غريب الحديث لابن قتيبة

- حَدِيث كَعْب الْأَحْبَار
وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب أَنه قَالَ: تمسك النَّار يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى تبص كَأَنَّهَا متن اهالة فاذا اسْتَوَت عَلَيْهَا أَقْدَام الْخَلَائق نَادَى مُنَاد: أمسكي أَصْحَابك ودعي أَصْحَابِي فتخنس بهم فَيخرج مِنْهَا الْمُؤْمِنُونَ ندية ثِيَابهمْ.
حَدَّثَنِيهِ الزيَادي قَالَ: حدّثنَاهُ عبد الْوَارِث بن سعيد قَالَ: حدّثنَاهُ الْجريرِي عَن أبي السَّلِيل عَن رجل عَن كَعْب.
قَوْله: تبص أَي تبرق. يُقَال: بص الشَّيْء ووبص وبصا وبصيصا اذا برق.
والاهالة: الدسم. قَالَ أَبُو زيد: الاهالة الشَّحْم أَو الزَّيْت.
وروى مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يدعى الى خبز الشّعير والاهالة السنخة فيجيب.

(2/499)


قَالَ ابْن الاعرابي: انما قيل صحراء الاهالة لسرعة المَاء بهَا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال مِنْهُ أَنا كحاقن الاهالة يُرَاد اني عَالم بِهِ.
وحاقن الاهالة لَا يخفيها حَتَّى يروزها وَيدخل اصبعه فِيهَا ينظر أمكنت أم لم تمكن ثمَّ يخفيها لِئَلَّا يخترق السقاء.
والسنخة: المتغيرة الرّيح لطول الْمكْث. يُقَال: سنخ الدّهن يسنخ ونمس ينمس فاستعار ذَلِك فِي الدسم.
وَقَوله: فتخنس بهم أَي: تجتذبهم وتتأخر بهم: كَمَا تخنس النُّجُوم الخنس وكما يخنس الشَّيْطَان اذا ذكر الله.
وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب أَنه ذكر دَارا فِي الْجنَّة ووصفها فَقَالَ: لَا ينزلها الا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد أَو مُحكم فِي نَفسه أَو امام عَادل.
حدّثنَاهُ اسحق بن رَاهَوَيْه: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد عَن سَلمَة ابْن نبيط عَن عبيد بن أبي الْجَعْد عَن كَعْب.
قَالَ اسحق وَغَيره: الْمُحكم فِي نَفسه هُوَ الَّذِي يُخَيّر بَين الشّرك بِاللَّه أَو الْقَتْل فيختار الْقَتْل فَيقْتل وَلَا يُشْرك.

(2/500)


وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب انه قَالَ: أَن الله بَارك للمجاهدين فِي صلييان أَرض الرّوم كَمَا بَارك لَهُم فِي شعير سورية.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي اسحق عَن صَفْوَان ابْن عَمْرو عَن كَعْب. قَالَ مُعَاوِيَة: سورية: الشَّام. وَأَنا أَحسب الِاسْم بالرومية. والصليان شجر تَأْكُله الْخَيل. واحده: صليانة. وأنشدني بعض البغداديين لبَعض الرجاز يذكر ابلا: من الرجز ... ظلت تلوذ أمس بالصريم ... وصليان كسبال الرّوم
ترشح الا مَوضِع الوسوم ...
والصريم: قِطْعَة من الشّجر. قَالَ: وانما شبه الصليان بسبال الرّوم لِأَن فِيهِ صهوبة.
وَقَوله: ترشح الا مَوضِع الوسوم يُرِيد: أَنَّهَا تعرق كلهَا الا مَوضِع الوسم مِنْهَا. وَيُقَال: ان مَوضِع الوسم بالنَّار لَا يعرق.
وَأما قَول قُتَيْبَة بن مُسلم الْبَاهِلِيّ فِي خطبَته: الْعَصَا من العصية وحول الصليان الزمزمة فان الزمرمة

(2/501)


الصَّوْت. وَكَذَلِكَ الزهرمة قَالَ الآخر: ... لَهُ زهزم كالمغن ...
وانما جعل الزمزمة حول الصليان لِأَن الصليان يقطع للخيل الَّتِي لَا تفارق الْحَيّ مَخَافَة الْغَارة فالأصوات حوله. وَمن قَالَ الزمزمة فان الزمزمة الْجَمَاعَة من النَّاس. قَالَ أَبُو زيد: الْخَمْسُونَ وَنَحْوهَا.
وَقَوله: الْعَصَا من العصية أَرَادَ أَن الْأَمر الْكَبِير يكون أَوله صَغِيرا كَمَا تكون الْعَصَا الْعَظِيمَة من الْغُصْن الدَّقِيق وَلَا أَرَاهُم قَالُوا: زَمْزَم الا لصوت المَاء حِين ظهر.
وروى سُفْيَان عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: انما سميت زَمْزَم لِأَنَّهَا مُشْتَقَّة من الهزمة يَعْنِي: هزمة جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِ بعقبه وَلَيْسَت زَمْزَم على طَرِيق اللُّغَة من الهزمة فِي شَيْء. والهزمة الكسرة فِي الأَرْض حَتَّى تصير فِيهَا كالنقرة. والتهزم: التكسر. وَأَرَادَ كَعْب أَن الله بَارك للمجاهدين فِي هَذَا الشّجر فَهُوَ يقوم لدوابهم مقَام الشّعير ويقويها كَمَا يقويها الشّعير.
وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب أَن عمر قَالَ لَهُ: لأي ابْني آدم كَانَ النَّسْل فَقَالَ: لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا نسل أما الْمَقْتُول فدرج

(2/502)


وَأما الْقَاتِل فَهَلَك نَسْله فِي الطوفان. وَالنَّاس من بني نوح ونوح من بني شبث بن آدم.
حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي وَهُوَ سهل بن مُحَمَّد عَن الْأَصْمَعِي عَن سَلمَة بن عَلْقَمَة الْمَازِني.
قَوْله: درج أَي: مَاتَ وَذهب. وَمِنْه يَقُول النَّاس: فلَان أكذب من دب ودرج. أَي: أكذب الْأَحْيَاء والأموات. قَالَ الشَّاعِر: من الْبَسِيط ... قَبيلَة كشراك النَّعْل دارجة ... ان يهبطوا الْعَفو لَا يُوجد لَهُم أثر ...
دارجة أَي: منقرضة. وَالْعَفو: الْموضع الَّذِي لم يُوطأ وجعلهم كشراك النَّعْل فِي الذلة.
وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب أَنه ذكر ملحمة للروم فَقَالَ: لله مأدبة من لُحُوم الرّوم بمروج عكا.
يرويهِ أَبُو الْعَوام عَن بَقِيَّة عَن ابْن ثَوْبَان عَن تبيع عَن كَعْب.
المأدبة: الطَّعَام الَّذِي يجْتَمع اليه النَّاس أَي طَعَام كَانَ يُقَال

(2/503)


آدب فلَان الْقَوْم يأدبهم اذا جمعهم. وَهُوَ من المأدبة. وَقَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... وَكَيف قتالي معشرا يأدبونكم ... على الْحق الا تأشبوه بباطل ...
وَأَرَادَ كَعْب أَن الله يقتل الرّوم بمروج عكا فتنتاب لحومهم السبَاع وَالطير تَأْكُل مِنْهَا فَكَأَن ذَلِك مأدبة لله.
وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب انه قَالَ: قَالَ الله لرومية اني أقسم بعزتي لأسلبن تاجك وحليتك ولأهبن سبيك لبني قاذر ولأدعنك جلحاء.
يرْوى بالاسناد الأول.
بَنو قاذر بنواسماعيل بن ابراهيم صلى الله عَلَيْهِمَا. يُرِيد: الْعَرَب.
وَقَوله: لأدعنك جلحاء أَي: لاحصن عَلَيْك. وَيُقَال للبقر الَّتِي لَا قُرُون لَهَا: جلح قَالَ الْهُذلِيّ قيس بن خويلد: من الطَّوِيل ... فسكتهم بالْقَوْل حَتَّى كانهم ... بواقر جلح أسكتتها المراتع ...

(2/504)


والحصون تشبه بالقرون لِأَنَّهَا تمنع من تحصن بهَا كَمَا تمنع الْبَقر قُرُونهَا وَلذَلِك قيل لَهَا: صياصي. فاذا ذهبت الْحُصُون جلحت الْقرى فَصَارَت بِمَنْزِلَة الْبَقر الَّتِي لَا قُرُون لَهَا.
وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب انه قَالَ لابي عُثْمَان النَّهْدِيّ: الى جانبكم جبل مشرف على الْبَصْرَة يُقَال لَهُ: سَنَام فَقَالَ: نعم. فَقَالَ: فَهَل الى جَانِبه مَاء كثير السافي قَالَ: نعم. قَالَ: فانه أول مَاء يردهُ الدَّجَّال من مياه الْعَرَب.
يرويهِ حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَليّ بن زيد عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ.
السافي: الرّيح تسفي التُّرَاب. والسافي: التُّرَاب أَيْضا اذا حَملته الرّيح. وَهُوَ السافياء مَمْدُود. وَالْمَاء الَّذِي يقرب من سَنَام يُقَال لَهُ: سفوان وَقد ذكرته الشُّعَرَاء. وَفِي هَذَا الحَدِيث مَا ذل على أَنه انما سمي سفوان لِأَن الرّيح تسفي عَلَيْهِ فِيهِ. والسفا مَقْصُور: التُّرَاب. قَالَ الشَّاعِر يذكر رجلا: من الطَّوِيل ... وَحَال السفا بيني وَبَيْنك والعدى ... وَرهن السفا غمر الطبيعة ماجد ...

(2/505)


والعدى هَاهُنَا: الْبعد.
وَقَالَ فِي حَدِيث كَعْب أَنه ذكر الْجنَّة فَقَالَ فِيهَا: هُنَا بير مسك يبْعَث الله عَلَيْهَا ريحًا تسمى: المثيرة فتثير ذَلِك الْمسك على وجوهم.
من حَدِيث جرير بن حَازِم عَن حميد بن هِلَال عَن بشير بن كَعْب عَن كَعْب.
الهنابير: رمال مشرفة واحدتها: هنبورة وَهِي مِمَّا قلب. وَالْأَصْل: نهابير وَاحِدهَا: نهبور. وَقد ذكرتها فِي حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ. وَيجوز أَن يكون هنابير أنابير جمع أنبار ثمَّ تقلب الْهمزَة هَاء كَمَا يُقَال: هرقت وأرقت. وهبرية وابرية.

(2/506)


- حَدِيث شُرَيْح بن الْحَارِث القَاضِي
وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَن امْرَأتَيْنِ اختصمتا اليه فِي ولد هرة فَقَالَ: القوها مَعَ هَذِه فان هِيَ قرت وَدرت واسبطرت فَهِيَ لنا وان هِيَ هرت وفرت واقشعرت فَلَيْسَ لَهَا.
وَمن وَجه آخر: وان هِيَ هرت وازبأرت.
حَدَّثَنِيهِ ابْن الْخَلِيل عَن ابْن الْمَدِينِيّ عَن ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد.
قَوْله: اسبطرت. يُرِيد: امتدت للارضاع. يُقَال: اسبطر الشَّيْء اذا امْتَدَّ. وَمِنْه قيل للعنق من السّير مسبطر. قَالَ الْهُذلِيّ وَذكر نَاقَة: من المتقارب ... وَمن سَيرهَا الْعُنُق المسبطر ... والعجرفية بعد الكلال ...

(2/507)


أَي: الممتد. وازبأرت: اقشعرت وتنفشت. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس يصف فرسا: من المتقارب ... لَهَا تنن كخوافي العقا ... ب سود يفئن اذا تزبئر ...
والثنة الشّعْر الْمُتَعَلّق فِي مآخير قَوَائِمهَا. ويفئن: يكثرن. اذا تزبئر: أَي تتنفش.
وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَنه أبطل النفح الا أَن تضرب فتعاقب.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد قَالَ: حدّثنَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ.
وَأَرَادَ الدَّابَّة تنفح برجليها وانه كَانَ يُبطلهُ وَلَا يلْزم صَاحبهَا شَيْئا الا أَن تضرب فتعاقب. أَي: تتبع ذَلِك رمحا. يقا ل: عَاقَبت كَذَا بِكَذَا اذا اتبعته اياه.
وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا اليه. فَقَالَ أَحدهمَا: ان هَذَا اشْترى مني أَرضًا من أَرض الْحيرَة وَقبض مني وصرها فَلَا هُوَ يرد الوصر وَلَا يعطيني الثّمن فَلم يجبهما بشىء حَتَّى قاما من عِنْده.

(2/508)


يرويهِ حَفْص عَن أَشْعَث عَن ابْن سِيرِين.
الوصر: فِيمَا أَحسب كتاب الشِّرَاء. يُرِيد: انه اشْترى الأَرْض مني وَأخذ كتاب شراءها وَالْأَصْل: اصر. ثمَّ قلبت الْهمزَة واوا كَمَا قَالُوا: ارث وَورث. وَهُوَ من: ورث. وَقَالُوا اكاف ووكاف. ووسادة. واسادة. وَقَالُوا للستر: اجاج ووجاج.
وَرَوَاهُ حَمَّاد بن زيد عَن ابْن عون عَن مُحَمَّد. أَن أَحدهمَا قَالَ: اشْتريت من هَذَا أَرضًا. فَقلت: ادْفَعْ الي الاصر وانه يَأْبَى. فَقَالَ الآخر: انها أَرض جِزْيَة فَسكت شُرَيْح.
وانما سمي الْكتاب اصرا لِأَن الاصر: الْعَهْد. قَالَ الله جلّ وَعز: {وأخذتم على ذَلِكُم إصري} أَي: عهدي.
وَفِي الْكتاب مَا يَأْخُذهُ الْمُتَبَايعَانِ من الْعَهْد ويشترطانه. وَيجوز أَن يكون سمي اصرا لِأَنَّهُ يأصر الى الْحق أَي: يعْطف اليه. مثل يأظر وَمِنْه يُقَال: مَا بيني وَبَينه آصرة أَي: عاطفة رحم ولامودة.
وانما ترك شُرَيْح اجابتهما لِأَنَّهَا أَرض خراج. وَقد اخْتلف النَّاس فِيهَا فَكَانَ بَعضهم يترخص فِي بيعهَا وشرائها. وَبَعْضهمْ ينْهَى عَنهُ

(2/509)


فتوقف عَنهُ شُرَيْح.
وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَن رجلا قَالَ لَهُ: ابتعت من هَذَا شَاة فَلم أجد لَهَا لَبَنًا فَقَالَ شُرَيْح: لَعَلَّهَا لجبت ان الشَّاة تحلب فِي ربابها.
يرويهِ ابْن أبي زَائِدَة عَن اسماعيل بن أبي خَالِد.
قَوْله: لجبت أَي: خف لَبنهَا وَقل. يُقَال: شَاة لجبة ولجبات ولجاب. قَالَ أَبُو زيد: اللجبة من الْمعز خَاصَّة. وَمثلهَا من الضَّأْن: الجدود.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: اذا أَتَى على الشَّاة بعد نتاجها أَرْبَعَة أشهر فخف لَبنهَا وَقل فَهِيَ حِينَئِذٍ: لجبة. قَالَ الوَاقِفِي: من الْبَسِيط ... كَأَن أطباءها فِي الصَّيف اذا غزرت ... أَو لجبت أَو دنا مِنْهُنَّ تلجيب ...
وَقَوله: ان الشَّاة تحلب فِي ربابها يُرِيد: فِي قبل الْولادَة. يُقَال: شَاة رَبِّي بَيِّنَة الربَاب اذا ولدت. قَالَ أَبُو زيد: الربي من الْمعز وَمثلهَا من الضَّأْن: الرغوث وَيُقَال: ان ربَاب الشَّاة مَا بَين أَن تضع الى أَن يَأْتِي عَلَيْهَا شَهْرَان. فَأَرَادَ شُرَيْح: لَعَلَّك اشْتَرَيْتهَا بعد خُرُوجهَا من الربَاب. وَهُوَ الْوَقْت الَّذِي تغرز فِيهِ وَحين صَارَت لجبة وَهِي الَّتِي خف لَبنهَا.

(2/510)


وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح ان رجلا جَاءَهُ فَقَالَ: اني طلقت امْرَأَتي تلافا وَهِي حَائِض. فَقَالَ: أما أَنا فَلَا أخلط حَلَالا بِحرَام.
انْتظر حَتَّى تطهر من حَيْضَتهَا ثمَّ تسأنف ثَلَاث حيض. ثمَّ لَا تحل لَك حَتَّى تنْكح زوجا غَيْرك.
يرويهِ هِشَام عَن لَيْث بن أبي سليم عَن الشّعبِيّ.
قَوْله: أما أَنا فَلَا أخلط حَلَالا بِحرَام. يُرِيد: لَا أحتسب بالحيضة الَّتِي وَقع فِيهَا الطَّلَاق من الْعدة. وَمن احتسب بهَا فقد خلط حَلَالا بِحرَام. أَلا ترى أَن الْمَرْأَة كَانَت حَلَالا للرجل فِي وَقت من أَيَّام تِلْكَ الْحَيْضَة فَلَمَّا طلق حرمت عَلَيْهِ فِي بَاقِي أَيَّام تِلْكَ الْحَيْضَة. فانقضت الْحَيْضَة وَالْمَرْأَة حَلَال فِي بَعْضهَا للرجل حرَام عَلَيْهِ فِي بَعْضهَا. ثمَّ أمره أَن تسْتَأْنف ثَلَاث حيض لِأَن الله جلّ وَعز أمرهَا أَن تَتَرَبَّص ثَلَاث قُرُوء فعلَيْهَا أَن تَأتي بهَا كوامل وَهِي مُحرمَة على الرجل فِي جَمِيع أَيَّامهَا.
وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَنه كَانَ يَقُول: انما الْقَضَاء جمر فادفع الْجَمْر عَنْك بعودين.
يرويهِ وَكِيع عَن مسعر عَن أبي حُصَيْن.
العودان هَاهُنَا: الشَّاهِدَانِ. يُرِيد: توق النَّار بهما واجعلهما جنتك. وَهُوَ نَحْو قَوْله للشاهدين اذا حضرا. اني لم

(2/511)


أَدعكُمَا وَلَا أمنعكما ان قمتما واني متحرز بكما يَوْم الْقِيَامَة فتحرزا لأنفسكما.
وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح انه قَالَ: المعك طرف من الظُّلم. يرويهِ أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي اسحق.
المعك: المطل. يُرِيد: مطل الرجل غَرِيمه وَهُوَ واجده. قَالَ ذُو الرمة: من الطَّوِيل ... أحبك حبا خالطته نصاحة ... وان كنت احدى اللاويات المواعك ...
قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: دالكني حَقي مدالكة ومطلني مطلا ومعكني معكا ولواني ليانا وليا كُله وَاحِد.
وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَنه كَانَ يرد الحمارة من الْخَيل.
يرويهِ قبيصَة عَن سُفْيَان عَن هِشَام عَن ابْن سِيرِين. وَفِي الحَدِيث: انها الَّتِي تتبع الْحمر من الْخَيل وَلَا أعلمني سَمِعت هَذَا الا فِي هَذَا الحَدِيث وَلم أحفظ عَن أَصْحَاب اللُّغَة الا المحامر من الْخَيل وَاحِدهَا محمر.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ الَّتِي تشبه الْحمير. والحامرة: جمَاعَة

(2/512)


الْحمير. وَمِنْه قيل لمَسْجِد بِالْبَصْرَةِ: مَسْجِد الحامرة. وَلَا أَحْسبهُ سَمَّاهَا: حمارة الا لدخولها فِي الْحمير واتباعها اياها فَكَأَنَّهَا حمارة مِنْهَا.
وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَن رجلا اشْترى جَارِيَة وشرطوا: أَنَّهَا مولدة فَوَجَدَهَا تليدة فَردهَا شُرَيْح.
يرويهِ قبيصَة عَن سُفْيَان عَن هِشَام عَن ابْن سِيرِين.
التليدة هِيَ الَّتِي ولدت بِبِلَاد الْعَجم وحملت فَنَشَأَتْ فِي بِلَاد الْعَرَب. والمولدة: الَّتِي ولدت فِي بِلَاد الاسلام.
وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ التليد مَا ولد عِنْد غَيْرك ثمَّ اشْتَرَيْته صَغِيرا فنبت عنْدك. والتلاد: مَا ولدت أَنْت وَهَذَا هُوَ مَا فسرناه.
وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَنه كَانَ لَا يُجِيز الاضطهاد وَلَا الضغطة.

(2/513)


يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين.
الاضطهاد: الظُّلم. والضغطة والعصرة من الْغَرِيم هُوَ أَن يمطل بِمَا عَلَيْهِ ويلوي بِهِ ثمَّ يَقُول لصَاحب المَال: تدع لي كَذَا وَتَأْخُذ الْبَاقِي معجلا فيرضى بذلك ويصالحه على شَيْء يَدعه لَهُ. فَكَانَ شُرَيْح لَا يُجِيز ذَلِك وَيلْزمهُ جَمِيع الشىء اذا رَجَعَ بِهِ صَاحب الْحق عَلَيْهِ. وَيَقُول: بينتك أَنه تَركه لَك وَهُوَ يقدر على أَخذه.
وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح أَن مُحَمَّدًا خَاصم غُلَاما لزياد اليه فِي برذونة بَاعهَا وكفل الْغُلَام فَقَالَ مُحَمَّد: حيل بيني وَبَين غريمي واقتضي مَالِي مُسَمّى واقتسم مَال غريمي دوني فَقَالَ شُرَيْح: ان كَانَ مجيزا وكفل لَك غرم وان كَانَ اقتضي مَالك مُسَمّى فَأَنت أَحَق بِهِ وان كَانَ الْغُرَمَاء أخذُوا مَاله دُونك فَهُوَ بَيْنكُم بِالْحِصَصِ.
والمجيز: الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة هَاهُنَا. وَيكون الْوَلِيّ فِي مَوضِع آخر. وَيكون الْوَصِيّ. وَمِنْه قَول شُرَيْح: اذا بَاعَ المجيزان فَالْبيع للْأولِ واذا أنكح المجيزان فَالنِّكَاح للْأولِ. وانما قيل لكل وَاحِد من هَؤُلَاءِ: مجيز لِأَنَّهُ يُجِيز الشَّيْء أَي: يمضيه فَيجوز.
وَقَوله: ان كَانَ اقتضي مَالك مُسَمّى فَأَنت أَحَق. يَقُول:

(2/514)


ان كَانَ قبض مَالك على أَنه لَك فَأَنت أَحَق بِهِ. وان كَانَ الْغُرَمَاء أخذُوا المَال دُونك فَأَنت غَرِيم كبعضهم وَلَك فِيهِ حِصَّة على قدر مَالك.
وَقَالَ فِي حَدِيث شُرَيْح ان ابْن سِيرِين ذكره فَقَالَ: كَانَ عائفا وَكَانَ قائفا.
يرويهِ عَفَّان عَن سليم عَن ابْن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين.
العائف: الَّذِي يعيف الطير أَي: يزجرها وَذَلِكَ أَن يعْتَبر بأسمائها ومساقطها وَأَصْوَاتهَا ومجاريها. يُقَال: عفت الطير أعيفها عيافة. قَالَ الشَّاعِر: من الوافر
تغنى الطائران ببين سلمى ... على غُصْنَيْنِ من غرب وَبَان
فَكَانَ البان أَن بَانَتْ سليمى ... وَفِي الغرب اغتراب غير دَان ...
فزجر فِي الغرب الغربة. وَفِي البان الْبَين. وَقَالَ جران الْعود. من الطَّوِيل ... جرى يَوْم جِئْنَا بالركاب نزفها ... عِقَاب وشحاج من الطير متيح ...

(2/515)


.. فَأَما الْعقَاب فَهِيَ مِنْهَا عُقُوبَة ... وَأما الْغُرَاب فالغريب المطوح ...
والشحاج: الْغُرَاب. والمتيح: الَّذِي يعرض فِي كل وَجه. وَأنْشد الْأَصْمَعِي: من الطَّوِيل ... وهون وجدي أنني لم أكن لَهُم ... غراب شمال ينتف الريش حاتما ...
قَالَ: وَيُقَال: من لَهُ طير شمال أَي: طير شُؤْم وَسموا الْغُرَاب حاتما لِأَنَّهُ عِنْدهم يحتم بالفراق.
وَقَالُوا: غراب الْبَين لِأَنَّهُ يسْقط فِي الديار اثر الظاعنين يتقمم. هَذَا قَول بَعضهم. وَقَالَ آخَرُونَ: سمي غراب الْبَين لبينه عَن نوح صلى الله عَلَيْهِ حِين أرْسلهُ ليَأْتِيه بِخَبَر مَاء الطوفان وَقد تقدم ذكر ذَلِك.
وَقَالَ الْكُمَيْت لجذام فِي انتقالهم الى الْيمن: من الطَّوِيل ... وَكَانَ اسمكم لَو يزْجر الطير عائف ... لبينكم طيرا مبينَة الفأل ...
يُرِيد: ان اسمكم جذام والزجر فِيهِ الانجذام وَهُوَ الِانْقِطَاع.
وحَدثني سهل بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا الْأَصْمَعِي قَالَ: أَخْبرنِي

(2/516)


سعد بن نصر: ان نَفرا من الْجِنّ تَذَاكَرُوا عيافة بني أَسد فأتوهم فَقَالُوا انه ضلت لنا نَاقَة فَلَو أرسلتم مَعنا من يعيف فَقَالُوا لغليم مِنْهُم: انْطلق مَعَهم فاستردفه أحدهم ثما سَارُوا فلقيتهم عِقَاب كاسرة احدى جناحيها فاقشعر الغليم وَبكى فَقَالُوا: مَالك فَقَالَ: كسرت جنَاحا وَرفعت جنَاحا وَحلفت بِاللَّه صراحا مَا أَنْت بأنسي وَلَا تبغي لقاحا.
فَالْأَصْل فِي العيافة للطير وَمِنْه قيل: فلَان يتطير وَهُوَ شَدِيد الطَّيرَة ثمَّ قد تجدهم يعيفون بالبروج والسنوح وعضب الْقرن. قَالَ زُهَيْر وَذكر ظباء: من الوافر ... جرت سنحا فَقلت لَهَا أجيزي ... نوى مشمولة فَمَتَى اللِّقَاء ...
وَأَخْبرنِي الرياشي أَن الشُّعَرَاء الْمُتَقَدِّمين يتشاءمون بالسنوح وأنشدني لِابْنِ قميئة وَهُوَ جاهلي: من الطَّوِيل
... وأشأم طير الزاجرين سنيحها ...
وَقد كَانَ كثير مِنْهُم لَا يتطير وَلَا يرى مَا عَلَيْهِ أَكْثَرهم من هَذَا أَشْيَاء. قَالَ المرقش وَهُوَ جاهلي: من مجزوء الْكَامِل.

(2/517)


.. وَلَقَد غَدَوْت وَكنت لَا أغدو على واق وحاتيم
فاذا الأشائم كالايامن والأيامن كالأشائم ...
والواق: الصرد. يَقُول: مَا جَاءَك يَمِينا فَهُوَ كَمَا جَاءَك شمالا لَيْسَ الْأَمر بِشَيْء. وَقَالَ آخر: من الطَّوِيل ... وَلَيْسَ بهياب اذا شدّ رَحْله ... يَقُول: عداني الْيَوْم واق وحاتم
وَلكنه يمْضِي على ذَاك مقدما ... اذا صد عَن تِلْكَ الهنات الخثارم ...
والخثارم: المتطير. وَلم يرد ابْن سِيرِين أَن شريحا يعيف هَذِه العيافة وَكَيف يُرِيد هَذَا وَقد رُوِيَ: ان العيافة من الجبت. وَلكنه أَرَادَ أَنه مُصِيب الظَّن صَادِق الحدس. فَكَأَنَّهُ عائف. وَهَذَا كَمَا يُقَال: مَا أَنْت الا سَاحر اذا كَانَ رَفِيقًا لطيفا. وَمَا أَنْت الا كَاهِن اذا أصَاب بظنه. وَأما الفأل فَهُوَ فِي الْخَيْر. وَهُوَ يسْتَحبّ. وَفِي الحَدِيث: أصدق الطَّيرَة الفأل.
حَدثنَا الرياشي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: قلت لِابْنِ عون: مَا الفأل قَالَ: أَن تكون مَرِيضا فَتسمع يَا سَالم أَو بَاغِيا فَتسمع يَا وَاحِد. وَكَانَ ابْن سِيرِين يكره الطَّيرَة وَيسْتَحب الفأل. وَهَذَا يدلك على أَنه لم يرد أَن شريحا كَانَ يتطير ويعيف.

(2/518)


وَأما الْقَائِف فَهُوَ الَّذِي يعرف الْآثَار ويتبعها وَيعرف شبه الرجل فِي وَلَده وأخيه.
حَدثنِي سهل بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا الْأَصْمَعِي عَن رجل من آل أبي مسروح عَن عَوْسَجَة بن مغيث الْقَائِف قَالَ: كُنَّا نَسْرِق نخلنا فَعرفنَا آثَارهم فَرَكبُوا الْحمر فَعرفنَا نمس أَيْديهم فِي العذوق. وحَدثني ايضا عَن الْأَصْمَعِي عَن ابْن أبي طرفَة الْهُذلِيّ قَالَ: رَآنِي قائفان وهما منصرفان من عَرَفَة بعد النَّاس بِيَوْم أَو اثْنَيْنِ أثر بعير فَقَالَ أَحدهمَا: نَاقَة وَقَالَ الآخر جمل فاتبعناه فَمرَّة يجْتَمع لَهما الْخُف وَمرَّة يريان الخطوة مِنْهُ حَتَّى دخلا شعبًا من شعاب منى فاذاهما بالبعير فأطافا بِهِ فاذا هُوَ خُنْثَى.

(2/519)


- حَدِيث مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة
وَقَالَ فِي حَدِيث مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة أَنه ذكر رجلا يلى الْأَمر بعد السفياني فَقَالَ: حمش الذراعين والساقين مصفح الرَّأْس غائر الْعَينَيْنِ يكون بَين شث وطباق.
يرويهِ الْوَلِيد بن مُسلم عَن أبي عبد الله عَن عبد الكريم ان أُميَّة عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة.
قَوْله: حمش الذراعين والساقين يُرِيد دقيقهما. والمصفح الرَّأْس: العريض الرَّأْس. والشت. نبت ينْبت بتهامة وَهُوَ من شجر الْجبَال. والطباق: شجر ينْبت بالحجاز الى الطَّائِف.
وانما أَرَادَ أَن مقَامه أَو مخرجه يكون من هَذِه الْمَوَاضِع الَّتِي ينْبت بهَا هَذَانِ الضربان من الشّجر. قَالَ عُرْوَة بن الْورْد: من الطَّوِيل ... فيوما على نجد وغارات أَهله ... وَيَوْما بِأَرْض ذَات شث وعرعر ...

(2/520)


521 - يُرِيد: تغير مرّة على نجد وَمرَّة على تهَامَة. وَقَالَ تأبط شرا: من الْبَسِيط ... كَأَنَّمَا حثحثوا حصا قوادمه ... أَو أم خشف بِذِي شت وطباق ...
يَقُول: كَأَنَّمَا حركوا بِي صقرا من سرعتي أَو ظَبْيَة.

(2/521)


حَدِيث مَسْرُوق الأجدع
وَقَالَ فِي حَدِيث مَسْرُوق أَنه قَالَ: فِي الرجل تكون تَحْتَهُ الْأمة فيطلقها تَطْلِيقَتَيْنِ ثمَّ يَشْتَرِيهَا لَا تحل لَهُ الا من حَيْثُ حرمت عَلَيْهِ.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن خَالِد بن خِدَاش عَن سهل بن بكار عَن أبي عوَانَة عَن جابرعن عَامر عَن مَسْرُوق.
تَفْسِير هَذَا أَن الْأمة تبين بتطليقتين فَلَا تحل للمطلق حَتَّى تنْكح زوجا غَيره. يَقُول: فَلَمَّا حرمت عَلَيْهِ بالتطليقتين واشتراها لم تحل لَهُ ان نحكها حَتَّى يُزَوّجهَا ثمَّ تطلق بتطليقتين فَيحل لَهُ بهما كَمَا حرمت عَلَيْهِ بهما. وَهَذَا مَذْهَب سُفْيَان. وَمن يرى أَن الطَّلَاق بِالْمَرْأَةِ.
وَكَانَ مَالك يرى: ان الْمَمْلُوكَة تَحت الْحر لَا تبين الا بِثَلَاث. قَالَ: فان بَانَتْ ثمَّ اشْتَرَاهَا لم يَطَأهَا حَتَّى تنْكح زوجا غَيره.
وَقَالَ فِي حَدِيث مَسْرُوق انه قَالَ: أَنهَار الْجنَّة تجْرِي فِي غير أخدُود وشجرها نضيد من أَصْلهَا الى فرعها.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن زَائِدَة عَن الْأَعْمَش عَن عمروبن مرّة عَن مَسْرُوق.
الأخذود: الشق. وَيُقَال: خد فِي الأَرْض خدا اذا شقّ فِيهَا

(2/522)


وَاسم الشق الْأُخْدُود. قَالَ الله جلّ وَعز: {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} .
وَقَوله: شَجَرهَا نضيد يُرِيد: لَيْسَ لَهُ سوق بارزة. وَلكنه منضود بالورق أَو بالثمر من أَصله الى أَعْلَاهُ وَهُوَ من قَوْلك: نضدت الْمَتَاع اذا وضعت بعضه على بعض. وَلَا أرى قَول الله جلّ وَعز: {وطلح منضود} الا من هَذَا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الطلح: الموز هَاهُنَا. وَهُوَ عِنْد الْعَرَب شجر عِظَام كثير الشوك.
وَقَالَ فِي حَدِيث مَسْرُوق انه كَانَ يكره الجعائل.
يرويهِ سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَابر عَن الشّعبِيّ.
الجعائل: جمع جعَالَة بِفَتْح الْجِيم وجعيلة وَهُوَ الْجعل من الْعَطِيَّة. تَقول: أجعلت لفُلَان جعالا. وأجعلت الْقدر أنزلتها

(2/523)


بالجعال وَهِي الْخِرْقَة الَّتِي تتنزل بهَا. وَجعلت لكذا جعلا أَي: صيرته لَهُ.
وَالِاسْم: الْجعل بِضَم الْجِيم وَمعنى الْجعَالَة أَن يضْرب الْبَعْث على الرجل فَيجْعَل لمن يغزوعنه شَيْئا وَيُقِيم أَو يدْفع الْمُقِيم الى الْغَازِي شَيْئا فيقيم وَيخرج هُوَ. وَذَلِكَ مُبين فِي حَدِيث لِلْحسنِ. وَسُئِلَ عَن الجعائل فَقَالَ: كَانَ الْمُقِيم يكره أَن يفتدى من غَزوه والغازي يكره أَن يَأْخُذ لغزوه ثمنا.
وَقَالَ مَنْصُور: كَانُوا يُعْطون فِي ذَلِك أحب اليهم من أَن يَأْخُذُوا. قَالَ الْهُذلِيّ عبد منَاف بن ربع: من الطَّوِيل ... وَقد بَات فِيكُم لَا ينَام مهجدا ... يثبت فِي خالاته بالجعائل ...
وَهَذَا رجل أَبوهُ من سليم وَأمه من هُذَيْل فَدلَّ على هُذَيْل بِجعْل جَعَلُوهُ لَهُ فَأَرَادَ أَنه جعل يثبت الْجعَالَة لنَفسِهِ ويوكدها عَلَيْهِم.

(2/524)


- حَدِيث عُبَيْدَة السَّلمَانِي وَهُوَ عُبَيْدَة بن قيس
وَقَالَ فِي حَدِيث عُبَيْدَة ان مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ لَهُ: مَا يُوجب الْجَنَابَة فَقَالَ: الرف والاستملاق.
يرويهِ اسحق الْأَزْرَق عَن عَوْف عَن مُحَمَّد بن سِيرِين.
أصل الرف: المص. يُقَال: رففت فَم الْمَرْأَة أرفه رفا اذا مصصته وترشفته. وَمِنْه قَول أبي هُرَيْرَة حِين سُئِلَ عَن الْقبْلَة للصَّائِم: اني لارفها رفا. والاستملاق وَهُوَ من قَوْلك: ملق الجدي أمه يملقها ملقا. اذا رضعها. وَكَذَلِكَ: ملجها أَيْضا. واراد ان الَّذِي يُوجب الْغسْل امتصاص الْمَرْأَة الرجل وقبولها مَاءَهُ:: مَا يقبل الرَّضِيع اللَّبن اذا ارتضع.
وَأرَاهُ على هَذَا التَّأْوِيل يذهب مَذْهَب الْأَنْصَار فِي أَن المَاء من المَاء وَقد تقدم ذكر هَذَا وبينت أَن مَنْسُوخ.
وَأما قَوْله فِي حَدِيث آخر وَسُئِلَ عَن مثل هَذَا فَقَالَ:

(2/525)


الخفق والخلاط.
فان الخفق: الْجِمَاع. وَأَصله الضَّرْب. وَمِنْه قيل للدرة: مخفقة.
والخلاط مصدر خالطت الْمَرْأَة فِي الْجِمَاع خلاطا ومخالطة. وَهَذَا رَاجع الى معنى الحَدِيث الأول وان لم يكن فِيهِ ذكر للْمَاء لِأَنَّهُ لَو أَرَادَ أَن الَّذِي يُوجب الْغسْل: مجاورة الْخِتَان الْخِتَان كَفاهُ من الْوَصْف مَا دون الخفق والخلاط.
وَمن الخلاط قَول الْحجَّاج فِي خطبَته: لَيْسَ أَوَان يكثر الخلاط يَعْنِي: الْفساد. وَقد سَمِعت من يرويهِ: الدفق والخلاط.

(2/526)


- حَدِيث ابي مُسلم الْخَولَانِيّ
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي مُسلم أَنه أَتَى مُعَاوِيَة فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك أَيهَا الْأَجِير انه لَيْسَ من أجِير استرعي رعية الا ومستأجره سائله عَنْهَا. فان كَانَ داوى مرضاها وجبر كسراها وهنأ جَرْبَاهَا ورد أولاها على أخراها ووضعها فِي أنف من الْكلأ وصفو من المَاء وفاه أجره.
يرويهِ اسماعيل بن عَيَّاش عَن أبي بكر بن عبد الله عَن عَطِيَّة بن قيس.
قَوْله: رد أولاها على أخراها يُرِيد: لم يَدعهَا تتفرق وتشذ وَلكنه ضمهَا وَجَمعهَا. وَذَلِكَ من حسن الرّعية هَذَا اذا كَانَت قطيعا وَاحِدًا فاذا كثرت الأقطاع والرعاء فالأحمد عِنْدهم أَن تفرق ويفرقوا. وَلذَلِك كَانُوا يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ حبب بَين نسائنا وبغض بَين رعائنا وَاجعَل المَال فِي سمحائنا.
قَالَ الْأَصْمَعِي: اذا تباغض الرعاء لم يجتمعوا للْحَدِيث فيضيق المرعى. وَنَحْو مِنْهُ وَلَيْسَ بِعَيْنِه اختيارهم للسقي عجيما وعربيا لَا يفهم أَحدهمَا الآخر ليَكُون أحث للْعَمَل. قَالَ الراجز:

(2/527)


.. هَل يروين ذودك نزع معد ... وساقيان سبط وجعد ...
يُرِيد بالسبط: العجمي وبالجعد: الْأسود. وَمثله قَول الآخر: من الرجز. ... ان سرك الرّيّ أَخا تَمِيم ... فاعجل بعبدين ذ وي وزيم
بفارسي وَأَخ للروم ...
وزيم: لحم وعضل وأنف الكلا أَوله. يُرِيد: انه يتتبع بهَا الْمَوَاضِع الَّتِي لم ترع. وَمِنْه يُقَال: استأنفت كَذَا اذا ابتدأته. وَيُقَال: رَوْضَة أنف. لم ترع. وكأس أنف لم يشرب بهَا قبل ذَلِك. كَأَنَّهُ استونف شربهَا. وَقد أنفت اذا وطِئت كلأ أنفًا. وَيُقَال: أَرض أنيفية اذا استرعت النَّبَات. وَتلك أانف بِلَاد الله. وَيُقَال: أنف الأَرْض مَا اسْتقْبل الشَّمْس من الْجلد والضواحي من الْجبَال.

(2/528)


- حَدِيث عَمْرو بن مَيْمُون
وَقَالَ فِي حَدِيث عَمْرو بن مَيْمُون أَنه قَالَ: اياكم وَهَذِه الزعانيف الَّذين رَغِبُوا عَن النَّاس وفارقوا الْجَمَاعَة.
يرويهِ زُهَيْر عَن أبي اسحق عَن عَمْرو بن مَيْمُون.
الزعانيف: فرق النَّاس وَمن خرج عَن جَمَاعَتهمْ وَهِي الزعانف مثل: طواوس وطواويس. والواحدة زغنفة. وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: أصل الزعانف أَطْرَاف الْأَدِيم والأكارع. شبه من شَذَّ عَن النَّاس وفارقهم بأطراف الْجلد من الْأَدِيم. وَقَالَ مَالك بن نُوَيْرَة: من الطَّوِيل

(2/529)


.. فَقرب رِبَاط الجون مني فانه ... دنا الْحل واحتل الْجَمِيع الزعانف ...
يَقُول: صَار متفرقو النَّاس والنازلون بالأطراف الى جَمَاعَتهمْ الْخَوْف الْغَارة.
وَقَالَ أَوْس بن حجر يصف حمارا: من الطَّوِيل ... وَمَا زَالَ يغري الشد حَتَّى كَأَنَّمَا ... قوائمه فِي جانبيه زعانف ...
يَقُول: كَأَن قوائمه لَا تقع بِالْأَرْضِ فَهِيَ زِيَادَة فِي جانبيه.

(2/530)


- حَدِيث الْأَحْنَف بن قيس
وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف انه كَانَ اذا وَفد مَعَ أَمِير الْعرَاق على مُعَاوِيَة لبس ثيابًا غلاظا فِي السقر وسَاق مَعَه نَاقَة مريا.
حَدَّثَنِيهِ سهل بن مُحَمَّد قَالَ: حدّثنَاهُ الْأَصْمَعِي عَن شيخ من بني حَنْظَلَة.
النَّاقة المري هِيَ الَّتِي تدر على الْمسْح وَهُوَ مَأْخُوذ من: مريت أَمْرِي مريا اذا مسحت الضَّرع. وَكَانَ يَسُوقهَا مَعَه ليشْرب ويسقي من لَبنهَا صحابته فِي السّفر.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف أَنه قَالَ: تبادلوا تحَابوا وتهادوا تذْهب الاحن والسخائم واياكم وحمية الأوغاب.
الأوغاب: هم أرذال النَّاس نَحْو الأوغاد. وَالْعرب

(2/531)


تَقول: تعوذوا بِاللَّه من حمية اللئام. وَتقول أَيْضا: تعوذوا بِاللَّه من حمية الأوقاب.
والأوقاب: الحمقى واحدهم وَقب. وانما قيل للأحمق وَقب يُرَاد انه أجوف لَا عقل لَهُ. كَمَا الله جلّ وَعز: {وأفئدتهم هَوَاء} أَي: خَالِيَة لَا تعي خَبرا.
وأصل الوقبة: النقرة فِي الْحجر أَو الْجَبَل وكل شَيْء نقبته فقد وقبته. قَالَ الشَّاعِر: من الْكَامِل ... أبني لبينا ان أمكُم ... أمة وان أَبَاكُم وَقب
أكلت خَبِيث الزَّاد فاتخمت ... مِنْهُ وشم خمارها الْكَلْب ...
يَقُول: تقتات فِيهِ فزهم فالكلب يشمه.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف انه قَالَ لعمر ان اخواننا من أهل الْكُوفَة نزلُوا فِي مثل حولاء النَّاقة من ثمار متهدلة وأنهار متفجرة.
حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن عَن عَمه. وَقد ذكر أَبُو عبيد هَذَا

(2/532)


الحَدِيث بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: تَقول الْعَرَب اذا وصفت الأَرْض وخصبها: تركت أَرض بني فلَان فِي مثل حولاء النَّاقة وَهِي جلدَة رقيقَة تخرج مَعَ الْوَلَد فِيهَا مَاء أصفر وفيهَا خطوط حمر وخضر. قَالَ الْكُمَيْت: من المتقارب ... وكالحولاء مرَاعِي المسيم عنْدك والرثة المنهل ...
وروى ان المعقر الْبَارِقي وَكَانَ قد كف بَصَره سمع صَوت رعد فَقَالَ لابنته: أَي شَيْء تَرين. قَالَت: أرى سحاء عقاقة كَأَنَّهَا حولاء نَاقَة ذَات هيدب دَان وسير وان. فَقَالَ: يَا بنية وائلي الى جنب قفلة فانها لَا تنْبت الا بمنجاة من السَّيْل.
عقاقة تنعق بالبرق أَي: تَنْشَق. والهيدب مثل الْحمل فِي السحابة ترَاهُ متدليا وسيروان أَي: ثقيل. والقفل ضرب من الشّجر واحدته قفلة وَهُوَ أَيْضا يَابِس الشّجر والمنجاة: مَا ارْتَفع عَن المسيل. وَقد تشبه الأَرْض أَيْضا اذا كَانَت مخصبة ذَات مرعى بالسابيا. وَهُوَ المَاء الَّذِي يخرج على رَأس الْوَلَد.
قَالَ سحيم عبد بني الحسحاس ينعَت الْغَيْم: من الطَّوِيل ... لَهُ فرق مِنْهُ ينتجن حوله ... يفققئين بالميث الدماث السوابيا ...

(2/533)


والمتهدلة: المسترخية المتعطفة. وَفِي الحَدِيث انه حبس الْأَحْنَف عَبده سنة وَقَالَ: اني قد خشيت أَن تكون مفوها لَيْسَ لَك جول.
والجول: الْعقل.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف انه نعي اليه شَقِيق بن ثَوْر فَاسْتَرْجع وشق عَلَيْهِ ونعي لَهُ حسكة الْحَنْظَلِي فَمَا ألْقى لذَلِك بَالا. فَغَضب من حَضَره من بني تَمِيم.
فَقَالَ: ان شقيقا كَانَ رجلا حَلِيمًا فَكنت أَقُول: ان وَقعت فتْنَة عصم الله بِهِ قومه. وان حسكة كَانَ رجلا مشيعا فَكنت أخْشَى أَن تقع فتْنَة فيجر بني تَمِيم الى هلكة.
حدّثنَاهُ الرياشي عَن الْأَصْمَعِي. يُقَال: مَا ألْقى لِقَوْلِك. بَالا أَي: مَا اسْتمع لَهُ وَلَا اكثرت. وأصل البال: الْحَال.
والمشيع هَاهُنَا العجول. وَأَصله من قَوْلك شيعت النَّار

(2/534)


تشيعا اذا القيت عَلَيْهَا مَا تذكيها بِهِ. والمشيع فِي غير هَذَا: الشجاع.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف ان الْحُسَيْن كتب اليه فَقَالَ للرسول قد بلونا فلَانا وَآل بني فلَان فَلم نجد عِنْدهم ايالة للْملك وَلَا مكيدة فِي الْحَرْب.
يرويهِ عَليّ بن مُحَمَّد عَن مسلمة بن محَارب عَن السكن بن قَتَادَة العريني.
الايالة: السياسة. يُقَال: فلَان حسن الايالة اذا كَانَ حسن الْقيام على مَاله. وَكَذَلِكَ الابالة. وَأَحْسبهُ مأخوذا من الابل. يُقَال لِلرَّاعِي الْحسن الرّعية وَهُوَ ترعية آبل.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف انه قَالَ لعَلي عَلَيْهِ السَّلَام يَا أَبَا الْحسن اني قد عجمت الرجل وحلبت أشطره فَوَجَدته قريب القعر كليل المدية. يَعْنِي: أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن أبي حَمْزَة المثالي.
عجمت الرجل: أَي خبرته. وَقَوله: حلبت أشطره مثل يُقَال: حلب فلَان الدَّهْر أشطره أَي اختبر ضروبه من

(2/535)


خَيره وشره. وَأَصله: فِي حلب النَّاقة وَلها شطران قادمان وآخران فَكل خلفين شطر. يُقَال: أجمع بناقته اذا صر أخلاقها وَثلث بهَا اذا صر ثَلَاثَة أخلاف. وَشطر بهَا اذا صر خلفين وَخلف بهَا اذا صر خلفا.
وَفِي الحَدِيث انه قَالَ لَهُ: وانك قد رميت بِحجر الأَرْض يَعْنِي: عَمْرو بن الْعَاصِ. يُرِيد: انك رميت بِوَاحِد الأَرْض دهاء.
قَالَ الْأَصْمَعِي: وَيُقَال أَيْضا رمى فلَان بحجره اذا قرن بِمثلِهِ.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف ان الحتات قَالَ لَهُ: وَالله انك لضئيل وان أمك لورهاء.
الضئيل: النحيف الْجِسْم. يُقَال: هُوَ بَين الضؤولة. وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَحْنَف. وَقَالَ يُونُس فِي قَوْله: من الوافر

(2/536)


.. أَنا ابْن الزامرية أرضعتني ... بثدي لَا أجد وَلَا وخيم
أتمتني فَلم تنقص عِظَامِي ... وَلَا صوتي اذا اصطك الْخُصُوم ...
أَرَادَ بعظامه: اسنانه. وَهِي اذا تمت تمت الْحُرُوف. وَلم يرد عِظَام جسده لِأَنَّهُ كَانَ أحنف ضئيلا.
وَقَالَ عبد الملك بن عُمَيْر: قدم علينا الْكُوفَة مَعَ المصعب فَمَا رَأَيْت خصْلَة تذم الا وَقد رَأَيْتهَا فِيهِ. كَانَ صعل الرَّأْس متراكب الْأَسْنَان مائل الذقن ناتىء الْوَجْه باخق الْعَينَيْنِ خَفِيف العارضين أحنف الرجل. وَلكنه كَانَ اذا تكلم جلى عَن نَفسه. والصعل: الصَّغِير الرَّأْس. وَكَانُوا يذمون بذلك ويسمون الصَّغِير الرَّأْس رَأس الْعَصَا. قَالَ أحد الشُّعَرَاء فِي عمر بن هُبَيْرَة: من الطَّوِيل ... من مبلغ رَأس الْعَصَا أَن بَيْننَا ... ضغائن لَا تنسى وان هِيَ سلت ...
لقبه بذلك لِأَنَّهُ كَانَ صَغِير الرَّأْس. وَقَالَ طرفَة: من الطَّوِيل ... أَنا الرجل الضَّرْب الَّذِي تعرفونه ... خشَاش كرأس الْحَيَّة المتوقد ...

(2/537)


البصريون يَرْوُونَهُ عَن الْأَصْمَعِي خشَاش بِكَسْر الْخَاء وَغَيرهم يرويهِ: خشَاش بِفَتْحِهَا وَهُوَ اللَّطِيف الْجِسْم الصَّغِير الرَّأْس. فمدح نَفسه كَمَا ترى بِمَا يذم بِهِ.
الباخق الْعين المنخسف الْعين. وَذكر الْهَيْثَم بن عدي: أَن الْأَحْنَف بن قيس: اصيبت عينه بسمرقند وَذكره فِي: العور الْأَشْرَاف.
وَقَالَ غَيره: ذهبت عَيْني بالجدري. يُقَال: بخقت عينه اذا خسفتها.
والحنف فِي الرجل أَن تقبل كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بابهامها على صاحبتها.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْأَحْنَف الَّذِي يمشي على ظهر قَدَمَيْهِ. والأقفد: الَّذِي يمشي على صدرها.
والورهاء من النِّسَاء: المتساقطة حمقا أَو هوجا وَالرجل: أوره ووره. قَالَ حميد بن ثَوْر يذكر امْرَأَة: من الطَّوِيل

(2/538)


.. جلبانة ورهاء تخصي حمارها ... بفي من بغى خيرا لَدَيْهَا الجلامد ...
والجلبانة: الغليظة الْخلق الجافيته. قَالَ الْأَصْمَعِي: واذا خصت الْمَرْأَة الْحمار لم تَسْتَحي بعد ذَلِك من شَيْء.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْأَحْنَف أَنه قَالَ فِي الْخطْبَة الَّتِي خطبهَا فِي الاصلاح بني الأزد وَتَمِيم كَانَ يُقَال: كل أَمر ذِي بَال لم يحمد الله فِيهِ فَهُوَ أكنع.
يرويهِ سُفْيَان عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ.
البال: الْحَال. قَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَ الْعمريّ اذا سُئِلَ عَن حَاله قَالَ: بِخَير اصلح الله بالكم. قَالَ الله جلّ وَعز: {وَيصْلح بالهم} أَي: حَالهم.
وَقَوله: فَهُوَ أكنع أَي: نَاقص. يُقَال: قد اكتنع الشَّيْخ اذا دنا بعضه من بعض. وَقد تقدم ذكر هَذَا.
وَأَرَادَ أَن كل مقَام ذِي جلالة وَعظم لم يذكر الله فِيهِ بِحَمْد فَهُوَ نَاقص. وَمثله فِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:

(2/539)


كل أَمر ذِي بَال: لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد فَهُوَ أقطع.
وَفِي حَدِيث آخر: كل خطْبَة لَيْسَ فِيهَا شَهَادَة فَهِيَ كَالْيَدِ الجذماء أَي: القطعاء.

(2/540)


- حَدِيث عَلْقَمَة بن قيس
وَقَالَ فِي حَدِيث عَلْقَمَة بن قيس أَن امْرَأَة مَاتَت وأوصت بثلثها. وَكَانَ نسْوَة يأتينها متشارجات لَهَا. فَقَالَ عَلْقَمَة: خُذُوا مَا أوصت بِهِ لكم واسألوا عَن النسْوَة اللَّاتِي كن يختلفن اليها: هَل بَينهُنَّ وَبَينهَا قرَابَة فَسْأَلُوهُنَّ عَن ذَلِك فوجدوا احداهن بنت أُخْتهَا أَو بنت أَخِيهَا لأمها فَأَعْطَاهَا عَلْقَمَة مِيرَاثهَا.
يرويهِ أَبُو الْأَحْوَص عَن الْأَعْمَش عَن ابراهيم.
قَوْله: متشارجات لَهَا أَي: أتراب لَهَا واقران وأشكال. وَهُوَ من قَوْلك: هَذَا شرج هَذَا وشريجه اي: مثله فِي السن. وَتقول: هَذِه مشارجة هَذِه وَهن مشارجاتها. كَمَا تَقول: هَذِه مشاكلة هَذِه وَهن مشاكلاتها. وَتقول: شارجت هَذِه هَذِه. كَمَا تَقول: شاكلت.

(2/541)


- حَدِيث الْأسود بن يزِيد
وَقَالَ فِي حَدِيث الْأسود أَنه كَانَ يصهر رجلَيْهِ بالشحم وَهُوَ محرم.
يرويهِ وَكِيع عَن الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة.
قَوْله: يصهر رجلَيْهِ أَي: يدهنها بالشحم. وَالْأَصْل فِي صهرت: أذبت. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم} قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يذاب بِهِ. وَأنْشد للعجاج: ... شكّ السَّفَافِيد الشواء المصطهر ...
قَالَ: واذا أذبت الألية فَتلك الصهارة. يُقَال: صهرتني الشَّمْس. وَقَالَ ابْن أَحْمَر وَذكر القطاة: من السَّرِيع ... تروي لقى ألقِي فِي صفصف ... تصهره الشَّمْس فَمَا ينصهر ...

(2/542)


543 - تروي: أَي تصير رِوَايَة لفراخها كَمَا يرْوى الْبَعِير أَو الْحمار اذا نقل المَاء.
وَظَاهر لفظ الحَدِيث: يذيب رجلَيْهِ. وَلَيْسَ كَذَلِك. انما اشتق لِمَعْنى يدهن رجلَيْهِ فعلا من المصهور. وَهُوَ مَا أذيب من الشَّحْم كَمَا تَقول من الشَّحْم: شحمت رجْلي وخفي. اذا دهنته بالشحم. وزت يَدَيْهِ اذا دهنتها بالزيت. كَذَلِك تَقول: صهرت رجله اذا دهنتها بالصهير.

(2/543)