غريب الحديث لابن قتيبة - حَدِيث عُرْوَة بن الزبير
وَقَالَ فِي حَدِيث عُرْوَة بن الزبير أَن الْحجَّاج رَآهُ قَاعِدا
مَعَ عبد الملك بن مَرْوَان فَقَالَ لَهُ: أتقعد ابْن العمشاء مَعَك
على سريرك لَا أم لَهُ فَقَالَ لَهُ عُرْوَة: أَنا لَا أم لي وَأَنا
ابْن عَجَائِز الْجنَّة. وَلَكِن ان شِئْت أَخْبَرتك بِمن لَا أم لَهُ
يَا بن المتمنية. فَقَالَ عبد الملك: أَقْسَمت عَلَيْك أَن تفعل فَكف
عُرْوَة.
قَوْله: يَا بن المتمنية أَرَادَ أمه وَهِي الفريعة بنت همام ام
الْحجَّاج بن يُوسُف. وَكَانَت تَحت الْمُغيرَة بن شُعْبَة. وَهِي
القائلة: من الْبَسِيط ... أَلا سَبِيل الى خمر فأشربها ... أم لَا
سَبِيل الى نصر بن حجاج ...
وَكَانَ نصر بن حجاج من بني سليم. وَكَانَ جميلا رائعا فَمر عمر بن
الْخطاب ذَات لَيْلَة وَهَذِه الْمَرْأَة تَقول: أَلا سَبِيل الى خمر
فأشربها. فَدَعَا بنصر بن حجاج فسيره الى الْبَصْرَة فَأتى مجاشع.
(2/544)
ابْن مَسْعُود السّلمِيّ وَعِنْده
امْرَأَته شميلة وَكَانَ مجاشع أُمِّيا. فَكتب نصر على الأَرْض: أحبك
حبا لَو كَانَ فَوْقك لأظلك وَلَو كَانَ تَحْتك لأقلك. فَكتبت
الْمَرْأَة. وَأَنا وَالله. فكب مجاشع على الْكتاب انآء ثمَّ أَدخل
كَاتبا فقرأه فَأخْرج نصرا وَطَلقهَا.
وَكَانَ عمر بن الْخطاب سمع أَيْضا قَائِلا بِالْمَدِينَةِ يَقُول: من
الطَّوِيل ... أعوذ بِرَبّ النَّاس من شَرّ معقل ... اذا معقل رَاح
البقيع مرجلا ...
يَعْنِي: معقل بن سِنَان الْأَشْجَعِيّ. وَكَانَ قدم الْمَدِينَة
فَقَالَ لَهُ عمر بن الْخطاب: ألحق بباديتك.
(2/545)
546 - حَدِيث مُحَمَّد الباقر بن عَليّ ابي
جَعْفَر
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي جَعْفَر انه قَالَ: ذَكَاة الأَرْض يبسها.
حَدَّثَنِيهِ خَالِد بن مُحَمَّد عَن هِشَام بن عبد الملك عَن الْمطلب
بن زِيَاد الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن هَاجر.
قَوْله: ذَكَاة الأَرْض يبسها. يُرِيد: طَهَارَتهَا من النَّجَاسَة
مثل: الْبَوْل وأشباهه بِأَن تَجف وَيذْهب أثر تِلْكَ النَّجَاسَة.
فَأَما اذا كَانَ الْمَكَان رطبا أَو كَانَ الْأَثر بَاقِيا فانه لَا
يطهرها الا المَاء الْجَارِي على الْمَكَان. كَمَا أَمر النبى عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام يصب المَاء على بَوْل الْأَعرَابِي.
وحَدثني عَنهُ أَيْضا ان معمر بن خثيم قَالَ لَهُ: اني أتوضأ فَأخْرج
الى الصَّلَاة فَأمر بِالْمَكَانِ الرطب لأ أحبسته الا بولا فَقَالَ
لَهُ: امْضِ لصلوتك. فان الأَرْض يطهر بَعْضهَا بَعْضًا. يَعْنِي: ان
الْيَابِس مِنْهَا يطهر من نَجَاسَة الرطب وَالطّيب مِنْهَا
(2/546)
- حَدِيث ابي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي وَائِل أَنه ذكر رجلا أَصَابَهُ الصفر قنعت
لَهُ السكر فقا ل: ان الله لم يَجْعَل شفاءكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم.
هُوَ من حَدِيث ابْن عُيَيْنَة.
الصفر والجبن وَاحِد. وهما: اجْتِمَاع المَاء فِي الْبَطن. يُقَال: صفر
الرجل فَهُوَ مصفور. قَالَ العجاج: من الرجز ... قضب الطَّبِيب نائط
المصفور ...
والنائط: عرق يقطع للمصفور فتخف عَن قطعه علته. وَقد يُقَال لَهُ:
الصفار كَمَا يُقَال: الكباد. وَيُقَال: الصفر كَمَا يُقَال: الطحل
لوجع الطحال. يُقَال: صفر يصفر صفرا. كَمَا يُقَال: طحل يطحل طحلا.
قَالَ ابْن أَحْمَر: من الوافر
... أرانا لَا يزَال لنا حميم ... كداء الْبَطن سلا أَو صفارا ...
(2/548)
- حَدِيث صلَة بن اشيم
وَقَالَ فِي حَدِيث صلَة أَنه قَالَ: خرجت الى حشر لنا وَالنَّخْل سلب
وَكَانَ سريع الاستجاعة فَسمِعت وجبة فاذا سبّ فِيهِ دوخلة رطب فَأكلت
مِنْهَا فَلَو أكلت خبْزًا وَلَحْمًا مَا كَانَ أشْبع لي مِنْهُ.
حَدَّثَنِيهِ سهل عَن الْأَصْمَعِي عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن
حميد بن هِلَال عَن صلَة.
الْحَشْر: قد تقدم تَفْسِيره فِي حَدِيث عمر.
وَقَوله: النّخل سلب أَي: لَا حمل عَلَيْهِ وَهُوَ جمع سلب. / يُقَال:
نَخْلَة سليب فعيل فِي معنى مفعول ونخل سلب وَشَجر سلب اذا سقط ورقه.
قَالَ ذُو الرمة وَذكر الرئال: من الْبَسِيط ... كَأَن أعناقها كسراث
سائفة ... طارت لفائفه أَو هيشر سلب ...
والهيشر: شجر. والكراث نبت ولفائفه: قشوره. وسائفه:
(2/549)
مسترق الرمل.
والاستجاعة: الْجُوع. والسب: الثَّوْب الرَّقِيق. وَجمعه: سبوب. وَهُوَ
الْخمار.
والدوخلة مُشَدّدَة اللَّام. وَكَذَلِكَ القوصرة مُشَدّدَة الرَّاء
والعوام تَقُولهَا بِالتَّخْفِيفِ.
(2/550)
- حَدِيث صَفْوَان بن مُحرز
وَقَالَ فِي حَدِيث صَفْوَان أَنه كَانَ اذا قَرَأَ هَذِه الْآيَة
بَكَى حَتَّى يرى لقد اندق قضيض زوره: {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي
مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} .
بَلغنِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن أبي مُعَاوِيَة عَن عَاصِم عَن
عبد الله بن رَبَاح.
قَوْله: قضيض زوره: هُوَ عِنْدِي غلط من بعض نقلة الحَدِيث. وَأرَاهُ:
قصَص زوره. وَهُوَ وسط الصَّدْر. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: قصّ وَهُوَ
الْمُسْتَعْمل فِي الْكَلَام فَأَما قصَص فانه لأهل الْحجاز. وَالْعرب
تَقول فِي مثل: هُوَ ألزم لَك من شَعرَات قصصك وقصك. لِأَنَّهُ كلما
حلق نبت. والعامة تَقول: قس الشَّاة. وَهُوَ خطأ.
(2/551)
- حَدِيث ابي الْعَالِيَة الريَاحي
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي الْعَالِيَة الريَاحي أَنه قَالَ فِي قَول
الله: {يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إِلَّا اللمم} مَا
بَين الحدين حد الدُّنْيَا وحد الْآخِرَة.
يرويهِ وَكِيع عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ عَن الرّبيع بن أنس عَن أبي
الْعَالِيَة. وروى شُعْبَة عَن الحكم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي
ذَلِك: مَا دون الحدين حد الدُّنْيَا وحد الْآخِرَة.
أما حد الدُّنْيَا فِيمَا يجب فِيهِ الْحَد من الذُّنُوب فِي
الدُّنْيَا مثل السرق وَالزِّنَا وَقذف المحصنة وَشرب الْخمر. وَأما حد
الْآخِرَة فَمَا أوعد الله عَلَيْهِ الْعَذَاب فِي الْآخِرَة مثل: أكل
مَال الْيَتِيم وَقتل النَّفس.
وَأَرَادَ: ان اللمم من الذُّنُوب مَا كَانَ بَين هذَيْن من صغَار
الذُّنُوب الَّتِي لم يُوجب الله بهَا حدا فِي الدُّنْيَا وَلَا أوجب
عَلَيْهَا تعذيبا فِي الْآخِرَة. وَهَذَا معنى قَول الله جلّ وَعز:
{إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ نكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ}
(2/552)
فالسيئات الَّتِي يكفر الله على تَأْوِيل
حَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي الْعَالِيَة هِيَ اللمم. وَغَيرهمَا يذهب
الى أَن اللمم: الذَّنب يلم بِهِ الرجل ثمَّ لَا يعود اليه. وَاللَّفْظ
يحمل الْمَعْنيين جَمِيعًا.
(2/553)
- حَدِيث عَطاء بن يسَار
وَقَالَ فِي حَدِيث عَطاء بن يسَار أَنه قَالَ: قلت للوليد بن عبد
الْملك قَالَ عمر بن الْخطاب: وددت أَنِّي سلمت من الْخلَافَة كفافا
عَليّ وَلَا لي فَقَالَ: كذبت أالخليفة يَقُول هَذَا فَقلت: أَو كذبت
قَالَ: فَأَفلَت مِنْهُ بجريعة الذقن.
حَدَّثَنِيهِ سهل عَن الْأَصْمَعِي عَن اسحق بن يحيى بن طَلْحَة عَن
عَطاء بن يسَار.
وخبرني عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: هَذَا مثل يُقَال: أفلت فلَان
بجريعة الذقن يُرَاد: ان نَفسه صَارَت فِي فِيهِ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو
زيد: يُقَال: أفلتني فلَان جريعة الذقن اذا كَانَ مِنْهُ قَرِيبا كجرعة
الذقن. وَقَالَ الهذالي فِي مثل قَول الْأَصْمَعِي: من الطَّوِيل ...
نجا سَالم وَالنَّفس مِنْهُ بشدقه ... وَلم ينج الا جفن سيف ومئزرا ...
(2/554)
- حَدِيث سعيد بن الْمسيب
وَقَالَ فِي حَدِيث سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ ذَات يَوْم: اكتبق يَا
برد أَنِّي رَأَيْت مُوسَى النبى يمشي على الْبَحْر حَتَّى صعد الى قصر
ثمَّ أَخذ برجلي شَيْطَان فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْر واني لَا أعلم
نَبيا هلك على رجله من الْجَبَابِرَة مَا هلك على رجل مُوسَى. وأظن
هَذَا قد هلك. يَعْنِي عبد الملك بن مَرْوَان فجَاء نعيه بعد أَربع.
حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن عَن الْأَصْمَعِي عَن ابْن أخي الْمَاجشون
قَالَ: اخبرني زوج بنت سعيد بن الْمسيب بذلك عَن سعيد.
قَوْله: هلك على رجله أَي: فِي زَمَانه وأيامه. يُقَال: هلك الْقَوْم
على رجل فلَان أَي بعهده.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن الْمسيب ان عَليّ بن زيد قَالَ: سمعته وَهُوَ
ابْن أَربع وَثَمَانِينَ وَقد ذهبت احدى عَيْنَيْهِ ويعشو بِالْأُخْرَى
يَقُول: مَا أَخَاف على نَفسِي فتْنَة هِيَ أَشد عَليّ من النِّسَاء.
(2/555)
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد قَالَ:
حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَليّ بن زيد.
قَوْله: يعشو بِالْأُخْرَى أَي: يبصر بهَا بصرا ضَعِيفا. يُقَال: عشوت
الى النَّار أعشو عشوا. اذا استدللت إِلَيْهَا ببصر ضَعِيف. وَمِنْه
قَول الحطيئة: من الطَّوِيل
مَتى تأته تعشو الى ضوء ناره ... تَجِد خير نَار عِنْدهَا خير موقد ...
وانما يعشو اليه لظلمة اللَّيْل لِأَنَّهُ لَا يبصر فِي اللَّيْل
إِلَّا بصرا ضَعِيفا.
وَقَالَ الْأَعْشَى وَذكر امْرَأَة: من المتقارب ... عشوت اليها اذا
مَا الظلام ... ألبسنا حَبَشِيًّا مجوبا ...
وَقَالَ فِي حَدِيث سعيد بن الْمسيب أَن أَبَا حَازِم قَالَ: ان نَاسا
انْطَلقُوا اليه يسألونه عَن بعير لَهُم فجئه الْمَوْت فَلم يَجدوا مَا
يذكونه بِهِ الا عَصا فشقوها فنحروه بهَا فَسَأَلُوهُ وَأَنا مَعَهم.
فَقَالَ: ان كَانَت مارت فِيهِ مورا فَكُلُوا وان كُنْتُم ثردتموه
فَلَا تاكلوه.
(2/556)
يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن أبي حَازِم.
قَوْله: مارت فِيهِ أَي: ذهبت وَجَاءَت. وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز:
{يَوْم تمور السَّمَاء مورا} أَي تَجِيء وَتذهب. وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَة: تكفأ وَهُوَ نَحوه. وَأنْشد للأعشى: من الْبَسِيط ... كَأَن
مشيتهَا من بَيت جارتها ... مور السحابة لَا ريث وَلَا عجل ...
وَقَوله: ثردتموه من التثريد فِي الذّبْح وَهُوَ أَن تذبح الذَّبِيحَة
بِشَيْء لَيْسَ لَهُ حد فيعذبها الذَّابِح وَلَا يسيل الدَّم الا
قَلِيلا. وَلَيْسَ هَذَا بِذبح انما هُوَ قتل.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن الْمسيب أَنه كَانَ لَا يرى بالتذنوب أَن
يفتضخ بَأْسا.
يرويهِ هِشَام عَن أبي عبد الله الدستوَائي عَن قَتَادَة عَن سعيد بن
الْمسيب وَعَن الْحسن أَيْضا.
التذنوب: الْبُسْر الَّذِي قد بَدَأَ فِيهِ الارطاب من قبل الذَّنب.
يُقَال: ذنبت البسرة فَهِيَ مذنبة. وروى عَن أنس بن مَالك أَنه كَانَ
لَا يقطع التذنوب من الْبُسْر
(2/557)
اذا أَرَادَ أَن يفتضخه. وَفِي هَذَا
الحَدِيث مَا دلّ على أَنه يُقَال أَيْضا للموضع الَّذِي بَدَأَ فِي
الارطاب من الْبُسْر: تذنوب.
وروى عَن أبي هُرَيْرَة انه كَانَ يقطع ذَلِك ويفتضخ مَا خلص من
الْبُسْر. وَلَا أرَاهُ كرهه الا لِأَنَّهُ كالخليطين.
وَقَوله: يفتضخ أَي: يشدخ ويتخذ من الفضيخ.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن الْمسيب أَن رجلا قَالَ لامْرَأَته: ان مشطتك
فُلَانَة فَأَنت طَالِق أَلْبَتَّة. فَدخل عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا تعقص
رَأسهَا وومعها امْرَأَة أُخْرَى فَقَالَت امْرَأَته: وَالله مَا
مشطتني هَذِه الْجَالِسَةُ وَلَكِن لم تحسن أَن تعقصه فعقصته هَذِه.
فَسئلَ سعيد عَن ذَلِك فَقَالَ: مَا مشطت وَلَا تركت وَلَا سيبلع
عَلَيْهِ فِي امْرَأَته.
يرويهِ عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث عَن يُونُس بن يزِيد عَن
زُرَيْق بن حَكِيم.
قَوْله: مَا مشطت وَلَا تركت. هُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك: عملت وَمَا
عملت. يُرِيد: أَنَّهَا عملت شَيْئا شَيْئا يَسِيرا من عمل كثير. وان
(2/558)
559 - الْحلف انما يَقع على مُعظم
الْعَمَل.
وَقَوله: وَلَا سَبِيل عَلَيْهِ فِي امْرَأَته يَعْنِي: أَنَّهَا لم
تطلق لِأَن الَّذِي ولي أَكثر الْعَمَل غَيرهَا وانما كَانَت هِيَ
مُعينَة فِي شَيْء يسير.
وَقَالَ فِي حَدِيث سعيد أَنه قَالَ: لَا رَبًّا الا فِي ذهب أَو فضَّة
اَوْ مَا يُكَال أَو يُوزن مِمَّا يُؤْكَل أَو يشرب.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن القعْنبِي عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن
سعيد.
أَرَادَ: ان كل شَيْء يجوز أَن يُبَاع مِنْهُ الْوَاحِد بالاثنين
وَالثَّلَاثَة وَأكْثر خلا هَذِه الْأَشْيَاء فان الرِّبَا يدخلهَا
فَلَا يجوز أَن يُبَاع الْوَاحِد مِنْهَا الا بِمثلِهِ من صنفه نَقْدا
نَحْو: دِرْهَم بدرهم وَصَاع حِنْطَة بِصَاع حِنْطَة ورطل زبيب برطل
زبيب فان يخلتف النوعان مِنْهُمَا جَازَ أَن يُبَاع الْوَاحِد
بِأَكْثَرَ مِنْهُ نَقْدا. نَحْو الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْر
بالزبيب وَالذَّهَب بِالْفِضَّةِ. هَذَا قَول سُفْيَان.
وَأما مَالك فانه قَالَ: ان كَانَ اخْتِلَافهمَا بَائِنا جَازَ أَن
يُبَاع الْوَاحِد بِأَكْثَرَ مِنْهُ مثل التَّمْر بِالْحِنْطَةِ.
وَالزَّبِيب وَالشعِير. وان كَانَ اخْتِلَافهمَا متقاربا مثل
الْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ. وَالسَّلب بِالْحِنْطَةِ لم يجز الا وَاحِد
بِوَاحِد.
وَأما غير هَذِه من سَائِر الْأَشْيَاء الَّتِي تكال أَو توزن مِمَّا
لَا يُؤْكَل
(2/559)
أَو يشرب مثل الْقطن والعصفر والقت
وَالْحَدِيد والشبه والرصاص وَجَمِيع الْعرُوض من الثِّيَاب وَغَيرهَا
فَجَائِز أَن يُبَاع الْوَاحِد بالاثنين وَالثَّلَاثَة وَأكْثر من جنسه
نَقْدا لِأَن الرِّبَا لَا يَقع فِيهَا. فان اخْتلف النوعان من هَذِه
فان مَالِكًا قَالَ: ان كَانَ اخْتِلَافهمَا متقاربا مثل: الشّبَه
والصفر والرصاص والأسرف كرهت أَن يُبَاع الْوَاحِد مِنْهَا بِأَكْثَرَ
مِنْهُ الى أجل وان كَانَ اخْتِلَافا بَائِنا كالحديد بالرصاص والقطن
بالزعفران فَلَا بَأْس أَن يُبَاع الْوَاحِد بِأَكْثَرَ مِنْهُ نَقْدا
أَو الى أجل.
(2/560)
- حَدِيث وهب بن مُنَبّه
وَقَالَ فِي حَدِيث وهب أَنه قَالَ: قَرَأت فِي الْحِكْمَة ان الله
يَقُول: أَنِّي قد أويت على نَفسِي أَن أذكر من ذَكرنِي.
يرويهِ عمر بن وهب عَن صَالح المري عَن أبان عَن وهب.
قَوْله: وأيت على نَفسِي غلط من بعض النقلَة الا أَن يكون مِمَّا قلب.
وَالصَّحِيح: وأويت من الوأي وَهُوَ الْوَعْد. يَقُول جعلته وَعدا على
نَفسِي. يُقَال: وأويت أَي وأيا اذا وعدت. وَقَالَ أَبُو الْأسود: من
الْكَامِل ... واذا وأييت الوأي كنت كضامن ... دينا أقرّ وأحضر كَاتبا
...
فاما أويت فَمَعْنَاه: رحمت. تَقول: أويت لفُلَان فَأَنا آوي لَهُ
أَيَّة أَي: رَحمته. وَمِنْه قَول الشَّاعِر: من الطَّوِيل
(2/561)
.. رَآنِي وَلَا كفران لله أَيَّة ...
لنَفْسي لقد طالبت غير منيل ...
أَي: رَحْمَة لنَفْسي.
وَقَالَ الْحسن: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذا سجد
جافى حَتَّى يؤوي لَهُ.
وَتقول: أويت الى بني فلَان بِالْقصرِ وآويت فلَانا بِالْمدِّ وتأييت:
تلبثث. يُقَال: لَيست الدُّنْيَا منزل تئية أَي: منزل تلبث. قَالَ
الشَّاعِر: من الْكَامِل ... ومناخ غير تئية عرسته ... قمن من
الْحدثَان نابي المضجع ...
وتأييت مِثَال: تعاييت أَي: تَعَمّدت.
وَقَالَ فِي حَدِيث وهب أَنه قَالَ فِي قصَّة ابراهيم انه واسماعيل
كَانَا يبنيان الْبَيْت فيرفعان كل يَوْم مد ماكا. حديثيه عبد
الرَّحْمَن عَن عبد الْمُنعم عَن أَبِيه عَن وهب.
قَالَ الْأَصْمَعِي: المدماك: الصَّفّ من اللَّبن أَو الْحِجَارَة
(2/562)
بلغَة أهل الْحجاز وَهُوَ الَّذِي
يُسَمِّيه الْعِرَاقِيُّونَ: الساف.
وَقَالَ فِي حَدِيث وهب أَنه قَالَ: كَانَ الرجل لَا يُنكر عمل السوء
على أَهله جَاءَ طَائِر يُقَال لَهُ: القرقفنة فَيَقَع على مشريق بَابه
فيمكث هُنَاكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فان أنكر طَار فَذهب وان لم يُنكر
مسح بجناحيه على عَيْنَيْهِ فَلَو رَأْي الرجل مَعَ امْرَأَته تنْكح لم
ير ذَلِك قبيحا. فَذَلِك: القنذع الديوث لَا ينظر الله اليه.
يرويهِ أَبُو النَّضر عَن قرط بن حُرَيْث عَن أبي سعيد الْمَدَائِنِي.
مشريق الْبَاب: مدْخل الشَّمْس. وَأما القنذع: فَهُوَ والديوث سَوَاء
وَهُوَ: فنعل من القذع. والقذع: الْقَبِيح.
والديوث من التدييث وَهُوَ التذليل. كَأَن الَّذِي لَا يغار قد جمع الى
الْقبْح الذل.
(2/563)
- حَدِيث أبي مجلز لَاحق بن حميد
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي مجلز أَنه قَالَ: قلت لرجل وَهُوَ على مقلتة:
أتق رعته وصرع غرمته وَلَو صرع عَلَيْك رجل وَأَنت تَقول: اليك عني
فأيكما مَاتَ غرمه الْحَيّ مِنْكُمَا.
يرويهِ عبد الملك بن الصَّباح عَن عمرَان بن حدير عَن أبي مجلز.
المقلتة: الْمهْلكَة. وَهُوَ من القلت. والقلت: الْهَلَاك. يُقَال: قلت
فلَان يقلت قلتا اذا هلك.
وَحكى الْأَصْمَعِي عَن رجل من الْأَعْرَاب أَنه قَالَ: ان الْمُسَافِر
ومتاعه على قلت الا مَا وقى الله.
وَمِنْه قيل: امْرَأَة مقلات اذا كَانَت لَا يبْقى لَهَا ولد.
بِمَعْنى:
(2/564)
مهلاك. قَالَ بشر بن أبي خازم يذكر
قَتِيلا: من الطَّوِيل ... تظل مقاليت النِّسَاء يطانه ... يقلن: أَلا
يلقى على الْمَرْء مئزر ...
وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ: ان المقلات اذا وطِئت سيدا
مقتولا أحيت. قَالَ الْكُمَيْت يذكر الْحُسَيْن بن عَليّ عَلَيْهِمَا
السَّلَام حِين قتل: من الْخَفِيف.
وتطيل المرزءآت المقاليت اليه الْقعُود بعد الْقيام.
وَقَوله: غرمته أَي: وديته. وَكَانَ يذهب فِي هَذَا الى أَنه لَا يضيع
دم رجل مُسلم.
وَكَانَ ابْن الزبير يَقُول: من قضى هَذَا الْقَضَاء فَعَلَيهِ لعنة
الله. يَعْنِي: عبد الملك بن مَرْوَان. وَلَو أَن رجلا سقط على آخر
فَمَاتَ كَانَ عَلَيْهِ دِيَته. وَكَانَ ابْن الزبير يَقُول: لَيْسَ
عَلَيْهِ ضَمَان.
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي مجلز أَنه قَالَ: اذا كَانَ الرجل مختلجا فسرك
أَلا تكذب فانسبه الى امهِ.
يرويهِ معَاذ عَن عمرَان عَن أبي مجلز.
المختلج: هُوَ الَّذِي نقل عَن قومه وَنسبه مِنْهُم إِلَى قوم
(2/565)
آخَرين ونسبهم. وَهُوَ من: الخلج والخلج:
الجذب كَأَنَّهُ جذب مِنْهُم وانتزع كالحميل وَهُوَ الَّذِي يحمل من
بِلَاده صَغِيرا فيعزى الى من صَار اليه.
وَقَوله: فانسبه الى أمه يُرِيد: الى رهطها وَلم يرد النِّسْبَة اليها
بِعَينهَا.
حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: كنت أَمْشِي مَعَ
الْمُعْتَمِر فَقَالَ لي: مَكَانك حَتَّى أشهك. ثمَّ قَالَ: قَالَ لي:
أَنِّي اذا كتبت صكا فا تكْتب: مُعْتَمر بن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ
وَلَا تكْتب المري فان أبي كَانَ مكَاتبا لبجير بن حمْرَان وان أُمِّي
كَانَت مولاة لبني سليم. فان كَانَ أدّى الْمُكَاتبَة قَالُوا: لَا
لبني مرّة وَهُوَ: مرّة ابْن عباد بن صبيعة بن قيس فَاكْتُبْ:
الْقَيْسِي. وان لم يكن أدّى الْمُكَاتبَة قَالُوا: لَا لبني سليم
وَهُوَ: من بني قيس عيلان فَاكْتُبْ: الْقَيْسِي.
(2/566)
|