غريب الحديث للخطابي المجلد الثاني
أحاديث الصحابة
حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ الله عنه
حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ شُكِيَ إِلَيْهِ
خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ: "لا أَشِيمُ سيفا ... ".
...
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [2]
رَبِّ يَسِّرْ
1- حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: "أَنَّهُ شُكِيَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ: لا
أَشِيمُ سَيْفًا سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ"1.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ عَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ.
قَوْلُه: لا أشيم سيفا معناه لا أُغْمِد يُقَالُ: شِمْتُ السيفَ
أغمدتُه وسَلَلْتُهُ والحَرْفُ من الأَضْداد قال الفرزدق:
بأيدي رجال لم يشيمو سُيُوفَهُم ... ولم يُكْثِرُوا القَتْلَى بِهَا
حين سُلَّتِ2
يُرِيد لم يُغْمِدوا سيوفهم إلا وقد كَثُر القَتْلُ بها حين سُلَّتِ.
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن محمد بن زياد حدثنا زكريا بن يحيى الساجي
حدثنا أَبُو غُزَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
خَرَجَ أَبِي شَاهِرًا سَيْفَهُ رَاكِبًا رَاحِلَتَهُ إِلَى ذَاتِ
الْقَصَّةِ فَجَاءَ عَلِيُّ بن أبي طالب فقال:
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/212" والطبري في تاريخه "3/242, 4/30.
2 لم أقف عليه في ديوانه وفي الديوان ثلاث قصائد على الوزن والقافية.
(2/5)
إِلَى أَيْنَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ
اللَّهِ شِمْ سَيْفَكَ وَلا تُفْجِعْنَا بِنَفْسِكَ فَوَاللَّهِ لَئِنْ
أُصِبْنَا بِكَ لا يَكُونُ بَعْدَكَ لِلإِسْلامِ نِظَامٌ أبدا فرجع
وأمضى الجيش1.
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير "1/1069" وعزاه لزكريا الساحي – وذكره
ابن كثير بلفظ "لم سيفك" وفي البداية والنهاية "6/315" وذكره السيةطي
في باريخ الخلفاء: 75 عن ابن عمر بألفاظ متقاربة وفيه "شم سيفك" وعزاه
للدارقطني.
(2/6)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَبَّ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: "يَا
عَنْتَرُ"1.
حَدَّثَنِيهُ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حدثنا إسحاق بن إبراهيم
حدثنا أبو موسى الزمن حدثنا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ الْعَطَّارُ عَنِ
الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي بَكْرٍ هَكَذَا قَالَ ابنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ وَرَوَاهُ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ: يَا
غَنْثَرُ2 بِالْغَيْنِ مُعْجَمَةً وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ.
فالعَنْتَر الذُّبَابُ شبَّهَهُ بالذُّبَاب تَحْقِيرا لَهُ وتَصْغِيرا
لقدره.
وأخبرني أبو عمر أنبأنا أبو العبّاس عن ابن الأعرابي قَالَ: العَنْتَرُ
الذُّبَاب وسُمِّيَ عَنْتَرًا لصوتِهِ قَالَ غيره: العَنْتَرُ
الأَزْرِقُ مِن الذُّبَاب.
وحدثنا أَبُو بَكْر3 الإسماعيلي أنبأنا الحسن بن سفيان أخبرنا عَبْد4
اللَّه بن معاذ العنبري أخبرنا مُعْتَمِر بن سليمان قَالَ قَالَ أبي
أخبرنا أبو عثمان عن
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "1/198" بلفظ "يا عنثر أو غنثر" – وقال الحافط
في فتح الباري "6/598": "وحكاه الخطابي بلفظ: عنتر, اسم الشاعر المشهور
وهو بالمهملة والمثناة المفتوحتين بينهما النون الساكنة.
2 أخرجه البخاري في مواضع منها قي "1/148, 4/236" – وسلم في الأشربة
"3/1628" وغيرها.
3 ط: "أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي".
4 ح: "عبيد الله بن معاذ العنبري".
(2/6)
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وذكر
الحديث وَقَالَ: يا غُنْثَرُ بالغين مُعجمة مَضْمُومَة وأما الغَنْثَر
فَمَأْخُوذٌ من الغَثَارَةِ وهي الجَهْل يُقَالُ رجل غَثِرٌ والنون في
الغَنْثَر زيادة وإنما سُمِّيَتِ الضَبُعُ غَثْرَاء لحُمْقِها وحكى
بَعْضُ أهل اللُّغَة الغَنْثَرَةُ شُرْبُ الماء عن غير عطش.
(2/7)
وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ أَنَّ سَعْدًا الأَسْلَمِيَّ قَال: رَأَيْتُهُ
بِالْخَذَوَاتِ وَقَدْ حَلَّ سُفْرَةً مُعَلَّقَةً فِي مُؤَخِرِ
الْحِصَارِ فَإِذَا قُرَيْصٌ مِنْ مِلَّةٍ فِيهِ أَثَرُ الرَّضِيفِ
وَإِذَا حَمِيتُ مِنْ سَمْنٍ فَدَعَانِي فَأَصَبْتُ مِنْ طعامه1.
رويه الْوَاقِدِيُّ حدَّثَني هَاشِمُ بْنُ عَاصِمٍ عن عبد الله بن سعد
عن أبيه.
قال الأصمعيُّ: الحِصارُ حَقِيبة على البعير يُرْفَعُ مُؤَخِّرُهَا
فيُجْعَلُ كأخَرَة2 الرَّحْل ويُحْشَى مقدِّمُها فيكون كقادِمَةِ
الرَّحْل وتُشَدُّ على البعير ويُرْكَبُ يُقَال منه: قد احتَصَرْتُ
البَعِيرَ.
وَقَوْلُهُ: قُرَيْصٌ من مَلَّة يُرِيدُ قُرْصًا قد مُلّ. يقول:
مَلَلْتُ الخُبْزَةَ أَمُلُّهَا مَلًّا وخُبز مَمْلُولٌ وأَصْلُ
المَلَّةَ الرَّمَادُ / والجَمْر. [3]
وقَوْلُ العَامةُ أَكَلْتُ ملَّةً غَلَط والصواب أن يُقال: أَكَلْتُ
خُبْزَ ملّةٍ أي خُبْزًا قد أُنْضِجَ وأُصْلِحَ في المَلَّة وهي جَمْرٌ
ورَمَادٌ
ومنه قولهم بات فُلانٌ يَتَمَلْمَل إذا بات كأنَّهُ يتقلّب على
الجَمْر.
ومن هذا حديث النبي أَنَّ رَجُلا أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رسول
__________
1 لم أقف عليه في مغازي الواقدي المطبوعة, وهو في الفائق "خذو" "1/358"
والنهاية "خذو" "2/17".
2 ح: "كآخرة الرجل".
(2/7)
اللَّهِ إِنَّ لِي جِيرَانًا أَصِلُهُمْ
وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ فقال رسول
الله: "إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَكَأَنَّكَ إِنَّمَا تُسِفُّهُمُ
الْمَلَّ" 1 أَيْ تُطْعِمُهُمُ الْجَمْرَ والرضيف ما يُشْوَى به
اللَّحْم على الرَّضْفِ وهو الحِجَارَةُ المُحْماةُ يُلْقَي عليها
اللَّحْمُ حتى يَنْشَوي فهو رَضِيفٌ ومَرْضُوفٌ وأثرُهُ في القُرَيْص
ما عَلِقَ به من دسمه قال الكميت:
مرضوفة لم تُؤْنَ في الطَّبْخِ طاهيا ... عَجِلْتُ إلى مُحْوَرِّها حين
غَرْغَرَا2
يريد قِدْرَا قد أُنْضِجَت بالرَّضْفِ والحَمِيتُ وعاءٌ للسَّمْن لطيفٌ
كالعُكَّة ونحوها ويقال: إنَّ الحَمِيَتْ ما كان مُزْفِتًا من
الأَسْقِية والوطْبُ ما كان مَرْبُوبًا مِنْهَا فإذا لم يكن مَرْبُوبا
ولا مُزَفَّتًا فهو نحي.
__________
1 أخرجه مسلم في البر "4/1982" وأحمد في مسنده "2/300 – 412, 484".
2 شعر الكميت "1/199".
(2/8)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لمَّا مَاتَ قَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
عَلَى بَابِ البَيْتِ الَّذِي هُوَ مسجى فيه قال: كُنْتَ وَاللَّهِ
للدِّينِ يَعْسُوبا أَوَّلا حِينَ نَفَرَ النَّاسُ عَنْهُ وَآخِرًا
حِينَ فَيَّلُوا طِرْتَ لِعُبَابِهَا وُفُزْتَ بِحُبَابِهَا وذَهَبْتَ
بِفَضَائِلِهَا كُنْتَ كَالْجَبَلِ لا تُحَرِّكُهُ الْعَوَاصِفُ وَلا
تُزِيلُهُ الْقَوَاصِفُ فِي كَلامٍ طَوِيلٍ ويُرْوَى حَتَّى فَشِلُوا1.
حدَّثَنِيهُ أَحْمَدُ2 بْنُ الحسين التيمي أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَهْلٍ أخبرنا
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه "9/47" في حديث طويل وعزاه للبزار بلفظ: "حين
فشلوا" وبلفظ: "طرت بغناها, وفزت بحياها" وذكره صاحب كنز العمال
"12/542" بلفظ "حين فشلوا وحين فلوا" وذكره الطبري في الرياض النضرة
"1/183" بلفظ "طرت بغناها وفزت بحبائها".
2 ط: "محمد بن الحسن التيمي".
(2/8)
أحمد بن مصعب المروزي حدثنا عُمَرُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ
بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ صَفْوَانٍ.
اليَعْسِوُبُ فَحْلُ النَّحْل وسَيِّدها ضربَهُ مَثَلا لِسَبْقِهِ إلى
الإسلام ومُبَادَرَتِهِ الناسَ إلى قبولِهِ فصار النَّاسُ بَعْدُ
تَبْعًا لَهُ كاليَعْسُوب يَتَقَدَّم النَّحْل إذا طارت فَتَتَبَعُهُ
طرائقٌ مُطَّردةً
ويقال: هذا نَحْلَةٌ للواحدِ منها ذكرا كان أو أُنْثي حتى إذا أردْت
الذَّكَر مِنْها قُلْتَ يَعْسُوب كما يُقَالُ: هذا نعامةٌ ثم يقول: في
الذَّكَر ظَلِيم وهذا دُرَّاجةٌ للذَّكَر والأُنْثى ثم تقول للذكر
حَيْقُطان وهذا حُبَارَى للذَّكَر والأُنْثَى ثم تقول للذكر خَرَبٌ.
وَقَوْلُهُ: حِينَ فَيَّلُوا أي حِينَ فَالَ رَأْيُهُمْ فَلَمْ
يَسْتَبِينُوا الْحَقَّ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةَ فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ: والله لأُقاتِلَنّ مَنْ فَرّق بين الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ1
فَلَمَّا رَأَوْا مِنْهُ الْجِدَّ تَابُعُوهُ.
يُقَالُ: فَالَ الرجلُ في رأيه وفَيَّل إذا لم يُصِبْ فيه ويُقَال:
رَجُلٌ فَيْلُ الرَّأي وفالُ الرَّأي وفَيِّلُ الرَّأْي وفائِلُ الرأي
وما كُنْتُ أُحِبُ أنْ أرى في رأيِكَ فَيَالَةً أي ضَعْفًا وسُخْفًا
قال الشاعر:
رأَيْتُكَ يا أُخَيْطلُ إذْ جَرَيْنا ... وجُرِّبَت الفَرَاسَةُ كُنَتَ
فَالا2
وعُبَابُ الماء أَوَّلُه ويُقَال: مُعْظَمُه وهو الأُبَابُ أَيْضا قال
ذو الرُّمَّة:
إذا المُضَرُ الحمراءُ عَبَّ عُبَابُهَا ... فَمَنْ يَتَصَدَّى
مَوْجَهَا حينَ تَطْحَرُ3
وحَبَابُ الماء هُنا مُعْظَمُهُ قال طرفة:
__________
1 سيأتي تخريجه.
2 اللسان والتاج "فيل" وعزي لحرير وهو في ديوانه: "329".
3 الديوان: "327" برواية: "إذا مضر الحمراء".
(2/9)
يَشُقُ حبَابَ المَاءِ حَيْزومُها بِهِ ...
كَمَا قَسَمَ التُرْبُ المُفَايَلَ باليَدِ1
[4] / والحَبَابُ أَيْضا فقاقيعُ المَاء وهي ما يعلوهم من الزَّبَد قال
المُتَلَمِّسُ:
عُقَارا عُتِّقَت في الدنِّ حينا ... كَأَنَّ حَبَابها حَدَقُ
الجَرَادِ2
وهذه أمثالٌ ضَرَبَها يقول: وَرَدْتُ المَاءَ أَوَّلُ النَّاسَ وسبقت
إلى جمَّتِهِ فشربتَ من صَفْوِهِ قَبْلَ أنْ يَتَكَدَّرْ أيْ
أَحْرَزْتَ سَوَابِقَ الإسلام وأَدْرَكْت أوائلَه وفضائلَه ورواه بعضهم
طِرْتَ لغنائها وفزت بحبائها3.
__________
1 الديوان: "8".
2 ط: "عقار أعقت" والبيت في الديوان: "166" برواية: "في الدن حتى".
3 في اللسان "عبب": قال بعض فضلاء المتأخرين, بعد أن أورد قوله: فزت
بحبابها هذا تفسير الكلمة على الصواب لو ساعد النقل وهذا هو الحديث
أسيد بن صفوان قال: لما مات أبو بكر جاء علي فمدحه فقال في كلامه: طرت
بغنائها بالغين النعجمة والنون وفزت بحيائها, بالحاء في الصحابة" وفي
كتابه: "المؤتلف والمختلف" وكذا ذكره ابن بطة في الإبانة.
(2/10)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ خَرَجَ بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقِيلَ
لَهُ: مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: مَا أَخْرَجَنِي
إِلا مَا أَجِدُ مِنْ حَاقِّ الْجُوعِ1.
يَرْوِيهِ عَليُّ بْنُ خشرم حدثنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قوله: حَاقَّ الجُوع يُرْوى بالتَّخْفِيف والتَّثْقِيل فمن ثقَّلَ
فمعناه كَلَبُ الجُوعِ وشِدَّتُهُ قال عروة بن الورد:
__________
1 أخرجه ابن حبان في صحيحه كما في موارد الظمآن: "627" في حديث طويل.
(2/10)
أَتَهْزَأُ مِنِّي أَنْ سَمِنْتَ وأَنْ
تَرَى ... بِوَجْهِي مَسَّ الحقِّ والحَقُّ جَاهدُ
أُقَسِّمُ جِسْمِي في جُسُومٍ كَثِيرَةٍ ... وأَحْسُو قَرَاحَ الماءِ
والمَاءُ بارِدُ1
يُرِيدُ صِدْقَ الجُوع.
والعربُ تَقُول فُلانٌ واللهِ الرَّجُل حَاقٌّ الرَّجُل وحاقَّةُ
الرَّجُل وحَاقَ الشُّجَاع وحاقَّةُ الشُّجَاع بإِدْخَالِ الهَاءِ
وإسْقَاطها يريد تحقيقَ نَعْتِهِ بالشَّجَاعةِ والبَأْس والأَصْلُ في
هذا كله الحَقُّ لا كَذِبَ فيه ومِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {الْحَاقَّةُ
مَا الْحَاقَّةُ} 2 ومعناها والله أعلم الكائِنَةُ التي لا كذب فيها
ولا مَدْفعَ لها.
ومن رَوَاه بالتَّخْفِيِف جَعَلَهُ مَصْدَرا يقومُ مَقَامَ الاسْم من
قولك حَاقَ به البَلاءُ يَحِيقُ حَيْقا وحَاقا كما قيل عابَهُ عَيْبا
وعابا وفي مَصْدَرٍ يقول3: قيلا وقالا وقد قرىء: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ} 4.
__________
1 شعراء النصرانية: "شحون الحق" بدل: "مس الحق".
2 سورة الحاقة: "1".
3 ج: "وفي مصدر القول".
4 سورة مريم"34".
(2/11)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ خَرَجَ فِي بُغَاءِ إِبِلٍ فَدَخَلَ عِنْدَ
الظَّهِيرَةِ عَلَى امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا حَيَّةٌ فَسَقَتْهُ
ضَيْحَةً حَامِضَةً1.
حَدَّثْنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حنبل حدثنا سريج عن يونس أخبرنا أزهر بن
سعد السمان
__________
1 أخرجه الدارمي في المقدمة "1/70" عن ابن عون وكذلك ذكره صاحب كنز
العمال "5/754" وعزاه لمسدد وابن منيع والدارمي. وأشار إليه ابن الأثير
في أسد الغابة "7/76" والحافظ في الإصابة "4/279" ولم يذكراه.
(2/11)
قَالَ ابن عَوْن: أَخْبَرَنِي عَنْ عمرو بن
سعيد عَنْ أَبِي زُرْعَة بن عمرو بن جرير عَنْ حَيَّة1 بنت أبي حَيَّة.
قوله: في بُغَاء إبل أي في طلب إبلٍ.
قَالَ الأصمعي: يُقَالُ: بَغَت المَرْأةُ تَبْغي بِغَاءً إذا فَجَرَتْ
وبغي الرَّجُل طَلَبَتْهُ فهو يَبْغِيَها بُغَاءً بِضَم الباءِ
وبَغْيَةً والضَيْحُ والضَّيَاحُ الَّلبَنُ الخَاثِرُ يُصَبُّ عَلَيِهِ
المَاء حَتَّى يرِقَّ قَالَ الرَّاجِزُ:
امتَحَضا وسَقِّياني ضَيْحا ... وقد كَفْيتُ صاحبيَّ المَيْحَا2
ويُقَالُ: ضَيَّحْتُ الَّلبَن إذا مَذَقْتَه بالماء وفي بعض الأمثالِ
الصَيْفَ ضَيَّحْتِ الّلَبَن3 والمَشْهُور عِنْدَ العَامّة ضَيَّعْتِ
اللَّبَن بالعين وأَصْلُهُ أَنَّ امرأة كانت تَحْتَ رَجُلٍ مُوسِر
فَكَرِهَتْهُ لِكبَره فطلّقها فتزوّجها رَجُلٌ مُمْلِقٌ فَبَعَثَتْ إلى
زَوْجِهَا الأوّل تَسْتَمِيحُهُ فَقَالَ لها ذلك فجري مَثَلًا وخُصَّ
الصَّيْف لأنَّ الأَلْبَان تَكْثُر في ذَلِك الوَقْت.
قَالَ الأصمعي: إذا خُلِطَ اللَّبَنُ بالماء4 فهو المذيق ومنه قيل:
فلان
__________
1 في الإصابة "4/279" وأسد الغابة "7/76" والدارمي "1/70" وتجريد أسماء
الصحابة "2/261" والإكمال "2/323, 324" حية بنت أبي حية" وفي جميع نسخ
الكتاب: "حية بن أبي حية".
2 اللسان والتاج "ضيح" أورده الأبيات الآتية:
قد علت يوم وردنا سيحا
...
أنبي كفيت أخويها الميحا
فامتحضا وسقياني ضيحا
وهي مختلفة الترتيب والرواية ومن غير عزو.3 الضبي: "7" الفاخر "111"
العسكري "1/175" الميداني "2/68" الزمخشري "1/329" البكري "357" اللسان
"صيف" أمثال أبي عبيد: "247".
4 د: "إذا خلط اللبن والماء".
(2/12)
يَمْذُقُ الوُدَّ إذا لم يُخْلِصْهُ فإذا
كثر ماؤه / فهو الضَّيّاحُ والضَّيْح وعند ذلك تعلوه كُهْبَةٌ1 قَالَ
الشاعر: [5]
ما زِلْتُ أعدُو معهم وأَلْتَبِطْ
...
حتّى إذا جَنَّ الظلام المختلط
جاءوا بضيج هل ريت الذئب قَطْ2
قَالَ: فإذا جعلتَهُ أرقَّ ما يكون فهو السَّجَاج وأَنْشَد:
يَشْرَبُهُ مَذْقَا ويَسْقِي عِيَالَهُ ... سجاجا كأقراب الثعالب
أورقا3
__________
1 القاموس "قهب" الكهبة: الأبيض علته كدرة.
2 الرجز في شرح شواهد المغني للسيوطي: "214" باختلاف في الرواية وعزي
لأحمد الرحاز.
3 اللسان والتاج "سجج" دون عزة برواية: "يشربه محضا".
(2/13)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ مَرَّ بِالنَّهْدِيَّةِ إِحْدَى مَوَالِيهِ
وَهِيَ تَطْحَنُ لِمَوْلاتِهَا وَهِيَ تَقُولُ وَاللَّهِ لا أَعْتِقُكِ
حَتَّى تُعْتِقُكِ صُبَاتُكِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حِلا أُمَّ فُلانٍ
وَاشْتَرَاهَا وَأَعْتَقَهَا1وَفِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ مَرَّ
بِبِلالٍ وَقَدْ شُبِحَ فِي الرَّمْضَاءِ يُقَالُ لَهُ: اتْرُكْ دِينَ
مُحَمَّدٍ وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ
فَأَعْتَقَهُ2.
الأَوَّلُ يرويه ابن ادريس أخبرنا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: حلا معناه تَحَلَّلِي من يَمِينك واستَثْني فيها قال الشاعر:
__________
1ذكره ابن هشام في السيرة "1/278" بألفاظ متقاربة وطذلك ابن كثير في
السيرة النبوية "1/493" وعزواه لابن إسحاق وهو في سيرة ابن إسحاق:
""171".
وفي اللسان "صبا": صبا إليه صبوة وصبوا: حن وكانت قريش تسمى أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صباة.
2 ذكره ابن هشام في السيرة "1/277" وابن كثير في السيرة النبوية
"1/493" بألفاظ متقاربة وليس فيها "وقد شبخ في الرمضاء" وعزاه كذلك
لابن إسحاك
(2/13)
حِلا أَبيْتَ اللَعْنَ حِلْلا ... إنّ فيما
قُلْتَ آمَةْ1
والآمَةُ العَيْبُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ حَدِّثْنَا
بِبَعْضِ مَا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: وَأَتَحَلَّلُ
أَيْ أَسْتَثْنِي. وَقَالَ النَّمِرُ بن تَوْلَب:
وأُرْسِلُ أَيْمَانِي فَلا أَتَحَلَّلُ2
يُرِيدُ كِبَر سِنِّهِ وغَلَبَةَ النِّسْيِان عليه حَتَّى صَارَ
يَحْلُفُ ولا يَسْتَثْني.
وقَوْلُهُ: شُبِحَ بِالرَّمْضَاء أي مُدَّ عَلَيْهَا. قال ذُو
الرُّمَّة:
لَظًى تَلْفَحُ الحِرْبَاءَ حَتَّى كَأَنَّهُ ... أَخُو جَرماتٍ بَزَّ
ثَوْبَيِهِ شَابِحُ3
وَقَالَ أيضا يَصِفُ الحِرْبَاء:
ويَشْبَحُ بالكَفَّيِنِ شَبْحَا كَأَنَّهُ ... أَخُو فَجْرَةٍ عالَى
بِهِ الجِذْعُ صالبه4
__________
1 اللسان والتاج "أيم" برواية:
مهلا أبييت اللعن مهلا ... إن فيما قلت آمه.
2 شعر النمر بن تولب: "85" وصدره:
فيضحى قريبا غير ذاهب غربة.
وأرسل أيمان: أحلف ولا أستثني.
3 الديوان: "101" وجاء في الشرح: أخو حرمات: أي كأنه أخذ في عمل سوء,
وقد شبح لجلد وذلك أنه انتصب على الشجرة وقد مد يديه فكأنه صاحب جرم قد
مد لجلد.
4 الديوان: "37".
(2/14)
حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ يوتر
من أول الليل ويقول: "احرزاه وأبتغي النوافل".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ
يُوتِرُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَيَقُولُ: وَاحَرَزَاهُ وأبتغي
النوافل1
__________
1أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "3/15" محرفا وذكره السيوطي في الجامع
الكبير "1/1060" محرفا أيضا وعزاه إلى عبد الرزاق.
(2/14)
أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ
عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ.
وفي رواية أخرى "أَحْرَزْتُ1 نَهْبِي وأَبْتَغي النَّوَافِل".
قوله: واحَرَزَاه وأَبْتَغي النَّوَافِل مَثَلٌ2 للعَرَب تقول عند
الظَّفَر بالشيء وإحرازِ المَطْلُوب مِنْهُ
يُرِيدُ أَنّهُ قَدْ قَضَى الوَاجِب مِن الوتر وأَمِنَ فَوَاتَهُ3
وأَحْرَز أَجْرَهُ فإن استَيْقَظ مِن اللَّيْلِ تَنَفَّل وإلا فَقَد
خَرَجَ مِن ضَمَان الوَاجِب وتَخَلَّصَ مِن عُهْدَتِهِ.
والحَرَزُ مَفْتُوحَةَ الرَّاء ما أَحْرَزْتَه من شيء كالرَّسَل4 لما
أَرسَلْتُهُ والقَبْض لمِا قَبَضْتَه والهَدْمَ لِمَا هَدَمْتَه
والنَّوَافِلُ ما زَادَ على الفَرَائِض وَوَلَد الوَلَد يُسَمَّى
نافِلَةً على معنى أَنَّهُ زيادة على الأَصْل فأَمَّا الأَنْفَالُ
فوَاحِدُها نَفَلٌ وأَصْلُهُ العَطَاء قال لَبيدٌ:
إنَّ تَقْوَي رَبِّنا خَيْرُ نَفَلْ5
وهُوَ مَا أَعْطَي اللهُ المُسْلِمِين من أموال الكَفَرَةِ وأَغْنَمَهُ
إِيَّاهم والنَّهْبُ:
الغنيمة قَالَ بِشْرٌ بن أبي خازِمٍ:
تُؤَمِّلُ أن أؤوب لها بِنَهْبٍ ... ولم تعْلَمْ بأَنّ السهم صابا6
__________
1 د: "أحرزت وأبتغي النوافل".
2 كتاب الأمثال لأبي عبيد: "200" برواية: "ياحرزي" وعند العسكري
"2/423" الميداني "2/419" البكري "293" اللسان "حرز".
3 د: "وأمن ثوابه" "تحريف".
4 د: "كالرسن" تحريف وفي القاموس "رسل": الرسل محركة: القطيع من كل
شيء.
5 الديوان: "174" وبعده: "وبإذن الله ريثي وعجل".
6 الديوان: "25" وجمهرة اللغة "3/438" وسبق في الجزء الأول لوحة "183".
(2/15)
وَقَالَ العَبَّاسُ بن مِرْداسٍ:
أَتَجْعَلُ نَهْبِي ونَهْبَ العُبَيْدِ ... بَيْنَ عُيَيْنَةَ
والأَقْرَعِ1
[6] / حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أنبأنا الصائغ أخبرنا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أن رسول الله
لَمَّا قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فَضَّلَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ
وَالأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ فِي الْعَطَاءِ فَقَالَ الْعَبَّاسُ:
وَكَانَتْ نِهَابًا تَلافَيْتُهَا ... وَكَرى عَلَى الْمُهْرِ
بِالأَجْرَعِ2
فَأَصْبَحَ نَهْبِي وَنَهْبُ العبيـ ... ـدبين عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ
وَقَدْ كُنْتُ فِي الْقَوْمِ ذَا تُدْرَأ ... فَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا
ولَمْ أُمْنَعِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "اقْطَعُوا لِسَانَهُ عَنِّي" 3.
النَّهَاب جَمْعُ نَهْبٍ والأَجْرَعُ المكان الواسع وفيه حُزُونَةْ
يُقَالُ أَرْضٌ جَرْعَاء ومِثْلُهُ الأَمْعَزُ والمَعْزَاءُ وهو
الأَرْضُ الكثيرة الحَصَا والأَبْطَحُ والبَطْحَاءُ وهو ما انْبَطَحَ
مِن الأَرْض من ذَكَّر أراد المكانَ ومَنْ أَنَّثَ فَعَلى نِيَّةِ
البُقْعَة والعُبَيْدُ فَرَسُهُ وفيه ما أعلَمْتُك أَنَّهُ كَانَ
يُسْهَمُ للفَرَسِ كَمَا يُسْهَمُ للفارس ولذلك أضاف النَّهْب إلى
فَرَسِهِ كما أضافَهُ إلى نفسه.
وَقَوْلُهُ: ذا تُدْرِأٍ أي ذا, هُجُوم واقتِحَامٍ. ويقال: دَرَأَ
عليهم السَّيْلُ إذا
__________
1 الديوان: "84" برواية: "فأصبح نهبي".
2 رواية الديوان:
وكانت نهانا تلافيها ... بكري على المهر في الأجرع.
3 أخرجه ابن كثير في السيرة النبوية "3/680" وابن هشام في السيرة
"4/102" وفيهما: "وقد كنت في الحرب" بدل "القوم" وأخرجه مسلم في الزكاة
عن رافع بن خديج "2/738" بنحوه وأخرجه الطيري في باريخه "3/137".
(2/16)
هَجَمَ والتَّاء زائِدَة كِهَي في قولهم
شَرٌّ تُرْتَبٌ أي راتِبٌ دائم قال القُلاخُ المِنْقَري:
وَذِي تُدْرَأٍ ما اللَّيْثُ في أَصْلِ غَابَةٍ ... بِأَشْجَعَ مِنْهُ
عِنْدَ قِرْنٍ يُنَازِلُه1
وَقَالَ بعضهم: تُدْرَأُ القوم رَئيسُهُم.
وقولُهُ اقْطَعُوا لِسَانَهُ مَعْنَاه أَعْطُوهُ ما يُسْكِتُهُ
ويُرْضِيِهِ كَنَى باللِّسانِ عَنِ الكلام كَقَوْل الشَّاعِر:
إنِّي أَتَتْنِي لِسَانٌ لا أُسِرُّ بِهَا ... من عَلْوَ لا كَذِبٌ
فيها ولا سَخَرُ2
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ أتى شاعر
النبي فَقَالَ: "يَا بِلالُ اقْطَعْ لِسَانَهُ" فَأَعْطَاهُ
أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَقَالَ: قَطَعْتَ وَاللَّهِ لِسَانِي3.
وَوَجْهُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ أَبْنَاءِ
السَّبِيلِ أَوْ مِمَّنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ فَتَعَرَّضَ
لَهُ بِالشِّعْرِ فَأَعْطَاهُ لِحَقِّهِ أَوْ لِحَاجَتِهِ لا
لِشِعْرِهِ.
وقد رُوِّينَا عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا
رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ" 4
يُرِيدُ الرَّدَّ وَالْخَيْبَةَ وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ عِنْدَمَا
يُذْكَرُ مِنْ خَيْبَةِ الرَّجُلِ وَخَسَارَةِ صَفْقَتِهِ لَمْ
يُحصِّلْ فِي كَفِّهِ غَيْرَ التُّرَابِ وَمَا فِي يَدِهِ غَيْرُ
التَّيْرَبِ5.
__________
1 في التاج "درأ" وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي "الحماسة "362" وجاء في
الشرح: وإنما قال: "في أصل غابة" إشارة إلى دخوله وتمكنه من غابتها.
2 اللسان "علا" وعزى لأعشى باهلة وجاء فيه: "من علو ومن علو: أي أتاني
خبر من أعلى".
3 أخرجه البيهقي في سننه "10/241".
4 أخرجه مسلم في "4/2297" وأبو داود في "4/254" بلفظ: "إذا لقيتم".
5 القاموس "ترب": التيرب: التراب.
(2/17)
ونَظِيرُ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ الَّذِي
يَرْوِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بن سلمان النجاد
أخبرنا هلال بن العلاء الرقي أخبرنا أبي أخبرنا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ
عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ قَيْسِ بْنِ حَبْتَرٍ عَنِ ابن عباس عن النبي
أَنَّهُ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَقَالَ: "إِذَا أَتَاكَ يَطْلُبُ
ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلأْ كَفَّهُ تُرَابًا" 1.
ورَوَيْنَا عَنِ المِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ
الْحَدِيثَ الأَوَّلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَحَثَا التُّرَابَ فِي وَجْهِ
الْمَادِحِ وَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا.
أَخْبَرَنَا ابنُ داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ أخبرنا وكيع أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ [7]
إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَأَثْنَى عَلَى
عُثْمَانَ فَأَخَذَ المِقْدَادُ ترابا / فحثا في وجهه2.
__________
1 أخرجه أبو داود في "3/279" وأحمد في مسنده "1/278, 350" وغيرهما.
2 أخرجه أبو داود في "4/254" ومسلم بنحوه في "4/2297".
(2/18)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أبي
بَكْر أَنَّ أَبَا الأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ
لَهُ: إِنَّا جِئْنَاكَ في غَيْرِ مُحِمَّةٍ ولا عَدَمٍ1
المُحِمَّةُ الحَاجَةُ اللازِمَة للإنسان يُقَالُ أحمَّت الحاجةُ قَالَ
زُهَيْرٌ:
وكُنْتُ إذا ما جِئْتُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ ... مَضَتْ وأَحَمَّتْ حَاجةُ
الغد ما تخلو2
__________
1 لفائق "حمم" "1/317" والنهاية "حمم" "1/445".
2 شرح الديوان"97" برواية: "أجمت" وقال أيو عمرو: "أحمت وأجمت واحدِ".
(2/18)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خِطْبَتِهِ: "أَيْنَ الَّذِينَ
كَانُوا يُعْطُونَ الْغَلَبَةَ فِي مَوَاطِنِ الْحُرُوبِ قَدْ
تَضَعْضَعَ بِهُمُ الدَّهْرُ فَأَصْبَحُوا كَلا شَيْءٍ وَأَصْبَحُوا
قَدْ فُقِدُوا وَأَصْبَحُوا فِي ظُلُمَاتِ الْقُبُورِ الْوَحَا الوحا
النجا النجا"1
__________
1أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/34" وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء
"102" وغيرهما.
(2/18)
أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا أبو داود
أخبرنا صفوان بن صالح أخبرنا الوليد أخبرنا الأَوزاعِيّ عن يَحْيَى بن
أبي كَثِيرٍ.
قوله تَضَعْضَعَ بِهُم الدَّهْرُ أي ضَعْضَعَهُم الدَّهْر ومَعْنَاهُ
بَدَّدَهم وشَتَّتَ شَمْلَهُم والضَّعْضَعَةُ التَّبْدِيدُ
والتَّفْرِيقُ. قال جريرٌ:
بَازٍ يُضَعْضِعُ بالدَّهْنَا قَطًا جُونَا1
ومثله الدَّغْدَغَةُ ومن كلام العرب في تَبْدِيد الشَّمْل صار القَوْمُ
أيادِيَ سَبَا وتَفَّرقُوا شذَرَ مذَرَ وشَغَرَ بَغَرَ إذا صاروا
عَبَادِيدَ شَتَّى وإِنَّمَا نُسِبَ للتفرق والتَّبَدُّدُ إلى
الدَّهْرِ عَلَى مَعْنى أنَّ وقوعهما كان في أَيَّام الدَّهْر
والعَرَبُ تقول في الرَّجُل إذا طال عُمُرُهُ قد أكل عليه الدَّهْرُ
وشَرِب يُرِيدُ أَنَّهُ أَكَلَ وَشَرِبَ دَهْرًا طَويلا
ومن هذا قول اللَّه تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} 2 أي
مَكْرُكُم في اللَّيْلِ والنَّهَار ومثله قَوْلُهُم لَيْلٌ نَائِمٌ
أَيْ مَنُومٌ فِيِهِ قال الشَّاعِر:
لَقَد لُمْتِنَا يا أُمُّ غَيْلان في السُّرَى ... ونِمْتِ ومَا لَيْلُ
المَطيِّ بِنَائِمِ3
والوَحَا السُّرعَةُ والاستِعْجَال في السَّيْرِ والفِعْلُ مِنْهُ
تَوَحَّيْتُ تَوَحِّيا.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ فِي قِصَّةِ
الْغَارِ أنه كان له غنم
__________
1 الديوان "481" برواية: "بالسهبا" بدل "بالدهنا" من قصيدة يهجو فيها
التيم وصدره:
كأن حاديها لما أصر بها.
2 سورة سبأ: 33.
3 الخزانة "1/465" برواية: "بالسري" والبيت لجرير من قصيدة يرد على
الفرزدق, وهو في الديوان: "454" وتقدم في الجزء الأول, لوحة "158".
(2/19)
فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ أَنْ
يُعَزِّبَ بِهَا فَكَانَ يُرَوِّحُ عَلَيْهِمَا مُغْسِقًا وَهُمَا فِي
الْغَارِ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ مَوْهَبٍ سَمِعْتُ نَافِعَ
بْنَ جُبَيْرٍ يَذْكُرُهُ.
قوله يُعَزِّبُ أَيْ يُبْعِدُ في المَرْعَى وكلأٌ عَازِبٌ إذا كَانَ
بَعيدَ المَطْلَب ويَرُوحُ بمعنى يُرِيحُ أي يَرُدُّ الغَنَم قَالَ
الأَعْشَى:
إذا رَوَّحَ الرَّاعِي اللِّقَاحَ مُعَزِّبًا ... وأَمْسَتْ عَلَى
آفاقها غَبَرَاتُها2
وَقَوْلُهُ مُغْسِقًا أي في غَسَقِ اللَّيْل وهو ظلمته.
__________
1 لم أقف عليه في المغازي للواقدي وقد أخرجه البيهقي في دلائل النبوة
"2/208" عن عائشة بألفاظ متقاربة, وهو في الفائق "عزب" "2/426".
2 الديوان "33".
(2/20)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ رَجُلا نَسَّابَةً فَوَقَفَ عَلَى قَوْمٍ
مِنْ رَبِيعَةَ فَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ فَقَالُوا: مِنْ رَبِيعَةَ
فَقَالَ: وَأَيُّ رَبِيعَةٍ أَنْتُمْ أَمِنْ هَامِهَا أَمْ مِنْ
لَهَازِمِهَا؟ قَالُوا: بَلْ مِنْ هَامِهَا الْعُظْمَى قَالَ أَبُو
بَكْرٍ: وَمِنْ أَيُّهَا؟ قَالُوا: ذُهْلٌ الأَكْبَرُ قَالَ أَبُو
بَكْرٍ: فَمِنْكُمُ عَوْفٌ الَّذِي يُقَالُ لا حُرَّ بِوَادِي عَوْفٍ؟
1 قَالُوا: لا قَالَ: فَمِنْكُمْ بِسْطَامُ بن قيس أبو القرى ومنتهى
الأَحْيَاءِ؟ قَالُوا: لا قَالَ؟ فَمِنْكُمْ جَسَّاسُ بْنُ مُرَّةَ
مَانِعُ الْجَارِ؟ قَالُوا: لا قَالَ: فَمِنْكُمُ الْحَوْفَزَانُ
قَاتلُ الْمُلُوكِ وَسَالِبُهَا أَنْفُسَهَا؟ قَالُوا: لا قَالَ:
فَمِنْكُمُ الْمُزْدَلِفُ الْحُرُّ صَاحِبُ [8] الْعَمَامَةِ
الْفَرْدَةِ؟ قَالُوا: لا قَالَ: فَمِنْكُمْ أَخْوَالُ الْمُلُوكِ مِنْ
كِنْدَةَ؟ قَالُوا: لا قَالَ فَمِنْكُمْ أَصْهَارُ الْمُلُوكِ مِنْ /
لَخْمٍ؟ قَالُوا: لا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَلَسْتُمْ بِذُهْلٍ
الأَكْبَرِ إِنَّمَا أَنْتُم ذُهْلٌ الأصغر فقام إليه
__________
1مثل أورده أبو عبيد "94" والفاخر "236" والعسكري "2/406" والميداني
"2/236" والزمخشري "2/262" واللسان "عوف".
(2/20)
غلام من بين شَيْبَانَ يُقَالُ لَهُ:
دَغْفَلٌ حِينَ بَقَلَ وَجْهُهُ فَقَالَ:
إِنَّ عَلَى سَائِلِنَا أَنْ نَسْأَلَهْ ... وَالْعِبْءُ لا تَعْرِفْهُ
أَوْ تَحْمِلَهْ1
يَا هَذَا إِنَّكَ قَدْ سَأَلَتَنَا فَأَخْبَرْنَاكَ وَلَمْ نَكْتُمْكَ
شَيْئًا. فَمَنِ2 الرَّجُلُ؟ قَالَ أبو بكر: أنبأنا مِنْ قُرَيْشٍ
قَالَ: بَخٍ بَخٍ أَهْلُ الشَّرَفِ وَالرِّيَاسَةِ فَمِنْ أَيِّ
القُرَشِيِّينَ قَالَ: مِنْ وَلَدِ تَيْمِ بْنِ مَرَّةَ فَقَالَ
الْفَتَى: أَمْكَنْتَ وَاللَّهِ مِنْ سَوَاءِ الثُّغْرَةِ3 فَمِنْكُمْ
قُصَيٌّ الَّذِي جَمَعَ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرٍ وَكَانَ يُدْعَى فِي
قُرَيْشٍ مُجَمِّعًا قَالَ: لا قَالَ: فَمِنْكُمْ هاشم الذي شم
الثَّريدَ لقَوْمه ورجالُ مَكَّة مُسْنِتُون عِجَافٌ؟ قَالَ: لا قَالَ:
فَمِنْكُمْ4 شَيْبَةُ الْحَمْدِ مُطْعِمُ طَيْرَ السَّمَاءِ؟ قَالَ: لا
قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ الإِفَاضَةِ بِالنَّاسِ أَنْتَ؟ قَالَ: لا قَالَ:
فَمِنْ أَهْلِ النَّدْوَةِ؟ قَالَ: لا فَمِنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ
قَالَ: لا قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ الْحِجَابَةِ؟ قَالَ: لا قَالَ:
وَاجْتَذَبَ أَبُو بَكْرٍ زِمَامَ النَّاقَةِ فَقَالَ الْفَتَى:
صَادَفَ دَرْءَ السَّيْلِ دَرْءٌ يَدْفَعُهْ ... يَهِيضُهُ حِينًا
وَحِينًا يَصْدَعُهُ5
نا ابْنُ الأعرابي أخبرنا جعفر بن عنبسة اليشكري عن محمد بن الحسن
القردوسي أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ السُّكُونِيُّ عَنْ
أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أبان بن تغلب ن عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ عَنِ علي بن أبي طالب.
__________
1 أنساب العرب "1/33".
2 د: "ممن الرجل".
3 في الأنساب "1/33" "أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة".
4 في الأنساب "1/33" "فمنكم شيبة الحمد: عبد المطلب مطعم طبر السماء
الذي كأن القمر في وجهه يضيء في الليلة الداجنة الظلماء؟ قال: لا".
5 أخرجه البيهقي في الدلائل "2/164" والسمعاني في الأنساب "1/33"
والطبري في الرياض النضير "1/102" وذكره المتقي الهندي في كنز العمال
"12/516" وكذلك صاحب سبائك الذهب "5" وقال: حكى صاحب الريحان والريعان
عن الخطابي وفسره بقوله: أي يكسر مرة ويشقه أخرى" وفي النهاية "هيض"
"5/288" واللسان "هيض" البيت الثاني فقط.
(2/21)
وحدثنيه محمد بن الحسين أخبرنا السراج
أخبرنا عبد الجبار بن كثير أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْيَمَانِيُّ
عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبَانَ بْنِ
تَغْلِبٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.
قَوْلُهُ أَمِنْ هَامِهَا أَمْ مِنْ لَهَازِمِها. يُرِيدُ مِنْ
أَشْرَافِها أَنْتَ أَوْ مِنْ أَوْسَاطِها واللَّهَازِمُ أُصُولُ
الحَنَكَيْن واحدها لِهْزَمَة يُقَالُ لَهْزَمْتُ الرَّجُلَ إذا
أَصَبْتَ لَهَازِمَه. قال الشَّاعِرُ:
إمَّا تَرَى شَيْبًا عَلانِي أَغْثَمُهْ ... لهزَمَ خَدَّيَّ به
مُلَهْزِمُهْ1
وَقَالَ النَّسَّابُون: بكر بن وائل على جِذْمَيْنِ جِذْمٌ يُقَالُ
لَهُ: الذُّهْلان وجِذْمٌ يُقَالُ لَهُ: اللَّهَازِمُ فَالذُّهْلان
بَنُو شَيْبَان بْن ثَعْلَبَةَ وبنو ذُهْل بن ثَعْلَبَة واللَّهَازِمُ
بَنُو قَيْس بن ثَعْلَبَة وبَنُو تَيْم اللات بنْ ثَعْلَبَة قَالَ
الفَرَزْدَق:
وأَرْضَى بحُكْمِ الحَيِّ بكر بن وَائِلٍ ... إذَا كَانَ في
الذُّهْلَيْنِ أَوْ في اللَّهَازِمِ2
وقَوْلُهُ لا حُرَّ بِوَادِي عَوْفٍ فإنَّمَا كَانَ يُقَالُ ذَلِك
لِعِزِّهَ وشَرَفِهِ يُرِيدُونَ أَنَّ النَّاسَ لَهُ كالعَبيِدِ
والخَوَل وهَوَ عَوْفُ بْنُ مُحَلِّم بن ذُهْل ولهُمُ القُبَّة الَّتي
يُقَالُ لَهَا المَعَاذَةُ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهَا أَعَاذُوُه.
وأَمَّا بَسْطَامْ بنْ قَيْس فَهُوَ فَارِس بَكْر وكَان يَقْرِي
الضَّيْف ويُؤْوِي الرَّهِيقَ3 ويكنى أبا الصهباء
__________
1 اللسان والتاج "لهمز" وجاء فيهما: "وأنشد أبو زيد لأحمد بني فزارة
وهو في النوادر "52" ومعه أبيات أخرى.
2 لم أقف عليه في ديوانه: ط دار صادر – بيروت. وانظر أمالي ابن الشجري
"1/164" وهو فيها غير منسوب.
3 التاج "رهق" الرهق: الذلة والضعف, عن الزجاج.
(2/22)
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: والعَرَب تَعُدُّ
مِنَ الفِرْسَان ثَلاثَة عَدُّوا عُتَيْبَةَ بْنَ الحارث اليَرْبُوعِيّ
فارسَ تَمِيم وعَدُّوا بِسْطَام بن قَيْس بن خَالِد الشَّيْبَانِي
فَارِس بَكْر وعَدُّوا عامِر بن الطُفَيْل الجَعْفَرِيّ فَارِسُ قَيْس
وَقَالَ الفَرَزْدَق يذكر بِسْطَامًا:
وقد مَاتَ بِسْطامُ بن قَيْس بن خَالِدٍ ... ومَاتَ أَبُو غَسَّان
شَيْخُ اللَّهَازِمِ1
فَأَمَّا جَسَّاس ومَنْعَهُ الجَارَ فإنَّ أَبَا عُبَيْدَة يَزْعُم
أَنَّ أُخْتُهُ كَانَتْ تَحْتَ كُلَيْب بن وائل وكانَت البَسُوسُ وهي
خالَةُ جَسَّاس نَازِلَةٌ عَلَيْه وجارَةً لِبَنِي مرّة / ومعها ابنٌ
لها ولهم نَاقَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّرَّارُ وكانت خوّارة [9] صفيَّة
فذكر أَنَّ أُخْت جَسَّاس بَيْنَا هي تَغْسِلُ رَأْس كُلَيْب
وتُسَرِّحُهُ إِذْ قَالَ لها من أعز وائل فضمرت2 فَأَعَادَ عَلَيْهَا
القَوْلَ فَلَمَّا أَكْثَرَ قَالَتْ أَخَوَايَ جَسَّاس وهَمَّام
فَنَزَعَ رَأْسَهُ مِنْ يَدِهَا وأَخَذَ القَوْس فَرَمَي فَصِيَل
نَاقَة البَسُوس فَأَقْصَدَهُ فَغَضِبَ جَسَّاس لِذَلِك فَقَتَلَ
كُلَيْبًا فَهَاجَ الشَّرُ بِسَبَبِهِ بَيْنَ بَكْرٍ وَتَغْلِب وكَانَ
كُلَيْبُ إِذَا حَمَى حِمًى لَمْ يُقْرَبْ وإِذَا أَجَارَ رَجُلا لَمْ
يُهِجْ لِعِزَّةٍ وبِهِ كَانَ يُضْرَبُ المَثَل في العِزِّ والمَنْعَةِ
وكان لا يُرَفَعُ في نَادِيهِ صَوْتٌ فَقَال قَائِلُهُم:
ذَهَبَ الخِيَارُ من المعاشِرِ كُلِّهم ... واستَبَّ بَعْدَكَ يا
كُلَيْبُ الْمَجِلسُ3
والبَسُوسُ4 في غير قَوْلِ عُبَيْدَة اسم النَّاقَة الَّتي رَمَاهَا
كُلَيْبٌ فَصَارَ مَثَلا في الشُّؤْم فَيُقَال: أَشْأَمُ مِن البَسُوس
والبَسُوسُ النَّاقَةُ الَّتِي تدر على الدعاء
__________
1 الديوان "2/206" برواية: "وقد مَاتَ بِسْطامُ بن قَيْس وعامر".
2 ح: "فصمتت" وضمزت: سكتت.
3 مجالس ثعلبة "47, 652" وعزى لمهلهل بن ربيعة برواية:
"أودى الخيار من المعاشر كلها".
والتاج "جلس" وروى فيه الشطر الأول: "تبئت أن النار بعدك أوقدت" والعقد
الفريد "3/298" برواية الخطابي. والشطر الثاني في النوادر لأبي زيد
"29".
4 د: "والبسوس في قول أبي عبيدة" والمثبت من بقية النسخ.
(2/23)
والمَلَقِ والإِبْسَاسُ أَنْ تَدْعُو
النَّاقَةَ باسْمِهِا وتُلِينَ لَهَا الطَّرِيقَ إلى الحَلْب.
وأَمَّا الحَوْفزانُ فَاسْمُهُ الحارِثُ بن شَريك بن مَطَر ولُقِّبَ
بالحَوْفَزَان لأنَّ بَسْطَام1 بن قَيْس حَفَزَهُ بالرُّمْحِ
فَاقْتَلَعَهُ عَنْ سِرْجِهِ وهو أَحَدُ الشُّجْعَان المَذْكُورِين
وإيَّاهُ عَنَى الشَّاعِرُ بِقَوْلِهِ:
غَابَ المُثَنَّى فَلَمْ يَشْهَد نِكَاحَهُمَا ... والحَوْفَزانُ ولَمْ
يَشْهَدْهُ مَفْرُوقُ
وَأَمَّا المُزْدَلِفُ فإِنَّمَا قِيلَ لَهُ صَاحِبُ العَمَامة
الفَرْدَةِ لأَنَّهُ كان إذا ركب لم يعتَمَّ مَعَهُ غَيْرَهُ قَالَ
أَبُو عُبَيْد واسْمُهُ الخَصِيب2 قَالَ غَيْرُهُ: ويُكَنَّى بِأَبِي
رَبِيعَة وَكَان سَعِيُد بن العَاصِ أَبُو أُحَيْحَة يُلَقَّبُ ذا
العِصَابَةِ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا اعتَمَّ لم يعتَمَّ قُرشيٌّ إعظامًا
لهُ قال الشَّاعِرُ:
فَتَاةٌ أَبُوهَا ذُو العِصَابَةِ وابْنُهُ ... وَعُثْمَانُ ما
أَكْفَاؤُها بِكَثِيرِ
وسُمِّيَ المُزْدَلِفُ في حَرْبِ كُلَيْبٍ قَال: ازْدَلِفُوا قَوْسِي
أَوْ قَدْرَها يُرِيُد تَقَدَّمُوا في الحَرْب يُقَالُ: ازْدَلَفَ
القَوْمُ إذا اقْتَرَبُوا وسُمِّيَ المُزْدَلِفَة لاقْتِرَابِهِم إلى
مِنًى بَعَدَ الإفَاضَةَ مِنْ عَرَفَات.
ويُقَالُ: بَلْ سُمِّيَتْ مُزْدَلِفَة لأَنَّهَا مَنْزِلَة وقُرْبَةٌ
من اللَّه عزَّ وجَلَّ وهُوَ قَوْلُ أَبي العَبَّاس ثَعْلَبْ
قَالْ ومِنْهُ قَوْلُ اللهِ تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} 3 أي
رَأَوْا العَذَابَ قُرْبَةً
ومِثْلُهُ قوله {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} 4 أي قربناهم من
الهلاك
__________
1 في الاشتقاق لابن دريد: "358" "سمي الحوافزان لأن قيس بن عاصم اقتلعه
عن سرحه بالرمح".
2 ط: "واسمه الحصين" والمثبت نت باقي النسخ والتاج "زلف".
3 سورة الملك: "27".
4 سورة الشعراء:"64".
(2/24)
وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ
نَافِعِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ كَتَبَ
رَسُولُ الله إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ:
"انْظُرْ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي تَجَهَّزَ فِيهِ الْيَهُودُ
لِسَبْتِهَا فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَازْدَلِفْ إِلَى اللَّهِ فيه
بِرَكْعَتَيْنِ وَاخْطُبْ فِيهِمَا" 1.
وَقَوْلُهُ أُمْكِنْتَ مِنْ سَوَاء الثَّغْرَة يُرِيدُ وَسَط
الثَّغْرَة وهي نَقْرَة النَّحْر وسَوَاءُ كُلِّ شَيْءٍ وَسَطُه قَال
الشَّاعِرُ:
وصاحِبٍ غَيْرِ ذِي ظِلٍّ ولا نَفَسٍ ... هَيَّجْتُهُ بِسوَاءِ البِيدِ
فَاهْتَاجَا
وفي رواية ابن الأعرابي أَمْكَنْتَ من صَفَاة الثُّغْرَةِ.
وأمَّا قَوْلُهُ مِنْكُم قُصَيُّ الَّذِي جَمَعَ القَبَائِلَ مِنْ
فِهْرِ فَإنَّهُ قُصَيُّ بنِ كلاب بن مرة واسمه زيذ وإنَّمَا سُمِّيَ
قُصَيًّا لأَنَّهُ قَصَّى قومه أي تقصاهم وهم بالشَّام فَنَقَلَهُم إلى
مَكَّة / فُعَيْل مِن قَصَا يَقْصُو ويُسَّمَّى أَيْضًا [10] مُجمِّعا
قَالَ الشاعر:
أبُوكُمْ قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجمِّعا ... بِهِ جَمعَ اللهُ
القَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ2
وحَدَّثَنِي محمد بن نافع أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي أنبأنا أبُو
الوَليِد الأَزْرَقِيِّ قَال قَالَ ابن جُرَيْج: كانت السِّدَانَةُ
والرِّيَاسَةُ بِمَكَّة إلى حُلَيْل بن حَبَشِيَّةِ الخُزَاعِي
فَخَطَبَ إليِهِ قُصَيٌّ ابنَتَهُ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ دَعَا
قُصَيًّا
__________
1 أخرجه السهلي في الروض الأنف "4/101" بسنده عن ابن عباس بلفظ: "تجهر
فيه اليهود فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الحمعة فتقربوا
إلى الله بركعتين" وعزاه للدارقطني ولم أقف عليه في سننه.
2 اللسان والتاج "جمع" وعزي لحذافة بن غانم بن عامر القرشي ثم العدوي,
والاستقاق: "155" برواية: "أبونا قصي" والعقد الفريد "3/313" برواية:
"قصي أبوكم" وتقدم في الجزء الأول, لوحة "136".
(2/25)
فَجَعَلَ إليِهِ وِلاية البَيْتِ فَوَلِيَ
أَمْرَ مَكَّةَ وجَمَعَ قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِم إلى مَكَّة
يَسْتَعِزُّ بِهْم فَتَمَلَّكَ عَلى قَوْمِهِ1.
وأمَّا هَاشِم الَّذي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ فَإنَّهُ عَمْرُو
بن عَبْد مناف وسُمِّيَ هَاشِمًا لِهَشْمِهِ الثَّرِيد لِقَوْمِهِ
وكَانُوا قد أَصَابَتْهُم مَجَاعَةٌ شَدِيدَة فَبَعَثَ عِيرًا إلى
الشَّام وحَمَّلَهَا كَعْكًا ونَحَرَ جَزُورًا2 وطَبَخَهَا وأَطْعَمَ
النَّاسَ الثَّريد وفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
عَمْرُو العُلا هَشَمَ الثّريدَ لِقَوْمه ... ورِجالُ مَكَّةَ
مُسْنِتُونَ عِجَافُ3
وأَمَّا شَيْبَةُ الحَمْدِ فَهْوَ عَبْدُ المُطَّلِب بن هاشم ولُقِّبَ
بِشَيْبَة لأَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ كَانَتْ في رَأْسِهِ شَعْرَةٌ
بَيْضَاء وسُمِّيَ مُطْعِمُ طَيْرِ السَّمَاء لأَنَّهُ حِينَ أَخَذَ في
حَفْرِ زَمْزَم وكَانَت قد دَرَسَت وانْدَفَنَتْ جَعَلَت قُرَيْش
تُعَنِّتُهُ4 وتَهْزَأُ بِهِ فَقَال: اللَّهُمَّ إِنْ سَقَيْتَ
الحَجِيج ذَبَحْتُ لَكْ بَعْضَ وَلَدي فَاسْقَي الحَجِيجَ مِنْهَا
وَأَقْرَعَ بَيْنَ وَلَدِهِ فخرجت القرعة على ابنه عبد الله فَأَرَادَ
ذَبْحَهُ فَقَالَتْ بَنُو مَخْزُوم وهُم أَخْوَالُهُ: أَرْضِ رَبَّكَ
وَافْدِ ابْنَكَ فَجَاءَ بِعَشْرٍ مِن الإِبِل فَخَرَجَتِ القُرْعَةُ
عَلَى ابْنِهِ فَلَمْ يَزَل يُزِيدُ عَلَى الإِبِلِ عَشْرًا عَشْرًا
كُلُّ ذَلِك يَخْرُجُ عَلَى عبد الله إلى أَنْ بَلَغَ بِهَا مِائَةَ
فَخَرَجَتِ القُرْعَةُ عَلَى الإِبِل فَنَحَرَهَا بِمَكَّةَ في رُؤُوسِ
الجِبَالِ فَسُمِّيَ مُطْعِمُ الطَّيْرِ وجَرَتِ السُنَّةُ في
الدِّيَّةِ بِمِائَةٍ مِن الإِبِل.
وأَمَّا الإِفَاضَةُ فَقَد اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا فأخبرني محمد بن
نافع حدثنا الخزاعي حدثنا الأَزْرَقِيُ قَال قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
إسحاق كانت الإفاضة إلى
__________
1 ذكره الأزرقي في أخبار مكة في كلام طويل "1/105, 107".
2 ط: "جزرا".
3 اللسان والتاج "سنت" وعزى لعبد الله بن الزبعري.
4 س: "تعيبه".
(2/26)
صُوفَةَ وَصُوفَةَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ:
الأَخْزَمُ1 بْنُ الْعَاصِ وَكَانَ لَهُ ابنٌ قَدْ تَصَدَّقَ بِهِ
عَلَى الْكَعْبَة يَخْدِمُهَا فَجَعَلَ إليِهِ حُبَشِيَّةُ بْنُ
سَلُولٍ الخُزَاعِيُّ الإِفَاضَةَ وكَانَ يَوْمَئِذٍ يَلِيَ أَمْر
مَكَّة فَكَانَتِ الإِجَازَةُ فِي وَلَدِ صُوفَةَ حَتَّى انْقَرَضُوا
ثُمَّ صَارَت الإِفَاضَةُ فِي عَدْوَانٍ يَتَوَارَثُونَهَا حَتَّى
كَانَ الَّذي قَامَ عَلَيْهِ الإِسْلامُ أَبُو سَيَّارَة العدواني وكان
يدفع الناس عَلى أَتَانٍ عَوْرَاء رسَنُها لِيفٌ وهِيَ الَّتي يُضْرَبُ
بِهَا المَثَلُ فَيُقَالُ: "أَصَحُّ مِنْ عَيْرِ أَبِي سَيَّارَةَ"2
حَجَّ المُسْلِمُون والمُشْرِكُون عامَئِذٍ فَكَانَ المُسْلِمُون فِي
نَاحِيَةٍ يَدْفَعُ بِهِم عَتَّابُ بْنُ أُسَيْد لأَنَّهُ أَمِيرُ
البَلَد وكَانَ المُشْرِكُون يَدْفَعُ بِهِم أَبُو سَيَّارَة فَلَمَّا
كَانَت سَنَةُ تِسْعٍ أَرْسَلَ رَسُول اللَّه عليه أَبَا بَكْر
واسْتَعْمَلَهُ عَلى الحَجِّ وَنَزَلَتْ سُورَةُ بَرَاءَةٌ فَبَعَثَ
بِها عَلِيًّا فَخَطَبَ ونَبَذَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ عَهْدَهُمْ
وقَالَ: "لا يَجْتَمِعُ مُسْلِمٌ ومُشْرِكٌ عَلى هَذَا الْمَوْقِفِ"3.
وقَالَ غَيْرُهُ كَانَت الإِفَاضَةُ فِي تَمِيمٍ فِي بَنِي صَفْوَانَ
بْنِ شِجْنَةَ4 بْنِ عُطَارِدَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ وَقَالَ
أَوَسُ بْنُ مَغْرَاءَ يَذْكُرُ ذَلِك:
وَلا يَرِيمُونَ فِي التَّعْرِيفِ مَوْضِعَهُم ... حَتَّى يُقَالَ
أَفِيضُوا آَلَ صَفْوَانَا
مَجْدًا بَنَاهُ لَنَا قِدْمًا أَوَائِلُنَا ... وأَوْرَثُوهُ طَوَالَ
الدَّهْرِ أُخْرَانَا5
قَالَ: ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُم إِلَى هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ
عِنْدَ مَوْتِ آخِرِ مَن بقي من بني صفوان
__________
1 ش: "الأخذم" ط: "الأخذم" والمثبت من د, ح.
2 المثل في اللسان "سير" وجمهرة الأمثال "1/588" والدرة الفاحرة
"1/271" ومجمع الأمثال "1/410" والمستقصى "1/205".
3 ذكره الأزرقي في أخبار مكة "1/186" بتقديم وتأخير.
4 س: "شجنة" بفتح الشين والمثبت من د والقاموس "شجن".
5 البيت الأول في الجمهرة "3/83" برواية:
ولا يريمون في التعرف موقفهم ... حتى يقال أجيزوا آل صوفانا
(2/27)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي
غَيْرِ الرِّوَايَةِ الَّتِي سُقْنَاهَا قَبْل كَانَ قُصَيٌّ قَدْ
حَازَهَا فِيمَا حَازَ مِنْ مَكَارِمِهِ ومِنْ ثَمَّ نَالَهَا هَاشِمٌ.
فَأَمَّا النَّدْوَةُ والسِّقَايَةُ والحِجَابَةُ فإِنَّ قُصَيًّا
جَعَلَهَا فِي وَلَدِهِ.
قَالَ الزُّبَيْرُ* بْنُ بَكَّارٍ: قَسَم قُصيٌّ مكارمَه بين ولده
فأعطى عبْدَ مناف السِّقايةَ والنَّدْوةَ وأعطى عبد الدار الحجابةَ
واللِّواءَ وأعطى عَبْدَ العُزَّى الرِّفادةَ وأعطى عبْدَ بْن قُصَيٍّ
جَلْهَةَ الْوَادِي قَالَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ اصطلحتْ قُريش عَلَى أن
وَلِي هاشم بْن عَبْد مناف السّقايةَ والرِّفادةَ وأُقِرَّت الحِجابةُ
في بني عَبْدِ الدَّارِ وَقَرَّرَهَا الإِسْلامُ لَهُمْ أعطى رسول الله
عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ مِفْتَاحُ الْبَيْتِ وقال: " خذوها يا بني عبد
الدار خَالِدَةً تَالِدَةً لا يَنْزِعُهَا مِنْكُمُ إِلا ظَالِمٌ" 1.
وقَوْلُهُ دَرْءُ السَّيْلِ أي هُجُومهُ وإقباله وفيه لُغَتَان ضَمُّ
الدَّال وفَتْحُها قال الفَرَّاءُ يُقَالُ: سَالَ الوَادي دَرْءًا
ودَرْءًا إذا سَالَ مِن مَطَر غَيْر أَرْضِهِ وسَالَ الوَادِي ظُهْرا
وظُهْرا إذا سَالَ مِن مَطَرِ أَرْضِهِ.
وقَالَ غَيْرُهُ يُقَالُ: دَرَأَنَا السَّيْلُ أي جاء فجاءة.
وقَوْلهُ يَهِيضُه مَعْنَاهُ يَرُدُّهُ ويَغْلِبُه وأَصْلُ الهَيْضِ
الكَسْرُ وأَكْثَرُ ما يُسْتَعْمَلُ في كَسْرِ العَظْمِ الَّذِي جُبِرَ
ثُمَّ [11] انْكَسَرَ ثَانِيَا / فَيُقَالُ: عَظْمٌ مَهِيضٌ وقَدْ
يُسْتَعْمَلُ في غَيْرِ ذَلِك عَلى التَّمْثِيِلِ بِهِ.
وقوله يصدعه أي يشقه.
__________
* سقط من نسخة د من هنا ثلاث صفحات من حجم الفلوسكاب.
1 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/111" وذكره السيوطي في الدر المنثور
"2/175" وعزاه للطبراني وكلاهما بلفظ: "يا أبي طاحة" بدل "يا بني عبد
الدار".
(2/28)
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ الله
قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "لَقَدْ وَقَعْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ مِنَ
الأَعْرَابِيِّ عَلَى بَاقِعَةٍ" فَقَالَ أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مَا مِنْ طَامَّةٍ إِلا وَفَوْقَهَا
طَامَّةٌ"1.
فالطَامَّة الدَّاهِيَة العَظِيمَة وأَصْلُهَا مِن قَوْلِك طَمَّ
المَاءُ إذا عَظُمَ وارْتَفَعَ.
ومِن هَذَا قَوْلُهُم جَاءَ فُلانُ بِالطِّمّ والرِّمّ فَالطِّمّ
المَاءُ الكَثيِر والرِّمُ مَا يحمله المَاءُ مِن قُمَاشٍ وغُثَاءٍ
وَنَحْوِهُ.
ويُقَالُ: بَلِ الرَّمِ العِظَامُ البَاليةُ ويُقَالُ: جَاءَ بالطِّمّ
والرِّمّ بِكَسْرِ الطَّاء فإذا أُفْرِدَت الطِّمّ ولَمْ تذكر بعد
الرِّمّ فُتِحَت الطَّاءُ فَقُلْتُ جَاءَ بالطِّمِّ يَا هَذَا.
وَالطِّمْطَامُ مُعْظَمُ مَاءِ الْبَحْرِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رَأَيْتُ
أَبَا طَالِبٍ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ وَلَوْلا مكاني لكان في
الطمطام".
__________
1 في دلائل البيهقي "2/165" أن عليا رضي الله عنه قال: هذا لأبي بكر
فقال أبو بكر: "أجل أبا حسن ما من طامة".
(2/29)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ دَعَا فِي مَرَضِهِ
بِدَوَاةٍ وَمِزْبَرٍ فَكَتَبَ اسْمَ الْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ1.
ذَكَرَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ
عَنْ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ فِي إِسْنَادٍ لَهُ.
المِزْبَرُ القَلَمُ ويُقَالُ: زَبَرْتُ الكِتَابَ أَزْبِرُهُ
وأَزْبُرُهُ وذَبَرْتُهُ أَذْبِرُهُ وأَذْبُرُه.
وسُمِّيَ الكِتَابُ زَبُورًا عَلَى أَنَّهُ مَزْبُورٌ كَقَوْلِهِم
حَلُوبٌ بِمَعْنَى مَحْلُوبٌ ورَكُوبٌ بمعنى مركوب.
__________
1 الفائق "زبر" "2/103" والنهاية "2/293".
(2/29)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا قَالَتْ: أَهْدَى لَنَا أَبُو بَكْرٍ رِجْلَ شَاةٍ مَشْوِيَّةٍ
فَقَسَمْتُهَا إِلا كتفها1.
[12] حدثناه الْخُلْدِيُّ / قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ بِشْرٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ
الْكِسَائِيُّ قَال حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عِيسَى عَنِ الأَعْمَشِ
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ.
قَوْلُها رِجْلُ شَاةٍ تُرِيدُ رِجْلَها بِمَا يَلِيَهَا مِنْ شِقِّها
طُولا ولَوْلا ذَلِك لم يَكُنْ فِيها كَتِفْ وقَدْ يَجُوز أن تكون
أرادت شَاةً وَافِيَةَ الأَعْضَاء كُنِيَ عَنْهَا بالرِّجْلِ كَمَا
يُكَنَّى عَنْهَا بالرأس.
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "1/405" عن عائشة وعن حميد بن هلال عن عائشة
بمعناه بدون قولها: "فقسمتها إلا كتفها".
(2/30)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ سَقِيفَةِ
بَنِي سَاعِدَةَ: مِنَّا الأُمَرَاءُ وَمِنْكُمُ الْوُزَرَاءُ
وَالأَمْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كَقَدِّ الأُبْلِمَةِ فَقَالَ
حُبَابُ1 بْنُ الْمُنْذِرِ: إِنَّا وَاللَّهِ لا نَنْفَسُ أَنْ يَكُونَ
لَكُمْ هَذَا الأَمْرُ وَلَكِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَلِينَا بَعْدَكُمْ
قَوْمٌ قَتَلْنَا آباءهم وأبناءهم2.
__________
1في الإصابة "1/302" الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري الخزرجي ثم
السلمي شهد بدرا وكان يكنى أبا عمر.
2 لم أجده من حديث القاسم وقد أخرجه البخاري من جديث عائشة في فضائل
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم "5/8" في حديث طويل
بدون: "والأمر بيننا وبينكم ... الخ.
وانظره في الفائق "قدد" "3/166" بلفظ.
(2/30)
أَخْبَرْنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ
قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا
بُنْدَارُ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
مُحَمَّدٍ.
الأَبْلُمَةُ: خَوْصَةُ1 المُقل وفِيها ثَلاثُ لُغَات أُبْلُمة
وأَبْلَمة وإِبْلِمَة2.
يَقُولُ: نَحْنُ وإيِّاكُم سَوَاءٌ في الحُكْمِ لا فَضْلَ لأَمِيرٍ
عَلى مَأْمُور كَالخُوصَة إذا شُقَّت طُولا باثْنَينِ تَسَاوى
شِقَّاهُما فَلَم يَكُن لأَحَدِهِمَا فَضْلٌ عَلى الآَخَر والعَرَبُ
تَقُول الأَمْرُ بَيْنَنَا شَقُّ الأَبْلَمَة وهَذَا وذَاك سَوَاء
والقَدُّ القَطْعُ والشَّقُ مَعًا.
وقَوْلُهُ: لا نَنْفَسُ أن يَكُونَ هَذَا الأَمْر فَيكُم أَيْ لا
نَحْسِدُكُم عليه ولا نُزَاحِمُكُم عَلى الدُّخول فيه ومِنْهُ
المُنَافَسَة في الشَّيء وأَصْلُهَا شِدَّةُ الرَّغْبَة ومِنْهُ قَوْل
اللَّه تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} 3
وأنشدني أبو عُمَر قَالَ أَنشدَنا أَبُو العَبَّاس ثَعْلَب:
فَمَا هِبرِزِيٌّ مِن دَنَانِيرِ أَيْلَةٍ ... بِأَيْدِي الوُشَاةِ
نَاصِعٌ يَتَأَكَّلُ
بِأَحْسَنَ مِنْهُ يَوْمَ أُصْبِحَ غَادِيًا ... ونَفَّسَنِي فِيِه
الحِمَامُ المُعَجَّلُ4
يُرِيدُ رَغَّبَنِي فِيِهِ. والوُشَاةُ جَمْعُ الوَاشِي وهُوَ ضَرَّابُ
الدَّنَانِيرُ وسُمِّيَ وَاشِيا لِمَا يَنْقُشُه فِيهَا مِن اسْمِ
اللَّه تَعَالى فَكَأَنَّهُ وَشَاهُ بِهِ وَشْيا وَسُمِّيَ النَّمَّام
وَاشِيا لتَحْسِينَهُ القَوْلَ إذا بَلَّغَهُ وتزويره إياه.
__________
1 ط: س: "خوص المقل".
2 في القاموس "بلم" الأبلمة "مثلثة الهمزة واللام".
3 سورة المطففين: "26".
4 في التاج "هبرز" والبيتان لأحيحة بن الجلاح يرثي ابنا له وهما في
اللسان "هبرز نفس". دون عزو.
(2/31)
وفي هذه القِصَّة مِن غَيْرِ هذا الوجه
أَنَّ أَبَا بَكْر رَضِي اللَّهُ عَنْه أَتَى الأَنْصَارَ فَإِذَا
سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ عَلَى سَرِيرِهِ وَإِذَا عِنْدَهُ نَاسٌ مِنْ
قَوْمِهِ فِيهِمُ الْحُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ فقال:
أنا الذي لايصطلى بِنَارِهِ ... وَلا يَنَامُ النَّاسُ مِن سُعَارِهِ
نَحْنُ أَهْلُ الْحَلْقةِ وَالْحُصُونُ فِي كَلامٍ غَيْرِ هَذَا1.
حَدَّثَنِيهِ عبد الله بن محمد حدثنا ابن الجنيد حدثنا محمد بن قدامة
المروزي أنبأنا النضر بن شميل أنبأنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ2.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ يُقَالُ: فلان لا يصطلى بناره إذا كان لا
يُتَعرَّضُ لحدِّهِ3 والسُّعَارُ حَرُّ النَّارُ والسَّعِيُر النَّارُ
نَفْسَها والسَّاعُور التَنُّورُ.
وقَالَ أَبُو عُبَيْدَة السُّعَار والسُّعْرُ كالجُنُون. قَال
والعَرَبُ تَقُولُ نَاقَةٌ مَسْعُورَةٌ إذا كانت كَأَنَّهَا
مَجْنُونَةٌ مِنْ نشاطها واحتج بقول الشاعر:
تَخَالُ بِهَا سُعْرًا إذا العيس هَزَّهَا ... ذَمِيلٌ وتَوْضيعٌ مَن
السَّيِرِ مُتْعَبُ
والحَلْقَةُ السِّلاحُ وأَدَاةُ الحَرْب وأكثر ما يُقال ذَلِكَ في
الدروع.
__________
1 الفائق "قدد" "3/166" والنهاية "سعر" "2/367" والرجز في الفائق.
2 ساقطة من س, ط.
3الوسيط "صلى" فلان لا يصطلي بناره إذا كان شجاعا لا يطاق.
(2/32)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه كان يلقب بعتيق.
أخبرنا ابن الأعرابي حدثنا عبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ
مَعِينٍ قَال: كَانَ وَجْهُهُ جَمِيلا فَسُمِّيَ عَتِيقًا1.
وأخبرنا أَبُو عُمَر حدثنا أبو العباس ثَعْلب عن ابن الأعرابي قَالَ
العرب تقول للشيء قد بلغ النِّهَايةَ في الجَوْدَةِ عَتِيقٌ ويُقَالُ:
عَتَق الفَرَسُ إذا سَبَق وقَدْ رَوَيْنَا فِيِهِ وَجْهًا آخر.
أخبرنا ابن الأعرابي حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
الدَّقِيقِيُّ حدثنا حامد بن يحيى حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا زِيَادُ
بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَامِرِ بن عبد الله الزُّبَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: كَانَ اسْمُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عُثْمَانَ فقال رسول الله: "أَنْتَ عَتِيقُ اللَّهِ مِنَ
النَّارِ" فَسُمِّيَ عَتِيقًا 2.
ويُقَالُ إنَّ تِلادَ اسْمُهُ عَتيِق رَوَي عَنْ عَائِشَة أَنَّها
قَالَتْ كان لأبي قُحَافَةَ ثَلاثَةٌ مِن الوَلَد فَسمَّاهُم عَتِيقا
ومُعَتِّقا ومُعَيْتِقا3.
حَدَّثَنِيِهِ الحَسَنُ بْنُ عبد الرحيم حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا
قتيبة بن سعيد حدثنا ابْنُ لُهَيْعَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَة عَنِ اسْمِ أَبِي بَكْرٍ
رضي الله عنهما فقالت عبد الله فَقُلْتُ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ عَتِيقٌ
فَذَكَرَتْ ذلك
__________
1 ذكره ابن معين في تاريخه "3/20" ورقم النص "85" وذكره الحافظ في
الإصابة "2/342".
2 في هامش س: "إنه عتيق الله من النار" وأخرجه ابن حبان في صحيحه انظر
موارد الظمآن "532" وذكره الهيثمي في مجمعه "9/40" وعزاه للبزار
والطبراني.
3 ذكره الهيثمي في مجمعه "9/41" بلفظ "فسمي واحدا عتيقا ومعيتقا ومعتقا
وعزاه للطبراني وأخرجه بنحوه الطيري في تاريخه "4/50" بلفظ "عتيق,
ومعتق, وعتيق," وانظر تاريخ الخلفاء "28".
(2/34)
[13] / وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي
حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ
مَعَ رَسُولِ الله إِلَى الْمَدِينَةِ لَقِيَهُ رَجُلٌ بِكِرَاعِ
الْغَمِيمِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَاغٍ
وَهَادٍ وَكَانَ يَرْكَبُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(2/32)
فَيَقُولُ لَهُ: تَقَدَّمْ عَلَى صَدْرِ
الرَّاحِلَةِ حَتَّى تُعَرِّبَ عَنَّا مَنْ لَقِيَنَا فَيَقُولُ:
أَكُونُ وَرَاءَكَ وَأُعْرِبُ عَنْكَ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ عَنْ سَعِيدِ بن عطاء عن أَبِي مَرَوَانَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
قال أَبُو سُلَيْمَانَ وَقَوْلُهُ أُعْرِبُ عَنْكَ قَالَ الفَرَّاءُ
عَرَّبْتُ عَنِ الرَّجُلِ إِذَا تَكَّلَمْت عَنْهُ واحْتَجَجْتَ لَهُ.
وقَوْلهُ بَاغٍ وهَادٍ يُعَرِّضُ بِبُغَاء الإِبِل وبِهداية الطَّرِيق
وهو يريد أَنَّهُ يَبْغِي الخَيْر ويَطْلُبُ الدِّينَ2 وأَنَّ
صَاحِبَهُ يهْدِي مِنَ الضَّلالة يقالُ: بَغَى الرَّجُل ضَالَّتَهُ
يبغي بُغَاءً مَضْمُومَةُ البَاء ورَجُلٍ بَاغٍ وقَوْمٍ بُغَاةٌ
وبُغْيَانٌ.
ومِنْهُ حَدِيث سُرَاقَةَ بنِ مَالِك بن جَعْشَم في قِصَّةِ خُرُوج
رسول الله إلى المدينة وطَلَب المُشْرِكِين إيَّاهُ قال سراقة: فبينا
أنبأنا جَالِسٌ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ آنِفًا
أَسْوِدَةً بِالسَّاحِل أَرَاهُ مُحَمَّدا وأَصْحَابه.
قَالَ فقلت: إنهم لَيْسُوا بِهِم ولكن رأيتَ فلانا وفلانا وفُلانا
انْطَلَقوا بُغْيَانا3 ومثله رَاعٍ ورُعَاةٍ ورُعْيَان وقَالَ
نُصَيْبٌ:
ومَا أَنْشَدَ الرُّعْيَانُ إلا تَعِلَّةً ... بِواضحة الأنياب طيبة
النشر4
__________
1 الفائق "كرى" "3/256" والنهاية "بغى" "1/143".
2 د: "وطلب أيدين".
3 أخرجه الحاكم في المستدرك "3/6" بلفظ "انطلقوا بغاة" وذكره ابن كثير
في البداية والنهاية "3/185" وكذلك في السيرة النبوية "2/247" إلا أنه
قال: "انطلقوا بأعيننا" بدل "بغيانا" وفي الفائق "أنف" "1/64" الأسودة
جمع سواد وهو الشخص.
4 شعر نصيب "93".
(2/33)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَلِيتُكُمْ
وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ1.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ مَذْهَبُ هَذَا الكَلام وطَرِيقُه مَذْهَبُ
التَّوَاضُع وتَرْك الاعْتِدَاد بالوِلاية والتَّبَاعُد مِنَ
كِبْرِيَاء السَّلْطَنَة ولَمْ يَزَل مِنْ شِيَمِ الإبْرَار ومَذَاهِب
الصَّالِحِينَ والأَخْيَار أَنْ يَهْتَضِمُوا أَنْفُسَهُم وأَنْ
يَسُوغُوا مِنَ حُقُوقِهم.
وَقَدْ كَانَ لَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ حِينَ يَقُولُ: "لَيْسَ لأَحَدٍ أن يقول: أنبأنا
خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى" 2 وهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سيّدُ وَلَدِ آدَم أَحمرِهم وأَسْودِهم.
وأخبرناه ابن الأعرابي حدثنا أبو داود حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ
قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: بَلَغَنَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ
/ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ هَذَا ثُمَّ قَالَ: "بَلَى وَاللَّهِ
إِنَّهُ لَخَيْرَهُمْ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ يَهْضِمُ نَفْسَهُ"3. [14]
ومما يُشْبِهُ ذَلِك من كلامه قولَهُ حِينَ خَطَب.
أَخْبَرْنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ عَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ
أَبَا بَكْر رَضِي اللَّهُ عَنْه خَطَبَ فَقَال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
كَانَ يُعْصَمُ بِالْوَحْيِ وَكَانَ مَعَهُ مَلَكٌ وَإِنَّ لِي
شَيْطَانًا يَعْتَرِيَنِي فإذا غضبت فاجتنبوني لا أوثر فِي
أَشْعَارِكُمْ وَأَبْشَارِكُمْ أَلا فَرَاعُونِي فَإِنِ اسْتَقَمْتُ
فَأَعِينُونِي وَإِنْ زِغْتُ فقوموني4
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/336" والطبري في تاريخه "3/203".
2 أخرجه البخاري في مواضع منها "6/52" ومسلم في "4/1846" وغيرهما.
3 ذكره الطبري في الرياض النضرة عن الحسن "1/176".
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/336" برواية: "ولا أبشاركم".
(2/35)
وَقَدْ يَعِيبُهُ بِهَذَا وَبِمَا
يُشَبِّهُهُ مِنْ كَلامِهِ قَوْمٌ لا رَوِيَّةَ لَهُمْ وَهُوَ بِحَمْدِ
اللَّهِ سَلِيمٌ من العيب إذا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ الله
مَعْصُومًا وَكَيْفَ وَهُوَ يَقُولُ: مَا مِنْكُمْ مَنْ أَحَدٍ إِلا
زَلَّهُ شَيْطَانٌ قَالُوا وَلَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "وَلِيَ
إِلا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيِهِ فَأَسْلَمَ" 1.
وَكَانَ أبو بَكْر رضي الله عَنْهُ يُوصَفُ بِبَعْضِ الْحِدَّةِ
وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: كَانَ وَاللَّهِ بَرِيًّا تَقِيًّا
مِنْ رَجُلٍ كَانَ يُصَادَى مِنْهُ غَرْبٌ2 أَيْ حِدَّةٌ.
وَقَوْلُهُ يُصَادَى قَالَ الأَصْمَعِيُّ: مَعْنَاهُ يُمَارَسُ وأنشدني
أبو عُمَر قَالَ أَنشدَنا أَبُو الْعَبَّاس عَنْ أَبِي نَصْر عَنِ
الأَصْمَعيّ لجابر بن مُؤْتَلِقٍ يُعَاتِبُ أخاه:
أَبيتُ أَكُفُّ نَفْسِي عَنْكَ كَفَّا ... وتُغْشِينِي أَذَاكَ عَلى
وِسَادِي
فَلَنْ تَلْقَى أَخًا إِنْ مِتُّ مِثْلِي ... يُصَادِي الحَرْبَ عَنْكَ
كَمَا أُصَادِي
قَال وَقَال الأَصْمَعِيُّ: يقول: الرَّجُلُ لَنِاقَتِهِ إذا مُخِضَتْ
بِتُّ أُصَادِيها وذَاكَ أَنَّهُ يَكْرَهُ أن يَعْقِلها فَيُعْنِتُها
أو يَدَعَها فَتَفَرُقَ فيأكلَها الذِّئب فَيَبِيتُ يُصَادِيها
والرَّجُلُ يُصَادِي وَلَدَهُ وأَخَاهُ أَنْ يَقَعَ في حَرْبٍ أَوْ
خُصُومَةٍ أو أَمْرٍ يكرهُه فيُمَارِسُهُ ويُدَاريِهِ فيَتَرَضَّاهُ
قَالَ أَبُو عُمَر وأَنْشَدَني أبو العبّاس عن ابن الأعرابي
لمُزَرِّدٍ:
ظَلِلْنَا نُصَادِي أُمِّنَا عَنْ حَميتها ... كَأَهْلِ الشَّمُوسِ
كُلُّهُم يَتَوَدَّدُ3
قَالَ: يريد نُدَارِيها ونَتَرَضَّاها ونُنَاشِدُها ونديرها عنه
__________
1 أخرجه مسلم في "4/2168" والنسائي في "7/72" وأحمد في مسنده "1/397,
401".
2 في الفائق "صدا" "2/289" وجاء فيه: "من رجل" بيان كقوله: {مِنَ
الْأَوْثَانِ} في قوله سبحانه {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ
الْأَوْثَانِ} .
3 الفائق "صدى" "2/289".
(2/36)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي يَرْوِيهِ مُعَيْقِيبُ
بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ فِي استِخْلافِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ فُلانًا دَخَلَ عَلَيْهِ فَنَالَ مِنْ عُمَرَ وَقَالَ: لَوِ
اسْتَخْلَفْتَ فُلانًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ فَعَلْتُ ذَلِك
لَجَعَلْتُ أَنْفَكَ فِي قَفَاكَ ولَمَّا أَخَذْتَ مِنْ أَهْلِكَ
حَقًّا فِي كَلامٍ طَوِيلٍ يُقَرِّعُهُ بِهِ1.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قوله جَعَلْتَ أَنْفَكَ في قفاك يُتَأَوَّلُ
على وَجْهَيْن أحدهما أن يُرِيدَ بذلك إعراضِهِ عَن الحقِّ وإقْبَالِهِ
على البَاطِل لأَنَّ مَن أَعْرَض بِوَجهِهِ فَقَد أَقْبَلَ بِأَنْفِهِ
إلى قَفَاه ولذلك قيل للمُنْهَزِم عَيْنَاهُ في قَفَاه وذَلِك أَنَّهُ
يُكْثِر الالْتَفَاتَ إلى ما وراءه خَوْفًا من الطَّلَب قَالَ
الشَّاعِرُ:
أُلْفِيَتَا عَيْنَاكَ عِنْدَ القَفَا ... أَوْلَى فَأَوْلى لَكَ ذا
واقِيَه2
والوَجْهُ الآخَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّكَ تُقْبِلُ بِوَجْهِك
عَلى مَنْ وَرَاءك من أَشْيَاعِك فَتُؤْثِرُهُم بِبِرِّكَ وتَخُصُّهُم
بِهِ ويَدُل عَلى صِحَّةِ هَذَا المَعْنَى قَوْلُهُ وَلَمَّا أَخَذْتَ
مِنْ أَهْلِكَ حَقَّا.
وَأَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بن فراس حدثنا ابن سالم حدثنا إسحاق بن
راهويه حدثنا / عبد الرزاق حدثنا [15] مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ
دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ عَلى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ
يَشْتَكِي مِنْ مَرَضِهِ3 فَقَالَ لَهُ: أَتَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا
عُمَرَ وَقَدْ عَتَا عَلَيْنَا وَلا سُلْطَانَ لَهُ فَلَوْ مَلَكَنَا
كَانَ أَعْتَى وَأَعْتَى فَكَيْفَ تَقُولُ لِلَّهِ إِذَا لَقِيتَهُ
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْلِسُونِي فَأَجْلَسُوهُ فَقَالَ:
أَبِاللَّهِ تُفَرِّقُنِي فَإِنِّي أَقُولُ لَهُ إذا لقيته
__________
1 النهاية "أنف" "1/76".
2 النوادر "62" وعزى لعمرو بن ملقط "جاهلي".
3 في ح, ط: "وهو يشتكي في مرضه".
(2/37)
اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ1
يُرِيَدُ خَيْرَ الْمُهَاجِرِينَ وَكَانُوا يُسَمُّونَ أَهْلَ مَكَّةَ
أَهْلَ اللَّهِ تَعْظِيمًا لَهُمْ كَمَا يُقَالُ: بَيْتُ اللَّهِ
وَكَمَا جَاءَ إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ وَهُمْ حَمَلَةُ الْقُرْآنِ.
وَشَبِيهٌ بِالْقِصَّةِ الأُولَى خَبَرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَوْفٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي عِلَّتِهِ الَّتِي
مَاتَ فِيهَا فَقُلْتُ أَرَاكَ بَارِئًا يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ
فَقَالَ: أَمَا إِنِّي عَلَى ذَلِكَ لَشَدِيدُ الْوَجَعِ وَلِمَا
لَقِيتُ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ2 أَشَدُّ
عَلَيَّ مِنْ وَجَعِي إِنِّي وَلَّيْتُ أُمُورَكُمْ خَيْرَكُمْ فِي
نَفْسِي فَكُلُّكُمْ وَرِمَ3 أَنْفُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الأَمْرُ
دُونَهُ وَاللَّهِ لتَتَّخِذُنَّ نَضَائِدَ الدِّيبَاجِ وَسُتُورِ
الْحَرِيرِ وَلَتَأْلَمُنَّ النَّوْمَ عَلَى الصُّوفِ الأَذْرِبِيِّ
كَمَا يَأْلَمُ أَحَدُكُمُ النَّوْمَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ
وَاللَّهِ لأَنْ يُقَدَّمَ أَحَدُكُمْ فَتُضْرَبَ رَقَبَتُهُ فِي
غَيْرِ حد لَهُ مِنْ أَنْ يَخُوضَ غَمَرَاتِ الدُّنْيِا يَا هَادِيَ
الطَّرِيقِ جُرْتَ إِنَّمَا هُوَ الْفَجْرُ أَوِ الْبَجْرِ4.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: قوله فَكُلُّكُم وَرِمَ أَنْفُهُ أي امتَلأَ
مِن ذلك غَيْظَا قَالَ الشاعر:
ولا يُهَاجُ إذا ما أَنْفُهُ وَرِمَا5
أي لا يُكَلَّم عند الغَضَب ونَضَائِد الدَّيباج يَعْنِي بِهِ
الوَسَائِد والفُرُشَ ونَحْوَهَا وذَلِك لأَنَّهَا تُنضدُ ويجعل بعضها
فوق بعض واحدتها نَضِيدَة ويُقَالُ لمَتَاعُ البَيْت المرفوع بَعْضهُ
فوق بَعْضٍ: النَّضَدُ قال النابغة
__________
1 أخرجه إسحاق بن راهوية في مسنده "ل 13 أ" وعبد الرزاق في مصنفه
"5/449".
2 ساقط من د.
3 د: "فكلكم ورم أنفه" بتشديد الراء.
4 أخرجه الطبري في تاريحه "4/52" باختلاف يسير وانظر كذلك في كنز
العمال "12/531, 533" وإنما هُوَ الفَجْرُ أو البَجْر" مَثَلٌ عند
الميداني "1/68".
5 اللسان والتاج "ورم" ولم يعز.
(2/38)
خَلَّتْ سَبِيلَ أَتِيٍّ كَانَ يَحْبِسُهُ
... ورَفَّعَتْهُ إلى السِّجْفَيْنِ فَالنَّضَدِ1
والصُّوفُ الأَذْرُبِيّ مَنْسُوب إلى أَذْرَبِيجَان وكذلك تَقُولُ
العَرَبُ تُسَكِّنُ الذَّالَ مِنْهَا قال الشاعر:
ذكرتها وَهْنًا وقَدْ حَالَ دُونها ... قُرَى أَذْرَبيجان المَسَالِحُ
والجالُ2
وَقَوْلُهُ هُوَ الفَجْرُ أو البَجْر مَثَلٌ والبَجْر الدَّاهِيَةُ
والأَمْرُ العَظِيم يُقَال: جِئْتَ يا هذا بِبَجْرٍ أَي بِأَمرٍ
مُنْكَرٍ يقول: إن انتظرت حَتَّى يُضِيءَ لَكَ الفَجْرُ أَبْصَرْتَ
الطَّرِيقَ وإن خبطتَ الظَّلمَاء أَفْضَت بِكَ إلى المكروه ويقال:
بَجْرٌ وبُجْرٌ.
__________
1 الديوان "4" وشعراء النصرانية "4/659".
2 معجم البلدان "أذربيجان" وعزى للشماخ وفي اللسان والتاج "سلح"
المسالح: مواضع المخافة والبيت في الديوان "456" برواية: "قرى أذربيجان
المسالح والجالي".
ورواية: "والجال" بالرفع على البدل من قرى ويكون في البيت إقواء, لأن
القافية مجرورة وفي الكامل للمبرد "1/8" "المسالح والجال: بالجر فيهما
على الإضافة وقال المرصفي في رغبة الآمل "1/57" والجال: اسنم الجماعة
الخيل والإبل وأضاف أذربيجان إليها إشعارا بأنها مملوءة بها.
(2/39)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَسْعُودَ بْنَ هُنَيدَةَ
مَوْلَى أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ قَالَ: رَأَيْتُهُ قَدْ طَلَعَ فِي طَرِيقٍ
مُعْوِرَةٍ حَزْنَةٍ وَأَنَّ رَاحَلَتَهُ قَدْ أذمت به وأزحفت فَقَال:
أَيْنَ أَهلَكَ يَا مَسْعُودُ فَقُلْتُ1 بِهَذِهِ الأَظْرُبِ
السَّوَاقِطِ.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَني هاشِمُ بْنُ عَاصِمٍ عَن
أَبِيهِ عَنْ مَسْعُودِ بن هنيدة2.
__________
1 د: "فقلت: بهذه الأطرب السواقط".
2 لم أقف عليه في المغازي وقد أخرجه ابن سعد في طيقاته "4/311" عن
مسعود بألفاظ أخرى وهو في النهاية "عور" "3/319".
(2/39)
قَالَ أَبُو سُلَيْمان قوله في طَرِيقٍ
مُعْوِرَةٍ أَي ذات عَوْرة يُخَاف فيها الضَّلالُ والانْقِطاعُ.
يُقَالُ: أَعْوَر المَكَان فَهْوَ مُعْوِرٌ إذا خِيفَ فيه القَطْعَ
والهَلاكَ وكُلُّ عَيْبٍ وخَلَل في شيء فَهُوَ عَوْرَة ومِنْهُ [16]
قَوْلُ / اللهِ تَعَالى: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} 1 أي ليست
بِحَرِيزَةٍ ولا حَصِينَة وقولُهُ قد أَذَمَّت مَعْنَاهُ كَلَّت وأعبت.
قَالَ بعضُ أَهْلِ اللُّغَة مَعْنَاهُ: أَنَّهَا صارت إلى حَالٍ
تُذَمُّ عَلَيْهَا كَمَا يُقَالُ أَحمَد إذا جاء بما يُحمَد عليه.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ ويُحتَمَل أَنْ يَكُون المَعْنَى في ذلك
انقِطَاع سَيْرِها مِن قَوْلِك بِئْرٌ ذَمَّةٌ وَقَدْ ذَمَّت البِئْرُ
وأَذَمَّت إذا قَلَّ مَاؤُها وانْقَطَعَ وأَنْشَدَنِي أَبُو عُمَر
قَالَ أَنشدَنا أبو العبّاس ثَعْلَب:
أُرَجّي نائلًا من سَيْب رَبٍّ ... لَهُ نُعْمَى وذَمَّتهُ سِجَال2
وقَوْلُهُ أُزْحِفَتْ أي قَامَت مِن الإِعْياء وأَصلُ الزَّحْف أَنْ
يَجُرُّ البَعِيرُ فِرسِنَه من الإعياء.
يُقَالُ: زَحَفَ البَعِير وهو زَاحِفٌ وأَزْحَفَهُ السَّيْر فَهُوَ
مُزْحَفٌ والأَظْرُبُ جَمعُ الظَّرِب وهُوَ ما دُونَ الجَبَل يُقَالُ
في القَليل: أَظْرُبٌ وفي جَمْعِ الكَثِيرِ ظِرابٌ والسَّوَاقِطُ
المُنْخَفِضَةُ منَها اللاطئة بالأرض.
__________
1 سورة الأحزاب: "13".
2 اللسان والتاج "ذمم" برواية: "نرجي نائلا" ولم يعز.
وفي "سجل" برواية: "والذمة: البئر القليلة الماء والسجل: الدلو الملأى
والمعنى قليله كثير. سبق في الجزء الأول, لوحة "183".
(2/40)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ
الْمَدِينَةَ مَعَ رسول الله مُهَاجِرًا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى
وَعَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ وَبِلالا قَالَتْ عَائِشَةُ فَدَخَلْتُ
عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَقُلْتُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ
فَقَالَ:
كُلُّ امرىء مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ
شِرَاكِ نَعْلِهِ1
فَقُلْتُ: إِنِّا لِلَّهِ إِنَّ أَبِي ليَهْذِي ثُمَّ قُلْتُ لِعَامِرٍ
كَيْفَ تَجِدُكَ فَقَالَ:
لَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... وَالْمَرْءُ يَأْتِي
حَتْفُهُ مِنْ فَوقِهِ
كل امرىء مُجَاهِدٌ بِطَوقِهِ ... كَالثَّوْرِ يَحْمِي أَنْفَهُ
بِرَوْقُهِ2
فَقُلْتُ وَهَذَا وَاللَّهِ مَا يَدْرِي مَا يَقُولُ ثُمَّ قِيلَ
لِبِلالٍ كَيْفَ أَصْبَحتَ فَقَالَ:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِفَخٍّ وَحْولِي
إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنَ لِي
شَامَةٌ وَطَفِيلُ3
قَالَتْ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ:
"اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا
مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا ومدنا اللهم انقل
__________
1 اللسان والتاجى "صبح" والفائق "صبح" "2/283".
2 اللسان والتاج "طوق" وعزي فيهما لعمرو بن أمامة وقال: أراد بالطوق
العنق, والبيتان في الفائق "صبح" "2/283" دون عزو.
3 د:"بواد" بدل "بفخ" وروي أيضا "بفخ" والمثبت من س, ح, ط, ومعجم ما
استعحم "3/1014" وجاء فيه: فخ: موضع اغتسل لنبي صلى الله عليه وسلم قبل
دخول مكة وبفخ مقابر المهاجرين كل من جاور بمكة منهم فمات يواري هناك.
والبيتان في الفائق "صبح" "2/283" دون عزو ومعجم البلدان "شامة" وغزيا
لبلال بن حمامة وقد هاجر مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فاجتوى المدينة وانظر "معجم البلدان".
(2/41)
حُمَّاهَا إِلَى مَهْيَعَةَ" 1.
حَدَّثَنِيهُ الْحَسَنُ2 بن عبد الرحيم حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا
محمد بن يحيى القطعي حدثنا وهب بن جرير حدثنا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قَوْلُه المَرءُ يَأتي حَتفُه من فوقِهِ قَالَ
ابنُ الكَلِبيّ3 أوّلُ من قَال ذلك عَمْرُو بن مَامة في شِعْرٍ لَهُ
وهُوَ قَوُلُهُ: إنَّ4 الجَبَانَ حَتْفُه من فَوقِهِ يريد إن حذره
وجبته غير دافعٍ عَنْهُ المَنِيّة إذا حَلَّ بِهِ قَدَرُ اللَّه عَزَّ
وجَلَّ والطَّوقُ أَقْصَى الطَّاقَة.
وقَولُهُ كالثَّورِ يحمي أَنْفَهُ بَروْقهِ مَعْنَاهُ يَذُبّ عَنْ
نَفْسِهِ بِقرْنِه والرَّوْقُ القَرْن وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَظَلَّ يعجم أَعلى الروق مُنْقَبِضًا ... في حالك اللَّوْنِ صِدْقٍ
غَيْرِ ذِي أَوَدِ5
فَأَمَّا قَولهُم أَكَلَ6 فُلانٌ رَوْقَه فَمَعْنَاهُ طَالَ عُمْره
حتَّى تحاتَّ أَسْنَانُهُ وهُوَ من الرَّوْق وهو طول الأَسْنان
والنَّعت أَرْوَق وكُنَّى بالأنف عن
__________
1 أخرجه أحمد مع اختلاف بعض الألفاظ في مسنده "6/65, 222, 240, 260.
2 س: "الحسين بن عبد الرحيم".
3 من س, ح, ط.
4 د: "إن الجبان يأتي حتفه من فوقه".
5 الشطر الأول في اللسان والتاج "عجم" وجاء في التاج أي يعض على قرنه
وهو يقاتله زيقال: عضه ليعلم صلابته من خوره, أو عجمه إذا لاكه للأكل
أو للخبرة وكانوا يعجمون القدحبين الضرسين إذا كان معروفا بالفوز
ليؤثروا فيه أثرا يعرفونه به, وعزي للنابغة وهو في ديوانه.
6 د: "أكل آل فلان روقه" والمثبت من باقي النسخ.
(2/42)
النَّفس كَقَوْلِهِم فُلانٌ حَمِيّ
الأَنْفِ إذا كان مَنِيعًا لا يُرَامُ وقَالَ مالك بن خُرَيْم:
مَتَى تَجْمَعِ القَلْبَ الذَّكِيَّ وصارِمًا ... وأَنْفًا حَمِيًّا
تَجْتَنبْكَ المَظَالِمُ1
والجَليلُ الثُّمامُ ومَجنَّةٌ مَوْضِعُ سُوقٍ بِأَسْفَلِ مَكَّة على
قَدْرِ بريدٍ مِنْهَا وشَامَةٌ وطَفِيلُ جَبَلان [17] مُشْرِفَانِ عَلى
مَجَنَّة.
__________
1 الأمالي "2/122" وعزى لعمرو بن براقة الهمذاني وعزى في شرخ الحماسة
للمرزوقي "حماسة "4334" لمالك بن خخريم. وفي التبريزي والقاموس "مادة
حرم" ونوادر أبي زيد "96" "حريم" وقال ابن النحاس في السمط "2/748"
قرأت على أبي إسحاق كتاب سيبويه في بيت أنشده له: "مالك بن حريم"
بالخاء المضموم والراء المهملة المفتوحة.
(2/43)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: إِنِّي
كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا وَلَمْ تكوني جزتية
وَإِنِّمَا هُوَ الْيَوْمُ مَالُ الْوَارِثِ1.
مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بن الصباح الزعفراني حدثنا
شبابة أنبأنا لَيْثٌ عَنْ ابِن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قَوْلُهُ: جَادَّ عِشْرِينَ وسْقًا أَي
نَخْلًا يُجَدُّ مِنْهُ ما يَبْلُغ عِشْرِين وَسْقًا والجَادُّ هاهُنا
بمعنى المَجْدُود فَاعِل بمعنى مَفْعُول.
يُقَالُ: جَدَدتُ النَّخْلَ أَجدهُ جَدًّا وجِدَادًا إذا صرمتَهُ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: إذا صُرِمَ النَّخْلُ فَذَلِكَ القَطاعُ
والجزَالُ والجَزازُ والجِزَارُ2 والجزامُ والجَدَادُ يُقَالُ في جميع
ذلك بالفَتْحَ والكسر.
__________
1 أخرجه مالك في الموطأ "468" بلفظ: "فلو كنت جددته واحتزتيه كان لك
... " والبيهقي في سننه "6/170" وعبد الرزاق في مصنفه "9/101" بلفظ "لو
كنت حزبيه كان لك" وابن سعد في الطبقات "3/194, 195" بلفظ "جدا د
عشرين" بدل "حاد عشرين".
2 ليس في ط.
(2/43)
وأَصْلُ الجَدِّ القطعُ ويُقَالُ: إن
الجديد من الثِّياب مأخوذ من قَطْعِ الحائِك إيَّاهُ عَن مِنْوَالِهِ
وقَالَ الشَّاعِر:
أَبَي حُبيّ سُلَيْمَي أن يَبيدَا ... وأَمْسَى حَبْلُها خَلَقًا جديدا
أنشدني أبو عمر قَالَ أنشدنا أبو العباس ثَعْلَب عَنْ سَلَمةَ عَن
الفَرَّاء:
فَوَاللهِ لَوْلا البَيْنُ ما انْقَطَعَ الهَوَى ... ولَوْلا الهَوَى
مَا حَنَّ للبَيْنِ آلِفُ2
وقد قرىء {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} 3 ومعناهُ وَصْلَكُم.
وَأَخْبَرَنَا4 مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ حدثنا الصائغ
حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عن عبيد
الله بن عبد الله بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ بِجَادٍّ مِائَةَ وَسْقٍ
لِلأَشْعَرِيِّيِّنَ وَبِجَادٍّ مِائَةَ وَسْقٍ لِلشَّنْئيِّينَ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِلشَّنْوِيِّينَ5.
قَالَ يَعْقُوب: هُمْ أَزْدُ6 شَنُوءَة على فَعُولة ولا يُقَال: شَنْوة
والنِّسْبَةُ إليهَا
__________
1 اللسان والتاج "جدد" والكامل للمبرد "3/137" دون عزو وقال المبرد:
أصبح خلقا مقطوعا لأن جديدا في معنى مجدود أي كما تقول: "فتيل ومقتول"
و "جريح ومجروح".
2 اللسان والتاج "بين" برواية: "لعنرك لولا البين لا نقطع الهوى" وعزى
فيهما لقيس بن ذريح.
3 سورة الأنعام: "94".
4 ط: "أخيرنا أبو عمر: محمد بن يحيى الشيباني.
5 ذكره السهلي في الروض الأنف "6/528" عن ابن إسحاك بسنده
بلفظ...."أوصى للرهاويين بجاد مائة وسق من خيبر وللداريين بجاد مائة
وسق من خيبر وللسبئيين وللأشعريين بجاد مائة وسق من خيبر".
6 ح, ط: "أسد شنوءة".
(2/44)
شنائِيّ1 ويُقَالُ: أَزْدُ شَنُوَّةَ
بتشديد الوَاوِ غَيْرِ مَهْمُوزٍ ويُنْسَبُ إليها الشَّنَوِيّ.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أنبأنا الصائغ حدثنا سعيد بن
منصور حدثنا عبد الله بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحارث عن
محمد بن عبد الرحمن عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ارْبِطُوا
الْخَيْلَ فَمَنْ رَبَطَ فَرَسًا فَلَهُ جَادُّ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ
وَسْقًا" 2 وَيُقَالُ: إِنَّ هَذَا كَانَ فِي بَدْوِ أَمْرِ الإِسْلامِ
وفي الخيل إذا ذَلِكَ قِلَّةٌ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ النُحْلَ لا تَصِحُّ
مِلْكًا حَتَّى تُقْبَضَ.
__________
1 ط: "والنسبة إليها شتئي" في القاموس "شنأ" "شنائي: وفي هامشه:
"شنئي".
2 أخرجه سعيد بن منصور في سننه "2/177".
(2/45)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ لأَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ كِتَابًا حِينَ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا فَإِذَا فِيهِ هَذِهِ
فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا
نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يعطه1.
حدثناه ابن داسة2 حدثنا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسماعيل
حدثنا حَمَّادُ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْ ثُمَامَةَ بن عبد الله بْنِ
أَنَسٍ كِتَابًا زَعَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَهُ لأَنَسٍ وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: قولَهُ فَرَضَها رسول اللَّه معناه قَدَّرَهَا
وبين كميتها3
__________
1 أخرجه البخاري في "2/146" وأبو داود في "2/96" والنسائي في "5/18".
2 ساقط من ط.
3 ح: "كيفيتها".
(2/45)
وأَصْلُ الفَرْضِ القَطْعُ ومنه أُخِذَ
فَرْضُ النَّفَقَات وهو بَيَانُ مقدارها وكَذَلك فَرْضُ المَهْر.
[18] / قَالَ اللهُ تَعَالى: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} 1
ومثلُهُ فَرضُ الجُنْد فهو ما يُقْطَعُ لَهُم2 من العَطَاء وإنَّمَا
تَأَوَّلْنَاهُ على فَرْضِ التَّقْدِير دُونَ فَرْض الإيجابِ والإلزام
لأن فرضَ الزَّكَاة قَد ثَبُتَ بالكِتَاب فَوَقَعَت بِهِ الكِفَايَة
وإنَّمَا وَرَدَ عَن رسول الله فيها ما هو بَيَانٌ لَهَا وتَقْدِيرٌ
لِكِمِّيتِهَا وذَلِك بَيِّنٌ في قَوْلِهِ هَذهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَة
الَّتي فرضها رسول الله على المسلمين التي أمر بها نبيه فقد أَعْلَمَكَ
أَنَّ الأَمْرَ بِهَا مِن اللهِ تَعَالى مُتَقدّم وإنَّمَا أَحْكَمَت
السُّنَّةُ بَيَانَهَا وبَيَّنَت مِقْدَارَها.
وقولهُ من سُئِلَ فَوْقَهَا فلا يُعْطِهِ يُتَأَوَّلُ على وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا أن لا يُعْطَى الزِّيَادةَ والآَخَر أَنْ لا يُعْطَى
شَيْئا مِن الصَّدَقَة لأَنَّهُ إذا طَلَبَ مَا فَوْق الوَاجب كان
خائنا وإذا ظهرت خيانته سقطت طاعته.
__________
1 سورة البقرة: "236".
2 س: "فهو ما يقطع لهن.
(2/46)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حِينَ مَنَعَتْهُ
الْعَرَبُ الزَّكَاةَ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالا مِمَّا أَدَّوْا إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقَاتَلْتُهُمْ
عَلَيْهِ كَمَا أُقَاتِلُهُمْ عَلَى الصَّلاةِ1.
فَسَّرَهُ أبو عبيد في كتابه2 فَقَالَ: العِقالُ صَدَقَةُ عَامٍ
وأَنْشَدَ لِعمرو بن العداء الكلبي:
__________
1أخرجه البخاري في "9/115" ومسلم "1/51" وأبو داود في "2/93" والنسائي
في "5/14" وغيرهم.
2 غريب أبي عبيد "3/209".
(2/46)
سَعَى عِقَالا فَلَم يَتْرُكْ لَنَا سَبدًا
... فَكَيْفَ لو قَدْ سَعَى عمر وعقالين1
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وقد خُولِفَ أَبُو عُبَيْد في هذا
التَّفْسِير وذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ العُلَمَاء في تَفْسِيِرِه
إلى غَيْرِ وَجْهٍ وأَنَا أَحْكي أَقَاوِيلَهُم وأَعْزِي كُلًّا
مِنْهَا إلى قائله بمشيئة اللَّه وعَوْنِه.
أَخْبَرَني أحمد بن الحُسَيْن التيمي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بن
إبراهيم بن سعيد العَبْديَّ يُنْكِرُ ما ذهب إليه أَبُو عُبَيْد في
تَفْسِير هَذَا الحَدِيث ويَقُول: إنَّمَا يُضْرَبُ المَثَل في مِثْلِ
هَذَا بالأَقَلِّ فَمَا فَوْقَهُ كَمَا يَقُول الرَّجُل للرَّجُل: إذا
مَنَعَهُ الكَثِيرَ من المَال لا أُعْطِيكَ ولا دِرْهَمًا مِنْهُ
ولَيْسَ بالسَّائِغَ أَنْ يَقُولَ: لا أُعْطِيكَ ولا مِائَةَ أَلْفٍ
ونَحْوَهَا وكَانَ يَقُول: لَيْسَ بِسَائِر في لِسَانِهِم أَنَّ
العِقَال صَدَقَةُ عَام والبَيْتُ الَّذي اسْتُشْهِدَ به ليس بالثبت
الَّذي يُحْتَجُّ بِهِ.
قَالَ: وفِيِهِ أَيْضًا أَنَّ العَرَب لَمْ تَقُل: إنَّا لا نَقْبَلُ2
الصَّدَقَةَ إلا عَامًا واحِدًا ولَمْ يَكُن مَنْعُهُمُ الصَّدَقَات
إلا عَلى الأَبَد فَكَيْفَ يَكُون العِقَالُ الَّذي يَمْنَعُونَهُ
صَدَقَة عَامٍ واحِد وهُم يَتَأَوَّلُونَ في تَرْكِها أَنَّهُم كانوا
مأمورين بِأَدَائِها إلى رسول الله دون القائم بعده ويحتجُّون بقولِهِ
تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} 3 الآية ويَزْعُمُون أَنَّ تَطْهِيرَ مَن
بَعْدِهِ وتَزْكِيَتِهِ لَهُم لَيْسَ كَرَسُول الله ولذلك يقول قائلهم:
__________
1 البيت في اللسان والتاج "عقل" وجاء بعده:
لأصبج الحي أوبادا ولم يجدوا ... عند التفرق في الهيجا حمالين
والفائق "عقل" "3/14" وجاء في الشرح: "أراد مدة عقال فنصبه على الظرف".
2 هامش س: "لا نعطيك الصدقة" والمثبت من هامش د.
3 سورة التوبة: "103".
(2/47)
أطعنا رسول الله ما دام بَيْنَنَا ...
فَيَا عَجَبًا مَا بَالُ مُلْكِ أَبِي بَكْرِ1
قَالَ: وسَمِعْتُ ابْنُ عَائشة يقول: العِقَال الحَبْلُ وذَلِكَ أَنَّ
الصَّدَقَةَ كانت إذا هُبِطَ بِهَا إلى رَسُولِ اللَّه عَقِلَ بِكُلِّ
عِقَالٍ بَعِيرَان.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: واسمُ الحَبْلَ الَّذي يَقْرَنُ2 بِهِ
البَعِيرَان القَرَن مَفْتُوحَةُ الرَّاء ويُجْمَعُ عَلى الأَقْرَان
والقَرَن أيضا البَعِير المقرون بآخر3 قَالَ الشاعر: [19]
وَلَو عِنْدَ غَسَّانُ السُّلَيْطِيّ عَرَّسَتْ ... رَغَا قَرَنٌ
مِنْهَا وكاسَ عَقِيرُ
وفيه قَوْلٌ آَخَر ذَهَبَ إِلَيْهِ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ
العَرَبُ تَقُولُ: أَفرضَتْ إبلكم4 إذا وَجَبَتْ فِيهَا الفريضةُ
وأَشنَقَتْ إبِلكم.
قَالَ: والشَنَقُ أن يكون في خَمْسٍ مِن الإِبِل شَاةٌ وفي عَشْرٍ
شَاتَان إلى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وعِشْرِين فإذا وَجَبَتْ فيها
ابنَةُ مَخَاضٍ فهي العِقَالُ.
وفِيهِ قَوْلٌ آَخَر يُحْكَى عَن بَعْضِ أَهْلِ العِلْم قَال: قَوْله
لو مَنَعُونِي عِقَالا مَعْنَاهُ ما يُسَاوِي عقالا.
__________
1 تاريخ الطبري "3/223" برواية:
أَطْعنا رَسُولَ الله ما كَانَ بيننا ... فيال عباد الله ما لأبي بكر
وجاء بعده ثلاث أبيات وتقدم في الجزء الأول, لوحة "205".
2 س, ط: "يعفل به".
3 قال ابن بري في اللسان "قرن": وأنكر علي بن حمزة أن يكون القرن
البعير المقرون بآخر, وقال: إنما القرن الحبل الذي يقرن به البعير.
وأما قول الأعور: "رَغَا قَرَنٌ مِنْهَا وكاسَ عَقِيرُ" فإنه على حذف
مضاف مثل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} والبيت في اللسان والتاج "قرن" وعزى
للأعور النبهاني يهجو جريرا ويمدح غسان السلطي وقبله:
أقول لها أمي سلطان بأرضها ... فبئس مناخ النازلين جرير
وقي "كوس" برواية: "رغا فرق منها".
4 س, ط: "أفرضت إبلك".
(2/48)
وفيه قَوْلٌ آَخَر قاله أَبُو سَعِيد
الضَّرير قَالَ العِقَالُ: كُلّ مَا أُخِذَ مِن الأَصْنَافِ مِن
الإِبِلِ والبقَرِ والغَنَم والثِّمَار الَّتي يُؤْخَذُ مِنْهَا
العُشْرُ ونِصْفُ العُشْرِ فَهَذَا كُلُّهُ عِقَالٌ في صَنْفِهِ
وسُمِّيَ عِقَالا لأَنَّ المُؤَدِّي لَهُ قَدْ عَقَلَ عَنْهُ طَلِبَةُ
السُّلْطَان وتَبِعَتَهُ وعَقَلَ عَنْهُ الإِثْم الَّذِي يطلبهُ اللهُ
بِهِ إذا مَنَعَ الزَّكَاة قَالَ: ولذلك سُمِّيَت العَاقِلَةُ الَّتي
تُؤَدِّي دِيَّةَ الخَطَأ لأَنَّهَا إذَا فَعَلَتْ ذَلِك عَقَلَتْ عَنْ
وَلِيّها تَبِعَة أَوْلِياءِ المَقْتُول.
وفيِهِ قَوْلٌ آخَر قَالَهُ أَبُو العَبَّاس مُحَمَّد بن يزيد بن عَبْد
الأكبر قَالَ: إذا أَخَذَ المُصَدِّق مِن الصَّدَقَة مَا فِيهَا ولَمْ
يَأْخُذْ ثَمَنَهَا قِيلَ أَخَذَ عِقَالًا وإذا أَخَذَ الثَّمَن قِيلَ
أَخَذَ نَقْدًا وأَنْشَدَ لِبَعْضِهِم:
أَتَانَا أَبُو الخَطَّابِ يَضْرِبُ طَبْلَهُ ... فَرَدَّ ولَمْ
يَأْخُذْ عِقَالًا وَلا نَقْدًا1
قَال أَبُو سليمان وفي أكثر الروايات أَنَّهُ قَالَ: والله لو
مَنَعُونِي عَنَاقًا لقَاتَلْتُهُم2 وهُوَ مُشَاكِلُ لِمَا ذَهَبَ
إلَيْهِ العَبْدِيُّ في مَعْنَى العِقَال.
وفي رِوَايةٍ أُخْرَى ذَكَرَها ابن الأعرابي محمد بن زياد والله لو
مَنَعُونِي جِدْيًا أَذْوَطَ لَقَاتَلْتُهُم عَلَيْهِ.
قَالَ: والأَذَوْطُ الصَّغِيرُ الفك والذقن.
__________
1 الكامل للمبرد "1/392" دون عزو وكان الأمراء إذا خرجوا لأخذ الصدقة
يضربون الطبول.
2 أخرجه البخاري في مواضع منها في "2/131" وأبو داود "2/94" والنسائي
في "6/5 و7/77" وأحمد في مسنده "1/19, 36, 48" وغيرهم.
(2/49)
حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لمَّا مَاتَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَهُ حُزْنٌ
شَدِيدٌ
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لمَّا
مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(2/49)
أَصَابَهُ حُزْنٌ شَدِيدٌ فَمَا زَالَ
يَحْرِي بَدَنُهُ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ1.
ذَكَرَهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: يُرْوَى
ذَلِك عَنِ الشَّعْبِيِّ.
قوله يَحْرِي بَدَنُهُ أَي يَذُوب وينقُص قَالَ الأَصْمَعِيُّ:
يُقَالُ: رَمَاهُ اللهُ بِأَفْعَى حَارِيَة وذَلِك أَنَّهَا إذَا طَالَ
عُمْرُها نَقَصَ جِسْمُها وهي أَخْبَثُ مَا تَكُون ويُقَالُ: إنَّهُ
ليحرِي كما يَحْرِي القَمَر إذا نَقُصَ شَيْئًا بعد شيء قَالَ الشاعر:
حَتَّى كَأَنِّي خَاتل قَنَصَا ... والمَرْءُ بَعْدَ تَمَامِهِ
يَحْرِي2
ويُقَالُ: إنِّ أَبَا بَكْر مات وبه طَرَفٌ من السل.
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "3/63" وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء ص
81 بألفاظ متقاربة وانظر كنز العمال "12/538".
2 الفائق "حرى" دون عزو.
(2/50)
|