشعث رؤوسا الدنس ثيابًا الَّذين لَا تفتح لَهُم السدر وَلَا ينْكحُونَ الْمُنَعَّمَاتِ.
وأرادت انك بَاب بَين النبى وَبَين النَّاس فَمَتَى أُصِيب ذَلِك الْبَاب

(2/487)


بِشَيْء فقد دخل على رَسُول الله فِي حريمه وحوزته واستبيح مَا حماه. تَقول: فَلَا تَكُونِي أَنْت سَبَب ذَلِك بِالْخرُوجِ الَّذِي لَا يجب عَلَيْك فتحوجي النَّاس الى أَن يَفْعَلُوا ذَلِك. وَهَذَا مثل قَول النُّعْمَان بن مقرن للْمُسلمين فِي غَزْوَة نهاوند: أَلا وانكم بَاب بَين الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين إِن كسر ذَلِك الْبَاب دخل عَلَيْهِم مِنْهُ.
وَقَوْلها: وَقد جمع الْقُرْآن ذيلك فَلَا تندحيه أَي: لَا تفتحيه وتوسعيه بالحركة وَالْخُرُوج. يُقَال: ندحت الشَّيْء اذا وسعته. وَمِنْه يُقَال: أَنا فِي مندوحة عَن كَذَا أَي: فِي سَعَة. تُرِيدُ قَول الله جلّ وَعز: {وَقرن فِي بيوتكن} وان كَانَ الْمَحْفُوظ: تبدحيه فانه من البداح وَهُوَ المتسع من الأَرْض. وَهُوَ بِمَعْنى الأول.
وَقَوْلها: وَسكن عقيراك من عقر الدَّار وَهُوَ أَصْلهَا. وَأهل الْحجاز يضمون الْعين وَأهل نجد يفتحونها. يُقَال: أخرج فلَان من عقر دَاره أَي: من أَصْلهَا. فَكَأَن عقيري اسْم مَبْنِيّ من ذَاك على التصغير. وَمثله مِمَّا جَاءَ مُصَغرًا: الثريا والحميا وَهِي سُورَة الشَّرَاب. والبقيري وَهِي لعبة للصبيان. وَلَو أسمع بعقيري الا فِي هَذَا الحَدِيث.

(2/488)


وَقَوْلها: فَلَا تصحريها أَي: لَا تبرزيها وتباعديها وتجعليها بالصحراء. يُقَال: أصحرنا اذا أَتَيْنَا الصَّحرَاء. كَمَا يُقَال: أنجدنا وأحزنا وأسهلنا اذا أَتَيْنَا نجدا والسهل والحزن.
وَقَوْلها: علت علت. من الْعَوْل. والعول: الْميل والجوز. يُقَال: عَال فلَان يعول عولا اذا جَار. قَالَ الله جلّ وَعز: {ذَلِك أدنى أَلا تعولُوا} وَسمعت من يرويهِ: علت بكشر الْعين. فان كَانَ ذَلِك هُوَ الْمَحْفُوظ فان علت بِمَعْنى: غرت علت. يُقَال: عَال فِي الْبِلَاد اذا ذهب فَهُوَ يعيل. وَمِنْه قيل للذئب: عِيَال.
والفرطة فِي الْبِلَاد من الفرط. والفرط: السَّبق والتقدم. يُقَال: فرطتم الى المَاء اذا سبقتهم. والفارط الى المَاء هُوَ الْمُتَقَدّم لتهيئة الدلاء واصلاح الأرشية. وَيُقَال فرط مني كَلَام لم أحببه. أَي: سبق مني. فَكَأَن الفرطة الفعلة الْوَاحِدَة من فرطت. والفرطة اسْم لِلْخُرُوجِ والتقدم. مثل غرفَة وغرفة وحسوة وحسوة. وَيُقَال فِي فلَان فرطة وفروطية اي: تقدم وَسبق.

(2/489)


قَالَ الْهُذلِيّ: من الطَّوِيل ... وَكنت امْرَءًا فِي الوعث مني فروطة ... فَكل ريود حالق أَنا واثب ...
وَقَوْلها: ان عَمُود الاسلام لَا يُثَاب بِالنسَاء ان مَال. أَي: لَا يرد بِهن الى استوائه. من قَوْلك: ثَبت الى كَذَا أَي: عدت اليه وناب اليه جِسْمه اذا رَجَعَ وَلَا يرأب بِهن ان صدع أَي: لَا يشد بِهن. يُقَال: رأبت الصدع ولأمته اذا شددته فانضم. وَهَكَذَا رَوَاهُ لي: صدع. فان كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا فانه يُقَال: صدعت الزجاجة فصدعت الزجاجة فصدعت كَمَا يُقَال: جبرت الْعظم فجبر والا فانه: وَلَا يراب بِهن ان صدع أَو: أنصدع.
وَقَوْلها: حماديات النِّسَاء هُوَ جمع حمادي. يُقَال: قصاراك ان تفعل ذَاك وحماداك كَأَنَّهُ تَقول: جهدك وغايتك.
غض الْأَطْرَاف يَعْنِي: جمع طرف الْعين. وخفر الاعراض والخفر: الْحيَاء. والاعراض هُوَ أَن يعرضن عَن كل مَا كره لَهُنَّ أَن ينظرن اليه. أَي: لَا يلتفتن نَحوه. من قَوْلك: أَعرَضت عَن فلَان فَأَنا عَنهُ معرض. اذا لم ألتفت اليه. وان كَانَت الرِّوَايَة: الْأَعْرَاض بِفَتْح الْهمزَة فانه جمع عرض وَهُوَ الْجَسَد.

(2/490)


أَرَادَت انهن للخفر ينشرن. يُقَال: فلَان طيب الْعرض. أَي: طيب ريح الْبدن.
وَقَوْلها: وَقصر الوهازة. فَقَالَ لي الْمُحدث بِالْحَدِيثِ: سَأَلت أَعْرَابِيًا عَالما فصيحا عَن الوهازة فَقَالَ: هِيَ الخطو. يُقَال للرجل هُوَ متوهز ومتوهس اذا وطىء وطأ ثقيلا. قَالَ ابْن مقبل يصف النِّسَاء: من الطَّوِيل ... يمحن بأطراف الذيول عَشِيَّة ... كَمَا وهز الوعث الهجان المزنما ...
شبه مشيهن بمشي ابل فِي وعث قد شقّ عَلَيْهِنَّ فثقل وطؤهن. والوعث: مَا ساحت فِيهِ الرجل من الرمل وَالتُّرَاب.
وَقَوْلها: ناصة قلوصا من مهل. أَي: رَافِعَة لَهَا فِي السّير وَالنَّص: سير مَرْفُوع. وَمِنْه يُقَال: نصصت الحَدِيث الى فلَان اذا رفعته اليه.
قَالَ عَمْرو بن دِينَار: مَا رَأَيْت أحدا أنص للْحَدِيث من الزُّهْرِيّ.
والسدافة أَو السدافة: الْحجاب والستر. وَهُوَ اسْم مَبْنِيّ من:

(2/491)


أسدف اللَّيْل اذا ستر بظلمته. كَأَنَّهُ أرْخى سدولا من الظلام وَهِي الستور. وَكَذَلِكَ السدف انما هِيَ شَيْء يُرْسل من الظلام فِي الضَّوْء أَو شَيْء يُرْسل من الضَّوْء فِي الظلام. وَلذَلِك جعلُوا السدفة الظلمَة وجعلوها الضَّوْء. قَالَ عَلْقَمَة الثَّقَفِيّ: كنت فِي الْوَفْد الَّذين قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضرب قبتين فَكَانَ بِلَال يأتينا بفطورنا وَنحن مسفرون جدا حَتَّى وَالله مَا نحسب الا أَن ذَاك شَيْء يبتار بِهِ اسلامنا. وَكَانَ يأتينا بِطَعَامِنَا للسحور وَنحن مسدفون. فَيكْشف الْقبَّة فيسدف لنا طعامنا.
قَوْله: وَنحن مسدفون أَي: داخلون فِي السدفة وَهُوَ الضَّوْء هَاهُنَا.
وَكَذَلِكَ قَوْله: فيسدف لنا أَي: يضيىء.
وَأَرَادَ: أَنه كَانَ يعجل الفطور وَيُؤَخر السّحُور.
والسجافة نَحْو السدافة. والسجف: السّتْر وَلَو اردت أَن تبني من سدل اللَّيْل اذا اظلم اسْما مثل سدافة لَقلت: سدالة.
غير اني لم أسمع بِهِ وانما نتكلم فِيمَا جَاءَ وننتهي الى حَيْثُ انْتَهوا فَيجوز أَن يكون ذَلِك الْحجاب السّتْر وَيجوز ان يكون بَاب الْبَيْت فقد

(2/492)


سمي سدفة قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... وَلَا يرى بسدفة الْأَمِير ...
وبسدة أَيْضا يُرِيد الْبَاب. وَيجوز أَن يكون دَاخل الْبَيْت لِأَنَّهُ حجاب وَستر.
وَقَوْلها: وجهت سدافته تُرِيدُ: أخذت وَجههَا. أَي: هتكت السّتْر يدلك على ذَلِك قَوْلهَا: لَو قيل لي ادخلي الفردوس لاستحيت أَن ألْقى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هاتكة حِجَابا قد ضربه عَليّ قَالَ العجاج يصف جَيْشًا كثيرا: من الرجز ... يُوَجه الأَرْض ويستاق الشّجر ...
أَرَادَ: يَأْخُذ وَجه الأَرْض. وَيجوز أَن يكون أَرَادَت بقولِهَا: وجهتها أزلتها من مَكَانهَا الَّذِي أمرت أَن تلْزمهُ وجعلتها أمامك. ووقاعة السّتْر موقعه على الأَرْض اذا أَرْسلتهُ. وَهِي موقعته أَيْضا. وَكَذَلِكَ موقعة الطَّائِر. والرقشاء: الأفعى سميت بذلك للترقيش فِي ظهرهَا وَهُوَ النقط. والجرادة أَيْضا رقشاء. قَالَ النَّابِغَة: من الطَّوِيل ... فَبت كَأَنِّي ساورتني ضئيلة ... من الرقش فِي أنيابها السم ناقع ...
وَهِي تُوصَف بالاطراق وَكَذَلِكَ الْأسد والنمر. قَالَ

(2/493)


الشَّاعِر وَذكر أَفْعَى: من السَّرِيع ... أَصمّ أعمى مَا يُجيب الرقى ... من طول اطراق واسبات ...
جعله أعمى من طول الاطراق وأصم لِأَنَّهُ لَا يُجيب الراقي فَكَأَنَّهُ لَا يسمع.

(2/494)


- حَدِيث أم أَيمن
وَقَالَ فِي حَدِيث أم أَيمن أَنَّهَا هَاجَرت الى الْمَدِينَة فِي لهبان الْحر فاستعطشت فدلي إِلَيْهَا دلو من السَّمَاء فَشَرِبت حَتَّى أراحت.
يرويهِ الْوَلِيد بن مُسلم عَن سعيد بن عبد العزيز.
يُقَال: أراح الرجل اذا رجعت اليه نَفسه بعد جهد من عَطش أَصَابَهُ أَو اعياء. قَالَ الراجز: من الرجز ... يرِيح بعد النَّفس الحفوز ... اراحة الجداية النفوز ...
وَلَا أرى قَوْلهم للانسان اذا مَاتَ: أراح الا من هَذَا كَأَنَّهُ يكون فِي جهد من السِّيَاق وعلز الْمَوْت فاذا مَاتَ أراح أَي: استراح من ذَلِك.

(2/495)


- حَدِيث زَيْنَب بنت ام سَلمَة
وَقَالَ فِي حَدِيث زَيْنَب أَنَّهَا قَالَت: كَانَت الْمَرْأَة اذا توفّي عَنْهَا زَوجهَا دخلت حفشا ولبست شَرّ ثِيَابهَا وَلم تمس طيبا وَلَا شَيْئا حَتَّى تمر سنة ثمَّ تُؤْتى بِدَابَّة: حمَار أَو شَاة أَو طير فتفتض بِهِ فقلما تفتض بِشَيْء الا مَاتَ.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن القعبني عَن مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عَن حميد بن نَافِع عَن زَيْنَب.
أما الحفش فقد تقدم ذكره فِي أول الْكتاب وفسرته.
وَقَوْلها: تفتض هُوَ من فضضت الشَّيْء اذا كَسرته أَو فرقته. وَمِنْه: فض خَاتم الْكتاب. وَقَول الله جلّ وَعز: {لانفضوا من حولك} وأرادت أَنَّهَا كَانَت تكون فِي عدَّة من زَوجهَا فتكسر مَا كَانَت فِيهِ وَتخرج مِنْهُ بالدابة.
وَبَعض الْمُحدثين يرويهِ: فتقبض بِهِ. وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ

(2/496)


مَالك. رَأَيْت الْحِجَازِيِّينَ جَمِيعًا يَرْوُونَهُ. وسألتهم عَن ذَلِك الافتضاض كَيفَ هُوَ فَذكر لي رجل مِنْهُم يكنى أَبَا يُونُس أَن الْمُعْتَدَّة كَانَت لَا تَغْتَسِل وَلَا تمس مَاء وَلَا تقلم ظفرا وَلَا تستاك وَلَا تنتف من وَجههَا شعرًا ثمَّ تخرج بعد الْحول بأقبح منظر ثمَّ تفتض بطائر تمسح بِهِ قبلهَا وتنبذه فَلَا يكَاد يعِيش.
تمّ حَدِيث الصَّحَابَة وَالْحَمْد لله وَحده.

(2/497)


- أَحَادِيث التَّابِعين وَمن بعدهمْ

(2/498)