غريب الحديث لابن قتيبة - حَدِيث الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن ابي بكر
وَقَالَ فِي حَدِيث الْقَاسِم بن مُحَمَّد انه قَالَ: لَو أَن رجلَيْنِ
شَهدا لرجل على حق أَحدهمَا شطير فانه يحمل شَهَادَة الآخر.
يرويهِ حَمَّاد بن سَلمَة عَن اياس بن مُعَاوِيَة عَن الْقَاسِم.
الشطير: الْغَرِيب وَجمعه: شطر. وَالْأَصْل فِي الشطير والغريب:
الْبعد. وَمِنْه قيل: شاطر وشطار لأَنهم يغيبون كثيرا ويبعدون عَن
مَنَازِلهمْ. وَأنْشد الْفراء: من الرجز ... لَا تتركني فيهم شطيرا ...
اني اذن أهلك أَو أطير ...
أَي: لَا تتركني غَرِيبا. وَأَرَادَ الْقَاسِم أَن الشَّاهِدين اذا
كَانَ أَحدهمَا قرَابَة للْمَشْهُود لَهُ حملت شَهَادَة الْغَرِيب
شَهَادَته. ويوضح هَذَا قَول قَتَادَة: شَهَادَة الابْن للْأَب
وَالْأَب للِابْن أَو الْأَخ لِأَخِيهِ أَو الزَّوْج لامْرَأَته كل مَا
كَانَ من هَذَا مَعَه شطير جَازَ
(2/567)
وَقَالَ فِي حَدِيث الْقَاسِم انه قَالَ
فِي رجل نذر أَن يمشي فأعيا بمشي مَا ركب ويركب مَا مَشى.
حَدَّثَنِيهِ أَبُو وَائِل قَالَ: حَدَّثَنِيهِ عبد الرحمن بن مهْدي
عَن سُفْيَان عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن الْقَاسِم.
يُرِيد: انه ينفذ لوجهه ثمَّ يعود فيركب الى الْموضع الَّذِي عجز فِيهِ
عَن الْمَشْي ثمَّ يمشي من ذَلِك الْموضع كلما ركب فِيهِ من طَرِيقه
ويركب كلما مَشى فِيهِ. والى هَذَا يذهب مَالك: اذا عجز ركب ثمَّ عَاد
فَمشى من حَيْثُ عجز فان كَانَ لَا يَسْتَطِيع الْمَشْي فليمش مَا قدر
عَلَيْهِ ثلم ليركب وَعَلِيهِ هدي.
(2/568)
- حَدِيث سَالم بن عبد الله بن عمر
وَقَالَ فِي حَدِيث سَالم أَنه كَانَ يَلِي صَدَقَة عمر فاذا دفت دافة
الْأَعْرَاب وَجههَا أَو عاقتها فيهم وَهِي مسبلة.
حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن نَافِع بن أبي نعيم.
دافة الْأَعْرَاب: من يرد مِنْهُم. واصله من: الدفيف وَهُوَ سير لين.
يُقَال: دف يدف دفيفا ودب يدب ويدج وَنَحْوه.
وحَدثني أَبُو حَاتِم أَيْضا عَن الْأَصْمَعِي عَن الْعَلَاء بن أسلم
قَالَ: مَاتَ فِي الجارف أَرْبَعَة أَيَّام فِي كل يَوْم سَبْعُونَ
ألفا فَالنَّاس الْيَوْم بَنو دواف الْأَعْرَاب وحوالي الْقرى وعواقب
الجيوش.
وَمعنى حَدِيث سَالم انه كَانَ يُؤثر الْأَعْرَاب هَذِه الصَّدَقَة
السبلة أَو بأكثرها اذا قدمُوا عَلَيْهِ لجذب بِلَادهمْ وضيق عيشهم
وَلَا يمضيها فِي الْوُجُوه الَّتِي جعلهَا فِيهَا الْمُتَصَدّق. وَيرى
أَن ذَلِك أفضل وَأوجب.
(2/569)
حَدِيث عَمْرو بن معد يكرب
وَقَالَ فِي حَدِيث عَمْرو بن معد يكرب أَنه قَالَ يَوْم
الْقَادِسِيَّة: يَا معشر الْمُسلمين كونُوا أسدا عناشا فانما
الْفَارِسِي تَيْس اذا القى نيزكه.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي اسحق
عَن ابْن عُيَيْنَة عَن اسماعيل بن أبي خَالِد عَن قيس. قَالَ رَأَيْت
عمرا يَوْمئِذٍ يَقُول ذَلِك.
قَوْله: عناشا هُوَ من: عانشت الرجل أَي: عانقته وعانشت وعانقت
بِمَعْنى وَاحِد. والعناش: مصدر عانشت. يُقَال: رجل عناش عَدو اذ كَانَ
يعانق قرنه فِي النزال. كَذَلِك جَاءَ هَذَا الْحَرْف على الْمصدر وَقد
يُوصف الرجل بمصدرالفعل.
(2/570)
وَفِي هَذَا الحَدِيث: ان عمرا حمل على
الاسوار فأعتنقه ثمَّ ذبحه وَأخذ سلبه.
وَمثله مِمَّا يُوصف بِالْمَصْدَرِ: رجل كرم وَقوم كرم وَنسَاء كرم.
لَا يجمع وَلَا يؤنث. قَالَ الشَّاعِر: من الوافر ... وَأَن يعرين ان
كسي الْجَوَارِي ... فتنبو الْعين عَن كرم عجاف ...
وَمِنْه قَول عبيد الله بن جَعْفَر للحسين وَرَأى نَاقَته قَائِمَة على
زمامها بالعرج وَكَانَ مَرِيضا: أَيهَا النّوم أَيهَا النّوم وَظن أَنه
نَائِم واذا الرجل مُثبت وجعا.
وَيُقَال: هَذَا رجل صَوْم وَفطر وَرِجَال صَوْم وَفطر.
(2/571)
- حَدِيث زِيَاد بن أبي سُفْيَان
وَقَالَ فِي حَدِيث زِيَاد أَنه قَالَ فِي خطْبَة لَهُ: قد طرفت
أعينكُم الدُّنْيَا وسدت مسامعكم الشَّهَوَات ألم تكن مِنْكُم نهاة
تمنع الغواة عَن دلج اللَّيْل وغارة النَّهَار. وَهَذِه البرازق فَلم
يزل بهم مَا ترَوْنَ من قيامكم بأمرهم حَتَّى انتهكوا الْحَرِيم ثمَّ
أطرقوا وراءكم فِي مكانس الريب.
بَلغنِي عَن أبي الْحسن الْمَدَائِنِي.
قَوْله: طرفت أعينكُم الدُّنْيَا أَي: طمحت بأبصاركم اليها وشغلتكم عَن
الْآخِرَة.
يُقَال: امْرَأَة مطروفة بِالرِّجَالِ اذا كَانَت تطمح اليهم. وَهَذَا
رجل مطروف اذا كَانَ لَا يرى شَيْئا الا علقه ولهي عَمَّا فِي
يَدَيْهِ. يُقَال: لَيْت شعري مَا طرفك عني اذا استبطأته. قَالَ
الشَّاعِر: من الطول ... ومطروفة الْعَينَيْنِ خفاقة الشحا ... منعمة
كالريم طابت وطلت ...
طلت أَي: مطرَت. دَعَا لَهَا بذلك. البرازق: المواكب وَالْجَمَاعَات.
وَمِنْه الحَدِيث: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يكون النَّاس
(2/572)
برازيق أَي: جماعات. يُقَال: برازق
وبرازيق. كَمَا يُقَال طواوس وطواويس.
وَيُقَال أصل الْحَرْف فَارسي: برزه قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ...
أَرضًا بهَا الثيران كالبرازق ...
وَقَوله: أطرقوا وراءكم فِي مكانس الريب. يُرِيد: استتروا بكم.
والمكانس: جمع مكنس. وَأَصله مَوضِع الظبي من أصل الشَّجَرَة الَّذِي
يقيل فِيهِ. يُقَال: كنس الظبي فَهُوَ كانس اذا دخله وَيُقَال لَهُ:
كناس أَيْضا.
وَقَالَ فِي حَدِيث زِيَاد أَنه قَالَ على الْمِنْبَر: ان الرجل
ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ لَا يقطع بهَا ذَنْب عنز مُصَور لَو بلغت
امامه لسفك دَمه.
بَلغنِي عَن أبي الْحسن الْمَدَائِنِي. قَالَ أَبُو زيد: المصور هِيَ
من الْمعز خَاصَّة وَجَمعهَا: مصائر وَهِي الَّتِي انْقَطع لَبنهَا الا
قَلِيلا. وَمثلهَا من الضان: الجدود. قَالَ الْأَصْمَعِي: انما قيل
(2/573)
لَهَا مُصَور لِأَنَّهُ يتمصر لَبنهَا
قَلِيلا قَلِيلا. والمصر وَالْفطر: الْحَلب باصبعين أَو بِثَلَاث. فان
حلبتها الْكَفّ فقد صفقتها وَهُوَ الصَّفّ. وَأما الضَّب فَهُوَ
الْحَلب بأطراف الْأَصَابِع. وَأَرَادَ زِيَاد أَن الرجل يتَكَلَّم
بِالْكَلِمَةِ لَا تَنْفَعهُ وَلَا تجدي عَلَيْهِ وفيهَا ضرب عُنُقه
لَو بلغت سُلْطَانه. ولمثل هَذَا قيل: مقتل الرجل بَين فَكَّيْهِ.
(2/574)
- حَدِيث أبي الْأسود الدؤَلِي
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي الْأسود أَنه قَالَ: عَلَيْكُم فلَانا فانه
اهيس أَلَيْسَ الد ملحس ان سُئِلَ أرز وان دعِي انتهز.
قَالَ الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي عَن عِيسَى بن عمر. قَالَ
الْأَصْمَعِي: الأهيس الَّذِي يَدُور ويهوس. والأليس: الَّذِي لَا
يبرح. يُقَال: ابل لَيْسَ على الْحَوْض. وَأَرَادَ أَنه يَدُور فِي
مَكَان وَاحِد ويدور فِي طلب شَيْء يَأْكُلهُ وَيقْعد عَمَّا سوى
ذَلِك. وأصل اهيس الْوَاو الا أَنه وازى بِهِ أَلَيْسَ.
والملس: الَّذِي لَا يظْهر لَهُ شَيْء الا أَخذه وَهُوَ من لحست
الشَّيْء.
وَقَوله: ان سُئِلَ أرز اي: انقبض. يُقَال: فلَان يأرز أروزا وَمِنْه
قَول النبى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: ان الاسلام ليأرز الى
الْمَدِينَة كَمَا تأرز الْحَيَّة الى جحرها أَي: يَنْضَم وتنقبض.
وَقَوله: ان دعِي انتهز اي افْترض ذَلِك. وَهِي الفرصة والنهزة.
(2/575)
وروى من وَجه آخر: ان سُئِلَ آرتز وان دعِي
آهتز. ارتز: أَي: ثَبت مَكَانَهُ وَلم يهش وَلم ينبسط.
حَدثنَا الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن شيخ من قُرَيْش انه قَالَ: قَامَ
رجل الى الْمُخْتَار فَقَالَ: تهزني فأهتز أم ترزني فأرتز فَقَالَ
أهزك. فَقَالَ: اني قَرَأت عِنْد بِلعان فَوجدت رجلا من القصران يخرج
فِي العبدان يغلب على الكوفان.
أَرَادَ: تقبضني فأنقبض وَأثبت مَكَاني أَو تبسطني فأنبسط.
وَمِنْه يُقَال: ارتز السهْم اذا ثَبت السهْم اذا ثَبت فِي الأَرْض.
حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: كَانَ السليك يحضر
فَتَقَع السِّهَام من كِنَانَته فترتز.
والهزة: حَرَكَة وَمِنْه يُقَال: فلَان تَأْخُذهُ للمعروف هزة.
وَمِنْه: اهتزاز الموكب.
والقصران: جمع قصير نَحْو قضيب وقضبان وكثيب
(2/576)
وكثبان. وَمثله فِي الصّفة: صَغِير وصغران.
قَالَ بعض الرجاز: من الرجز ... الرَّحِم بلها بِخَير البلان ... فان
فِيهَا للديار الْعمرَان
وَأمر المَال وَنبت الصغران ... فانما اشْتقت من اسْم الرَّحْمَن ...
وَيكون القصران جمع قصر والعبدان جمعا لعبد. مثل: بطن وبطنان وَسمن
وسمنان.
(2/577)
حَدِيث ابي رَجَاء العطاردي
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي رَجَاء أَنه قَالَ: ياتونني فيحملونني كأنني
قفة حَتَّى يضعوني فِي مقَام الإِمَام فأقرأ بهم الثَّلَاثِينَ
وَالْأَرْبَعِينَ فِي رَكْعَة.
يرويهِ سعيد بن عَامر عَن أَسمَاء بن عبيد.
قَوْله: كَأَنِّي قفة. ذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَن القفة من
الرِّجَال الْقصير الجرم. يَقُول: قد انْضَمَّ بَعْضِي الى بعض من
الْهَرم فَكَأَنِّي صَغِير الجرم وَلست كَذَلِك.
وَقَالَ يَعْقُوب فِي قَول النَّاس: كبر فلَان حَتَّى صَار كَأَنَّهُ
قفة والقفة: الشَّجَرَة الْيَابِسَة البالية وَكَأَنَّهُ من قفت
الأَرْض اذا يبس بقلها وقفت الشَّجَرَة اذا يَبِسَتْ.
وَقَالَ فِي حَدِيث أبي رَجَاء أَنه قَالَ: لما بلغنَا أَن النبى
عَلَيْهِ
(2/578)
الصَّلَاة وَالسَّلَام قد أَخذ فِي
الْقَتْل هربنا فاستثر ناشلوا أرنب دَفِينا وألقينا عَلَيْهَا من بقول
الأَرْض وفصدنا عَلَيْهَا فَلَا أنس تِلْكَ الْأكلَة.
يرْوى عَن عُثْمَان الشحام عَن أبي رَجَاء.
قَوْله: فصدنا عَلَيْهَا يَعْنِي الْإِبِل وَكَانُوا يفصدونها ويعالجون
ذَلِك الدَّم ويأكلونه ويشربونه عِنْد الضَّرُورَة. وَيُقَال فِي مثل:
لم يحرم من فصد لَهُ: وَبَعْضهمْ يَقُول: فزدله أَي: لم يحرم من نَالَ
بعض حَاجته. ان لم ينلها كلهَا كَمَا لم يحرم من فصد لَهُ عِنْد
الضَّرُورَة.
والشعوبية تعيب الْعَرَب بالفصد. والمجدوح وَالْعِلْهِز والفظ وَالْقد
والحيات. فَأَما الفصد فَهُوَ مَا ذكرته والمجدوح من الدَّم. وَكَانُوا
اذا جهدهمْ الْعَطش فِي مَسِيرهمْ نحرُوا بَعِيرًا وتلقوا لبته بانآء
حتي يسيل الدَّم ثمَّ تَرَكُوهُ حَتَّى يبرد فاذا برد ضربوه
بِالْأَيْدِي وجدحوه من المفازه.
وَالْعِلْهِز: قد تقدم تَفْسِيره فِي حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. والفظ: أَن ينحروا بَعِيرًا فيعتصروا فرثه ويتصافنوا مَاء.
وَهَذِه أَشْيَاء كَانُوا يفعلونها عِنْد الضرورات وَفِي الْأَسْفَار
والمجاعات وَكَذَلِكَ الْحَيَّات انما كَانَ يأكلها نازلة القفار
والفلوات من الْفقر أَو من لَا يجد حِيلَة. وانما كَانَ يكون هَذَا
عَيْبا لَو كَانَت الْعَرَب مختارة لَهُ فِي حَال الْغنى واليسر.
وَكَانَت تمدحه وتحمد آكليه. وَقد ذكرت هَذَا
(2/579)
وأشباهه فِي كتاب فضل الْعَرَب والتنيبه
على علومها واحتججت عَنْهَا فِيهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَة ان شَاءَ الله.
وَكَانَ أَبُو رَجَاء مِمَّن أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالنَّبِيّ وَلكنه
أسلم بعده.
حَدثنَا الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ:
قلت لأبي رَجَاء مَا تذكر قَالَ: أذكر قتل بسطَام بن قيس على الْحسن
قَالَ الْأَصْمَعِي: وَالْحسن حَبل رمل. قَالَ ثمَّ أنْشد أَبُو
حَاتِم: من الوافر ... وخر على الألاءة لم يوسد ... كَأَن حبينه سيف
صقيل ...
(2/580)
- حَدِيث يحيى بن يعمر العدواني
وَقَالَ فِي حَدِيث يحيى بن يعمر أَن امراة خَاصَمت زَوجهَا اليه
فَقَالَ ابْن يعمر ألأن سَأَلتك ثمن شكرها وشبرك أنشأت تطلها وتضهلها.
حَدَّثَنِيهِ السجسْتانِي عَن الْأَصْمَعِي عَن عِيسَى بن عمر.
الشبر: النِّكَاح وَمِنْه قَول النبى فِي دُعَائِهِ لعَلي وَفَاطِمَة:
جمع الله شملكما وَبَارك فِي شبركما.
وَمِنْه حَدِيثه: أَنه نهى عَن شبر الْجمل يُرِيد أَخذ الْكِرَاء على
ضرابه فَسمى الْكِرَاء شبْرًا باسم الضراب. وَمثله: نَهْيه عَن عسب
الْفَحْل وأنشدني عبد الرحمن عَن عَمه لأم الْخِيَار صَاحِبَة أبي
النَّجْم تَقوله لأبي النَّجْم: من الرجز ... لقد فخرت بقصير شبره ...
يَجِيء بعد فعلتين قطره ...
(2/581)
يُرِيد: أَنه لَا يطاول فِي النِّكَاح
والشبر بِفَتْح الْبَاء: الْعَطاء قَالَ العجاج: من الرجز ... الْحَمد
لله الَّذِي أعْطى الشبر ...
ويروي: الحبر أَيْضا وَهُوَ السرُور.
وَمِنْه قَول عبد الله: آل عمرَان غنى النِّسَاء محبرة. أَي: سرُور.
وَقَالَ الله جلّ وَعز: {فهم فِي رَوْضَة يحبرون} . فاذا أردْت الْمصدر
فَهُوَ الحبر بِسُكُون الْبَاء قَالَ الْأَصْمَعِي: وَقَالَ فِي مثل:
شبر فتشبر أَي: كرم فتفتح. قَالَ: وَلَا أعرف أصل الْمثل.
وَالشُّكْر: الْبضْع. وَيُقَال الْفرج. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب
(2/582)
أَو ابْنه أَبُو شهَاب فِي امْرَأَة: من
الطَّوِيل ... صناع باشفاها حصان بشكرها ... جواد بقوت الْبَطن والعرق
زاخر ...
أَي: عرقها يسمو بهَا.
وَقَوله: تطلها هُوَ من قَوْلك: طل دَمه اذا بَطل وهدر. يُقَال: طل
الدَّم وأطله الله وطله. اذا هدر.
وَرَوَاهُ غير أبي حَاتِم: تلطها فان كَانَ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ
فَهُوَ من: لططت فِي الْخُصُومَة. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: ألططت.
وَمِنْه يُقَال: فلَان ملط اذا دفع عَن الْحق وَلزِمَ الْبَاطِل.
واللغة الأولي هِيَ الْمَعْرُوفَة الجيدة.
قَالَ الْأَصْمَعِي: وكل شَيْء سترته فقد لططته. وَمِنْه قَول
الشَّاعِر: من السَّرِيع ... نلط دون الْحق بِالْبَاطِلِ ...
وَقَوله: وتضهلها أَي: تردها الى أَهلهَا وتخرجها. من قَوْلك: ضهلت الى
فلَان اذا رجعت اليه. وَمن قَوْلك: هَل ضهل
(2/583)
اليك من مَالِي شَيْء أَي: هَل عَاد اليك.
وَقَالَ ذُو الرمة: من الطَّوِيل ... أفياء بطيئا ضهولها ...
والضهل أَيْضا: الْقَلِيل. وَيجوز أَن تَجْعَلهُ مِنْهُ. فَأَرَادَ
ابْن يعمر: لما سَأَلتك الْمهْر تبطل حَقّهَا وترجعها.
(2/584)
- حَدِيث عمر بن عبد العزيز
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر بن عبد العزيز أَن عدي بن أَرْطَأَة كتب اليه
أَن عندنَا قوما أكلُوا من مَال الله وانا لَا نقدر أَن نستخرج مَا
عِنْدهم حَتَّى يمسهم شَيْء من الْعَذَاب. فَكتب اليه عمر: انما أَنْت
ربذة. من الربذ فوَاللَّه لِأَن يلْقوا الله بخيانتهم أحب الي من أَن
ألْقى الله بدمائهم فافعل بهم مَا يفعل بغريم السوء.
حَدَّثَنِيهِ القومسي عَن أبي سَلمَة الْمقري عَن أبي هِلَال
الرَّاسِبِي عَن قَتَادَة. انه سَأَلَ ابْن الْأَعرَابِي عَن الربذَة
فَقَالَ: هِيَ خرقَة أَو وصوفة يهنأ بهَا الْبَعِير.
وَذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: الربذَة أَيْضا صوفة تعلق
على الهودج. وَقَالَ: وَهِي أَيْضا خرقَة الْحيض. وفيهَا لُغَة
أُخْرَى: ربذة.
وخبرني أَبُو حَاتِم قَالَ: أخبرنَا أَبُو زيد: ان الربذَة الصوفة أَو
الْخِرْقَة الَّتِي يهنأ بهَا الْبَعِير ويدهن بهَا السقاء. وَيُقَال
لَهَا: ثملة وثملة.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي مثل ذَلِك أَو نَحوه. وَأنْشد: من الرجز.
(2/585)
.. ممغوثة أعراضهم ممرطله ... كَمَا يلاث
فِي الهناء الثملة ...
يُقَال: مرطل الرجل ثَوْبه بالطين اذا لطخه. وَأَرَادَ: أَنهم مدنسوا
الأعراق.
وَالَّذِي أَرَادَ عمر ان كَانَ يذهب مَذْهَب الذَّم لعدي انك انما
نصبت لتداوي وتشفي كَمَا تشفى الربذَة النَّاقة الدبرة أَو لِأَن يصلح
بك كَمَا يصلح بالربذة السقاء المدهون بهَا وان كَانَ أَرَادَ الذَّم
فَذَلِك مَا لَا نحتاج لَهُ الى تَفْسِير لوضوح مَعْنَاهُ.
وَقد كتب اليه أَيْضا: غرتني مِنْك صَلَاتك ومجالستك الْقُرَّاء
وعمامتك السَّوْدَاء ثمَّ وجدناك على خلاف مَا أملناك قاتلكم الله أما
تمشون بَين الْقُبُور.
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر بن عبد العزيز أَنه قَالَ لهِلَال بن سراج بن
مجاعَة يَا هِلَال: هَل بَقِي من كهول بني مجاعَة أحد قَالَ: نعم وشكير
كثير فَضَحِك عمر وَقَالَ: كلمة عَرَبِيَّة.
حَدَّثَنِيهِ القومسي باسناد لَا أحفظه فِيهِ طول.
قَوْله: وشكير كثير يُرِيد: ان فيهمَا أحداثا وأصل الشكير الْوَرق
الصغار ينْبت فِي أصُول الْكِبَار. وَهُوَ أَيْضا النبت أول مَا يطلع.
يُقَال: قد بدا شكير النبت. أَي: شَيْء قَلِيل رَقِيق وَكَذَلِكَ هُوَ
من
(2/586)
الشّعْر والوبر وَالصُّوف. قَالَ حميد
الأرقط: من الرجز ... وَالرَّأْس قد صَار لَهُ شكيير ...
واذا شاخ الرجل دق شعره ولان ورق وَصَارَ كالزغب. وَلذَلِك قَالَ أَبُو
النَّجْم: من الرجز ... وأنبتت هامته المرعزي ...
والشكير فِي الشّجر ورق يخرج فِي أصل الشَّجَرَة تَقول الْعَرَب: وَمن
عضة مَا ينبتن شكيرها. وَقد يستعار الشكير فيسمى بِهِ صغَار
الْأَشْيَاء. قَالَ الرَّاعِي وَذكر ابلا: من الْكَامِل ... حَتَّى اذا
احتسبت تبقى طرقها ... وثنى الرُّعَاة شكيرها المجولا ...
يَقُول: أَخذ الْعمَّال السمان ورد الرعاء الصغار الَّتِي قد تنجل مَا
فِيهَا.
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ: لَا يَنْبَغِي
أَن يكون الرجل قَاضِيا حَتَّى تكون فِيهِ خمس خِصَال: يكون عَالما قبل
أَن
(2/587)
يسْتَعْمل مستشيرا لأهل الْعلم ملقيا للرثع
منصفا للخصم مُحْتملا للأئمة.
حدّثنَاهُ اسحق بن رَاهَوَيْه قَالَ: أخبرنَا بشر بن الْمفضل بن لَاحق
قَالَ: حدّثنَاهُ الْمُغيرَة بن مُحَمَّد عَن عمر بن عبد العزيز.
الرثع الدناءة والتطفف من الدون من الْعَطِيَّة. قَالَ الْكسَائي:
الرجل الرائع الَّذِي يرضى بِالْقَلِيلِ من الْعَطاء ويخاذن أخدان
السوء. يُقَال: قد رثع فلَان رثعا.
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ ان رجلا سَأَلَ
ربه سنة أَن يرِيه موقع الشَّيْطَان من قلب ابْن آدم فَرَأى فِيمَا يرى
النَّائِم جَسَد رجل ممهى يرى دَاخله من خَارجه وَرَأى الشَّيْطَان فِي
صُورَة ضفدع لَهُ خرطوم كخرطوم الْبَعُوضَة قد أدخلهُ من مَنْكِبه
الْأَيْسَر الى قلبه يوسوس اليه فاذا ذكر الله خنسه.
حَدَّثَنِيهِ عبد الرحمن عَن الْأَزْدِيّ عَن حَفْص بن عمر عَن
الْفُرَات بن السَّائِب عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن عمر.
قَوْله: جَسَد ممهى اي مَصْنُوع من المها أَو ملبس
(2/588)
المها. والمها: البلور. يُقَال للْمَرْأَة
اذا كَانَت بَيْضَاء ناصعة الْبيَاض كَأَنَّهَا المها. وَكَذَلِكَ
الشّعْر اذا ابيض وَكثر مَاؤُهُ يُقَال: كَأَنَّهُ المها. وَكَذَلِكَ
سمي أُميَّة بن أبي الصَّلْت الْكَوَاكِب: المها تَشْبِيها لَهَا
بالبلور. قَالَ وَذكر السَّمَاء: من الْكَامِل ... رسخ المها فِيهَا
فَأصْبح لَوْنهَا ... فِي الوارسات كأنهن الاثمد ...
والمها فِي غير هَذَا: بقر الْوَحْش الْوَاحِدَة: مهاة.
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ ليزِيد بن
الْمُهلب حِين ولاه سُلَيْمَان الْعرَاق: اتَّقِ الله يَا يزِيد فانا
لما دفنا الْوَلِيد ركض فِي لحده.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن خَالِد بن خِدَاش عَن أَبِيه عَن حَمَّاد بن
زيد عَن خَالِد بن نَافِع عَن أبي عُيَيْنَة بن الْمُهلب عَن يزِيد بن
الْمُهلب عَن عمر.
(2/589)
قَوْله: ركض فِي لحده أَي ضرب بِرجلِهِ
الأَرْض. قَالَ الله جلّ وَعز: {اركض برجلك} وَمِنْه يُقَال: ركضت
الدَّابَّة. انما هوتحريكك اياها برجلك.
وَقَول الْعَامَّة: ركضت الدَّابَّة خطا. انما يُقَال: ركضتها فعدت.
وَيُقَال: الدَّابَّة تركض. وَلَا يُقَال: تركض.
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه كتب فِي صَدَقَة
التَّمْر أَن يُؤْخَذ فِي البرني من البرني وَفِي اللَّوْن من
اللَّوْن.
رَوَاهُ عبد الرزاق وَقَالَ: قَالَ ابْن جريج ذَلِك.
اللَّوْن: الدقل. وَيُقَال لَهُ: الألوان. وَأَرَادَ أَن يُؤْخَذ
صَدَقَة كل صنف مِنْهُ وَلَا يُؤْخَذ من غَيره. وكل لون لَا يعرف اسْمه
من النّخل فَهُوَ جمع. يقا لقد كبر الْجمع فِي أَرض فلَان. فاذا قلت:
الألوان فانما تُرِيدُ الدقل خَاصَّة.
(2/590)
وَقَالَ فِي حَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز
أَنه دخل على سُلَيْمَان ابْن عبد الْملك فمازحه بِكَلِمَة فَقَالَ:
اياي وَكَلَام المجعة.
المجعة واحدهم: مجع وَهُوَ الرجل الْجَاهِل. وَيُقَال: الماجن والمجون
بعد يرجع الى الْجَهْل. يُقَال: رجل مجع وَامْرَأَة مجعة وَيجمع المجع:
مجعة. كَمَا يُقَال: قرد وقردة وفيل وفيلة.
(2/591)
حَدِيث مُجَاهِد بن جُبَير
وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز:
{فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم الطوفان وَالْجَرَاد} قَالَ الطوفان:
الْمَوْت. الْجَرَاد: يَأْكُل مسامير رتجهم. يرويهِ وَرْقَاء عَن ابْن
ابي نجيح عَن مُجَاهِد الرتج: الْأَبْوَاب. وَاحِدهَا ر تَاج وتقديرها:
كتاب وَكتب. وَمِنْه يُقَال: ارتجت الْبَاب أَي: أغلقته وأرتج على
فلَان اذا حصر فَلم يقدر على أَن يتَكَلَّم. كَأَنَّهُ أغلق عَلَيْهِ.
ورتاج الْكَعْبَة: بَابهَا. والطوفان: السَّيْل وَهُوَ الْمَوْت وَهُوَ
اللَّيْل أَيْضا. قَالَ أَبُو النَّجْم:
(2/592)
من الرجز ... وغم طوفان الظلام الأثأبا ...
والأثأب: شجر وغمه غطاه.
وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد أَنه كره أَن تصور شَجَرَة مثمرة. يرويهِ
يحيى بن آدم عَن عبد السلام بن حَرْب عَن لَيْث عَن مُجَاهِد.
قَوْله: تصور شَجَرَة. فِيهِ قَولَانِ: احدهما: تميل. يُقَال: صرت عنق
أصورها صورا. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: صرتها أصيرها صيرا. مِنْهُ قَول
عمر بن الْخطاب. وَذكر الْعلمَاء فَقَالَ: تنعطف عَلَيْهِم بِالْعلمِ
قُلُوب لَا تصورها الْأَرْحَام. وقرئت: {فصرهن إِلَيْك} بِضَم الصَّاد
وَكسرهَا. أَي: ضمهن اليك ثمَّ اقطعهن وَاجعَل على كل جبل مِنْهُنَّ
جُزْءا وَقَالَ العجاج وَذكر الْمَرْأَة: من الرجز ... وكفل ينصار
لانصيارها ... على الْيَمين وعَلى يسارها ...
أَي: يمِيل كفلها كَيفَ مَالَتْ لعظمه. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي
قَول
(2/593)
الله جلّ وَعز: / فصبرهن اليك / يجوز أَن
يكون: قطعهن وَاحْتج بقول خنساء: من الْبَسِيط ... لظت الشم مِنْهَا
وَهِي تنصار ...
قَالَ: تصدع وتفلق وَيَقُول رؤبة: من الرجز ... صرنا بِهِ الحكم وأعيا
الحكما ...
قَالَ: يُرِيد فصلنا بِهِ الحكم. وعَلى هَذَا التَّأْوِيل يجوز أَن
يكون مُجَاهِد نهى أَن تقطع شَجَرَة مثمرة. وَالْمذهب الأول اشهر فِي
اللُّغَة واعلا.
وانما كره أَن تميل الشَّجَرَة المثمرة لِأَنَّهَا تصفر وتضعف ويقل
ثَمَرهَا. وَرُبمَا جَفتْ.
وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز:
{وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده} ذكر الْبر ثمَّ ذكر التَّمْر فَقَالَ: اذا
حَضَرُوهُ عِنْد جداده ألقِي لَهُم من التفاريق وَالتَّمْر.
التفاريق: جمع تفروق وَسمعت فَقِيها بِالْمَدِينَةِ كنت أجالسه يَقُول:
كَانَ أَبُو عبيد يُفَسر من غَرِيب الحَدِيث مَا تعرفه اماؤنا
(2/594)
فَقلت لَهُ: تذكر لي من ذَلِك شَيْئا
فَقَالَ: التفروق قلت: وَمَا هُوَ عدكم قَالَ: القمع الَّذِي يلزق
بالبسرة. قلت هَكَذَا يزْعم بعض غلماننا.
وَالْأَحَادِيث تدل على أَن التفروق غير القمع. وَذكرت لَهُ حَدِيث
مُجَاهِد هَذَا: يلقى للْمَسَاكِين من التفاريق وَلَا يجوز أَن يكون
أَرَادَ الأقماع. وَكَأن التفروق على معنى هَذَا الحَدِيث شُعْبَة من
الشمراخ والشمراخ: هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْبُسْر. واصله فِي العذق
فاذا ألقِي للْمَسَاكِين شُعْبَة من الشمراخ كَانَ فِيهَا تمرات أَو
بسرات.
وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد انه قَالَ فِي قَول الله تبَارك
وَتَعَالَى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود} لَيْسَ بالندب
وَلكنه صفرَة الْوَجْه والخشوع.
يرويهِ سُفْيَان عَن ابْن جريج عَن مُجَاهِد.
النّدب: أثر الْجراح اذا لم يرْتَفع عَن الْجلد والجميع: أنداب وندوب.
قَالَ ذُو الرمة وَذكر الْمَرْأَة: من الْبَسِيط ... تريك سنة وَجه غير
مقرفة ... ملساء لَيْسَ بهَا خَال وَلَا ندب ...
وَالنَّدْب فِي غير هَذَا: الْخطر. وَيُقَال: رجل ندب فِي الْأَمر
(2/595)
اذاكان شهما خَفِيفا فِيهِ.
وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد أَنه قَالَ: وجدت النَّاس أخبر تقله.
يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن سعيد بن حسان.
قَوْله: أخبر تقله يُرِيد: انك اذا أَخْبَرتهم وتعرفت أَمرهم قليتهم
أَي: أبغضتهم. يُقَال: يُقَال: قليت الرجل فَأَنا أقليه قلى وقلاء ان
كسرت أَوله قصرته وان فَتحته مددته.
وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد أَنه قَالَ: فِي الْوَبر شَاة وَفِي كل
ذِي كرش شَاة.
يرويهِ ابْن الْمُبَارك عَن معمر عَن ابْن ابي نجيح عَن مُجَاهِد.
يُرِيد فِي الْوَبر يُصِيبهُ الْمحرم شَاة وَلَا أرَاهُ جعل فديته شَاة
وَلَيْسَ هُوَ لَهَا بند الا لِأَنَّهُ ذُو كرش.
وَبَلغنِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه قَالَ: الْوَبر تجتر
واليربوع تجتر وَحكم عبد الله بن مَسْعُود فِي اليربوع بِشَاة.
وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد أَنه ذكر مَدَائِن قوم لوط فَقَالَ:
حملهَا جِبْرِيل على خوافي جنَاحه. يُقَال: الْجنَاح عشرُون ريشة أَربع
قوادم وَهِي مقدم الْجنَاح وَأَرْبع مناكب وَأَرْبع
(2/596)
أباهر وَأَرْبع خوافي وَأَرْبع كلى.
وَالْعرب تَقول: لَيْسَ عقر اللَّيْل كالدادي وَلَا توالي الْخَيل
كالهوادي وَلَا قدامى النسْر كالخوافي.
وعقر اللَّيَالِي هِيَ بيض الشَّهْر والأعقر: الْأَبْيَض. والدادي: ثلث
من آخر الشَّهْر قبل ثلث المحاق. وتوالي الْخَيل أواخرها وهواديها:
أوائلها.
وَقَالَ فِي حَدِيث مُجَاهِد أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز:
{وَأَنْتُم سامدون} قَالَ: البرطمة.
يرويهِ وَكِيع عَن سُفْيَان عَن ابْن ابي نجيح عَن مُجَاهِد.
البرطمة: الانتفاخ من الْغَضَب. يُقَال رجل مبرطم. وَقد اخْتلف فِي
السمود فَقَالَ بَعضهم السمود: اللَّهْو والغناء. يُقَال
لِلْجَارِيَةِ: اسمدي لنا اي: غَنِي لنا.
وَيُقَال: السمود أَن يبهت الرجل وَيَنْقَطِع. وَمن الدَّلِيل.
(2/597)
على ذَلِك قَول الشَّاعِر: من الوافر ...
رمى الْحدثَان نسْوَة آل حَرْب ... بِمِقْدَار سمدن لَهُ سمودا
فَرد شعورهن السود بيضًا ... ورد وجوههن الْبيض سُودًا ...
يُرِيد: أَنَّهُنَّ لعظم مصيبتهن بهتن وانقطعن.
(2/598)
- حَدِيث عِكْرِمَة مولي ابْن عَبَّاس
وَقَالَ فِي حَدِيث عِكْرِمَة أَنه فِي شَرِيكَيْنِ أَرَادَ أَن
يفترقا: يقتسمان مَا نض بَينهمَا من الْعين وَلَا يقتسمان الدّين فان
أَخذ أَحدهمَا وَلم يَأْخُذ الآخر فَهُوَ رَبًّا.
يرويهِ ابْن الْمُبَارك عَن ابْن أبي لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب
عَن عِكْرِمَة قَوْله: مَا نض أَي مَا صَار وَرقا اَوْ عينا بعد أَن
كَانَ مَتَاعا. وَيُقَال لِلْمَالِ من الْعين وَالْوَرق اذا كَانَ
كَذَلِك نآض. وَمِنْه حَدِيث عمر: انه كَانَ يَأْخُذ الزَّكَاة من ناض
المَال عَن المَال كُله غائبه وَشَاهده. والنضيضة: الْمَطَر الْقَلِيل.
والجميع: نضائض. قَالَ الشَّاعِر: من الرجز ... فِي كل عَام قطره نضائض
...
وَيُقَال: فلَان نضاضة ولد أَبِيه اي: آخِرهم. ونضاضة المَال أَو غَيره
آخِره وبقيته.
(2/599)
وَكره عِكْرِمَة أَن يقتسما الدّين على
النَّاس فَيَقُول أَحدهمَا: مَا على فلَان فلي وَمَا على فلَان فلك
لِأَن غر وَلَا يدرى مَا يَصح مِنْهُ فاذا قبض اقْتَسمَا مَا قبضا.
وَقَالَ فِي حَدِيث عِكْرِمَة أَنه قَالَ: حَملَة الْعَرْش كلهم صور.
يرويهِ ابراهيم بن الحكم عَن أَبِيه عَن عِكْرِمَة.
قَوْله: صور يُرِيد: جمع أصور وَهُوَ المائل الْعُنُق. من قَوْلك: صرت
الشَّيْء فانصار اذا أملته فَمَال. قَالَ ذُو الرمة: من الطَّوِيل ...
على أنني فِي كل سير أسيره ... وَفِي نَظَرِي من نَحْو دَارك أصور ...
أَي: مائل الْعُنُق نحوي. وَقَالَ فِي مثل قَول عِكْرِمَة أُميَّة بن
أبي الصَّلْت يذكر الْعَرْش: من الْخَفِيف ... شرجعا مَا يَنَالهُ بصر
الْعين ترى دونه الملائك صورا ...
(2/600)
- حَدِيث قَتَادَة بن دعامة السدُوسِي.
وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه قَالَ: أَن تسْجد بِالآخِرَة
مِنْهُمَا أَحْرَى أَلا يكون فِي نَفسك حوجاء.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الوهاب الحَجبي عَن أبي
عوَانَة عَن قَتَادَة.
الحوجاء: الْحَاجة. يُرِيد: أَحْرَى أَلا يكون فِي نَفسك شكّ اَوْ
رِيبَة. يُقَال: فِي نَفسِي من كَذَا حَاجَة وحوجاء اذا كَانَ فِي
نَفسك مِنْهُ شىء. وَأَرَادَ قَتَادَة: أَن مَوضِع السُّجُود مُخْتَلف
فِيهِ من سروة {حم} السَّجْدَة فبعضهم يرَاهُ فِي الْآيَة الأولى عِنْد
قَوْله: {واسجدوا لله الَّذِي خَلقهنَّ إِن كُنْتُم إِيَّاه
تَعْبدُونَ} مِنْهُم: الْحسن. وَكَانَ بَعضهم يرَاهُ فِي الْآيَة
الْأُخْرَى عِنْد قَوْله: {وهم لَا يسأمون} .
فَاخْتَارَ قَتَادَة أَن يكون السُّجُود عِنْد انْقِضَاء الْآيَة
الْأُخْرَى لانه ان كَانَ السُّجُود عِنْد الأولى لم يضررك أَن تسْجد
عِنْد الْأُخْرَى وان كَانَ السُّجُود عِنْد الْأُخْرَى فسجدت فِي
الأولى كنت قد قدمت السُّجُود قبل الْآيَة وَلَا يجزىء ذَلِك.
(2/601)
وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه قَالَ:
يتَوَضَّأ الرجل بِالْمَاءِ الرمد وَالْمَاء الطَّرْد.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عل بن عبد الله عَن مُعْتَمر عَن يزِيد بن
ابراهيم التسترِي عَن قَتَادَة.
الرمد من الْمِيَاه الْمُتَغَيّر اللَّوْن الآجن. وأصل الْحَرْف من
الرماد وَلذَلِك قيل للثوب الْوَسخ بالرمد والأرمد. وَالْمَاء الطَّرْد
الَّذِي تخوضه الدَّوَابّ سمي بذلك لِأَنَّهَا تطرد فِيهِ أَي: تتَابع
أَو تطرده أَي: تَدْفَعهُ اذا خاضته. وَأَرَادَ أَن التَّوَضُّؤ
بِهَذَا جَائِز. وَمن وجده لم يتَيَمَّم فان كَانَ تغير رِيحه ولونه
بِنَجَاسَة وَقعت فِيهِ لم يجز الْوضُوء بِهِ.
وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه قَالَ: النَّضْح من النَّضْح.
حَدَّثَنِيهِ خَالِد بن مُحَمَّد عَن عبد الوهاب عَن سعيد عَن
قَتَادَة.
قَوْله: النَّضْح من النَّضْح يُرِيد: من أَصَابَهُ نضح من الْبَوْل
فَعَلَيهِ أَن ينضحه بِالْمَاءِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يغسلهُ. وَمثله
حَدِيث الْحسن انه مر فِي ثَقِيف وأصابه نضح من كنيف فرش عَلَيْهِ
المَاء. والنضح دون النَّضْح. فان أَصَابَهُ نضح وَجب عَلَيْهِ غسله.
(2/602)
وَكَانَ أَبُو حنيفَة لَا يرى فِي الْبَوْل
ينتضح على الثَّوْب مِنْهُ مثل رُؤُوس الابر نضحا بِالْمَاءِ وَلَا
غسلا.
وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَن قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز:
{الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} قَالَ: الْخُشُوع فِي الْقلب والباد
الْبَصَر فِي الصلوة.
يرويهِ عبد الْوَهَّاب عَن سعيد عَن قَتَادَة.
قَوْله: الباد الْبَصَر يَعْنِي: الزامه الأَرْض وَمَوْضِع السُّجُود.
قَالَ: ألبد فلَان بِالْمَكَانِ اذا أَقَامَ بِهِ. وَهُوَ من لبد
الشَّيْء يلبد وَتَلَبَّدَ اذا انْضَمَّ بعضه الى بعض.
وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه قَالَ: الدَّجَّال قصد من الرِّجَال
اجلى الجبين براق الثنايا محبل الشّعْر.
حَدَّثَنِيهِ سهل قَالَ: حدّثنَاهُ الْأَصْمَعِي عَن أبي هِلَال عَن
قَتَادَة.
محبل الشّعْر: جعده. وَأَصله من الحبال كَأَن كل قرن من قُرُون شعره
حَبل لالتفافه.
وَفِي حَدِيث آخر: رَأسه حبك. والحبك: المتكسر من الجعودة مثل المَاء
الْقَائِم تضربه الرّيح فَيكون لَهُ حبك. والرملة
(2/603)
تصيبها الرّيح وعَلى هَذِه الرِّوَايَة
يجوز أَن يكون محبك الشّعْر.
وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه قَالَ: تخرج نَار من مَشَارِق الارض
تَسوق النَّاس الى مغاربها سوق الْبَرْق الْكسر. يرويهِ عبد الرَّزَّاق
عَن معمر عَن قَتَادَة.
والبرق: الْحمل وَهُوَ مُعرب. وَأَصله بِالْفَارِسِيَّةِ: بره وَفِي
بعض الحَدِيث: صَاحب راية الدَّجَّال رجل يُقَال لَهُ: فلَان بن الريب
فِي عجب ذَنبه مثل ألية الْبَرْق وَفِيه هلبات كهلبات الْفرس وَعجب
الذَّنب هُوَ العصعص وَهُوَ أول مَا يخلق وَآخر مَا يبْلى فِيمَا
يُقَال. وَهُوَ من كل ذِي ذَنْب أصل الْعظم مِنْهُ.
والهلبات: شَعرَات فِيهِ أَو خصلات من شعره. والهلب: الشّعْر يُقَال
هلبت الْفرس اذا أَنْت أخذت شعر ذَنبه. وَيُقَال: رجل أهلب وَامْرَأَة
هلباء.
وَقَالَ عبد الله بن عَمْرو: الدَّابَّة الهلباء الَّتِي كلمت تميما
الدَّارِيّ هِيَ دَابَّة الأَرْض الَّتِي تكلم النَّاس. وَأَرَادَ
قَتَادَة
(2/604)
أَن النَّار تسوقهم سوقا رَفِيقًا كَمَا
يساق الْحمل الظالع.
وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ الله جلّ
وَعز: {وَلَو نشَاء لمسخناهم} على مكانتهم قَالَ: لَو نشَاء لجعلناهم
كسحا.
يرويهِ عبد الرزاق عَن معمر عَن قَتَادَة.
كسح: جمع أكسح وَهُوَ المقعد. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى فِي وصف سكارى:
من الطَّوِيل ... وخذول الرجل من غير كسح ...
وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وَعز:
{يَأْخُذُونَ عرض هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سيغفر لنا} ... نبذوا
الاسلام وَرَاء ظُهُورهمْ وتمنوا على الله الْأَمَانِي كلما وهف لَهُم
فِي الدُّنْيَا شَيْء أكلوه لَا يبالون حَلَالا كَانَ أَو حَرَامًا.
قَوْله: وهف لَهُم أَي: بدا لَهُم وَعرض. يُقَال: قد وهف لَك الشَّيْء
يهف وهفا وهففا يهفو اذا طَار. قَالَ الشَّاعِر فِي
(2/605)
وصف امْرَأَة: من الرجز
شَائِلَة الأصداع يهفو طاقها ...
أَي: يطير كساؤها. وَمِنْه قيل للزلة: هفوة. وللضوال من الابل: هوافي.
وَذكر أَبُو الْيَقظَان: أَن عُثْمَان بن عَفَّان ولى أَبَا غاضرة
الهوافي: قَالَ وَهِي الابل الَّتِي تُوجد فِي الطرقات.
وَقَالَ فِي حَدِيث قَتَادَة أَنه ذكر مَدَائِن قوم لوط فَقَالَ: ذكر
لنا أَن جِبْرِيل أَخذ بعروتها الْوُسْطَى ثمَّ ألوى بهَا فِي جو
السَّمَاء حَتَّى سَمِعت الْمَلَائِكَة ضواغي كلابها ثمَّ جرجم
بَعْضهَا على بعض ثمَّ اتبع شذان الْقَوْم صخرا منضودا.
قَوْله: ألوى بهَا أَي ذهب بهَا. يُقَال: ألوت بك العنقاء الْمغرب أَي:
ذهبت بك. وَيُقَال: هِيَ الداهية. وَيُقَال: الْعقَاب.
وَقَوله: جرجم بَعْضهَا على بعض أَي: أسقط بَعْضهَا على بعض والمجرجم:
المصروع. وَقَالَ العجاج: من الرجز ... كَأَنَّهُمْ من فائظ مجرجم ...
والفائظ: الْمَيِّت. وشذان الْقَوْم من شَذَّ مِنْهُم وَخرج عَن
جَمَاعَتهمْ.
(2/606)
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس وَذكر النَّاقة: من
الطَّوِيل ... تطاير شذان الْحَصَى بمناسم ... صلاب العجى ملثومها غير
أمعرا ...
أَي: مَا تفرق مِنْهُ. وَهَذَا مثل الحَدِيث الآخر: انها لما قلبت
عَلَيْهِم رمى بقاياهم بِكُل مَكَان.
(2/607)
- حَدِيث الْحسن الْبَصْرِيّ
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث الْحسن أَنه قَالَ:: وَالله ماكانوا
بالهتاتين وَلَكنهُمْ كَانُوا يجمعُونَ الْكَلَام ليعقل عَنْهُم.
حَدَّثَنِيهِ القومسي عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد بن زيد عَن ابْن
عون. قَالَ أَبُو زيد: يُقَال رجل مهت وهتات اذا كَانَ كثير الْكَلَام.
وَمثله: الهذر والمسهب بِفَتْح الْهَاء من: أسهب الرجل. وَكَانَ
الْقيَاس: مسهب بِكَسْرِهَا. وَلَكِن هَكَذَا جَاءَ. وَلَا يعرف لَهُ
مثل.
قَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَ عَمْرو بن شُعَيْب وَفُلَان يهتان الحَدِيث.
وَقَالَ: الهت: الصب بعضه فِي أثر بعض. يقا ل: ظلت الْمَرْأَة تهت
الْغَزل يَوْمهَا أجمع أَي: تغزل بَعْضًا فِي أثر بعض.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَنه استؤذن فِي قتال أهل الشَّام حِين خرج
ابْن الاشعث فَقَالَ فِي كَلَام لَهُ: وَالله انها لعقوبة فَمَا
أَدْرِي أمستأصله أم مجحجحة فَلَا تستقبلوا عُقُوبَة الله بِالسَّيْفِ
وَلَكِن بالاستكانة والتضرع.
حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم سهل بن مُحَمَّد عَن الْأَصْمَعِي عَن
أَبِيه قَالَ:
(2/608)
سَمِعت شَيخا فِي الْمَسْجِد الْجَامِع
بِالْبَصْرَةِ يحدث بذلك.
قَوْله: مجحجحة: أَي. يُقَال جحجحت عَن الْأَمر أَي: كَفَفْت. وَفِيه
لُغَة أُخْرَى: حجحجت بِتَقْدِيم الْحَاء على الْجِيم وَهُوَ من
المقلوب. وَيُقَال فِي غير هَذَا: جحجحت بفلان أَي: أتيت بِهِ جحجاجا.
خبرني عَن عبد الرحمن عَن عبد الله عَن عَمه الْأَصْمَعِي قَالَ: كَانَ
يُقَال: من الرجز ... ان سرك الْعِزّ فجحجح بجشم ...
أَي: جىء بجحجاح مِنْهُم وَهُوَ السَّيِّد أَو الْكَرِيم. وَقَالَ: جشم
من الْخَزْرَج والشرف فيهم وَفِي عَوْف بن الْخَزْرَج.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَن وليدا التياس قَالَ: قلت لَهُ: اني رجل
تياس فَقَالَ: لَا تبسر وَلَا تحلب.
حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم سهل قَالَ: حدّثنَاهُ الْأَصْمَعِي عَن
وليد.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْبُسْر أَن يحمل على الشَّاة وَلَيْسَت بصارف.
وعَلى النَّاقة وَلَيْسَت بهَا ضبعة.
يُقَال: بسرتها أبسرها بسرا وَهِي مبسورة. قَالَ
(2/609)
الْكُمَيْت وَذكر الْحَرْب وَشبههَا
بناقته: من المنسرح ... مبسورة شارفا مصرمة ... محلوبها الصاب حِين
تحتلب ...
والمصرمة الَّتِي صروا أخلافها فَانْقَطع لَبنهَا. وَمِنْه يُقَال:
بسرت النَّبَات اذا رَعيته غضا وَكنت أول من أَتَاهُ. قَالَ لبيد: من
الطَّوِيل ... بسرت نداه لم تسرب وحوشه ... بغرب كجذع الهاجري المشذب
...
والغرب الْحَدِيد. يَعْنِي: فرسا. والمشذب: الطَّوِيل.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَنه قَالَ: كَانَ ملك من مُلُوك هَذِه
الْقرْيَة يرى الْغُلَام من غلمانه يَأْتِي الْحبّ فيكتاز ثمَّ يجرجر
قَائِما فَيَقُول: يَا لَيْتَني مثلك. ثمَّ يَقُول: يَا لَهَا نعْمَة
تَأْكُل لَذَّة وَتخرج سرحا.
حَدَّثَنِيهِ عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن
سعيد بن
(2/610)
عَامر عَن أَسمَاء بن عبيد عَن الْحسن.
قَوْله: يكتاز: أَي: يغترف وَهُوَ يفتعل من الْكوز ثمَّ يجرجر أَي
يشرب. وَالْأَصْل فِيهِ جرجرة المَاء فِي الْحلق. وَهُوَ صَوت الجرع.
وَهَذَا رجل كَانَ بِهِ أسر فَكَانَ لَا يرْوى من المَاء لشدَّة
الْبَوْل عَلَيْهِ والأسر: احتباس الْبَوْل والحصر: احتباس الْحَدث.
وَقَوله: وَتخرج سرحا أَي: سهلا. وَمِنْه يُقَال: نَاقَة سرح
الْيَدَيْنِ وسرح الملاطين أَي: الجنبين. والملاط: الْجنب. أَي: هما
منسرحان للذهاب والمجيء.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَنه قَالَ: لَا تلقى الْمُؤمن الا شاحبا
وَلَا تلقى الْمُنَافِق الاوباصا.
يرويهِ ضَمرَة عَن ابْن شَوْذَب عَن الْحسن.
وباصا أَي: براقا. يُقَال: قد وبص الشَّيْء يبص وبيصا اذا برق. قَالَ
الْأَعْشَى: من المتقارب ... رجعت لما رمت مستحسنا ... ترى للكواكب
كهرا وبيصا ...
كهرا: ارْتِفَاع النَّهَار. يَقُول: رجعت وَقد أظلم عَلَيْك نهارك
(2/611)
حَتَّى ترى الْكَوَاكِب فِيهِ. وَهُوَ
كَمَا تَقول: أَرَانِي فلَان الْكَوَاكِب بِالنَّهَارِ اذا شقّ عَلَيْك
وبرح بك. وَمِنْه قَول طرفَة: من الطومل ... ان تنوله فقد تَمنعهُ ...
وتريه النَّجْم يجْرِي بِالظّهْرِ ...
وَيُقَال: قد أوبصت الأَرْض فِي أول مَا يظْهر نبتها وأوبصت النَّار
فِي أول مَا يظْهر لهبها. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: يُقَال: بص الشَّيْء
يبص بصيصا اذا برق.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَن رجلا سَأَلَهُ فَقَالَ: اني اتوضأ
فينتضح المَاء فِي انآئي. فَقَالَ: وَيلك أفيملك نشر المَاء.
يرويهِ حَمَّاد بن سَلمَة عَن يحيى بن عَتيق.
نشر المَاء مَا انْتَشَر مِنْهُ وتفرق. يُقَال: جَاءَ الْجَيْش نشرا.
أَي مُتَفَرّقين. وَيُقَال: اللَّهُمَّ اضمم لي نشري. أَي: مَا
انْتَشَر من أَمْرِي. قَالَ الزيَادي: والنشر: بِضَم النُّون والشيين
خُرُوج الْمَذْي من الانتشار.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَن رجلا قَالَ لَهُ: رَأَيْتُك فِي النّوم
(2/612)
تحدث وتنشد فِي أَضْعَاف ذَلِك الْبَيْت من
الشّعْر. فَقَالَ لَهُ الْحسن: ان ابْن آدم لَو أصَاب فِي كل شَيْء جن.
حدّثنَاهُ الرياشي قَالَ: حدّثنَاهُ الْأَصْمَعِي: قَوْله: جن يُرِيد:
أَنه يعجب بِنَفسِهِ حَتَّى يكون كَالْمَجْنُونِ من شدَّة اعجابه بهَا.
وأحسب قَول الشنفرى فِي الْمَرْأَة من هَذَا بِعَيْنِه: من الطَّوِيل
... فدقت وجلت واسبطرت وأكملت ... فَلَو وجن انسان من الْحسن جنت ...
يُرِيد: لَو أعجب انسان بحسنه حَتَّى يكون كَالْمَجْنُونِ لكَانَتْ
كَذَلِك.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَن جرير بن حَازِم قَالَ: رَأَيْت عَلَيْهِ
ثوبا مصلبا.
يرويهِ ابْن الْمُبَارك عَن جرير بن حَازِم.
قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال خمار مصلب. وَقد صلبت الْمَرْأَة خمارها
وَهِي لبسة مَعْرُوفَة عِنْد النِّسَاء.
وَأما حَدِيث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الثَّوْب المصلب: انه
كَانَ اذا رَآهُ قضبه. فانه الثَّوْب الَّذِي يصور فِيهِ كَهَيئَةِ
الصَّلِيب.
(2/613)
وروى فِي حَدِيث لأم سَلمَة مُفَسرًا
أَنَّهَا كَانَت تكره الثِّيَاب المصلبة يَعْنِي الَّتِي تصور فِيهَا
الصلب.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَنه قَالَ: كَانَ قتال على عهد رَسُول الله
ثمَّ قتال على هَذِه الطعمة مَا بعدهمَا بِدعَة وضلالة.
حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم سهل عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي هِلَال عَن
الْحسن.
قَوْله: قتال على عهد رَسُول الله يَعْنِي قتال الْمُشْركين. وَقَوله:
ثمَّ قتال على عهد رَسُول الله يَعْنِي قتال الْمُشْركين. وَقَوله:
ثمَّ قتال على هَذِه الطعمة يَعْنِي: الْخراج حَتَّى يُؤَدِّي والجزية
والزكوات.
يَقُول: وَلَا قتال بعد هَذَا على شَيْء. قَالَ زُهَيْر وَذكر الْخَيل:
من الْبَسِيط ... ينزعن امة أَقوام لذِي كرم ... مِمَّا تيَسّر
أَحْيَانًا لَهُ الطّعْم ...
الامة: النِّعْمَة. يَقُول: يسلبن فِي الْغَزْو أَقْوَامًا نعمهم لرئيس
ذِي كرم تهَيَّأ لَهُ الْغَنَائِم فِي غَزوه. وَهِي الطّعْم.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَنه لما خرج يُرِيد ابْن الْمُهلب وَنصب
رايات سُودًا وَقَالَ أدعوكم الى سنة عمر بن عبد العزيز
(2/614)
قَالَ الْحسن فِي كَلَام لَهُ طَوِيل: نصب
قصبا علق عَلَيْهَا خرقا ثمَّ اتبعهُ رجرجة من النَّاس رعاع هباء.
يرويهِ أبان بن نميلَة عَن أبي بكر الْهُذلِيّ.
الرجرجة: بَقِيَّة تبقى فِي الْحَوْض من المَاء كدرة خائرة لَا يقدر
أحد أَن يشْربهَا. هَذَا الأَصْل فَشبه شراب النَّاس وَسَقَطهمْ بهَا
وَكَذَلِكَ شبهوا بالهباء وَهُوَ الْغُبَار.
أخبرنَا يَعْقُوب بن السّكيت ان الهباء المنبث مَا سَطَعَ من تَحت
سنابك الْخَيل. والهباء المنثور مَا ترَاهُ فِي الشَّمْس الدَّاخِلَة
فِي كوَّة السّقف.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن انه قَالَ لرجل سَأَلَهُ عَن شَيْء لبكت
عَليّ.
قلوه: لبكت عَليّ أَي: خلطت. يُقَال: أَمر لبك أَي: مختلط وَمِنْه قَول
زُهَيْر: من الْبَسِيط. ... رد القيان جمال الْحَيّ احتملوا ... الى
الظهيرة أَمر بَينهم لبك ...
(2/615)
وَيُقَال: بكلت أَيْضا أَي: خلطت وَهُوَ من
المقلوب. قَالَ المرار: من الطَّوِيل ... أَنَاة كَأَن الْمسك دون
شعارها ... يبكله بالعنبر الْورْد مقطب ...
يبكله: أَي: يخلطه. والمقطب: المازج. يُقَال: قطبت الشَّرَاب وأقطبته.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن أَنه كَانَ يَقُول فِي الْمُسْتَحَاضَة
تَغْتَسِل من الأولى الى الأولى وتدسم مَا تحتهَا وَتَوَضَّأ اذا
أحدثت.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد عَن عبد الله بن عبد الوهاب عَن خَالِد بن
الْحَارِث عَن عَوْف عَن الْحسن.
تدسم تسد فرجهَا وتحتشي. وَيُقَال لما سددت بِهِ القارورة: الدسام
والعفاص.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن ان عَطاء السّلمِيّ سَأَلَهُ فَقَالَ: يَا
ابا سعيد أَكَانَ الْأَنْبِيَاء يشرحون الى الدُّنْيَا وَالنِّسَاء
مَعَ علمهمْ بِاللَّه
(2/616)
فَقَالَ: نعم ان لله ترائك فِي خلقه.
يرْوى عَن مَيْمُون بن مُوسَى.
قَوْله: يشرحون أَي: ينبسطون. وَمِنْه يُقَال: شرحت لَك الْأَمر اذا
فَتحته وأظهرته. وَقَول الله جلّ وَعز: {ألم نشرح لَك صدرك} .
وَأما قَوْله: ان لله ترائك فِي خلقه. فانه جمع تريكة يُرِيد: ان لله
أمورا أبقاها فِي الْعباد من الأمل والغفلة بهَا يكون انبساطهم الى
الدُّنْيَا.
وَقَالَ فِي حَدِيث الْحسن ان رجلا حلف ايمانا فَجعلُوا يعاتونه
فَقَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَة.
رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك عَن الْحسن وَسُئِلَ الْأَصْمَعِي عَن هَذَا
فَقَالَ: يعاتونه يرادونه فِي القَوْل فَيحلف ويعاسرونه وَلَا يقبلُونَ
مِنْهُ فِي أول مرّة.
(2/617)
|