غريب الحديث للخطابي وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ذَكَرَ قَوْمًا
يَؤُمُّونَ الْبَيْتَ وَرَجُلٌ مُتَعَوِّذٌ بِالْبَيْتِ قَدْ لَجَأَ
بِهِ مِنْ قُرَيْشٍ فَإِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ
فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ الطَّرِيقُ قَدْ تَجْمَعُ
التَّاجِرَ وَابْنَ السَّبِيلَ وَالْمُسْتَبْصِرَ وَالْمَجْبُورَ
قَالَ: "يَهْلِكُونَ مَهْلِكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ
شَتَّى" 1.
حَدَّثَنَاهُ الأَصَمُّ نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ نا
مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ رَزِينٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ
وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ يَسْأَلانِ أُمَّ سَلَمَةَ عَنْ هَذَا
الْحَدِيثِ فَأَخْبَرَتْهُمْ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ.
المُسْتَبْصِرُ المُسْتَبِينُ للشيء قَالَ الله تعالى: {فَصَدَّهُمْ
عَنِ السَّبِيلِ
__________
1 أخرجه مسلم في الفتن 4/2208-2210 ثم أخرجه عن عائشة بسياق أقرب إلى
هذا. وانظر مسند أحمد 6/105 و 6/259.
(1/391)
وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} 1: أي كانوا
عَلَى بصيرةٍ من ضلالتهم2. يريد أن تِلْكَ الرُّفقة قد تَجمَع مَنْ
لَيْسَ قَصْدُه الإِلحادَ في الحَرَم من عابرِ سبيل وتاجرٍ ومُستبْصِرٍ
بالحقّ مفارق لهم في النِّيَّةِ والقَصْدِ. والمَجْبُورُ مَنْ جَبَروه
كَرْهًا عَلَى الخروج معهم يُقالُ: جَبَره وأَجْبره لُغَتان وأعلاهما
بالأَلف أنشدني أبو عُمَر عَنْ ثَعْلب:
قد أجْبر القاضي بحْكمٍ فَصْلِ ... أَنْ يَمْخَنُوها بثَلاثٍ أدل3
__________
1 سورة العنكبوت: 28.
2 ت, م: ضلالهم.
3 ت: "أن يمتحوها" وفي هامش م: أي ينزحوها. والبيتان فس اللسان والتاج
"مخن" برواية:
قد أمر القاضي بأمر عدل ... أن تمخنوها بثمان أَدْلِ
(1/392)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "خَيْرُ
الْخَيْلِ الأَدْهَمُ الأَقْرَحُ الْمُحَجَّلُ الأَرْثَمُ طَلْقُ
الْيَدِ الْيُمْنَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدْهَمَ فَكُمَيْتٌ عَلَى
هَذِهِ الشِّيَةِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
نا بُنْدَارٌ نا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ نا أَبِي سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ
أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عُلَيِّ2
بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ.
الأَقْرَحُ من الخَيْل: ما كَانَ في جَبْهَته قُرْحَةٌ وهي بياضٌ
يَسِيرٌ في وسط
__________
1 أخرجه ابن ماجه في الجهاد 2/932 بلفظه وأخرجه الترمذي في الجهاد أيضا
4/203 والدارمي 2/212 بألفاظ متقاربة.
2 في التقريب 2/36: علي بن رباح بن قصير ضد الطويل اللخمي ثقة والمشهور
علي بالتصغير مات سنة بضع عشرة ومائة.
(1/392)
الجَبْهَة. والأَرثَمُ: ما كَانَ
بجِحْفَلِته وأنْفِه بَياضٌ كأنّه رُثِمَ بِهِ أي لُطِخَ.
قَالَ الشاعر:
كأَنَّ مَارِنَها بالمِسْك مَرْثُومُ1
فإن كَانَ البَياضُ بالجَحْفَلة ولم يَفْشُ إلى الأَنْف فهو أَلْمَظُ:
لأَنَّ لسانَه ينالُه إذا تلّمظَه. والمُحجَّلُ: أن يكون في قوائِمه
تَحجيلٌ وهو بياضٌ يبلُغ الرُّسْغَ أُخِذَ من الحِجْل وهو الخَلخَال.
قوله: طَلق اليَدِ اليُمْنى أي مُطْلقُها. ويقال: في هذا مُمسَكُ
الأَياسِرِ مُطْلَقُ الأَيامنِ وهو مُسْتَحبٌّ. ومُمْسك الأَيامن
مُطْلَقُ الأياسر وهو مكروه. ويقال: بَعِير طَلْق اليَدَيْن غيرُ
مُقَيَّد وجمعه أَطْلاق. ورجل طليق الوجه وطَلْق الوَجْه وهو طليق
اللسان وطِلْق وطَلْق ورَجُل طَلْق اليَدَيْن إذا كَانَ سخِيًّا وقد
طَلَقَت يدُه ولسانه طُلُوقَةً وطُلوقًا2.
وكان رَسُولُ الله يكْرَهُ الشِّكالَ في الخَيْل: وهو أن تكون يَدا
الفرسِ وإحدى رجلَيْها مُحجَّلةً. قَالَ الشاعر:
أَبغِضُ كُلَّ فَرَسٍ مشْكُولِ ... تَعادَت الثَّلاثُ بالتّحجيلِ
مِنه ورِجلٌ ما بها تَشْكِيل
فوصفَه بهذا النعت.
__________
1 اللسان والتاج "رثم" والبيت:
تثني النقاب على عرنين أرنبة ... شماء مارنها بالمسك مرثوم
وعزيزلذي الرمة وهو في الديوان /572 والمازن: الأنف أو مالان منه.
2 ساقط من س, ط أثبتناه من نسخة ت, م.
(1/393)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا
مِنْ يَوْمٍ إِبْلِيسُ فِيهَ أَدْحَرُ وَلا أَدْحَقُ مِنْ يَوْمِ
عَرَفَةَ إِلا مَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ" قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ
بَدْرٍ قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ
الْمَلائِكَةَ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي
عَبْلَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ.
قوله: أَدْحرُ معناه أذلُّ وأبْعَدُ. يُقال: دَحرْتُ الرَجُلَ إذا
طردته ونحيته عن المكان ومنه قولُ الله تعالى: {فَتُلْقَى فِي
جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً} 2.
يريد والله أعلم مَهجُورًا مُقْصى. والدحق قريبٌ: من الدَّحْر يُقال
أَدْحَقَهُ اللهُ أي أبْعَدَه ورجُلٌ دَحِيقٌ سَحْيقٌ أي مُبْعَدٌ
مَطْرودٌ. قَالَ حسّانُ بْن ثابت:
رَجَمْتُكَ في الشعر حتى خضعـ ... ت وصِرْتَ لحْينكَ فذًّا دَحِيقا3
وقوله: يَزعُ الملائكة يريد أَنَّه جاء يَتَقَدَّمُهُم فيكُفُّ
ريْعَانَهُم4.
ومن هذا قولهم: وزَعْتُ الرَجْلَ عَن الضَلالَة وَوَزَعْتُ القَلْبَ
عَن الهَوَى5 قَالَ عُمَرُ بْن أَبِي ربيعة:
زَعِ القَلْبَ واستَبْق الحياءَ فإنّما ... يُبَعِّدُ أو يدني الرباب
المقادر6
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 4/378 والإمام مالك في الموطأ مرسلا
1/422.
2 سورة الإسراء: 29.
3 لم أقف عليه في ديوانه ط الهيئة المصرية العامة للكتاب.
4 في النهاية 5/180: "أي يرتبهم ويسويهم ويصفهم للحرب فكأنه يكفهم عن
التفرق والانتشار".
5 ت: وزعت القلب عن الهم.
6 الديوان /133.
(1/394)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ
لِلَّهِ فُرْسَانًا مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ مُسَوَّمِينَ وَفُرْسَانًا
مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ مُعْلَمِينَ فَفُرْسَانُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ
قَيْسٌ إِنَّ قَيْسًا ضِرَاءُ اللَّهِ" 1.
حَدَّثَنِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْجُنَيْدِ نا قُتَيْبَةُ نا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدٍ الْعَبْسِيُّ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ غَالِبٍ
الأَبْجَرِ.
المُسَوَّمُ: المُعْلَمُ. يقالُ: سَوَّم الفارسُ فَرَسَه إذا أعْلَمه
بعلامةٍ يُعْرَفُ بها من غَيْرِه والاسم منه السُّومَة
والضِّراءُ جمع ضِرْوٍ وهو من السِّباع ما لهج بالفَرائس ومن الكلاب ما
ضَرِي بالصَّيْد. قَالَ ذُو الرُمَّة:
مُقَزَّعٌ أطْلسُ الأَطْمار لَيْسَ لَهُ ... إلا الضِّراءَ وإلا
صَيْدَها نَشَبُ2
المُقَزَّع: الخفيف الشّعر3 وأما الضَّراء مفتوحة الضّاد فهو ما وَاراك
منْ شجرٍ
ويقال فُلانٌ يَمشي الضَّراءَ إذا كَانَ يَخْتِل الصَّيْد في استِخفاء
حتى يأخذه قَالَ الكميت:
وإِنّي عَلَى حُبّيْهم وَتَطلُّعي ... إلى نَصْرِهُم أَمْشي الضَّراءَ
وأَخْتِلُ4
وقيس توصف بالفروسة.
__________
1 أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 4/1/98 مختصرا وذكره الهيثمي في
مجمعه 10/49 بأطول منه وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط.
2 اللسان والتاج "قزع" والأساس "ضرى" والديوان /24.
3 من ت.
4 لم أقف عليه في شعر الكميت ط بغداد.
(1/395)
أخبرني محمد بْن الطَّيب المَرْوَزي نا
عَلِيّك الرَّازي نا داود بْن رُشَيْد نا سلَمةُ بْنُ بشر نا حُجْرُ
بْن الحَارِث عَنْ عَبْد الله بْن عَوْف القاري قَالَ: كَانَ يُقال:
يُسَوَّدُ السَّيِّد في تمِيم بالحِلْم وفي قَيسٍ بالفُروسَةِ وفي
رَبيْعة بالجُود.
(1/396)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ
بَدْرٍ: "إِنَّ جَمْعَ قُرَيْشٍ عِنْدَ هَذِهِ الضِّلَعِ الْحَمْرَاءِ
مِنَ الْجَبَلِ" 1.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: فَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ
وَصَافَنَّاهُمْ إِذَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ يَسِيرُ فِي الْقَوْمِ
عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ وَهُوَ يَنْهَى عَنِ الْقِتَالِ وَيَقُولُ
لَهُمْ يَا قَوْمُ إِنِّي أَرَى قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ. يَا قَوْمُ
اعْصُبُوهَا الْيَوْمَ بِرَأْسِي وَقُولُوا جَبُنَ عُتْبَةُ. وَقَدْ
تَعْلَمُونَ أَنِّي لَسْتُ بِأَجْبَنِكُمْ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ
وَاللَّهِ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هذا لأعضضته قد ملىء جَوْفُكَ
رُعْبًا. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قد ملىء سَحْرُكَ فَقَالَ عُتْبَةُ:
إِيَّايَ تَعْنِي2 يَا مُصَفِّرَ اسْتِهِ سَتَعْلَمُ أَيُّنَا
الْيَوْمَ أَجْبَنُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ3.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الزَّعْفَرَانِيُّ نا شَبَابَةُ
نا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ
عَنْ عَلِيٍّ.
قَالَ الأصمعيّ: الضِّلَعُ جُبَيْلٌ صَغيرٌ ليْس بمُنْقادٍ. وقال غيره
إنما سُمِّي ضِلَعًا لمَيْله وانْحرافِه تَمثِيلًا لَهُ بضِلَع
الإِنسان. والضَّلْعُ المَيْلُ. ومن هذا قولُك ضَلْعُك مَعَ فُلانٍ أي
صغوك وميلك إليه. قال النابغة:
__________
1 كذا في مسند أحمد 1/117 م, ت وفي س: من الخيل.
2 في مسند أحمد 1/117: تعير بدل تعني.
3 أخرجه أحمد في مسنده 1/117 والبيهقي في دلائل النبوة 2/341-343
والطبري في تاريخه 2/269. وذكره الهيثمي في مجمعه 6/75, 76 وعزاه
للبزار أيضا.
(1/396)
أتُوعدُ عبْدًا لم يَخُنْك أَمانةً ...
وتَتْرُكُ عبْدًا ظالما وهْو ضَالعُ1
وقوله: صَافَنَّاهم أي واقفْناهم في مركز القِتال. والصّافنُ الواقفُ.
ومنه الحديثُ: "مَن سرَّه أن يَقْومَ له الرِّجالُ صُفُونًا فليتبوّأ
مقْعدَه من النار" 2.
وقال حُمَيد بْن ثَورٍ:
كأنّ سَمُومَها سَرَعَانُ نَارٍ ... إذا ما شَمْسُها صفَنَتْ صُفُونَا3
يُقالُ: صَفَن الفَرسُ إذا قام عَلَى ثلاث قوائم قَالَ الله تعالى:
{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} 4.
فأمّا قَولُ الفرزْدق:
فلما تَصافَنَّا الإداوة أجهشت ... إلي عضون العَنبرَيّ الجُراضم5
فالتَّصَافُن: أن يُطرحَ في الإناء حَجرٌ ثُمَّ يُصَبَّ فيه من الماء
ما يَغْمرُه لِئلّا يتغابنُوا يَفْعَلُون ذَلِكَ في الأَسْفار عند
ضِيقِ الماء وإعوازِه. واسمُ تِلْكَ الحَصاةِ المُقْلَةُ.
وقوله: أَرَى قومًا مُستَمِيتين أي مُسْتَقْتِلين. والمُسْتَمِيتُ
الَّذِي يُقاتِلُ عَلَى المَوْت. قَالَ حَمزةُ بْن عَبْد المُطَّلب:
بِكَفَّي مَاجدٍ لا عَيْبَ فيه ... إذا لقي الكريهة يستميت
__________
1 الديوان /169.
2 أخرجه البخاري في الأدب المفرد 2/453 وأبو داود 4/358 بلفظ: "من أحب
أن يمتثل له الناس قياما فليتبوأ" وأخرجه الحاوي في مشكل الآثار 2/40
بلفظ: "من أحب أن يستجم له الرجال قياما وجبت له النار".
3 ليس في الديوان ط دار الكتب المصرية وفيه مقطوعة على الوزن والقافية.
4 سورة ص: 31.
5 اللسان والتاج "صفن" والديوان 2/297.
(1/397)
وقوله: اعْصِبُوهَا برأسِي يُريدُ الحرْبَ
وهي تُؤنَّثُ أو يكون أرادَ السُبَّةَ التي تَلحقُهم بالفِرار من
الحَرْب. والجُنُوحِ إلى السَّلْم فأَضمَرها في الكلام اعتمادًا عَلَى
مَعْرِفه المخاطبين بها. وقوله: ملىء سحْرُكَ. قَالَ أبو زَيْد: يقالُ
للرّجلُ: إذا جَبُنَ وانْكَسَر قد انتفَخ سَحْرُه. قَالَ: والسَّحْرُ
ما تعلَّق بالحُلْقُوم وَالرِّئَة.
قَالَ الشاعر:
ونارٍ كسَحْر العَوْدِ يرفَعُ ضَوْءَها م ... ع اللَّيْل هَبَّاتُ
الرِّياحِ الصَواردِ
وقال أبو عُبيدةَ في قولِه: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} 1.
يريد ممن لَهُ سَحْرٌ ممّا تَعَلَّقَ بالحُلْقُوم. قَالَ: وكُلُّ من
احْتاجَ إلى غِذاء فهْو مُسحَّرٌ. وأنشد للبِيدٍ:
فإن تسْألِينا فِيمَ نَحْنُ فإِنَّنا ... عَصافِيرُ من هذا الأَنامِ
المُسحَّرِ2
ويُقالُ: انصرف الرجلُ من حاجته صَرِيمَ سَحْرٍ إذا صار آيسًا منها.
قَالَ قَيسُ بنُ الخَطِيم:
تقولُ ظَعِينَتي لمَّا استقلَّتْ ... أَتترُكُ ما جَمعْتَ صَرِيمَ
سَحْر3
وأما قوله: يا مُصَفِّر اسْتِه فقد قِيلَ إنّه نَسَبَه إلى التَّوضِيع
والتَّأنيث.
وقد قَالَ فيه بعضُ الأنصار:
ومِن جَهْلٍ أبو جَهْلٍ أخوكم ... غَزا بدرًا بِمِجْمَرةٍ وَتَوْرِ4
__________
1 سورة الشعراء: 153.
2 شرح الديوان /56.
3 الديوان /120.
4 الكامل للمبرد 1/177. والمجمرة: إناء يوضع فيه الجمر مع البخور.
والتور: إناء يشرب فيه "القاموس, الوسيط".
(1/398)
وقد قيلَ إنّه لم يُرِد بهِ ذاك وإنّما
هُوَ كلمةٌ. يُقالُ للرّجُل المُتَرف الَّذِي يُؤْثِر الراحَةَ ويَمِيل
إلى التَنعُّم.
(1/399)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ
مُعَاذٍ لَمَّا رأى كثرة استشارة النبي أَصْحَابَهُ يَوْمَ بَدْرٍ
ظَنَّ أَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَنْطِقُ الأَنْصَارَ شَفَقًا أَنْ لا
يَسْتَحْلِبُوا مَعَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ مِنْ أَمْرِهِ فِي حَدِيثٍ
طَوِيلٍ. وَفِيهِ أَنَّ خَوَّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ حَتَّى بَلَغَ الصَّفْرَاءَ فَأَصَابَ سَاقَهُ نَصِيلُ حَجَرٍ
فَرَجَعَ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِسَهْمِهِ1
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ نا الصَّائِغُ نا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ عن محمد بن فلح عَنْ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
يقال: أَحْلبَ القَومُ واستحْلَبُوا إذا اجتمعوا لأمْرٍ وتَعاونوا
عَلَيْهِ. قَالَ الأُمَويُّ: يقال: هُم يَحْفِشُون عليكَ ويُحْلِبُونَ
عليك أي يجتمِعُون عليك.
قَالَ الكُمَيْتُ:
عَلى تِلْكَ إجْرِيَّايَ وَهْي ضَريبَتي ... وَإنْ أَجْلَبُوا طُرًّا
عَليَّ وَأَحلَبُوا2
يُقالُ: فلان على إجرياء حسَنةٍ: أي حالٍ وطريقةٍ حسنةٍ.
وقوله: أحْلَبُوا: أي أَعانَ بعضُهم بعْضًا والنَّصِيلُ حجرٌ مُحدَّدُ
الأَطْرافِ كأنه نصل لحدته.
__________
1 لم أقف على رواية موسى بن عقبة هذه والقصة ذكرها الواقدي في مغازيه
1/48 والطبري في تاريخه 2/274 وابن كثير في السير ة النبوية 2/392
بألفاظ أخرى. والفائق "حلب" 1/307.
2 اللسان والتاج "جرى" ولم أقف عليه في شعر الكميت ط بغداد.
(1/399)
وفي قصَّة بَدْرٍ بهذا الإسْناد أن أبا
سفيان خرج في ثلاثين فارسًا حتى نزل بجَبَل من جِبال المدينة فبعث
رجُلَيْن من أصحابه فأحْرقُوا صَوْرًا من صِيران الغُرَيْض فخرج رَسُول
الله في أصحابه حتى بلغ قَرقَرة الكُدْر فأَغْدَرُوهُ1.
يُقالُ أغدرْت الشيء وأخدَرْتُه إذا خلّفْتَهُ قَالَ الشاعرُ:
كأَنّها أمُّ سَاجي الطَّرْف أَخْدرَها ... مستودع خمر الوعساء مرخوم2
__________
1 ذكر ابن هشام هذه القصة في السيرة بألفاظ متقاربة 3/44 -45 وفي
الفائق "صور" 2/318.
2 اللسان والتاج "رخم" وعزي لذي الرمة وهو في ديوانه /570 وأم ساجي
الطرف يعني الظبية.
(1/400)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ فِي
بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَاعْتَشَى فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَانْقَطَعَ
عَنْهُ أَصْحَابُهُ1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ
نا سُوَيْدٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ
الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ
يَذْكُرُهُ.
قوله: اعْتَشَى يُرِيدُ أَنَّهُ سارَ في وقْت العَشاء.
قَالَ الشاعر:
وجُوهٌ لو أنَّ المعتفين اعتشوا بها ... صَدَعْنَ الدُّجَى حتى يُرَى
الليل ينجل2
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 4/168, 169 مختصرا وأخرجه المزي في تهذيب الكمال
1/228 بطوله في ترجمة: زياد بن نعيم عن زياد الصدائي.
2 اللسان والتاج "عشا" وعزي لمزاحم العقيلي جعل الإعتشاء بالوجوه
كالاعتشاء بالنار يمدح قوما بالجمال وقبله:
يزين نسا الماوي كل عشية ... على غفلات الزين والمتجمل
(1/400)
ومثلهُ اغُتَدَى إذا سارَ غُدْوةً وابتكر
إذا سار بُكْرَةً واستَحَر إذا سار سُحْرةً. قَالَ زُهيْرٌ:
بَكرْنَ بُكُورًا واستحْرنَ بسُحْرَةٍ ... فهُنَّ لوَادِي الرَّسِّ
كالْيَد للْفَمِ1
وفسَّرهُ بَعْضُهُم فقال: يريدُ أَنَّهُ نزل ليتعشّى أو ليُصَلّي
العِشاء وهذا غَلطٌ لأنّ في الخَبَر أَنّ زيَادا الصُّدائي قَالَ
اعْتشى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي
أَوَّلِ اللَّيْلِ فَانْقَطَعَ عَنْهُ أصحابُه ولَزِمْتُهُ فلما كَانَ
وقتُ الأَذان أمرني فأذّنْتُ فلمّا نزل للصلاة لحِقه أصحابُه فأرادَ
بلالٌ أن يُقيِم فَقَالَ لَهُ: "إنّ أَخَا صُدَاء هُوَ أذّن ومن أذن
فهو يقيم".
__________
1 الديوان /10 برواية: "فهن ووادي الرس كاليد في الفم".
(1/401)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
"الْخِلافَةُ فِي قُرَيْشٍ وَالْحُكْمُ فِي الأَنْصَارِ وَالدَّعْوَةُ
فِي الْحَبَشَةِ" 1.
يَرْوِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ
بْنِ ثَوْبٍ الْحَضْرَمِيِّ2 عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ كَثِيرِ
بْنِ مُرَّةَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ.
الدَّعْوَةُ الأَذان وجعله في الحبشة تَفضِيلًا لِبلال مؤذِّنه وجعل
الحُكْمَ في الأَنصارِ لأَنّ أكثر فُقهاء الصّحابة منهم مُعَاذٌ
وأُبَيُّ بنُ كعب وزيد بْن ثابت وغيرهم.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 4/185 وذكره الهيثمي في مجمعه 4/192 وعزاه
للطبراني أيضا.
2 م: اسماعيل بن عياش بن ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ بْنِ ثَوْبٍ الحضرمي.
وفي التقريب 1/73: "اسماعيل بن عياش بن سليم العنسي".
وفيه أيضا 1/375: "ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ بْنِ ثَوْبٍ "يضم المثلثة
وفتح الواو ثم موحدة" الحضرمي الحمصي. فيها اثنان لا واحدِ.
(1/401)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ صَنَعَ
طَعَامًا فِي تَزْوِيجِ فَاطِمَةَ وَقَالَ لِبِلالٍ: "أَدْخِلِ
النَّاسَ عَلَيَّ زُفَّةً زُفَّةً" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلاءِ الْبَجَلِيِّ عَنْ عَمِّهِ
شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ
الْمُسَيِّبِ2 عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: "زُفّةً زُفّةً" أي فَوْجًا فَوجًا وزُمْرةً زُمْرةً وأُراها
سُمِّيَتْ زُفَّةً لِزَفِيفها وهو إقْبالُها في سُرْعةٍ. ومنه زَفيفُ
النّعَامَة. يقال: زَفَّت النّعامةُ تَزِفُّ زَفِيفًا
ومن هذا قوله: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} 3. أي: يُسْرِعُون
وأخبرني أبو عُمَر أنا أبو موسى عَنْ أَبِي العَبَّاس ثَعْلب قَالَ:
يُقالُ: للجماعَةَ كُبْكُبَةٌ وكبكبة وهلتاة4 وزَرافَةٌ وغَيْثَرةٌ
وبِرزِيقٌ وَصَتٌ وصَتيتٌ ولُمَةٌ5 ولُمعَةٌ وثُبَةٌ وحَضيرَةٌ وثُلّةٌ
ولِبْدَةٌ وقِدَّةٌ وصَرْمٌ وعُنُقٌ من النّاس وعنْوٌ وأَعْناء وفِنْوٌ
وأَفْناءٌ6 وعِرْوٌ وأعْراء وقَنيفٌ من الناس وهم الأخلاط والأشابات.
وروى غير أَبِي عُمَر هِلثاءة بالثاء المثلثة7.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/487 وذكره الهيثمي في مجمعه 9/207-209
في حديث طويل.
2 في المصنف لعبد الرزاق 5/487 "سمرة بن المسيب" والمثبت في جميع
النسخ.
3 سورة الصافات: 94.
4 القاموس "هلت": الهلتات الجماعة يقيمون ويظعنون.
5 س: "وأمة" والمثبت من م, ت, ط. وفي القاموس "لما": اللمة "كثبة":
الجماعة من الثلاثة إلى العشرة.
6 ح: "وقنو وأقناء". وفي القاموس "قنو": القنو بالكسر والضم والقناء
بالكسر والفتح: الكباسة جمعه أقناء وقنينان وقنوان مثلين.
7 من م وفي القاموس "هلث": الهلثي والهلثاء والهلثاءة ويكسران والهلثة
بالضم: جماعة علت أصواتهم.
(1/402)
وقال أبو حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ فَأَرَادَ أن يأتيها
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِيَهَا فَأَبَتْ إِلا
أَنْ تُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ حَتَّى شَرِيَ أَمْرُهُمَا فَبَلَغَ ذَلِكَ
رَسُولَ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَبُو الإِصْبَغِ
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ يَعْنِي ابْنَ
سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ
عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: شَرِي أمرُهُما أي عَظُمَ أمْرُهُما وَارتفع إلى رَسُول الله.
وأصْلهُ من قولك شَرِي البَرْقُ إذا تتابع لمعَانُه ثُمَّ كَثُر حتى
قِيلَ لِكُلّ مَنْ لجَّ في أَمْرٍ وتَمادى فيه قد شَرِي في الأَمْر
واسْتَشْرى فيه.
__________
1 أخرجه أبو داود في المناكح 2/249 وغيره. والآية في سورة البقرة: 223.
وفي الفائق 1/274: الحرف: الطرف والناحية والممعنى إتيانها على جنب
وقيل: معنى على حرف ألا يتمكن منها تمكن النتوسط المتبجح في الأمر.
والشرح: أن يتمكن منها من شرح الأمر وهو فتح ما انغلق منه. وشرح المرأة
إذا سلقها على قفاها ثم غشيها.
(1/403)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُحَدِّثُهُ 1
قَيْلَةُ: أَنَّهَا خَرَجَتْ بِابْنَتِهَا تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ
قَالَتْ: فَلَحِقَنَا أَثْوَبُ بْنُ أَزْهَرَ عَمُّ بَنَاتِهَا يَسْعَى
بِالسَّيْفِ صَلْتًا فَوَأَلْنَا إِلَى حِوَاءٍ ضَخْمٍ قَالَتْ
وَمَضَيْتُ إِلَى أُخْتٍ لِي نَاكِحٍ فِي بَنِي شَيْبَانَ أَبْتَغِي
الصَّحَابَةَ فَذَكَرُوا حُرَيْثَ بْنَ حَسَّانٍ الشَّيْبَانِيَّ
فَنَشَدْتُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ الصُّحْبَةَ وَذَكَرَتْ قُدُومَهَا
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ
بِالدَّهْنَاءِ اعْتَرَضْتُ فِيهِ فَأَمَرَ أَنْ لا يكتب له فتمثل
__________
1 ت: "ترويه".
(1/403)
حُرَيْثٌ فَقَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ
كَمَا قَالَ حَتْفَهَا ضَأْنٌ تَحْمِلُ بِأَظْلافِهَا1.
فِي حَدِيثٍ ذَكَرَ سَائِرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِهِ2.
حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ
بْنُ أَيُّوبَ بْنِ ضُرَيْسٍ نا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمِرِيُّ
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَوَّارٍ الْعَنْبَرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُثْمَانَ اللاحِقِيُّ قَالُوا: نا عَبْدُ اللَّهِ3 بْنُ حَسَّانَ
الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَتْنِي جَدَّتَايَ صَفِيَّةُ وَدُحَيْبَةُ
ابْنَتَا عُلَيْبَةَ أَنَّ قَيْلَةَ أَخْبَرَتْهُمَا بِذَلِكَ.
قولُها: وأَلْنا معناه لَجأنا إِلَيْهِ. يُقال: وَأَلَ الرَّجُلُ إلى
المكان إذا لَجأ إِلَيْهِ. والمَوْئِلُ المَلْجَأُ والمَهْرَبُ. يقال:
لا وألَتْ نفْسُهُ أي لا نَجَتْ. وفُلانّ يُوائِلُ أي يُسابِقُ
ويُبَادِرُ لِيَنْجُو. قَالَ الأعْشى:
وقد أُحاذِر ربَّ البيتِ غَفْلتَه ... وقد يُحَاذر منّي ثُمَّ لا
يَئِل4
أي: لا يَنْجُو.
والحِواء: بُيوتٌ مجتمعة عَلَى ماءٍ وتُجمَعُ عَلَى أَحْويه. قَالَ ذو
الرمّة:
إلى لَوائح من أطْلال أَحْويَةٍ ... كأَنَّها خلل موشية قشب5
__________
1 في النهاية 1/388: "حتفها تحمل ضأن بأظلافها" هذا مثل وأصله أن رجلا
كان جائعا بالبلد القفر فوجد شاة ولم يكن معه مايذبحها به فبحثت الشاة
بالأرض فظهر فيها مدية فذبحها بها فصارت مثلا من أعان على نفسه بسوء
تدبيره وهو في اللسان حتف وجمهرة الأمثال 1/363 ومجمع الأمثال 1/192
والمستقصي 2/95.
2 أخرج البخاري في الأدب المفرد 2/607 في باب القرفصاء طرفا منه.
والترمذي 5/120 جزء منه. وذكره الحافظ في الإصابة 4/391 بطوله وكذلك
المزي في تهذيب الكمال 2/431 ولم أقف عليه في غريب الحديث لأبي عبيد.
3 كذا في ت, م وفي س, ط, ح: علي بن عثمان اللاحقي.
4 ت, م: "وقد أخالس.. ثم مايئل". وكذلك في الديوان /147.
5 اللسان والتاج "قشب, خلل". والديوان /3.
(1/404)
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ
تَغْلَبَ حَدَّثَنَاهُ ابْنُ السَّمَّاكِ نا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الْوَاسِطِيُّ نا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ نا أَبِي نا يُونُسُ بْنُ
عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلَبَ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ
أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَفِيضَ الْمَالُ وَيَكْثُرَ وَتَفْشُوَ
التِّجَارَةُ وَيَظْهَرَ الْقَلَمُ" 1.
قَالَ عَمْرٌو: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَبِيعُ الْبَيْعَ فَيَقُولُ
حَتَّى أَسْتَأْمِرَ تَاجِرَ بَنِي فُلانٍ وَيُلْتَمَسُ فِي الْحِوَاءِ
الْعَظِيمِ الْكَاتِبُ فَمَا يُوجَدُ.
قولُها ناكحٌ في بني شيبان تريد أنّها ذاتُ زوج وقد تَسقُط الهاءُ في
مثل هذا من نعت المؤنث إذ أَرَدْتَ الحال الرَّاهِنَة2 كقولك امرأةٌ
طالقٌ وحاملٌ فإذا جَعَلتَه للمُسْتَقْبَل قلت حامِلةٌ وطالِقةٌ. قَالَ
الأَعشَى:
أجَارتَنا بِيني فإنّكِ طالقَه3
وَقَولُها: فنَشَدتُ عَنْه أي سأَلْتُ عَنْهُ وطَلبتُ. يقال: نشَدْتُ
الضَالّةَ أَنْشُدُها إذا طَلَبْتَها وأنشَدْتُها إذا عرَّفْتَها.
وأخبرني ابنُ الزِّئْبَقي نا الكُدَيْمي نا الأصمَعي قَالَ ضَلَّ بعير
لرجُلٍ من الأَعراب فجَعَل ينْشُدُه وهو يَقُولُ: مَن وجدَهُ فهو لَهُ
فقيل: لَهُ فَما تَتَعَنّى في طلبه قَالَ فأينَ فَرحةُ الوجدان.
__________
1 أخرجه النسائي في البيوع 7/244 بلفظ: "يفشو المال.. ويظهر العلم بدل:
"القلم" ويلتمس في الحي العظيم الكاتب فلا يوجد.
والطبراني بلفظ.. "أن يقبض العلم ويظهر القلم وتفشو التجارة". وابن
عساكر في التاريخ بلفظ: "يفيض المال ويكثر الجهل وتظهر الفتن وتفشو
التجارة". "انظر الجامع الكبير 1/271
2 هامش س, ط, ت: "الذاهبة" والمثبت من م, ح.
3 الديوان /122 والبيت فيه:
ياجارتي بيني فإنك طالقة ... كذاك أمور الناس غاد وطارقه
(1/405)
وأما قَولُه: حَتْفَها ضَأنٌ تحمِلُ
بأظلافها فإنّه مَثَل1 ضربَهُ لها ولِصَنِيعها بِهِ حينَ اعتَرضَتْ
عَلَيْهِ في الدَّهناء وَحالَت بينه وبينها. وأَصلُ هذا أَنّ
النُّعمانَ بنَ المنذر عمد إلى كبش فَعلَّق في عُنقة مُدْيةً ثُمَّ
أَرْسَلَه ونذَر أن يَقتُل من عَرَض لَهُ فكان الكبْشُ يَسْرَحُ ولا
يُمَسّ ثُمَّ إنّهُ مَرَّ عَلَى أَرقَم بْن عِلباءَ اليَشْكُريّ
فَقَالَ: كَبْشٌ يحمِلُ حَتْفَهُ بأظْلافه ثُمَّ وثَب عَلَيْهِ فذَبَحه
واشْتَواه وقال شِعْرًا طويلًا فيه:
أُخَوَّفُ بالنّعْمان حتّى كأنّني ... قَتَلْتُ لَهُ خَالًا كِريْمًا
أو ابنَ عَمّ
__________
1 سبق تخريجه.
(1/406)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ بَعَثَ
عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَسُولا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَنَزَلَ عَلَى
أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَبَلَّغَهُ رِسَالَتَهُ فَقَالَ أَهْلُ
مَكَّةَ لأَبِي سُفْيَانَ مَا أَتَاكَ بِهِ ابْنُ عَمِّكَ قَالَ
أَتَانِي بِشَرٍّ سَأَلَنِي أَنْ أُخَلِّيَ مَكَّةَ لِجَعَاسِيسِ
أَهْلِ يَثْرِبَ1
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ عَنْ
مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ.
الجَعاسيسُ اللِّئامُ واحدهم جُعْسُوس قَالَ الراعي:
ضِعافُ القُوَى لَيْسُوا كَمنْ يبتَني العُلا ... جعَاسيسُ قَصَّارون
دون المَكَارِم2
فأمّا الجُعْشُوشُ بالشِّين مُعجمة فهو الطويل الدقيق قاله الأصمعي.
__________
1 في الفائق 1/217 برواية: "لجعاسيس مضر". والحديث برواية كتابنا هذا
في النهاية "جعسس" 1/276.
2 لم أقف عليه في شعره ط دمشق. وهو في ديوانه /245 ط بغداد وفي الفائق
"جعسس" 1/217.
(1/406)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ صَلَّى إِلَى
بَعِيرٍ مِنَ الْمَغْنَمِ فَلَمَّا انْفَتَلَ تَنَاوَلَ قَرَدَةً مِنْ
وَبَرِ الْبَعِيرِ ثُمَّ أَقْبَلَ فَقَالَ: "إِنَّهُ لا يَحِلُّ لِي
مِنْ غَنَائِمِكُمْ مَا يَزِنُ هَذِهِ إِلا الْخُمْسُ وَهُوَ مَرْدُودٌ
عَلَيْكُمْ" 1.
يَرْوِيهِ إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ زِيَادٍ الْمُصَفَّرِ عَنِ
الْحَسَنِ عَنِ الْمِقْدَامِ الرُّهَاوِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ.
القَرَدَةُ: القِطعةُ من الوَبَر تَنْسُلُ منه. قَالَ رُؤبَةُ:
مَدَّ بخَيْطَيْ قَرَدٍ وصُوف2
ويُقالُ إنَّ القَرَدَ أرْدَأُ الصُّوفِ والوَبَر قَالَ الشاعر يهْجُو
قَوْمًا:
لَوْ كُنْتُمُ ماء لكنتم زَبَدا ... أو كنتم صوفا لكنتم قردا3
ومن أمثالهم في التَّفرِيط في الحاجة وهي مُمْكِنَةٌ ثُمَّ تُطلَبُ بعد
الفَوت قَولُهم:
عثَرتْ عَلَى الغَزْل بأَخَره ... فلم تَدعْ بنَجْدٍ قَرَدَه
قَالَ الأَصمَعِيُّ: وأصْلُه أن تَدَعَ المرْأةُ الغَزْلَ وهي تَجِدُ
ما تغْزله من قطْن أو كِتّان حتّى إذا فَاتَها تتبَّعت القَرَدَ في
القُمامات تَلْتقطها فتغْزلها.
ويُقالُ: سنامٌ قَردٌ أي جَعْدُ الوَبَر. قَالَ بشر بن أبي خازم يصف
ناقة4:
__________
1 أخرجه ابن ماجه /950 بنحوه وأخرجه ابن عساكر في تاريخه بلفظه كما ذكر
السيوطي في الجامع الكبير 2/425.
2 في الديوان أرجوزة على هذه القافية ليس منها هذا البيت.
3 في الفائق 3/170 واللسان والتاج "قرد" برواية: "عكرت" بدل "عثرت".
وعكرت: عطفت والمثل في جمهرة الأمثال 2/48 ومجمع الأمثال 2/5 والمستقصي
2/157.
4 ت: "ناقته".
(1/407)
لها قِردٌ كَجُثْو النَّمْل جَعْدٌ ...
يَغَصٌ بِهِ العَراقي والقُدُوحُ1
والعَراقي: عيدان الرحل.
__________
1 ح: "كجثو النخل" وهو في الديوان /50 باختلاف في بعض الألفاظ. وفي
هامش م: القدوح جمع قدح خشيبات تكون في الرحل.
(1/408)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ
لِعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بن اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ فَأَصَابَتْه
رَمْيَةٌ يَوْمَ الطَّائِفِ فَضَمِنَ مِنْهَا فَقَالَ النبي لأُمِّهِ
وَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ نَسُوءٌ: "أَبْشِرِي بِعَبْدِ اللَّهِ
خَلَفًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ" فَوَلَدَتْ غُلامًا فَسَمَّتْهُ عَبْدَ
اللَّهِ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا
يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرَ بِإِسْنَادٍ ذَكَرَهُ.
قولهُ: ضَمِنَ منْها أي زَمِنَ يُقالُ: ضَمِنَ الّرجُلُ ضَمانةً ورجلٌ
ضمِنٌ ورِجَالٌ ضَمْنَى. ومنه الحديثُ: "من اكْتَتَب ضَمِنًا بعثَه
اللهُ زَمِنًا" وهذا في الرجل يضرب عليه البعث فيتعالل ويتمارَض وليْس
بِهِ مَرَضٌ.
وأخبرني أبو عُمَر عن أبي العباس ثعلب أن أعرابيا جاء إلى صاحب
الفَرْضِ فَقَالَ:
إِنْ تَكْتُبوا الضَّمْنَى فإنّي لَضَمِن ... مِنَ داخِل القَلْب
ودَاءٍ مُسْتَكِنْ2
وقوله: وهي نَسْوءٌ أي مَظْنُونٌ بها الحَمْل3. قال الأصمعي: يقال
__________
1 أخرجه ابن معين في تاريخه 1/21 رقم النص: 123 وذكره الحافظ في
الإصابة 2/329.
2 الفائق 2/347.
3 ت: الحبل.
(1/408)
للمرأة أوّلَ ما تَحْمِلُ قد نُسِئَتْ فهي
نَسْءٌ. قَالَ غيره: امرأَةٌ نَسْءٌ ونِساءٌ نِسَاءٌ1 جَمْعُ نَسْءٍ
وفيها ثلاثُ لُغات نَسْءٌ ونُسْءٌ ونِسْءٌ2 وإنما قِيلَ لها نَسْءٌ
لأنّ حيْضَها تأخَّر عَنْ وقْتِه من نَسَأَ فُلانٌ الشيء إذا أَخَّره.
ومنه النَسِيئَةُ في البَيْع. قَالَ الله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ
زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} 3 وهو تأْخيرهُم الأَشْهُر الحْرُم إلى أشهُر
الحِلٌ واستِحلالُهم فيها القِتال. قَالَ الشاعر:
ألَسْنا النَّاسِئينَ عَلَى مَعَدٍّ ... شُهُورَ الحِلّ نجْعلُها
حَرامَا4
ويُقالُ في الدُّعَاء: نَسَأَ اللهُ في أَجَله وأَنْسَأه اللهُ.
وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ
الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ أنا أَبِي عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي
عَمُرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ كَانَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ
تَحْتَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَرْسَلَهَا إِلَى أَبِيهَا وَهِيَ نَسُوءٌ
فَأَنْفَرَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ بَعِيرَهَا حَتَّى سَقَطَتْ
فَنَفِثَتِ الدِّمَاءَ مَكَانَهَا وَأَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَلَمْ
تَزَلْ مِنْهُ5 ضَمِنَةً حَتَّى مَاتَتْ عند رسول الله6.
__________
1 ط, س: ونساء ونسوء بكسر النون وفتح السين والمثبت من ت, م, ح.
2 اللسان "نسأ": امرأة نسء ونسوء ونسوة نساء إذا تأخر حيضها ورجي
حبلها.
3 سورة التوبة: 37.
4 اللسان والتاج "نسأ" وعزي لعمير بن قيس بن جذل الطعان.
5 ت: "منها".
6 ذكر الحاكم في المستدرك 4/42-44 قصة هجرة زينب بألفاظ متقاربة وبطرق
متعددة وذكره الهيثمي كذلك في مجمعه 9/216 عن عروة بألفاظ متشابهة.
(1/409)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "اللَّهُمَّ
أَعِنِّي عَلَى مُضَرَ بِالسَّنَةِ" فَجَاءَهُ مُضَرِيٌّ فَقَالَ: يَا
نَبِيَّ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا يَخْطِرُ لَنَا جَمَلٌ وَمَا
يَتَزَوَّدُ لَنَا رَاعٍ1. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا يَغِطُّ لَنَا
بَعِيرٌ2.
قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُمْ فَمَا مَضَى ذَلِكَ الْيَوْمُ حَتَّى
مُطِرُوا وَمَا مَضَتْ سَابِعَةٌ حَتَّى أَعْطَنَ3 النَّاسُ فِي
الْعُشْبِ.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ قَالَ: فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ
حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ. وَقَالَ: فِي الْحَدِيثِ الآخَرِ عَنِ
ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ4 بْنِ سَعِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ
سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ.
السَّنَةُ الجَدْبُ. يقال: أَسْنَتَ القومُ إذا أجْدَبُوا فهم
مُسْنِتون قَالَ الشاعر:
عَمرُو العُلا هَشَمَ الثّريدَ لِقَوْمه ... ورجالُ مَكَّة مُسْنِتُون
عِجَافُ5
وقوله: ما يَخْطِرُ لنا جَمْلٌ يريد أَنَّ الفُحُولَة لِمَا بها من
الضُرِّ والهُزال لا تَغْتَلم فتَهْدِر وإنّما يَخْطِر البَعِيرُ
بذَنَبِه إذا اغتلم. وقال عبد الملك بنُ مَرْوان لمّا قَتَل عَمرو بْنَ
سَعِيد: لَقدْ قَتَلْتُه وإنَّهُ لأَعَزُّ عليَّ من جِلْدَةِ ما بين
عيْنَيَّ ولكن لا يَخْطِرُ فَحْلان في شَوْلٍ
وحدثني أحمد بْن إبراهيم بْن خُزَيْمة نا إسحاق بْن إبراهيم نا أحمد
بْن مُصعَب المروَزِيّ نا الفَضلُ بْن مُوسَى السِّيناني عَنْ داودَ
العطار قال:
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 3/89.
2 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 3/91.
3 ت: "أغطى" "تحريف".
4 في المصنف 3/91 عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ
أَوْ غَيْرِهِ عَنْ سالم بن أبي الجعد. وفي س: "عن ابن عبد الله عن عمر
بن سعيد".
5 اللسان والتاج "سنت" وعزي لابن الزبعري وانظر للكامل في المبرد
1/252.كذا في م, ت والمشتبه 1/382. وفي س: "السينابي. وفي ط:
"السيباني".
وفي التقريب 2/111: الفضل بن موسى السيناني بمهملة مكسورة ونونين أبو
عبد الله المروزي ثقة ثبت مات سنة 292هـ.
وفي اللباب: ينسبإلى سينان إحدى قرى مرو.
(1/410)
سَمِعَ سُليمانُ بْن عَبْد الملك في
مُعَسكره صوتَ غِناء فدعا بهم ثُمَّ قَالَ لهم: أَمَا إنَّ الفَرسَ
ليَصْهَل فتسْتَودِقُ لَهُ الرَّمَكةُ وَإِنَّ الجَمَل ليَخْطِر1
فتَضْبَع لَهُ النّاقَةُ. وإنّ التَيْسَ ليِنبُّ فتستحْرم لَهُ
العَنْزُ وإنّ الرجُل ليُغَنّي فتشتاق إِلَيْهِ المرأة اخصوهم. فَقَالَ
عُمَرُ بْن عَبْد العزيز: إنّها مُثْلَةٌ وطلب إِلَيْهِ فَخَلَّى
سَبيلهم ويقال: خَطَر البَعيرُ بذَنَبه خَطْرًا وخَطِيرًا وخَطَر
الشيءُ ببالي خُطُورًا وخَطَر الرجلُ في مِشْيته خَطَرَانا2.
قَالَ أبُو زيْدٍ: يُقَالُ غَطَّ البَعيرُ إذا هَدرَ في الشِقْشِقَةِ
فإذا لم يَكُنْ في الشّقْشِقَة فهو هَدِيرٌ
والناقةُ تَهْدِرُ ولا تَغِطُّ لأنّه لا شِقْشِقَةَ لها. وقال
الأصمعيُّ: إذا بلغَ الذَّكرُ من الإبل الهديرَ فأوَّلُه الكَشِيشُ
فإذا ارتَفَع قَلِيلًا فهو الكَتِيتُ فإذا أَفْصَح بالهَدْر قِيلَ
هدَرَ هَدِيرًا فإذا صَفَا صوتُه قِيلَ قَرْقَر فإذا جَعَل يَهْدِرُ
هَدِيرًا كأنه يُقَصَّره قِيلَ زَغَد يَزْغَدُ زَغْدًا3 فإذا جَعل
كأنّه يَقْلَعُه قَلْعًا قِيلَ قَلَخَ وبعيرٌ قَلاخٌ4. ويُقالُ لكُلّ
ذَاتِ ظِلْفٍ
__________
1 اللسان "خطر": خطر الفحل بذنبه يخطر من باب ضرب خطرا وخطرانا وخطيرا
رفعه مرة بعد مرة وضرب به حاذيه وهو ماظهر من فخذيه حيث يقع شعر الذنب
وقيل ضرب به يمينا وشمالا.
وقد ذكر ابن كتير هذه القصة في البداية والنهاية 9/180 بلفظ: "ليهدر"
بدل "ليخطر" فتستخذي" بدل "فتستحرم.
2 ساقط من س, أثبتناه من ت, م.
3 ت, ح: "رغديرغد رغدا "تصحيف وفي القاموس "زغد": زغد البعير كمنع: هدر
شديدا.
4 ت: "فلخ وبعير فلاخ". تصحيف وفي القاموس "قلخ": قلخ الفحل كمنع قلخا
وقليخا هدر وفي س: بعير قلاخ بدون تشديد.
(1/411)
إذا أرادَت الفَحْلَ استحْرمَتْ ولِكُلّ
ذات حافز استَودقَتْ ولِكُل ذاتَ مِخْلَبٍ كالكَلْب ونحْوه صَرفَتْ
واستَجْعلَتْ ويُقال للناقة ضَبِعَتْ.
وقولُه: حتى أَعْطنَ الناسُ في العُشْب يُريدُ أَنّ الغُدران قد امتلأت
ماءً فصارت أعْطانُ الإبل في مراعيها والعَطَنُ مناخُ الإِبل عنْد
الحَوْض بعد الصَّدَر وإنّما يُعْطَنُ بَعْدَ الري قَالَ عُمَرُ1 بْنُ
لَجأ:
يْمشي إلى رواء عاطناتها2
__________
1 ت: "عمرو".
2 اللسان والتاج "عطن".
(1/412)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَهُ كَانَ فِي
غَزْوَةِ هَوَازِنَ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ يَوْمًا: "هَلْ مِنْ وَضُوءٍ"
فَجَاءَ رَجُلٌ بِنُطْفَةٍ فِي إِدَاوَةٍ فَاقْتَضَّهَا فَأَمَرَ بِهَا
رَسُولُ اللَّهِ فَصُبَّتْ فِي قَدَحٍ قَالَ: فَتَوَضَّأْنَا كُلُّنَا
وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً نُدَغْفِقُهَا دَغْفَقَةً1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِسْكِيُّ نا مُحَمَّدُ
بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادٍ نا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ الْمُقَوَّمُ نا
يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ نا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ
عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ.
النُّطْفَةُ القَلِيلُ من الماء قَالَ بِشرُ بْن أَبِي خَازمٍ:
مُعّرسُ أَرْبَعٍ متقابلات ... يُبادِرْنَ القَطَا سَمَلُ النِّطَاف2
يريدُ بقايا الماء ويُقال للماء الكثير أيْضًا نُطْفَةٌ والحرفُ من
الأضداد.
__________
1 أخرجه مسلم في كتاب اللقطة 3/1354 بلفظ: "فأفرغها" بدل "فاقتضها".
2 الديوان 146.
(1/412)
وقوله: اقْتَضّها هكذا قَالَ بالقافِ فإن
كَانَ محفُوظًا فمعناه أنّه فَتَح رأسَ الإِداوَة ومن هذا اقْتِضاضُ
البِكْر واقتِضاضُ اللُؤلؤة ونحْوِها. وإن كانت الرِّوايةُ بالفاء
فمعناه أنّه قد صَبَّ شَيئًا منْها يُقال فَضَّ الماءَ وافتضَّهُ إذا
صَبَّ شيئًا منه بعْدَ شيء. قَالَ حُمَيد بْن ثَوْر:
إذا النُّوقُ لم تملك سِجالا تَفُضُّها ... من البَوْل واهْتَزَّ
الخُفافُ السَّميْدَعُ1
يُريدُ أنّها لم تَمِلك البَوْل من شدَّة السَّيْرِ.
وقال جِميلُ بْن مَعْمَرٍ:
قامَتْ تودّعْنا والعَيْنُ سَاجِمَةٌ ... إنْسَانُها بفَضِيض الدَمْعِ
مكتحلُ
يُريدُ الدّمْع المُتَفرق.
والدَغْفَقَةُ الكَثْرَةُ والسعة. يقال فلان في نَعيم دَغْفَقٍ أي
واسعٍ. قَالَ الشاعر:
بعد التَّصابي والشَّباب الغَيْدَقِ ... أَزْمَانَ إذ نَحْنُ بعَيْشٍ
دَغْفَقِ2
والغَيْدَقُ والغَيْداقُ مِثْلهُ. يُقال: مَطرٌ غَيْداقٌ أي واسِعٌ
كثيرٌ.
وشَبِيةٌ بهذا حَدِيثُ المِيضَأة وَهُوَ مَا رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ
حَرْبٍ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ
أَنَّهُ كَانَ فِي سفر مع رسول الله فَبَيْنَا نَحْنُ لَيْلَةً
مُتَسَاتِلِينَ عَنِ الطَّرِيقِ نَعِسَ رَسُولُ اللَّهِ فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ لَوْ عَدَلْتَ فَنَزَلْتَ حَتَّى يَذْهَبَ كَرَاكَ.
قَالَ: "فَابْغِنَا مَكَانًا خَمِرًا" قَالَ: فَعَدَلْتُ عَنِ
الطَّرِيقِ فَإِذَا أَنَا بِعُقْدَةٍ مِنْ شَجَرٍ قَالَ: فَنَزَلْنَا
فَمَا اسْتَيْقَظْنَا إِلا بِالشَّمْسِ فَقُمْنَا وَهِلِينَ من
__________
1 في الديوان قصيدة على الوزن والقافية وليس فيها هذا البيت.
2 اللسان والتاج "غدق" واقتصرا على البيت الأول.
(1/413)
صَلاتِنَا. قَالَ: وَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ الْعَطَشَ فَدَعَا بِالْمِيضَأَةِ فَجَعَلَهَا فِي ضِبْنِهِ
ثُمَّ الْتَقَمَ فَمَهَا فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَفَثَ فِيهَا أَمْ لا
فَشَرِبَ النَّاسُ حَتَّى رَوَوْا1.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَتَكَابَّ النَّاسُ عَلَى الْمِيضَأَةِ
فَقَالَ: "أَحْسِنُوا الْمَلأَ فَكُلُّكُمْ سَيَرْوَى" 2.
قولُهُ: مُتساتلين مَعْناهُ مُتَقاطِرِين واحدًا في إثر واحدٍ. وكلُّ
شيء تَبِع بعضُه بَعْضًا فقد تَساتَل كالدَّمْع إذا تتابع قَطْرهُ
والعِقْد إذا انْقَطَع سِلْكُهُ. والخمر ما واراك من الشجر ومكان
خَمِرٌ أي أَشِبٌ. قَالَ الأصمعيُّ: والعُقْدَةُ من الأرْض البُقْعَةُ
الكَثِيرةٌ الشَّجَر. فأمّا العَقِدَةُ فالقِطْعَةُ من الرَّمْلِ قد
تراكم بعضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَجَمْعُها عَقِدٌ. وقال أبُو عَمْرو هُوَ
العَقَدُ بالفَتْح. وقوله: وَهِليْن مَعْناه فَزِعيْن.
والوَهَل الفَزَعُ. والمِيضَأةُ مِطْهَرةٌ غَيرُ كَبِيرة يُتَوضَّأُ
منها. والضَّبْنُ ما بيْن الكَشْح والإِبْطِ. وقال: اضْطَبَنْتُ
الشّيءَ إذا حَمَلْتَه فأمْسَكْتَه عَلَى ضِبْنِك.
وقوله: أَحْسِنُوا المَلأَ. قَالَ أبُو زَيدٍ: يُقال لِلرجُل: أَحْسِنْ
مَلأَكَ أي خلقك.
__________
1 خرجه مسلم بطوله في 1/472 بنحوه وأبو داود في 1/119, 120 وابن ماجه
طرفا منه وأحمد في مسنده 5/298, 302, 307.
2 في صحيح مسلم 1/472 هذه الرواية متداخلة في الأولى التي تقدمت.
(1/414)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
لأَصْحَابِهِ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلا وَجَدَ مَعَ
امْرَأَتِهِ رَجُلا كَيْفَ يَصْنَعُ بِهِ" فَقَالَ سَعْدُ بْنُ
عُبَادَةَ وَاللَّهِ لأَضْرِبَنَّهُ بِالسَّيْفِ وَلا أَنْتَظِرُ أَنْ
آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "انْظُرُوا
إِلَى سَيِّدِنَا هَذَا مَا يَقُولُ" 1.
يَرْوِيهِ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ بُجْرَةَ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: "انظُروا إلى سيّدنا" يُريدُ إلى مَنْ سَوَّدْنَاه عَلَى قَوْمه
ورأَسْناهُ عليهم كما يَقولُ السلْطَانُ الأعظمُ فُلانٌ أمِيرُنا
وقائدُنا أي مَن أَمَّرناه عَلَى الناس وَرتّبْنَاه لِقيادة الجُيُوش
وكان سعدُ بنُ عُبادَة سيِّد الخَزرَج في الجاهليّة وجَعله رَسُولُ
الله نَقِيبًا في الإسْلام. فعلى هذا يُتأوّلُ قولهُ: سيّدنا لا أعْلمُ
للحَديثِ وَجْهًا غيره.
وكيف يَجُوزُ أن يكونَ أحدٌ يسوده وهو سيّدُ وَلَدِ آدَم أَحمرِهم
وأَسْودِهم وإنما جاء في أكثر الرّوايات انظروا إلى ما يَقُولُ
سَيّدُكُم.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ: أَنَّ وَفْدَ بَنِي عَامِرٍ قَدِمُوا
عَلَيْهِ فَقَالُوا: أَنْتَ سَيِّدُنَا وَأَنْتَ الْجَفْنَةُ
الْغَرَّاءُ.
حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ الْبُنَانِيُّ نا عَبْدُوسُ
الْمَدَائِنِيُّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَيْشِيُّ نا
مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ نا غَيْلانُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ قدمنا على رسول الله فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ. قَالَ:
فَقُلْنَا: أَنْتَ وَالِدُنَا وَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَأَنْتَ
أَطْوَلُنَا طُولًا وَأَنْتَ الْجَفْنَةُ الْغَرَّاءُ فَقَالَ:
"قُولُوا بِقَوْلِكُمْ وَلا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ".
وَرُبَّمَا قَالَ: "لا يستجرينكم الشيطان" 2.
__________
1 لم أقف على رواية أسلم بن جرة وقد أخرجه مسلم في اللعان 2/1135, 1136
بنحوه من حديث أبي هريرة وأخرجه أبو داود في الديلت 4/181.
2 أخرجه الإمام أحمد في 4/25 بلفظ: "ولينا" بدل: "والدنا", وأبو داوود
في 4/254 مختصرا.
(1/415)
وإنما أنكر هذا القَوْلَ: مِنْهُم لأنّه من
تحيّةِ أَهلِ الجاهليّة كانوا يحيون بذلك ملوكهم ويثنون بِهِ عَلَى
رؤسائِهم فَقَالَ لهم قُولوا بقَولِكُم أي بِقَول أهْل دينكم
ومِلَّتِكُم يأمرهم بأن يُثْنوا عَلَيْهِ بالدِّين وأن يُخاطِبُوه
بالنبيّ والرَسُول كما ذكره اللهُ في كتابه وعلى ما جَرتْ بِهِ عادةُ
قومهِ وأَصحَابِه وقد يكون معناه كراهةَ التَّشْدِيق في الخُطَب يأمرهم
بالاقتصاد في القول لئلا يذهب بهم المَقالُ إلى ما لا تَعْتَقِدُه
قُلُوبُهُم. وهذا كما روي في حديث هند بن أَبِي هَالَة أنّه كَانَ لا
يقبل الثناء إلا من مكافىء1.يُرِيد واللهُ أعلم أنّه لا يقبَلُه إلا من
مَقْتَصِدٍ في القَوْل يعرفُ حقيقةَ إِسْلامِه ولا يَدْخُل عنده في
جُملَة المُنافقين الّذين يقولون بألسنَتِهم ما لَيْسَ في قُلوبهم وقد
تأوّلَه ابن قُتيبة عَلَى غير هذا فَقَالَ معناه أَنَّه كَانَ إذا
أَنعَم عَلَى رَجُلٍ نِعْمةً وكافأَة وأثنَى عَلَيْهِ قَبِل ثناءَه
وإذا أثْنَى عَلَيْهِ الرَّجُلُ قَبْل أن يُنعِمَ النبي لم يقبل
ثَناءَه.
قَالَ ابنُ الأنباري: وهذا غَلَطُ بيِّنٌ لأنَّه لَيْسَ في الأرض أحدٌ
من جميع الناس ينفكُّ من إنعام رسول الله إذْ كَانَ اللهُ قد بَعَثَه
إلى جميع الناس ورحِم بِهِ الخَلْق وانتاشهم وأنقذهم ببعثته2 إليهم من
المهالك والمعاطب فنعمته سابقةٌ إلى كُلِّ الخَلْق لا يَخْرُج منها
مكافىء ولا غير مكافىء وغير جائز أن يُقال مَن كافأ رَسُولَ الله
بالثَّناء عَلَى نعمة سبقت منه قبل ثناءه ومن لا فلا لأن الثناء عَلَى
رسول الله فرض عَلَى جميع الناس لا يَتِمُّ إسلامُهُم إلا بِهِ ولا
يتحقّقُ دُخُولُهُم في الشريعة إلا من جهته.
__________
1 أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1/244 والهيثمي في مجمع الزوائد 8/275
وغيرهما.
2 ت: "يبعثه" والمثبت من س, م, ح.
(1/416)
وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
"أَتَانِي جِبْرِيلُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ البغل
فحلمني عليه ثم انطلق يهوي بِي كُلَّمَا صَعِدَ عَقَبَةً اسْتَوَتْ
رِجْلاهُ مَعَ يَدَيْهِ 1 وَإِذَا هَبَطَ اسْتَوَتْ يَدَاهُ مَعَ
رِجْلَيْهِ 2 " 3.
أَخْبَرَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ نا
مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ عَنْ قَنَانِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ النَّهْمِيِّ نا أَبُو ظِبْيَانَ الْجَنْبِيُّ عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
قولهُ: "يهوي بنا" معناهُ يَسِيرُ بنا وقد يكون ذَلِكَ في الصُّعُود
والهبُوط معًا وإنّما يختلِفُ في المَصْدر فيُقال هَوَى يَهْوِي
هَوِيًّا إذا هَبَطَ وهُويًّا بالضَّمِّ إذا صَعِد. أنشدني4 أبو رَجَاء
الغَنَويّ عَنْ أَبِي العَبَّاس ثَعْلب:
وَالدَّلْوُ في إصعَادِهَا عَجْلى الهُوِيّ5
وقال بعضُ القرشيين:
بينما نحن بالبلاكث فالقا ... ع سراعًا والعِيسُ تَهْوِي هَوِيَّا
خطرَتْ خطرة على القلب من ذكرا ... ك وهْنًا فَما استَطعْتُ مَضِيّا6
وقوله: كُلَّمَا صَعِدَ عَقَبَةً اسْتَوَتْ رِجْلاهُ مَعَ يَدَيْهِ
وَإِذَا هَبَطَ اسْتَوَتْ يَداه مَعَ رجْلَيْه فيه قولان:
__________
1 م, ط, ,ح: يده.
2 ط: "زجله" والنثبت من م.
3 ذكره السيوطي في الدر المنثور 4/147 وعزاه لابن عرفة في جزئه كما
ذكره أبو نعيم في الدلائل وأخرجه الحاكم في المستدرك 4/606 والهيثمي في
مجمعه 1/74 بنحوه.
4 م: "أنشد".
5 ت: "على الهوي". وهو في اللسان "هوى".
6 اللسان والتاج "بلكث".
(1/417)
أحدهما: أن تكون مَسافَةُ العَقَبة كُلّها
خُطْوَة واحدة من خُطَاهُ إذا هُوَ صَعد أو هبَط1.
والقولُ الآخَرُ أن يكون سيرها بِهِ في العِقَاب كَسَيْرها في مُسْتوى
الأَرْض وذلك أن الدَّابّة إذا هبَطتْ من ثِنيَّةٍ أكبَّتْ عَلَى
مُقدَّمها وإذا صَعِدَت أوْفَتْ عَلَى مُؤخّرها فَيَعْنَتُ لذلك
راكبُها فأخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّها قد سُخِّرَت
لَهُ فسارت بِهِ في العِقَاب سَيْر الدّوابِّ على متون الأرض.
__________
1 م: "إذا هي صعد أو هبطت" والدابة تذكر وتؤنث.
(1/418)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ
خَشَبَةٌ يَقُومُ عِنْدَهَا إِذَا خَطَبَ فَقَالُوا: لَوْ جَعَلْنَا
لَكَ شَيْئًا تَقُومُ عَلَيْهِ حَتَّى تُسْمِعَ النَّاسَ فَحَنَّتِ
الْخَشَبَةُ حَنِينَ النَّاقَةِ الْخَلُوجِ فَأَتَاهَا النَّبِيُّ
فَضَمَّهَا إِلَيْهِ1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا يُوسُفُ
بْنُ يَعْقُوبَ الْمُقْرِي نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْعَبْسِيُّ2 نا ابْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ نا أَبِي عَنِ الأَعْمَشِ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ.
الناقةُ الخَلُوجُ هي التي اختُلِج ولَدُها أي انْتُزِع منها.
والخَلْجُ الجَذْبُ وإنّما سُمِيّ الوتدُ خَلِيجًا لأنَّهُ يَخْلِجُ
الدَّابّةَ إذا رُبِطَتْ. قَالَ ابنُ مُقْبلٍ:
وَباتَ يُغَنّي في الخليج كأَنَّهُ ... كُمَيْتٌ مُدَمًّى نَاصِعُ
اللّوْن أَقْرَحُ3
__________
1 أخرجه الدارمي في المقدمة 1/17 بلفظ: "حنين الناقة الخلوج" وبلفظ:
"حنين العشار". وأخرجه البيهقي في دلائب النبوة 2/274.
1 من م.
3 الديوان /38.
(1/418)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لأبي ذر: "ما لي
أَرَاكَ لَقًّا بَقًّا كَيْفَ بِكَ إِذَا أَخْرَجُوكَ مِنَ
الْمَدِينَةِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عن ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ.
قوله: "لَقَّا بَقًّا" معناهُما كَثرةُ الكَلامِ والإِسْهَابُ فيه
يُقال رَجلٌ لقٌّ بَقٌّ ولَقْلاقٌ بَقْباقٌ وبه سُمِّيَ اللِسّانُ
لَقْلقًا.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا سَهْلُ بْنُ عَلِيٍّ
الدُّورِيُّ نا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي ثنا
الأَصْمَعِيُّ عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ الْعُطَارِدِيِّ عَنِ الْحَسَنِ
قَالَ نَظَرَ ابْنُ الْخَطَّابِ إِلَى شَابٌّ فَقَالَ يَا شَابُّ إِنْ
وُقِيتَ شَرَّ لَقْلَقِكَ وَقَبْقَبِكَ وَذَبْذَبِكَ فَقَدْ وُقِيتَ
شَرَّ الشَّبَابِ2.
قَالَ الأَصمعيُّ: فاللَقْلَقُ اللِّسان والقَبْقَبُ البَطْنُ
والذَبْذَبُ الفَرجُ والبَقاقُ3: كثّرَةُ الكلام. ويُقالُ رَجُلٌ
مِبَقُ إذا كَانَ كَثِيرَ الكَلامِ.
وكان أبو ذَرٍّ رحمه الله فيه شدة على الأمراء إغلاظ لهم وكان عُثمانُ
رضي الله عَنْهُ يُبَلَّغُ عَنْهُ إلى أن استأذنه أبو ذر في الخروج إلى
الرَّبَذةِ فأذن لَهُ في ذَلِكَ عَلَى النَّظَر لَهُ.
ورَوَاه بَعضُهم لقًا بقًا مُخفَّفيْن ومعناه عَلَى هذه الرواية ما لي
أَراكَ مُلقى وكُلُّ شيء أَلقيتَه فهو لقى قال الشاعر:
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير 1/711 وانظركنز العمال 5/471 وعزاه
لنعيم في الفتن ولم نقف عليه في مصنف عبد الرزاق.
2 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة 168-ب.
3 ت, ط: البقباق: كثرة الكلام تحريف وفي القاموس "بق": بق على القوم
بقا وبقاقا: كثر كلامه.
(1/419)
لَقى بْين أيْدي الطائِفين حَريمُ1
وقوله: بقًا إتْبَاع ليزْدَوجَ بِهِ الكلام كقولهم شيْطَانٌ لَيْطانٌ
وعَطشانُ نَطْشَان وجائعٌ نائعٌ.
أخبرني أبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب عَنِ ابن الأعرابي قَالَ: قلتُ
لأبي المُكارِم ما قَولُكُم جائعٌ نائعٌ قَالَ: إنما هُوَ شيء نَتِدُ2
بِهِ كَلامَنا ويدلُ عَلَى صحّة هذا التأويل مَا رَوَاهُ مُعْتَمِرُ3
بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي حَرْبِ
بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ4 عَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ
قال: أتاني نبي الله عليه السلام وَأَنَا نَائِمٌ فِي مَسْجِدِ
الْمَدِينَةِ فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: "أَلا أَرَاكَ نَائِمًا
فِيهِ" قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ غَلَبَتْنِي عَيْنِي قَالَ:
"فَكَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْهُ". قُلْتُ: مَا أَصْنَعُ
يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَضْرِبُ بِسَيْفِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ
لَكَ مِنْ ذَلِكَ وَأَقْرَبُ رُشْدًا تَسْمَعُ وَتُطِيعُ وَتَنْسَاقُ
لَهُمْ حَيْثُ سَاقُوكَ" 5.
وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ الْعَبْقَسِيُّ6 نا مُحَمَّدُ
بْنُ عِيسَى الْبَيَاضِيُّ نا
__________
1 اللسان والتاج "حرم" دون عزو وصدر البيت: "كفى حزنا كرى عليه كأنه".
والحربم: ماكان المحرمون يلقونه من الثياب كانت العرب في الجاهلية إذا
حجت البيت تخلع ثيابها التي عليها إذا دخلوا الحرم ولم يلبسوها ما
داموا في الحرم.
2 القاموس "وتد": وتد الوتد يتده وتدا وتدة: ثبته.
3 ت: "معمر بن سليمان" وفي تهذيب التهذيب 10/227 وهو معتمر بن سليمان
بن طرخان بفتح طاء مهملة وقيل بكسرها وبخاء معجمة وبراء وبنون التميمي
أبو محمد البصري قيل: إنه كان يلقب بالطفيل روى عن أبيه ... وداود بن
أبي هند وغيرهما.
4 كذا في جميع النسخ. وفي مسند أحمد 5/156 وتهذيب التهذيب 12/69: "ابن
أبي الأسود الديلي". وفي التقريب 2/391: أبو الأسود الديلي "بكسر
امهملة وسكون التحتانية" ويقال: الدؤلي بالضم بعدها همزة مفتوحة
البصري. اسمه: ظالم بن عمرو بن سفيان ثقة فاضل مخضرم. مات سنة 69هـ.
5 أخرجه أحمد في مسنده 5/156 وكذلك في 5/144 بسند آخر بألفاظ متقاربة.
6 ت: "الهنقسي" تحريف والمثبت من س, م, ط.
(1/420)
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى
الصَّنْعَانِيُّ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ1: سَمِعْتُ
كَهْمَسًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي السَّلِيلِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ
بِمَعْنَاهُ.
__________
1 من م.
(1/421)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَزَلَ وَأَبُو
بَكْرٍ بِأُمِّ مَعْبَدَ وَذْفَانَ مَخْرَجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ
فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ شَاةً فَرَأَى فِيهَا بُصْرَةً مِنْ لَبَنٍ
فَنَظَرَ إِلَى ضَرْعِهَا فَقَالَ: "إِنَّ بِهَذِهِ لَبَنًا وَلَكِنْ
أَبْغِينِي 1 شَاةً لَيْسَ فِيهَا لَبَنٌ" فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ
بِعَنَاقٍ جَذَعَةٍ فَقَبِلَهَا2 قَالَ هِشَامُ بْنُ حُبَيْشٍ
الْكَعْبِيُّ: أَنَا رَأَيْتُ الشَّاةَ وَإِنَّهَا لَتَأْدُمُهَا
وَتَأْدُمُ صِرْمَتَهَا.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا
الدَّغُولِيُّ نا غِيَاثُ بْنُ حَمْزَةَ نا أَبُو الأَشْعَثِ حَفْصُ
بْنُ يَحْيَى التَّيْمِيُّ نا حِزَامُ بْنُ هِشَامِ بْنِ حُبَيْشٍ
الْكَعْبِيُّ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ مَعْبَدٍ بِذَلِكَ.
قوله: وَذْفَان مَخْرجه مَعْنَاهُ حِدثان مَخْرجه أو عَلَى أَثَرِ
ذَلِكَ من الوَقْت أوْ ما يُشْبِهُ هذا من الكلام وقال بعضهم أَصْلهُ
من الخِفّة والإِسْراع في السَّيْر. ومنه قِيلَ: تَوذَّفَ الرجل إذا
مَرَّ مرًّا سَرِيعًا وهذا كقولهم سَرْعَانَ ما فعَلْتَ ذَلِكَ
ووَشْكَانَ ما رأيتَ كَذَا قَالَ الشاعرُ:
أتَخْطُب فيهم بعد قَتْلِ رِجَالهم ... لسَرْعانَ هذا والدّماءُ تصبب3
__________
1 س, ط: "أبغني".
2 لم أجده بهذه الألفاظ وقد ذكره الهيثمي 6/55-58 بطوله بألفاظ متقاربة
وعزاه للطبراني وذكره ابن الأثير في أسد الغابة 1/451 بنحوه.
3 اللسان والتاج "سرع" وعزي لبشر بن أبي خازم وهو في ديوانه /12
برواية:
وحالفتم قوما هراقوا دماءكم ... لوشكان هذا والدّماءُ تَصبَّبُ
(1/421)
وفي بعض الأمثال: سَرْعانَ ذِي إهَالَة1.
وأَصْلُه أَنَّ رجلًا كَانَ يُحمَّقُ فاشترى شاةً عجْفاء يَسيلُ
مُخَاطُها هُزَالًا فَقَالَ هذه الإِهَالَةُ تِسيلُ فقيل سَرْعان ذي
إهالة أي ما أَسْرَع هذه الإِهَالَة من إِهالة وذي بمعنى هذه. قَالَ
الأصمعيُّ: ليْسَ في الكلام نُونٌ تُشْبهُ نُونَ الاثنين إلا جَاءَتْ
مَكْسُورةً غير نُون شَتّانَ وأَخواتِها. قَالَ: ويُشْبهُ أن يكون
شتانَ مصْدرًا ونُونُها مَفْتُوحةٌ في الأحْوال كُلّها وكذلك وشكانَ
وسَرْعَان وبَطْآن.
وقولهُ: بُصْرةً من لبَن فإنّه يُريدُ أَثرًا من لَبنٍ يُبْصَرُ في
الضّرْع فأمّا البَصِيرَةُ فهي الطريقة من طرائف الدم إذا سالت عَلَى
الجَسَد وجَمْعُها البصَائر والصِّرْمُ النّفرُ يَنْزِلُون بإبلهم
عَلَى ماء. والصِّرمَةُ القَطِيعُ من الإبل ليسَ بالكثير. ويُقال:
أَدَمْتُ الخُبْزَ آدُمُهُ والاسْمُ الإِدَام والأُدُمُ ويقال من
اللّبْن لبَنْتُه أَلْبِنُهُ وأَلْبُنُه ومن التَّمْر تَمْرتُه
أَتْمُره ومن اللَّحْم أَلْحَمْتُه بالأَلِف.
__________
1 اللسان "وشك" وجمهرة الأمثال 1/519 ومجمع الأمثال 1/336 والمستقصي
2/301 ويروى: "لوشكان ذا إهالة".
(1/422)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ
عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا مِنْهُ
بَرِيءٌ" 1.
حَدَّثَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ نا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ
عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ القتباني أن شييم2
__________
1 أخرجه أبو داود في الطهاة 1/9 والنسائي في الزينة 8/135 وأحمد في
مسنده 4/108, 109.
2 ط: شيم "بضم الشين". وفي تقريب التهذيب 1/357: شبم بكسر أوله وفتح
التحتانية وسكون مثلها بعدها ابن بيتان بلفظ القتباني بكسر القاف وسكون
المثناة المصري ثقة.
(1/422)
بْنَ بَيْتَانَ أَخْبَرَهُ عَنْ شَيْبَانَ
الْقِتْبَانِيِّ أَنَّ رُوَيْفِعَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ
أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ.
عَقْد اللِّحَى يُفسَّرُ عَلَى وجهين:
أحَدُهما أَنَّهم كانوا يعقدونها في الحروب نَهاهُم عَنْ ذَلِكَ
وأمَرهم بإرسالها.
والوجه الآخر أن يكون أراد تَعقِيدَ الشَّعْر وهو مُعَالَجتُه ليتعقَّد
ويتَجَعَّد. وأمّا تَقْلِيدُ الوتَر فإنّ مالكَ بْن أنس كَانَ يرى
كراهيةَ ذَلِكَ من أجْلِ العَيْن عَلَى ما كَانَ من مذهبهم في تَعْلِيق
التَّمائم ونحْوِها. ويُقال: إنّما نَهاهم عَنْ ذَلِكَ للأجْراس التي
كانت تُعَلَّق فيها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَشِيرٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي
سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ الله فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولا أَنْ لا
تَبْقَى فِي رَقَبَةِ بَعيِرٍ قِلادَةٌ مِنْ وَتَرٍ إِلا قُطِعَتْ1.
ويُقال: بل نَهَى عَنْ ذَلِكَ في الخَيْل2: لئلًا تَخْتَنِقَ بها عنْد
الركض.
__________
1 رواه البخاري في الجهاد 4/72 وأبو داود في الجهاد 3/24 وأحمد في
مسنده 5/216.
2 أخرجه البخاري وأو في الجهاد "باب إكرام الخيل" 3/24.
(1/423)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ
وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى الْغَارِ مَرَّا بِعَبْدٍ يَرْعَى غَنَمًا
فَاسْتَسْقَاهُ مِنَ اللَّبَنِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا لِي شَاةٌ
تُحْلَبُ غَيْرُ عَنَاقٍ حَمَلَتْ1 أَوَّلَ الشِّتَاءِ فَمَا لَهَا
لَبَنٌ وَقَدِ اهْتُجِنَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "إِيتِنَا بِهَا
فدعا عليها رسول الله بالبركة ثم حلب عسا" 2.
__________
1 م: "حبلت".
2 أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 2/224 وابن عبد البر في الاستيعاب
3/1301 والهيثمي في مجمعه 6/58 والسيوطي في الخصائص الكبرى 1/470
بألفاظ متقاربة.
(1/423)
مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ ثنا
عبيد الله بن إياد سمعت إيادا يُحَدِّثُ بِذَلِكَ عَنْ قَيْسِ بْنِ
النعمان السدوسي.
قولُه: اهتْجِنَتْ معناه أنّ الحَمْلَ قد ظهر بها والهاجِنُ العَنَاق
التي حَمَلتْ قبْلَ وَقْتِها. قَالَ الأُمَويُّ: من أمْثال العرب جَلّت
الهاجِنُ عَنِ الولد1. والهاجن الصَّغيرةُ يريدون أنّها صَغُرَتْ عَنِ
الوِلادة يُقالُ للصَّغير: جَللٌ كما يُقالُ ذَلِكَ للكَبير. ويُقال:
اهتُجِنَتِ الجاريَةُ إذا افْتُرِعَت قبلَ الأوَان. وقال
الأَصْمَعِيُّ: إذا حَمَلت النخْلَةُ وهي صغيرة قِيلَ: هي مُهْتَجنَةٌ.
ويقال أيضا: متهجنة.
__________
1 جمهرة الأمثال 1/307 ومجمع الأمثال 1/159 والمستقصي 2/53 واللسان
"هجن".
(1/424)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ
زَيْد قَالَ: لَمَّا هَبَطْنَا بَطْنَ الرَّوْحَاءِ عَارَضَتْ رَسُولَ
اللَّهِ امْرَأَةٌ تَحْمِلُ صَبِيًّا بِهِ جُنُونٌ قَالَ: فَحَبَسَ
رَسُولُ اللَّهِ الرَّاحِلَةَ ثُمَّ اكْتَنَعَ إِلَيْهَا فَوَضَعْتُهُ
عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاسِطَةِ
الرَّحْلِ1.
وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ
بِنُخْرَةِ الصَّبِيِّ فَقَالَ: "اخْرُجْ بِاسْمِ اللَّهِ" فَعُوفِيَ.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمِ نا زَكَرِيَّا بْنُ حَمْدَوَيْهِ
نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ
سُلَيْمَانَ نا مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى الصَّدَفِيُّ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ
حَدَّثَهُ بِذَلِكَ.
قوله: اكْتَنَع إليها أي دنا منها. والكُنُوعُ: القُرْبُ والدُّنُوُّ
من الشيء. والنُخْرَةُ الأنْفُ. قَالَ ذو الرمة:
__________
1 رواه أبو يعلى كما في المطالبة العالية 4/8 والسيوطي في الجامع
الكبير 2/248.
(1/424)
قِيامًا تَذُبُّ البَقّ عَنْ نخُراتِها ...
بنهز كإيماء الرؤوس الموانعِ1
قَالَ الأصمعيّ: النَّخُورُ من الإبل: هي التي لا تدرّ حتى يضرب أنفها.
__________
1 الديوان /363 برواية "صياما" بدل قياما".
(1/425)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ
لِي أَسْمَاءَ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي
الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ
النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ
أَبِيهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: "وَأَنَا الْعَاقِبُ" وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو
عُبَيْدٍ في كتابه2 إلا أنّه لم يُفسِّرْ قَوْلَهُ: "يُحْشَرُ النَّاسُ
عَلَى قَدَمَيَّ" وفيه قولان:
أحدهما أَنَّهُ أول من يُحشر من الخَلْق ثُمَّ يُحْشَرُ الناس عَلَى
قدمِه: أي عَلَى أَثَره. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى رِوَايَةُ
أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: "وَأَنَا الْحَاشِرُ
الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبَيَّ" 3.
والآخر أن يكون أراد بقَدَمه عَهدَه وزَمانَه. قَالَ بعضُ أهلِ اللغة:
يُقال: كَانَ ذَلِكَ عَلَى رِجْلِ فُلانٍ وعلى قَدَمِ فُلان وعلى حَيَّ
فُلان أي في عهده وزمانه.
__________
1 أخرجه البخاري في المناقب 4/225 ومسلم في الفضائل 4/1828 وأحمد في
مسنده 4/80, 81. وفي النهاية "حشر": وأنا الحاشر: أي الذي يحشر الناس
خلفه وعلى ملته دون ملة غيره.
2 2/242 وفيه: العاقب آخر الأنبياء.. وآخر كل شئ عقبه.
3 رواية أبي خيثمة رواها مسلم في الفضائل 4/1828.
(1/425)
وحُكِي عَنِ الأصمعي قَالَ: قَالَ سعيدُ
بْن المُسَيَّب ذات يوم إني رأيت في المنام1 موسى يمشي عَلَى البحر
حتّى صَعِد إلى قَصْرٍ ثُمَّ أخذ برِجْل شيْطانٍ فألقَاه عَلَى2 البحر
وإني لا أعْلُم نِبيًّا هلكَ عَلَى رِجْله من الجبَابرة ما هلكَ عَلَى
رِجْل مُوسَى وأظن هذا قد هلك يعني عَبْد الملك بْنَ مروان فجاء
نَعِيُّه بعد أربَعٍ.
قَالَ الأصمعيُّ قَولُه: عَلَى رِجْل مُوسَى أي في زَمانه والمعنى
أَنَّ شَرِيعَته لا تُنْسَخُ إلى يَومِ القيامة.
وأمّا قولُهُ: إنّ لي أسماءَ فإنه أَرادَ والله أعلم أَنَّ هذه
الأسماءَ مذكورة في كُتُب الله المُنزّلَة على الأمم التي كذبت بنبوته
حُجّة عليهم.
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ
لَهُ اسْمَانِ غَيْرُ الْمَسِيحِ وَيَعْقُوبِ إِسْرَائِيلَ.
وقال غَيرهُ: خمسةٌ من الأنبياء لهم اسمان: أحمدُ ومحمد وعِيسَى
والمسيح وذو الكِفْل وإلياس وإسرائيل ويَعْقوب ويُونُس وذُو النون.
__________
1 من ح.
2 م: "في البَحْر".
(1/426)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ
الصِّدِّيقَ قَالَ: مَرَرْنَا بِخِبَاءِ أَعْرَابِيَّةٍ عَجُوزٍ
فَجَلَسْنَا قَرِيبًا مِنْهَا فَلَمَّا كَانَ مَعَ1 الْمَسَاءِ جَاءَ
بُنَيٌّ لَهَا يَفَعَةٌ بِأَعْنُزٍ مَعَهُ فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ
الشَّفْرَةَ وَالْعَنْزَ2 فَأَتَانَا بِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ: "رُدِّ الشَّفْرَةَ وَأْتِنِي بقدح أو قعب" قال:
__________
1 م: "عند".
2 ساقطة من ح.
(1/426)
يَا هَذَا إِنَّ غَنَمَنَا قَدْ غَرَزَتْ
قَالَ: "انْطَلِقْ فَأْتِنِي بِهِ" فَأَتَاهُ فَمَسَحَ عَلَى ظَهْرِ
الْعَنْزِ ثُمَّ حَلَبَ حَتَّى مَلأَ الْقَدَحَ1.
يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ
الرحمن بن الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
لَيْلَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ.
يُقال غَرزَتِ الغَنمُ غِرازًا إذا قلٌ لبَنُها وغَرَّزَها صاحبُها إذا
ترك حَلْبَها ليذهبَ رِفْدُها. وقال الأصمعيُّ: إذا أُتِي عَلَى
الشّاةِ بَعْد نِتاجها أربعَةُ أَشْهُرٍ فجَفَّ لَبَنُها وقلّ فهي
لَجْبَةٌ وجَمعُها لِجَابٌ ولَجَبَاتٌ.
قَالَ أبو زَيد: اللَّجْبَةُ من المَعِز خاصّةً. قَالَ: والمَصُورُ
مِثلُ اللَّجْبَة وهي في المَعِز أيضًا ومِثْلُها من الضَّأن الجَدُودُ
وجَمعُها جَدائِدُ. قَالَ الأَصْمَعيُّ: فإن كانت أَلبانُها قد
يَبَّسَها أَصحابُها عَمْدًا فذلك التَّصْويَةُ
وقد صَوَّيْتُها وإنما يُفعَل ذَلِكَ ليكون أسمن لها.
__________
1 رواه البيهقي في دلائل النبوة 2/222 بلفظ: "وقد عزبت" بدل "غرزت"
وبدون كلمة يفعة.
(1/427)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
"سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِي سَنَةً
فَتُرْمِدَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا" 1.
يَرْوِيهِ أَبُو الْوَلِيدِ2 عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ.
قوله: تُرمِدُهُم معناهُ تُهْلكهُم والرَّمْدُ الهَلاكُ وبه سُمّيَ
عامُ الرمادة.
__________
1 ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/19 بلفظ: "فتهلكهم عامة" وقال: أخرجه
ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجه وابن المنذر واللفظ له.
2 ح: ابن الوليد.
(1/427)
وقال قائلٌ: قد رأيْنا عَالمًا من أمته
هَلَكُوا هُزْلًا1 وجُوعًا في عام الرَّمادَة في عهد عُمَر بْن الخطاب.
ثُمَّ في الغَلاء الَّذِي كَانَ بالبَصْرة أيّامَ زياد ثُمَّ هَلُمَّ
جَرًّا إلى عَصْرِنا هذا لم يَزَل النّاسُ تُصِيبهُم الجَوائحُ في
البُلْدَان والقُرَى والأَعْرابُ تُقحِمهُم السَّنَةُ وتُصِيبهُم
المَجاعةُ وأقْربُ ما عَهِدْنَا من ذَلِكَ ما وقع بمدينة السَّلام من
الغَلاء الَّذِي أَجْلَى أهْلَها وأَتَى عَلَى أكْثَرهم فأين بَيَانُ
استِجابةِ دُعَائِه فيُقالُ له إنما دعا النبي بأن لا يُهْلِك أمَّته
هَلاكًا عَامًّا وأن لا يُسْتَأصَلُوا فيجْتَاحُوا أَصْلًا سُنَّةَ
مَنْ هلك من الأُمَم الخالِية والقُرُونِ الماضية. وأمّا أن يقحط قوم
ويُخصَبَ آخرُون ويُجدبَ بلدٌ مُدّةً من الزمان ثُمَّ يَحيَا بعد فليس
مِمَّا جرت بِهِ الدعوة ولا عرضت لَهُ المسألة ولم يزل من سُنَّة الله
في خَلْقه أن يختلفَ أمرُ بلاده في الجَدْب والخِصْب وأحْوال عِباده في
الجدة2 والعسر فمرفة3 لَهُ ومُقتَّرٌ عَلَيْهِ أَمرٌ قد جَرتْ بِهِ
المقاديرُ فلا مَردَّ له ولا اعْتراض عَلَيْهِ.
وهذا كالمُفسّر في حَديثٍ آخر. حَدَّثَنَاهُ ابْنُ السَّمَّاكِ نا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْحَارِثِيُّ نا
مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ نا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ
عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ أَنّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنِّي سَأَلْتُ
رَبِّي أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لا
يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيُهْلِكَهُمْ وَأَنْ
لا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ. فَقَالَ
يَا مُحَمَّدُ: إِنِّي أَعْطَيْتُكَ عَطَاءً لا مَرَدَّ لَهُ وَإِنِّي
أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لا يُهْلَكُوا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ
لا يُسَلَّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ مِنْ غَيْرِهِمْ حَتَّى يَكُونَ
بَعْضُهُمْ
__________
1 ت: "هزالا" والمثبت من م, س, ح.
2 ح: "في الحديث" بدل "في الجدة".
3 ح: "فمروة له" بدل "فمرفه".
(1/428)
يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي 1 بَعْضُهُمْ
بَعْضًا وَبَعْضُهُمْ يُفْنِي بَعْضًا" 2. فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ.
وَالسَّنَةُ الْعَامَّةُ لَمْ تَكُنْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ وَلا هِيَ
كَائِنَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لأن3 الله رؤوف بالعباد غير مخلف
للميعاد.
__________
1 م, ط, ح: "ويسبي بعضا".
2 أخرجه مسلم في الفتن في 4/2215 وأبو داود كذلك في 4/97 والترمذي
4/472 وابن ماجه 2/1403 باختلاف بعض الألفاظ.
3 م: "لأنه رؤوف بالعباد".
(1/429)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنِ
السِّبَاعِ1. حَدَّثَنِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ
أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا قُتَيْبَةُ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ
عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ دَرَّاجِ أَبِي السَّمْحِ عَنْ أَبِي
الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْحُورِيِّ2.
السِّبَاعُ تفسيره في الحديث المُفَاخَرةُ بالجِماع ولا أُراهُ أخِذ
إلا من قَوْلهم سبعت الرجل إذا وقعْت فيه وذكرتَهُ بما يَكْرَه وذلك
لأنّ هذا المعنى ممّا يُكْرَهُ ذكْرُه3 ويُسْتَرُ عَنِ الناس أَمرهُ.
وروى أبو عُمَر ولم أسمعْهُ منه عَنْ أَبِي العبَّاس عَنِ ابن
الأعرابيّ قَالَ السِّبَاعُ كَثْرَةُ الجماع. ورُوي في حديث آخر
أَنَّهُ اغْتَسل من سِباعٍ كَانَ منه في رَمَضان أي من مُقَارفَةِ
جماع.
وقال بعض أههل اللغة: السِّبَاعُ في الجِماع معناه راجع إلى الكثرة
قَالَ والتّسبيع التّضْعيف والعرب تَقُولُ سبَّع الله لك الأجْرَ أي
ضاعَفَه.
قَالَ: ولم يريدوا بهذا عَدَدَ السَّبْع حتى لا يجاوزوه قَالَ ومن هذا
قوله: سُبْحَانْه: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ
يَغْفِرَ اللَّهُ} 4. هو من باب
__________
1 أخرجه ابن عدي في الكامل في ترجمة "دراج" والكامل لوحة 4/339 –ب
وأخرجه العقيلي في الضعفاء "السباع حرام" لوحة 73-ب.
2 من م.
3 ساقظة من ح.
4 سورة التوبة: 80.
(1/429)
تكثير العدد وتضعيفه لا من بَابُ حَصْر
العَدَد. والمعنى لا يغفر لهم وإن استكثرت من الدعاء1.
__________
1 من م.
(1/430)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
لِلْخُرَّاصِ إِذَا بَعَثَهُمُ: "احْتَاطُوا لأَهْلِ الأَمْوَالِ فِي
النَّائِبَةِ وَالْوَاطِئَةِ" 1.
قَالَ ابن قُتَيبة: الوَاطِئةُ المارَّةُ والسَّابِلَةُ سُمُّوا بذلك
لِوَطْئهم الطريقَ.
قَالَ: ومعنى الحديث أنّه أَمَر خُرّاصَ النَخْل أن يَسْتَظْهِروا
لأصْحَاب النخل في الخَرْص لِمَا يَنُوبُهْم ويَنزِلُ بهم من الأَضْياف
ويَجْتازُ عليهم من أبناء السبيل.
قَالَ: وفيه وجْهٌ آخر هُوَ أشْبَه بمعنى الحدَيث وهو أَنَّ الواطِئَة
هي سُقاطةُ التَمْر وما يَقَع منه بالأرضِ فيُوطأُ ويُداس جاء بلْفظ
فاعِل وهو بمعنى مَفْعول كقولِه: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ
اللَّهِ} 2. أي لا مَعْصُومَ وكَقَوله: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} 3. أي
مَرْضيّة.
والعربُ تَقُولُ: ماءٌ دَافِقٌ أي مَدْفُوقٌ وسِرٌّ كاتمٌ أي مَكْتُومٌ
ولَيلٌ نائِمٌ أي يُنَامُ فيه. قَالَ الشّاعُر:
لقَدْ لُمْتِنا يا أُمَّ عِمْرانَ في السُّرَى ... ونِمْتِ ومَا لَيْلُ
المَطيِّ بنائم4
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 4/129 والبيهقي في السنن الكبرى 4/124
بدون النائبة.
2 سورة هود: 43.
3 سورة الحاقة: 21.
4 البيت لجرير وهو في ديوانه /454. وخزانة الأدب 1/465.
وفي س: "ياأم غيلان". وفي هامشه ت, م, ط: "يا أم عمران".
(1/430)
ومما جاء بلفْظ مفعولٍ ومَعْناهُ معنى فاعل
قوله: {حِجَاباً مَسْتُوراً} 1. أيْ سَاتِرًا. وقَولُه: {إِنَّهُ كَانَ
وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} 2. أي آتِيًا والله أعلم.
وإنّما صِرْنَا إلى هذا لأنّ المعنى الَّذِي تأوَّلهُ ابنُ قُتيبة قد
استُفِيد بالنّائبة ووقَع بيانُه بها فلم يَكُنْ لِحَمْل الكلام الثاني
عَلَيْهِ وَجْهٌ وقد رُوِي معنى ما ذهَبْنَا إِلَيْهِ عَنْ عُمَر بْن
الخطاب.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ
لِلْخَارِصِ دَعْ لَهُمْ قَدْرَ مَا يَقَعُ وَقَدْرَ مَا يَأْكُلُونَ3
وفيه وَجهٌ ثالث عَنْ أَبِي سَعِيد الضَّرِير قَالَ هي الوَطَايا
واحِدَتُها وطِيَّةٌ وهي تَجْرِي مجْرَى العَرِيَّة وسُمِّيَتْ وطِيّةً
لأَنَّ صَاحِبَها وطّأها لنفسه أو لأَهْلِه فهي لا تَدْخُل في الخَرص
إذا خَرصَ الخارصُ يُعْفَى لَهُ عنها وذلك عَلَى قَدْر النَّخْل يكون
فيها وَطَايَا عِدَّةٌ أو وَطِيَّةٌ واحدة.
__________
1 سورة الإسراء: 45.
2 سورة مريم: 61.
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 4/129.
(1/431)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أُرِيتُ
فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَنْزِعُ عَلَى قَلِيبٍ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ
فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ فَنَزَعَ
نَزْعًا ضَعِيفًا وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ
فَاسْتَقَى فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي
فَرِيَّهُ حَتَّى رَوِيَ النَّاسُ وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ" 1.
قد وَقَع هذا الحديث أولا في كتاب أَبِي عُبَيْد وثانيا في كتاب ابن
__________
1 أخرجه البخاري في مواضع منها مناقب عمره 5/13 ومسلم في الفضائل
4/1860 وغيرهما.
(1/431)
قُتيبَة وفَسَّر كُلُّ واحدٍ منهما طائِفةً
من لفظه ولَمْ يعرِض واحدٌ منهما لمَعْناه. وقد علمْنا أنّ هذا مَثلٌ
في رُؤْيا أريها وإنما يُرادُ بالمَثَل تَقْريبُ علمِ الشيء وإيضَاحُه
بِذكر نَظِيره وفي إغفال بيانهِ والذَّهاب عَنْ معناه وعن مَوضِع
التَّشْبِيه فيه إبْطالُ فَائدةِ المَثَل وإثباتُ التَّفْضِيل1 لعُمَر
عَلَى أَبِي بَكْرٍ إذ قد وُصِف بالقُوَّة من حَيْثُ وُصِفَ أبو بَكْر
بالضَّعْف وتلك خُطَّةٌ أَبَاها المُسْلِمُون. والمَعنى والله أعلم أنه
إنّما أراد بهذا القوْل إثباتَ خِلافَتِهما والإِخْبارَ عَنْ مُدّة
ولايتِهما والإبانةَ عمّا جَرَى عَلَيْهِ أحْوَالُ أُمّته في أيّامهما
فشَبّه أمرَ المسلمين بالقَليب وهو البِئُر العادِيَّة وذلك لِمَا يكون
فيها من الماء الَّذِي بِهِ حَياةُ العِباد وصلاحُ البِلاد وشَبَّه
الوَالي عليهم والقائَم بأمورهم بالنَّازعِ الَّذِي يستَقِي الماءَ
وَيَقْرِيهِ2 للوَاردة ونَزع أبو بَكْر ذَنُوبًا أو ذَنُوبَين عَلَى
ضعف فيه إنّما هُوَ قِصَرُ مُدّةِ خِلافَته والذَنُوبَان مثَلٌ في
السَّنَتْين اللَّتين ولِيَهُما وأَشْهُرًا بعدهما وانْقضَتْ أيامُه في
قِتال أهلِ الردة واستِصْلاح أهلِ الدَّعوة ولم يتفَرَّغ لافتِتاح
الأَمْصارِ وجِبايةِ الأَمْوال فذلك ضَعْفُ نَزْعِه. وأمّا عُمَر فقد
طالت أيّامُه واتّسعَتْ وِلايتُهُ وفتح اللهُ عَلَى عهده العِراقَ
والسَّوَادَ وأرضَ مصْر وكثيرًا من بلاد الشام وقد غنِم أموالَها
فقسَّمَها في المسْلمين فأخصبَت رِحالُهم وحَسُنَتْ بها أحوالُهُم فكان
جَوْدَةُ نَزْعِه مَثلًا لما نالُوهُ من الخَيْر في زمانه واللهُ أعلم.
والعرَبُ تضربُ المثلَ في المُفاخرة والمغالبة بالمُساقاة والمساجَلة
فتَقولُ فلان يُسَاجلُ فُلانًا أي يُقاوِمُهُ ويُغَالبِه وأَصْلُ
ذَلِكَ أن يسْتقيَ ساقِيَان فيُخرج كلّ واحد مِنهما في سَجْله مثل ما
يُخرِج الآخرُ فأيُّهما نَكَل غُلِبَ. وقال العبّاسُ بنُ الفضل اللهبي
يذكر ذلك.
__________
1 ت, م: "الفضيلة".
2 س, ت, ط: "ويقربه".
(1/432)
مَن يُسَاجِلْني يُساجِلْ ماجدًا ...
يَمْلأُ الدلو إلى عقد الكرب1
__________
1 اللسان والتاج "سجل" وعزي للفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب.
(1/433)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ
كَانَ يَرْمِي وَهُوَ يُقَتِّرُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَانَ رَامِيًا
وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يُشَوِّرُ نَفْسَهُ وَيَقُولُ لَهُ1 إِذَا
رَفَعَ شَخْصَهُ هَكَذَا بِأَبِي وَأُمِّي لا يُصِيبُكَ سَهْمٌ نَحْرِي
دُونَ نَحْرِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
الصَّائِغُ نا عَفَّانُ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ
الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ.
قولهُ: يُقَتِّرُ معناه يجمع لَهُ الحَصَا والتُرابَ يجعله قُتَرًا
وكُلُّ كُثْبَةٍ منْها قُتْرَةٌ وهي العَلامَة. وقال الأَصمعيُّ:
القِتْرُ: نَصْلُ الأَهْدَاف.
وأنشد لأَبي ذُؤَيبٍ:
كَقِتْر الغِلاء مُسْتَدِرًا صِيَابُها3
وزعم محمدُ بْن السَّائب الكلبيّ أنّ يكسوم ابن أخي الأشرم أهدى للنبي
سِلاحًا فيه سَهْمٌ لَغْبٌ وقد رُكّبتْ مِعْبَلَةٌ في رُعْظِه فقَوَّم
فُوقَه وقال هُوَ مستحِكم الرِّصاف وسمَّاهُ قِتْرَ الغِلاء. يُقال
للسَّهْم الَّذِي لم يَلْتَئِمْ رِيشُهُ لَغْبٌ وهو اللغاب.
__________
1 من م.
2 أخرجه البخاري في المغازي 5/125 ومسلم في الجهاد 3/1443 بدون "يقتر,
ويشور".
3 شرح أشعار الهذليين 1/50 وصدره: "إذا نهضت فيه تصعد نقرها" أي نهضت
هذه النحل في هذا الموضع شق على نفر منها. والقتر: "نصال سهام الأهداف.
ومستدر: ذاهب. وصيابها: قواصدها.
(1/433)
قَالَ بِشْرُ بْن أَبِي خازِم:
وإِنَّ الوَائليَّ أصَابَ قَلْبي ... بسَهْمٍ لم يَكُنْ نِكْسًا
لُغَابَا1
فإذا التأم ريشُهُ وهو أن يكونَ بَطْنُ الرِّيشَة إلى ظهر الأُخرى فهو
اللُّؤَامُ. والمِعْبَلَةُ نَصْلٌ عَرِيضٌ وَالرُّعْظُ. مَدْخَل
النَّصْل في السَّهْم. والرِّصافُ عقَبةٌ تُلْوَى عَلَى الرُّعْظ.
والغِلاءُ الرِّماء. يقال: غالَيْتُه أغالِيه غِلاءً أي رامَيْتُه.
والغَلْوَةُ مَدَى الرَّمْيَة.
وقوله: يُشَوِّرُ نفسه: أي يَسْعَى ويَخفّ يُظْهِرُ بذلك قُوَّتَه.
يقال شُرْتُ الدابَّة إذا أَجْرَيْتَها لتنظر إلى سيرها2.
__________
1 اللسان "لغب" برواية:
فإن الوائلي أصاب قلبي ... بسهم ريش لم يكس اللغابا
2 م, ط: سيرتها.
(1/434)
وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
"أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ
الْمَدِينَةُ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ
مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُبَابِ سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ سَمِعْتُ أَبَا
هُرَيْرَةَ يَذْكُرُهُ.
قولُه: تأكُل القُرى يُريدُ أَنَّ الله يَنْصُرُ الإِسلام بأهل المدينة
وهم الأنْصار ويفتح عَلَى أيديهم القُرَى وَيُغنِّمُها إيَّاهُم
فيأكُلونَها وهذا في الاتّساع والاخْتِصار كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ
الْقَرْيَةَ} 2. يريد أهل القرية
__________
1 أخرجه البخاري في فصل المدينة 2/26 ومسلم في الحج 2/1006 والحميدي في
مسنده 2/488 وغيرهم.
2 سورة يوسف: 82.
(1/434)
وكقوله: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ
كَانَتْ ظَالِمَةً} 1. وكانوا يُسَمُّون المدينة يَثْرِبَ وهي اسمُ
أَرضٍ بها فغيَّر رَسُولُ الله اسمها وسماها طيبة كراهية للتثريب.
__________
1 سورة الأنبياء: 11.
(1/435)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ خَطَبَ فِي
أَضْحَى فَأَمَرَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ أَنْ يُعِيدَ
ذَبْحًا ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ وَتَفَرَّقَ
النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَتَجَزَّعُوهَا1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَدِيٍّ نا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ نا
مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نا
أَيُّوبُ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ.
قوله: تجزَّعُوها أي تَوزَّعُوها واقْتسمُوها وأصْلُه من جَزعْتُ
الشيءَ إذا قَطعْتَه والجُزعَةُ القِطْعَةُ من الشيء.
__________
1 أخرجه البخاري في الأضاحي 7/129, 130 ومسلم كذلك 3/1554 والنسائي في
العيدين 3/193.
(1/435)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رُقَيْقَةَ
بِنْتَ أَبِي صَيْفِيِّ وَكَانَتْ لِدَةَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ
هَاشِمٍ قَالَتْ تَتَابَعَتْ عَلَى قُرَيْشٍ سِنُوُّ جَدْبٍ قَدْ
أَقْحَلَتِ الظِّلْفَ وَأَرَقَّتِ الْعَظْمَ فَبَيْنَا أَنَا رَاقِدَةٌ
اللَّهُمَّ أَوْ مُهَوِّمَةٌ وَمَعِي صِنْوي إِذَا أَنَا بِهَاتِفٍ
صَيِّتٍ يَصْرُخُ بِصَوْتٍ صَحِلٍ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ
هَذَا النَّبِيَّ الْمَبْعُوثَ مِنْكُمْ1 هَذَا إِبَّانُ نُجُومِهِ
فَحَيَّ هَلا بِالْحَيَا وَالْخِصْبِ أَلا فَانْظُرُوا مِنْكُمْ رَجُلا
طُوَالا عُظَامًا أَبْيَضَ بَضًّا أَشَمَّ الْعِرْنِينِ لَهُ فَخْرٌ
يَكْظِمُ عَلَيْهِ أَلا فَلْيَخْلُصْ هُوَ وَوَلَدُهُ وَلْيَدْلِفْ
إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بطن
__________
1 س: "المبعوث فيكم".
(1/435)
رَجُلٌ أَلا فَلْيَشُنُّوا مِنَ الْمَاءِ
وَلْيَمَسُّوا مِنَ الطِّيبِ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ سَبْعًا
أَلا وَفِيهُمُ الطَّيِّبُ الطَّاهِرُ لِدَاتُهُ أَلا فَلْيَسْتَسْقِ
الرَّجُلُ وَلْيُؤَمَّنِ الْقَوْمُ أَلا فَغِثْتُمْ إِذًا أَبَدًا مَا
شِئْتُمْ وَعِشْتُمْ قَالَتْ فَأَصْبَحْتُ مَذْعُورَةً قَدْ قَفَّ
جِلْدِي وَوَلِهَ عقلي فاقتصصت رؤياي فوا لحرمة وَالْحَرَمِ إِنْ
بَقِيَ أَبْطَحِيٌّ إِلا قَالَ هَذَا شَيْبَةُ الْحَمْدِ وَتَتَامَّتْ
عِنْدَهُ قُرَيْشٌ وَانْقَضَّ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ
فَشَنُّوا وَمَسُّوا وَاسْتَلَمُوا وَاطَّوَّفُوا ثُمَّ ارْتَقَوْا
أَبَا قُبَيْسٍ وَطَفِقَ الْقَوْمُ يَدِفُّونَ حَوْلَهُ مَا إِنْ
يُدْرِكُ سَعْيَهُمْ مَهَلَةٌ حَتَّى قَرُّوا بِذِرْوَةِ الْجَبَلِ
وَاسْتَكَفُّوا جِنَابَيْهِ فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ
خَطِيبًا1فَاعْتَضَدَ ابْنَ ابْنِهِ مُحَمَّدًا فَرَفَعَهُ عَلَى
عَاتِقِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلامٌ قَدْ كَرَبَ ثُمَّ قَالَ
اللَّهُمَّ سَادَّ الْخَلَّةِ وَكَاشِفَ الْكُرْبَةِ أَنْتَ عالم غير
معلم ومسؤول غير مبخل وهذه عبداك وَإِماؤُكَ بِعَذِرَاتِ حَرَمِكَ
يَشْكُونَ إِلَيْكَ سَنَتَهُمْ فَاسْمَعَنَّ اللَّهُمَّ وَأمْطِرَنَّ
عَلَيْنَا غَيْثًا مُرْبِعًا مُغْدِقًا فَمَا رَامُوا وَالْبَيْتِ
حَتَّى انْفَجَرَتِ السَّمَاءُ بِمَائِهَا وَكَظَّ الْوَادِي
بِثَجِيجِهِ2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا حُمَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
الْبَخْتَرِيِّ نا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ نا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ عَنِ ابْنِ حَوَيِّصَةَ3 قَالَ:
تَحَدَّثَ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ عَنْ أُمِّهِ رُقَيْقَةَ بِنْتِ
أَبِي صَيْفِيِّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
وَحَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ4 إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ ثنا عُمَرُ
بْنُ أَحْمَدَ الجوهري,
__________
1 من ح.
2 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة 148- ب وابن سعد في الطبقات 1/89
والبيهقي في دلائل النبوة 1/300-304 وذكره السيوطي ف الخصائص الكبرى
1/198.
3 ت: "عن أبي حويصة".
4 ط: "وحدثناه ابْنُ مَالِكٍ".
(1/436)
نا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرِ بْنِ الْعَلاءِ
الأَوْدِيُّ النَّحْوِيُّ نا أَبُو السُّكَيْنِ: زَكَرِيَّا بْنُ
يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ خُرَيْمِ بْنِ
أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لأْمٍ الطَّائِيُّ نا عم أبي زخر بْنُ
حِصْنٍ عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ بْنِ مُنْهِبٍ قَالَ قَالَ عَمِّي
عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسٍ يُحَدِّثُ مَخْرَمَةَ وَرُبَّمَا قَالَ
حَدَّثَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ عَنْ أُمِّهِ رُقَيْقَةَ إِلا
أَنَّهُ قَالَ فَانْظُرُوا مِنْكُمْ رَجُلا وَسِيطًا عُظَامًا جُسَامًا
أَوْطَفَ الأَهْدَابِ وَإِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَامَ وَمَعَهُ1
رَسُولُ اللَّهِ غُلامٌ قَدْ أَيْفَعَ أَوْ كَرَبَ وَذَكَرَ
الْقِصَّةَ.
قولها2: أَقْحلَت الظِّلْفَ من القُحُولَةِ وهي اليبُوسَة. يُقالُ:
قَحَل الشيءُ قُحُولًا أي يبس وخُبْرٌ قاحِلٌ.
والتّهْوِيمُ فوق السِّنَة ودُون3 النُّعاس قَالَ الشاعرُ:
مَا تَطعَمُ العَيْنُ نَومًا غَيْرَ تَهْوِيمِ4
وقال المُفضَّلُ: السِّنَةُ في الرَّأْسِ والنَّومُ في القَلْب.
والصَّحَلُ بُحَّةٌ في الصَّوْت وصوتٌ صَحِلٌ ومثله الجُشَّة وهي شِدّة
الصَّوْت مَعَ بَحّةٍ. يُقال: رجلٌ أجَشُّ وامرأَةٌ جَشَّاءُ. قَالَ
مُتَمَّمُ بن نويرة:
__________
1 من ت, م.
2 س: "قوله".
3 ط: "وفوق النعاس".
4 اللسان والتاج "هوم" وعزي للفرزدق يصف صائدا وصدره:
عاري الأشاجع مشفوه أخو قنص
وهو في الديوان 2/184 برواية:
عاري الأشاجع مسعور أخو قنص ... فما ينام بحير غير تهويم
ونوم التهويم: هو أن يهز النائم رأيه من النعاس.
(1/437)
ولا شَارفٍ جَشّاءَ هاجَتْ فرجّعَتْ ...
حَنِينًا فأبْكى شَجْوُها البَرْكَ أَجْمَعا1
وقولُه: هذا إبّانُ نُجومهِ أي وَقْتُ ظهوره. يُقال: نَجمَ النَبتُ إذا
طَلَع. وقوله: فحيَّ هَلًا كَلَمَةُ حَثٍّ واسْتِعجال. قَالَ لَبيدٌ:
يتَمارَى في الَّذِي قُلتُ لَهُ ... ولقَد يَسْمَع صوْتي حَيّ هَلْ2
والحَيَا مَقْصُورٌ المَطرُ الذّي يُحْيي الأَرضَ. والحَياءُ ممدود من
الاسْتِحْياء. وحَيَاءُ الناقة يُمدُّ ويُقْصَرُ. ويُقالُ: رَجُلٌ
عُظامٌ بمعنى عَظِيم وجُسام بمعنى جَسِيم ومِثْله كُرامٌ وكُبارٌ قَالَ
الشاعرُ:
كحَلْفَةٍ مِنْ أَبِي رَغَالٍ ... يَسْمعُهَا لآهَةُ الكُبَارُ3
فإذا أَرادُوا المُبَالغةَ في الوصْف شَدَّدُوا كَقولِه: {وَمَكَرُوا
مَكْراً كُبَّاراً} 4. ويُقالُ رجُلٌ وَسِيطٌ إذا كَانَ حَسِيبًا في
قومه والفِعْلُ وسُطَ وسَاطةً وسِطَةً. قَالَ العَرْجِيُّ:
كَأنِّي لم أَكُنْ فيهم وسِيطًا ... وَلَمْ تَكُ نِسْبَتي في آل
عَمْرِو5
وقوله: فلْيَدْلِفْ إِلَيْهِ أي ليُقْبِلْ إِلَيْهِ. يُقال: دَلَفَ
يَدْلِفُ دَليفًا6 وهو أن يُمشي مَشْيًا يُقارِبُ بين الخُطَا.
وقوله: فَلْيَشُنُّوا من الماء يريد التَطهُّرَ بالماء والاغتسَال بِهِ
وأصْلُ الشَّنِّ التَّفريقُ. يُقَالُ: شَنَّ الماءَ عَلَى الشراب إذا
مَزَجَه بِهِ ففرَّقه عَلَيْهِ. والماءُ الشُّنِانُ المُتَفرِّقُ.
فأَمَّا السَّنُّ فهْوَ الصب. يقال:
__________
1 اللسان والتاج "برك" برواية إذا شارف منهن قامت ورجعت والمفضليات
/270
2 شرح الديوان /183 برواية: "قولي" بدل "صوتي".
3 اللسان والتاج "أله" وعزي للأعشى وهو في ديوانه /72.
4 سورة نوح: 22.
5 اللسان والتاج "وسط".
6 س: "دلوفا".
(1/438)
سَنَّ الماءَ عَلَى وجْهِه سَنًّا إذا
صَبَّه عَلَيْهِ صَبًّا سهلا ويُرْوَى عَنِ ابنِ عُمَر أَنَّهُ كَانَ
يَسُنُّ الماءَ عَلَى وَجْهه ولا يَشنَّه.
وقوله: الطّاهرُ لِداتُه يُريد موَالِدَه جَعلَ المصْدر اسْمًا ثمّ
جَمَعه. يُقالُ: وَلَدَ وِلادةً وَلِدةً كما قِيلَ وَعدَ عِدةً ووَجِدَ
جِدةً.
وقولهُ: أَلا فَغِثْتُم يَقولُ سُقِيتُم الغَيْثَ. قَالَ أبو عُبَيْدة:
العرَبُ تقُول غِيثَتِ الأَرْضُ فهي مَغِيثَةٌ أي أصَابَها الغَيْثُ.
قَالَ ذُو الرُمَّة: ما رأيْتُ أفْصحَ من جارية بني فُلانٍ قِيلَ لها
كيف كانَ المطرُ عِنْدَكم قالتْ: غِثْنَا ما شِئْنَا. وقوْلُها1: قفَّ
جِلْدِي أي قفَّ شَعرُ جلْدي فَقام من الفزَع. ويُقَالُ: قفَّ النَبْتُ
إذا يَبِسَ. وقالت: امرأَةٌ من كَلْبٍ2 لمِعاوية ونزل بها أُعيذُكَ
بالله أن تنزل واديا فتدع أوله يرِفّ وآخره يَقِفّ. والولَهُ ذَهَابُ
العَقْل.
والدّفِيفُ المَرُّ السَرِيعُ: يُقالُ دَفَّ يَدِفّ دَفِيفًا. ومنه
دَفِيف الطّائر إذا أراد النُهوضَ قبل أن يَسْتَقلّ. والعربُ تقولُ
يُحِبُّ كلُّ شيء ولدَه حتّى الحُبَارَى وتَدِفُّ عِنْدَهُ3.
وقولُها استكفُّوا جِنَابَيْه أي أحْدَقُوا بِهِ واستَدارُوا حَوْله
ويقال استكفّت الحيَّةُ إذا ترحّت أي استدارت كالرحى4 ومنه كِفَّةُ
الميزان
أخبرني أبو عُمر عَنْ أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأَعْرابي قَالَ ما
اسْتدارَ فهوَ كِفَّةٌ وما استَطال فهو كُفّةٌ.
__________
1 ت: "وقوله".
2 س: "كعب".
3 هامش م: وتدف عنده وأصله من المعاندة: أي يطير مرة هكذا ورمة هكذا.
4 من ت, م.
(1/439)
وقولها جِنابَيْهِ تُريدُ حَوالَيه. قَالَ
كَعْبُ بنُ زُهَيْر:
يَسْعَى الرّجَالُ جنابَيْها وقِيلَهُم ... إِنَّكَ يابْنَ أَبِي سلمى
لمقتول1
أي يقُولُون قِيلَهُم.
وقولُها: قدْ أَيْفَع يُرِيدُ أَنَّهُ صارَ يافِعًا. قَالَ الأَصمعيُّ:
يُقالُ أَيْفَع الغُلامُ إيفاعًا إذا ارتفع ولم يَبْلُغُ. وغُلامٌ
يافِعٌ ويَفَعَةٌ وَغِلْمانٌ يفَعَةٌ الوَاحدُ والجَمِيعُ سَواءٌ.
ويُقال أَيْضًا: غِلمانٌ أَيْفاعٌ وقد يَخْرُجُ الاسْمُ من بِناء
الرُّبَاعي إلى الثُّلاثي كقَولهم أَيْفَع الغُلامُ فهْوَ يافِعٌ وكان
القِياسُ مُوِفع وأَبقَل المكانُ فهو باقِلٌ وأَوْرسَ الشجَرُ فهو
وارِس.
قَالَ بَعْضُ أهلِ اللُغة: اليفَعةُ: مشتقٌّ من اليَفَاع وهو المَكانُ
المرتِفعُ العَالي.
وقوله: كَرب أي قارب الإدْراك ومنهُ الملائِكة الكَرْوبيّون وهم
المُقَرَّبُون. وقال بَعْضُهم: إنّما سُمّوا كَرْوبِيِّين لأَنَّهم
يُدْخِلُون الكَرْبَ عَلَى الكُفَّار وليس هذا بشيء. وقوله: عِبِدَّاك
يُريد عِبادَك يُقال عَبْدٌ وأَعْبُدٌ وعَبِيدٌ وعِبِدَّاء
ومَعْبُودَاءُ وأَنشدَ يَعقوبَ عَنِ الفَرّاء:
تَركْتُ العِبدّا ينقُرُون عِجانَه ... كأنّ غُرابًا فَوْق أَنْفِكَ
واقعُ
وقد يُجمَعُ العَبْدُ أيضًا عَلَى العُبْدانِ قَالَ الشاعر:
عَلامَ يُعْبِدُني قَومِي وقَدْ كَثُرَتْ ... فِيهم أَباعِرُ ما شاؤوا
وعبدان2
__________
1 الديوان /19 برواية: "يسعى الرجال بجنبيها وقولهم".
2 اللسان والتاج "عبد" ولم يعز.
(1/440)
والعَذِرَاتُ: الأَفْنيَةُ. والعَذِرَةُ
الفِنَاءُ. وكانوا يَقْضُونَ حوائجَهُم في أفْنية الدُّورِ فصارت
العَذِرَةُ اسمًا للرَّجِيع بسبب المُجاوَرَةِ.
وقوله: غَيْثًا مُرْبِعًا أي مُنْبِتًا للرَّبيع. والمُغْدِقُ المُروِي
وماء غَدَقٌ أي كَثير عَذْبٌ. وكظَّ الوَادِي أي امْتلأ.
والثَّجِيجُ الماء السَّائِل. قَالَ أبو ذُؤيب:
سقَى أُمَّ عَمروٍ كلَّ آخر ليْلَةٍ ... حنَاتِمُ سُودٌ مَاؤهُنّ
ثَجِيجُ1
وأصْلُ الثَجّ الصَّبُّ. ومن هذا قوله تعالى: {مَاءً ثَجَّاجاً} 2.
قَالُوا: مَثْجُوجًا. فاعل بمعنى مَفْعول.
__________
1 شرح أشعار الهذليين 1/128 والحناتم: الجرار الخضر شبهها بالسحاب
الأسود والأخضر الأسود. وثجيج: صبوب.
2 سورة النبأ: 14.
(1/441)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
"إِيَّاكُمْ وَالإِقْرَادَ إِيَّاكُمْ وَالإِقْرَادَ" قَالُوا يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الإِقْرَادُ. قَالَ: "الرَّجُلُ مِنْكُمْ
يَكُونُ أَمِيرًا أَوْ عَامِلا فَيَأْتِيهِ الْمِسْكِينُ
وَالأَرْمَلَةُ فَيَقُولُ لَهُمْ مَكَانَكُمْ حَتَّى أَنْظُرَ فِي
حَوَائِجِكُمْ وَيَأْتِيهِ الشَّرِيفُ وَالْغَنِيُّ فَيُدْنِيه
وَيَقُولُ عَجِّلُوا قَضَاءَ حَاجَتِهِ وَيُتْرَكُ الآخَرُونَ
مُقْرِدِينَ" 1.
يَرْوِيهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنِ الأَوزاعِيّ عن يَحْيَى
بن أبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ. وَيُرْوَى ذَلِكَ أَيْضًا عن عطاء
الخراساني.
أخبرني أبو عمر عن أبي العبّاس ثعْلب قَالَ: يُقال: أَخْردَ2 الرجل إذا
سكت
__________
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية 6/108 بلفظ: "إياي" بدل: "إياكم" عن أبي
هريرة مرفوعا وانظر كنز العمال 6/14.
2 ح: "أقرد" بدل "أخرد". وفي القاموس "خرد": أخرد: سكت من ذل لاحياء.
وفي "قرد": أقرد الرجل: سكت عيا.
(1/441)
حَياءً وأَقْردَ إذا سَكَت ذُلًا. وأنشدنا
عَنِ ابن الأعرابي:
ولَسْتُ بِقوَّالٍ لَموْلايَ إنْ جَنى ... هلكْتَ ولا إن ضامَك القَومُ
أَقْرِدِ
ولسْتُ بِقوّالٍ لذي الزَّادِ أَبْقِه ... فإنّك إنْ لم تُبْق زادَك
يَنْفَدِ
قَالَ أبو العبّاس: وقال لي خَلفُ بْن هِشَام البَزَّارُ1: جَمعْتُ بين
الكسائي واليَزِيديّ فَقَالَ لَهُ اليَزيدِيّ: يا أبا الحسن إنّه
يأتينا مِنْ قِبَلك أشياءُ من اللغة لا نَعْرِفها فَقَالَ لَهُ
الكِسائيُّ وما أنت وهذَا ما مَعَ النّاسِ من هذا العلم إلا فَضلُ
بُزَاقِي قَالَ فأقردَ اليَزِيدِيُّ. والأصْلُ في الإقْرادِ أن يَقَع
الغُرابُ عَلَى ظُهورِ الإبل ورُؤوُسِها فيَلْقُط ما عليها من قُرادٍ
وحمنانة ونحوهما فتَقرُّ الإبِل عند ذَلِكَ وتَهدأُ لما تَجِدُ لَهُ من
الرّاحة فيُقالُ عند ذَلِكَ أقْرَدَتِ الإبلُ ولُصُوصُ العرب إذا جاء
الواحِدُ منهم إلى إِبِل مُناخَةٍ بالليل لِيأخُذَ منها بَعِيرًا دنا
من البعير فحكَّه بيَده ثُمَّ نَزَع منه قُرادًا فيَسكن إِلَيْهِ ثُمَّ
يخطمه ولا يرغو ويشُدُّ عَلَيْهِ الرَّحْلَ ويَرْكَبُه فيُقال قد
أَقرَدَ ومنه قول الشاعر:
لعَمْرُكَ ما قُرادُ بني نُمَيرٍ ... إذا نُزِعَ القُرادُ بمُسْتَطاع2
ويُقال: قَرَّدتُ البعير إذا نزعْتَ عَنْهُ قراده.
وهذا كحديثه الآخَرُ. حَدَّثَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجَشَّاشُ نا عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ
أَبُو حَفْصٍ الرَّفَّا نا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بن مرة
__________
1 م: "البزاز". وفي تقريب التهذيب 1/226: خلف ابن هشام بن ثعلب بامثلثة
والمهملة البزار بالراء آخره ثقة مات سنة 229هـ.
2 اللسان والتاج "قرد" وهو للحطيئة في ديوانه /62 ونسبه للأزهري في
اللسان للأخطل.
(1/442)
عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُشَرِّفُونَ الْمُتْرَفِينَ
وَيَسْتَخِفُّونَ بِالْعَابِدِينَ وَيَعَمْلُونَ بِالْقُرْآنِ مَا
وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ تَرَكُوهُ فَعِنْدَ
ذَلِكَ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب ويكفرون ببعض يسعون فيا يُدْرَكُ
بِغَيْرِ سَعْيٍ مِنَ الْقَدَرِ الْمَقْدُورِ وَالأَجَلِ الْمَكْتُوبِ
وَالرِّزْقِ الْمَقْسُومِ أَفَلا يَسْعَوْنَ فِيمَا لا يُدْرَكُ إِلا
بِالسَّعْيِ مِنَ الْجَزَاءِ الْمَوْفُورِ وَالسَّعْيِ الْمَشْكُورِ
وَالتِّجَارَةِ الَّتِي لا تبور" 1.
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير 1/697 وعزاه للطبراني في الكبير وابن
منده في غرائب شعبه ولأبي نعيم والبيهقي.
(1/443)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ
الْغَزْوَ فَقَالَ: "مَنْ أَطَاعَ الإِمَامَ 1 وَأَنْفَقَ الْكَرِيمَةَ
وَيَاسَرَ الشَّرِيكَ فَإِنَّ نَوْمَهُ وَنَبْهَهُ أَجْرٌ كُلُّهُ
وَمَنْ غَزَا فَخْرًا وَرِيَاءً فَإِنَّهُ لا يَرْجِعُ بِالْكَفَافِ"
2.
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ نا
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سهم ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
نَجْدَةَ الْحَوطيُّ نا بَقِيَّةُ عَنْ بَحِيرِ3 بْنِ سَعِيدٍ نا
خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي بَحْرِيَّة عَنْ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ.
قولهُ: ياسَر الشَريكَ أي عاونَة وَسَاعَده. يُقال: رجُلٌ يَسْرٌ
ويَسَرٌ إذا كان سريعَ الانقِياد والمُتَابعةٍ.
قَالَ الشَّاعرُ:
أَعْسَرُ إِن مَارَسْتَني بعُسْرِ ... ويَسَرٌ لَمنْ أرَادَ يُسْرِي4
وقال جريرٌ:
__________
1 س: "الأمير".
2 أخرجه أبو داود في الجهاد 3/13 والدارمي في 2/208 والنسائي في الجهاد
كذلك 6/49 وأحمد في مسنده 5/234.
3 ت, م, ط: بحير بن سعد. وفي التقريب 1/93: بحير: بكسر المهملة ابن
سعيد السحولي بمهملتين أبو خالد الحمصي ثقة ثبت.
4 م: "إان منارسني" والمثبت من س واللسان والتاج "يسر" ولم يعز.
(1/443)
بِشْرُ بْن مَرْوَانٍ إذَا عَاسَرْتَه ...
عسر وعند يساره ميسور1
__________
1 الديوان /31 برواية: "بشر أبو مروان ... الخ".
(1/444)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ فَارِعَةَ بِنْتَ
أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ جَاءَتْهُ فَسَأَلَهَا عَنْ قِصَّةِ
أَخِيهَا أُمَيَّةَ فَقَالَتْ: قَدِمَ أَخِي مِنْ سَفَرٍ فَأَتَانِي
فَوَثَبَ عَلَى سَرِيرِي فَأَقْبَلَ طَائِرَانِ فَسَقَطَ أَحَدُهُمَا
عَلَى صَدْرِهِ فَشَقَّ مَا بَيْنَ صَدْرِهِ إِلَى ثُنَّتِهِ
فَأَيْقَظْتُهُ فَقُلْتُ: يَا أَخِي هَلْ تَجِدُ شَيْئًا قَالَ لا
وَاللَّهِ إِلا تَوْصِيبًا وَذَكَرَتِ الْقِصَّةَ فِي مَوْتِهِ1
حَدَّثَنِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ
الْمَحَامِلِيِّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ بْنُ يحيى بن هانىء حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَولُها: وثَبَ عَلَى سَرِيري مَعْنَاه اتَّكأ عَلَيْهِ أو نام أو نحو
ذَلِكَ. وهي لُغَةٌ حِمْيَريّة. يُقال: وَثَب الرَجُلُ إذا قَعَد
واستَقَرَّ عَلَى المكان. والوِثابُ الفِراشُ في لُغَتِهم. والثُنَّةُ
العَانَة. ويُقالُ: هي ما بين السرة والعانة.
والتوصيب كالتوصيم وهو فتور وتكسُّر يَجِده الإِنسانُ في نفسه. قَالَ
لَبِيدٌ:
وإِذَا رُمْتَ رحيلًا فارتحِلْ ... واعْصِ ما يَأمُر تَوصيمُ الكَسَلْ2
وَأَخْبَرَني أبو رَجَاء الغَنَويّ أخبرني محمد بْن يحيى المُقري نا
سَلَمة عَنِ الفراء قَالَ: قِيلَ لأعرابي: كيفِ تجدك فقال:
__________
1 ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 7/215 بلفظ: "فرقد على سريري" بدل
"فوثب على سريري" وأشار الحافظ إلى هذا الحديث في الإصابة 4/375 ولم
يذكره.
2 شرح الديوان /179.
(1/444)
صُداعٌ وتَوصِيمُ العِظَام وَفَتْرَةٌ ...
وغَثْيٌ مع الإشراق في الجوف لاتب1
وقد تُبْدَلُ المِيمُ باءً لِقُرب مخارجهما كقولهم سَمَّد رأسَه
وسبَّده وأمر لازم ولازب.
__________
1 اللسان والتاج "لتب" برواية: "وغم مع الإشراق".
(1/445)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ سَوَادَةَ بْنَ
الرَّبِيعِ قَالَ: أَتَيْتُهُ بِأُمِّي فَأَمَرَ لَهَا بِشِيَاهِ
غَنَمٍ وَقَالَ: "مُرِي بَنِيكِ أَنْ يُقَلِّمَوا أَظْفَارَهُمْ أَنْ
يُوجِعُوا أَوْ يَعْبِطُوا ضُرُوعَ الْغَنَمِ وَأْمُرِي بَنِيكِ أَنْ
يُحْسِنُوا غِذَاءَ رِبَاعِهِمْ" 1.
نا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ
أَيُّوبَ بْنِ ضريس نا مسلم نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الخثعمي نا
سَلْمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجرمي عَنْ سَوَادَةَ بْنِ
الرَّبِيعِ.
قوله: شِيَاهُ غَنَم إنّما عرَّفها بالغَنَم لأَنَّ العرب تُسَمّي
البقرةَ الوحْشيّةَ شَاةً. قَالَ الشاعرُ:
وكان انْطِلاقُ الشّاةِ من حَيثُ خَيَّما2
وقوله: أن يُوجِعوا معناه لئلّا يُوجِعُوا كقوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ
لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} 3: أي لئلّا تَضِلُّوا.
وكقوله: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 3/484 بلفظ: "أتبت ... فأمر لي بذود" بدل
"أتبته بأمي فأمر لها". وذكره الحافظ في الإصابة 2/97 برواية أحمد ثم
قال: ورواه البغوي بوجه آخر وذكر مثل الذي هنا.
2 اللسان والتاج "شوه" وعزي للأعشى وهو في ديوانه /188 وصدره:
فلما أضاء الصبح قام مبادرا
3 سورة النساء: 176.
(1/445)
بِكُمْ} 1: ونَظِيره في الكلام أن يُقالَ:
لا تَأتِ السُلْطَان أن يُصِيبَك مَكْرُوهٌ ولا تَقْرب الأسَدَ أنْ
يَفْتَرسَك ويُنصبُ عَلَى إضمار الحَذر أو الخوف كأَنَّه قَالَ لا
تَقْرَبْه مخافَة أن يُصِيبَك منه مَكْرُوه.
وفيه وَجْهٌ آخر وهو إضمارٌ لا كأنّه قَالَ: مُري بَنِيك أَنْ لا
يُوجِعُوا ضُروعَ الغنم والعَرَبُ تُضْمِرُ لا وَتُعْمِلُها كقول
الشَّاعِر:
أُوصِيكَ أَنْ يَحْمِدَكَ الأَقارِبُ ... ويَرجع المِسْكِينُ وهوَ
خَائِبُ
يريدُ ولا يَرجِعَ المِسْكينُ خائبًا.
وقوله: أو يَعْبِطُوا ضُروعَ الغَنَم مَعْناه أو يَعْقُروها
فيُدَمُّوها. والعَبِيطُ الدّمُ الطَرِيّ. ويُقال: ماتَ فُلانٌ
عَبْطَةً واعتبطَ إذا مات في شَبابِه وطَراءةِ سِنِّه. قَالَ أُميّةُ:
مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبْطَةً يَمُتْ هرَمًا ... لِلموتِ كأسٌ فالمرءُ
ذائِقُها2
وقوله: مَرِي بَنِيك أن يُحْسِنُوا غِذاءَ رِباعِهم فإنَّ الرِّباع
جَمْعُ الرُّبَع وهو ولَدُ النَّاقة إذا نُتِجَتْ في الرَّبِيع قَالَ
الأصمعيُّ: سَمِعْتُ عيسى بْن عُمَر يَقُولُ سمِعْتُ العربَ تُنْشِدُ.
وعُلْبَةً نَازَعَتْها رِباعي ... وعلبة عند مقيل الراعي3
__________
1 سورة لقمان: 10.
2 اللسان والتاج "عبط" وهو لأمية بن أبي الصلت في شعراء النصرانية
3/235 برواية:
من لم يمت عبطا ... الخ.
وقبله:
يشوك من فر من منيته ... في بعض غراته يوافقها
3 الأساس "ربع" ولم ينسبه. وانظر الأمالي 1/181.
(1/446)
والمعنى أنه كره استِقْصَاءَ الحَلَب
إبقَاءً عَلَى الرِّباعِ. يَقُولُ: إذا حَلَبْتَ فَابْقِ في ضُروعها ما
يُغَذّي رِباعَها.
(1/447)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ مَازِنَ1 بْنَ
الْغَضُوبَةِ رَجُلا مِنْ أَهْلِ عُمَانَ سَادِنَ صَنَمِهِمْ أَتَاهُ
فَآمَنَ بِهِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي مُولَعٌ بِشُرْبِ
الْخَمْرِ وَالْهَلُوكَ مِنَ النِّسَاءِ فَقَالَ: النبي "اللَّهُمَّ
أَبْدِلْهُ بِالْعَهْرِ عِفَّةَ الْفَرْجِ وَبِالْخَمْرِ رِيًّا لا
إِثْمَ فِيهِ". قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى قَوْمِهِ هَجَرُوهُ
وَعَادَوْهُ. قَالَ مَازِنٌ1: ثُمَّ أَتَتْنِي مِنْهُمْ أَزْفَلَةٌ
عَظِيمَةٌ فَعَاتَبُونِي ثُمَّ هَدَاهُمُ اللَّهُ بَعْدُ
بِالإِسْلامِ2.
حدثنيه علي بن العباس الإسكندراني نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ سَعِيدٍ الْمَهْرَانِيُّ نا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعتُ
هِشَامَ بْنَ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَنِي عَبْدُ
اللَّهِ الْعُمَانِيُّ قَالَ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ
مَازِنُ1 بْنُ الْغَضُوبَةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
السَّادِنُ الخادمُ. يُقالُ سدَنَ الرجلُ سَدَانةً. والهَلوكُ من
النساء الفاجِرَة. قَالَ الشاعرُ:
مَشْيَ الهَلُوكِ عليها الخيعل الفضل3
__________
1 في جميع النسخ: مالك بن الغضوبة وتكرر ذكره. وفي الكتب التي تترجم
للصحابة: "مازن بن الغضوبة". زلم يذكر واحدا منها مالكا. وفي النهاية
هللك ذكر جزء من الحديث وفيه: وفي حديث مازن: إني مولع بالخمر والهلوك
من النساء ... الخ.
2 ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 5/6 في ترجمة: "ماون بن الغضوبة"
وأشار الحافظ في الإصابة 3/336 في ترجمته إلى هذا الحديث.
3 اللسان والتاج "خعل" وعزي للمتنخل الهذلي وصدره:
السالك الثغرة اليقظان كالئها
وهو في شرح أشعار الهذليين 3/1281.
(1/447)
ويُقال إنّما سُمِّيت هَلْوكًا لأنّها
تَهالَكُ أي تَثَنَّى وتَمايلُ ومنه قول زياد لابنه: يابني إذا دخلتَ
عَلَى أمير المؤمنين يعني معاوية فلا يَرَينَّ منك تَهالْكًا إِلَيْهِ
ولا انقِباضًا عَنْهُ والعَهرُ الزِّنَا والعاهرُ الزاني. ومنه قوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الوَلَدُ للفِراش وَللْعاهر
الحَجَرُ" 1. قَالَ: عَلْقَمةُ بنُ عُلاثَة لِعامر بْن الطُّفَيْل لمّا
نافَرَه أنا وَلُودٌ وأنت عاقِر وأنا وَفِيٌّ وأنت غادِرٌ وأنا عَفِيفٌ
وأنت عِاهِرٌ. والأزفلة: الجماعة الضخمة.
__________
1 أخرجه البخاري في مواضع منها 3/70 وغيره.
(1/448)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
"احْبِسُوا صِبْيَانَكُمْ حَتَّى تَذْهَبَ فَوْعَةُ الْعِشَاءِ" 1.
حَمَّادٌ عَنْ حَبِيبٍ2 عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ.
فوْعَةُ العِشَاءِ: إِقْبالُ اللَّيْل. وقال ابنُ شُمَيْلٍ: أتيْتُه في
فوْعَةِ النّهار أي في أوّله. وقال: غَيرهُ شمِمْتُ فَوْعَةَ الطِّيبِ
أي شِدَّة رائحِته أوّلَ ما تفوحُ. قَالَ أبو حاتم: قلتُ للأصمَعِيّ:
ما الحُمَةُ قَالَ فَوْعَةُ السَّمِّ.
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 3/362.
2 سقط من ح.
(1/448)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَرْبَعَةً
تَفَاتَوْا إِلَيْهِ1.
يَرْوِيهِ رَوْحٌ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي جَمِيلٍ
عَنْ مُجَاهِدٍ.
قولُه: تَفاتَوْا معناه تَحاكَمُوا إِلَيْهِ من الفتوى. قال الطرماح:
__________
1 الفائق "فتا" 3/87.
(1/448)
أَنخْ بفناءٍ أَشْدقَ منْ عَديٍّ ... ومن
جَرْمٍ وهُمْ أهْلُ التَّفَاتي1
وقال جَرير للفرزدق:
تَعالَوا ففَاتُونا ففي الحُكْم مَقْنَعٌ ... إلى الغُرّ مِنْ آلِ
البِطَاح الأكارمِ2
يُريدُ حاكمونا إليهم.
__________
1 الفائق 3/87 والديوان /36 واللسان "فتى". والأشدق: الوتسع الشدق.
2 في هامش ط, م: آل البطاح الذين ينزلون بطحاء مكة" والبيت في الديوان
/556 وروي الشطر الأول:
تعالوا نحاكمكم وفي الحق مقنع
(1/449)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جَابِرَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ
فَبَيْنَا أَنَا عَلَى جَمَلِي أَسِيرُ وَكَانَ جَمَلٌ فِيهِ قِطَافٌ
فَلَحِقَ بِي فَضَرَبَ عَجُزَ الْجَمَلِ بِسَوْطٍ فَانْطَلَقَ أَوْسَعَ
جَمَلٍ رَكِبْتُهُ قَطُّ يُوَاهِقُ نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَوَيْهِ أنا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا
قُتَيْبَةُ نا عُبَيْدَةُ2 بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ
عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنْزِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِلا
أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ يُوَاهِقُ نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً وَإِنَّمَا
قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ
جَابِرٍ.
القِطافُ: الإبِطاءُ في السَّيْر والمُقاربَةُ بين الخُطَى. يُقالُ:
جَمْلٌ قَطُوفٌ. وقوله: أَوْسَعَ جَمَلٍ يريدُ أسْرع جَمَلٍ سَيْرًا.
يُقالُ: جَمَل وَسَاعٌ وسَيْر وَسِيعٌ. قَالَ سويد بن كراع:
__________
1 أخرجه البخاري 3/81 ومسلم 3/1221 والنسائي 7/297 مختصرا والإمام أحمد
في مسنده 3/375 بأطول مما تقدم. وانظر الخصائص الكبرى 1/564.
2 في التقريب 1/547: "عبيدة بن حميد الكوفي أبو عبد الرحمن المعروف
بالحذاء التيمي أو الليثي أو الضبي صدوق نحو وربما أخطأ مات سنة 290هـ.
(1/449)
وَإذَا الرّكابُ تَكلّفتْها عطَّفَتْ ...
ثَمرُ السِّيَاط قَطُوفَها وَوَساعَها
والمُواهَقَةُ: أنْ تَسِير مِثْلَ سَيْر صاحِبك وهي المُباراةُ. قَالَ
ابنُ أحمر:
وتَوَاهَقَتْ أَخْفَافُها طبَقًا ... والظِّلُّ لم يَفْضُلْ ولم يكر1
__________
1 اللسان والتاج "وهق". والديوان /113 وتواهقت: تسابقت. وجاءت الإبل
طبقا واحدا: أي على خف واحدِ.
(1/450)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ
شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَاللَّهِ إِنِّي
لأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقٌّ وَلَكِنْ قَالَتْ بَنُو
قُصَيٍّ: فِينَا الْحِجَابَةُ فَقُلْنَا نَعَمْ ثُمَّ قَالُوا وَفِينَا
اللِّوَاءُ قُلْنَا نَعَمْ ثُمَّ قَالُوا فِينَا النَّدْوَةُ قُلْنَا
نَعَمْ ثُمَّ قَالُوا فِينَا السِّقَايَةُ قُلْنَا نَعَمْ ثُمَّ
أَطْعَمُوا وَأَطْعَمْنَا حَتَّى إِذَا تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ قَالُوا
مِنَّا نَبِيٌّ وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ نا أَبُو
نُعَيْمٍ نا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ
قَالَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ.
الحجابة: حِجابةُ البيْت وهي في بَني عَبْد الدّار واللِّواءُ لِواءُ
الحرْب وهو فيهم إذ ذاك قَالَ حَسَّان بْن ثابت يَهْجو مُسَافِعَ بْن
عِياضٍ التَّيميّ:
لوْ كُنْتَ من هاشم أوْ من بني أَسَدٍ ... أو عَبْدٍ شَمْسِ أو أصحابِ
اللِّوَا الصِّيدِ
أَوْ من بَني نَوْفَلٍ أَو رَهْطِ مُطْلِبٍ ... لله دَرُّك لم تَهْمُمْ
بتهديدي2
__________
1 أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 1/453.
2 هامش م: أي السادات والبيتان في الديوان: 344, 345 وروي الشطر الأول
من البيت الثاني:
أو كنت من نوفل أو ولد عبد المطلب
(1/450)
قَصر اللِوَاء وهو مَمْدُود. والندْوة
الاجْتِمَاع للمَشُورة كانوا إذا حَزَبَهم أمْرٌ تَنادَوْا في دارِ
عَبْد مناف1 أي اجتمعوا فتشاوروا. ويُقال: تَنَادَى القومُ إذا اجتمعوا
في النادي. قَالَ المُرقِّش الأكبر:
لا يبعد الله التلبب في ال ... غارات إذا قَالَ الخَمِيسُ نَعمْ
وَالمشْيَ بين المْجلِسَيْن وقد ... آد العشيّ وقد تنادى العَمّ2
ومن هذا قِيلَ دارُ النّدوة.
وقوله: إذا تحاكّت الرُّكَب. فيه قولان قَالَ النَّضرُ بْن شُميْلٍ:
إذا تساوينا في الشَّرف. وقال غيره: معناه إذا جَمَعَتْنَا المحافِل
فتَمَاسَّت الرُّكَبُ.
أخبرني أبو عُمَر عن أبي العباس ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ: يقال:
فلان يَقُذُّ3 فلانًا ويأنُفُه ويَجْنُبُه ويُحاكُّه إذا كَانَ معه إلى
جَنْبه غير متفاوتين.
قَالَ أبو عبيدة: كَانَ قُصَيُّ بْن كِلابٍ مُعَظَّمًا في عَصْره
مُطاعًا في قوْمه وكانت قُريشٌ لا تَقْطَع أمْرًا إلا بمَشْهَدٍ منه
وكان لا يُعذَرُ4 غُلامٌ إلا في داره ولا يُعْقَدُ لِواءُ الحرب إلّا
في داره ولا تُنكحُ جاريةٌ إلا في دارِه وكان لَهُ أربعة أوْلاد عبْدُ
منافٍ وعبْد العُزَّى وعَبْدُ بْن قُصَيٍّ وعبدُ الدار
__________
1 في س, ط والفائق "حكك" 1/301 عنى بالندوة تناديهم في دار عبد المطلب
للتشاور إذا حزبهم أمر والمثبت عن ت, وهامش س, م, ح.
2 هامش م: "أي جماعة الناس" والبيتان في اللسان والتاج "عمم"
والمفضليات /240.
3 كذا في ت, م. وفي س "يقذ" كيعد.
4 القاموس "عذر": أعذر الغلام: ختنه.
(1/451)
وكان عبدُ الدار أكْبَر ولدِه1 فلمّا
استعْلى إخْوتُه قَالَ لَهُ أبوهُ قُصَيّ والله لأجعلنَّ إخْوتَك
يَطِئْون عَقِبَيْك لا يدخل رجلٌ منهم الكعبةَ إلا بإذنك ولا يَعْقِدُ
لقُرشيٍّ لِواءً إلا أَنْتَ وفي دارك ولا تَقْضي قريشٌ أمورَها إلا في
دارك ولا يشرب رَجلٌ بمكّةَ إلا من سِقايتك ولا يأكل أحدٌ في الموْسِم
إلا من طعامِك فأَعطاهُ النَّدوةَ والحجابةَ والسِّقايةَ والرِّفادةَ.
وقال الزُّبيرُ بْن بَكّار: قَسَم قُصيٌّ مكارمَه بين ولده فأعطى عبْدَ
مناف السِّقايةَ والنَّدْوةَ وأعطى عَبْدَ الدارِ الحجابةَ واللِّواءَ
وأعطى عَبْدَ العُزَّى الرِّفادةَ وأعطى عبْدَ بْن قُصَيٍّ جَلْهَتي
الوادِي. قَالَ الزُّبَيْر: ثُمَّ اصطلحتْ قُريش عَلَى أن وَلِي هاشم
بْن عَبْد مناف السّقايةَ والرِّفادةَ وأُقِرَّت الحِجابةُ في بني
عَبْد الدَّار.
والرِّفادةُ الضِّيافة وكان هاشمُ بْن عَبْد مناف يُخرِجُ في كلّ
مَوْسمٍ من مواسم الحَجِّ مالًا كبيرًا2 من أطيب ماله ويترافدُ سائِر
القبائل من قُريش فتُرسِل كلُّ قبيلة بشيء ثُمَّ يَجمعُونه فيَشْتَرون
بِهِ الجزر3 والكعك والسويق فينحرونها ويطحمون الحاجَّ ويَسْقُونهم
وكانوا يقولون نحن أهْلُ اللهِ وجِيرانُ بيْتِه والحاجُّ وفْدُ الله
وأَضْيافُه فنحن أوْلى بقِراهُم وإنما سُمّي هاشمًا واسْمُهُ عَمْرو
لأنّه هَشَم الثَّريدَ وأطعم في عام جَدْبٍ ولذلك يَقُولُ شاعرُهم:
عَمرُو العُلا هَشَمَ الثّريدَ لقومه ... ورجال مكة مسئتون عجاف4
__________
1 كذا في س. م. وفي س: صوابه أصغر ولده وفي الطبقات لابن سعد 1/70:
"ولد لقصي بن كلاب من حبى بنت حليل: عبد الدار بن قصي وكان بكره ...
الخ وانظر سيرة ابن هشام 1/129 وتاريخ الطبري 2/184.
2 ح, م: "كثيرا".
3 ح: "الجزور" والمثبت من م, ت.
4 اللسان والتاج "هشم" وعزي في المحكم لابنة هشام بن عبد مناف وفي
التهذيب لمطرود الخزاعي. وقال ابن بري: الشعر لابن الزبعري. انظر
اللوحة /150.
(1/452)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ بَعَثَ بَعْثًا
وَأَنَّهُمْ أَصْبَحُوا بِأَرض عَزُوبَةٍ بَجْرَاءَ فَإِذَا هُمْ
بأعرابي في قبة له غَنَمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَاءَهُ الْقَوْمُ
فَقَالُوا: أَجْزِرْنَا فَأَخْرَجَ لَهُمْ شَاةً فَسَحَطُوهَا ثُمَّ
أَخْرَجَ لَهُمْ أُخْرَى فَسَحَطُوهَا ثُمَّ قَالَ1: مَا بَقِيَ فِي
غَنَمِي إِلا فَحْلٌ أَوْ شَاةٌ رُبَّى2 فَلَمَّا أَبْهَرَ الْقَوْمُ
احْتَرَقُوا وَقَدْ أَقَالَ الأَعْرَابِيُّ غَنَمَهُ فِي الْقُبَّةِ
فَقَالُوا نَحْنُ أَحَقُّ بِالظِّلِّ مِنَ الْغَنَمِ أَخْرِجْهَا
عَنَّا فَقَالَ: إِنَّكُمْ مَتَى تُخْرِجُونَ غَنَمِي3 فِي الْحَرِّ
تَرْمَضُ وَتَطْرَحُ أَوْلادَهَا وَإِنِّي رَجُلٌ قَدْ زَكَّيْتُ
وَصَلَّيْتُ وَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ طُولٌ مِنْ حَدِيثِ
الْحَضْرَمِيِّ4.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ
بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ شَهْرِ بْنِ
حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الأَشْعَرِيَّةِ5.
قوله: بأرض عزوبة هي الأَرَضُ البَعيدة المَضَرب إلى الكَلأ. ويُقال:
كَلأ عازبٌ. والتَعْزِيبُ في الرَّعْي: أن يَبِيت الرجلُ في الكلأ لا
يريح ماشيته قاله الأصمَعِيُّ وأنشدَ للنّابِغَة الذُّبيانيّ:
ضَلَّتْ حُلُومُهُم عنهم وغرّهُمُ ... سَنُّ المُعِيدِيّ في رَعْيٍ
وتَعْزِيبِ6
يُقالُ للمال الغائب عازبٌ وللْمالِ المُقِيم7 عَاهِنٌ. قَالَ ابنُ
هَرْمَةَ:
تَمُدُّ عيْنيْك في عرض وفي عهن
__________
1 ت, م: "حتى قال".
2 القاموس "رب": الربى الشاة إذا ولدت إذا مات ولدها أيضا.
3 من ن, ت, م, ط, ح.
4 أخرج الترمذي في 4/331 طرفا منه وذكره الهيثمي في مجمعه 6/208 بطوله
وعزاه للطبراني.
5 ت: "الأشعري".
6 الديوان /89.
7 ح: "وللمال الحاضر عاهن". وشعر ابن هرمة لم أقف عليه في ديوانه ط
مجمع اللغة العربية بدمشق.
(1/453)
والأرضُ البجْراءُ هي المرتفعةُ الصُّلْبة
وقَلَّ ما تُنْبِتُ وإنَّما النَّباتُ في البُطْنَان والوِهادِ.
والأَبجرُ من الناس هُو الَّذِي انْدَلَقتْ1 سُرَّتُه فبَقِيت ناتِئةً
مرتفعةً عَنْ بَطْنه. قَالَ الشاعر:
يَمرُّون بالدَهْنَا خِفافًا عيابهم ... ويخرجن من دارين بجر
الحَقائِب2
يُريدُ عِظامَ الحقائِب
وقولهُ: أجْزِرنا شَاةً: أي أَعْطِنا شَاةً نذبحها واسْمُ تِلْكَ الشاة
جَزَرَةٌ وتُجمعُ عَلَى الجَزَرِ ولا تكون الجَزَرة من الإبل قَاله
يَعْقُوب.
وقولُه: سَحَطُوها أي ذَبَحُوها. والسَّحْطُ ذبْحٌ وَحِيٌّ3. وقولُه:
أبْهَرُوا يُريدُ أنّهم صَارُوا في بُهرة النَّهار: أي وسَطِه. وبُهْرة
الشّيء وسَطُه.
وقولُه: تَرْمَضُ أي تحترق في الرَّمْضاء. يُقال رَمِضَ الرجُلُ
يَرْمضُ رَمَضًا إذا احْتَرقتْ قدماهُ من الشَّمس. وترمَّضَت الظِّباء
وهو أن تَطْرُدها في الرَّمضاءِ حتّى تحْترقَ قوائُمها فتُصَاد. قَالَ
يعقوب: ويُقال: رَمِضَت الغنم ترمض رمضا إذا رعَتْ في شدّة الحر فتجبن4
رِئَاتُها. وأَكبادُها يُصيبُها فيها قَرْحٌ.
__________
1 القاموس "دلق": اندلق: خرج من مكانه.
2 الأساس "بجر" من غير عزو.
وفي معجم البلدان: "دارين": دارين: فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك من
الهند والنسبة إليها داري واختلف في نسبة البيت فقيل للأحوص وقيل
لغيره. انظر شعر الأحوص /215.
3 ذبح وحي: أي سريع.
4 القاموس "حبن": الحبن محركة داء البطن يعظم منه ويرم وقد حبن كعني
وفرح حبنا ويحرك وهو أحبن وهي حبناء.
(1/454)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ
اللَّهَ لا يُحِبُّ الذَّوَّاقِينَ وَلا الذَّوَّاقَاتِ" 1.
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِسْكِيُّ نا عَلِيُّ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا هِشَامٌ عَنْ
قَتَادَةَ.
هذا في النكاح كره أن يكون الرّجلُ كثيرَ النِّكاح سريعَ الطَّلاق
بمنزلة الذائق للطّعام غير الآكل منه قَالَ الأَعْشَى:
وذُوقِي فَتَى حَيٍّ فإنّي ذائِقٌ ... فَتاةً لأقوامٍ كَما أنْتِ
ذائِقَهْ2
يقول: استطرفي زوجا غيري
__________
1 ذكره الهيثمي عن أبي موسى في مجمعه 4/355 وقال: رواه البزار
والطبراني في الكبير والأوسط.
2 الديوان /123 برواية:
وذوقي فتى قوم فإني ذائق ... فتاة أناث مثا ما أنت ذائقه
(1/455)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَرَّ
وَعَلَيْهِ قُشْبَانِيَّتَانِ 1 مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ
بْنِ خُزَيْمَةَ نا مُوسَى2 بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ حَدَّثَنِي
مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ النَّصِيبِيُّ نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
مَهْرَانَ الْمَغَازِلِيُّ نا أَبُو غِرَارٍ الْبَدَوِيُّ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: مَرَّ بي النبي ذَا وَفْرَةٍ وَعَلَيْهِ قُشْبَانِيَّتَانِ.
قوله: "قُشْبَانيَّتان" يُريدُ بُرْدتَيْن والأصْلُ فيه القَشِيبُ وله
مَعْنيان مُتضَادَّان يقالُ للجَديد قَشِيب وللخَلَق قَشيبٌ ويُجمعُ
قُشُبًا وقُشْبَانًا ويُقالُ ثِيابٌ قُشْبَانِيَّةٌ إذا كانت خلقانا.
__________
1 الفائق "قشب" 3/197 والنهاية "قشب" 4/64.
2 هامش م:"محمد بن سهل الرملي".
(1/455)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
"الصَّبْرُ نِصْفُ الإِيمَانِ" 1.
يُريد الوَرَع وذلك أنَّ العِبادات تَنْقسِم إلى قسمَيْن نُسْكٍ
ووَرَعٍ فالنُسْكُ ما أمَرتْ بِهِ الشَّرِيعَة والورَعُ ما نَهتْ
عَنْهُ وإنما ينتهي عَنْ ذَلِكَ بالصَّبْر فصار الصَبْرُ عَلَى هذا
المعْنى كأَنّه نصف الإيمان.
__________
1 ذكره الغزالي في الأحياء 4/77 وقال العراقي: أخرجه أبو نعيم والخطيب
من حديث ابن مسعود.
(1/456)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ
كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةِ بَيْنَهُمْ1.
أَصْلُ السِّكَّة الحديدةُ التي تُطبَعُ عليها الدّراهُم ثُمَّ قِيلَ
للدَّراهم المضرُوبة سِكَّة لأنَّها ضُرِبَتْ بها. وفي كراهيته2 لذلك
وجُوهٌ أحَدُها أن يكون كَرِه تقطيع الدِّرهم الصّحيح والدِّينار
الصّحيح وتقريضَهما لما فيهما من ذكر الله جل وعز وإلى هذا المعنى
ذَهَب أحمدُ بْن حَنْبَل حدّثونا عَنْ أَبِي داوُد قَالَ: قلتُ لأحمدَ:
معي درهمٌ صَحيحٌ وقد حضَر سائِل أَكْسِره فَقَالَ لا. ويُقالُ إنما
كرِه ذَلِكَ لأَنّه يَضَعُ3 من قيمته. وقدْ نُهِي عَنْ إضَاعَة المال.
ويُقال: بل المعْنى فيه كراهية التَّدْنِيق وذَمُّه. وكان الحسنُ يقول:
لعن الله الدانق وأول من أحدث الدّانِق ما كانت العَربُ تعرفه ولا
أبناء الفُرس.
وفيه وَجْه آخر وهو أن يكون إنّما نهى عَنْ كَسْره عَلَى أن يُعاد
تبرًا فأَمَّا أن يُرْصَدَ للنفقة فلا وإلى هذا ذهب محمد بْن عَبْد
الله الأنصاري قاضي
__________
1 أخرجه أبو داود في البيوع 3/271 وابن ماجه في التجارات 2/761 والإمام
أحمد في 3/419.
2 ت: "وفي كراهية".
3 ط: "يضيع".
(1/456)
البصرة وقد يَكون ذَلِكَ أيضًا بأن يُكْسَر
فيتَّخذَ منها أَوانٍ وزُخْرفًا ونحوها ويُقال: إن المُعاملة كانت تجري
بها في صدر الإسلام عَدَدًا لا وزنًا وكان بَعضُهم يكسرها ويأخُذ
أَطرافَها قَرْضًا بالمقَاريض فكان ذَلِكَ سببَ النهي والله أعلم.
فأما الحديث مَا دَخلت السِّكَّةُ دَار قَومٍ إلا ذلوا. فإن السكة
هاهنا الحديْدَة التي يُحرَثُ1 بها أَراد أنّ أهْلَ الحَرْث يَنالهُم
الذّلّ لما يلحقهُم من المطالبات بالخراج والعُشْرِ ونحْوهما.
ويُقال: العِزُّ في نواصي الخيْل والذُلُّ في أَذْنابِ البقر.
__________
1 م: "فإنّ السِّكَّةَ هَا هُنَا الحديْدَة التي يحدث بها أراد أن أهل
الحديث ينالهم الذل ... الخ". تحريف والمثبت من باقي النسخ.
(1/457)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ عَادَ
الْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ وَأَخَذَتْهُ الذُّبْحَةُ فَأَمَرَ مَنْ
لَعَطَهُ بِالنَّارِ 1.
حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ نا
يَعْقُوبُ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نا
مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ.
قولُه: لعَطَهُ بالنّار أي كَواهُ في عُرْض عُنُقِه. قَالَ أبو زيد:
يُقال للِشاة إذا كَانَ بعُرْض عُنُقِها سَوادٌ لَعْطَاء وقد يَجوزُ أن
يكون اللَّعْطُ مقلوبًا من العَلْط وهو الوَسْمُ عَرْضًا عَلَى العُنُق
والاسْمُ العِلاطُ وهوَ العِراضُ أيضًا. فإذا كَانَ ذَلِكَ طُولًا
قِيلَ لَهُ السِّطَاعُ. والصِّدَارُ ما كَانَ في الصَدْر والجِنَابُ
عَلَى الجَنْب والكِشَاحُ عَلَى الكَشْح والخباط وسم في الوجه
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 5/99 بلفظ: "من يبطه" بدل "من لعطه" تحريف.
وفي هامش م: الذبحة: وجع الحلق.
(1/457)
والدِّمَاعُ1 في مَجْرى الدَمْع وأنشدني
أبو عُمَر عن أبي العباس ثعْلب:
يا مَنْ لِعَيْنٍ لاتَنِي تَهْماعا ... قدْ ترك الدَمْعُ بها دِمَاعا2
أي بقى لَهُ أَثرٌ من البُكاء. كأنّهُ وَسْمٌ. قَالَ الأصمعيُّ: يُقالُ
علطَهُ بِشَرٍّ إذا وسمَهُ بِهِ وقالَ الهُذَليّ:
فلا والله نادى الحيُّ ضَيْفي ... هُدُوءًا بالمساءَة والعِلاط3
وقال أبو عُمَر4: الصَيْعريّة سِمَةٌ في العُنق. وقال المُسيَّبُ بْن
عَلَسٍ:
وقدْ أتنَاسى الهمَّ عند احتضَاره ... بِنَاجٍ عَلَيْهِ الصَّيْعَريّة
مُكدَمِ5
فيُقالُ: إنّ طرفةَ مرَّ بِهِ وهو صبيٌّ فسمعه يُنشد هذا البيْت
فَقَالَ: اسْتنْوقَ الجَملُ6 فصار مَثَلًا وذلك لأَن الصيعرية سمة
للنوق خاصة.
__________
1 الوسيط "دمع": الدماع ككتاب من سمات الإبل في مجرى الدمع وهو خط
صغير.
2 اللسان والتاج "دمع" دون عزو برواية: "دماعا" كغراب. وهو ماء العين
من علة أو كبر ليس الدمع.
3 شرح أشعار الهذليين 3/1269 وهو للمتنخل الهذلي. يقول لا والله لا
ينادي الحي ضيفي بعد هدوء بالمساءة والعلاط. يقال: علطهبشر: أي ترك
عليه مثل علاط البعير.
4 م, ح: "أبو عمرو".
5 اللسان والتاج "صعر" وعزي للمتلمس وهو في ديوانه /320 ضمن ثلاثة
أبيات.
6 اللسان "نوق’ صعر" والمستقصي 1/158.
(1/458)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَمَرَ
بِإِخْرَاجِ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ
الأَنْصَارِيُّ إِلَى رَافِعِ بْنِ وَدِيعَةَ فَلَبَّبَهُ بِرِدَائِهِ
ثُمَّ نَتَرَهُ نَتْرًا شَدِيدًا وَقَالَ لَهُ: أَدْرَاجَكَ يَا
مُنَافِقُ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ1.
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ صَاحِبِ المغازي.
__________
1 سيرلا ابن هشام 2/125.
(1/458)
قوله: أَدْراجَكَ أي خُذْ طرِيقَك الَّذِي
جِئْتَ منه ولا يُقالُ إذا أخذ في غير الوَجْه الَّذِي جاء منه. قَالَ
الرَّاعي: يصفُ نِساءً بات عِنْدَهُنّ ثُمَّ رجعَ حين أصْبَح:
لمّا دَعَا الدَعْوَةَ الأُولَى فأسْمَعني ... أخَذْتُ ثوبيَّ فاستمررت
أدراجي1
__________
1 شعر الراعي /35.
(1/459)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يَعْرِضُ
نَفْسَهُ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فِي الْمَوَاسِمِ فَأَتَى بَنِي
عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَرَدُّوا عَلَيْهِ جَمِيلا وَقَبِلُوهُ ثُمَّ
أَتَاهُمْ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ فَقَالَ لَهُمْ: بِئْسَ مَا
صَنَعْتُمْ عَمَدْتُمْ إِلَى دَحِيقِ قَوْمٍ فَأَجَرْتُمُوهُ
لَتَرْمِيَنَّكُمُ الْعَرَبُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ فَقَالُوا: يَا
مُحَمَّدُ اعْمِدْ لِطِيَّتِكَ وَأَصْلِحْ قَوْمَكَ فَلا حَاجَةَ لَنَا
فِيكَ1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ عَنْ
مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ.
الدَّحِيق الطَّريد المُقصَى. وقولهم: اعمِدْ لِطيَّتكَ معْناه امضِ
لقَصْدكَ. يُقالُ: مَضَى لِطيَّتهِ أي لِنِيّتِه ووِجْهَته وقد
بَعُدَتْ عنَّا طِيَّتُه. قَالَ ذُو الرُّمَّة:
دِيَارٌ لِميٍّ أصْبَحَ اليَوْمَ أهْلُها ... عَلَى طِيَّةٍ زَوْراءَ
شَتَّى شُعُوبها2
وقال عُمارَةُ بْن عَقِيلٍ:
بَلْ أيُّها الرّاكِب الماضي لِطِيَّتِه ... بَلِّغْ حنِيفةَ وانشر
فيهم الخبرا
__________
1 القصة ذكرها ابن كثير بألفاظ متقاربة في السيرة النبوية 2/160
والحديث في الفائق "دح" 1/415 وبعضه في النهاية "دحق" 2/105.
2 الديوان /65.
(1/459)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ عَيَّاشَ بْنَ
أَبِي رَبِيعَةَ1 وسلمة بن هشام وَالْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَرُّوا
مِنَ المشركين إلى النبي وَعَيَّاشٌ وَسَلَمَةُ مُتَكَفِّلانِ عَلَى
بَعِيرٍ2.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ بِذَلِكَ.
هُوَ من الكِفْل وهو أن يُدَارَ الكِساءُ حَوْل سَنامِ البَعِير ثُمَّ
يُرْكبُ. يُقال: اكتَفلْتُ البعيرَ. قَالَ الشاعر:
ورَاكبٍ عَلَى البَعيرِ مُكتَفِلْ ... يَحْفَى عَلَى آثارها
ويَنْتَعِلْ
وقال حُمَيْد بْن ثورٍ:
وَجِيئَا عَلَى نضْوَيْن مُكْتَفلَيْهما ... وَلا تَحمِلا إلا زِنَادًا
وأَسْهُمَا3
قَالَ: بعضُ أهل اللغة الكِفْلُ ما يَحْفَظُ الرَّاكبَ من خَلْفِه.
قَالَ: ومن هذا قِيلَ تكفَّلْتُ بالشيء ومنه أُخذَ الكفيل.
__________
1 ح: "عياش بن ربيعة" وفي التقريب 2/95 "عياش بت أبي ربيعة بن عبد الله
القرشي".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 2/447 وذكره الهيثمي في مجمعه 2/137 وعزاه
للطبراني.
3 الديوان /29 برواية: "وسيرا على نضوين مكتنفهما".
(1/460)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
"رَأَيْتُ جُدُودَ الْعَرَبِ فَإِذَا جَدُّ بَنِي عَامِرِ بْنِ
صَعْصَعَةَ جَمَلٌ آدَمُ مُقَيَّدٌ بِعُصُمٍ يَأْكُلُ مِنْ فُرُوعِ
الشَّجَرِ" 1.
حَدَّثَنِيهِ إسماعيل بن محمد حدثنا ابن حرب نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ
نا موسى
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 5/346 بلفظ: "من أطراف الشجر" وبدون "مقيد معصم"
من حديث بريدة الأسلمي.
(1/460)
بْنُ إِسْمَاعِيلَ نا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي العلاء.
الجمل الآدمُ هُوَ الأَبيَضُ مَعَ سَوادِ المقلتين فإن خالطته حمرة فهو
أصهب فإن خالطت بياضه شقرة فهو أعيس.
وقال الأموي عبد الله بن سعيد: قيل لابن لسان الحمرة أَخبِرْنا عَنِ
الإبل فَقَالَ حمراها صُبْرَاهَا وَعِيساها حُسْنَاها ووُرقاها غُزراها
ولا أبِيعُ جَوْنةً ولا أَشْهَدُ مَشْراهَا أي لا أشهد مَبِيعَها.
وقولُه: مُقيَّدٌ بعُصُمٍ فإنّ العُصُمَ ما يبقَى من آثار البَوْل
والهِناءِ عَلَى أَفخاذِ الإبل وهو العَصِيمُ أيضًا. قَالَ
المُتلمِّسُ:
أَصْبَحُوا لائطي المحلة في عج ... ل كما لاط مُجْرِبٌ بعَصِيم1
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: العُصْمُ أَثرُ كُلّ شيء من ورس أو زعفران أو
نحْوه. قَالَ: وَسَمِعْتُ امرأةً من العرب تَقُولُ: أَعْطِني عُصْمَ
حِنّائك أي مَا سَلتِّ منه والمعنى أَنَّهُ وصفه بالخِصْب وكثرة
الرَّعْي يُريد أنّ العُصْمَ صار2 كالقَيْد لَهُ ويَدل عَلَى صحّة هذا
التأويل حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ الله عَنْ
بَنِي عَامِرٍ فَقَالَ: "جَمَلٌ مُتَفَاجٌّ يَتَنَاوَلُ مِنْ أَطْرَافِ
الشَّجَرِ" 3.
والمُتَفاجُّ الَّذِي لا يزالُ يُفرّج ما بين رجليه ليَبُول وإنّما
يكثرُ بَوْلُه للخِصْب. والعَبَسُ مِثْلُ العَصِيم قَالَ أبو النجم يصف
ذلك:
__________
1 هامش م: "أراد بني عجل". ولم أقف عليه في ديوانه معهد المخطوطات
بجامعة الدول العربية.
2 هامش م: "كان" بدل "صار".
3 ذكره الهيثمي في مجمعه 10/43 بلفظ: "جمل أزهر يأكل من أطراف الشجر"
وعزاه للطبراني في الأوسط.
(1/461)
كَأَنَّ في أَذْنابِهنَّ الشُوَّلِ ... من
عَبَس الصَّيْف قُرونَ الأُيَّلِ1
وفيه وجه آخر وهو أن يكون العُصْمُ جمع العِصَامِ وهو مِساكُ كُلِّ شيء
ورباطُه ومنه عِصَامُ المْحمِل وهو شِكَالُه وقَيْدُهُ ومنه عِصَامُ
القِربَة.
وأخبرني ابنُ الزِّئبقي نا الكُدَيْمي نا الأصمَعي قَالَ: أَتيتُ بعضَ
البَوادي فإذا غلامٌ بيده قِربةٌ مَملُوءةٌ مُمْسِكٌ عِصَامَها وهو
يقُول يا أَبه أَدْرِك القِربَةَ أَدْرِكْ فاهَا غَلبَني فُوهَا خَرجَ
الماءُ من فِيها فتعَجَّبْتُ من إعرابه والمعنى أَنَّ خِصْبَ بلاده قد
حَبَسَه بفنائه فهو لا يَبْعُدُ في طَلَب المْرعَى فصار بمنْزلة
المُقَيَّد الَّذِي لا يَبْرَحُ مَكانَه ومن هذا قَولُ قَيْلةَ في
الدَّهْناء إنّها مُقيَّد الجَمل أي أنّ الجملَ إذا وجدَها كَانَ فيها
كالمُقيَّدِ لا يَنْزعُ إلى غيرها من البلاد.
ومِثْلهُ حديثُ جَرِير بْن عَبْد الله البَجَلِيّ ووَصَفَ خِصْبَ بلاده
فَقَالَ لا يُقَامُ ماتِحُها ولا يَحْسَرُ صَابِحُها ولا يَعزُبُ
سَارحُها فالصَّابحُ الَّذِي يَصْبَحُ الإِبلَ أي يَسْقيها صباحًا
يَقُولُ لا يَعْيا في سَقْيها ولا يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ لأَنَّ
سَقْيَها تَشْريعٌ لَيْسَ بنَزْعٍ ولا مَتْحٍ.
وقَوله لا يَعْزُب سَارِحُها. فالسَّارِحُ من النَّعَم ما سرحَ أي
رَعَى يريدُ أَنَّه لا يَبْعُد في طلب المَرْعَى وأنشد سَلَمةُ صَاحِبُ
الفَرَّاء قَالَ ولا أعْلمهُ إلا عَنِ الأَصْمَعيّ:
إنَّك يا عَمرو وَتَرْكَ النَّدَى ... كالعَبْد إِذْ قَيَّد أَجْمالَه
يقولُ لأنّه إذَا وَجَد مَوْضعَ الكَلأ والخِصْب ثبتَ بِهِ ولم يجاوزه
فكأنه قيدها.
__________
1 اللسان والتاج "أول" دون عزو. واقتصر في مادة "شول" على البيت الأول.
وفي مادة "عبس" ذكر البيتين. وفسر العبس بأنه على هلب الذنوب من البول
والبعر.
(1/462)
وقال رجلٌ من مُزَيْنة:
خَليليَّ بالبَوْباةِ عُوجَا فلا أَرى ... بهما مَنْزلًا إلا جَدِيبَ
المُقَيَّدِ1
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ أنا أَبُو الْعَبَّاسِ ثعلب أنا أبو نصر
عَنِ الأصمعي قَالَ العرَبُ: تَقُولُ: في صفة الكَلأ كَلأ الحابِسُ فيه
كالمُقيم وَكَلأ المُقِيمُ فيه كالمسافر. وقوله: يأكلُ من فُروع الشجر
فإِنه يصِفه بالسَّنَق2 والامتلاء يَقُولُ إنّه يَسْتطْرفُ ويتعلَّلُ
بما طَابَ من فروع الشجر.
__________
1 ح: "حريب المقيد" والبيت في معجم البلدان 2/301 وبعده:
نذق برد نجد بعدما لغبت بنا ... تهامة في حمامها المتوقد
2 هامش م: "السنق": التخمة.
(1/463)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا
صَفَرَ وَلا غُولَ وَلَكِنَّ السَّعَالِي" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ
بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
مُحَمَّدٍ رَفَعَهُ.
السّعَالِي سَحَرةُ الجنّ جَمْعُ سِعْلاةٍ. والمعنى أن الغُولَ لا
تستطيعُ أن تَغُولَ أحدًا أو تُضِلَّه ولكن في الجِنّ سحرةٌ كسَحَرة
الإنْس لهم تَلِبيس وتخْييل.
وَمِثْلُهُ2 حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ قَالَ: إِنَّ
أَحَدًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَنْ خَلْقِ اللَّهِ وَلَكِنْ
لَهُمْ سَحَرَةٌ كَسَحَرَتِكُمْ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَأْذَنُوا
بِالصَّلاةِ.
__________
1 أخرجه مسلم في كتاب السلام 4/1745 والإمام أحمد في مسنده 3/312, 382
وكلاهما لم يذكر: "ولكن السعالي".
2 م: "ومنه".
(1/463)
وقد تُشبَّهُ المرْأَةُ المُنْكرَةُ
الخَلْق بالسِّعْلاة قَالَ الشَاعر:
لقَد رأيْتُ عجبًا مُذ أَمْسَا ... عجَائِزًا مِثْلَ السَّعَالِي
خَمْسَا1
وقال الأعْشى:
وشُيوخٍ صَرْعَى بشطّي أريكٍ ... ونِساءٍ كأنَّهُنَّ السعالى2
__________
1 الجمهرة لابن دريد 3/32 برواية: إني رأيت. وجاء بعدهما:
يأكلن مافي رحلهن همسا ... لا ترك الله لهن ضرسا
2 الديوان /269.
(1/464)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
"دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ لَمْ تُطْعِمْهَا
حَتَّى مَاتَتْ هُزْلا" 1.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الصَّفَّارُ نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ
الرَّمَادِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أنا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ
مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: مِنْ جَرّاء هِرّةٍ يُريدُ من أجْلِ هرّةٍ أو سَبَبِ هرّة قَالَ
أبو النجم:
فاضَتْ دمُوعُ العَيْن منْ جَرَّاها ... واهًا لِرَيَّا ثُمَّ واهًا
وَاهَا2
ويُقالُ: فعلتُ ذاكَ مِنْ أجْلِكَ ومن جَريرِك3 ومن جَرَّاك. وكلامُ
العامّة فعَلْتُ ذاك مجْرَاك وهو غَلَطٌ والصّواب من جرَّاك. وقال ابنُ
السّكِّيت: يُقال: فَعَلْتُ ذَلِكَ من أجْلاك ومن إجلاك ومن جلالك
__________
1 أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة 4/2023 وأخرجه أحمد في مسنده 2/317
وعبد الرزاق في المصنف 11/284 بلفظ: "في هرة".
2 اللسان والتاج "جرر".
3 ت, ط: "ومن جريرتك".
(1/464)
ورَواه عَنِ الفراء عَنِ الكسائي وفيه
لُغَةٌ أخْرى فعَلْتُهُ مِنْ جَلَلِك قَالَ الشاعرُ:
رَسْمُ دَارٍ وقَفْتُ في طَلَلِهْ ... كِدْت أَقْضي الحَياةَ من
جَلَلهْ1
وقد يكونُ جَرى بمعنى الجَريرة كقول الحارث بْن حِلّزَة:
أَمْ علَيْنا جرَّى حَنيفَةَ أمْ مَا ... جَمَّعَتْ من مُحَارِبٍ
غَبْراءُ2
يُريدُ جريرةَ حنيفة.
فعلى هذا قد يَجوزُ أن يكون المُرادُ أنّها دخلت النَّارَ بجريرتها على
هرة.
__________
1 البيت في اللسان والتاج "جلل" وعزي لجميل وهو في ديوانه /105.
2 المعلقات العشر /256 ط-السلفية. والديوان /13.
(1/465)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ فِي
سَفَرٍ فَرَفَعَ بهاتين الآيتين صوته: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} 1. فَتَأَشَّبَ
أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ وَأَبْلَسُوا حَتَّى مَا أَوْضَحُوا
بِضَاحِكَةٍ2.
حَدَّثَنِيهِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
عَبَّادٍ نا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ الْمُقَوِّمُ3 نا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ نا
قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.
قَولُهُ: تَأشّبَ أَصْحَابُه أي اجتَمعُوا إِلَيْهِ وأَحاطوا بِهِ.
ومنه الأُشابَةُ وهم أخْلاطُ الناس المجتَمعُون من كُلّ ناحيَةٍ وأوْب.
وأراها أخذت من الأشب
__________
1 سورة الحج: 1.
2 أخرجه أحمد في مسنده 4/435 وفيه: "حتى بلغ آخر الآيتين".
3 س: "المتقوم" تحريف والمثبت من ت. وفي تهذيب التهذيب 11/198: يحى بن
حكيم المقوم بتشديد الواو المكسورة ويقال المقومي أبو سعيد البصري ذكره
ابن حبان في الثقات وكان ممن جمع وصنف مات سنة 256 هـ.
(1/465)
وهو اجْتماعُ الشَّجَر في مكان واحد
والتفافُها وقوله: أَبْلَسُوا مَعْناه سَكَتُوا1 والمُبْلِسُ السَّاكتُ
من الحُزن قَالَ العجّاجُ:
يا صَاح هَلْ تَعرفُ رسْمًا مُكْرَسا ... قَالَ نعم أعرِفُه وأبْلَسا2
أي سكت. وقال رُؤبةُ:
وفي الوجُوه صُفْرَةٌ وإِبْلاس3
أي كآبَةٌ وحزْنٌ.
وقوله: ما أوضَحُوا بضاحِكَةٍ فإنّها واحدةُ الضَّواحِك وهي أربعة
وسُمِّيت ضَواحِك لأَنّها تَظهَر عند الضَّحِك ويُقال لِواحدها ضَاحكٌ
بغيْر هاء وأَكثرُ أهْل اللّغة عَلَى تذْكِيرِه. قَالَ أبو زَيْد:
للإنسان أرْبَعُ ثَنايَا وَأربَعُ رُبَاعِيَاتٍ وأَربعةُ أنيابٍ
وأربعةُ ضواحك واثنَتا عشرة رَحًا. ثلاثٌ في كلّ شِقٍّ وأربعةُ نواجذَ
وهي أقصاها.
وأخبرني أبو عُمَر عَنْ أبي العبَّاس ثَعلَب عن ابن الأعرابي قَالَ:
الأَسْنان تُؤنَّث والأَضراسُ تُذَكَّرُ وأَنْشد:
وسِرْبٍ مِلاحٍ قَدْ رأيْتُ وجُوهَه ... إِنَاثٌ أَدَانِيه ذُكُورٌ
أواخرُهْ
قَالَ: والسِّرْبُ ثَغُر الجَارية
__________
1 النهاية "بلس": أبلسوا بالبناء للمفعول: أي أسكتوا.
2 الديوان /122.
3 الديوان /67.
(1/466)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا
يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنَ الْكِبْرِ الْجَنَّةَ". فَقَالَ1 قَائِلٌ: يَا
نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أن أتجمل بجلاز
__________
1 س: "قال قائل: يارسول الله" والمثبت من م, ت, ح.
(1/466)
سَوْطِي وَشِسْعِ نَعْلِي فَقَالَ
النَّبِيُّ: "إِنَّ ذَلِكَ1 لَيْسَ مِنَ الْكِبْرِ إِنَّ اللَّهَ
جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ إِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ
وَغَمِصَ النَّاسَ" 2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الدُّورِيُّ نا يَحْيَى بْنُ
مَعِينٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ثنا حُرَيْزُ بْنُ عُثْمَانَ
حَدَّثَنِي سعيد بن مرثد عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ
ثَوْبَانَ بْنِ شَهْرٍ الأَشْعَرِيِّ. سَمِعْتُ كُرَيْبَ بْنَ
أَبْرَهَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا رَيْحَانَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ يَحْيَى جِلانُ: السَّوطِ
بالنُّون وهو غَلطٌ إنما هُوَ جِلازُ السَّوْط بالزَّاي وهو السّيْرُ
الَّذِي يُشَدُّ في طرفه.
قَالَ ابن السِّكِّيت: جَلْزُ السَّوْطِ مَقْبِضُه ومِنه اشتُقَّ أبو
مجْلَزٍ. ويُقالُ: جَلَزْتُ القَوسَ إذَا لويْتَ عليها عَقَبًا.
يُقالُ: لِلرَّجل إنّهُ لمَجْلُوزُ الخَلْق إذَا كَانَ مَفْتُولًا.
قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يصف ناقةً:
وحاذان مَجْلوزٌ عَلَى نَقَوَيْهما ... بَضيعٌ كَمَكْنُوزِ الثَّرى
حينَ تُحنِقُ3
أي حين تَضْمُر.
والمحنِقُ الضَّامرُ والمَجْلوزُ المَطْوِيُّ يُريدُ أَنَّ لحْم
فخِذيْها صُلب ويُقال: جَلَز الرجلُ إذَا مَرَّ مرًّا خفيفًا أنشدنا
أبو عُمر أنشدنا ثعلب عَن ابن الأعرابي:
__________
1 م: "إن ذاك".
2 أخرجه أحمد في مسنده 4/133, 134, 151 باختلاف في بعض الألفاظ.
3 البيت في الديوان 1/473 ط دمشق.
(1/467)
يومُ شَمالٍ باردُ الأَرِيزِ ... أَخْرجَ
فِتيانًا ذَوي مَعِيزِ1
قدْ جَلَّزُوا لَوْ يَنْفَعُ التَّجْلِيزُ
الأَرِيزُ: البَرْدُ الشديد.
__________
1 س: "ذوي ضعيز" والمثبت من م وفي الهامش: أراد المعزى فقلب.
(1/468)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ
عَرِجَ أَوْ كُسِرَ أَوْ حُبِسَ فَلْيَجْزِ مِثْلَهَا وَهُوَ حِلٌّ" 1.
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ2 نا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ
الْوُحَاظِيُّ نا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى
أُمِّ سلمة قال سألت الحجاج بْنَ عَمْرٍو الأَنْصَارِيَّ عَنْ ذَلِكَ
فَذَكَرَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ.
قوله: فليَجْزِ مثلَها يريد فليَقْض مِثْلَها. يُقالُ: جَزيْتُ فُلانًا
دَيْنَه أي قضَيْتُه. ومنه قِيلَ: للمُتَقاضي المُتَجازي. ومنه حديثُ
مُعاذَة قالت: سَألْتُ عائشة أتَجْزِي الحائِضُ الصَّلاةَ فقالت:
أَحُروريَّةٌ أنْتِ قد حِضْنَ أَزْوَاجُ النبي أَفأَمَرهُنَّ أن
يَجْزِينَ الصَّلاةَ3 أي يَقْضِين. وفيه حُجّة لَمنْ رأى المُحرِم
بالمَرض مُحْصَرًا.
وأخبرني الغَنويّ عن أبي العباس ثعلب قَالَ: يُقالُ: عَرِجَ الرّجُل
يَعْرَجُ إذَا صَارَ أعْرَجَ وعرَجَ يَعْرُجُ إذَا غمز من شيء أصابه.
__________
1 أخرجه أبو ادود في المناسك 2/173 والترمذي في الحج 3/368 وابن ماجه
في 2/1028 والنسائي 5/198 وأحمد في 3/450 بألفاظ متقاربة ولم يذكر أحد
"أَوْ حُبِسَ فَلْيَجْزِ مِثْلَهَا وَهُوَ حل". وأشار الشوكاني في نيله
الأوطار 5/103 إلى رواية أو حبس الخ.
2 ت: "الباهلي".
3 أخرجه أبو داود في الطهارة 1/68 والنسائي في الحيض 1/191 والإمام
أحمد 6/32, 97 والبيهقي في السنن الكبرى 1/308 بنحوه.
(1/468)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
"تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الأَعْمَيَيْنِ وَمِنْ قِتْرَةَ وَمَا
وَلَدَ" 1. مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ.
أَخْبَرَنَاهُ مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانِ
بْنِ عَطِيَّةَ.
يريد بالأعميين السيل والحريق وهما الأيهمان. وقد فَسَّرَه أبُو
عُبَيْدٍ. وقِتْرَةُ اسْمُ إبليس. ويُقالُ: كُنْيَتُهُ أبو قِتْرة.
قَالَ ابنُ الأعرابي: ابنُ قترة2 حية خبيثة.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 10/144 عن قدامة بن مظعون بلفظ: "اللهم إني
أغوذ بك من شر الأعميين" قيل: يارسول الله وما الأعميان قال: "السيل
والبعير الصؤول". وعزاه إلى الطبراني.
2 ط: "أبو قترة" وكذلك في القاموس "قَتْر".
(1/469)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا شَرِبَ
مِنْ رُومَةَ قَالَ: "هَذَا النُّقَاخُ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الزِّئْبَقِيُّ
نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنِي الْحِزَامِيُّ عَنِ
الْوَاقِدِيِّ بِإِسْنَادٍ لَهُ.
النُّقَاخُ الماءُ العَذْبُ وسُمِّي نُقاخًا لأنّه يَكْسِرُ العَطشَ.
والنَقْخُ الكَسْرُ. قَالَ الشاعرُ:
فإِن شِئتِ حَرّمتُ النّساءَ سِوَاكم ... وإن شئتِ لم أشرَب نُقَاخًا
ولا بَرْدَا2
والمَسُوس في العُذوبَة دُونَ النقاخ والفرات أعذب العذب
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/506.
2 اللسان والتاج "نقخ, برد" وعزي للمرجي.
(1/469)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنِ
اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ مَلأ اللَّهُ
مَسَامِعَهُ مِنَ الآنُكِ أَوِ الْبَرَمِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ ثنا
عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ نا أَبِي عَنْ لَيْثٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ
وَأَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَحَدُهُمَا
الآنُكُ وَقَالَ الآخَرُ الْبَرَمُ. أَمَّا الآنُكُ فَهُوَ الأُسْرُبُّ
وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ. وَأَمَّا الْبَرَمُ
فَهُوَ الْكُحْلُ. قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: قَالَ الْمُفَضَّلُ:
الْبَرَمُ الْكُحْل الْمُذَابُ.
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الأَصْبِهَانِيِّ2 نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عبد الملك عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: "مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ
كَارِهُونَ مَلأ الله سمعه مِنَ الْبَيْرَمِ". هَكَذَا قَالَ:
والبَيْرم هو البرم بعينه والياء زائدة فأما بيرم النّجّار وهو
العَتَلةُ الكبيرةُ فليس من هذا في شيء. والبَرَمُ أيضًا ثَمرُ
الطّلْحِ. قَالَ الشاعرُ:
جاريَةٌ لم تَرْعَ فِينَا غَنَما ... يَوْمًا ولم تَهْشُشْ لبَهْمٍ
بَرَما
والبَرَمُ أيْضًا جَمْع بَرَمَةٍ وهي دُوَيْبَةٌ ذاتُ أرْجُلٍ تُشْبهُ
الكُرّاشَ3.
يُقالُ: أَرْضٌ بَرِمَةٌ.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 1/246 والدارمي 2/298 في كتاب الرقاق بلفظ: "صب
في أذنه الآنك" بدون كلمة "البرم".
والحديث في النهاية "أنك, برم" بروايتين مختلفتين.
2 س, م: "الأصبهاني" والمثيت من ت, ح وفي تهذيب التهذيب 9/188: محمد بن
سعيد بن سليمان بن عبد الله الكوفي أبو جعفر بن الأصبهاني ولقبه حمدان.
3 القاموس "كرش": الكراش كزنار: دويبة وفي التاج "كرش": دويبة تلسع
الناس توجد في مبارك الإبل وهي ضرب من القردان..واحدته كراشة.
(1/470)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلًا
انْقَعَرَ عَنْ مَالٍ لَهُ فَأَتَتِ ابْنَةُ أَخِيهِ رَسُولَ الله
تَسْأَلُهُ الْمِيرَاثَ فَقَالَ: "لا شَيْءَ لَكِ اللَّهُمَّ مَنْ
مَنَعْتَ مَمْنُوعٌ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ2 نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ
بْنُ مَنْصُورٍ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ النَّضْرِ بْنِ
شُفَيٍّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سُلَيْم رَفَعَهُ.
الانقِعارُ الانْقلاعُ من الأصل ومن هذا قولُه تَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ
أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} 3. وقال الشاعر:
حتى تركنا عُبَيْدَ الله مُنْجدِلًا ... كأَنَّه جِذعُ نَخْلٍ مال
مُنْقَعرُ
وفي هذا حُجّةٌ لِمَنْ لم يَر لِذَوِي الأَرْحام مِيراثًا.
__________
1 الفائق "قعر" 3/213 وفي النهاية "قعر" 4/87 جزء من الحديث برواية:
"تقعر" وجاء فيها: قعره إذا قلعه يعني أنه مات عن مال له والحديث في
سنن سعيد بن منصور 1/49.
2 ت: "مكي".
3 سورة القمر: 20.
(1/471)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَوَّلُ مَا
اشْتَكَى فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ اشْتَدَّ مَرَضُهُ حَتَّى غُمِرَ
عَلَيْهِ1.
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ سَالِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا
مَعْمَرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ
عُمَيْسٍ.
قوله: غُمِرَ عَلَيْهِ أي أُغْمِيَ عَلَيْهِ وهو من قولك غمرت الشيء
إذا
__________
1 أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده الجزء الرابع لوحة 13 بلفظه. وأخرجه
عبد الرزاق في مصنفه 5/428 بلفظ: "أغمي عليه" بدل "غمر عليه".
(1/471)
سَتَرْتَه وغَمرَه الماءُ إذَا علاهُ
فغيَّبه. ومن هذا أُخِذَ غُمار الناس ومنه قِيلَ للرجل المُلْتبس الرأي
غُمْرٌ.
(1/472)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ
كَعْبٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ فَقَالَ: "هُوَ
النَّدَمُ عَلَى الذَّنْبِ حِينَ يَفْرُطُ مِنْكَ فَتَستَغْفِرُ
اللَّهَ بِنَدَامَتَكَ عِنْدَ الْحَافِرِ ثُمَّ لا تَعُودُ إِلَيْهِ
أَبَدًا" 1.
أَخْبَرَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عَلِيٍّ الصَّفَّارُ
نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ بُكَيْرٍ أَبُو
خَبَّابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَدَوِيِّ عَنْ أَبِي
سِنَانٍ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
قَوله: عند الحافِرِ معناهُ عند مُواقَعَة الذّنْب لا تُؤخرها فتكُون
مُصِرًّا. قَالَ الكسائي: العَربُ تَقُولُ النّقْدُ عند الحافِرة
مَعْناهُ عند أوّل كلمةٍ يُريدُ لا تَبْرح حتى تنقد. ويقال: التقَى
القوْمُ فاقتَتَلُوا عند الحافرة أي عِنْدَ أول ما التقوا. قَالَ أبو
العبّاس ثعْلب: قولهم النَّقْدُ عند الحافرة معناه النّقدُ عند
السَّبْقِ. قَالَ: وذلك أنّ الفَرَسَ إذَا سبق أُخِذ الرَّهْنُ. قَالَ:
والحافرةُ التي حفَر الفَرسُ بقوائمه قَالَ الله تَعَالَى: {أَإِنَّا
لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} 2. قَالَ: والحافرَةُ الأرضُ
والأَصْلُ فيها مَحفُورَةٌ فصُرِفَتْ عَنْ مَفْعُولَةٍ إلى فاعلة كما
قِيلَ ماء دافِقٌ أي مَدْفُوقٌ. وسِرٌّ كاتمٌ أي مَكتُومٌ. وقال أبُو
زَيْدٍ: أَتَيْتُ فُلانًا ثُمَّ رَجَعْتُ عَلَى حافِرَتِي أي في طَريقي
الَّذِي أَصْعَدْتُ فيه. ويُقالُ عاد فلان في حافِرتِه أي طريقتهِ
الأُولى. ومنه قوله
__________
1 ذكره السيوطي في الدر المنثور 6/245 وعزاه لابن أب حاتم وابن مردويه
والبيهقي في شعب الإيمان.
2 سورة النازعات: /10.
(1/472)
تعالى: {أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي
الْحَافِرَةِ} 1: أي إلى الأمر الأول من الحياة. قَالَ الشاعر:
أحَافرةً عَلَى صَلَعٍ وشَيْب ... مَعَاذَ الله من سفَهٍ وعارِ2
قَالَ الأصمعيُّ: وفي معناه رجع فُلانٌ عَلَى قَرْواه أي عَلَى أوَّلِ
أمْره. وقال سَلَمة: أَحْفَظُ عَنِ الفَرَّاء أَنَّهُ روى حديثًا
قَالَ: "لا تَرجِعُ هَذه الأُمَّةُ عَلَى قَرْواها" 3. أي على أول
أمرها.
__________
1 سورة النازعات: 10.
2 اللسان والتاج "حفر".
3 النهاية "قرا" 4/57. وفيها: ويروى: "على قروائها" بالمد.
(1/473)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَعَثَ رَجُلًا
إِلَى الْجِنِّ فَقَالَ لَهُ: "سِرْ ثَلاثًا مَلْسًا حَتَّى إِذَا لَمْ
تَرَ شَمْسًا فَاعْلِفْ بَعِيرًا أَوْ أَشْبِعْ نَفْسًا حَتَّى
تَأْتِيَ فَتَيَاتٍ قُعْسًا وَرِجَالًا طُلْسًا وَنِسَاءً خُلْسًا"
فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ اشْفَعْ شُوسًا1.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ
مِلْحَانَ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ خَالِدِ
بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ عَنْ هِلالِ بْنِ
أُسَامَةَ أَنّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ
جُهَيْنَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ
وَأُرَانِي قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ ابْنِ مَالِكٍ وَأَثْبَتَهُ لِي
عَنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا.
قَولُه: "مَلْسًا" يُريد سَيْرًا سريعًا. يُقال: مَلَسَ الرجل في سيره
يملس
__________
1 الفائق "ملس" 3/385 إلى قوله: "ونساء خلسا" أخرجه ابن حبان في
المجروحين 2/42 بلفظ "خنسا بل خلسا". وفي النهاية "شوس" 2/508 فقال:
"يانبي الله أشفع شوس". والمثبت من جميع النسخ.
(1/473)
مَلْسًا. قَالَ الشاعر:
يَا صَاحبيَّ ارتَحلا ثُمَّ امْلُسَا ... لا تَحبِسَنْ لدَى الحُصَيْنِ
مَحْبسا1
وقال ابن الأعرابي: المَلْس ضربٌ من السير الرفيق. وقال بعضهم: ملَسْتُ
بالإبل إذا سُقْتَها سوقًا في خُفْية2.
وقولهُ: فاعِلفْ بعيرًا أَو أَشْبعْ نَفْسًا لم يُرِدْ أَحَدَ
الأَمْرَيْن دُونَ الآخر لأنّ الحاجة إليهما واحدةٌ وإنّما هُوَ
اعْلِفْ بعيرًا وَأَشْبِعْ نفْسَا. والأَلفُ مُقْحَمَةٌ كقوله:
{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} 3.والمعنى
ويَزيدُون. قَالَ النابغة:
قالَتْ ألا ليْتَما هذا الحَمام لنا ... إلى حَمامتنا أَوْ نِصْفَه
فقَدِ4
يريد ونِصْفَه.
والقَعَسُ نُتُوءُ5 الصَدْرِ خِلْقةً. والحَدبُ نُتُوءُ6 الظَّهْر.
قَالَ الشاعِرُ:
فاقْعَسْ إذَا حَدِبُوا واحْدَبُ إذَا قَعِسُوا ... ووَازِن الشَّرَّ
مِثْقَالًا بمِثْقالِ
وقال آخرُ:
تَقُولُ وصَكَّتْ صَدْرَهَا بيَمينِهَا ... أبَعْلِيَ هذا بِالرَّحَا
المتقاعس7
__________
1 ت, م: "أنشد المبرد".
2 كذا في س, ت, وفي م: "لاتحسبا لدى الحصين نحبسا. والبيتان في الكامل
للمبرد 3/282 برواية: "لاتحسبا" وجاء بعدهما: "إن لجى الأركان ناسا
بؤسا".
3 من م.
4 سورة الصافات: 147.
5 الديوان /85.
6 ت, م: "نتو" وفي الموضعين.
7 ت, م: "وصكت وجهها".
(1/474)
المُتَقاعِسُ الَّذِي خَرجَ صَدْرُه ودخل
ظَهرُه. ويُقَالُ: عِزّةٌ قَعْساءُ أي لا تضع ظهْرَها إلى الأرض1.
وقوله: رِجالًا طُلْسَا فإِنَّ الطُلْسَةَ لَوْنٌ كالغُبْرَة. ومنه
قِيلَ لِلذِّئبِ أَطْلَس. وقولهُ: "ونساء خُلْسًا" يُريدُ سُمرًا.
والخِلاسُ: الوَلَدُ بين أبْيض وسْودَاء ومن ذَلِكَ قِيلَ رَجْلٌ
خِلاسيٌّ وَدِيكٌ خِلاسيٌّ1وهوَ أن يخرج بين جنْسَيْن مُخْتَلفَين.
ويُقال: شَعره مُخْلِسٌ وخَلِيسٌ2 وقد أَخْلسَتْ لحْيَتُه إذَا
شَمِطَتْ قَالَ الشّاعرُ:
لمَّا رَأيْنَ لِمَّتي خَلِيسَا ... رَأيْنَ سُودًا ورَأيْنَ عيْسَا3
والشُوسُ الطِوالُ والواحِدُ أشْوَسُ قَالَ طَرفَةُ:
نُعْمانُ لو خِفْتُ الَّذِي قَدْ حَلَّ بي ... لحلَلْتُ حِصْنًا ذا
بِنَاءٍ أَشْوسِ4
يُريدُ بِناءً صَعْبًا مُرْتَفعًا.
__________
1 سقط من ح.
2 كذا في س, ح, ت. وفي م: "وخليس" كزبير.
3 الجمهرة لابن دريد 2/220 وعزي لرؤبة.
4 ابيس في الديوان ط بيروت ولا ط دمشق.
(1/475)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ
عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ ثُمَّ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى تَفِئَةِ
ذَلِكَ1.
أَخْبَرَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ نا عُمَرُ بْنُ مُدْرِكٍ نا
مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا فَائِدٌ أَبُو الْوَرْقَاءِ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى.
قوله: عَلَى تَفِئَةِ ذَلِكَ معناه عَلَى أثَرِ ذَلِكَ وفيه لُغَةٌ
أُخرَى. يُقال:
__________
1 النهاية "تفأ" 1/192.
(1/475)
جئتُهُ عَلَى تَئِفَّةِ ذَلِكَ1. ويُقال:
في مَعْناه جِئْتُهُ عَلَى إِفَّان ذَلِكَ وإِبّان ذَلِكَ وعِدّان
ذَلِكَ2 وأفَفِ ذَلِكَ وقال الأُمَوي: أَتيْتهُ3 عَلَى حَبالَّة ذَلِكَ
أي عَلَى حين ذَلِكَ وعلى رُبَّانه وأنشد:
وإنَّما العَيْشُ برُبَّانِه ... وأَنْتَ منْ أفنانه معتصر4
__________
1 م: "تئفة" بالتخفيف.
2 من م, ت.
3 م: "جئته".
4 اللسان والتاج "عصر" وعزي لابن أحمر.
(1/476)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ
قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ" 1.
أَخْبَرَنِي ابْنُ دَاسَةَ قَالَ: سُئِل أَبُو دَاوُدَ سُليْمَانُ بْنُ
الأشْعَثِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ
وَمَعْنَاهُ مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلاةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ
السَّبِيلِ عَنَتًا2 وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا
صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ.
قَالَ وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْن عُمَر بْن ميْسَرَة وحُميدُ بْن
مَسْعدَة قالا نا حسّان بْن إبراهيم قَالَ سألتُ هِشَام بْن عُرْوَة
عَنْ قَطْع السِّدر وهو مُسِندٌ إلى قَصْر عُرْوة فَقَالَ تُرَى هذه
الأبواب والمصاريع إنَّما هي من سِدْرِ عُروةَ وكان عُرْوَةُ يَقطَعُه
من أرضه وقال: لا بَأسَ بِهِ.
وسُئِلَ عَنْ هذا الحديث إسماعيلُ بْنُ يحيى المُزَنيّ فَقَالَ وجْهُه
أن يكون
__________
1 أخرجه أبو داود في الأدب 4/361 والبيهقي في السنن الكبرى 6/139 وهو
في الفاءق "سدر" 2/168.
2 في سنن أبي داود 4/361 "عبثا" ومثله في سنن البيهقي 6/141 ونسخه م
وفي ح وهامش م: الصحيح: عنتا.
(1/476)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ
عَنْ مَنْ هَجَم عَلَى قَطْع سِدْرٍ لقوم أو لِيَتيم أو لمن حَرَّم
الله أن يَقْطع عَلَيْهِ فتحامَل عَلَيْهِ فقَطَعه فيَسْتحق ما قاله
لِهجُومه عَلَى خلاف أمرِ الله فتَكُون المسأَلَة سبقَتِ السَّامعَ
فسمِعَ الجَوابَ ولم يسْمَع المسألَة فأدَّى ما سَمِع دون ما لم
يَسْمَع.
وَنَظِيرُهُ مَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّمَا الرِّبَا فِي
النَّسِيئَةِ" 1. فَسَمِعَ الْجَوَابَ وَلَمْ يَسْمَعِ المسألة. وقد
قال: "لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ إلا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًّا بِيَدٍّ" 2.
قَالَ المُزَني: والدليلُ عَلَى جَوازِ قَطْع السِّدْر أنّ المَرْءَ
أَحَقُّ بماله ولمّا لم أَرَ أحدًا يمنَعُ من ورَق السِّدْر والورَق من
بَعْضها كالغُصْنِ منها وقد سوَّى رَسُولُ الله فيما حَرَّم قَطْعَه
بيْنَهُ وبين عضده لقوله في شَجَر مَكَّة: "لا يُعْضَدُ شجرها". وفي
إجازة النبي أن يُغسَّل الميِّتُ بالسِّدْر دَلِيلٌ عَلَى أن قَطْعَه
من شَجره مُباحٌ ولو كَانَ حرامًا لم يَجُز الانتفاعُ بِهِ.
قَالَ مالك بن أنس: إنما نهى عَنْ قطع السِّدرِ بالمدينة ليكون
مُستَظَلًّا للناس وليستأنسوا بِهِ ولا تستوحِشَ عَرْصَتُها.3
فأمّا حديث أبيض بْن حمَّال قَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ الله مَاذا يُحْمَى
من الأَراكِ قَالَ: "ما لم تَنَلْه أَخفَافُ الإِبل" 4. فإِن أَبَا
عُبَيْد ذكره في كتابه,
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 5/200, 202, 206, 209 عن أسامة بألفاظ متقاربة.
وأخرجه مسلم في المساقاة 3/1217, 1218.
2 أخرجه البخاري في البوع 3/97 ومسلم في المساقاة 3/1208 وأحمد في
سمنده 3/4, 9.
3 من م. وفي القاموس "عرص": العرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها
بناء.
4 أخرجه أبو داود في الخراج 3/175 والترمذي في الأحكام 3/655.
(1/477)
قَالَ: وإنما نَهى أن يُحَمَى ما نالَتْه
أَخفافُ الإبل من الأَراك لأنّه مَرعى لها فرآه مُباحًا لابن السَّبيل
وذلك لأنّه كلأ والنَّاسُ شُركَاءُ في الماء والكلأ وما لم تَنلْه
أخفافُ الإبل كَانَ لَمنْ شَاءَ أن يحمِيه حَمَاه.
قَالَ أبو سُليمان: وهذا كما قاله أبو عُبَيْدٍ إلا أنّه مَعَ ذَلِكَ
لم يُبيّنْ ما تَناله أَخفافُ الإبل ممّا لا تَناله فيُعْلم ما يجوز أن
يُحمَى مِمّا لا يَجوزُ حِماه وبَيانُ ذَلِكَ ما أخبرناهُ ابن داسة
عَنْ أَبِي داود عَنْ هارون بْن عَبْد الله قَالَ: قَالَ لي محمد بْن
الحسن المخزومي: ما لم تَنَلْهُ أخْفافُ الإبل هُوَ أنّ الإبل تأكُل
مُنْتَهى رُؤوسِها ويُحْمى1 ما فوقه.
وفيه وجهٌ آخَرُ وهو أن يُرادَ بأخْفافِ الإبل مسانُّها. قَالَ
الأصمعيُّ: الخُفُّ الجَملُ المُسِنُّ وأَنْشَد:
سَألْتُ زيدًا بَعْدَ بَكْرٍ خُفَّا ... والدَّلوُ قد تُسْمَعُ كي
تَخِفَّا2
3 أَيْ سَأَلْتُه بَكْرًا من الإبل فلمّا منعه اقتصرْتُ عَلَى خُفٍّ
وهو المُسِنُّ. ويُقَال: أَسْمَعْتُ الدَّلْوَ إذَا شَدَدْتَ عَلَى
أسْفَلِها خيطا لئلا تمتلىء ماء فتخف عَلَى المُسْتَقِي4. والمعنى
أَنَّ ما قَرُبَ من المَرْعَى لا يُحْمَى بل يُتْرك لمسَانِّ الإبل.
ولِمَا في معناها من حاشية المال وضِعَافِها التي لا تَقْوى عَلَى
الإِمْعَان في طلَب المَرْعى.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُهُ الْآخَرُ أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ
نا أَبُو دَاوُدَ نا محمد بن
__________
1 ت: "فتفنى" وفي النهاية "خفف": نهى عن حمي الأراك إلا مالم تنله
أخفاف الإبل: أي مالم تبلغه أفواهها بمشيها إلبيه.
2 الفائق 2/400 واللسان والتاج "خفف" دون عزو.
3 ساقط من هنا من نسخة ط نحو ست صفحات من حجم الفلوسكاب.
4 ساقط من م, ت.
(1/478)
أَحْمَدَ الْقُرَشِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الزُّبَيْرِ نا فَرَجُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي عَمِّي ثَابِتُ
بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عن أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ
أَنَّهُ سَألَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ حِمَى الأَرَاكِ فَقَالَ: "لا
حِمَى فِي الأرَاكِ". قَالَ: أَرَاكَةٌ فِي حَظَارِي1.
قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: "لا حِمَى فِي الأَرَاكِ" 2.
قَالَ: فَرجٌ يَعْنِي بالحَظَار الأَرضَ التي فيها الزَرْعُ المُحاطُ
عليها وقال الليث بْن المظفَّر هُوَ الحَظار بفتح الحاء وهو حائط
الحظيرة ويقال حظَّر فلان عَلَى نَعَمِه حَظيرة3.
قَالَ أبو سُليمان ونرَى واللهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إنما لم يَحْمِ لَهُ
الأَراكة التي في حَظاره لأنّها أرض قد كان أحياها وهذا الأراكةُ فيها
فَمَلك الأرضَ بما أحْدث فيها من العِمارة ولم يكُن لَهُ صُنْعٌ في
الأراكة فيَملِكَها فبقيَتْ عَلَى أصْل الإباحة والأصْلُ أَنّ كُلّ ما
كَانَ لَهُ نَفْعٌ عاجل وللمسلمين فيه مِرفَقٌ لم يَجُزْ حِماه ولا
إقْطاعه أَلا ترى أن رسولَ الله لما أقْطَعَه المِلَحَ الَّذِي بمأرب
فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنّما أَقْطَعْتَ لَهُ الماءَ
العِدَّ رجعه منه4.
__________
1 ت: "حظارتي".
2 أخرجه أبو داود في الخراج 3/175.
3 من ت, م.
4 أخرجه أبو داود 3/175.
(1/479)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النبي أَنَّهُ قَالَ: "ثَلاثٌ يَنْقُصُ بِهِنَّ الْعَبْدُ فِي
الدُّنْيَا وَيُدْرِكُ بِهِنَّ فِي الآخِرَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ
ذَلِكَ الرُّحْمُ وَالْحَيَاءُ وَعِيُّ اللِّسَانِ" 1.
حَدَّثَنِيه عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا ابْنُ الْجُنَيْدِ نا
عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أنا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ
محمد بن كعب القرظي
__________
1 الفائق "رحم" 2/49.
(1/479)
الرُّحْمُ الرَّحْمَةُ1 ومنه قولُه
تَعالَى: {وَأَقْرَبَ رُحْماً} 2: أي بِرًّا ومَرْحَمةً. قَالَ
الشّاعِرُ:
أحْنَى وأَرْحَمُ مِن أُمٍّ بوَاحدها ... رُحْمًا وأَشْجَعُ من ذِي
لِبْدَةٍ ضاري3
__________
1 في الفائق 2/49: "يقال رحم رحما كرغم أنفه رغما وفعل في المصادر يجئ
مجيئا صالحا وقرئ: أقرب رحما ورحما مخففا ومثقلا. وقالوا لمكة: أم رحم
وأم رحم وذلك من الحديث إشارة إلى مصدر ينقص ولابد من مضاف محذوف كأنه
قال ماهو أعظم من ضد ذلك النقصان وهو ماينال المرء بقسوة القلب ووقاحة
الوجه وبسطة اللسان التي هي أضداد تللك الخصال من الزيادة وهي من قبيل
الإنجازات التي يشجع المتكلم على تناولها أمن الالتباس ويجوز أن يكون
المعنى ما هوأبلغ في معظمه منهن في نقصانها فاختصر الكلام كقولهم: البر
خير من الفاجر".
2 سورة الكهف: 81.
3 م, ح: أحيا وارحم. والبيت في اللسان والتاج "رحم".
(1/480)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يَمُرُّ
بِالتَّمْرَةِ الْعَائِرَةَ فَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَخْذِهَا إِلا
مَخَافَةَ1 أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً2.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَعْنِيُّ قَالا نا
حَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ.
العائرَةُ السّاقطةُ لا يُعْرَفُ لها مالِكٌ. يُقال: عارَ الرجُل إذَا
انْهَمَكَ في الخلاعة ورجل عَيَّارٌ وعارَ الفرسُ عِيارًا إذَا مرَّ
عَلَى وَجْهه كالمُنْفَلت من صاحِبِه.
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "مَثَلُ الْمُنَافِقِ
مَثَلُ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ تَعِيرُ إِلَى
هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً لا تدري أيهما تتبع" 3.
__________
1 من, م.
2 أخرجه أبو داود في الزكاة 3/193, 241, 258 بدون: "العائرة".
3 أخرجه مسلم في صفات المنافقين 4/2146 والنسائي في الإيمان 8/124
وأحمد في مسنده 2/47, 143.
(1/480)
رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَرَوَاهُ يَعْفُرُ بن زوذى عَنِ ابْنِ عُمَرَ
فَقَالَ الْيَاعِرَةُ مَكَانَ الْعَائِرَةِ.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عن معمر عن عثمان بن يَزْدَوَيْهِ عَنْ يَعْفُرَ بْنِ زُوذَى1 سَمِعْتُ
عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ وَهُوَ يَقُصُّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ 2
الشَّاةِ الرَّابِضَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْن" 3.
والياعِرةُ من اليَعار وهو صَوْتُها. قَالَ ابن الأعرابي: وفي بعض
الروايات مثَلُ المُنافق مثَلُ شَاةٍ بيْنَ رَبِيضَين تَعْمُو إلى
هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً. قال: ويقال عما يعمو إذَا
خَضَع وذلّ. ويَدخُل هذا الحديثُ في أبوابٍ من الوَرَع واجْتنابِ
الشُّبُهات.
وفي حديث آخر أَنَّهُ قَالَ: "لا يَكُونُ الرَّجُلُ من المُتَّقين حتّى
يدَع ما لا بأسَ بِهِ حَذَرًا ممّا به البأس" 4.
__________
1 في االجرح 4/2/314: "يعفر بن رذوى" وكذلك في المصنف ومسند أحمد.
2 م, ح: "كمثل".
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 11/436 وأحمد في مسنده 2/88 بلفظ:
"العائرة".
4 أخرجه الترمذي في القيامة 4/634 وابن ماجه في الزهد 2/1409.
(1/481)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ جَاءَ إِلَى
مَنْزِلِ أَبِي الْهَيْثَمِ1 بْنِ التَّيِّهَانِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ وَقَدْ خَرَجَ أَبُو الْهَيْثَمِ يَسْتَعْذِبُ الْمَاءَ
فَدَخَلُوا فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ يَحْمِلُ
الْمَاءَ قِرْبَةً يَزْعَبُهَا ثُمَّ رَقِيَ عَذْقًا لَهُ فَجَاءَ
بِقِنْوٍ فِيهِ زَهْوُهُ وَرُطَبُهُ فَأَكَلُوا مِنْهُ وَشَرِبُوا مِنْ
مَاءِ الْحِسْيِ ثُمَّ
__________
1 م, ح: "أنه جاء منزل أبي الهيثم".
(1/481)
قَالَ: يَا أَبَا الْهَيْثَمِ أَلا أَرَى
لَكَ هَانِئًا فَإِذَا جَاءَنَا السَّبْيُ أَخْدَمْنَاكَ خَادِمًا1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ ثنا الصَّائِغُ ثنا سَعِيدُ
بْنُ مَنْصُورٍ نا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ. لَمْ يَذْكُرُ ابْنُ الْمَكِّيِّ
فِي رِوَايَتِهِ يَزْعَبُهَا. رَوَاهُ غَيْرُهُ.
قوله: يَزعَبُها قَالَ الأصْمَعيُّ: يُقال: مرَّ2 يَزْعَبُ بِحملِه
إذَا استقام بِهِ. وأَنشد قولَ جَمِيل بْن مَعْمَر:
لَهُ من خَوافي النَّسر حُمٌّ نَظائِرٌ ... ونَصْلٌ كنَصْل الزّاعبيّ
فَتِيقُ3
يُريدُ بالزّاعِبيّ ما اعتدل من الرِّماح واسْتقام.
وقال غيره الزّاعبيُّ مَنْسُوب إلى زَاعبٍ رَجُل من الخزْرَج كَانَ
يَعْمَلُ الأَسِنَّةَ. والفَتِيقُ المُحدَّدُ.
وقوله: رَقِي عَذْقًا يُريدُ نَخْلةً. والعَذْقُ بالفَتْح النَّخلُ.
والعِذْقُ بالكَسْر الثَّمرُ والقِنْوُ العِثْكَالُ بما عَليْه من
الثَّمرِ. وفي رواية أخرى أنَّه أخَذ مِخْرفًا فأتى عَذْقًا لَهُ.
والمِخْرَفُ وِعاءٌ شِبْهُ الدَوْخلَّة يُجْمَعُ فيه جَنِيُّ الثمَر
فأمّا المَخْرَفُ فهو جَنَى النَّخْل قاله أبو عُبَيْدٍ. وعلى هذا
تأوّل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَائدُ المريض عَلَى
مَخارِف الجنَّة" 4. وقال أبو عُبَيْدٍ: إنّما سُمّي مَخْرَفًا لأنه
يُخْتَرف منه أي يُجْتَنَى. وأنكر ابن قَتَيبَة هذا التفسير وزعم أنّه
غلطٌ بيّنٌ من أَبِي عُبَيْدٍ لأنّه ذكر أن المخْرفَ جَنَى النّخْل
__________
1 أخرجه الترمذي في الزهد 4/584.
2 م: "مر بزعب يحمله".
3 اللسان والتاج "زعب".
4 أخرجه مسلم في البر 4/1989 وأحمد في مسنده 5/276, 279.
(1/482)
وجَنَى النَخْل: رُطَبُه وَثَمَره وذلك
مَخْروف النخل قَالَ: وإنّما المْخرَفُ النَخْلُ بعَيْنه. والدليلُ
عَلَى ذَلِكَ قول أبي طلحة للنبي إنَّ لي مَخْرفًا وإني أُريدُ أَن
أَجْعَلَه صَدقةً1. أراد أَنّ لي نَخْلًا. وأراد أنّ عائد المريض في
بساتين الجنة لأنه استحقَّها بالعِيادةِ فهو صَائرٌ إليها.
قَالَ أبو سليمان قولُ أَبِي عُبَيْد صَحِيح. ووَجْهُه بيّنٌ واضحٌ في
مذهب اللغَة. والمَخْرَفُ خُرْفَةُ الثَّمَر وهو ما يُخْتَرفُ منه
كالمَحْرمِ في الحُرمة. يُقالُ: هتَكَ فُلانٌ مَحْرَمًا أي حُرْمَةً.
قَالَ حميد بْن ثور:
فأردتُ أن أغشى إليها محرما ... ولمثلها يعشى إليها المحرم 2
وقد جاء هذا في حديثٍ مرفوعٍ.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا عَاصِمٌ
الأَحْوَلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الأشْعَثِ
الصَّنْعَانِيِّ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ
مَوْلَى رسول اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ
الْجَنَّةِ" قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ
قَالَ: "جَنَاهَا".3
والحِسْيُ حَفِيرةٌ قريبة القَعْر. ويُقالُ: إنّ الحِسْيَ لا يكون إلا
في أرْضٍ أسْفلُها حِجارة وفوقها رَملٌ فإذا مُطِرت نَشِفَتْه الرمال
فإذا انتهى إلى الحجارة أَمْسَكَتْه فإذا جاء وَقْتُ الحرِّ نُبِش
عَنْهُ الرَّمْلُ واسْتُقِي منه الماءُ العذب.
__________
1 أخرجه الترمذي في 3/48 وأبو داود 3/118 وغيرهما بدون ذكر أبي طلحة.
2 من م والبيت في الديوان ط داتر الكتب المصرية.
3 أخرجه مسلم في البر 4/1989 والترمذي في الجنائز 3/300 وأحمد في مسنده
5/377, 281, 283.
(1/483)
قوله: "لا أرى لك هانِئًا" فإنّ المشهُورَ
من هذا الحديث أنّه قَالَ: "لا أرى لك1 ماهنًا". والماهنُ الخادِمُ.
والمِهْنَةُ الخِدْمَةُ. فأما الهانىء فمن قولك هَنأْتُه أي
أعْطَيْتُه. ومنه المثَلُ سُمَّيتَ هَانِئًا لِتَهْنَأَ2 أي إنما
سُدْتَ لِتَحْمِلَ كُلَّ الناس وتفضل عليهم.
__________
1 من ت, م.
2 اللسان "هنأ" وجمهرة الأمثال 1/513 ومجمجع الأمثال 1/18 والمستقصي
1/418.
(1/484)
وقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي
الْعَنْبَرِ: "لَوْلا أَنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ ضَلالَةَ الْعَمَلِ مَا
رَزَيْنَاكُمْ عِقَالًا" وَأُخِذَتْ لامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَرْبِيَّةٌ
فَأُمِرَ بِهَا فَرُدَّتْ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدَةَ نا عَمَّارُ بْنُ شُعَيْبِ2 بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْبِ3 حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي الزُّبَيْبَ
الْعَنْبَرِيَّ يَذْكُرُهُ.
قَولُه: ضلالة العمل هُو من قولكَ ضلَّ الشَّيء إذَا ضاعَ وهلك ومنه
ضَالَّةُ المالِ وهو ما يَضِلّ عَنْ صاحِبه ويَضِيع وقد يكون الضَّلالُ
بمعنى البُطلان كقوله عز وجل: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} 4: أي
بَطَلنا ولحِقْنا بالتراب فلم يُوجَدْ لنا أَثرٌ. قَالَ أبو عُمَر
أَصْلُ الضَّلال الغَيْبُوبَة. يُقال: ضَلَّ الماءُ في اللَّبَن إذَا
غاب وكذلك ضَل الناسِي إذَا غاب عَنْهُ حفْظُه وهو قَوْلُه تعالى:
{لاَيَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى} 5 وقوله: {أَنْ
__________
1 أخرجه أبو داود في الأقضية 3/309.
2 س: "شعيث" والمثبت" من م, ت.
3 ت: "الزبير" في الموضعين وهو تحريف والمثبت من س, م. وفي سنن أبي
داود "عَمَّارُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ عَبْدِ الله بن الزبيب العنبري".
4 سورة السجدة: 10.
5 سورة طه: 52.
(1/484)
تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} 1: أي تَغِيب عَنْ
حِفْظها فتُذكِّرها الأخْرى. والزّرْبِيَّةُ الطَّنْفَسَةُ في قول
الفراء. وقال أبو عُبَيْدَة: هي البِساطُ. وَرُوي في حديث آخر أنّها
قَطِيفةٌ أُخِذَتْ لها. وقوله: رزيناكم اللغة الجيدة رزأناكم2.
__________
1 سورة البقرة: 282.
2 من ت, م.
(1/485)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ حُصَيْنَ بْنَ
أَوْسٍ النَّهْشَلِيَّ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ
لأهْلِ الْغَائِطِ يُحْسِنُوا مُخَالَطَتِي قَالَ: فَسَمَّتَ عَلَيْهِ
وَدَعَا لَهُ1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ2 نا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ نا غَسَّانُ بْنُ الأَغَرِّ حَدَّثَنِي عَمِّي زِيَادُ
بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ حُصَينِ بْنِ أَوْسٍ.
قوله: أَهْل الغَائِط يُرِيدُ أهْلَ الوادِي الَّذِي كَانَ يَنْزله.
والغائطُ الوَادِي الواسِعُ. قَالَ عَمرُو بنُ مَعْد يكرب:
وَكَمْ مِنْ غائطٍ من دُونِ سَلمى ... قَليلِ الأُنْس ليسَ بِهِ
كَتيعُ3
يُقالُ: ما بالدار كَتيْعٌ وما بِها صَافِرٌ وما بِها وابِرٌ وما بها
عَرِيبٌ وما بِها شَفْرٌ وما بِها آرِمٌ4 وما بِها دَيَّارٌ وما بِها
نافخٌ ضَرَمَةٍ أي ما بِها أَحَدٌ.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُحَمَّدُ بْنُ
يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نا عَبْدُ
__________
1 أخرجه النسائي مختصرا في الزينة 8/134و 135. والبخاري في التاريخ
الكبير 2/1/1. في ترجمة حصين وذكره الحافظ في الإصابة 1/335 وعزاه
للطبراني.
2 ت: "الباهلي" والنثبت من س, م, ط, ح.
3 اللسان والتاج "كتع" وجاء في شعر عمرو بن معد يكرب ط دمشق /133.
4 س: "إرم" والمثبت من بقية النسخ.
(1/485)
الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ
حَدَّثَنِي أَبِي نا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ نا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي
بَكْرَةَ1 سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَنْزِلُ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي
بِغَائِطٍ يُسَمُّونَهُ الْبَصْرَةَ يَكْثُرُ أَهْلُهَا وَيَكُونُ
مِصْرًا مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ" 2.
يُريدُ بالغائط بَطْنًا من الأرضِ. والبَصْرَةُ ضَرْبٌ من الحجارة
رِخْوٌ إلى البَيَاض. وفي قِصّة عُتْبَةَ بْن غَزْوانَ أَنَّهُ لمَّا
نزل المِربَدَ وجَدُوا هذا الكَذَّان. فَقَالَ: ما هذه البصرة.
وقوله: سمَّتَ عَلَيْهِ أي دعا له بخير.
__________
1 ت: "أبو بكر" والمثبت من س, م.
2 أخرجه أبو داود في الملاحم 4/113.
(1/486)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَبَا جَهْلٍ
قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يُخَوِّفُنَا بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ هَاتُوا
الزُّبْدَ وَالتَّمْرَ وَتَزَقَّمُوا.1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ نا الدُّورِيُّ2 نا عَارِمٌ نا
ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ3 نا هِلالُ بْنُ خَبَّابٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ
التَّزَقُّمُ والازْدِقام التَّسَرُّطُ4 وَالازْدِرادُ والزُّبْدُ
يُزْدَرَدُ لِلينِه وسَلاسَتِه. وكان هذا القَولُ من عَدُوِّ الله
عَلَى مَذْهب المعارضة للآية.
ورُوِي أنها لمَّا نزلَتْ لم تعْرِفْ قُرَيْشٌ الزَّقُّوم فَقَالَ أبو
جهل: إنّ هذه الشَّجرة ما تنبُت في بلادِنا فَمنْ منكم يعرِف
الزَّقُّوم فَقَالَ رَجُل قدم من
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 1/374.
2 ت, م, ح: "العباس بن محمد الدوري".
3 ت: "زيد" تحريف.
4 القاموس "سرط" تسرطه: ابتلعه.
(1/486)
أَفريقية: إن الزَّقُّوم بلُغَة أَهْل
أفرِيقيَّة هُوَ الزُّبْدُ بالتَّمر فَقَالَ أبو جَهْل: يا جاريةُ هاتي
لنا زُبْدًا وتَمرًا نَزْدَقِمُه1 فجَعلوا يأكلون منه ويتزقمُون
ويقولون: أَبَهذا يُخوّفُنَا مُحِّمدٌ في الآخرة فبيَّن اللهُ مُرادَه
في آية أخْرى فَقَالَ: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ
الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} 2.
__________
1 القاموس "زقم": التزقم: التلقم وأزقمه فازدقمه: أبلعه فابتلعه.
2 سورة الصافات: 64, 65.
(1/487)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَائِشَةَ
قَالَتْ: لَهُ لَوْ أَخَذْتَ ذَاتَ الذَّنْبِ مِنَّا بِذَنْبِهَا
قَالَ: "إِذًا أَدَعُهَا كَأَنَّهَا شَاةٌ مَعْطَاءٌ".1 يَرْوِيهِ
سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
المَعْطاءُ هي التي سَقَط صُوفُها لِهُزالٍ أو مَرضٍ. يُقال: امّعَطَ
الشَعُر وامَّرَط إذَا تَناثَر وتساقَط.
وذِئبٌ أَمْعط وهو الَّذِي لا شعر على جسده.
__________
1 الفائق "معط" 3/374 برواية: "لو آخذت" بدل "لو أُخِذَتْ".
(1/487)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ
جُنْدَبٍ كَانَتْ لَهُ عَضُدٌ مِنْ نَخْلٍ فِي حَائِطِ رَجُلٍ مِنَ
الأنْصَارِ قَالَ وَمَعَ الرَّجُلِ أَهْلُهُ فَكَانَ سَمُرَةُ يَدْخُلُ
إِلَى نَخْلِهِ فَيَشُقُّ عَلَى الرَّجُلِ فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ
يُنَاقِلَهُ فَأَبَى فَأَتَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَذَكَرَ
لَهُ ذَلِكَ فَطَلَبَ إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَبِيعَهُ
فَأَبَى وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُنَاقِلَهُ فَأَبَى قَالَ: "فَهَبْهُ
لَهُ 1 وَلَكَ كَذَا وَكَذَا" أَمْرًا أَرْغَبَهُ فِيهِ فَأَبَى
فَقَالَ: "أَنْتَ مُضَارٌّ". وَقَالَ لِلأَنْصَارِيِّ: "اذهب فاقلع 2
نخله" 3.
__________
1 كذا في س, ت. وفي م: فهبه لي.
2 ت: "فاقتطع".
3 أخرجه أبو داود 3/315 في الأقضية بلفظ: "رغبه" بدل "أرغبه".
(1/487)
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو
دَاوُدَ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ نا حَمَّادٌ نا
وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ
مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يُحَدِّثُ بِذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ
جُنْدَبٍ.
هَكَذَا قَالَ: عَضُدٌ مِنْ نَخْلٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَضِيدٌ مِنْ
نَخْلٍ يُرِيدُ نَخْلًا لَمْ تَبْسُقْ وَلَمْ تَطُلْ. قَالَ الأصمعي:
إذَا صار للنخلة جِذْعٌ يتناول منه المتناوِلُ فتِلْكَ النَخْلةُ
العَضِيدُ وجمعُها عضدان فإذا فاتت اليد فهي جَبَّارَة فإذا ارتفعَتْ
عَنْ ذَلِكَ فهي الرّقْلَةُ وجَمْعُها رَقْلٌ ورِقالٌ وهي عند أهل
نَجْدٍ العَيْدانَة فإذا طالَتْ مَعَ انْجِرادٍ فهي سَحوقٌ وهُنَّ
سُحُقٌ. وقال لَبِيدٌ يصف نَخْلًا:
فاخِراتٌ ضُرُوعها في ذُراها ... وأَنِيضُ العَيْدان والجبَّارُ1
العيدانة: النخلة التي فاتت اليد2.
والكتائل أيضًا: النخْلُ الطِّوالُ أنشدني أبو عُمَر أنشدنا أبو العباس
ثعلب:
قد أبصرتْ سُعدَى بها كتائلي ... مِثْل الجَواري الحُسَّرِ العَطابِلِ3
وفيه من الفقه أَنَّهُ أمر بإزالة الضَّرر وإن لحقَ المُضارّ فيه نقص
ولم نَسْمَعْ في هذا الخبر أَنَّهُ قلع نَخْلَه وإنّما قَالَ ذَلِكَ
لِيَرْدَعَه بِهِ عَنِ الإِضْرارِ كقوله: "من شَرِبَ الخمرَ فاجْلِدُوه
فإِن عادَ فاجلِدُوهُ" ثُمَّ قَالَ في الثالثة أو
__________
1 شرح الديوان /42 ويروى: "وأناض العيدان والجبار".
2 من م.
3 الرجز في اللسان والتاج "كتل" برواية: "مثل العذارى الخرد العطابل".
(1/488)
الرابعة: "فاقْتلُوهُ" وهذا1 إذَا عاوَدَ
شربها لم يقتل.
__________
1 م: طوهو إن عاود ... " أخرجه أبو داود في الحدود 4/185. وأمد في
مواضع منها 2/176 وغيرها.
(1/489)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لأبِي
طَالِبٍ لَمَّا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ: "قُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ
تُصِبْ بِهَا كَرَامَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ". قَالَ: يَا ابْنَ
أَخِي لَوْلا رَهْبَةُ أَنْ تَقُولَ قُرَيْشٌ دَهَرَهُ الْجَزَعُ
فَيَكُونَ سُبَّةً عَلَيْكَ وَعَلَى بَنِي أَبِيكَ لَفَعَلْتُ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ.
يُقالُ دَهَرهُ أي نكبه الدَّهْرُ وأصابَه بِمكْرُوهه فجَزِع لذلك.
يُقال: دَهَر فلانًا أمْرٌ أي نزل بِهِ مكروه من مكاره الدَّهْر وكان
أهل الجاهلية يُضيفون المصائبَ والنوائِبَ إلى الدّهْر وهُم في ذَلِكَ
فرْقَتان فرقةٌ لا تُؤمن بالله لا تَعْرفُ إلا الدّهْرَ الَّذِي هُوَ
مَرُّ الزّمان واختلافُ اللّيْل والنَهار اللّذيْن هما مَحلُّ الحوادث2
وظَرْفٌ لمساقط الأَقْدار فتُنْسَبُ المكارِهُ إِلَيْهِ عَلَى أنّها من
فعله ولا ترى أنه لَهُ مُدَبِّرًا ومُصَرِّفًا وهؤلاء الدَّهريّة الذين
حكى الله عنهم في كتابه {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا
الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} 3.
وفرْقَةٌ تعْرف الخالق فتُنَزّهه أَنْ تنسُبَ إِلَيْهِ المكارهَ
فتُضيفَها إلى الدَّهر والزمان. وعلى هذين الوجْهَيْنِ كانوا يَسبُّون
الدَّهَر ويذمُّونه فيقول القائل منهم يا خيْبَةَ الدهر ويا بُؤسَ
الدَّهْرِ إلى ما أَشْبَه هذا من قولهم
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/122.
2 م, ط: "محل لحوادث".
3 سورة الجاثية: 24
(1/489)
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبْطِلا ذَلِكَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ: "لا يَسُبَّنَّ
أَحَدُكُمُ الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ" 1. يُرِيدُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ
لِهَذَا الصَّنِيعِ بِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ2 الْفَاعِلُ لَهُ
فَإِذَا سَبَبْتُمُ الَّذِي أَنْزَلَ بِكُمُ الْمَكَارِهَ رَجَعَ
السَّبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَانْصَرَف إِلَيْهِ.
ومعنى قوله: "أنا الدهر" أي أنا مالك الدهر ومصرفه فحذف اختصارًا
لِلّفْظ واتِّساعًا في المعْنى وبيان هذا في حديث أَبِي هُريرَة.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ
غَالِبٍ نا ابْنُ نُمَيْرٍ ثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ
تَعَالَى أَنَا الدَّهْرُ لِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ أُجِدُّهُ
وَأُبْلِيهِ وَأَذْهَبُ بِالْمُلُوكِ وَآتِي بِهِمْ" 3.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسَدِ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ
الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى
يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَلا
يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنِّي أَنَا
الدَّهْرُ أُقَلِّبُهُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فَإِذَا شِئْتُ
قَبَضْتُهُمَا" 4.
قَالَ أبو سليمان: وروى عامَّةُ النَّقلَة والرَّواةِ من أهل الحديثِ
قِصَّةَ أَبِي طالب هذه فقالوا من جزع القلق. كذاك5 حدثناه الصفار ثنا
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 5/299 ومسلم بنحوه في 4/1763.
2 سقط من ح.
3 أخرجه أحمد في مسنده 2/496.
4 أخرجه البخاري في مواضع منها 6/166, 9/175 ومسلم في كتاب الألفاظ
4/1762 وابو داود في 4/369 وأحمد في مسنده 3/272.
5 ط, ح: "كذلك".
(1/490)
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَنْصُورٍ
الْحَارِثِيُّ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ كِيسَانَ
حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ: "قُلْ لا إِلَهَ
إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قَالَ: لَوْلا
أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى
ذَلِكَ الْجَزَعُ لأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ. قَالَ فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ
اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 1.
إلا أنّ أبَا عُمَر كَانَ يذكر عَنْ أَبِي العبّاس ثعلب أَنّه كَانَ
يقُول إنّما هُوَ الخرع بمعْنَى الضَّعْف والخَوَر قَالَ وأَصْلُ الخرع
اللِّينُ والاستِرخاء. قَالَ ومنْه قِيلَ للمرأة الفاجرة خَرِيعٌ.
قَالَ الشاعر:
وفيهنّ أشباهُ المَهَا رعَتِ الفَلا ... نواعِمُ بِيضٌ في الهَوَى غير
خَرَّعِ2
أي غير فواجر.
وقال أبو عُبيدة: إنّما سُمِّيَت المرأةُ خَرِيعًا لِلِينها وطاعَتِها.
وقال أبو مالك: الخَرِعُ الَّذِي لَيْسَ بصُلْب. يُقال: رَجُل خَرِعٌ
إذَا كَانَ ضَعيفًا خوَّارًا. قَالَ: ومِنْهُ اشتُقّ الخِرْوَعُ وذلك
لِلِينِه.
قَالَ أبو سُلَيْمان: يقال: رَجُلٌ دَهْرِيّ3 إذَا نُسِبَ إلى رأي
الدَّهريّة وشَيْخٌ دُهْرِيٌّ إذَا كَانَ مُعَمَّرًا.
وأخبرني الرُّهَنِي قَالَ سألْتُ ابنَ كيسان عَنِ الدُّهرِيّ
والسُّهْلِي ودُخُول الضّمّة فيهما فقال نسبوهما إلى السهولة والدهورة.
__________
1 أخرجه مسلم في الإيمان 1/55 والترمذي في التفسير 5/341 وأحمد في
مسنده 2/434, 441 وغيرهم. والآية في سورة القصص: 56.
2 اللسان والتاج "خرع" وعزي لكثير وهو في ديوانه /412.
3 الدهري ويضم: القائل ببقاء الدهر "القاموس: الدهر".
(1/491)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا
مُطِرَ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَيْبًا نَافِعًا". وَيُرْوى: "سَيْبًا" 1.
أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ
مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا مِسْعَرٌ عَنِ الْمِقْدَامِ
بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ سُفْيَانُ:
حَفِظْتُه2 سَيْبًا وَالَّذِي حَفِظُوا صيبًا أَجْوَدُ. والسَّيْبُ
العطاء أنشدني أبو عُمَر أنشدنا أبو العباس ثَعْلب:
أُرَجّي نائلًا من سَيْب رَبٍّ ... لَهُ نُعْمَى وذَمَّتُه سِجالُ3
والذَّمَّة البئر القليلة الماء. قَالَ ابنُ السكّيت: والسَّيْبُ
مَجرَى الماء وجَمْعُه سُيُوبٌ وقد سابَ سُيُوبًا إذَا جرى فأمّا
الصَّيْبُ فأصْلُهُ الصَّوْبُ من صَاب يَصُوبُ يُقال صابَ المَطَرُ
يَصُوب إذَا نزل. قَالَ الشَّاعرُ:
تَحدَّر منْ جوِّ السِّماءِ يَصُوبُ4
ومنه قوله تَعَالَى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} 5 وزْنُه فَيْعل
من صابَ يَصُوبُ إذَا نَزَل وقال المُبَرّدُ هُوَ من صابَ إذَا قَصَدَ
وأنشد لبشر بن أبي خازم:
__________
1 أخرجه الحميدي في سمنده 1/121 وأخرجه البخاري في الاستسقاء 2/40 وأبو
داود في الأدب 4/326 والنسائي 2/164 وابن ماجه في الدعاء 2/1280 وأحمد
في 6/41, 90, 119 وكلهم برواية: "صيبا" ماعدا الحميدي فرواه: "سيبا".
2 س: "حفظت" والمثبت من ت, م.
3 م: "من سيب ربي" والبيت في اللسان والتاج "سجل".
4 اللسان والتاج "صوب" وصدره: "فلست لإنسي ولست لملاك". قال ابن بري:
البيت لرجل من عبد القيس يمدح فيه النعمان وقيل هو لأبي وجزة يمدح عبد
الله بن الزبير وقيل هو لعلقمة بن عبدة.
5 سورة البقرة: 19.
(1/492)
تؤمل أن أؤوب لها بِنَهْبٍ ... ولم تعْلَمْ
بأَنّ السهم صابا1
__________
1 الديوان /25. وجمهرة ابن دريد 3/438.
(1/493)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ وَائِلَ بْنَ
حُجْرٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَلِيَ شَعْرٌ طَوِيلٌ
فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: "ذُبَابٌ ذُبَابٌ" قَالَ: فَرَجَعْتُ
فَجَزَزْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ: "إِنِّي لَمْ
أَعْنِكَ وَهَذَا أَحْسَنُ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْد الرزاق نا أبو داود نا
مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ نا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ وَسُفْيَانُ
بْنُ عُقْبَةَ السُّوَائِيُّ وَهُوَ أَخُو قَبِيصَةَ بْنِ عُقْبَةَ
وَحُمَيْدُ بْنُ خُوَارٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ
بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ سَمِعْتُ أَبَا
عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ ثَعْلَبًا يَقُولُ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ الذُّبَابُ الشُؤْمُ ويُقالُ رَجلٌ ذُبابِيٌّ أي
مَشْؤُومٌ. والذُّبابُ أيضًا الشَّرُّ. قَالَ أَوسُ بْن حُجْر:
وليسَ بطَارق الجِيران مِنّي ... ذُبابٌ لا ينيم ولا ينام2
__________
1 أخرجه أبو داود في الترجل 4/82 والنسائي في الزينة 8/131 وابن ماجه
في الباس 2/1200.
2 الديوان /115 برواية: "الجارات" بدل "الجيران".
(1/493)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ
أَغَارُوا عَلَى سَرْحِ رسول الله فَذَهَبُوا بِالْعَضْبَاءِ
وَأَسَرُوا امْرَأَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَنَوَّمُوا لَيْلَةً
فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ فَكَانَتْ إِذَا وَضَعَتْ يَدَيْهَا عَلَى
سَنَامِ بَعِيرٍ أَوْ عَجُزِهِ رَفَعَ بُغَامَهُ حَتَّى انْتَهَتْ
إِلَى نَاقَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَكَتَمَتْ بُغَامَهَا
فَاسْتَوَتْ عَلَيْهَا. وَفِي رِوَايَةٍ أخرى وكانت ناقة مجرسة1.
__________
1 أخرجه مسلم في النذر 3/1262 وأبو داود في الأيمان والنذور 3/239.
والإمام أحمد في 4/430 والبيهقي في السنن الكبرى 10/75 والحنيدي في
مسنده 2/365.
(1/493)
يَرْوِيهِ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى
الأنْطَاكِيُّ عن أبي إسحاق الفراري عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ مَحْبُوبٌ
عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ وَالرَّوِايَةُ الأُخْرَى حَمَّادٌ
عَنْ أيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. حَدَّثَنَاهُ ابن داسة عَنْ أَبِي داود عَنْ
بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ حَمَّادٍ.
بُغامُها صَوْتُها. قَالَ الشاعِرُ:
حَسِبْتَ بُغامَ راحِلَتِي عَنَاقًا ... وما هيَ وَيْبَ غَيْرِك
بالعنَاق1
والمُجرّسَةُ المُجَرَّبةُ المعتادة للركوب.
__________
1 اللسان والتاج "بغم" وعزى لذي الخرق.
(1/494)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ أَبَانَ بْنَ
سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَدِمَ عَلَيْهِ فَقَالَ: "يَا أَبَانُ كَيْفَ
تَرَكْتَ أَهْلَ مَكَّةَ" قَالَ تَرَكْتُهُمْ وَقَدْ جِيدُوا
وَتَرَكْتُ الإِذْخِرَ وَقَدْ أَغْدَقَ وَتَرَكْتُ الثُّمَامَ وَقَدْ
خَاصَ قَالَ فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ نا هِلَالُ بْنُ الْعَلاءِ
الرَّقِّيُّ نا مَرْوَانُ2 بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ حَدَّثَنِي
أَبُو بَكْرٍ الضَّبِّيُّ وَعَبْدُ الْقُدُّوسِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ
أَبَانٍ3.
قولهُ: جِيدُوا أي أصابَهُم الجَوْدُ وهو المطَرُ الواسِع يُقَال جِيدَ
من المَطَر جَوْدًا وجِيدَ من العَطشِ جوادا.
قال الشاعر:
__________
1 في الفائق "عذق" 1/403: أعذق الإذخر: خرجت ثمرته. وعض الحديث في
النهاية "عذق" 3/200 وأخرجه ابن الأعرابي في معجمه بلفظه لوحة 243-ب.
2 م: "نا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الملك بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
مَرْوَانَ بْنِ الحكم" والمثبت من ت, س, ط.
3 م: "عن الحسن بن أبان" والمثبت من س, ح, ط, ت.
(1/494)
ونَصْرُكَ خَاذِلٌ عنِّي بَطِيءٌ ...
كأَنَّ بكم إلى خَذْلي جوادَا1
ويُقالُ: جَيِّدٌ بيِّنُ الجَوْدَة وَجوادٌ بيّنُ الجُودِ وفَرسٌ
جَوادٌ بيّنُ الجُودَة وجاد بنفسه عند الموت جؤودا ويُقال جِيدَت
الأرضُ فهي مَجُودَةٌ قَالَ لبيدٌ:
ومَجُودٍ من صُبابات الكَرَى ... عاطفِ النُّمْرِق صَدْق المُبْتذَل2
وقولهُ: خاص الثُّمامُ إنما هُوَ أخْوصَ إذَا تَمَّتْ خُوصَتُه. قَالَ
أبو عَمرٍو: إذَا مُطِرَ العَرْفجُ ولان عُودُه قلتَ قد ثَقّبَ عُودُه
فإذا اسْوَدَّ شيئًا قِيلَ قد قَمِل لأنّه يُشبَّه ما يخرج منه
بالقَمْل فإذا ازداد قليلًا قِيلَ ارقَاطَّ فإذا زاد3 قليلا قيل أدبي
لأنه يشبة بالدبا وهو حينئذ يصلح أن يؤكل فإذا تمت خوصته قيل قد أخوص.
__________
1 اللسان والتاج "جود" وعزي للباهلي.
2 شرح الديوان /181.
3 ت, ح: "ازداد".
(1/495)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
لِخَدِيجَةَ: "إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ
قَصَبٍ لا سَخَبَ فِيهِ وَلا نَصَبَ" فَقَالَتْ1: يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَا بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ قَالَ: "هُوَ بَيْتٌ مِنْ
لُؤْلُؤٍ مُجَبَّأَةٍ" 2.
حَدَّثَنِيه أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ
الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ نا يُونُسَ أنا
__________
1 م: "فقلت".
2 لم أقف عليه في حديث عمرو بن موهب وقد أخرجه البخاري عن أبي هريرة
وابن أبي أوفى بنحوه في 5/48. ومسلم في فضائل خديجة 4/1887 مختصرا.
وذكره الهيثمي في مجمعه 9/223 بنحوه عن عبد الله بن جعفر وفاطمة. وفي
الفائق "قصب" 3/203.
(1/495)
ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمُرُو بْنُ
الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ1 بْنِ أَبِي هِلالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
مَوْهَبٍ رَفَعَهُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: مُجَبَّأَة مُجوَّفة. قَالَ أبو
سُليمان وهذا لا يستقيم عَلَى ما قاله ابن وَهْب إلا أن تَجعَلَه من
المقلوب فيكون مُجوَّبة من الجَوْبِ وهو القَطْعُ قدمَّ الباءَ عَلَى
الواوِ كقوله تَعَالَى: {هَارٍ} 2 والأصل فيه هائر وكقول الشاعر:
لاثٍ بهِ الأَشَاءُ وَالعُبْريّ3
وإنما هُوَ لائث والقَصَبُ قَصَبُ اللؤلؤ وهو ما استطالَ مِنْهُ في
تجْويفٍ. وكُلُّ مُجوَّف قَصَبٌ.
وقوله: ببَيْتٍ أي بقَصْرٍ. يُقال: هذا بيت فلان أي قصره.
__________
1 ح: "شعهبة بن أبي هلال".
2 سورة التوبة: 109 وهي: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى
مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى
شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .
3 اللسان والتاج "لوث".
(1/496)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَرَّ بِأَوْسِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأسْلَمِيِّ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَهُمَا
مُتَوَجِّهَانِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَحَمَلَهُمَا عَلَى جَمَلٍ
وَبَعَثَ مَعَهُمَا دَلِيلًا وَقَالَ: اسْلُكْ بِهِمَا حَيْثُ تَعْلَمُ
مِنْ مَخَارِمِ الطُّرُقِ, قَالَ: وَكَانَ أَوْسٌ مُغْفِلًا فَأَمَرَهُ
رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَسِمَ إِبِلَهُ فِي أَعْنَاقِهَا قَيْدَ
الْفَرَسِ1.
يَرْوِيهِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ نا فَيْضُ بْنُ
وَثِيقٍ حَدَّثَنِي صَخْرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَسْلَمِيِّ شيخ من أهل
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 6/55 بألفاظ متقاربة وأخرجه ابن عبد البر في
الاستيعاب 1/122 وذكره الحافظ في الإصابة 1/86 وقال: رواه البغوي وابن
مندة.
(1/496)
الْعَرْجِ أَخْبَرَنِي أَبِي مَالِكُ بْنُ
إِيَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ إِيَاسَ بْنَ مالك أخبره أنا أَبَاهُ مَالِكَ
بْنَ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ أنا أَبَاهُ أَوْسًا مَرَّ بِهِ رَسُولُ
اللَّهِ.
المخَرِم: مُنْقَطعُ أَنْف الجبَل ويُجْمَع عَلَى المخَارِم. قَالَ
الفَرزْدَقُ:
أرَى كُلّ حَيٍّ ما تزالُ طليعةٌ ... عَلَيْهِ المنَايَا من ثَنايا
المَخارِم1
وقال أبو كَبِير الهُذَلي:
وإِذَا رمَيْتَ بِهِ الفِجاجَ رأَيْتَهُ ... يَهْوَى مخَارمَها هُوِيَّ
الأَجْدَل2
والمُغْفِلُ مَنْ كَانَ إِبلُه أَغْفَالًا لا سِمَةَ لها وقد فسّرناه
فيما مضى من هذا الكتاب
وقَيد الفرس سِمَةٌ معْروفَةٌ قَالَ الشاعر:
كُومٌ عَلَى أعناقِهَا قيْدُ الفَرسْ ... تَنْجُو إذَا الليْلُ تدانَى
والْتَبسْ3
قَالَ صخرٌ: وهي سِمتُنَا اليَوْمَ قَالَ: ووَصَفها أوْسٌ حَلّق
حَلْقَتَين ومد بينهما مدا.
__________
1الديوان 2/206.
2 شرح أشعار الهذليين 3/1074.
3اللسان والتاج "قيد".
(1/497)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَتَبَ لأَهْلِ
نَجْرَانَ حِينَ صَالَحَهُمْ إِنَّ عَلَيْهِمْ أَلْفَيْ حُلَّةٍ فِي
كُلِّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلَّةٍ وَفِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ وَمَا
قَضَوْا مِنْ رِكَابٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ دُرُوعٍ أُخِذَ مِنْهُمْ
بِحِسَابِ ذَلِكَ1 وَعَلَى نَجْرَانَ مَثْوَى رُسُلِي عِشْرِينَ
لَيْلَةً فَمَا دُونَهَا وَلِنَجْرَانَ وَحَاشِيَتِهَا ذِمَّةُ اللَّهِ
وَذِمَّةُ رَسُولِهِ عَلَى دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ
وَثُلَّتِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَرَهَابِنَتِهِمْ وَأَسَاقِفَتِهِمْ
وشاهدهم وغائبهم وعلى أن لا يغيروا2 أسقفا من
__________
1من ت.
2 كذا في هامش س وهامش الفائق. وفي ت, م, ط, ح والفائق "ثوى": "يغزوا".
(1/497)
سِقّيفَاهُ وَلا وَاقِفًا مِنْ وِقِّيفَاهُ
وَلا رَاهِبًا مِنْ رَهَابِنَتِهِ وَعَلَى أن لا يُحْشَرُوا وَلا
يُعْشَرُوا.1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ نا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الْهُذَلِيُّ عَنْ أَبِي
الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ.
الحُلَّةُ: ثوبان إزار ورِداء ولا تكون حُلَّةً إلّا وهي جَدِيدة
تُحَلّ عَنْ طيّها فتُلْبَسُ والرِّكَابُ الإِبلُ التي تُرْكَبُ اسْمُ
جماعة ولا يُفْرَدُ من لفظه اسْمُ الوَاحِد2.
وقوله: مَثْوى رُسُلي أي نُزلهم وما يَثْوِيهم مدَّة مُقامهم.
والثّواءُ طُول المُكْثِ بالمكان والمَثوَى: المنزِل3.
ويُقال: لصاحب المنْزل أبو مثواه ولربة البيت أُمُّ مَثْواه.
والثَوِيُّ الضيْفُ. والثُّلَّةُ الجماعَةُ من الناس والثَّلّةُ
القطيعُ من الغَنم. قَالَ ابنُ السِّكِّيت: يُقالُ للضان الكثيرة
ثَلّةٌ ولا يُقال للمَعِز ثَلّة وإنما يقال لها حَيْلةٌ إلا أن يخالطها
الضأن فيكثر فيقال لها ثلة والثلة أيضا الصوف والشعر والرهابنة جَمعٌ
عَلَى غير قياسٍ وإنّما يُجْمَع الرّاهبُ عَلَى الرُّهْبَان كما قِيلَ
رَاكِب ورُكْبَان وقد يكونُ الرُّهبَان اسمًا للواحد أنشدني أبُو عُمَر
أنشدنا أبو العباس ثعلب:
لو أبْصَرَتْ رُهبَان دَيرٍ في الجبل ... لانحدر الرُّهْبانُ يسْعَى
ويُصَلٌ4
والأساقفةُ جَمْع الأُسْقُفّ. ويُقال إنّما سُمِّي أُسْقُفًّا
لخُشُوعه. والأسْقَفُ الطَّويلُ الَّذِي فيه انحناء وميل. قال بشر:
__________
1 أخرجه أبو داود في الإمارة 3/167 عن ابن عباس مختصرا. والفائق "ثوى"
1/179.
2 سقط من ح.
3 م, ح: "الموضع".
4 اللسان والتاج "رهب" برواية:
لو كلمت رهبان دير في القلل ... لانحدر الرهبان يسعى فنزل
(1/498)
يَعْدُو بها سَبِطُ المناسم أسْقَفُ1
والسِّقِّيفَي إنْ كَانَ أراد جمع الأُسقُفٌ فهو جَمْعٌ عَلَى غير
قياسٍ وإنّما جاء عَلَى وزنْه مصادِرُ من الكلام نحو الخِلِّيفَى
وَالرِمّيَّا وَالحِجّيْزَى فإن سُلِك بها مَسْلَكَ المَصَادِر كَانَ
معناهُ لا يُمنَعُ أسقُفٌّ من التَّسَقُّفِ ولا راهِبٌ من التَّرهُّبِ.
والواقِفُ خَادِمُ البَيْعَة ويُقال: سُمّي واقفًا لأنه وقف نفسَه
عَلَى الخِدْمَة وعَكفَها عَلَى العبَادة. وَيقال: لَهُ الواهِفُ أيضا
رُوِي في حديث آخر لا يُغيَّرُ واهِفٌ عَنْ وَهْفِيّتِهِ وفي رواية
أخْرَى عَنْ وهَافَته ولا قسيس عن قسيسيته وَالقِسِّيسُ كالعالم منهم
والرّاهِبُ المُتَعبّدُ المُتَفَرِّدُ والأَبِيلُ العظيم من النَّصارى
وأنشَدني ابنُ الفارسيّ عَنِ أبي العبّاس ثَعْلب:
وما سبَّح الرّهْبانُ في كلّ بلْدَةٍ ... أَبِيلَ الأَبِيليّينَ عِيسى
بنَ مَرْيَما2
ومثله الأَيْبَليّ قَالَ الشّاعر:
لو عرضَتْ لأَيْبَليٍّ قس ... أشعت في هَيْكلهِ مُنْدَسِّ
حَنَّ إليَها كحَنِين الطَّسِّ3
فأمّا4 الأَرِيسيّ فهو الأكار أو الأجير فيما يُفَسّرُ.
وأخبرني بعضُ أصحابنا عَنْ إبراهيم الحربي قَالَ: الأَرارِسَةُ
الزّرَّاعُون واحِدُهم إرِّيسٌ. وكَتَب رَسُول الله إلى هِرَقْل فإِن
تولَيْتَ فإنَّ عليك إثمَ الإرِّيسِيِّين. يُريد الضُعفاءَ والأتباع
منهم. ويقال: إن
__________
1 لم أقف عليه في ديوانه ط دمشق.
2 اللسان والتاج "أبل" وعزي لعمرو بن عبد الجن. وانظر الخزانة 3/340.
3 اللسان والتاج "قسس".
4 ت, م: فأما الأريسي فهو منسوب إلى الاريس وهو الأكار ... الخ.
(1/499)
الإريسين الذين كانُوا يحرثُون أرضَهم
كانوا مجُوسًا والرُومُ أَهْلُ كتابٍ يريدُ إن عليك مِثل وزْرِ المُجوس
إن لم تُؤمنْ ولم تُصَدّقْ.
قَالَ أبو العَبَّاس ثَعْلَب: قَالَ ابن الأعرابي: الأَريسُ الأكار
ويجمع على الأريسين وقد أرس يأرس أرسا إذَا صار أرِيسًا ويقال لَهُ
أيضًا الإِرِّيسُ ويجمع عَلَى إرِّيسِين وأرارِسَة1.
وَحَدَّثَنَاهُ حَمْزَةُ بْنُ الْحَارِثِ نا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ
الْبَزَّارُ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ
سَعْدٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ1 أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ
أَخْبَرَهُ أن رسول الله كَتَبَ إِلَى هِرَقْلَ: بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ
عَظِيمِ الرُّومِ سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ
فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ
وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ
فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} 2 الآيَةَ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ3: فَلَمَّا قَالَ: مَا قَالَ وَفَرَغَ مِنْ
قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ اللَّجَبُ وَارْتَفَعَتِ
الأَصْوَاتُ4
اللَّجَبُ صوت واختلاط في مثل صَخَب أو شَغَب. يقال عَسكرٌ لَجِبٌ
وسحاب لَجِبُ بالرعد والريح5.
__________
1 من ت, م, ح.
2 سورة آل عمران: 64.
3 ح: "أبو سليمان" تحريف.
4 أخرجه البخاري في مواضع منها بدء الوحي 1/7 بلفظ: "الصخب" بدل
"اللجب". وفي 6/45 بلفظ: "اللغط". ومسلم في الجهاد 3/1393-1397 والإمام
أحمد في 1/262 وغيرهم.
5 من ت, م.
(1/500)
وقوله: لا يُحْشَرُوا ولا يُعْشَرُوا أي لا
يُؤخَذ العشر من أمْوالهم ولا يُكَلَّفُوا الخُروجَ في البعوث وقد كان
يَسْتَعينُ ببَعْض أهْلِ الكُفْر عَلَى بعض واستَعان بيَهُودَ1 من بني
قَيْنُقَاع وشهدَ معه صفْوانُ حُنَيْنًا وصَفْوانُ مُشْرِك. وهذا
كحديثه الآخر في النساء: "إنّهُنَّ لا يُحْشَرْنَ ولا يُعْشَرْنَ" وقد
ذكَرَه ابنُ قُتَيْبَة في كتابه2. وذكر عَنْ بَسَّام بْن عَبْدِ الرحمن
أَنَّهُ قَالَ معناه أنّهنّ لا يَخْرُجْنَ في المغازي ثُمَّ قَالَ ابن
قُتَيبة ولا وجْهَ لهذا إنّما معْنَاهُ أَنّهُنَّ لا يُحْشَرْنَ إلى
المُصدِّق ليَأخذَ منهنَّ الصَدَقات ولكن تُؤخَذُ الصَدقاتُ منهنّ
بمواضِعِهنَّ.
قَالَ أبو سليمان: ووجه الحديث ما ذهب إِلَيْهِ بسَّام لأنّ السُّنَّة
في المسلمين كلّهم رِجَالِهم ونِسائِهم أَنْ لا يُحْشَرَوا إلى
المُصدِّق وإنّما تُؤخذ صَدقاتُهم عند مياهِهِم وأفنيتهم فلم يكُنْ
لتَخصِيصهنّ بهذا الحْكم دُونَ غيرهنّ معْنى.
ومما يَدُلّ على أن الحشر يراد به الجهادُ حَدِيثُه الآخر.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ
أَبِي هِلالٍ حَدَّثَهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ غَزِيَّةَ بْنِ الحارث أن رسول الله عليه
قَالَ: "لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ إِنَّمَا هُوَ الْحَشْرُ
وَالنِّيَّةُ وَالْجِهَادُ" 3.
يُريدُ بالحَشْر الخُروجَ في النَّفِير ويزيدُه بيانا حديثُ وفد ثقيف
أنهم
__________
1 س: "بيهودي".
2 1/391.
3 أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 4/1/109 وذكره الحافظ في الإصابة في
ترجمة غزية 3/185 بدون كلمة: "الحشر".
(1/501)
اشتَرطُوا عَلَى رَسُول الله أن لا
يُعْشَروا ولا يُحْشَرُوا ولا يُجَبُّوا فَقَالَ لهم النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لكم أن لا تُعشَرُوا ولا تُحشَرُوا ولا
خَيْرَ في دينٍ لَيْسَ فيه ركُوعٌ" 1. يريدُ لا تؤُخذ منكم الصدقة ولا
تُكَلَّفُون الجِهادَ.
وبيانُ هذا في حديث جابر أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ
نا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ نا إِسْمَاعِيلُ2 يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ
الْكَرِيمِ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ وَهْبٍ قال سألت جابرا عن شأن ثَقِيفٍ فَقَالَ:
اشْتَرَطَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ لا صَدَقَةَ عَلَيْهَا وَلا جِهَادَ وَأَنَّهُ سَمِعَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ:
"سَيَصَّدَّقُونَ وَيُجَاهِدُونَ إِذَا أَسْلَمُوا" 3. ويشبه أن يكون
والله أعلم إنما أرخص لهم في ذَلِكَ لأن الجهاد غير محصور الوَقْت
وَإنّما يتعيَّن فرضُه عند حضُور العَدُوّ وكذلك الصدقة إنما يَكون
وُجوبُها بكمال الحول وقد علم أنّهم يَفعَلون ذَلِكَ إذَا حانَ وقْتُه
ولزِم فَرْضُه فأَمَّا الصَّلاةُ فلم يُرخِّصْ لهم في تَرْكها لأنَّ
وقْتَها مَحْصُورٌ وهي تتكرَّر في كل يَوم وليلة ولا سَبيلَ إلى تركها
بوَجْهٍ بل الّلازمُ فِعْلُها لا محالَة في حالتي الرَّفَاهَة4
والضَّرُورَةِ عَلَى حسب الطاقة والإمكان.
__________
1 أخرجه أبو داود في الخراج 2/164 وأحمد في 4/218.
2 ت: "اسماعيل بن عبد الكريم".
3 أخرجه أبو داود في الخراج 3/163.
4 ط: "الرفاهية".
(1/502)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يقولُ
اللهُ تَعَالَى قسَّمْتُ الصَّلاة بيني وَبين عبدي نِصْفَين فنِصفُها
لي ونصفها لِعَبْدي ولِعَبْدي مَا سأل يَقُولُ العَبدُ: {الْحَمْدُ
للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يقولُ اللهُ: حَمَدني عَبْدي. يَقُولُ
العبد: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} يقولُ اللهُ: أَثنَى عَليّ عبدي. يقول
(1/502)
العبد: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يَقُولُ
اللهُ: مجَّدني عَبْدِي يَقُولُ العَبْدُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فهذه الآيةُ بيْنَي وَبينَ عبْدي ولِعَبْدي مَا
سأل يَقُولُ العَبدُ1 {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ, صِرَاطَ
الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ
الضَّالِّينَ} فهذا لِعَبْدي وَلِعَبْدي مَا سَألَ" 2.
قولُه: "قَسَّمْتُ الصَّلاةَ بيْني وبيْن عبدي" معناه قسمت القراءة
وسماها3 صَلاةً لأنّها رُكنٌ من أرْكان الصَّلاة وجُزءٌ من أجزائها
وَوَجْه القِسْمَة فيها أَنّ نِصْفَ السُورَة عِبادَةٌ وثَناءٌ
ونصْفَهَا مَسْألةٌ ودُعاءٌ ولم يُردْ بِهِ تَقْسِيط الآي والحُروف
وَتقسيمَها قِسْمَيْن عَلَى السَّواء إنما هُوَ إشارَةٌ إلى انقسام
السُّورة للعِبادة والمسألة فتكون حَقِيقةُ القِسمة بالمعْنَى لا
باللَّفْظ وهذا كما يقال نِصْفُ السَّنَةِ سَفَرٌ ونِصْفُها حَضَرٌ
لَيْسَ عَلَى تساوِي الزَّمانيْن فيهما لكن عَلَى انْقِسام الزَّمَانين
لهما وإن تَفاوَت مُدَّتاهُما.
وقيل لشُرَيْح كيفَ أصْبَحْتَ فَقَالَ: أصْبَحْتُ ونصْفُ النَّاس
عَليَّ غِضَابٌ يُريدُ أَنّ الناس مِن بيْن مَحْكُومٍ لَهُ ومَحْكُومٍ
عَلَيْهِ فهُم حِزْبان مُخْتَلِفَان أحدُهُما رَاض عَنْهُ والآخَرُ
ساخِطٌ عَلَيْهِ وهذا كقول الشاعر:
إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَيْن شَامِتٌ ... بموتي ومُثْنٍ بالذي
كُنْتُ أَصْنَع4
وممَّا يَدُّل عَلَى أنّه أراد قِسْمَة المعاني لا الأَلْفاظ قوله:
فهَذِهِ بيني وبيْن عَبدي ولا يَجُوزُ أن تكُونَ التّلاوةُ بيْنَه وبين
عبده لأَنّ المَتْلُوَّ كلامُ اللهِ لَيْسَ للعَبْد فيه شرك.
__________
1 من ح, م.
2 أخرجه مسلم في الصلاة 1/296 وأبو داود في 217 والترمذي في التفسير
5/201 وغيرهم.
3 م: "وسماه".
4 كذا في هامش س وفي س, ط, ح, م: "أفعل" بدل "أصنع" والبيت للعجير
اللولي وقافيته: أصنع. وانظر: نوادر أبي زيد /156.
(1/503)
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ اسْمُ
فَرَسِه السَّكْبَ 1:
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا أَبُو
عَرُوبَةَ نا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ نا أَبُو إِسْحَاقَ
الْفَزَارِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ.
قَالَ الأصمعيُّ: يقال فرَسٌ سَكْبٌ وهو الكثيرُ الجَرْي قَالَ أبو
دواد:
وقد أغدو بطرف هي ... كل ذي مَيْعَةٍ سَكْبِ
وقال الواقدي: كان للنبي فرَسٌ يقال لَهُ السَّكبُ وآخرُ يقال: لَهُ
اللَّحِيفُ وفرسٌ يقالُ لَهُ اللِّزازُ.
وفسَّرهُ محمدُ بْن إسحاق السَّهْميّ راوي هذا الخبر عَنِ الواقدي
فَقَالَ إنّما سُمِّي اللِّزَازَ لِشِدَّة تَلَزُّزِهِ واللَّحِيفُ
لكثْرَة سَابِله يَعْني ذَنبَه قَالَ والسَّكْب شُبِّهَ لَوْنُه
بِلَوْن الشّقائق قَالَ وأنشدنا الأصمعيُّ:
كَالسَّكَب المُحْمَرِّ فوقَ الرّابيهْ
قَالَ الواقدي: ومن أَفراس النبي المُرْتَجِزُ سُمِّي مُرْتَجِزًا
لحُسْنِ صِهِيله2. وَأَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسَدِ
الْفَارِسِيُّ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرزاق.
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته 1/490.
2 ح: "داود". تحريف والبيت في المقاييس 6/59 "هكل" وجاء في هامشه:
البيت لعقبة بن سابق في كتاب الخيل لأبي عبيدة /117 برواية "بطرف
سابح".
(1/504)
عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ
أَنَّ أَهِلَ الْمَدِينَةِ فَزِعُوا مرة فركب فَرَسًا كَأَنَّهُ
مُقْرِفٌ فَرَكَضَ فِي آثَارِهِمْ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: "وَجَدْناهُ
بَحْرًا" 1.
والبَحْرُ الفَرسُ الواسِع الجَرْي. قَالَ الأَصَمعيّ: يُقال فرَس
بَحْرٌ وفَيْضٌ وحَتٌّ وغَمْرٌ. وقال إبراهيم بْن محمد بْن عرفه
نَفْطَويه: مَعْناه وجَدْناه كثيرَ الجَرْي لا يَفْنَى جَرْيُه كما لا
يَفْنَى ماءُ البَحْر. والإقرافُ أن تكونَ الأُمُّ عربيّةً والفَحْلُ
هِجِينًا. قَالَ الشاعر:
فإِنْ نُتِجَتْ مُهْرًا كَريمًا فبِالحَرى ... وإِنْ كَانَ إِقْرافٌ
فمِن قِبَل الفحْلِ2
قَالَ حمّادُ بْن سَلَمة: كَانَ هذا الفَرسُ يُبَطَّأُ فلما قال النبي
فيه هذا القول صار سابِقًا لا يلحق.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 3/163 والبخاري في الجهاد 4/63 بنحوه.
2 اقتصر اللسان والتاج "قرف" على العجز.
(1/505)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ بَعَثَ عَاصِمَ
بْنَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الأَقْلَحِ وَخُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ فِي
أَصْحَابٍ لَهُمَا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَنَفَرَتْ لَهُمْ هُذَيْلٌ
فلما أحس بهم عاصم لجؤوا إِلَى قَرْدَدٍ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ نا إِبْرَاهِيمُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ أنا ابْنُ شِهَابٍ
أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ2 الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي
زُهْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ
هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عن أبي
__________
1 أخرجه أبو داود في الجهاد 3/51 والبخاري بنحوه في المغازي 5/100.
2 في م: "حارثة" وفي باقي النسخ وسنن أبي داود: "عمرو بن جارية
الثقفي". وفي البخاري: "عمرو بن أسيد بن جارية الثقفي". وفي التقريب
2/71: "عمرو بن أبي سفيان بن أسيد" بفتح أول جارية بالجيم الثقفي
المدني ويقال: عمر.
(1/505)
هُرَيْرَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ:
فَلَمَّا آنسهم عاصم لجؤوا إِلَى فَدْفَدٍ1.
والقَرْدَدُ: رابيةٌ مُشْرِفَةٌ عَلَى وهدَةٍ قَالَ طرفة:
كَأَنَّ عُلُوبَ النِّسْعِ في دَأَياتها ... مَوارِدُ من خَلْقاءَ في
ظَهْر قَرْدَدِ2
وقال: بعضهم القَرْدَدُ الأَرضُ المسْتوية الصُّلبَة والأوّلُ أصْوبُ
لأنّه لا موضع لِلتحصُّن في الأرْض المُسْتوية ويَدلُ عَلَى صحّةِ هذا
قولُ الشاعر:
متى ما تَزُرْنا آخرَ الدَهْر ... تَلْقَنا بقرقَرةٍ مَلْساءَ ليْسَت
بقَرْدَدِ3
يريد أنّهم لِعزِّهم وشرفِهم لا ينزلُون الغِيطان وبُطونَ الأودية
وإنما يَنْزلون مشارفَ الأرض ونجودَها
والفَدْفَد المرتفعُ من الأرض ومنه حديثُ ابن عُمَر أَنَّ رَسُولَ
الله: كَانَ إذَا قَفلَ من سَفَرٍ فمرَّ بفَدْفَدٍ أَوْ نَشْزٍ كَبَّر
ثلاثا4. وقال الشاعر:
قلائص إذا عَلَوْنَ فدْفَدا ... رَمِين بالطّرْف النّجادَ الأَبْعَدا5
وقوله: آنسَهُم أبْصرَهُم. يُقَالُ: آنسْتُ شَخْصًا من مكان كَذَا إذا
رأيته وأنست لغة.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/354 بلفظ: "أحسهم" بدل "آنسهم" وأخرجه
أحمد في مسنده 2/294, 310.
2 الديوان /38.
3 اللسان والتاج "قرد".
4 أخرجه البخاري في الجهاد 4/69 ومسلم في الحج 2/980 والترمذي في الحج
أيضا 3/285 وأحم دفي مسنده 2/5, 10, 15, 21 بدون كلمة "نشز" وقد جاءت
"نشز" في حديث أنس عند أحمد في 3/127, 239.
5 اقتصر اللسان والتاج "نجد" على البيت الثاني.
(1/506)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ
لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ أَوْ لَيْلَةَ بَدْرٍ: "كَيْفَ تُقَاتِلُوُنَ"
فَقَالُوا إِذَا دَنَا الْقَوْمُ كَانَتِ الْمُرَاضَخَةُ فَإِذَا
دَنَوا حَتَّى نَالُونَا وَنِلْنَاهُمْ كَانَتِ الْمُدَاعَسَةُ
بِالرِّمَاحِ حَتَّى تَقَصَّدَ1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ نا مُحَمَّدُ بْنُ
الصَّبَّاحِ نا عَاصِمُ بْنُ سُوَيْدٍ. أَخْبَرَنِي رفاعة بن الحجاج عن
أبيه عن الحسين بن سائب.
حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ نا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ2 المُداعَسَة بالرِّمَاح
المُطاعنَةُ بها. يُقالُ دَعَسْت بالرمح ورَجُل مِدْعَسٌ قَالَ الشاعر:
إذَا هابَ أَقْوامٌ تَجشَّمْتُ هَوْلَ ما ... يَهابُ حُميَّاه
الأَلَدُّ المُداعِسُ3
وقال:
إذَا مَا شَدَدْنَا شَدّةً نَصبُوا لنا ... صُدُورَ المذاكي وَالرِماحَ
المدَاعِسَا
وَالمُراضخَة الرَّمْيُ بالسهام. يُقالُ: تَراضَخَ القوْمُ إذَا
تَرامَوا.
وقوله: حتّى تقَصَّد أي حتّى تَكَسَّر قِصَدًا قصدا أي كسرا كسرا.
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير 2/371 بلفظ: "تنقصف" بدل "تقصد" وعزاه
لحسن بن سفيان وقال الحافظ في الإصابة 1/394: "أرسل حديثا ... " وأشار
إلى هذا الحديث. ولم يذكره لطوله.
2 من ت, م.
3 اللسان والتاج "دعس".
(1/507)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أفْضَلُ
الصَّدَقَةِ الْمَنِيحَةُ تغدو بعساء وتروح بعساء" 1.
__________
1 أخرجه الحميدي في مسنده 2/457 ومسلم في الزكاة 2/707 وأحمد في مسنده
2/242 وكلهم بلفظ: "تغدو بعس وتروح بعس".
(1/507)
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ نا
أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
الحُميْديّ العِسَاء العُسُّ الكبير قَالَ أبو سُليمان ولم أَسْمَعُه
إلا في هذا الحديث والحُميْديُّ من أهْل اللِّسان ورواه ابن المبارك
فَقَالَ تغدو برِفْد وتروح برِفْد وكان ذَلِكَ شاهدًا لقول الحُمَيْديّ
لأن الرِّفد القَدَح الكبير1.
وأولُ الأقْدَاح الغُمْرُ وهو الذي لا يبلغ الرِّيّ ثُمَّ القَعْبُ وهو
قَدْرُ رِيِّ الرَّجُل ثُمَّ القَدَحُ وهو يُروِي الاثْنَيْن
والثَّلاثَة ثُمَّ العُسُّ يعُبُّ فيه الجَماعَةُ ثُمَّ الرِّفْدُ
أكبرُ منه ثُمَّ الصَّحْنُ أكبرُ منه ثُمَّ التِّبْنُ2 وهو أكْبَرُها
ثُمَّ أكبر منها الجَنْبَة تُعْمل من جنب البعير.
__________
1 من ت, م.
2 القاموس "تين": التبن: قد يروي العشرين.
(1/508)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "ثَلاثٌ
مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ الإِيمَانَ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ
وَحْدَهُ وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ رَافِدَةً
عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ وَلَمْ يُعْطِ الْهَرِمَةَ وَلا الدَّرِنَةَ وَلا
الْمَرِيضَةَ وَلا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: قَرَأْتُ فِي
كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ بِحِمْصٍ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ
الْحَارِثِ الْحِمْصِيِّ عَنِ الزَّبِيدِيِّ قَالَ وَأَخْبَرَنِي
يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ مِنْ غَاضِرَةِ قَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: رافدةً عَلَيْهِ من الرَّفْد وهو الإِعانَةُ. يقال: رفدت الرجل
أرفده
__________
1 أخرجه أبو داود في الزكاة 2/103 برواية: "فقد طعم طعم الإيمان".
(1/508)
رَفْدًا. والرِّفْدُ العَطاءُ.
وَالرَّافِدَه أَيضًا دِعامَةُ البِناءَ وأُخِذَت من الرَّفْد أيضًا
لأَنَّ ثَباتَ البناء إنّما يَكونُ بها. والدَّرنَةُ الدُّونُ وأصْل
الدَّرَن الوَسخُ. وَالشَّرَطُ رُذالَةُ المال كالصَّغِيرة والمُسِنَّة
والأعْجَف والدَّبِر ونحْوها. قَالَ أبو عُبَيْدة: أَشْراطُ المَالِ
صِغارُ الغَنَم وشِرارهُ. قَالَ جرير:
وفي شَرِطِ المِعْزَى لَهُنَّ مُهُورُ1
وقال أبو زيد: الشرط شرار المال والشَّوَى مِثْلهُ وَأنْشَدَ:
أَكَلنا الشَّوَى حَتّى إذَا لم نَجِده شوى ... أَشرْنا إلى خَيْرَاتها
بالأصَابع2
أَخْبَرَنَا أبو عُمَر أنا أبو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي قَالَ:
الشَّوَى اليَدانِ والرِّجْلان والشَّوَى جَمْع شواةٍ وهي فَرْوَة
الرَأس والشَّوَى ما عدَا المقْتل في الرمي والشوى رَدِيءُ المال.
وَالشَّوَى الهَيِّنُ السِّهْلُ من كل شيء.
__________
1 الديوان /266 برواية: "وفي قزم المعزى" وصدره: "ترى شرط المعزى مهور
نسائهم" وشرط المال أخسه وقزم المعزى: الصغار.
2 اللسان والتاج "شوى" دون عزو.
(1/509)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
"أَعْظَمُ الصَّدَقَةِ رِبَاطُ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يُمْنَعُ
كَوْمُهُ" 1.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي
خَالِدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ رَفَعَهُ.
كَوْمُه: ضِرابُه يَقُولُ لا يمنَعه ولا يأخذ عليه عسبا ويقال لكل ذي
حافر قَد كامَ ويُذكَرُ أَنَّ نُوحَ بن جرير بن الخطفي كان يقول وما
__________
1 في الفائق "كوم" 3/284: يقال: كام الفرس أنثاه كوما إذا علاها للسفاد
والتركيب في معنى الارتفاع. والحديث في النهاية "كوم" أيضا 4/210.
(1/509)
جَريرٌ إنِّي لأَشْعَرُ منه والله
لأَهجُونَّه قَالَ: فجَعَلت أُمُّه تنْهاهُ فلا ينتَهي فبلغَتْ جَريرًا
فَقَالَ:
وكيفَ أُهاجي مَنْ فعَلْتُ بأُمِّه ... ثَلاثِين كَوما في ثَلاثِ
ليَال1
__________
1 لم أقف عليه في ديوانه ط بيروت.
(1/510)
وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْخَيْلُ
مُبَدَّأَةٌ يَوْمَ الْوِرْدِ" 1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا
الدَّغْوَلِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمُظَفَّرِيُّ نا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ
مَخْلَدٍ السَّعْدِيُّ نا أَبُو الْجَعْدِ السُّلَمِيُّ عَنْ كَثِيرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
قَالَ الحِزامِيّ: مَعْناه إذَا ورَدَت الخَيْلُ والإِبلُ والغَنمُ
الماءَ بدىء بالخيْل فتُسْقَى قَالَ وقال ابن الأعرابي: لَيْسَ للخَيْل
وِرْدٌ إنّما هي عَلَى الماء تُسْقَى ويُقالُ لذلك الشُّرب رِفةٌ
وأنشد:
سقَتْ رِفْهًا وَظاهِرةً وغِبًّا ... أَبا بِشْرٍ أهَاضِيبُ الغَمامِ
قَالَ الأصمعيُّ: أقْصَرُ الوِرْد وأسرعه الرِّفْهُ وهو أن تَشَربَ
الإبلُ كُلَّ يَوْمٍ فإذا ورَدَتْ يومًا نصف النهار ويوما غُدْوةً
فتِلْكَ العُرَيْجَاءُ فإذا ورَدَتْ يَوْمًا وتُركَتْ يَوْمًا فذلك
الغِبُّ فإذا ارتفع عَنْ ذَلِكَ فالرِّبْعُ والخِمْسُ ثُمَّ كذلك إلى
العِشْر وليس فيها ثِلْثٌ. قَالَ الأصمعيُّ: فإن2 أرسَلَ إبلَه عَلَى
الماء كُلّما شاءتْ ورَدَتْ بلا وقْتٍ فذلك الإرباغْ فإن ردّدَها عَلَى
الماء في اليوم مرارًا فذلك الرَّغْرغَة فإذا أوردها فالسَّقْيةُ
الأُولَى النهل والثانية العلل
__________
1 أخرجه ابن ماجه في كتاب الرهون 2/830 بلفظ: "يبدأ بالخيل يوم وردها".
2 م: "فإذا".
(1/510)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال للرجل: "صُمْ
يَوْمًا فِي الشَّهْرِ". قَالَ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: "فَصُمْ
يَوْمَيْنِ". قَالَ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: " صُمْ ثَلاثَةَ
أَيَّامٍ فِي الشَّهْرِ" وَأَلْحِمْ عِنْدَ الثَّالِثَةِ فَمَا كاد
حَتَّى قَالَ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَزِيدَنِي
قَالَ: "فَصُمُ الْحُرُمَ وَأَفْطِرْ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ
بْنُ مَنْصُورٍ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا سَعِيدُ بْنُ
إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيُّ نا أَبُو السَّلِيلِ عَنْ مُجِيبَةَ عَجُوزٌ
مِنْ بَاهِلَةَ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَنْ عَمِّهَا عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: أَلحم. مَعْنَاهُ وقَفَ عند الثالثة فلم يزده عليه يقالُ
أَلْحَمَ الرَّجُلُ بالمكان إذَا أقام بِهِ فلم يَبْرَحْ ولَحُم الرجلُ
إذَا صار ذا لحم. ولَحُمَ إذَا قُتِل فهو لحيمٌ. قال ساعدة بن جؤية
هذلي2:
فقَالُوا تركْنَا الحَيَّ قَدْ حَصَروا بِهِ ... فلا رَيْبَ أَنْ قد
كانَ ثَمَّ لحِيمُ
وأخبرني أبو محمد الكُرانِيّ نا البَيْرُوذِي3 نا المِنقَريّ عَنِ
الأصمعي قَالَ يُقال كانَتْ في بني فُلانٍ مَلْحَمةٌ أي مَقتَلةٌ.
والحُرُم التي أمرَ بِصيامها هي أربَعةُ أَشْهُرٍ ذو القَعْدة وَذُو
الحجَّة والمُحرَّمُ ثلاثَةٌ مُتَواليَةٌ والرابعُ فَرْدٌ وهو رَجَبٌ
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ} 4.
الآية. قيل لأَعرابيّ: كمِ الأَشهرُ الحُرُم قَالَ أربعةٌ ثَلاثَةٌ
سَرْدٌ وَواحدٌ فَرْدٌ. فأما
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده 5/28 وأبو داود في الصيام 2/323 بألفاظ متقاربة.
2 من ت والببيت في شرح أشعار الهذليين 3/1162.
3 م: "البروتي" والمثبت من باقي النسخ. وفي تبصير المنتبه 1/188
البيروذي.
4 سورة التوبة: 36.
(1/511)
قولُه: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ
الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 1. فهذه غَيْرُ تلكَ. وإنّما هي
أربعَةُ أشْهُرٍ أوَّلُها عشُرون يومًا من شهر ذي الحّجة والشَهرُ
المُحرَّم وشَهر صَفَر وشَهْر ربيع الأوّل حرَّم الله فيها قِتالَ
المُشْركين فَقَالَ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} 2
وذلك عَامَ حجَّ أبو بَكْر رضي الله عَنْهُ3 ثُمَّ انقضَتْ حُرمَتُها.
فأمّا الأَشْهُر الحُرُم الّتي أُمِرَ بِصيامها فحرمَتُها باقيةٌ
مُتأبِّدةٌ.
__________
1 سورة التوبة: 5.
2 سورة التوبة: 2.
3 في جميع النسخ "عام حج رسول الله" خطأ والصواب من هامش م وتفسير
الطبري وابن كثير والبغوي والخازن.
(1/512)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: "صُمْ يَوْمًا وَلَكَ عَشَرَةُ
أَيَّامٍ" قَالَ: زِدْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ بِي قُوَّةً
قَالَ: "صُمْ يَوْمَيْنِ وَلَكَ تِسْعَةُ 1 أَيَّامٍ". قَالَ زِدْنِي
فَإِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: "صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَكَ
ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ" 2.
هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
عَنْ أَبِيهِ قَالَ فَحَدَّثْتُ بِهِ مُطَرِّفًا فَقَالَ أُرَاهُ
يُزَادُ فِي الْعَمَلِ وَيُنْقَصُ مِنَ الأَجْرِ.
وتفسيره ما ذهب إِلَيْهِ أحمدُ بنُ حنبل ذكره الأَثْرَمُ عَنْهُ غيْر
أَنَّهُ قَالَ في حديثه: "صم يوما ولك عشرة" و "صم يومًا ولك تِسْعَةٌ"
قَالَ: "وصُمْ يومًا ولك ثمانية". قَالَ: ووجْهُه أن يُزادَ العَدَدُ
الثاني عَلَى العَدَدِ الأوَّل فيُقال صُمْ يومًا وعقَد بيده واحدًا
ولك عَشَرة وعقَد أحَد عَشَر ثُمَّ قَالَ: صم يوما وعقد بيده
__________
1 ح: "سبعة".
2 أخرجه النسائي في الصيام 4/213.
(1/512)
اثني عَشَر ولك تسعة فذلك أَحَدٌ1 وعِشرون.
ثُمَّ قَالَ: صم يومًا فذلك اثنان وعشرُون ولك ثمانية فذلك ثلاثون من
كُلّ شهرٍ ثلاثة أيام.
وعلى رواية عفّان فتكون ثلاثةً وثلاثين لكل يوم عشرة أيام. وذلك تأويلُ
قولِه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} 2.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يَرْوِيهِ شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ
فَيَّاضٍ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ3 قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ
الصَّوْمِ فَقَالَ: "صُمْ يَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلَكَ أَجْرُ مَا
بَقِيَ". قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: قَالَ:
"صُمْ يَوْمَيْنِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ". قُلْتُ
إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ
مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلَكَ أَجْرُ مَا بَقِيَ" 4.
فإنّه يريدُ في الحديث الأوّل5 أجرَ ما بقي من العَشْر. وفي الثاني
أجرَ ما بقي من العِشْرين. وفي الثالث أجْرَ ما بَقِي من الشَّهْر. ولا
يجوز أن ينقص من الأَجْر إذَا زاد في العمل
فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الأنْصَارِيِّ حَدَّثَنَاهُ ابْنُ
السَّمَّاكِ نا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ أنا عَبْدُ الْوَهَّابِ
بْنُ عَطَاءٍ نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا
سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ مَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ وَيُفْطِرُ يوما
قال: "ويطيق ذلك
__________
1 م, ط, ح: "واحد".
2 سورة الأنعام: 160.
3 من ح.
4 أخرجه مسلم في الصيام 2/817 والنسائي في الصيام أيضا 4/212, 217.
5 م, ط, ح: "فإنه يريد الأول".
(1/513)
أَحَدٌ" قَالَ: فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ
يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا قَالَ: "ذَلِكَ صَوْمُ دَاوُدَ". قَالَ:
فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمَيْنِ قَالَ:
"وَدِدْتُ أَنِّي طُوِّقْتُ ذَلِكَ" 1.
فوَجْهُه أن يكون ذَلِكَ إنّما هُوَ لحقِّ غيره لا لِعَجْز نفْسه.
ونُرَى والله أعلم أَنَّ المانعَ لَهُ من أن يُطِيقَه ما كَانَ
يَلْزَمُه من حُقوق النِّساء لأنَّ الصَوْمَ يخِلُّ بحقوقهنّ. وقد
كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُواصِلُ بين الأَيَّام
ويقول: "إنّي أبيت يطعمني رَبِّي ويَسْقِيني" 2.
وقال: "لو مُدَّ لنا الشَّهْرُ لوَاصَلْتُ وِصَالًا يدَعُ
المُتعمّقُونَ تَعمُّقَهُم" 3.
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
الدَّقِيقِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: كان رسول الله يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَقُولَ لا
يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ مِنْهُ
شيئا4.
__________
1 بأخرجه مسلم في الصيام 2/818 وأبو داود في الصيام أيضا 2/321
وغيرهما.
2 أخرجه البخاري في التمني 9/106 من حديث أبي هريرة.
3 أخرجه البخاري في التمني 9/106 من حديث أنس ومسلم في الصيام 2/775
بلفظ: "لو تماد لي الشهر".
4 أخرجه البخاري في التهجد 2/65.
(1/514)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ
خَارِجَة الأَشْعَرِيَّ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ حَجَّةً
قَالَ وَكُنْتُ بَيْنَ جِرَانَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَهِيَ
تَقْصَعُ بِجِرَّتِهَا وَلُغَامُهَا يَسِيلُ بَيْنَ كَتِفَيَّ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ
بْنُ مَنْصُورٍ نا هشيم نا
__________
1 أخرجه ابن ماجه في الوصايا 2/905 والترمذي في الوصايا أيضا 4/434
بلفظ: "لعابها" بدل "لغامها" والنسائي مختصرا في 6/247 وأحمد في 4/186,
238.
(1/514)
طَلْحَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى
بَاهِلَةَ نا قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
خَارِجَةَ. وَرَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ فَأَدْخَلَ بَيْنَ شَهْرِ
بْنِ حَوْشَبٍ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنَ غَنْمٍ.
الجِرانُ مُقدَّمُ العنُق من لَدُنْ لَحْيِ1 البَعِير إلى لَبَّته.
واللَّغَامُ اللُّعابُ. ويقال: الزَّبَدُ وأخبرني الْكَرَّانِيُّ نا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ نا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى المِنْقري نا
الأصمعيّ قَالَ قَالَ أبو عَمْرو بْن العَلاءَ يُقالُ للزبد الأغام
وللعاب الدبة اللُّغامُ. وقال ابنُ الأعرابي اللُّغامُ الزَّبَدُ
وإنّما سُمِّي لُغامًا لأنّه يصير عَلَى المَلاغم وهو ما حَوْل الفمِ
وقال أبو حِيَّة النميْري:
ولَكِنْ لعَمْرُو الله ما طَلّ مُسْلِمًا ... كَغُرِّ الثَّنايا
واضِحاتِ الملاغِم2
يريدُ العَوارضَ.
وأخبرني أبو عُمَرَ أنا أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ عَنِ ابن الأعرابي
قَالَ سَألتُ أبا المكارم عَنْ قَومٍ فقلتُ ما فَعَلُوا سَارُوا أو لم
يَسِيروا فَقَالَ تَلَغَّمُوا بيَوْم الخَمِيس أي قَالُوا: يوم الخميس.
قَالَ أبو عُمر: ويُقال تلغّمْتُ بالطِّيب أي تغلّفْتُ بِهِ.
ومن هذا حديثُه الآخرُ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْمُحَارِبِيُّ نا
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ
نا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ إِهْلالِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
__________
1 كذا في س, م وفي ت: "لحيي".
2 اللسان والتاج "طلل" وشعر أبي حية النميري /88.
(1/515)
فَقَالَ: إِنَّا أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ فَقَالَ: قَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: ابْنُ عُمَرَ إِنَّ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يتوَلَّجُ عَلَى النساء وهن مكشفات1 الرؤوس
وَأَنَا تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ يُصِيبُنِي لُغَامُهَا
أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ2.
قَولُه: يتَولَّجُ عَلَى النِّساء يُريدُ أنّه لِصغَره يدخل عليهنّ فلا
يحتجبن منه.
__________
1 ت: "منكشفات".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى في الحج 5/9 بلفظ: "يمسني لعابها" بدل
"يصيبني لغابها".
(1/516)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَا
خَالَطَتِ الصَّدَقَةُ مَالا قَطُّ إِلا أَهْلَكَتْهُ" 1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ
مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَفْوَانَ
الْجُمَحِيُّ نا هِشَامُ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.
فيه قولان: أحَدُهما أن يكون هذا تحذيرًا لِوُلاة الصَّدقَة أن
يَخْلِطُوا أمْوالَهُم بها أو يرتفقُوا بشيء منها.
والقَولُ الآخرُ: أن يكون معناه الأمْرَ بتَعْجِيل الزكاة وإخراجِها
عند محلِّها. يَقُولُ إذَا فرَّط في ذَلِكَ وترك الصَّدقَة مُخْتَلطةً
بماله هَلكَ مالُه وإلى هذا ذهب الحميدي.
__________
1 أخرجه الحُميْدي 1/115.
(1/516)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ
نُفَيْلٍ الْكِنْدِيَّ قَالَ: بَيْنَا أَنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ إِذْ
أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَذَالَ النَّاسُ الخيل
ووضعوا السلاح1.
__________
1 أخرجه النسائي 6/214.
(1/516)
يَرْوِيهِ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَاصِمٍ
عن هانىء بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ الْكِنْدِيِّ.
قَولُه: أَذالُوا الخَيْل أي وضَعُوا الأداة عنها وَأَرْسَلُوها.
والأَصْلُ في الإِذالة الإِهانَةً لها وسُوءُ القيام عليها والمُذَالُ
المُهَانُ. قَالَ الأَعشَى:
أَأَذَلْتَ نَفْسَك بَعْدَ تَكْرِمَةٍ لها ... أَمْ كُنْتَ ذَا عَوَزٍ
ومُنْتَظِرًا غدَا1
ونحو هذا حَدِيثهُ الآخرُ أنّهُم قَالُوا: يا رَسُول الله قَدْ
أَبْهُوا2 الخَيْل وقد فسرَه أبو عُبَيْدٍ في كتابه3.
__________
1- الديوان /227 ط والنموذجية. برواية: "أذللت نفسك".
2- كذا في م والفائق في النهاية "بها".
وفي ت: "أبهموا" وفي الفائق "بها" 1/137 إبهاء الخيل: تعرية ظهورها عند
ترك الغزو من قولهم: أبهى البيت إذا تركه غير مسكون وأبهى الإناء إذا
فرغه.
3- 3/114.
(1/517)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ
صَامَ الدَّهْرَ: "لا صَامَ وَلا آلَ" 1.
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ سَالِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ نا جَرِيرٌ عَنْ لَيْثِ
بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ
يَزِيدَ.
قَالَ ابنُ فِراس: آلَ عَلَى وزن عالَ قَالَ وقال إسحاق بْن راهويه
قَالَ جريرٌ معناه لا رَجَعَ والصَّوابُ أَلَّى عَلَى وَزْن عَلَّى
مُشدَّدة أوْ أَلا عَلَى وَزْن عَلا مُخفّفَة من ألَوْتُ آلو.
__________
1 أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده لوحة 262-ب.
(1/517)
وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ
أَبَانٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ:
أَنّ النبي كَانَ يَأْكُلُ طَعَامًا فَدَعَا رَجُلًا فَقِيلَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَصُومُ الدَّهْرَ فَقَالَ: "مَا صَامَ وَلا
أَلَّى" يُرَدِّدُهَا ثَلاثًا هَكَذَا قَالَ أَلَّى مُشَدَّدَة قَالَ
الأصْمَعِيُّ أَلا الرَّجُلُ وأَلَّى لُغَتان مُخفّفٌ ومُشَدَّد وذلك
إذَا قصَّر وترك الجهد وأنشد للعجاج:
أو عظة إن نفسُ حُرٍّ بَلَّتِ ... أَوْ أَدْرَكَتْ بالجَهْد ما قَدْ
أَلَّت1
وقد يكون أَلَّى بمعْنى أَبْطأَ. أنشدني أبو عُمَر2 أنشدنا أبو العباس
ثَعْلب عن ابن الأعرابي:
جاءَتْ بِهِ مُرمَّدًا مَامُلًّا ... ما نِيَّ آل خَمَّ ثُمَّ أَلَّى3
يصف خُبْزَ مَلّة.
وقال أبُو عَمْرٍو4: سَألني القاسِمُ بنُ مَعْنٍ عَنْ بَيْت الرُّبَيْع
بْن ضَبُع الفزاريّ:
وإنّ كَنائني لَنِساءُ صِدْقٍ ... وما ألَّى بَنِيَّ ولا أساؤوا5
فقُلتُ: أَبْطَؤوا. فَقَالَ: ما تَدعُ شيئا.
__________
1 الديوان /276.
2 ساقط من ت.
3 كذا في جميع النسخ وفي اللسان "ملل" برواية: "مافي آل خم حين ألى"
تحريف. وفي ألو جاء كرواية النسخ وجاء في الشرح: يصف صرصا خبزته
امكرأته فلم تنضجه فقال: جاءت به مرمدا أي ملوثا بالرماد. مامل: أي لم
يمل في الجمر والرماد الحار. وقوله ماني: قال: مازائدة كأنه قال: ني
الآل والآل: وجهه يعني وجه القرص. وقوله: خم أي تغير حين ألى: أي أبطأ
في النضج.
4 م: أبو عمر.
5 مقاييس اللغة "ألا" دون عزو 1/128 برواية: "فما آلى" بمد الهمزة.
والبيت في اللسان والتاج "ألا" والخزانة 3/306 وانظر أعلام الزركلي
3/39.
(1/518)
وهذا كالحديث الآخر أَنَّهُ سُئِلَ عمّنْ
صامَ الدَّهْرَ فَقَالَ: "لا صامَ ولا أَفْطرَ" 1.
وأخبرني الحَسَن2 بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا إِسْحَاقُ بن إبراهيم نا
أَبو داود المَصَاحفيّ قَالَ: قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيل.
قوله: "لا صَامَ ولا أَفْطَر" دُعاءٌ عَلَيْهِ ولو أراد الإِخْبَار
لقال لم يَصْم ولم يُفْطر. وقال أبو سُليمان وقد يجوز أن يكون معناه
الإِخبار كقوله تَعَالَى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} 3. قَالَ
أُميَّةُ بنُ أَبِي الصَّلت:
إِن تَغْفِر اللَّهُمَّ تَغفِرْ جَمَّا ... وأَيُّ عَبْدٍ لك لا
أَلمَّا4
وقال آخَرُ:
زَنَّا عَلَى أبيهِ ثم قتله ... فأي فعل سيىء لا فَعَلَهْ5
وصِيام الدهر المنهيّ عَنْهُ أَن يَسْرُدَ الصَوْمَ فلا يُفْطر
الأَيّامَ الخمْسَة المنهيّ عَنْ صَيامها. وهي العِيدان وأيّام
التَّشْريق. فأمّا مَنْ أفْطَرَها وصامَ ما عَداها من أَيَّام الدّهر
فليس بصيام الدهر المنهي عنه.
__________
1 أخرجه مسلم 2/819 والترمذي 3/138 والنسائي 4/206 وأبو داود 2/321
وغيرهم.
2 ط: "الحسين بن عبد الرحيم".
3 سورة القيامة: 31.
4 اللسان والتاج "لمم" وشعراء النصرانية 2/325.
5 اللسان والتاج "زنا":
لا هم إن الحارث بن جبله ... زَنَّا عَلَى أبيهِ ثُمَّ قَتلَهْ
وزنا عليه: ضيق وأصله: زنا وترك الهمزة للضرورة. وجاء الرجز ومعه ثلاثة
أبيات أخرى في مادة "زنا" من اللسان وعزي للعفيف الْعَبْدِيِّ.
(1/519)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ
لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَيَّ فِي مَالِي شَيْءٌ إِذَا
أَدَّيْتُ زَكَاتَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: "فَأَيْنَ
مَا تَحَاوَتْ عَلَيْكَ الْفُضُولُ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ نا إِسْحَاقُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ نا حَرْمَلَةُ نا ابْنُ وَهْبٍ أنا عَمْرٌو عَنْ
صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ.
قولُه: تَحاوَت وَزْنُه تفاعلت من حَويْتُ الشيء إذَا جَمعْتَه.
يَقُولُ: إذَا أدَّيْتَ الزَّكاةَ المَفْرُوضة فلا تَدعْ أن تُواسِيَ
من فضْل مالِك وإن لم يكن فرضا عليك.
__________
1 الفائق 1/328 وفيه: الفضول: جمع فضل: وهو ما فضل من المال عن حوائجه.
والنهاية 1/466.
(1/520)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
"الْخَيْلُ ثَلاثَةٌ رَجُلٌ ارْتَبَطَ فَرَسًا عُدَّةً فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَإِنَّ عَلَفَهُ وَرَوْثَه وَأَثَرَهُ وَمَسْحًا عَنْهُ 1
وَعَارِيَّتَه فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرَجُلٌ ارْتَبَطَ
فَرَسًا لِيُغَالِقَ عَلَيْهَا أَوْ يُرَاهِنَ عَلَيْهَا فَإِنَّ
عَلَفَهُ وَرَوْثَهُ وَمَسْحًا عَنْهُ 2 وِزْرٌ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَرَجُلٌ ارْتَبَطَ فَرَسًا لِيَسْتَنْبِطَهَا وَفِي
رِوَايَةٍ أُخْرَى لِيَسْتَبْطِنَهَا فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ مِنَ
الْفَقْرِ" 3.
مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرُّبَيْعِ عَنْ
سَعْدِ4 بْنِ إِيَاسٍ وَهُوَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ عَنْ
رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
__________
1 م: عمرو بن صفوان بن سليم والمثبت من س, ت, ح, ط.
2 ط: "عليه".
3 أخرجه أحمد 4/69, 5/381 من طريق زائدة عن الركنين بالإسناد بنحوه.
وانظر مجمع الزوائد 5/260.
4 س, م: سعيد. والمثبت من هامش م. وفي التقريب 1/286: سعد بن إياس: أبو
عمرو الشيباني مات 95 أو 96هـ.
(1/520)
قولُه: لِيغالق عليها مَعْناهُ لِيُراهن
عليها وأَصْلُه المُغالقَة في المَيْسِر. والمغلق السهم في سِهام
المَيْسِر. قَالَ ابنُ قَمِيئَة:
بأيديهُم مَقْرومةٌ ومغالقُ ... يعُود بأرزاق العِيال مَنِيحُهَا1
وإنما كُرِه الرِّهانُ في الخَيْل إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى مذهب أهل
الجاهليّة وهو أن يتسابَق الرِّجُلان بفرسَيْهما من غير محلّلٍ معهما
فيتواضَعا بينهما جُعْلًا يستَحقّه السّابقُ منهما وذلك من أكل المال
بالباطل فأمّا إذَا تَراهَنا عَلَى الوجه الَّذِي أطلقَتْه الشَّريعة
فَما تواضَعاهُ بينهما من جُعْلٍ فهو طِلقٌ حَلالٌ لقوله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا سَبْقَ إلّا في ثلاثٍ نَصْلٍ أَوْ
حافرٍ أو خُفٍّ" 2.
والسَّبَقُ بفَتْح الباءِ ما يُجْعَلُ للسابق من الجَعْل.
وقوله: ليَسْتَنْبِطَها معْناه يتّخذُها لنَسْلها ونِتاجها والأَصْلُ
في الاستنباط إِخْراجُ الماء3. والنَّبَطُ الماءُ يُقال للرجل إذَا حفر
فانتهى إلى الماء قد أنْبَط واسْتَنْبَط وسُمّي النبَطُ نَبطًا
لاسْتخراجهم المياهَ وعمارتهم الأَرَضِين ثُمَّ قِيلَ في كُلّ ما
يستَخْرِجُهُ الإنسانُ من مكنون سِرٍّ أو غامِض علمٍ قد استَنْبطَه.
وأمّا الاسْتِبْطان فهو طَلبُ النِّتاج الَّذِي تَشْتمل عليه بطونها.
__________
1 الديوان /30. والمقرومة: المعلمة بحز أو عض. والمغالق: قداح الميسر.
والمنيح: القدح المستعار.
2 أخرجخ أبو داود 3/29 والترمذي 4/205 والنسائي 6/226 وغيرهم.
3 م, ح: "استخراج".
(1/521)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
"الْخَيْلُ ثَلاثَةٌ أَجْرٌ وَسِتْرٌ وَوِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي لَهُ
الأَجْرُ فَرَجُلٌ حَبَسَ خَيْلًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَا سَنَّتْ
لَهُ شَرَفًا 1 إِلا كَانَ لَهُ أَجْرٌ وَرَجُلٌ اسْتَعَفَّ بِهَا
وَرَكِبَهَا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِيهَا فَذَلِكَ الَّذِي لَهُ
سِتْرٌ وَرَجُلٌ حَبَسَ خَيْلًا فَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ
الإسْلامِ فَذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْوِزْرُ" 2.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أنا الصَّائِغُ نا سَعِيدُ
نا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا عُمَرُ بْنُ
حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ نا عَبْدُ الْحَمِيدِ
بْنُ بَهْرَامٍ نا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ بِنْتُ
يَزِيدَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ فَمَنْ رَبَطَهَا عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْفَقَ
عَلَيْهَا احْتِسَابًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ شِبَعَهَا
وجُوعَهَا ورِيَّهَا وَظَمَأَهَا وَأَرْوَاثَهَا وَأَبْوَالَهَا فَلاحٌ
فِي مَوَازِينِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".3
قوله: "حَبَس خَيْلًا" اللُغَةُ العالية أَنْ يقالَ أَحْبسَ بالأَلِف.
وقَولُه: سَنَّتْ شَرفًا أي عَدَت طَلَقًا. يُقال: سنَّ الفرَسُ إذَا
لجَّ في عَدْوه مُقبلًا وَمُدْبِرًا والشَّرَف من الأرض ما أشرف لك
يقال أشرف لي شرف فَما زلت أَرْكُضُ حتّى عَلَوته4 والنِّوَاءُ
مَصْدَرُ المُناوَأة وهي المُباهاةُ والمُبَارَاةُ قَالَ ابن السكيت:
يقال ناوأتُ الرجلَ مناوَأةً ونِواءً إذَا عاديتَه وأصلُه أنّه ناء
إليك ونُؤتَ إِلَيْهِ أي نهض إليك ونهضت إليه4. قال الشاعر:
__________
1 ت, م, ح: "فما سنت شرفا".
2 لم أجده بهذا السياق وأخرجه البخاري بنحوه 4/35, 252, 6/117 ومسلم
2/681 وابن ماجه 2/932 وأحمد 2/262, 383.
3 أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/445.
4 من م, ت.
(1/522)
بَلَّتْ يَداه في النِّواء بِفَارسٍ ... لا
طائِشٍ رَعِشٍ ولا وقَّاف1
وأرَادَ بِالفَلاح الأَجْرَ والمَثُوبَة. وأَصْلُ الفلاح البقاءُ وهو
الفَلَحُ أيضًا. قَالَ الأعشى:
ولِئنْ كُنَّا كقَومٍ هلكُوا ... ما لَحيٍّ يا لَقَوْمٍ من فَلَحْ2
أي من بقاءٍ.
__________
1 في المقاييس 1/189 برواية: "بلت عرينة في اللقاء بفارس" من غير عزو.
2 الديوان /38. واللسان "فلح".
(1/523)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ رَكِبَ فَرَسًا
لَهُ أُنْثَى فَمَرَّتْ بِشَجَرَةٍ فَطَارَ مِنْهَا طَائِرٌ فَحَادَتْ
فَنَدَرَ عَنْهَا عَلَى أَرْضٍ غَلِيظَةٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُغَفِّلٍ: فَأَتَيْنَاهُ نَسْعَى فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَعُرْضُ
رُكْبَتَيْهِ وَحَرْقَفَتَيْهِ وَمَنْكِبَيْهِ وَعُرْضُ وَجْهِهِ
مُنْسَحٍ يَبِضُّ مَاءً أَصْفَرَ1.
مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ
عُيَيْنَةَ2 بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَوْشَنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ.
قَالَ الأصمِعِيّ: الحَرقفَتَان مُجْتَمعُ رأسِ الفَخِذ ورأسِ الوَرِك
حيث يلتقيان من ظاهرٍ. ويُقال للمَرِيض إذَا طالَت ضجْعَتُه قد دَبِرتْ
حَراقفُه قَالَ وهي الحَراكِلُ أَيضًا واحدَتُها حَرْكَلَةُ.
وقولهُ: مُنْسَح أي مُنْقَشِرٌ وَكُلُّ جِلْدٍ رقيقٍ سِحاءٌ. وقوله:
يَبضٌ معناه يَنْدَى ويَقْطُر. يُقال بضَّ يَبِضَّ إذَا قطر. وقال حميد
بن ثور:
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 5/264 وعزاه للطبراني.
2 ح: عتبة بن عبد الرحمن "تحريف".
وفي التقريب 2/103 عن عيينة بتحتانيتين مصغرا ابن عبد الرحمن بن جوشن
"بجيم ومعجمة مفتوحتين بينهما واو ساكنة" الغطفاني بفتح المعجمة
والمهملة ثم فاء صدوق مات في حدود 257 هـ.
(1/523)
مُنعَّمةٌ لو يَدْرُجُ الذَّرُّ ساريًا ...
عَلَى جِلْدها بَضَّتْ مَدارجُها دَمَا1
__________
1 الديوان /17 برواية: "منعمة لو يصبح الذر ساريا".
(1/524)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ
مُضَرٍ فَقَالَ: "كِنَانَةُ جَوْهَرُهَا وَأَسَدٌ لِسَانُهَا
الْعَرَبِيُّ وَقَيْسٌ فُرْسَانُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ وَهُمْ
أَصْحَابُ الْمَلاحِمِ وَتَمِيمٌ بُرْثُمَتُهَا وَجُرْثُمَتُهَا" 1.
أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ
الْكُرَانِيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْقَطْرَانِيُّ نا هَاشِمُ
بْنُ الْقَاسِمِ الْحَرَّانِيُّ نا يَعْلَى الأَشْدَقُ2 عَنْ عَمِّهِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ.
قوله: "بُرثُمتُها" إنّما هي البُرْثُنة بالنون إحدى البَراثن وهي
المَخالِبُ. يُريد شَوْكَتَها وقُوَّتَها. قَالَ حَسّان بْن ثابتٍ:
قد ثَكِلَتْ أمُّه مَنْ كُنْتَ واحِدَه ... وكان مُنْتَشِبًا في بُرثُن
الأسَدِ3
وقدْ تتعاقَبُ المِيمُ وَالنُونُ في مواضع. والجُرثُمَة الجُرثُومَة
وهي أصْل الشَّيء ومُجْتَمَعُه وقد يَجوزُ أن يكون إنّما أبدل النُونَ
في البرثُنِ مِيمًا ليَزْدَوِجَ الكلامُ وزنًا وهجاءً كما قالُوا:
إنَّه ليَأْتِينا بالغَدايا والعَشايا وقد تُوضَعُ النونّ مُقابلَة
المِيم في القَوافِي كقوله:
يا رُبَّ جَعْدٍ فيهم لَوْ تَدْرِين ... يَضْربُ ضَرْبَ السَّبطِ
المقاديم4
__________
1 وذكره الهيثمي في مجمعه 10/42 من حديث أبي الدرداء " ... إذا حاربت
فحارب بقيس ألا إن وجوهها كنانة ولسانها أسد وفرسانها قيس يا أبا
الدرداء: إن لله فرسانا في سمائه يحارب بهم أعداءه وهم الملائكة وله
فرسان في أرضه يحارب بهم أعدائه وهم قيس". وقال: رواه البزار.
2 ت: "يعلى بن الأشدق".
3 الديوان /160.
4 اللسان والتاج "جعد".
(1/524)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يَا
أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْعَوَازِمِ أَوْ بِالْقَوَارِيرِ"
1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا صَالِحُ
بْنُ أَصْبَغَ الْمَنْبِجِيُّ نا أَبُو حِفَاظٍ الْيُسَيْرُ بْنُ
مُوسَى الْمَنْبِجِيُّ نا عِيسَى بْنُ يونس عن سليمان التيمي عَنْ
أَنَسٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ العَوازِمُ المَسانُّ من الإبل.
قَالَ الأصمعي: العَوْزَم النّاقةُ التي قد أسنَّت وفيها بَقِيّة.
والضِّرزِمُ مثل العَوْزم. قَالَ وفيه لغة أخرى العَزُوم قَالَ الشاعر:
السِّنُّ من جلفزِيزٍ عَوْزَمٍ خَلَقٍ ... والعَقْل عَقْلُ فَتَاةٍ
تَمْرُثُ الوَدَعَهْ2
قَالَ الراعي:
بُويزِلُ عامٍ لا قَلُوصٌ مُمَلَّةٌ ... ولا عَوْزَمٌ في السّنّ فانٍ
شَبِيبها3
قال الأصمعي: والجعماء عن النوق المسنة. والدردج التي قد لصقت
__________
1 أخرجه البخاري 8/44, 55 ومسلم 4/1811 والدارمي 2/295 وأحمد 3/107,
117, 187, 227, 254 بلفظ: "القوارير" فقط وما بين المعقوفتين سقط من ح.
والفائق "عزم" 2/424 والنهاية "عزم" 3/233.
وجاء في النهاية: كنى بها الناقة عن النساء كما كنى عنهن بالقوارير
ويجوز أن أراد النوق بنفسها لضعفها.
2 اللسان والتاج "ودع, جلفز": أنشده الجوهري: "والحلم حلم صبي يمرث
الودعه".
قال الزبيدي: طكذا أنشده السهيلي في الروض والبيت لأبي داود الرواسي
والرواية:
السِّنُّ من جلفزِيزٍ عَوْزَمٍ خَلَقٍ ... والعقل عقل صبي يمرس الودعه
والجلفزيز العجوز التي أسنت وفيها بقية. ويمرث ويمرس: يمص.
3 ليس في شعر الراعي ط/ دمشق وهو في شعره ط بغداد /184 والأساس "ملل"
وجاء فيه: بعير ممل وناقة مملة: متعبان أكثر ركوبهما.
(1/525)
أسنانها من الكِبَر واللِّطْلِطُ مثلُها
والدَّلُوق التي قد تكسَّر أسنانُها فتمُجُّ الماءَ. والدِّلْقِمُ التي
ينكَسِر فُوها ويَسِيل مَرْغُها وهو اللعاب.
(1/526)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنْ
نَسَّانِي الشَّيْطَانُ شَيْئًا مِنْ صَلاتِي فَلْيُسَبِّحِ الْقَوْمُ
وَلْتُصَفِّقِ النِّسَاءُ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ نا حَمَّادٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ
قَالَ حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنَ طُفَاوَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ الْقَوْمُ مُرْسِلَةٌ إِذَا أُطْلِقَ لَقِيَ
الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا
يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} {وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} 2.
ومنه قول الشاعر:
وما أدرِي وسوف إخال أَدْرِي ... أقومٌ آلُ حِصْنٍ أم نِساءُ3
يريد: أَرِجالٌ أم نساء.
والقوم أيضًا جمع قَائِم: كالصَّومِ جَمعُ صَائِم والزَّورُ جَمْع
زائِر ويجمع القَائِم أيضًا عَلَى القَامَةِ كالقَائِد عَلَى القَادَة
وأنشدني أبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب عَنِ ابنِ الأَعرابي:
لمَّا رأيتُ أنه لاقامه ... وأَنَّنِي ساقٍ عَلَى السَّآمة
نَزَعْتُ نزعا زعزع الدعامة4
__________
1 أخرجه أبو داود 2/253 وأحمد في مسنده 2/541.
2 سورة الحجرات: 11.
3 اللسان والتاج "حصن" وعزي لزهير وهو في ديوانه /73.
4 اللسان والتاج "دعم" من غير عزو.
(1/526)
قَالَ: فقلت لابن الأعرابي كيف تُزَعزِع
الدَّعامةَ ولا قامةَ هُناك قَالَ: أراد أَنَّهُ لَيْسَ هناك قَومٌ
يَستَقُون.
(1/527)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ
اسْمُهُ حُبَابًا1 فسماه رسول الله عَبْدَ اللَّهِ. وَقَالَ: "إِنَّ
الْحُبَابَ اسْمُ شَيْطَانٍ" 2.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ الأصمعي: الحُبَاب
الحَيَّة وإنما قِيل الحُبَاب اسمُ شيطان لأنَّ الحَيَّة يقال لها
شَيْطان وأنشد:
تَعَمّج شَيْطان بذي خِرْوعٍ قَفْر3
وقال المبّرد: الحُبابُ حيَّة بعَيْنها وأنشد لعُمر بْن أَبِي ربيعة
يَصِفُ أنَّه زار عشيقتَه4:
ونَفَّضت عني العين أقبلت مشية ال ... حباب وركني خيفة القوم أزور
وأما قول الشاعر:
وفي البَقْل إن لم يدفع اللهُ شرَّه ... شياطين يَنْزُو بعضُهنَّ عَلَى
بعض5
فيقال: إنه أراد بالشياطين الحيّات. ويقال: بل هُوَ مَثَلٌ يريد أنَّ
الناسَ إذَا أخْصَبُوا بَطِرُوا فصارُوا شياطين وإنما كَرِه واللهُ
أعلم اسم الحية
__________
1 ح: "الحباب".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 11/40.
3 اللسان "عمج, خرع, شطن" من غير عزو وصدره:
تلاعب مثنى حضرمي كأنه
وهو في وصف زمام ناقة.
4 من م.
5 الديوان /96 برواية:
وخفض عني الصوت أقبلت مشية ال ... حباب وشخصي خشية الحي أزور
(1/527)
لخبثها وغائلتها وكان يغير الاسم القبيح
بالاسْمِ الحَسَن وقد غيّر عِدّة أسامٍ.
أخبرني ابنُ داسَة قَالَ قَالَ أبو داود غيَّر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسمَ العَاص وَعَزِيز وعتَلَة وشَيْطان
والحَكَم وغُرَاب وشهاب. وَسمَّى المضطجِع المُنْبِعثَ وسمَّى شِعبَ
الضّلالةِ شِعْبَ الهُدَى ومرّ بأرض تسمى عَثِرة فسمّاها خَضِرة1. وقال
غَيْر ابن داسة: عَفِرة وقال غير أَبِي دَاودَ غَدِره.
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ نا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا عَبْدَةُ بْنُ
سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَرَّ بِأَرْضٍ2
تُسَمَّى غَدِرَةً فَسَمَّاهَا خَضِرَةً3.
أَمَّا تَغْيِيرُهُ اسْمَ الْعَاصِ فَلِكَرَاهِيَةِ الْعِصْيَانِ
الَّذِي هُوَ مُنَافٍ لِصِفَةِ الْمُؤْمِنِ وَإِنَّمَا شِعَارُ
الْمُؤْمِنِ الطَّاعَةُ وَسِمَتُهُ الْعُبُودِيَّةُ. وَأَمَّا
تَغْيِيرُهُ اسْمَ الْعَزِيزِ فَلأَنَّ الْعِزَّ لا يَلِيقُ
بِالْعَبِيدِ إِنَّمَا يُوصَفُونَ بِالذُلِّ وَالْخُضُوعِ وَإِنَّمَا
هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْبَارِي. وَقَدْ قَالَ عِنْدَمَا يُقَرِّعُ بَعْضَ
أَعْدَائِهِ: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} 4.
وأمّا عتَلَةُ فإنما كَره والله أعلم بشاعةَ الاسْمِ وذلك أنّ معناها
الشدة والغلظة. يقال: عتَلْتُ الرجُلَ إذَا جَذبْتَه جَذْبًا عَنيفًا
ومنه قِيلَ رَجُلٌ عُتُلٌّ ومُعَتِّلٌ. قَالَ ذو الإِصْبَع
العَدْوانِيُّ:
__________
1 راجع سنن أبي داود 4/289.
2 هامش م: "برياض".
3 ذكره الهيثمي في مجمعه 8/51 وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في
الأوسط.
4 سورة الدخان: 49.
(1/528)
والدَّهْرُ يَغْذُو مُعَتِّلًا جَذَعًا1
أي شابًّا قويًّا.
وقد وَصَف اللهُ المُؤمِنين بلِين الجَانِب وخَفْضِ الجَناح فَقَالَ:
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً}
2. وقد قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المُسْلِمُون
هَيْنُون لَيْنُون كالجَمل الأَنِفِ" 3.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجدّ سعيد بْن المُسَيَّب: "ما
اسْمُك" قَالَ حَزْن قَالَ: "اسْمُكَ سَهْلٌ" 4.
وأمّا الشَيْطانُ فاسْمٌ لكُلّ مارِدٍ من الجنّ والإِنْس قَالَ الله
تَعَالَى: {شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ} 5.
ويُقال: سُمِّي شَيْطانًا لِبُعْده عَنِ الخَيْر. يُقال: نَوى شَطُون
أي بَعِيدةٌ وبِئرٌ شَطُون إذَا كانت بعيدةَ المَهْوَى وكذلك الأمْرُ
في اسْم الغُراب لأنّه فيما يُقالُ مأخُوذٌ من البُعْد والاغْتراب.
ويُقالُ: للرَجُل اغرُب عنّي أي ابعُد وغرَبت الشَمْسُ إذَا غابَتْ
فبَعُدَتْ عَنِ6 الأبْصار. واغترب الرجلُ إذَا بَعُدَ عَنْ أهْله عَلَى
أَنَّ الغُرابَ نفسَه كأخبَث الطَّيْر لوقُوعه عَلَى الجِيَف وبَحْثِه
عَنِ النَّجاسةِ وقد حرَّم رَسُولُ الله أكْلَه وأباح للمحرم قتله.
__________
1 شعراء النصرانية 2/629 برواية: "والدهر يغدو مصمما جذعا". وصدره:
"أهلكنا الليل والنهار معا".
2 سورة الفرقان: 63.
3 م, ح: "الأنف" ذكره السيوطي في الجامع الصغير 6/258 بلفظ المؤمنون
وقال: رواه ابن مبارك عن مكحولا مرسلا والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن
عمر.
4 أخرجه أبو داود في سننه 4/89.
5 سورة الأنعام: 112.
6 ت: "من الأبصار".
(1/529)
وأمّا الحَكَمُ فهو من أسماء الله وتأويله
الحاكِمُ الَّذِي لا مُعَقّبَ لحكمه وهذه الصِّفَةُ لا تَلِيقُ
بمخْلُوقٍ1.
وأمّا الشِّهابُ فالشُّعْلَة من النّار والنَّارُ عقُوبَةُ الله
لِلْكُفّار فكَرِه أن يتَسَّمى بها المُسْلُم.
وأمّا قَوله: عَثِرة فهي الأرضُ التي لا نبات فيها إنّما هي صَعِيدٌ قد
علاها العِثْيَرُ وهو الغُبارُ وكذلك العَفِرةُ مَأخوذٌ من عُفْرة
الأرض وهي لونها الأغبر. فوسمها بالخُضرة لأنّها إذَا اخْضرَّت تَغطَّى
تُرابُها وذَهَب غُبارُها. والغَدِرَةُ من الأرْض هي التي لا تَسمَحُ
بالنَّبات أو تُنبِتُ شَيئًا ثُمَّ تُسرعُ إليه الآفةُ فَيبِيدُ
ويَتْلف شُبِّهَت بالغَادِر الَّذِي يُخَيِّل قَوْلًا ولا يَفي
فِعْلًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: "أَنَّ بَيْنِ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنِينَ غَدَّارَةً
أَوْ خَدَّاعَةً يَكْثُرُ فِيهَا الْمَطَرُ وَيَقِلُّ النَّبَاتُ" 2.
فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ: أَنَّهُ نَهَى أَنْ نُسَمِّيَ الْعَبِيدَ3
يَسَارًا أَوْ رَبَاحًا.
حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ نا
يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الضَّبِّيُّ نا عَفَّانُ
نا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ الرُّكَيْنَ بْنَ الرَّبِيعِ
يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: نَهَانَا
رَسُولُ اللَّهِ أَنْ نُسَمِّيَ رَقِيقَنَا أَرْبَعَةَ أَسَامٍ
أَفْلَحَ وَرَبَاحًا وَيَسَارًا وَنَافِعًا4 فَقَدْ جَاءَ إِنَّمَا كره
ذلك للتطير.
__________
1 م: "المخلوق".
2 أخرجه ابن ماجه في الفتن 2/1339 وأحمد في مسنده 2/291 مختصرا وذكره
الهيثمي في مجمعه 7/330 بلفظ: "يكون أمام الدجال سنون خوادع ... ".
3 م: "يسمى العبد".
4 أخرجه مسلم 8/1685 وأبو داود 4/290 وابن ماجه 2/1229.
(1/530)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ
عَبْد الرزاق نا أبو داود نا النُّفَيْلِيُّ نا زُهَيْرٌ نا مَنْصُورُ
بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ رَبِيعِ بْنِ
عُمَيْلَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تُسَمِّيَنَّ غُلامَكَ
يَسَارًا وَلا رَبَاحًا وَلا نَجِيحًا وَلا أَفْلَحَ فَإِنَّكَ تَقُولُ
أَثَّمَ هُوَ فَيَقُولُ1: لا إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعٌ فَلا تَزِيدَنَّ
عَلَيَّ" 2. فَأَمَّا مَنْ سَلَكَ بِهِ مَذْهَبَ الْفَأْلِ وَقَصَدَ
فِيهِ الْيُمْنَ وَالتَّبَرُّكَ فَأَنَا3 أَرْجُو أَنْ لا يَكُونَ بِهِ
حَرَجًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ غُلامٌ
يُقَالُ: لَهُ رَبَاحٌ وَسَمَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ4 غُلامَهُ نَافِعًا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا ابْنُ
بِنْتِ مَنِيعٍ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ
عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ
عَنْ أبيه قال: كان للنبي غُلامٌ اسْمُهُ رَبَاحٌ5
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ الْكُرَانِيُّ
نا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَنْبَرِ نا الْحَسَنُ6 بْنُ
عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ نا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ نا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هَلْ
تَدْرِي لِمَ سَمَّيْتُ ابْنِي سَالِمًا قُلْتُ لا قَالَ: بِاسْمِ
سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ هَلْ تَدْرِي لِمَ سَمَّيْتُ ابْنِي
وَاقِدًا قُلْتُ: لا قَالَ بِاسْمِ واقد بن
__________
1 م: "فيقال".
2 أخرجه أبو داود 4/290 والترمذي 5/133.
3 م: "فإنا نرجو".
4 من م.
5 أخرجه أحمد في مسنده 4/64.
6 ت, ح: "الحسين بن علي الحلواني". وفي التقريب 1/168. الحسن بن علي بن
محمد الهذلي أبو علي الخلال الحلواني "بضم المهملة" نزيل مكة ثقة حافظ
له تصانيف مات 242هـ.
(1/531)
عَبْدِ اللَّهِ الْيَرْبُوعِيِّ هَلْ
تَدْرِي لِمَ سَمَّيْتُ ابْنِي عَبْدَ اللَّهِ قُلْتُ لا قَالَ:
بِاسْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ.
(1/532)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ لا
يُبَيِّتُ مَالًا وَلا يُقَيِّلُهُ: 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ نا أَبُو رِفَاعَةَ الْعَدَوِيُّ نا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ نا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
قَوْلُهُ: لا يُبَيِّتُ مَالًا معناه أنّ مَالَ الصَّدقةِ إذَا وافاه
مساءً لم يُمْسكْه عنده2 إلى الليْل لكنّه يفرِّقه في أهله وإذا جاءه
صَباحًا لم يُمْسِكْه إلى وَقْت القائلة وهي قَبَيْل الظُّهْر إلى أن
ينتَصِف النهارُ. والقَيْلُولَة النَّومُ في ذَلِكَ الوقت والقَيْلُ
الشُّربُ فيه.
أخبرني أبو عُمَر أنا أبو العبّاس ثعلب عَنِ الكوفيّين والمُبرّدُ عَنِ
البصريّين قَالُوا شُرْبُ الغَداة الصَّبُوحُ وفي نِصْف النهار
القَيْلُ وبالعَشِيّ الغَبُوقُ وبين المغرب والعَتَمة الفَحْمَةُ وفي
السَّحر الجاشِرِيَّة وكُلُّ شرابٍ شُرِبَ في أيِّ زمانٍ كَانَ فهو
الصَّفْحُ. يقال: أتاني فصَفَحْتُه أي سَقيْتُه وأتاني فأصْفحْتُه إذَا
حَرمْتَه وَردَدْتَه قَالَ الشاعر:
وندمَانٍ يَزِيدُ الكَأْسَ طِيبًا ... سقيْتُ الجاشِرِيَّةَ أوْ
سَقاني3
ومن هذا حدِيثُه في الدَّنانير السَبْعَة.
__________
1 أخرجه ابن الأعرابي في مجمعه لوحة 196- ب والفائق للزمخشري 1/142
والنهاية 4/133.
2 سقطت من هنا لوحة من مخطوطة م.
3 اللسان والتاج "جشر" من غير عزو. والجاشرية: الشرب يكون مع جشور
الصبح: أي طلوعه.
(1/532)
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ نا أَبُو الْوَلِيدِ
الطَّيَالِسِيُّ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَهُوَ سَاهِمُ
الْوَجْهِ فَخَشِيتُ ذَلِكَ مِنْ وَجَعٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله ما
لك سَاهِمُ الْوَجْهِ قَالَ: "مِنْ أَجْلِ الدَّنَانِيرِ السَّبْعَةِ
الَّتِي أَمْسَيْنَا وَلَمْ نُقَسِّمْهَا وَهِيَ فِي خُصْمِ أَوْ خضم
الفراش" 1.
والخصم الناحيةُ من الشيء والّزاوية منه.
__________
1 أخرجه أحمد 6/293, 314 برواية: "فحسبت" بدل "فخشيت".
(1/533)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أُتِيَ
بِبَدْرٍ فِيهِ خُضُرَاتٌ مِنَ الْبُقُولِ. 1
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا أَحْمَدُ بْنُ
صَالِحٍ نا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ.
قَالَ ابنُ وهْبٍ: يعني بالبَدْر الطَّبَق. قَالَ أبو سُليمان: وأُراهُ
سُمّي بَدْرًا لاستدارَتِه واتّساقِه ولذلك سُمِّي القَمرُ عنْد
اتِّساقِه بَدْرًا ومنه قِيلَ عَيْنٌ بَدْرَةٌ إذَا كانت وَاسِعةً
مُرْتَويةً. قَالَ امرؤُ القَيْس:
وَعَيْنٌ لها حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ ... شُقَّتْ مآقِيهِمَا من أُخُرْ2
والبَدْرَةُ مَسْكُ السَّخْلَة وبه سُمِّيَتْ بَدْرَةُ المال.
__________
1 أخرجه أبو داود في الأطعمة باب في أكل الثوم 3/360. وأخرجه البخاري
بنحوه في 1/205 وأحمد 3/360 والفائق "بدر" 1/87 برواية: "أتي بقدر فيه
خضروات من بقول".
2 في الديوان /166. وحدرة بدرة يعني مكتنزه صلبة ضخمة. وقوله: بدرة:
يعني تبدر النظر. والبيت في اللسان "بدر".
(1/533)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَيْسَ
للِنِّسَاءِ مِنْ بَاحَةِ الطَّرِيقِ شَيْءٌ وَلَكِنْ لَهُنَّ
حَجْرَتَا الطَّرِيقِ" 1.
مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْمُعَارِكِ بْنِ
عَبَّادٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
باحَةُ الطريق وسَطُها ومِثْلهُ باحَةُ الدَّار وهي عَرصَتُها. يُقال:
لقيتُ فلانًا في باحَة الدَّار وفي قاعة الدَّار وفي صَرْحَة الدَّار
وفي رَبِاعَة الدَّارِ إذَا رأيتَه فيما لَيْسَ فيه بناء من وَسَطِها
قَالَ الشَّاعر:
لنا بَاحَةٌ ضَبِسٌ نابُها ... يَهُون عَلَى حامِيَيْها الوَعِيد
وحَجْرتا الطريق جانباه وفي مَثَلٍ يَأكُلُ خَضْرَةً ويَنَامُ
حَجْرَةً2: أي يأكل من الروضَة ويربِضُ ناحيةً يُقالُ: ذَلِكَ لِلجَدْي
أو للحَمَل.
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مَالِكِ بْنِ
رَبِيعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِلنِّسَاءِ: "لَيْسَ لَكُنَّ
أَنْ تَحْقِقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ" 3.
__________
1 ذكره الحافظ في المطالب العالية 2/439 مختصرا وعزاه لأبي يعلى وابن
حبان في صحيحه بلفظ: "ليس للنساء وسط الطريق". وهو في الموارد /484.
2 اللسان "حجر" وجمهرة الأمثال 2/430 ومجمع الأمثال 2/415 والمستقصي
2/411 ويروى "يربض حجرة ويرتقي وسطا".
3 أخرجه أبو داود في الأدب 4/369.
(1/534)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ خَرَجَ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ إِذَا الناس
يرسمون نحوه1.
__________
1 أخرجه الحاكم 2/459 وأبو داود 3/76 وأحمد 3/420 بنحوه.
(1/534)
حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ مَالِكٍ نا الْحَسَنُ1 بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ السُّرِّيُّ ثنا
ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ2 حَدَّثَنِي مُجَمِّعٌ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ
عَمِّي مُجَمِّعَ بْنَ جَارِيَةَ يَذْكُرُهُ.
قوله: يرسُمُون معنَاه يُقْبلونَ في سُرعَةٍ. والرَّسِيمُ ضَرْبٌ من
السَّيْر يَخُدُّ في الأرض ويُؤثَّرُ فيها. والفعْل منه رسَمَ
يَرْسُمُ. قَالَ ذو الرُّمّة:
بمائرَة الضَّبْعَين مُعوجَّة النَّسَا ... يَشجُّ الحصَا تخْوِيدُها
ورسِيمُها3
وقال الفرزدق:
وما منهما إلا بَعَثْنا بِرأسِهِ ... إلى الشأم فوق الشاحجات الرواسم4
__________
1 ح: الحسين بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ السُّرِّيُّ.
2 س: ابن أبي إدريس "تحريف" والمثبت من ت, ط, ح. وفي التقريب 2/494
وابن أبي أويس إسماعيل. وفي التهذيب 10/48, 49 أن ممن روى عم مجمع
اسماعيل بن أبي أويس.
3 الديوان /644.
4 الديوان 2/855.
(1/535)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَيُّوبَ
فَقَالَ: "كَانَ إِذَا مَرَّ بِالرَّجُلَيْنِ يَتَزَاعَمَانِ
فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَيُكَفَّرُ عَنْهُمَا"
1.
يَرْوِيهِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ
عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ.
قولُه: يتَزاعَمان مَعْناهُ يتَداعيان شَيئًا فيَخْتلفان فيه فَيزْعُم
أَحَدهُما شيئًا والآخرُ شيئًا بخلافه ولا يكادُ يُقال الزعْمُ إلا في
خِلافٍ أو أمْرٍ غير
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 8/208. والحافظ في المطالب العالية 3/272
كلاهما بلفظ: "يتنازعان" في حديث طويل وعزاه لأبي يعلى والبزار.
(1/535)
مَوْثوق بِهِ ولذلك قِيلَ زَعَمُوا
مَطِيَّةُ الكَذِب. قَالَ الأصمعيّ: الزَّعُومُ من الغَنَم هي التي لا
يُدْرَى أَبِها شَحْمٌ أم لا ومنه قِيلَ في قوْل فُلانٍ مُزاعَمٌ وهو
الَّذِي لا يُوثَقُ به.
(1/536)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا
قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
نا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ نا حَمَّادٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي
صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
تأويلُ هذا عَلَى وَجْهَين: أحدهما أن يكون ذَلِكَ في أصْحاب الوَعِيد
ومن يَرَى رأْيَ الغُلاة منهم في الخُلُود عَلَى الكَبِيرة والإِياسِ
من عَفْوِ الله والقُنُوط من رحمته يَقُولُ فَمَنْ رأى هذا الرأيَ
كَانَ أَشدّ هَلاكًا وأعظم وِزْرًا ممَّن قارف الخطيئة ثُمَّ لم يأيَسْ
من الرّحمة.
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. أَخْبَرَنَا
ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ فَهْدٍ نا حَفصٌ نا
شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ. وَسَأَلَهُ رَجُلٌ
عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ} 2 أَهُوَ الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلَى الْكَتِيبَةِ وَهُمْ
أَلْفٌ وَالسَّيْفُ بِيَدِهِ قَالَ: لا وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يُصِيبُ
الذَّنْبَ فَيُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَيَقُولُ: لا
تَوْبَةَ لِي3.
والوَجْه الآخر أن يكون ذَلِكَ في الرَّجُل يُولَع بِذكر النّاس وإحصاء
عيوبِهِم وعَدِّ مساوئهم فهو لا يزال يَقُولُ: هَلَك النّاسُ وفسدَتْ
نيّاتهم
__________
1 أخرجه مسلم 4/2024 وأبو داود 4/296 ومالك 2/984 وأحمد 2/272, 342,
465, 517.
2 سورة البقرة: 195.
3 أخرجه الطبري في تفسيره 3/202, 203 من عدة طرق.
(1/536)
وقَلّت أَماناتُهم ويذهب بنفسه عُجْبًا
ويَرَى لها عَلَى الناس فَضَلًا يَقُولُ فهذا بما ينَالُه في ذَلِكَ من
الإثم أَشدُّهم هلاكًا وأعظمهم وزرا.
ومن هذا الحديث أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ
الصَّفَّارُ نا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ نا سَعِيدُ
بْنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ وَأَصْحَابُهُ
عِنْدَهُ فَجَاءَ الأَعْرَابُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ1
عَلَيْنَا حَرَجٌ فِي كَذَا أَشْيَاءَ لا بَأْسَ بِهَا فَقَالَ:
"عِبَادَ اللَّهِ رَفَعَ اللَّهُ الْحَرَجَ" أَوْ قَالَ: "وَضَعَ
اللَّهُ الْحَرَجَ إِلا امْرَأً اقْتَرَضَ امْرَأً مُسْلِمًا فَذَلِكَ
حَرِجَ وَهَلَكَ" 2.
قوله: اقْترض أي اغتابَه سبعه أي شتمه3.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ نا مُحَمَّدُ بن
إبراهيم بن سعيد البُوشَنْجِيّ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ قِيلَ
لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ مَا قَوْلُهُ: أَهْلَكُهُمْ قَالَ: أَفْسَلُهُمْ
وَأَدْنَاهُمْ.
__________
1 ط: "هل علينا حرج في أشياء لا بأس بها".
2 أخرجه أحمد في مسنده 4/278 بلفظ: "إلا امرأ اقتضى" مكان "اقترض".
وأخرجه أبو داود في المناسك 3/211 والبهقي في السنن الكبرى 5/146 بنحوه
بلفظ: "إلا رجل اقترض عرض رجل مسلم".
3 من ت, م.
(1/537)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ
لَهُ: إِنِّي لَقِيتُ أَبِي فِي الْمُشْرِكِينَ فَسَمِعْتُ مِنْهُ
مَقَالَةً قَبِيحَةً لَكَ فَمَا صَبَرْتُ أَنْ طَعَنْتُهُ بِالرُّمْحِ
فَقَتَلْتُهُ فَمَا سَوَّأَ ذَلِكَ عَلَيْهِ1.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا أَبُو
عَرُوبَةَ نا المسيب بن واضح
__________
1 ذكره ابن حجر في الإصابة 3/351 بنحوه وقال: أخرجه الحسن بن سفيان في
مسنده في الوحدان والبغوي في معجمه.
(1/537)
نا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنِ
سُفْيَانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ1 بْنِ سُمَيْعٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ
عُمَيْرٍ.
قَوْلُهُ: مَا سَوَّأَ ذَلِكَ2 عَلَيْهِ يُرِيدُ مَا عَابَهُ وَلا
قَالَ لَهُ: أَسَأْتَ وَهُوَ مَهمُوزٌ مِنَ السُّوءِ. وَمِنْهُ
قَولُهُ: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى} 3.
وَزْنُهُ فُعْلَى مِنَ السُّوءِ.
وَأَنْشَدَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ:
أنَّي جَزَوْا عامِرًا سُوآى بفعْلِهم ... أَم كَيْفَ يَجْزُونَني
السُّوآى مِنَ الْحَسَنِ
أَمْ كَيْف يَنْفَعُ مَا تُعْطِي العَلُوقُ بِهِ ... رِئْمانُ أَنْفٍ
إذَا مَا ضُنَّ بِاللَّبَنِ4
وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الآخَرِ. حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ مَالِكٍ نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى نا الْحُمَيْدِيُّ نا سُفْيَانُ
أَخْبَرَنِي أَبُو هَارُونَ الْمَدَنِيُّ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ لأَبِيهِ وَاللَّهِ لا
تَدْخُلُ الْمَدِينَةَ أَبَدًا حَتَّى تَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ
الأَعَزُّ وَأَنَا الأَذَلُّ. قَالَ: وَجَاءَ إلى رسول الله فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَ
أَبِي فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا تَأَمَّلْتُ وَجْهَهُ قَطُّ
هَيْبَةً لَهُ وَلَئِنْ شِئْتَ أَنْ آتِيَكَ بِرَأْسِهِ لآتِيَنَّكَ
بِهِ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أرى قاتل أبي5.
__________
1 م: "اسماعيل عن سميع" والمثبت من باقي النسخ.
2 من ت.
3 سورة الروم: 10.
4 اقتصر اللسان والتاج "علق" و "رأم" على البيت الثاني وعزي لأفنون
التغلبي.
5 أخرجه الحُميْدي 2/520.
(1/538)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لا
تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى شَرِيعَةٍ مَا لَمْ يَظهَرْ فِيهِمْ
ثَلاثٌ مَا لَمْ يقبض منهم العلم ويكثر فيها أوْلادُ الْخُبْثِ" أَوْ
قَالَ: "وَلَدُ الْحِنْثِ وَيَظْهَرْ فِيهِمُ السَّقَّارُونَ".
قَالُوا: وَمَا السَّقَّارُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: "نَشْءٌ
يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ تَحِيَّتُهُمْ إِذَا الْتَقَوُا
التَّلاعُنُ" 1.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ
زَبَّانِ بْنِ فَائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ
الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ.
قولُهُ: السَّقارون قد جاء من تفسيره في الحَديث عَنْ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كَفَى وأَقْنَعْ وذكره أبو
العباس ثَعْلَب عَنْ سَلَمةَ عن الفراء أنه قَالَ الصَّقَّارُ
اللَّعَّانُ لغَيْر المستحقين والصَّاد مَعَ القاف قد تُبْدَلُ سِينًا.
وأمّا أولادُ الحِنْث فهُمُ الذين وُلِدُوا لغيْر رِشدةٍ وأَصْلُ
الحِنْث الذَّنب العظيم. ومنه قِيلَ بلغ الغُلامُ الحِنْثَ أي صار إلى
حَدٍّ يَجْرِي عَلَيْهِ القَلَم ويُؤاخَذُ بالذنُّوب وذكر ابن لَنْكك
عَنْ بعض فُصحاء الأعراب وذكر اسْمَه إلا أنَّي نَسِيتُه قَالَ:
سألْتُه عَنِ الحِنْث فَقَالَ هُوَ العِدْلُ الثَّقِيل قَالَ: والأحناث
عندنا الأعدال الثقال فشبه الذنب العظيم بالعدل الثقيل والزنا كبيرة
فسميّ حِنْثًا. والنِّشءُ القَرْنُ الذين يَنشَؤون بعد قَرْنٍ مَضَى.
فأمّا النَّشَأُ فأحْدَاثُ الناس واحدهم ناشىء تقديره خَادِمٌ
وَخَدَمٌ. قَالَ نُصَيْبٌ:
وَلَوْلا أَنْ يُقالَ صَبَا نُصَيْبٌ ... لقلت بنفسي النشأ الصغار2
__________
1 أخرجه أحمد في 3/439 بلفظ: "الصعارون" بالصاد بدل "السقارون" وذكره
الهيثمي في مجمعه 1/202 وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير. وقال أبو
موسى الأصفهاني: المحفوظ نشء "بسكون الشين" كأنه تسمية بالمصدر.
2 الديوان /88.
(1/539)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى
قَبْرِ مَنْبُوذٍ فصلى عليه1.
__________
1 أخرجه البخاري 1/206. 2/107 والنسائي 4/85.
(1/539)
وهذا يُروَى عَلَى وجْهَيْن أحدهُما أن
يُجْعَلَ المَنْبوذُ نعْتًا للقَبْر ومعناه عَلَى هذه الرواية أنّه
قَبرٌ مُنتَبذٌ عَنِ القُبور ولذلك استجازَ الصّلاة عَلَيْهِ مَعَ
نهْيِه عَنِ الصَّلاة في المقابر وذلك أن أرضها إذا قلبت ونبشت تنجست
لِمَا يُخالِطها من رِمَّةِ العِظام فلم تَجُز الصّلاة فيها.
والوجْه الآخَر أن تكون الرِّوايةُ عَلَى الإضافة للقَبْر إلى المنبوذ
ومعناه أنّه مرّ بقَبْرِ لقيطٍ فصلّى عَلَيْهِ والمَنبوذُ المَلقُوطُ
وهو المزكوم أيضًا يُقال زَكَمَتْ بِهِ أُمُّه وهو زُكْمَةُ فُلانٍ
أنشدني أبو عُمَر عن أبي العباس ثعْلب:
زُكْمَةُ عمّارٍ بَنُو عمَّارِ ... مثل الحراقيص على الحمار1
__________
1 اللسان والتاج "حرقص, زكم" ولم يعز.
(1/540)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أُتِيَ
بِطَعَامٍ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَقَالَ لأبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَيْ
كُلا فَقَالا إِنَّا صَائِمَانِ فَقَالَ: "ارْحَلُوا بِصَاحِبَيْكُمْ
اعْمَلُوا لِصَاحِبَيْكُمْ" 1.
يَرْوِيهِ أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ2 عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
عَنِ الأوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّائِمَ فِي السَّفَرِ يَضْعُفُ عَنْ مُزَاوَلَةِ
شَأْنِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى الاسْتِعَانَةِ بِأَصْحَابِهِ فيقول فلا
تفعلا ذَلِكَ فإنّه يُفْضِي بكما إلى أن تَقُولا مثلَ هذا القول.
__________
1 ح, س: "ارحلوا لصاحبيكم" وأخرجه النسائي في الصيام 4/177 وأحمد في
مسنده 2/336.
2 التقريب 2/419: أبو داود الحفري اسمه عمرو بن سعد.
(1/540)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: كُنْتُ بِالْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فيهم
رسول الله فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: "مَا
تُسَمُّونَ هَذِهِ" قَالُوا السَّحَابُ. قَالَ: "وَالْمُزْنُ" قَالُوا:
وَالْمُزْنُ. قَالَ: "وَالْغَيْذَى" 1.
وَذَكَرَ حَدِيثًا أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ نا أَبُو دَاوُدَ نا
مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ نا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ
سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ عَنِ
الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ2.
قوله: الغَيذَى لم أَسمعْهُ في أَسماءِ السحاب إلا في هذا الحديث.
والمشهور من3 هذا الحديث أَنَّهُ قَالَ: والعَنان: مكان الغَيْذى.
والعَنانُ معروف من أسماء السُّحاب. وقد ذكره أبو عُبَيْد في كِتابِه4.
فأمّا الغَيْذى فإن كَانَ محفوظًا فإنيّ لا أراه سُمّيَ بِهِ إلا
لسَيَلان الماء. يُقالُ: غَذَا العِرْقُ إذَا سال يغذو.
__________
1 أخرجه أبو داود في السنة 4/231 والترمذي في التفسير 5/424 وابن ماجه
في المقدمة 1/69. وعند الجميع العنان بدل الغيذى إلا أن أبا داود قال:
لم أتقن العنان جيدا.
2 من ت, م, ح وسنن أبي دواد 4/231.
3 م: "في هَذَا".
4 4/84.
(1/541)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ غُلامًا لأُنَاسٍ
فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلامٍ لأُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ فَأَتَوْا به
النبي فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا أُنَاسٌ فُقَرَاءُ
فَتَرَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم1.
__________
1 أخرجه أبو داود في الديات 4/196 والدارمي في الديات أيضا 2/193
والنسائي في القيامة 8/26 وأحمد في 4/438.
(1/541)
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ
الْخُصْرِيُّ1 نا الْكُدَيْمِيُّ2 نا سُلَيْمَانُ بْنُ الْفَرَجِ نا
مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي
نَضْرَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.
وهذا يُتأول عَلَى أنّ الجاني كَانَ حُرًّا وكانت جنايته خَطأ. وعاقلته
فُقَراء فلم يُلزِمهم3 الدِّيةَ وإِضافةُ الغلامِ إليهم إضافةُ
تَعْريفٍ لا إضافةُ تَمْليك وقد تُسمّي العربُ الرجُلَ المُسْتجمِعَ
القُوَّةَ غُلامًا قالت لَيلَى الأَخيليَّةُ:
إذَا نَزَلَ الحجّاجُ أرضًا مَريضةً ... تتَبَّع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الدَّاء العُقَامِ الَّذِي بها ... غُلامٌ إذَا هزَّ القَناة
سقاها4
__________
1 ت: "الحصري".
2 م, ح: "محمد بن يونس الكديمي" وفي التقريب 2/222: محمد بن يونس بن
موسى بن سليمان الكديمي بالتصغير أبو العباس السامي بالمهملة البصر مات
286هـ.
3 م: "فم تلزمهم الدية".
4 اللسان والتاج "عقم".
(1/542)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ مَرَّ
بِالْحَكَمِ أَبِي مَرْوَانَ1فَجَعَلَ الْحَكَمُ يَغْمِزُ بِالنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ فَالْتَفَتَ
إِلَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِهِ وَزَغًا فَرَجَفَ
مَكَانَهُ" 2.
حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا
مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْبَطَّالِ الْيَمَانِيُّ نا
جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ الرَّسِّيُّ3 نا حَسَّانُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ نا
__________
1 هامش م: "الحكم بن العاص" وفي س: "بالحكم بن مروان" خطأ وفي أسد
الغابة 5/419 والإصابة 3/613: "مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم بالحكم بن مروان".
2 أخرجه ابن الأثير في أسد الغابة 5/419 ف ترجمة هند وابن حجر ف
الإصابة 3/612.
3 س, ط: الراسي والمثبت من م, ت, ح.
(1/542)
السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكِ بْنِ
دِينَارٍ عَنْ هِنْدِ ابْنِ خَدِيجَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الوزَغُ: الارتِعاشُ وقد جاء هذا مُفَسَّرًا في الحديث وأصله من
تَوزِيغ الجَنِين في بَطْن أمّه وهو حركَتُه يُقالُ وَزَغَ الجَنِينُ
إذَا تحرك وأَوْزَغَت الناقةُ ببولِها ووَزَغَتْ1 بِهِ وزْغًا إذَا
رمَتْ شيئًا شيئًا وقطعته دُفْعةً دُفْعةً ومنه قِيلَ لسامِّ أبرص وزغ
وذلك لخفته وسرعة حركته.
__________
1 ت: "ووزغت به" وفي القاموس "وزغ": وزغت الناقة ببولها كوعد: رمته
دفعة دفعة كأوزغت به.
(1/543)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا
عَرَّسَ بِلَيْلٍ تَوَسَّدَ لَيْنَةً وَإِذَا عَرَّسَ عِنْدَ الصُّبْحِ
نَصَبَ سَاعِدَهُ نَصْبًا وَعَمَدَهَا إِلَى الأرْضِ وَوَضَعَ رَأْسَهُ
عَلَى كَفِّهِ1.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ نا سُلَيْمَانُ
بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ2 عَنْ أَبِي قَتَادَةَ
الأَنْصَارِيِّ.
اللَّيْنَةُ هي كالمِسْورة أو الرِّفادةِ ولا أُراها سُمّيَتْ لَيْنةً
إلا للِينها ووثارَتِها يُقالُ لَيِّنٌ ولَيْنٌ كما يُقالُ هَيِّنٌ
وهَيْنٌ وميِّتٌ ومَيْتٌ. وفي الحديث: "المُسْلِمُون هَيْنُون لَيْنُون
كالجَمل الأنف" 3. وقال الراجز:
ومنهل فيْهِ الغُرابُ مَيْتُ ... سَقَيْتُ منه القوم واستقيت
__________
1 أخرجه أحمد في 5/298 من طريق حماد بالإسناد نفسه بلفظ: "إذا عرس
وعليه ليل توسد يمينه وإذا عرس الصبح وضع رأسه على مفه اليمنى وأقام
ساعده". وأخرجه أيضا في موضع آخر 5/309 بنحوه.
2 كذا في س, م وفي ت: عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن رباح بن أبي
قتادة.
3 تقدم تخريجه. لوحة 196.
(1/543)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ سُبَيْعَةَ
الأَسْلَمِيَّةَ جَاءَتْهُ وَقَدْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا
فَوَضَعَتْ بِأَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ مات فقال
رسول الله: "يَا سُبَيْعَةُ ارْبَعِي بِنَفْسِكِ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بْنُ أَبِي
عَاصِمٍ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ
أَخْبَرَنِي رَجُلٌ من أصحاب النبي بِذَلِكَ.
قوله: ارْبَعي بنَفْسك تأوّله بعضُهم عَلَى معنى قول الناس اربَعْ
عَلَى نَفْسك أي أَبْقِ عَلَى نفسِك يذهب إلى أَنَّهُ أمرها
بالتّوقُّف2 والتَّأنّي عَلَى مذهب من يُلزمُها أن تَعْتدَّ آخرَ
الأجَلَيْن وهذا تأْويلٌ فاسدٌ والأَخبَارُ تَنْطقُ بخِلافه وبإباحة
النَّبِيّ عَلَيْهِ السلام لها أن تَنْكِحَ3
أَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ نا الزَّعْفَرَانِيُّ نا سُفْيَانُ
بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَضَعَتْ سُبَيْعَةُ بَعْدَ وَفَاةِ
زَوْجِهَا بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَمَرَّ بِهَا أَبُو السَّنَابِلِ
فَقَالَ: قَدْ تَصَنَّعْتِ لِلأَزْوَاجِ لا حتى
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 6/474 والنسائي 6/194 وأحمد في مسنده
6/432 بنحوه من حديث: سبيعة الأسلمية.
2 س: "بالتوقيف".
3 في النهاية لابن الأثير "ربع": له تأويلان: أحدهما أن يكون بمعنى
التوقف والانتظار فيكون قد أمرها أن تكف عن التزوج وأن تنتظر تمام عدة
الوفاء على مذهب من يقول: إن عدتها أبعد الأجلين وهو من ربع يربع إذا
وقف وانتظر. والثاني أن يكون من ربع الرجل إذا أخصب وأربع إذا دخل في
الربيع: أي نفسي عن نفسك وأخرجيها من بؤس العدة وسوء الحال. وهذا على
مذهب من يرى أن عدتها أدنى الأجلين ولهذا قال عمر: إذا ولدت وزوجها على
سريره –يعني لم يدفن- جاز أن تتزوج.
(1/544)
تَأْتِيَ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشُهِرٍ
وَعَشْرٌ فأتت رسول الله فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: "كَذَبَ
فَانْكِحِي فَقَدْ حَلَلْتِ" 1.
قَالَ أبو سليمان قوله: "اربَعي بنَفْسك" معناه اسْكُني وانْزِلي حيْثُ
شِئتِ فقد انقَضَتْ عِدَّتُك وحَلَلْتِ للأَزْواج. والرَّبْعُ دَارُ
الإقامة وقد رَبَعَ الرَّجلُ بالمكان إذا أقام به.
__________
1 أخرجه الشافعي في مسنده كما في بدائع المنن 2/402 والبيهقي من عدة
وجوه 6/94-96.
(1/545)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ قُرَيْشًا
اجْتَمَعَتْ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَشَكَتْهُ فَقَالَ: يَا عَقِيلُ
انطلق فإيتني بِهِ فَأَتَيْتُهُ فَاسْتَخْرَجْتُهُ مِنْ كِبْسٍ
فَجَعَلَ يَتَّبِعُ الْفَيْءَ مِنْ شِدَّةِ الرَّمَضِ1.
مِنْ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ نا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ طَلْحَةَ2
بْنِ يَحْيَى عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ أَخْبَرَنِي عَقِيلُ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ.
الكِبْسُ الكِنُّ يأوي إِلَيْهِ الإنسانُ وكلُّ ما سَدَّ من الهواء
مَسَدًّا فهو كِبْسٌ. وقال بعضُهم: الكِبْسُ السِّربُ تحت الأرض.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه 6/14 وعزاه للطبراني في الأوسط والكبير. وفي
الفائق 3/245 والنهاية كبس 4/143 قال: وبروى بالنون من الكناس: وهو بيت
الظبي.
2 ت, عن طلحة بن موسى عن موسى بن طلحة والمثبت من س, م, ح.
(1/545)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ قَالَ
لامْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ: "أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي
إِلَى رِفَاعَةَ لا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ
عُسَيْلَتَكِ". قَالَتْ: فَإِنَّهُ يَا رَسُولَ الله قد جاءني هبة1.
__________
1 أخرجه أحمد في 6/299 بنحوه وذكره الهيثمي في مجمعه 4/341 وقال: رواه
الطبراني في الكبير والأوسط.
(1/545)
حَدَّثَنَاهُ الأصَمُّ نا ابْنُ عَبْدِ
الْحَكَمِ أنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هَبَّةٌ تُرِيدُ مَرَّةً.
قال أبو سليمان: للهبة هاهنا مَعْنَيان أحَدُهما أن تكون بمعْنى
الوقْعة يُقالُ إنّه لَذُو هَبَّة إذَا كانت لَهُ وقعةٌ شديدة ومنه
يُقالُ احذَرْ هبَّة السَّيْف أي وَقْعَته فالمعْنَى على هذا أنّه قد
أتاها وَقْعةً واحدةً وهو معنى تفسير ابن وهْبٍ.
والوَجْهُ الآخرُ أن تكون الهَبَّةُ بمعنى الحِقبَة من الدّهْر. قَالَ
أبو زَيْدٍ: يُقال غَنِينا بذلك هَبّةً من الدَّهر والدهر هَبَّاتٌ
وسَبَّاتٌ أي عصْرٌ بعد عَصْرٍ وكان بعضهم يتأوَّلُه عَلَى غير هذا
وذَاكَ ويَراه من هِبابِ الجَمَل أو هَبِيب التَّيْسِ إذَا اهتاج
للسفاد والأول أجود وأَشْبَه.
وفي الحَدِيثِ من الفِقه أنَّهُ إذَا طلَّقها قبل أن يُواقِعها لم
تَحِلّ للزَوْج الأول. والعُسَيْلَةُ تصغير العَسَل وهي كِناية عَنِ
اللَّذَّة. قَالَ ابنُ المُنْذر: وفيه كالدّلالة عَلَى أنّ الزَّوْج
إذَا أتاها وهي نائمةٌ لا تَشْعُر أو مُغْمى عليها لا تُحِسّ باللّذة
لم تَحِلَّ للزَّوْج الأوّل.
وفي هذا الحديث أنّها قالت: إني1 كنت عند رفاعة فطلّقني فبَتَّ طَلاقي
فتزوجتُ عبدَ الرحمن بنَ الزُّبير وأنّه والله ما مَعَه إلا مثْلُ هذه
الهُدْبَة وأخَذتْ هُدْبةً من جِلْبابِها2.
وفي هذا دليلٌ عَلَى أنّ لامرأة العِنِّين المطالبةَ بحقِّها وأنّ لها
أن تدعو إلى
__________
1 من ح, م.
2 أخرجه البخاري في 3/220, 7/55, 184 ومسلم في 2/1056 والترمذي 3/417
والنسائي 6/93 ,146 وابن ماجه 1/621 وغيرهم.
(1/546)
فسخ النكاح وذلك إنّما ادّعتْ بهذا القوْل
عَلَيْهِ العُنَّةَ ولم تُرِدْ أنَّ ذَلِكَ منه في دِقَّة الهُدْبَة
إنّما أرادَتْ أنّه كالهُدْبة ضَعْفًا واستِرخاءً.
يدلّ عَلَى صحّة هذا روايةُ عِكرمَة ذكره محمد بْن إسماعيل البُخاريّ
عَنْ محمد بْن بَشَّار عَنْ عَبْدِ الوهاب عَنْ أيوب عَنْ عِكرِمَة
أَنَّ رفاعةَ طلّق امرأتَه فتزوَّجَها عبدُ الرحمن بْن الزبير قالت:
عائشة فجاءَت وعليها خِمارٌ أخضَرُ فشكَتْ إلى عائشةَ وأَرَتْها
خُضْرةً بجِلدها فلما جاء رسول الله والنِّساءُ يَنْصرُ بعضُهنّ
بَعْضًا قالت عائشة: ما رأيتُ مثلَ ما تلقى المؤمنات1 لجلدها أَشدُّ
خُضرةً من ثوْبها. قَالَ: وسمع أنّها قد أتَتْ رَسُولَ الله فجاء ومعه
ابنان لَهُ من غيرها. قالت: واللهِ ما لي إِلَيْهِ من ذنْبٍ إلا أنّ ما
معه لَيْسَ بأغنى عَنّي من هذه وأخذت هُدبةً من ثوبها فَقَالَ: كذبَتْ
والله يا رَسُول الله إني لأنفُضُها نَفْضَ الأَدِيم ولكنها ناشِزٌ
تُريد رفاعةَ فقال رسول لله: "فإن كَانَ ذَلِكَ لم تَحِلِّي له حتى
تَذُوقي عُسَيْلتَه" قَالَ: فأبصر معه ابنين لَهُ فَقَالَ: "بَنُوكَ
هَؤُلَاءِ" فَقَالَ نعم قَالَ: "هذا الَّذِي تَزعُمين ما تَزْعُمين
فوالله لَهُم أشبَهُ بِهِ من الغُراب بالغُراب" 2.
فهذه القِصَّةُ بِطُولها تدلّ عَلَى أنّها جاءت تدعي عليه العنة.
__________
1 من ت, م, ح.
2 البخاري 7/192. وجاء في فتح الباري 10/282 أن خضرة جلدها من ضرب
زوجها لها أو لهزالها والأول أرجح.
(1/547)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه أتي بقناع جزء1.
__________
1 كذا في س, ت, م. وضبط بفتح الجيم في النهاية لابن الأثير والفائق
للزمخشري "قنع".
(1/547)
رُوِيَ لَنَا هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي
يَعْلَى أَحْمَدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ غَسَّانَ بْنِ
الرَّبِيعِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ
الْحَبْحَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
هَكَذَا قَالَ الرَّاوِي: جُزْءٌ وَزَعَمَ أَنَّ الْجُزْءَ الرُّطَبُ
عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وهذا شيء لا أثِق بِهِ ولا أعتَمِده فإن
كَانَ الأمْرُ عَلَى ما قَالَ فلا أراهم يسمُّونَهُ جُزْءًا إلا من
قِبَل اجتزائِهم بِهِ عَنِ الطّعام كتَسْمِيَتهم الكَلأَ جُزْءًا
وجُزُؤًا لُغتان لاجتزاء الإبل بِهِ عَنِ الماء. يُقال: جَزأَتِ الإبلُ
عَنِ الماء إذَا اجْتزأت بالرُّطْب فلم تَشربْ.
قَالَ أبو سليمان: وأَحسِبُهُ أُتِي بقِناع جِرْوٍ وهو في كلام أهلِ
المدينة وغيرهم من أهلِ الحِجاز القِثَّاءُ الصِّغار.
أخبرني أبو عُمر قَالَ قَالَ السَّيَّاري1: عَنْ بعْض أصحابِه قَالَ:
كنتُ أمرُّ في بَعضِ طُرُقاتِ المدينة فإذا أنا بحمّالٍ عَلَى رأسِه
طَنّ2 فَقَالَ لي3: أعْطِني ذَلِكَ الجَرْوَ فتبَصَّرتُ فلم أرَ كلْبًا
وَلا جَرْوًا فقلتُ ما هاهنا جَرْوٌ فَقَالَ: أنتَ عِراقيّ أعطني تِلكَ
القِثَّاءة.
وهذا كحديثه الآخر: أَنَّهُ أُتِي بقِناع رُطَب وأَجْرٍ زُغْبٍ4 وقد
فسَّرهُ ابنُ قُتيبة5 في كتابه.
__________
1 في المشتبه /379: "السياري" بتشديد السين والياء مفتوحتين.
2 في القاموس "طن": الطن "بفتح الطاء": رطب أحمر شديد الحلاوة وفي
اللسان "طن" قال أبو حنيفة: الطن بضم الطاء من القصب ومن الأغصان
الرطبة الوريقة تجمع ونحزم ويجعل في جوفها النور أو الجني.
3 س: "فقال له".
4 أخرجه أحمد في مسنده 6/359.
5 في غريب الحديث لابن فتيبة 1/271: "وأخبرني السجستاني عن أبي زيد أنه
قنع وهو الطبق الذي تجعل فيه الفاكهة أو غيرها ثم يأكلون عليه جمعه
أقناع. وقال غيره عن أبي زيد: إنه يقال: القناع أيضا على ماجاء الحديث
والزغب: القثاء.
(1/548)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "تَدُورُ
رَحَا الإسْلامِ فِي ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعٍ
وَثَلاثِينَ سَنَةً فَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ
سَبْعِينَ سَنَةً وَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ مِنَ
الأُمَمِ" قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ سِوَى الثَّلاثٍ وَالثَّلاثِينَ
قَالَ: "نَعَمْ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ أنا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى
السَّعْدِيُّ نا وَضَّاحُ بْنُ يَحْيَى نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ
عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ رِبْعِيِّ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ وَحَدَّثَنَاهُ سَوَادَةُ بْنُ عَلِيٍّ الأَحْمَسِيُّ نا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ الصَّائِغُ نا شَاذَانُ نا أَبُو بَكْرِ
بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيِّ2 عَنِ
الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنَاهُ
الْحَسَنُ بْنُ مُكْرِمٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا الْعَوَّامُ بْنُ
حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ: "تَدُورُ رَحَا الإِسْلامِ بَعْدَ خَمْسٍ وَثَلاثِينَ
سَنَةً أَوْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ سَنَةً فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ
مَنْ هَلَكَ وَإِنْ بَقُوا بَقِيَ لَهُمْ دِينُهُمْ سَبْعِينَ عَامًا"
3.
قوله: تَدُورُ رحَا الإسْلام في ثلاث وثلاثين سنة مَثَلٌ يريد أن هذه
المُدَّةُ إذَا انتهت حَدَث في الإسلام أَمرٌ عظيم يُخافُ لذلك عَلَى
أهْلِه الهلاكُ. يُقالُ: للأَمر إذَا تَغَيَّر واسْتَحال قد دَارَت
رَحَاه قَالَ الحُطيْئَةُ:
__________
1 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة 82- ب وأحمد في مسنده 1/390, 393
وأبو داود بنحوه في 4/98.
2 ت: "الربعي".
3 أخرجه أحمد 1/390.
(1/549)
وكنتُ إذَا دَارَت رحَا الأَمْر زُعْتُه
... بمَخْلُوجةٍ فيها عَنِ الأَمْر مَصرفُ1
المَخلُوجَةُ: الرأيُ.
وهذا والله أعلم إشارةٌ إلى انقضاء مُدَّةِ الخِلافَةِ واستِيلاء بني
أميّة عَلَى المُلْك وكان استواءُ الأَمر لمُعاوية سَنَةَ الْجَماعة
وهي السَّنةُ التي بايَعَه فيها الحَسَنُ بنُ عَلِيّ وذلك سنة إحدى
وأربعين2 ولا يَزالُ النَّاس يُشَبِّهون صُروفَ الزَّمان3 وعُقَب
الأَيَّام وانقلابَ الدُّوَل بالرَّحا الدّوَّارة والمَنْجَنُون
المُنْقَلِب4 وهذا في كلامهم أكثُر من أن يُسْتَشْهَدَ لَهُ أو يُدَلَّ
عَلَيْهِ.
وفيه وجه آخر وهو أن يراد بدَورِ الرَّحَا وقُوعُ الفِتَن وهَيْجُ
الحُروب.
قَالَ الشّاعرُ يصفُ حَربًا:
فدَارَتْ رحانا واسْتَدارتْ رحاهُمُ ... سَراةَ النَّهارِ ما تُولَّى
المناكِبُ
وقال أبو الغُول:
معاشرُ لا يَملّون المنايا ... إذَا دارَتْ رَحا الحَرْبِ الطّحُون
وقال زُهَيْر:
فتَعْرككُم عَركَ الرَّحَا بثِفَالها ... وَتَلْقحْ كِشَافًا ثُمَّ
تُنْتَجْ فَتُتْئِم5
وقوله: بقي لهم دينُهم سبعين سنَةً أي مُلكهم فكان مِنْ لدُنْ وَلِي
معاويةُ إلى أن مَلكَ مَروانُ الَّذِي يُقال: لَهُ الحِمَار وظهر
بخُراسَان أَمرُ أَبِي مُسْلم وَوَهَى أمْرُ بني أُميّة نحو من سَبْعين
سنَةً. والدّين: المُلكُ والسُّلْطانُ. قَالَ الله
__________
1 س: "رعته" والمثبت من م والديوان /382.
2 كذا في تهذيب التهذيب 2/229 وفي الأصل سنة 33 خطأ.
3 س: "ضروب الزمان".
4 ت: "المتقلب".
5 الديوان /19.
(1/550)
تَعَالَى: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ
فِي دِينِ الْمَلِكِ} 1: أي في سُلطانه ومُلكه.
وقال الشاعر من أهلِ الرِّدَّة:
أطعْنَا رَسُولَ الله إذْ كَانَ حاضِرًا ... فيالهْفَتا مَا بَالُ دينِ
أَبِي بَكْر
يُريُد مُلكَهُ. ويُرْوَى مُلكِ أَبِي بَكْر.
وقال الأمويُّ: يقالُ دِنْتُهُ أي ملكْتهُ. وأنشد للحُطَيئة:
لقد دينت أمر بنيك حَتى ... تركتَهُم أَدقَّ من الطَّحيْنِ2
يريد ملكت أمرهم
3وقد روي معنى ما تأولناه عن ابن مسعود.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ نا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ إِذَا كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاثِينَ حَدَثَ
أَمْرٌ عَظيِمٌ فَإِنْ يَهْلِكُوا فَبِالْحَرَى. وَإِنْ يَنْجُوا
فَعَسَى فَإِذَا كَانَتْ سَبْعِينَ رَأَيْتُمْ مَا تُنْكِرُونَ4.
__________
1 سورة يوسف: 76.
2 الديوان /278 برواية:
فقد سوست أمر بنيك حَتى ... تركتَهُم أَدقَّ من الطَّحيْنِ
3 سقط من ط من هاهنا نحو ست وأربعين صفحة من حجم الفلوسكاب.
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 11/375.
(1/551)
|