غريب الحديث لابن قتيبة - حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين
وَقَالَ فِي حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين أَنه كَانَ يخْتَار الصلوة على
الْجد ان قدر عَلَيْهِ فان لم يقدر عَلَيْهِ فقائما فان لم يقدر
فقاعدا.
حَدَّثَنِيهِ ابو وَائِل عَن عبد الله بن حمْرَان عَن ابْن عون عَن
مُحَمَّد. الْجد شاطيء النَّهر وَهُوَ الْجدّة أَيْضا وَأكْثر مَا
يُقَال: جدة بِالْهَاءِ وَبِه سميت جده لِأَنَّهَا سَاحل الْبَحْر.
قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي وَقَالَ كل طَريقَة من سَواد أَو بَيَاض
فَهِيَ جدة. الْجد فِي غير هَذَا الْبِئْر يكون فِي أَجود الْمَوَاضِع
من الْكلأ.
ومعني الحَدِيث انه كَانَ يخْتَار لراكب السَّفِينَة أَن يصلى عَليّ
شاطىء النَّهر ان قدر على ذَلِك فان لم يقدرصلى فِي السَّفِينَة
قَائِما فان لم يقدر صلى قَاعِدا. وَهَذَا مَذْهَب النَّاس جَمِيعًا
اذا كَانَ لَهُ عذر فان كَانَ يقدر على الْقيام بِغَيْر مشقة وَلم يفعل
فان ابْن الْمُبَارك كَانَ يرى عَلَيْهِ الاعادة والى ذَلِك يذهب أَبُو
يُوسُف وَمُحَمّد. وَأما أَبُو حنيفَة فَكَانَ يَقُول: ان صلى فِي
السَّفِينَة جَالِسا من غير
(2/618)
عِلّة وَلَا عذر أَجزَأَهُ.
وَقَالَ فِي حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين انه كَانَ يكره شِرَاء سبي
زابل. وَقَالَ: ان عُثْمَان بن عَفَّان ولث لَهُم ولثا.
يرويهِ وَكِيع عَن حَمَّاد بن زيد عَن يحيى بن عَتيق عَن ابْن سِيرِين.
قَوْله: ولث لَهُم ولثا أَي: اعطاهم عهدا.
قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال ولث لي ولثا من عهد اذا أعطَاهُ عهدا غير
مُحكم. وَقَالَ فِي قَول رؤبة: من الرجز ... أرجوك اذ أغبط دين والث
... فَمَا ثنى يرغث مِنْك الراغث ...
لم يحسن فِي الْبَيْتَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن
يُؤَكد أَمر الدّين والرغت: المص. وَلم يكن يَنْبَغِي أَن يَجْعَل مَا
ينَال مِنْهُ مثل المص وَهُوَ يمدحه.
وَقَوله: أغبط دين من قَوْلهم: أغبطت عَلَيْهِ الْحمى أَي اذا لَزِمته.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي رجز لَهُ وَذكر بَعِيرًا عَلَيْهِ رجل حَاج
(2/619)
من الرجز ... يحمل بر المؤتلي مَتى يلث ...
ولثايؤرب محصا لَا ينتكث ...
يَقُول: مَتى يُعْط طرفا من عهد لَا يحكمه وَلَا يُبَالغ فِيهِ يَجعله
بِمَنْزِلَة الْمُحكم المستوثق مِنْهُ.
وَقَوله: يؤرب اي: يشدد. الأربة: الْعقْدَة. والمحص: الأملس الَّذِي
لَيْسَ عَلَيْهِ زئبر. وَاللَّفْظ للحبل وَالْمعْنَى للْعهد. وَوَلَّتْ
السَّحَاب: الندى الْيَسِير.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن سِيرِين أَنه نهى عَن الرقى الا فِي ثَلَاث.
رقية النملة والحمة وَالنَّفس.
يرويهِ عبد الرزاق عَن معمر بن أَيُّوب.
النملة قُرُوح فِي تخرج الْجنب وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: للشفاء: علمي حَفْصَة رقية النملة. وَقَالَ الشَّاعِر: من
الطَّوِيل ... وَلَا عيب فِينَا غير عرق لمعشر ... كرام وانا لَا نخط
على النَّمْل ...
(2/620)
يُرِيد: انا لسنا بمجوس ننكح الْأَخَوَات
وَكَانُوا يَقُولُونَ: ان ولد الرجل من أُخْته اذا خطّ على هَذِه
القروح برأَ صَاحبهَا. والحمة: السم للعقرب وأشباها.
وَلم يرد بالحمة: الابرة. انما الْحمة السم. وَقد ذكرت هَذَا فِيمَا
تقدم.
وحَدثني شَبابَة بن الْفَزارِيّ قَالَ: حَدثنَا الْقَاسِم بن الحكم
قَالَ: حَدثنَا الثَّوْريّ عَن خَالِد عَن ابْن سِيرِين انه كره
الترياق اذا كَانَ فِيهِ الْحمة. يَعْنِي لُحُوم الْحَيَّات لِأَنَّهَا
سم فَهَذَا يدلك.
وَالنَّفس: الْعين. يُقَال: أَصَابَت فلَانا نفس أَي. وَمِنْه قَول
ابْن عَبَّاس: الْكلاب من الْجِنّ وَهِي ضعفة الْجِنّ فاذا غشيتكم
عِنْد طَعَامكُمْ فأ القولهن فان لَهُنَّ أنفسا.
وَمِنْه قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرافع حِين مسح بَطْنه:
فَألْقى شحمة خضراء: أَنه كَانَ فِيهَا أنفس سَبْعَة
(2/621)
أنَاس. يُرِيد: عيونهم. وَيُقَال للعائن:
نافس. وَسمعت أعرابية بالحجاز فصيحة ترقي رجلا من الْعين فَقَالَت:
أُعِيذك بكلم الله التَّامَّة الَّتِي لَا تجوز عَلَيْهَا هَامة من
شَرّ الْجِنّ وَشر الْأنس عَامَّة وَشر النظرة اللامة أُعِيذك بمطلع
الشَّمْس من شَرّ ذِي مشي هَمس وَشر ذِي نظر خلس وَشر ذِي قَول دس وَمن
شَرّ الحاسدين والحاسدات والنافسين والنافسات والكائدين والكائدات نشرت
عَنْك بنثره نشار عَن رَأسك ذِي الْأَشْعَار وَعَن عَيْنَيْك ذواتي
الأشفار وَعَن فِيك ذِي الْمحَال وظهرك ذِي الفقار وبطنك ذِي
الْأَسْرَار وفرجك ذِي الأستار ويديك ذواتي الْأَظْفَار ورجليك ذواتي
الْآثَار وذيلك ذِي الْغُبَار وعنك فضلا وَذَا ازار وَعَن بَيْتك فرجا
وَذَا أَسْتَار ورششت بِمَاء بَارِد نَارا وعينين وأشفارا وَكَانَ الله
لَك جارا الْمَشْي الهمس الوط الْخَفي وَهُوَ أَيْضا الصَّوْت الْخَفي.
وَالنَّظَر الخلس الَّذِي يختلس سَاعَة بعد سَاعَة وَالْقَوْل الدس
هُوَ الَّذِي يدس ويحتال فِيهِ حَتَّى يدْفع بالقبيح. وَهَذِه
الْأَفْعَال تكون من عَدوك وَمِمَّنْ يُرِيد اغتيالك.
والنافسون والنافسات هم العائنون. والمحار جمع محارة الحنك الْأَعْلَى.
والفقار خرز الظّهْر واحدتها فقارة وَهِي الْفقر أَيْضا والواحدة فقرة.
قَالَ أَبُو زيد: الْفقر هِيَ المفاصل أَيْضا فِي الصلب كل مفصل فقارة
ومحالة والفقار والسناسن رُؤُوس الْفقر والواحدة: سنسنة وفقارة.
وَالْفضل الَّذِي
(2/622)
عَلَيْهِ ثوب وَاحِد. يُقَال: امْرَأَة فضل
اذا لم يكن عَلَيْهَا الا ثوب وَاحِد وَامْرَأَة حَسَنَة الفضلة.
والأسرار فِي الْبَطن التكسر وأسرار الْجَبْهَة: الخطوط فِيهَا.
وَكَذَلِكَ أسرار الرَّاحَة وَجَمعهَا أسرة.
قَالَ عَليّ فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ: كَأَن مَاء الذَّهَب
يجْرِي فِي صفحة خَدّه ورونق الْجلَال يطرد فِي اسرة جَبينه.
وَالْبَيْت الْفرج المفتوح الَّذِي لَا ستر عَلَيْهِ وَلَا بَاب مغلق.
يُقَال: بَاب فتح فرج. وَمِنْه قيل: رجل فرج اذا كَانَ لَا يكتم سره.
كَأَن منفرج عَن السِّرّ غير منضم عَلَيْهِ.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن سِيرِين أَنه بلغه أَن عمر بن الْعَزِيز أَقرع
بَين الفطم فَأنكرهُ وَقَالَ: مَا رأى هَذَا الا من الأستقسام
بالأزلام.
يرويهِ أَزْهَر عَن ابْن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين.
الفطم جمع فطيم من اللَّبن وَأَرَادَ ذَرَارِي الْمُسلمين والأقراع:
سهم فِي الْعَطاء. وانما أنكرهُ ابْن سِيرِين لِأَن الاقراع انما يكون
ليفضل بعض على بعض فِي الْفَرْض. وَشبهه بالاستقسام.
(2/623)
بالأزلام. والأزلام: القداح. وَاحِدهَا:
زلم وزلم. وَكَانَت الْعَرَب تستقسم بالأزلام فِي الْجَاهِلِيَّة عِنْد
الْأَصْنَام اذا أَرَادَ ارجل سفرا أَو مغارا أَو غير ذَلِك.
أَتَى صنما فأجال القداح على الْأَمر الَّذِي عزم عَلَيْهِ فان خرج
لَهُ الْأَمر نفذ لعزمه وان خرج لَهُ وان خرج لَهُ الناهي عدى عَنهُ.
واذا اخْتلفُوا فِي الشَّيْء لم يكون تعرفوا ذَلِك بهَا. وَمِنْه قَول
الله جلّ وَعز: {إِذْ يلقون أقلامهم أَيهمْ يكفل مَرْيَم} . أَي:
أسهموا عَلَيْهَا أَيهمْ يكفلها. واذا أَرَادوا أَن يعرفوا حَظّ كل
امرىء من الشَّيْء يكون بَين جمَاعَة تعرفوا ذَلِك مِنْهَا وَهُوَ معنى
الاستقسام. انما هُوَ طلب معرفَة الْقسم بهَا وَهُوَ النَّصِيب.
وَكَانَ مَذْهَب مُحَمَّد فِي انكاره عَلَيْهِ الاقراع ان يزِيد من رأى
زِيَادَته بِلَا اقراع.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن سِيرِين انه كَانَ يَقُول: اني اعْتبر
الحَدِيث.
يرويهِ عَفَّان عَن سليم عَن ابْن عون.
قَوْله: أعتبر الحَدِيث يُرِيد: أَنه يعبر الرُّؤْيَا على الحَدِيث.
ويجعله لَهَا اعبتارا كَمَا يعْتَبر الْقُرْآن فِي تَأْوِيل
(2/624)
الرُّؤْيَا فتعبر عَلَيْهِ. وَمِنْه
الْعبْرَة فِي الْأَمر. والعابر: النَّاظر فِي الشىء.
ذكر الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: سَمِعت عجوزا لنا تَقول
أعتبر الْكتاب قبل أَن تَقْرَأهُ وَأنْشد لرؤبة وَذكر رسم دَار: من
الرجز ... يُبْدِي لعَيْنِي عَابِر تفهمه ... مَا فِيهِ الا أَنه
يترجمه ...
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث ابْن سِيرِين أَنه قَالَ: لنا
رِقَاب الارض لَيْسَ للتناء فِيهَا شَيْء.
يرويهِ أَزْهَر عَن ابْن عون عَن مُحَمَّد.
وَقَوله: لنا رِقَاب الارض يَعْنِي أَنه مَا كَانَ من أَرض الْخراج
فَهُوَ للْمُسلمين لَيْسَ لأَصْحَابه الَّذين كَانُوا قبل الاسلام
فِيهِ شىء وَذَلِكَ لِأَنَّهَا افتتحت عنْوَة. وَلذَلِك نهى بَعضهم عَن
شِرَاء أَرض الْخراج وَبَيْعهَا. وَقد رخص فِيهِ قوم. وَيُقَال: تنأث
الْبَلَد فَأَنا تانىء بِهِ مَهْمُوز.
قَالَ أَبُو زيد: تَقول ثنأت بِالْبَلَدِ تنؤا اذا أوطنته.
(2/625)
- حَدِيث ابْن ابراهيم النَّخعِيّ
وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه قَالَ: ان كَانُوا ليكرهون أَخْذَة
كأخذة الأسف.
يرويهِ عبد الل هـ بن الْمُبَارك عَن مَالك بن معول عَن طَلْحَة.
قَوْله: أَخْذَة الأسف. يُرِيد: موت الْفُجَاءَة. والأسف الْغَضَب.
قَالَ الله جلّ وَعز: {فَلَمَّا آسفونا انتقمنا مِنْهُم} أَي: أغضبونا.
وَسُئِلَ رَسُول الله عَن موت الْفُجَاءَة فَقَالَ: رَاحَة لِلْمُؤمنِ
وَأَخْذَة أَسف للْكَافِرِ. وَفِي حَدِيث آخر قيل لَهُ مَاتَ فلَان
فَقَالَ: أَلَيْسَ كَانَ عندنَا آنِفا فَقَالُوا بلَى. قَالَ:
سُبْحَانَ الله كَأَنَّهَا أَخْذَة على غضب والمحروم من حرم وَصيته.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه قَالَ فِي الرجل يسْتَحْلف ان كَانَ
(2/626)
مَظْلُوما فورك الى شىء يجزى عَنهُ وان
كَانَ ظَالِما لم يجز عَنهُ التوريك.
حَدَّثَنِيهِ خَالِد بن مُحَمَّد قَالَ: حدّثنَاهُ اسماعيل بن سِنَان
عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن حَمَّاد عَن ابراهيم.
قَوْله: فورك الى الشَّيْء يُرِيد: ذهب فِي يَمِينه الى معنى غير معنى
المستحلف جزى عَنهُ اذا كَانَ مَظْلُوما وَهُوَ من قَوْلك: ورك فلَان
ذَنبه على فلَان أَي: حمله عَلَيْهِ. وَقَالَ سَاعِدَة بن جؤية
الْهُذلِيّ: من الطَّوِيل ... فورك لينًا لَا يثمثم نصله ... اذا صاب
أوساط الْعِظَام صميم ...
قَالَ الْأَصْمَعِي: حمل عَلَيْهِم سَيْفا لينًا. والثمثمة: التمتمة
والتردد. والصميم: الْخَالِص. وَيُقَال: وركت الْجَبَل توريكا اذا
جاوزته.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه قَالَ: اذا آلتقى الماءآن فقد تمّ
الطّهُور.
(2/627)
يرويهِ هِشَام عَن مُغيرَة عَن ابراهيم.
قَوْله: اذا التقى الماءآن يُرِيد: اذا أَنْت طهرت العضوين من أعضائك
فآجتمع الماءآن فِي الظُّهُور فقد تمّ طهورك للصَّلَاة. وَلَا تبال
أَيهمَا قدمت وَأيهمَا أخرت. ان قدمت الْأَيْمن مِنْهُمَا فَجَائِز وان
قدمت الْأَيْسَر فَجَائِز.
وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب انه قَالَ: مَا أُبَالِي بِأَيّ
أعضائي بدأت اذا أتممت الْوضُوء.
وانه بلغه عَن أبي هُرَيْرَة انه كَانَ يبْدَأ بميامنه فِي الْوضُوء
فَبَدَأَ بمياسره. وَهَذَا فِي العضوين الْمَذْكُورين فِي كتاب الله
مَعًا مثل الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ لِأَنَّهُ قَالَ: فَاغْسِلُوا
وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ الى الْمرَافِق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم الى
الْكَعْبَيْنِ. فَلم يقدم يَمِينا على يسَار وَلَا يسارا على يَمِين.
فَأَما غير ذَلِك فان مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ يريان أَن من بَدَأَ
بيدَيْهِ قبل وَجهه أَو برجليه قبل رَأسه فَعَلَيهِ الاعادة. وَأَنه
لَا يتم لَهُ الْوضُوء لَا بِتَقْدِيم مَا قدم على مَا أخر.
وَأَصْحَاب الرَّأْي يرَوْنَ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَاحِدًا
ويحتجون بقول ابراهيم فِي حَدِيث آخر: مَا أصابة المَاء من مَوَاضِع
الْوضُوء فقد.
(2/628)
طهر. وَيَقُول الْحسن: لَا بَأْس على من
قدم من وضوئِهِ شَيْئا قبل شىء ويحتجون بِالنّظرِ بموافقة من خالفهم
على أَن الغاط فِي المَاء اذا نوى الْوضُوء أَجزَأَهُ وَقد بَدَأَ
برجليه قبل راسه وَيَديه.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم انه قَالَ: اذ دخلت عدَّة فِي عدَّة
أَجْزَأت احداهما.
يرويهِ هِشَام عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن أبي معشر عَن ابراهيم.
قَوْله: اذا دخلت عدَّة أَجْزَأت احداهما. يُرِيد: اذا لَزِمت
الْمَرْأَة عدتان من مَاء وَاحِد فِي حَال أحزأت وَاحِدَة عَن
الْأُخْرَى. كَرجل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا ثمَّ مَاتَ وَهِي فِي عدتهَا
وفانها تَعْتَد أقْصَى العدتين ان كَانَ ثَلَاث حيض أَكثر اعْتد ت
ثَلَاث حيض. هَذَا قَول الثَّوْريّ.
فَأَما مَالك فانه كَانَ يرى عَلَيْهَا أَن تتمّ ثَلَاث حيض عدَّة
الْمُطلقَة. وَلَا يرى عَلَيْهَا من الْأَشْهر شَيْئا. وكرجل طلق عِنْد
كل حَيْضَة تَطْلِيقَة فانها تَعْتَد من الطَّلَاق الأول وَلَيْسَ
عَلَيْهَا عِنْد التطليقة الثَّالِثَة أَن تسأنف الْعدة. فان وَجب على
الْمَرْأَة عدتان من مائين.
(2/629)
لم يجزها وَاحِدَة من الْأُخْرَى كَرجل
غَابَ عَن امْرَأَته فبلغها انه قد مَاتَ فَتزوّجت وَدخل بهَا الزَّوْج
ثمَّ قدم زَوجهَا الأول فَلَمَّا بلغه أَنَّهَا قد نكحت طَلقهَا
فعلَيْهَا مِنْهُمَا عدتان لَا تجزى وَاحِدَة عَن الْأُخْرَى.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه لم يكن يري بالتتمير بَأْسا يرويهِ
شريك عَن أبي حَمْزَة عَن ابراهيم.
التتمير: صفيف الْوَحْش أرادر أَنه لَا بَأْس أَن يتزوده الْمحرم أَو
يَأْكُلهُ. يُقَال: تمرت اللَّحْم فَأَنا أتمره تتميرا. قَالَ
الشَّاعِر وَهُوَ أَبُو كَاهِل الْيَشْكُرِي: من الْبَسِيط ... لَهَا
اشارير من لحم تتمره ... من الثعالي ووخز من أرانيها ...
أَرَادَ من الثعالب وَمن أرانبها فأبدل يَاء من الْبَاء انما يجوز
هَذَا من ابدال الْبَاء فِي مَوضِع الْخَفْض واذا كَانَ مَا قبل
الْمُبدل مِنْهُ
(2/630)
مسكورا. وَمِنْه قَول الآخر: من الرجز ...
ولضفادي جمه نقانق ...
أَرَادَ الضفادع. وَكَانَ الزبير يتزود صفيف الْوَحْش وَهُوَ محرم أَي:
قديده.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابرهيم انه قَالَ فِي الْأَعْضَاء اذا انجبرت إِلَى
غير عثم صلح واذا انجبرت على عثم فَالدِّيَة.
يرويهِ وَكِيع عَن أَبِيه عَن رجل عَن ابراهيم. . العثمهو أَن ينجبر
على غير اسْتِوَاء. يُقَال: عثمت يَد الرجل تعثم وعثمتها انا وأجرت
يَده تأجر أجرا وأجورا. وآجرتها أَنا ائتجارا. وَذَلِكَ أذا جبرتها
وَلم تحكم فَبَقيت فِي الْعظم عقدَة. قَالَ الرَّاعِي للأخطل: من
الطَّوِيل ... أَبَا مَالك لَا تنطق الشّعْر بعْدهَا ... واعط القياد
اذ عثمت على كسر ...
وَهَذَا مَذْهَب قوم من الْعِرَاقِيّين فِي الْعمد وَالْخَطَأ.
(2/631)
وَأما مَالك فَالْأَمْر عِنْده ان من كسر
عظما من الْجَسَد يدا أَو رجلا اَوْ غير ذَلِك عمدا أقيد مِنْهُ وَلم
يعقل وان كَانَ خطأ فبرأ وَصَحَّ وَعَاد لهيئته فانه لَا عقل فِيهِ وان
نقص أَو صَار فِيهِ عثم فَفِيهِ من عقله بِحِسَاب مَا نقص.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه قَالَ: التَّكْبِير جزو وَالْقِرَاءَة
جزم وَالتَّسْلِيم جزم.
يرويهِ أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن ابراهيم.
أصل الْجَزْم الْقطع. وَمِنْه يُقَال: جذمت على فلَان بِكَذَا أَي قطعت
عَلَيْهِ. وأجزم عَلَيْهِ أَي أقطع. وَكَذَلِكَ: جزمت وخذمت وجذذت
وحذفت وجدفت.
وَقَالَ ابْن مَسْعُود: كَأَنِّي بِالتّرْكِ قد أتتكم على براذين مخذمة
الآذان وانما قيل للْفِعْل مجزوم اذا لم يلْزمه الاعراب لذَلِك.
كَأَنَّهُ مَقْطُوع عَن الاعراب.
(2/632)
وَأَرَادَ ابراهيم بقوله: الْقِرَاءَة جزم
أَي لَا تمد الْمَدّ المفرط وَلَا تهمز الْهَمْز الْفَاحِش كنحو
قِرَاءَة قوم.
وَبَلغنِي أَن الْكسَائي حج مَعَ الْمهْدي فقدمه بِالْمَدِينَةِ
يُصَلِّي بِالنَّاسِ فهمز فَأنْكر ذَلِك أهل الْمَدِينَة وَقَالُوا:
ينبر فِي مَسْجِد النبى بِالْقُرْآنِ كَأَنَّهُ ينشد الشّعْر.
وَذكر جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه انه كره الْهَمْز فِي الْقُرْآن.
وَأَرَادُوا أَن تكون الْقِرَاءَة سهلة رسلة. وَكَذَلِكَ التكيبر
وَالتَّسْلِيم لَا يمد فِيهَا وَلَا يتَعَمَّد الاعراب المشبع. وَمثل
ذَلِك قَوْلهم: الأذآن جزم.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه قَالَ: كَانَ الْعمَّال يهمطون ثمَّ
يدعونَ فيجابون.
يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن مَنْصُور عَن ابراهيم.
قَوْله: يهمطون من الهمط وَهُوَ الظُّلم والخبط. يُقَال:
(2/633)
همطت أهمط همطا. وَقَالَ أَبُو زيد:
يُقَال: اهتمط فلَان غَرَض فلَان اذا شَتمه وتنقصه.
وَأَرَادَ ابراهيم أَن الْعمَّال كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك ثمَّ
يدعونَ الى طعامهم فيجابون.
وَقد رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود: انه رخص فِي اجابة طلب الرِّبَا
اذا هُوَ دَعَا وَأكل طَعَامه. وَقَالَ: لَك المهنأ وَعَلِيهِ الوز رأو
نَحوه من الْكَلَام. وَأكْثر النَّاس على التَّنَزُّه عَمَّا فِيهِ
شُبْهَة.
وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه قَالَ: الْخلْع تَطْلِيقَة بَائِنَة
وَهُوَ مَا دون عقَاص الراس.
يرويهِ عبد الرزاق عَن معمر عَن مُعَاوِيَة عَن ابراهيم.
قَوْله: مَا دون عقَاص الرَّأْس يُرِيد: أَن المختلعة ان افتدت نَفسهَا
من زَوجهَا بِجَمِيعِ ماتملكه كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذ مَا دون شعرهَا
من جَمِيع ملكهَا.
وَهَذَا مَذْهَب يذهب اليه بعض الْفُقَهَاء ويؤثر نَحوه عَن عمر وَعَن
عُثْمَان. وَبَعْضهمْ يَقُول: لَيْسَ للزَّوْج أَن يَأْخُذ مِنْهَا
أَكثر
(2/634)
مِمَّا أَعْطَاهَا وروى ذَلِك عَن: عَليّ
وَالْحسن وطاووس وَالزهْرِيّ
وَقَالَ فِي حَدِيث ابراهيم أَنه قَالَ: لم يطلع سُهَيْل الا فِي
الاسلام. قَالَ أَبُو حَاتِم: ذكرت ذَلِك للأصمعي فَقَالَ: كَيفَ ذَا
وَقد قَالَ المتلمس وَهُوَ جاهلي لم يدْرك الاسلام: من الْبَسِيط ...
وَقد ألاح سُهَيْل بَعْدَمَا هجعوا ... كَأَنَّهُ ضرم بالكف مقبوس ...
وَقَالَ: الاح تلألأ كَأَنَّهُ يَتَحَرَّك ولاح: ظهر وبدا.
وَقد قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لعن الله سهيلا كَانَ عشارا
بِالْيمن فمسخه الله شهابا.
(2/635)
- حَدِيث سعيد بن جُبَير
وَقَالَ فِي حَدِيث سعيد بن جُبَير انه قَالَ: الشُّهَدَاء ثنية الله.
يرويهِ شَبابَة عَن شُعْبَة عَن عمَارَة بن أبي حَفْصَة عَن حجر المدري
عَن سعيد بن جُبَير.
قَوْله: ثنية الله يَعْنِي: من اسثناه الله فِي الصعقة حِين قَالَ:
{وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض
إِلَّا من شَاءَ الله} .
وَتقول: هَذَا ثنيتي من كَذَا أَو كَذَا أَي: مَا استثنيته.
حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: سَأَلت ابْن عمرَان
القَاضِي عَن رجل وقف وَقفا واسثنى مِنْهُ فَقَالَ: لَا يجوز الْوَقْف
اذا كَانَت فِيهِ ثنية.
وَقَالَ فِي حَدِيث سعيد بن جُبَير انه قَالَ: خلق الله آدم من
(2/636)
دحناء. وَفِي حَدِيث آخر: وَمسح ظَهره
بنعمان السَّحَاب.
حدّثنَاهُ بشر بن آدم قَالَ: حدّثنَاهُ أَبُو أَحْمد عَن سُفْيَان
الثَّوْريّ عَن عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير.
دحناء أَرض يُقَال ان الله خلق آدم مِنْهَا. وَقَوله: وَمسح ظَهره
بنعمان السَّحَاب. ونعمان: جبل فِي الغرب من غرفَة. وَبَلغنِي انه
يتَّصل بوادي الْقرى ونواحيه وهما جبلان يُقَال لَهما جبلا نعْمَان.
وَنسبه الى السَّحَاب لِأَنَّهُ مشرف فالسحاب يركد عَلَيْهِ ويعلوهما.
قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... أيا جبلى نعْمَان بِاللَّه خليا ...
ريَاح الصِّبَا يخلص الي نسيمها
وَفِي حَدِيث آخر لِلْحسنِ: أَنه: خلق جؤجؤه من نقا ضرية أَي: خلق
صَدره عَلَيْهِ السَّلَام من رمل ضرية.
وَقَالَ فِي حَدِيث سعيد بن جُبَير أَنه أَتَى بِهِ الْحجَّاج وَفِي
عُنُقه زمارة.
(2/637)
الزمارة: الساجور. قَالَ الشَّاعِر وَكَانَ
مَحْبُوسًا: من المتقارب ... ولي مسمعان وزمارة ... وظل مديد وحصن أمق
...
والأمق: الْمُرْتَفع. وَالرجل الأمق وَالْفرس الأمق: الطَّوِيل.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت عقبَة بن رؤبة يصف فرسا فَقَالَ: ... أمق
أشق خبق ...
وَقَالَ الْمُنْذر لِضِرَار بن عَمْرو: مَا الَّذِي نجاك يَوْم كَذَا
فَقَالَ: تَأْخِير الْأَجَل واكراهي نفسى على المق الطوَال. وَكَانَ
بنوه استشالوه حَتَّى ركب فرسه.
مسمعان قيدان لصوتهما. والزمارة فِي الْبَيْت الغل سَمَّاهُ زمارة
تَشْبِيها بالساجور لِأَنَّهُمَا فِي الْعُنُق.
(2/638)
الأشق الطَّوِيل والخبق أَيْضا الطَّوِيل.
وَقَالَ فِي حَدِيث سعيد بن جُبَير أَنه قَالَ فِي الصلب الدِّيَة.
يرويهِ وَكِيع عَن سُفْيَان عَن يعلي بن عَطاء عَن عبد الله بن مُسلم
عَن سعيد بن جُبَير. فِي هَذَا قَولَانِ أَحدهمَا: انه اراد ان كسر
الصلب فحدب الرجل فَفِيهِ الدِّيَة.
وَالْآخر انه أَرَادَ ان أُصِيب الرجل بِشَيْء ذهب بِهِ الْجِمَاع فَلم
يقدر عَلَيْهِ كَانَ على الْجَانِي الدِّيَة. فَسمى الْجِمَاع صلبا
لِأَن الْمَنِيّ يخرج مِنْهُ.
(2/639)
- حَدِيث الشّعبِيّ عَامر بن شرَاحِيل
وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه قَالَ: مَا طلع السماك قطّ الا غارزا
فِي برد.
يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن رجل عَن الشّعبِيّ.
السماك: نجم. وهما سماكان احدهما: السماك الأعزل. وَهُوَ الَّذِي
أَرَادَهُ الشّعبِيّ. وَالْآخر: السماك الرامح. وانما قيل لَهُ: رامح
لكوكب بَين يَدَيْهِ صَغِير يُقَال لَهُ: راية السماك. وَقيل للْآخر:
أعزل لِأَنَّهُ لَا شىء بَين يَدَيْهِ. والأعزل الَّذِي لَا سلَاح
مَعَه. قَالَ ذَلِك أَبُو زيد. وَقَالَ الأميل الَّذِي لَا سيف مَعَه.
والأجم لَا رمح مَعَه والأكشف الَّذِي لَا ترس مَعَه.
وطلوع السماك الأعزل لخمس لَيَال تَخْلُو من تشرين الأول. وَفِي ذَلِك
الْوَقْت يذهب الْحر كُله وَيبدأ شىء من الْبرد.
(2/640)
قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: سَمِعت
أَيُّوب بن مُوسَى يَقُول: اذا طلع السماك ذهبت العكاك وَبرد مَاء
الحمقاء.
والعكاك جمع العكة وَهِي الْحر من غير ريح. يُقَال: يَوْم عك بَين
العكيك. قَالَ طرفَة: من الرمل ... تطرد القر بَحر سَاكن ... وعكيك
القيظ ان جَاءَ بقر ...
وانما خص الحمقاء فِي هَذَا الْوَقْت لِأَنَّهَا لَا تبرد المَاء.
يَقُول: فالبرد يَنَالهُ وان لم تبرد. وَقَوله: الا غارزا ذَنبه وَهُوَ
لَا ذَنْب لَهُ. وانما هَذَا تَمْثِيل وتشبيه. وَأَصله: من غرز
الْجَرَاد ذَنبه اذا أَرَادَ أَن يبيض.
وَالْعرب أَيْضا تَقول: لَا يطلع السماك الا وَهُوَ ماد عُنُقه فِي
حرَّة. وَأكْثر من قَوْلهم: غارز ذَنبه وماد عُنُقه فِي التَّشْبِيه
والتمثيل قَول الآخر: من الرجز
(2/641)
.. اذا رَأَيْت أنجما من الْأسد ... جَبهته
أَو الخراة والكتد
بَال سُهَيْل فِي الفضيخ ففسد ... وطاب ألبان اللقَاح فبرد ...
لما كَانَ الفضيخ يفْسد عِنْد طُلُوع هَذِه الأنجم أَي يبطل.
وَكَأن الشَّرَاب يفْسد بِأَن يبال فِيهِ. جعل سهيلا كَأَنَّهُ بَال
فِيهِ. وَذَهَاب الفضيخ يكون فِي هَذَا الْوَقْت لِأَنَّهُ يتَّخذ من
الْبُسْر.
والبسر يصير فِي هَذَا الْوَقْت رطبا. وَسُهيْل يطلع من طُلُوع
الْجَبْهَة وَذَلِكَ لأَرْبَع عشرَة لَيْلَة تَخْلُو من آب.
والنؤ للسماك الأعزل وَهُوَ أحد الثَّمَانِية وَالْعِشْرين الَّتِي
ينزل الْقَمَر كل لَيْلَة وَاحِدًا مِنْهَا.
فَأَما السماك الرامح فَلَا نوء لَهُ وَلَا هُوَ من الْمنَازل.
وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ أَنه ذكر الرافضة فَقَالَ: لَو كَانُوا
من الطير لكانوا رخما وَلَو كَانُوا من الدَّوَابّ كَانُوا حمرا.
(2/642)
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن خَالِد بن خِدَاش
قَالَ: حَدثنَا مُسلم بن قُتَيْبَة عَن مَالك بن مغول عَن الشّعبِيّ.
انما خص الرخم من بَين الطير لِأَنَّهَا ألأم الطير وأظهرها موقا
وأقذرها طعما.
وَالْعرب تضرب بهَا الْمثل فِي الموق. قَالَ الْكُمَيْت يهجو رجلا: من
مجزوء الْكَامِل
أنشأت تنطق فِي الْأُمُور كوافد الرخم الدَّوَائِر. ... اذ قيل: يَا
رخم انْطِقِي ... فِي الطير انك شَرّ طَائِر
فَأَتَت بِمَا هِيَ أَهله ... والعي من شلل المحاور ...
الدَّوَائِر الَّتِي تَدور اذا حلقت. وَقَوله: اذا قيل يَا رخم
انْطِقِي أَرَادَ قَول النَّاس: انك من طير الله فانطقي. وَجعل العي
كالشلل.
وَأما قذر طعمها فانها تَأْكُل الْعذرَة. وَلذَلِك قَالَ الشَّاعِر: من
الرجز
(2/643)
.. يَا رخما قاظ على ينكوب ... يعجل كف
الخارىء المطيب ...
وَقَالَ الْكُمَيْت: من الوافر ... وَذَات اسْمَيْنِ والألوان شَتَّى
... تحمق وَهِي كيسة الحويل ...
يَعْنِي: الرخمة وَهِي تسمى أنوقا ورخمة. والحويل: الْحِيلَة.
بَلغنِي عَن الْمفضل الضَّبِّيّ انه قَالَ: قلت لمُحَمد بن سهل راوية
الْكُمَيْت الشَّاعِر أَي كيس عِنْدهَا. وَنحن لَا نَعْرِف طائرا أموق
مِنْهَا فَقَالَ: وَمَا موقها وَهِي تحضن بيضها وتحمي فرخها وتحب
وَلَدهَا وَلَا تمكن الا زَوجهَا وتقطع فِي أول القواطع وَترجع فِي أول
الرواجع وَلَا تطير فِي التحسير وَلَا تغتر بالشكير وَلَا ترب بالوكور
وَلَا تسْقط على الجفير.
أما قَوْله: لَا تقطع فِي أول القواطع وَترجع فِي أول الرواجع فان
الصيادين انما يطْلبُونَ الطير بعد أَن يعلمُوا أَن القواطع قد قطعت
فتقطع فتقطع الرخمة أَولا فتنجو. يُقَال: قطعت الطير قطاعا
(2/644)
اذا قطعت من بلد الى بلد وَقطع الْبَلَد
قطوعا وَقطع الْأَدِيم قطعا.
وَقَوله: وَلَا تطير فِي التحسير يُرِيد أَنَّهَا تدع الطيران أَيَّام
التحسير كلهَا.
فاذا نبت الشكير وَهُوَ صغَار الريش لم يتحامل بِهِ كَمَا يفعل بعض
الطير وَلكنهَا تنْتَظر حَتَّى يصير للريش قصب ثمَّ تطير.
وَقَوله: وَلَا ترب بالوكور. يُقَال: أرب فلَان بِالْمَكَانِ وألب بِهِ
اذا أَقَامَ فِيهِ. ووكور الطير يكون فِي عرض الْجَبَل. يَقُول: فَهِيَ
لَا ترْضى بمواضع الوكور فتبيض فِيهَا. وَلكنهَا تبيض فِي أعالي
الْجبَال حَيْثُ لَا يبلغهُ انسان وَلَا سبع وَلَا طَائِر. وَلذَلِك
يُقَال فِي الْمثل: دونه بيض الأنوق أذا كَانَ لَا يُوصل اليه.
وَكَذَلِكَ يُقَال: دونه النَّجْم ودونه العيوق. وَقَالَ الْكُمَيْت:
من الطَّوِيل ... وَلَا تجعلوني فِي رجائي ودكم ... كراج على بيض
الأنوق احتبالها ...
يَقُول: لَا تجعلوني كمن رجا مَا لَا يكون. واحتبالها: صيدها بالحبالة.
يُرِيد: انه من رجا أَن يصيدها على بيضها فقد قدر مَا لَا يكون.
(2/645)
وَقَوله: وَلَا تسْقط على الجفير وَهِي
الجعبة. يَقُول: لَا تسْقط فِي مَوضِع ترَاهَا فِيهِ لِأَنَّهَا تعلم
ان فِيهَا سهاما.
وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه أُتِي بِهِ الْحجَّاج فَقَالَ: اخرجت
عَليّ يَا شعبي فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير اجذب بِنَا الجناب وأحزن
بِنَا الْمنزل واستحلسنا الْخَوْف واكتحلنا السهر وأصابتنا خزية لم يكن
فِيهَا بررة أتقياء وَلَا فجرة أقوياء. قَالَ: لله أَبوك ثمَّ أرْسلهُ.
حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم سهل قَالَ: حَدثنَا الْأَصْمَعِي عَن
عُثْمَان الشحام انه قَالَ: الجناب مَا حول الْقَوْم. يقا ل: اخصب جناب
الْقَوْم واجدب جنابهم. وَمِنْه قَول مُجَاهِد: ان لأهل النَّار جنابا
يستريحون اليه فاذا أَتَوْهُ لسعتهم عقارب كأمثال البغال الدلم.
وأحزن بِنَا الْمنزل وَهُوَ من الحزونة وَهُوَ غلظ الْمَكَان وخشونته.
وَقَوله: استحلسنا الْخَوْف من الحلس الَّذِي يبسط فِي الْبَيْت
وَيقْعد عَلَيْهِ وَمِنْه قيل فِي الحَدِيث: كن جلس بَيْتك يَعْنِي فِي
الْفِتْنَة.
(2/646)
وَقَالَ جَابر بن عبد الله: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَرَرْت على جِبْرِيل لَيْلَة أسرِي بِي
كالحلس الْبَالِي من خشيَة الله. والحلس كسَاء يكون تَحت برذعة
الْبَعِير أَي: صَار الْخَوْف لنا حلسا والسهر لنا كحلا. أصابتنا خزية
أَي: خصْلَة خزينا مِنْهَا أَي: استحيينا. يُقَال: خزي فلَان يخزي
خزاية. قَالَ الشَّاعِر: من الطَّوِيل ... فَانِي - بِحَمْد الله - لَا
ثوب عَاجز
لبست وَلَا من خزية أتقنع ...
وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ أَنه قَالَ: الرجل جَبَّار.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد قَالَ: حدّثنَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن
أبي فَرْوَة عَن الشّعبِيّ.
قَوْله: الرجل جَبَّار. يُرِيد الدَّابَّة اذا كَانَ عَلَيْهَا رَاكب
فرمحت أَو نفجت برجلها فَذَلِك هدر لَا شَيْء على الرَّاكِب فِيهِ.
يَقُول: لِأَنَّهُ من وَرَائه فَلَيْسَ يرَاهُ وَلَا يملك دَفعه.
فَأَما مَا جنته بمقاديمها من وَطْء أَو وعض أَو غير ذَلِك فَهُوَ لَهُ
ضَامِن.
(2/647)
فَهَذَا راي الْكُوفِيّين. وَأما مَالك
وَالشَّافِعِيّ فانهما قَالَا يضمن قائديها وسائقيها وراكبيها مَا
أَصَابَت بيد أَو فَم أَو رجل أَو ذَنْب. قَالَ الشَّافِعِي: وان جمحت
بِهِ أَو غلبته فَهُوَ ضَامِن. وَقَالَ مَالك: لَا يضمن اذا غلبته.
قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِي: وَأما قَول النبى صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: العجماء جَبَّار فانها كل بَهِيمَة أفسدت شَيْئا أَو أتلفته
وَلَيْسَ مَعهَا قَائِد وَلَا سائق وَلَا رَاكب.
قَالَ: وَهَذَا مطرد الا فِي مَوضِع وَاحِد خصّه النبى صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم اذ قَالَ: وَمَا افسدت الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ فضمان
ذَلِك على أَهلهَا وَمَا خلا هَذِه فَهُوَ جَبَّار.
كتب الي الرّبيع بن سُلَيْمَان يُخْبِرنِي بِهِ عَن الشَّافِعِي.
وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه كَانَ اذا سُئِلَ عَن معضلة
(2/648)
قَالَ زباء ذَات وبر أعيت قائدها وسائقها
لَو ألقيت على أَصْحَاب مُحَمَّد لأعضلت بهم.
يرويهِ ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن شبْرمَة عَن الشّعبِيّ.
قَوْله: زباء ذَات وبر يُرِيد: انها مَسْأَلَة شاقة صعبة. وَضرب الزباء
من الابل لَهَا مثلا. وَيُقَال فِي الْمثل: كل أزب نفور: وَقَالَ زيد
الْخَيل: من الوافر ... فحاد عَن الطعان أَبُو أَثَال ... كَمَا حاد
الأزب عَن الظلال ...
وَفِي بَيت آخر: من الوافر
كَمَا حاد الأزب عَن الظعان ...
والظعان: وَهُوَ حَبل يشد بِهِ الهودج. والأزب من الابل يكثر شعر
حاجبيه فَهُوَ يرَاهُ فينفر.
وَقَوله: لأعضلت بهم أَي: اشتدت عَلَيْهِم. وَمِنْه يُقَال: دَاء عضال
أَي: شَدِيد.
وَأما قَول عمر: اعوذ بِاللَّه من كل معضلة لَيْسَ لَهَا أَبُو حسن
يَعْنِي عليا. فانها من عضلت الْمَرْأَة اذا نشب.
(2/649)
الْوَلَد وَلم يخرج مِنْهُ الا قَلِيل
وَبَقِي سائره مُعْتَرضًا. وَمِنْه قَول الشَّاعِر: من الْكَامِل ...
واذا الْأُمُور أهم غب نتاجها ... يسرت كل معضل ومطرق ...
فالمعضل مَا ذَكرْنَاهُ. والمطرق من قَوْلهم: طرقت القطاة اذا حَان
خُرُوج بيضها فعسر عَلَيْهَا. يضْرب مثلا لكل أَمر يضيق. يُقَال: أَمر
مطرق معضل.
وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه قَالَ لأبي الزِّنَاد: تَأْتِينَا:
بِهَذِهِ الْأَحَادِيث قسبة وتأخذها منا طازجة.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن خَالِد عَن سلم بن قُتَيْبَة وَعَن وهب بن
حبيب عَن الشّعبِيّ.
قَوْله: قسية: أَي: ردئية. يُقَال: دِرْهَم قسي اذا كَانَ ردئيا.
وَيُقَال أَصله: فَارسي. فعرب. وَيُقَال:: بل هُوَ: فعيل من الْقَسْوَة
أَي: فضته صلبة رَدِيئَة لَيست بلينة.
وَقَوله: تأخذها طازجة أَي: خَالِصَة صحاحا نقاء وَهُوَ
(2/650)
بِالْفَارِسِيَّةِ: اعراب تازه. وَهُوَ
الشَّيْء الْخَالِص وَهُوَ الشَّيْء الطري.
وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه قَالَ: لِأَن أتعنى بعنية أحب الي من
أَن أَقُول فِي مسئلة برأيي.
يرويهِ وَكِيع عَن عِيسَى عَن الشّعبِيّ.
العنية: أخلاط تنقع فِي أَبْوَال الأبل وتترك حينا ثمَّ تطلى بهاالابل
من الجرب. وَيُقَال للرجل اذا كَانَ جيد الرَّأْي: عنية تشفي الجرب.
وانما سميت عنية لطول الْحَبْس وكل شَيْء حَبسته طَويلا فقد عنيته.
وَمِنْه قَول الْهُذلِيّ فِي وصف خمر: من الطَّوِيل ... وعنتها الزقاق
وقارها ...
أَي: حبستها فِيهَا وَمِنْه قيل للأسير: عان. وَكَانَ الشّعبِيّ
يَقُول: مَا شَيْء أبْغض الي من أَرَأَيْت.
وَحدثنَا الرياشي عَن الْأَصْمَعِي عَن عمر بن أبي زَائِدَة قَالَ: قيل
(2/651)
لِلشَّعْبِيِّ: ان هَذَا لَا يجىء فِي
الْقيَاس فَقَالَ: أير فِي الْقيَاس.
وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه قَالَ: الشُّفْعَة على رُؤُوس
الرِّجَال.
يرويهِ وَكِيع عَن سُفْيَان عَن أَشْعَث عَن الشّعبِيّ.
معنى هَذَا أَن تكون الدَّار بَين جمَاعَة مختلفي السِّهَام فيبيع
وَاحِد مِنْهُم فَيكون مَا بَاعَ لشركائه بَينهم سَوَاء على رؤوسهم لَا
على سِهَامهمْ. وَكَانَ عَطاء يَقُول: الشُّفْعَة بِالْحِصَصِ. يُرِيد:
أَن مَا بَاعَ شريكهم بيهم لكل وَاحِد مِنْهُم على قدر سهامه.
وَقَالَ الشّعبِيّ: الْعقل على رُؤُوس الرِّجَال ي يُرِيد: انه لَا
ينظر الى الأعطية فَيلْزم الرجل على قدر عطائه وَلَكِن يلزمون الْعقل
على الرؤوس.
وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه قَالَ: فِي السقط اذا انكس
(2/652)
فِي الْخلق الرَّابِع وَكَانَ مخلقا عتقت
بِهِ الْأمة وَانْقَضَت بِهِ عدَّة الْحرَّة.
يرويهِ هِشَام عَن دَاوُد عَن الشّعبِيّ نكس أَي: قلب فِي الْخلق
الرَّابِع. وَهُوَ المضغة. وَذَلِكَ لِأَن الله تبَارك وَتَعَالَى
يَقُول: {فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ من تُرَاب} فَهَذِهِ حَال {ثمَّ من
نُطْفَة} فَهَذِهِ حَال ثَانِيَة. ثمَّ من علقَة فَهَذِهِ حَال
ثَالِثَة. ثمَّ من مُضْغَة مخلفة وَغير مخلقة فَهَذِهِ حَال رَابِعَة.
والمخلقة: التَّامَّة الَّتِي قد تبين خلقهَا.
وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه قَالَ: أُغمي على رجل من جُهَيْنَة
فِي بَدْء الاسلام فظنوا أَنه قد مَاتَ وَهُوَ جُلُوس حوله وَقد حفروا
لَهُ اد أَفَاق فَقَالَ: مَا فعل القصل قَالُوا مر بِنَا السَّاعَة
فَقَالَ: أما انه لَيْسَ عَليّ بَأْس اني أتيت حَيْثُ رَأَيْتُمُونِي
أُغمي عَليّ. فَقيل لي: لأمك هُبل الا ترى حفرتك تنثل أرأريت ان
حولناها عَنْك بمحول ودفنا فِيهَا قصل الَّذِي مَشى فخزل أتشكر
لِرَبِّك وتصلى وَتَدَع سَبِيل من أشرك وضل قلت: نعم فبرأ وَمَات القصل
فَجعل فِيهَا.
(2/653)
حدثت بِهِ عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن
اسماعيل بن أبي خَالِد عَن فراس عَن الشّعبِيّ.
الهبل: الثكل. وَمِنْه قَول الْقطَامِي: من الْبَسِيط ... وَالنَّاس من
يلق خيرا قَائِلُونَ لَهُ ... مَا يَشْتَهِي ولأم المخطىء الهبل ...
وَقَوله: تنثل أَي: يسْتَخْرج ترابها. يُقَال: نثلت الرَّكية والنثيلة
مَا أخرج من تُرَاب الْبِئْر.
وَقَوله: حولناها عَنْك بمحول يُرِيد: حولنا عَنْك هَذِه الحفرة الى
غَيْرك. والمحول: مفعل من التَّحَوُّل كَأَنَّهُ آلَة وأداة لَهُ. وَمن
رَوَاهُ بمحول فانه أَرَادَ مَوضِع التَّحَوُّل.
وَقَوله: الَّذِي مَشى فخزل أَي تفكك فِي مشيته. وَيُقَال لَهَا:
المشية الخيزلي والخوزلى والخوزرى والخيزرى.
وَأنْشد الْفراء: من الرجز ... والناشئات الماشيات الخوزرى ...
وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ أَنه قَالَ: اذا ورثت الْمَرْأَة اعْتدت.
(2/654)
وَقَالَ: بَاب من الطَّلَاق.
يرويهِ يحيى بن زَكَرِيَّاء بن أبي زَائِدَة عَن أَبِيه عَن الشّعبِيّ.
وَتَفْسِيره: ان الرجل اذا طلق امْرَأَته وَهُوَ مَرِيض قبل أَن يدْخل
بهَا ثمَّ مَاتَ فِي مَرضه فانها تَعْتَد مِنْهُ لِأَنَّهَا تَرثه.
وَقد اخْتلف النَّاس فِي هَذَا فَذهب قوم الى مَا قَالَه الشّعبِيّ
مِنْهُم: مَالك. وَقَالَ الثَّوْريّ: لَيْسَ بَينهمَا مِيرَاث
لِأَنَّهَا لَا عدَّة عَلَيْهَا.
وَكَذَلِكَ الرجل يُطلق امْرَأَة قد دخل بهَا فِي مَرضه ثمَّ يَمُوت
بعد انْقِضَاء عدَّة الطَّلَاق بذلك الْمَرَض فان الشّعبِيّ: ان
يُورثهَا مَا لم تتَزَوَّج: فاذا ورثت أوجب عَلَيْهَا عدَّة الْوَفَاة.
وَهُوَ قَول مَالك. وَأما الثَّوْريّ وَأَصْحَاب الرَّأْي فَكَانُوا
يورثونها مَا كَانَت فِي الْعدة فاذا انْقَضتْ الْعدة لم يورثوها.
(2/655)
وَقَالَ فِي حَدِيث الشّعبِيّ انه قضى
بِشَهَادَة القائس مَعَ يَمِين المشجوج.
يرويهِ مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن حَفْص بن مَيْمُون.
القائس هُوَ الَّذِي يقيس الشَّجَّة بالملمول أَو غَيره ويتعرف مقدارها
ليحكم فِيهَا بعقلها.
وَكَانَ بعض الْفُقَهَاء يَجْعَل هَذَا الحَدِيث حجَّة فِي الْقَضَاء
بِالشَّاهِدِ وباليمين. وانما كَأَن تكون حجَّة لَو كَانَت شَهَادَة
القائس وَيَمِين المشجوج على أَمر وَاحِد وهما على أَمريْن مُخْتَلفين.
لِأَن القائس يخبر بِقدر غور الشَّجَّة وَمَا حدث فِي الْقطع وَهُوَ
مَقْبُول القَوْل كَمَا يقبل قَول الطَّبِيب.
والمشجوج يحلف على من ادّعى عَلَيْهِ الْجِنَايَة وَأرى الشّعبِيّ قد
قبل دَعْوَى المشجوج مَعَ يَمِينه على الجناني وَقبل قَول القائس فِي
مِقْدَار الشَّجَّة.
(2/656)
حَدِيث عوذ بن عبد الله بن عتبَة
وَقَالَ فِي حَدِيث عون بن عدالله أَنه قَالَ فِي وَصيته لِابْنِهِ
وَذكر رجلا بذم فَقَالَ: إِن أفيض فِي الْخَيْر كزم وَضعف واستسلم.
وَقَالَ: الصمت حكم. وَهَذَا مَا لَيْسَ لي بِهِ علم. وَإِن أفيض فِي
الشَّرّ. قَالَ: يحْسب بى عى فَتكلم فَجمع بَين الأراوي والنعام ولأم
مَالا يتلاءم.
حدّثنَاهُ اسحق بن رَاهَوَيْه قَالَ: حَدثنَا أَصْحَابنَا عَن
الْحجَّاج ابْن مُحَمَّد عَن المسعودى عَن عون فِي وَصِيَّة لِابْنِهِ
طَوِيلَة.
قَوْله: إِن أفيض فِي الْخَيْر كزم. يُرِيد: إِن تكلم النَّاس فِي
الْخَيْر سكت وَسلم لَهُم الْكَلَام. وأصل الكزم ضم الْفَم. وَيُقَال:
كزم الشىء إِذا كَسره بِفِيهِ. والكزم بِفَتْح الزاى قصر فِي الفدم.
يُقَال: فلَان أكزم الْقدَم.
وَقَوله: جمع بَين الأراوي والنعام. يُرِيد: أَكثر الْقَوْم وَلم يتثبت
وأحال فَجمع بَين كَلِمَتَيْنِ مختلفتين.
حَدَّثَنى أَبُو حَاتِم عَن الأصمعى أَنه قَالَ: فِي الْمثل: مَا يجمع
الأروى والنعام يُرَاد كَيفَ يجْتَمع هَذَانِ وَذَلِكَ لِأَن
(3/657)
النعام فِي الفيافي والحضيض. والأروى بشعف
الْجبَال لَا تسهل.
والأروى شَاءَ الْوَحْش. قَالَ طَاوُوس: أهْدى لرَسُول الله أروى
وَهُوَ محرم فَردهَا.
وَقَوله: لأم مَا لَا يتلأم. أَي: جمع بَين مَا لَا يجْتَمع. يُقَال:
لأمت بَينهمَا. أَي: جمعت. وَمِنْه يُقَال: هَذَا بلد لَا يلائمنى
وَأمر لَا يلائمني. اي: لَا يوافقنى.
فَأَما: يلاومنى فَإِنَّهُ من اللوم أَن تلوم رجلا ويلومك.
وَقَالَ فِي حَدِيث عون بن عبد الله أَنه قَالَ: مَا رَأَيْت أحدا
يفرفر الدُّنْيَا فرفرة هَذَا الْأَعْرَج. يعْنى: أَبَا حَازِم.
يرويهِ سعيد بن مَنْصُور عَن يَعْقُوب بن عبد الرحمن عَن أَبِيه عَن
عون.
يفرفر الدُّنْيَا أَي: يخرقها ويشققها. يعْنى: بالذم لَهَا والوقيعة
فِيهَا. وَهُوَ كَمَا تَقول: فلَان يقطعنى. تُرِيدُ: بالوقيعة
(3/658)
والذم.
وَيُقَال: الذِّئْب يفرفر الشَّاة. قَالَ الشَّاعِر: من المنسرح ...
ككلب طسم وَقد ترببه ... يعله بالحليب فِي الْغَلَس
ظلّ عَلَيْهِ يَوْمًا يفرفره ... إِلَّا يلغ فِي الدِّمَاء ينتهس. ...
(3/659)
حَدِيث مطرف بن عبد الله بن الشخير
وَقَالَ فِي حَدِيث مطرف بن عبد الله انه قَالَ: من نَام تَحت صدف مائل
وَهُوَ ينوى التَّوَكُّل فليرم بِنَفسِهِ من طمار وَهُوَ ينوى
التَّوَكُّل.
الصدف: الْبناء الْعَظِيم الْمُرْتَفع. وَيُقَال لجنبتي الْجَبَل:
الصدفان. قَالَ: وَمِنْه قَول الله جلّ وَعز: {حَتَّى إِذا سَاوَى بَين
الصدفين} .
وطما ر: مكسور بِغَيْر تَنْوِين مثل: قطام ورقاش. وَهُوَ الْمَكَان
الْمُرْتَفع. وَأَرَادَ هَاهُنَا: جبلا أَو صومعة عالية. وَنَحْو ذَلِك
قَول الشَّاعِر [125 / ب] : من الطَّوِيل ... وَآخر يهوي من طمار
قَتِيل ...
وَيُقَال: طمر الرجل إِذا وثب من مَوضِع عَال إِلَى أَسْفَل.
(3/660)
وَأَرَادَ مطرف: أَنه لَا ينبغى لأحد أَن
يعرض نَفسه للمهالك وَيَقُول: قد توكلت على الله لِأَنَّهُ قد أَمر
بالحذر. وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعقلها وتوكل.
وَقَالَ لرجل سَمعه يَقُول: حسبى الله: ابل عذرا فَإِذا أعجزك أَمر
فَقل حسبى الله.
(3/661)
حَدِيث عَطاء بن أَبى رَبَاح
وَقَالَ فِي حَدِيث عَطاء أَنه قَالَ فِي الجدجد يَمُوت فِي الْوضُوء:
لَا بَأْس بِهِ.
يرويهِ ابْن أَبى زَائِدَة عَن عبد الملك عَن عَطاء.
الجدجد: هُوَ هَذَا الذى يصر بِاللَّيْلِ فِي الصَّيف فِيهِ شبه من
الْجَرَاد. قَالَ ذُو الرمة (3) : من الطَّوِيل. ... كأنا يغنى
بَيْننَا كل لَيْلَة ... جداجد صيف من صرير الْأَوَاخِر ...
الْأَوَاخِر: الرّحال. شبه صرير أَوَاخِر الرّحال بصرير الجداجد. وانما
رخص عَطاء فِي الْوضُوء بِمَا قد مَاتَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا دم لَهُ.
وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ من خشَاش الأَرْض لَا دم لَهُ فَإِنَّهُ لَا
ينجس المَاء إِذا مَاتَ فِيهِ.
(3/662)
وَقَالَ فِي حَدِيث عَطاء أَنه قَالَ: لَا
بَأْس بالشبرق والضغابيس مَا لم تنزعه من أَصله.
يرويهِ وَكِيع عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد عَن عَطاء.
الشبرق نبت يكون بالحجاز. وأخبرنى أَبُو حَاتِم عَن أَبى ض عُبَيْدَة
أَنه قَالَ فِي قَول الله تبَارك وَتَعَالَى: {لَيْسَ لَهُم طَعَام
إِلَّا من ضَرِيع} الضريع عِنْد الْعَرَب يَابِس الشبرق. وَهُوَ
يُؤْكَل غير أَنه كَمَا ذكر الله تبَارك وَتَعَالَى: {لَا يسمن وَلَا
يُغني من جوع} .
وَقَالَ الهذلى يصف إبِلا بِسوء الْحَال: من الطَّوِيل. ... وحبسن فِي
هزم الضريع فَكلهَا ... حد بَاء دامية الْيَدَيْنِ حرود ...
وهزمه: مَا تكسر مِنْهُ. والحرود: الَّتِي لَا تدر. وَقَالَ الهذلى
أَيْضا: من الطَّوِيل
(3/663)
.. ترى الْقَوْم صرعى جثوَة أضجعوا مَعًا
... كَأَن بِأَيْدِيهِم حَوَاشِي شبرق ...
وَفِي الشبرق حمرَة فَشبه الدَّم بِهِ. وَأما الضغابيس: فقد ذَكرْنَاهُ
فِيمَا تقدم من الْكتاب.
وَأَرَادَ عَطاء أَنه لَا بَأْس بِقطع هذَيْن من الْحرم لِأَنَّهُمَا
يؤكلان بعد أَن تتْرك أصولهما فِي الأَرْض.
وَقَالَ فِي حَدِيث عَطاء أَنه قَالَ: لَا بَأْس بِأَن يتداوى الْمحرم
بالسنى والعتر.
حَدَّثَنِيهِ شَبابَة بن الْحسن قَالَ: حدّثنَاهُ الْقَاسِم بن الحكم
القَاضِي عَن الثَّوْريّ عَن ابْن جريج عَن عَطاء.
أما السنى فنبت مَعْرُوف يتداوى بِهِ. وَأما العتر فَإِنِّي سَأَلت
عَنهُ الرياشي فَقَالَ لي: سَأَلت عَنهُ الأصمعى فَقَالَ:
(3/664)
هُوَ نبت ينْبت مثل المرزنجوش مُتَفَرقًا.
وَقَالَ الْهُذلِيّ وَذكر قومه وعليتهم عَنهُ بِمصْر من الطَّوِيل ...
وَمَا كنت أخْشَى أَن أكون خلافهم ... بِسِتَّة ابيات كَمَا نبت العتر
...
وَقَالَ: يُرِيد أَن هَذِه الأبيات مُتَفَرِّقَة مَعَ قلتهَا كتفرق
العتر فِي منبته.
وَمعنى الحَدِيث: أَن عَطاء لم ير بَأْسا أَن يُؤْخَذ هَذَانِ من
الْحرم ليتداوى بهما كَمَا لم ير بَأْسا بِأخذ الشبرق والضغابيس.
وَقَالَ فِي حَدِيث عَطاء أَن ابْن جريج قَالَ: سَأَلته عَن صَدَقَة
الْحبّ فَقَالَ: فِيهِ كُله الصدفة وَذكر الذّرة والدخن والجلجلان
والبلسن والإحريض وَذكر التقدة. رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج.
(3/665)
أما الدخن والجلجلان فقد فسرتها فِي حَدِيث
عمر. والبلسن: العدس. والبلسن: التِّين بلغَة أهل الْيمن وسمعته
مِنْهُم. خبرنى بذلك الحجازيون. وَمِنْه حَدِيث يرويهِ عمر بن قيس عَن
عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من
أحب أَن يرق قلبه فليد من أكل البلس. والا حريض: العصفر.
قَالَ الاصمعى: الا حريضة والا خريطة والاسليحة ضروب من النَّبَات.
والتقدة: الكزبرة. خبرني بذلك أهل الْيمن.
وَقَالَ فِي حَدِيث عَطاء أَنه ذكر مهبط آدام فَقَالَ: هَبَط مَعَه
بالعلاة. يرويهِ ابْن جريج عَنهُ.
(3/666)
العلاة: السندان وهم يشبهون راس النَّاقة
بهَا. قَالَ طرفَة: من الطَّوِيل ... لَهَا هَامة مثل العلاة
كَأَنَّمَا ... وعى الْمُلْتَقى مِنْهَا إِلَى حرف مبرد ...
(3/667)
حَدِيث الزهرى مُحَمَّد بن سلم بن عبد الله
وَقَالَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ انه قَالَ: قبض رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن فِي العسب والقضم والكرانيف. يرويهِ ابْن
عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ.
العسب: جريد النّخل وَاحِدهَا: عسيب. وَكَانَ الْمُسلمُونَ على عهد
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَكْتُبُونَ الْقُرْآن فِي سعف
النّخل وَلذَلِك كَانَ اهل الْكتاب يَكْتُبُونَ الزبُور فِي السعف.
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: من الطَّوِيل ... لمن طلل أبصرته فشجانى ...
كوحى الزبُور فِي عسيب يماني ...
وَكَانَت حمير أَيْضا تكْتب فِي السعف. قَالَ ابْن مقبل: من الْكَامِل
... أورد حمير بَينهَا أَخْبَارهَا ... بالحميرية فِي عسيب ذابل ...
(3/668)
وَقَالَ زيد بن ثَابت حِين أمره أَبُو بكر
بِجمع الْقُرْآن قَالَ: فَجعلت أتتبعه من الرّقاع والعسب واللخاف.
واللخاف: جمع لخفة وَهِي حِجَارَة رقاق. قَالَ الأصمعى: تُوضَع الفسيلة
بِالْمَدِينَةِ مَعهَا لخفة وَهُوَ حجز رَقِيق وبالعراق قِطْعَة راقود.
والقضم: جمع قضيم وَهِي الْجُلُود الْبيض. وَقد يجمع قضم مثل أَدِيم
وأدم. قَالَ النَّابِغَة الذبيانى: من الطَّوِيل. ... كَأَن مجر
الرامسات ذيولها ... عَلَيْهِ قضم نمقته الصوانع ...
والكرانيف: اصول السعف الْغِلَاظ. وَاحِدهَا كرنافة. وَفِي حَدِيث
الواقفى الَّذِي ضافه رَسُول الله وَأَبُو بكر وَعمر أَنه أَتَى بقربته
نَخْلَة فعلقها بكرنافة.
(3/669)
وَقَالَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ أَنه
قَالَ: لَا تصلح مقارضة من طعمته الْحَرَام.
يرويهِ ابْن الْمُبَارك عَن ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أَبى حبيب.
لم يرد بالمقارضة أَن تقرضه ويقرضك. هَذَا مَا لَا أعلم بِهِ بَأْسا قد
اقْترض رَسُول الله من اهل الذِّمَّة. وَلَكِن المقارضة هَاهُنَا
الْمُضَاربَة. وَأهل الْحجاز يسمون الْمُضَاربَة: الْقَرَاض.
والمقارضة: هُوَ أَن يدْفع رجل إِلَى رجل مَالا يتجر بِهِ يكون
الرِّبْح بَينهمَا على مَا يتفقان عَلَيْهِ وَتَكون الوضيعة على راس
المَال فَهَذِهِ شركَة الْقَرَاض.
واراد ابْن شهَاب مُشَاركَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَصَاحب الرِّبَا.
قَالَ الضَّحَّاك: لَا تشارك الْمُشْركين فِي تِجَارَتهمْ إِلَّا أَن
يكون بيعا تشهده فَأَما مَا خلوا بِهِ فَلَا لِأَن فِي دينهم أكل
الرباء وَقَالَ عَطاء: إِن كَانَ الْمُسلم يَلِي البيع وَالشِّرَاء
فَلَا بَأْس.
وَقَالَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: كَانَ بَنو إِسْرَائِيل من
(3/670)
أهل تهَامَة أَعْتَى النَّاس على الله
وَقَالُوا قولا لَا يَقُوله أحد فعاقبهم الله فعقوبتهم ترونها الْآن
بأعينكم فَجعل رِجَالهمْ القردة وبرهم الذّرة وكلابهم الْأسد ورمانهم
المظ وعنبهم الْأَرَاك وجوزهم الضبر ودجاجهم الغرغر.
حَدَّثَنِيهِ أَبُو حَاتِم قَالَ: حدّثنَاهُ الْأَصْمَعِي قَالَ:
حَدَّثَنى نصر مولى السهميين قَالَ: سَمِعت ابْن شهَاب يحدث بِهِ
بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام.
المظ رمان بري لَا يحمل. وَإِن حمل فَمَا لَا يننتفع بِهِ. قَالَ
الْهُذلِيّ وَذكر نحلا: من الطَّوِيل ... يَمَانِية احيا لَهَا مظ مأبد
... وَآل قراس صوب أسقيه كحل ...
قَالَ ابو مُحَمَّد: الأسقية جمع سقِِي وَهِي سحائب.
وقوه: وَجعل عنبهم الْأَرَاك. والأراك: عناقيد كعناقيد الْعِنَب وَحمله
يُؤْكَل. وَهُوَ الكباث. قَالَ جَابر بن عبد الله: كُنَّا نجنى الكباث
مَعَ سَوَّلَ الله قَالَ: عَلَيْكُم بالأسود مِنْهُ فَإِنَّهُ أطيبه.
(3/671)
والضبر: جوز الْبر. والغرغر: دَجَاج الحش
وَأَحْسبهُ لَا ينْتَفع بِلَحْمِهِ.
وَقَالَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: بلغنى أَنه من قَالَ حِين
يمسى أَو يصبح: أعوذ بك من شَرّ السامة والحامة وَمن شَرّ مَا خلقت لم
تضره دَابَّة. يرويهِ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ.
السامة: الْخَاصَّة. يُقَال: كَيفَ السامة والعامة أَي: كَيفَ من تخص
وتعم. وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس: من المنسرح: ... مسمة الدخل ...
أَي: مخصته. وَفِي حَدِيث النبى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه
كَانَ يتَعَوَّذ من شَرّ السامة والعامة.
وَفِي حَدِيث الزُّهْرِيّ: والحامة. والحامة: الْقَرَابَة. وَمِنْه
يُقَال: كَيفَ أهلك وحامتك. وَقيل لِلْقَرَابَةِ: الْحَمِيم. قَالَ
الشَّاعِر: من الوافر ... تسمنها بأغزر حلبتيها ... ومولاك الأحم لَهُ
سعار ...
(3/672)
الأحم: الْأَقْرَب. يَقُول: سعار من
الْجُوع. وَقَالَ العجاج وَذكر الله جلّ وَعز: من الرجز ... هُوَ
الَّذِي أنعم نعمى عَمت ... على الَّذين أَسْلمُوا وسمت ... أَي: خصت
أَي: عَمت هَذِه النِّعْمَة وسمت. وَأما قَوْلهم فِي العوذ: من كل عين
لَامة. فانه من: ألم يلم اذا اعتاده. وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُولُوا:
ملمة الا أَنهم أَرَادوا: ذَات لمَم كَمَا قَالُوا: هم ناصب اذا نصب.
وَقَوْلهمْ: من شَرّ كل عرق نعار. يُقَال: نعر الْعرق بِالدَّمِ ينعر
وَهُوَ عرق نعا ر. إِذا ارْتَفع دَمه. وَقَالَ الراجز: من الرجز ...
ضرب دراك وطعان ينعر ...
وَيُقَال من الصَّوْت: قد نعر ينعر نعيرا وانه لنعار فِي الْفِتَن إِذا
كَانَ ينْهض فِيهَا.
وَقَالَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ فِي رجل أنعل دَابَّة رجل
فعتبت أَو عنتت إِن كَانَ ينعل فَلَا شىء عَلَيْهِ
(3/673)
وَإِن كَانَ ذَلِك تكلفا وَلَيْسَ من عمله
ضمن.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّد بن عبيد عَن مُعَاوِيَة عَن أَبى اسحاق عَن
إِسْمَاعِيل عَن معمر عَن الزهرى.
قَوْله: عتبت أَي: غمزت فَرفعت رجلا أَو يدأ ومشت على ثَلَاث. يُقَال:
عتب الْفرس يعتب وَيَعْتِبُ. وَيُقَال ايضا من الموجدة: عتبت على فلَان
أَعتب وأعتب. وأعنت مثله. وعنتت فَإِنَّهُ من الْعَنَت وَهُوَ الضّر
وَالْفساد. وَإِن كَانَ الْمَحْفُوظ: عنتت فَإِنَّهُ من: الْعَنَت
وَهُوَ الضَّرَر وَالْفساد. وَقَالَ الله جلّ وَعز: {ذَلِك لمن خشِي
الْعَنَت مِنْكُم} وَأَرَادَ أَيْضا: غمز الدَّابَّة سَمَّاهُ عنتا
لِأَنَّهُ ضَرَر وَهَذَا أحب الْوَجْهَيْنِ إِلَيّ لقَوْل النبى صلى
الله عَلَيْهِ: أَيّمَا طَبِيب تطبب على قوم وَلم يعرف بالطب قبل ذَلِك
فأعنت فَهُوَ ضَامِن. أَحْسبهُ يَعْنِي فِي قطع الْعُرُوق والبط والكي
وَأَشْبَاه ذَلِك وَأرى الزُّهْرِيّ نقل لفظ الحَدِيث كَمَا نقل
مَعْنَاهُ.
(3/674)
حَدِيث الضَّحَّاك بن مُزَاحم
وَقَالَ فِي حَدِيث الضَّحَّاك انه قَالَ فِي رجل آلى من امْرَأَته
ثمَّ طَلقهَا أَو طَلقهَا ثمَّ آلى مِنْهَا هما كفرسى رهان ايهما سبق
أَخذ وَإِن وَقعا جَمِيعًا أَخذ بهما.
يريوه ابْن الْمُبَارك عَن الْحسن بن يحيى عَن الضَّحَّاك.
تَفْسِيره: ان الْعدة وَهِي ثَلَاث حيض إِن انْقَضتْ قبل انْقِضَاء
وَقت لَا يلاء وَهُوَ أَرْبَعَة أشهر فقد بَانَتْ مِنْهُ الْمَرْأَة
بِتِلْكَ التطليقة وَلَا شىء عَلَيْهِ من لَا يلاء لِأَن أَرْبَعَة
الاشهر تنقضى وَلَيْسَت لَهُ بِزَوْج وَإِن مَضَت الْأَرْبَعَة
الْأَشْهر وَهِي فِي الْعدة بَانَتْ مَعَ تِلْكَ التطليقة فَكَانَت
اثْنَتَيْنِ. وَهَذَا مَذْهَب سُفْيَان وَقوم الْكُوفِيّين. وَيذْهب
آخَرُونَ: إِلَى ان الطَّلَاق يهدم الا يلاء.
(3/675)
حَدِيث أَبى قيس الأودي عبد الرَّحْمَن بن
ثروان
وَقَالَ فِي حَدِيث أَبى قيس أَنه قَالَ: سُئِلَ ملك الْمَوْت عَن قبض
الْأَرْوَاح فَقَالَ: أؤيه بهَا كَمَا يؤيه بِالْخَيْلِ فتجيبني.
يروه ابْن فُضَيْل عَن الْحسن بن عبد الله عَن أَبى قيس.
التأييه: الدُّعَاء.
يُقَال: أيهت بالفرس فَأَنا أويه بِهِ تأييها. وَيُقَال: ايه بفلان
أَي: ادْعُه.
وَفِي كتاب سِيبَوَيْهٍ بَيت لَا يحسن كثير من النَّحْوِيين قِرَاءَته.
... أيك أيه بِي أَو مصدر ... من حمر الجلة جأب حشور ... أيك: أبعدك.
وَأنْشد أَبُو زيد: من الطَّوِيل ... فأيك هلا والليالي بغرة ... وَفِي
أعين الْأَيَّام عَنْك عنود ...
(3/676)
أَي: أبعدك الله. وأية دُعَاء على مَا
فسرنا فِي الحَدِيث.
وَاحْتج سِيبَوَيْهٍ بِهَذَا الْبَيْت فِي عطف الظَّاهِر على المكني
بِلَا إِعَادَة الْبَاء لِأَنَّهُ لم يقل: بمصدر.
جأب: غليظ وحشور: منتفخ الجنبين.
(3/677)
|