غريب الحديث للخطابي حديْثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ
الله عنه
حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَال: "مَنْ كَانَ حَلِيفًا أَوْ عَرِيرًا فِي
قَوْمٍ قَدْ عَقَلُوا عَنْهُ وَنَصَرُوهُ ... ".
...
حديْثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَال: "مَنْ كَانَ
حَلِيفًا أَوْ عَرِيرًا فِي قَوْمٍ قَدْ عَقَلُوا عَنْهُ وَنَصَرُوهُ
فَمِيرَاثُهُ لَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ يُعْلَمُ"1.
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ:
قَضَى عُمَرُ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ عَرِيرًا أي نَزِيلا فِيهِم وخَلِيَطًا لَهُم لَيْسَ من
أَنْفُسِهِم.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ: عَرَّه واعْتَرَهُ إذَا أَتَاهُ
وأَلَمَّ بِهِ وأنشد لابن أَحْمَر:
/ ثمّ تَعُرَّ المَاءَ فيمَنْ يَعُرّ2 [20]
ومِن هَذَا قَولُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ
وَالْمُعْتَرَّ} 3 فالقانع السائل والمُعَتَّرُ الَّذي يَغْشَاكَ
ويتعرض لك ولا يفصح بحاجته قَال الشَّاعِرُ:
سَلي الطَّارِقَ المُعْتَرَّ يا أُمَّ مَالِكٍ ... إذا ما أَتَانِي
بَيْنَ قِدْري ومَجْزَري
أَيُبْشِرُ وَجْهِي أَنَّهُ أَوَّلُ القِرَى ... وأَبْذُلُ معروفي له
دون منكري4
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/307" بلفط "عديدا في قوم" وهو تحريف,
والحديث في الفائق "حلف" "1/309" بلفظ "عريرا".
2 في د: "أورد البيت كاملا:
ترعى الفطاة الخمس قفورها ... ثمّ تَعُرَّ المَاءَ فيمَنْ يَعُرّ
والبيت في اللسان والتاج "عرر" والمقاببيس "5/114" والديوان "67".
3 سورة الحج: "36".
4 البيتان في شرح الحماسة للمرزوقي "4: الحماسة: 680" برواية: "أيسفر
وجهي" بدل "أيبشر وجهي" وهما لعروة بن الورد ديوان: "99".
(2/51)
ويُقَالُ أَيْضًا: عَرَاهُ واعْتَرَاهُ
بِمَعْنَى عَرَّهُ واعْتَرَّهُ قال النَّابِغَةُ:
أَتَيْتُكَ عَارِيًا خَلَقًا ثِيَابِي ... عَلى خَوْفٍ تُظَنُّ بِيَ
الظُّنُونَ1
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بن إبراهيم بن خزيمة أخبرنا إسحاق بن إبراهيم
أخبرنا قتيبة أخبرنا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ
أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَخَذَ
الْكِتَابَ الَّذي كَتَبَهُ حَاطبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ
مَكَّةَ جَاءَ حَاطِبٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي كُنْتُ
عَرِيرًا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ2 أَيْ نَزِيلا فِيهِمْ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ
وَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا أَدْفَعُ بِهَا عَنْ أهلي
ومالي3.
__________
1 الديوان "264" برواية "فحئتك" بدل "أتيتك" وشعراء النصرانية "4/640"
وتهذيب اللغة "3/15".
2 أخرجه أحمد في مسنده "3/350" عن جابر برواية: "عزيزا بين أظهرهم"
وذكره الهيثمي في مجمعه "9/303" برواية "عويرا" وكلاهما تحريف وتصحيف.
3 أخرجه البخاري في الجهاد "4/72" وفي المغازي "5/184" ومسلم في فضائل
الصحابة "4/1941" وأبو داود في الجهاد "3/47" وأحمد في مسنده "1/79".
(2/52)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَر أَنَّ أَسْلَم مَوْلاهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا
كُنَّا بِحَرَّةِ1 واقِم فَإِذَا نَارٌ تُؤَرَّثُ بصرار.
حدثناه ابن مالك أخبرنا الدغولي أخبرنا محمد بن حاتم المظفري أخبرنا
مصعب أخبرنا أَبِي عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا صِرَارًا
فَقَال عُمَر: السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الضَّوْءِ وَكَرِهَ
أَنْ يَقُولَ: يَا أَهْلَ النَّارِ. أَأَدْنُو فَقِيلَ ادْنُ بِخَيْرٍ
أَوْ دَعْ قَالَ: وَإِذَا هُمْ رَكْبٌ قُدْ قَصَرَ بِهِمُ اللَّيْلُ
وَالْبَرْدُ وَالْجُوعُ وَإِذَا امْرَأةٌ وَصِبْيَانٌ فَنَكَصَ عُمَرُ
على عقبيه وأدبر
__________
1 معجم ما استعحم "حرة واقم" "2/437" بالواو والقاف وواقم: أطم من آطام
المدينة تنسب إليه الحرة.
(2/52)
يُهَرْوِل حَتَّى أَتَى دَارَ الدَّقِيقِ
فاسْتَخْرَجَ عِدْلًا مِنْ دَقِيق وَجَعَلَ فِيِه كُبَّةً مِنْ شَحْمٍ
ثُمَّ حَمَلَهُ حَتَّى أَتَاهُمْ ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ: ذُرِّي
وَأَنَا أَحُرُّ لَكِ1.
قَوْلهُ تُؤَرِّثُ أي تُوقِدُ يُقَالُ: أَرَّثْتُ النَّارَ وحُشتُها
وأَحْمَشتها وحَضَأْتُها إذا أوقدْتَها. قال عَدِي بن زَيْد:
رُبَّ نَارٍ بِتُّ أَرْمُقُهَا ... تَقْضَمُ الهِنْدِيُّ والغَارَا
عِنَدَها ظَبْيٌ يُؤَرِّثُها ... عاقِدٌ في الجيدِ تِقْصَارَا2
أراد بالهنْدِي العُودَ ولَمْ يُرِدْ أَنَّهُ كان يُوقِدُهَا بالعُود
وإنَّمَا أَوْقَدَهَا بالغَار وهو شَجَر وكان يَقْضُمُها العُودَ أَيْ
يُلْقِي عَلَيْهَا قِطَعَ العُودِ.
والتِّقْصَارُ: بِكَسْرِ التَّاءِ قلادة.
وأخبرني أبو عمر أنبأنا ثعلب عن الكوفيين والمبرد عن البصريين قالا: لم
يأت من المصادر على تِفْعَال إلا حَرْفَان تِبْيَان وتِلْقَاء فإذا
تَرَكْتَ هَذَيْنِ اسْتَوَى لَكَ القِيَاسَ في كَلام النَّاس فَقُلْتُ
في كُلِّ مَصْدَر تَفْعال بِفَتْحِ التَّاء مِثْل تِسْيِار وتِهْمَام.
وقُلْتُ في كُلِّ اسْمِ تِفْعَال بِكَسْرِهَا مِثَلَ تِقْصَار
وتِمَثَال.
وقَوْلهُ أَحُرُّ لَكِ. أَي أَتَّخِذ لك حَرِيرَةً وهي حِسَاءٌ مِن
دَقِيق ودَسَم فَأَمَّا الخَزِيرَةُ فَلَحْمٌ يُقَطَّعُ صِغَارًا
ويُصَبُّ عَلَيه مَاءٌ كَثِير فإذا نَضِجَ ذُرَّ عليه الدقيق.
__________
1 أخرجه الطيري في تاريخه "5/20" بلفظ "وأنا أحرك لك" وذكره ابن كثير
في البداية والنهاية "7/136" بلفظ "جراب شحم" بدل "كبة من شحم" وفي
القاموس "كب" الكية: بعض الشحم.
2 د: "يا رب نار" والبيتان في شعراء النصرانية "2/474" برواية "عندها
خل يثورها" والبيت الثاني في اللسان والتاج "قصر" برواية "ولها ظبي"
والأول في "قضم" واستعار عدي القضم للنار.
والبيتان في الديوان "100" برواية "عاقد في الخصر زنارا".
(2/53)
وصِرَار بِئْرٌ قَدِيمَة وهي على ثلاثة
أميال من المدينة على طريق العِرَاق.
(2/54)
[21] / وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي
حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى فِي الظُّفْرِ إِذَا اعْرَنْجَمَ
بِقَلُوصٍ1.
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرحمن بن الأسد أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق
أناابن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.
قوله اعرنْجَم تَفْسيره في الحديث فَسَد ولَسْتُ أَعْرِف حَقِيَقَته
وأراه احْرَنْجَم بالحَاء ومَعْنَاهُ تُقْبَض وتُجْمَع ويُقَال بل هُوَ
أَنْ يَتَجَمَّعَ ويتراجَعَ إلى خَلْف.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: يُقَال: احْرَنْجَم واقْرَنْبَع بِمَعنى واحِد.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "9/393" والقلوص: الناقة الشابة.
(2/54)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَر أَنَّهُ أَمَرَ بِضَرْبِ رَجُل ثُمَّ قَال: إذا قَبَّ ظَهْرَهُ
فَرَدُّوه1.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: يُرِيدُ إذا جَفَّ وانْدَمَل آثَار الضَّرْب
فَرَدُّوه.
يُقَال: قَبَّ يَقِبّ قُبُوبًا إذا يبس.
__________
1 الفائق "قبب" "3/154" والنهاية "قبب" "4/3".
(2/54)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مَالِكٍ وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ يَهُودِ
عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ:
مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ يلبس الشملة ويجتزىء بِالْعُلْقَةِ مَعَهُ
قَوْمٌ صُدُورُهُمْ أَنَاجِيلُهُمْ قربانهم دماؤهم1.
__________
1 أشار الحافظ في الإصابة "4/172" إلى هذا الحديث ولم يذكر بتمامه
وانظر الفتوح لابن الأعثم "1/297" والحديث في الفائق "شمل"2/262".
(2/54)
يرويه الواقدي أخبرنا عُثْمَانُ بْنُ
الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ
ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ.
العَلْقَةُ البُلْغةُ مِن القُوتِ قال الشَّاعِر:
وأَجْتَزِي من كَفَافِ القُوتِ بالعُلَقِ1
وقَوْلُهُ صُدُورُهم أَنَاجِيلُهُم يُرِيدُ أَنَّهُم يقرؤون كِتَابَ
اللهِ ظَاهِرًا ويَجْمَعُونَهُ في صُدُورِهِم حِفْظًا وكَانَ أَهْلُ
الكِتَاب إنَّمَا يَقْرَؤون كُتُبَهُم في المَصَاحِف ولا يَكَادُ
الواحِدُ مِنْهُم يَسْتَوفيه حِفْظًا وإنَّمَا قَالُوا: القَوْل
العَظِيمَ في عُزَيْر لأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ التَّوْرَاةَ حفظا وأملأها
عليهم في ظَهْرِ قَلْبِه بَعْدَما كَانت قد دَرَسَت أَيَّام بُخْت
نَصَّر فَعَظُمَ تَعَجُّبُهُم لِذَلك وفُتِنَ بِهِ من فُتِنَ مِنْهُم
فَقَالَ: فيه الإِفْكَ والعَضِيهَة2.
قَوله قُربَانُهم دِمَاؤُهُم يُرِيدُ أَنَّهُم أَهْلُ الجِهَاد
وأَصحَاب المَلاحِم والقِتَال وأَنَّهُم يَتَقَرَّبُون إلى رَبِّهِم
بإراقَةِ دِمَائِهم والقُربان مَصدَرٌ كَالقُرْب يُقَالُ: قَرِبتُ
الرَّجُل أُقَرِّبهُ قُرْبًا وقُرْبَانًا وكان الرَّجُل من أَهْلِ
الكِتَاب إذا رَفَعَ إلى اللَّه حَاجَة قَدَّمَ أَمَامَها نَسِيكَة
فَكَانَت تِلْكَ الذَّبِيحَة تُسَمَّى قُرْبَانًا إذ كان صَاحِبُها
يَتَقَرَّبُ بِها إلى رَبِّهِ فَذَكَر أَنَّ مِن صِفَةِ هَذِه
الأُمَّةِ أَنَّهُم إنَّمَا يَتَقَرَّبُون إلى اللَّه بمُهَج
أَنْفُسِهِم وَهَذَا كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَعْبِ
بْنِ عُجْرَةَ: "يَا كَعْبُ الصَّومُ جُنَّةٌ وَالصَّلاةُ قُرْبَانٌ" 3
أَيْ بِهَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ وَيُسْتَشْفَعُ في الحاجة لديه.
__________
1 الفائق "شمل" "2/262" دون عزو.
2 القاموس "عضه" العضيهة: الكذب.
3 أخرجه أحمد في مسنده "2/321, 399" وابن حبان في صحيحه كما في موارد
الظمآن "378" وأبو نعيم في الحلية "8/247" وذكره السيوطي في الجامع
الكبير "1/97".
(2/55)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ الْتَقَطَ شَبَكَةً عَلَى
ظَهْرِ جَلالٍ بِقُلَّةِ الْحَزْنِ فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ أَسْقِنِي شَبَكَةً عَلَى ظَهْرِ جَلالٍ بِقُلَّةِ
الْحَزْنِ فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَرَكْتُ عَلَيْهَا مِنَ الشَّارِبَةِ
قَالَ: كَذَا وَكَذَا قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ يَا أَخَا
تَمِيمٍ تَسْأَلُ خَيْرًا قَلِيلا قال عمر: مَا خَيْرٌ قَلِيلٌ
قِرْبَتَانِ قِرْبَةٌ مِنْ مَاءٍ وَقِرْبَةٌ مِنْ لَبَنٍ تُغَادِيَانِ
أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ مُضَرٍ لا بَلْ خَيْرٌ كَثِيرٌ قَدْ أَسْقَاكَهُ
اللَّهُ1.
يَرْوِيهِ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنِ الْهِرْمَاسِ بْنِ حَبِيبٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
[22] الشَبَكَةُ واحِدةُ الشِّبَاك وهي آبَارٌ مُتَجَاوِرَة قَرِيبَةِ
القَعْر / يُفْضِي بَعْضُها إلى بَعْض.
وقولُهُ الْتَقَط يُرِيدُ أَنَّهُ هَجَمَ عَليْهَا فُجَاءَةً. قَالَ
الشاعر:
منهل وَرَدْتُهُ الْتِقَاطَا
...
لَمْ أَرَ إذْ وَرَدْتُهُ فُرَّاطَا
إلا القَطَا أوابدًا غَطَاطَا2
وجَلال: جَبَل, وقولهُ: أَسْقِنِيهَا بِقَطْعِ الأَلِف مَعنَاهُ
اجْعَلْهَا لي سقيا تقطعنيها.
وقَوْلُ عُمَر قِرْبَةٌ من ماء وقِرْبَةٌ من لَبَن يُرِيدُ أَنَّ الإبل
ترد الماء ترعى بقُرْبِهِ فَيَأْتِيهم المَاءُ واللَّبَن وقُلَّةُ
الحزن موضع معروف.
__________
1 الفائق "لقط" "3/326" والنهاية "لقط" "4/264".
2 الرجز في اللسان والتاج "فرط", "لقط" برواية "لم ألق" بدل "لم أر"
و"إلا الحمام الورق والغطاططا" وعزي لنقادة الأسدي.
(2/56)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّ أُخْتَكَ وَزَوْجَهَا قَدْ صَبَأَ
وَتَرَكَا دِينَكَ فَمَشِيَ ذَامِرًا حَتَّى أَتَاهُمَا1.
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "3/267 – 268" والبيهقي في دلائل النبوة
"2/6 – 7".
(2/56)
أَخَبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ زيرك أخبرنا ابن المنادي أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق أخبرنا
الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
قوله ذامِرًا مَعْنَاهُ مُتَهَدِّدًا لَهُمَا وأَصْلُ الذَمْرِ
التَّحْرِيضُ على القتال والذِّمْر الرَّجُل الشُجَاع والجميع
الأَذْمار ويقال: فُلانٌ حَامِي الذِّمَار وتَذَمَّرَ الرَّجُل إذا لام
نَفْسَهُ على التَّقْصِير في الأَمر وتَذَامَرَ القَوْمُ إذا
تلاوَمُوا.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ أنبأنا ابن الجنيد
أخبرنا قتيبة أخبرنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ
مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ
وَعِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا كَانَ
بِضَجْنَانَ1 أَوْ بِعَسْفَانِ2 لَقِيَ الْمُشْرِكِينَ فَحَضَرَتْ
صَلاةُ الظُّهْرِ قَالَ: فَتَذَامَرَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالُوا: هَلا
كُنَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلاةِ3.
أي تَلاومُوا فِيمَا بَيْنَهُم واسْتَقْصَرُوا أَنْفُسَهُم على
الغَفْلَة وتَرْك الفُرْصَة. وقد يَكُونُ مَعْنَاهُ تَحَاضُّوا على
القِتَال.
يُقَالُ: ذَمَر الرَّجُل صَاحِبَهُ إذا حَضَّهُ عَلى القِتَال وقَالَ
عَنْتَرَة:
لمَا رَأَيْتَ القَوْمَ أَقْبَلَ جَمْعُهُم ... يَتَذَامَرُونَ كررت
غير مذمم4
__________
1 معجم ما استعجم "ضجنان" "3/856" بفتح أوله وإسكان ثانيه بعده نون
وألف: على وزن فعلان: جبل بناحية مكة على طريق المدينة.
2 معجم البلدان "عسفان" "6/173" منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة
وقال السكري: عسفان: على مرحلتين من مكة على طريق المدينة والجحفة على
ثلاث مراحل.
3 أخرجه الطبري في تفسيره "5/2 57" بنحوه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ وذكره الهيثمي في مجمعه "2/196" عن ابن عباس بنحوه بألفاظ
متقاربة.
4 الديوان: "153".
(2/57)
حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ
الأقرع قال: "حضرت طعامه ... ".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ
الأَقْرَعِ قال:
(2/57)
"حضرت طعامه فدعا غَلِيظٍ وَخُبْزٍ
مُتَهَجِّسٍ"1.
يَرْوِيهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنِ
السَّائِبِ بْنِ الأَقْرَعِ.
حَدَّثَنِيهِ الْخُزَيْمِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ
الْحَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ عَنْ حَمَّادٍ المُتَهَجِّس مِن الخُبْزِ
الفَطير الَّذِي لم يَخْتَمِر عَجِينُه.
قَالَ أَبُو زيد: الهَجِيسَةُ الغَرِيض من اللَّبَن قَال: والخَامِطُ
والسَّامِطُ مِثْلُه هذا الأَصْلُ في ذلك ثُمَّ اسْتُعِير واسْتُعْمِلَ
في الخُبْزِ وغَيْرِه.
ورَوَاهُ بَعْضُهُم مُتَجَمِّس وهو غَلَطٌ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ بن زياد الحارِثي: وكان عاملًا لعُمَر على
البَحْرين حَضَرْتُ طَعَام عُمَر فَدَعا بخُبْزٍ يَابِس وأَكْسَارَ
بعير فَقُلْتُ يا أميرَ المُؤْمِنِين إنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُون إلى
صَلاحِك فَلَو عَمَدت لِطَعَامٍ أَلْيَنَ مِن هَذا فَزَجَرَني ثُمَّ
قَال: كَيْفَ قُلتَ فَقُلْتُ يا أميرَ المُؤْمِنِين إنَّ تنظر إلى
قُوتِكَ من الطَّحِين فيُخْبَزُ لَكَ قبل إرادتِكَ إيَّاهُ بِيَوم
ويُطْبَخُ اللَّحْمَ كَذَلك فَتُؤْتَي بالخُبْزِ لَيِّنًا وباللَّحْمِ
غَرِيضًا فَسَكن من غَرْبه وَقَالَ: أهاهنا غُرْتَ فَقُلْتُ نَعَم
فَقَال: يا ربيعُ إن اللَّه نَعَى على قَوْمٍ شَهَواتِهِم
فَقَالَ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} 2
[23] قوله: أَكْسَار جَمْعُ كَسْر وهو عَظْمٌ / يَنْفَصِلُ بِمَا
عليهِ3 من اللَّحْمِ والغريض الطري.
__________
1 أخرجه سعيد بن منصور في سننه "2/199" في قصة طويلة بهذا المعنى
بألفاظ أخرى, عن أبي وائل وانظر الفائق "هجس" "4/94" والنهاية "هجس"
"5/247" بلفظ "بلحم عبيط".
2 أخرجه ابن قتيبة في عيون الأخبار "1/52" بنحوه بألفاظ متقاربة وهو في
كنز العمال "12/624" بألفاظ أخرى والنهاية "عرض" "3/360" والآية في
سورة الأحقاف: 20.
3 ط: "ينفصل عما غليه".
(2/58)
وقَوْلُهُ أَهَاهُنَا غُرْتَ يُرِيدُ إليه
ذَهَبْتَ مِن قَوْلِك غَارَ الرَّجُل إذا أتى غورا وأنجد إذا أتي
نَجْدًا. ويُقَالُ: لِلْرَجُل ذِي الصِّيت غَار ذِكْرُهُ في البِلاد
وأنجد أي ذَهَبَ غَوْرًا ونَجْدًا.
وقَوْلَهُ نَعَى مَعْنَاهُ عَابَ.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا محمد بن
أيوب أخبرنا أبو الوليد الطيالسي أخبرنا مبارك بن فضالة أخبرنا الحسن
أنبأنا حَفْصُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: كُنَّا نَأْكُلُ عِنْدَ
عُمَرٍ فَكَانَ يَجِيئُنَا بِطَعَامٍ جَشِبٍ غَلِيظٍ وَكَانَ يَأْكُلُ
وَيَقُولُ: كُلُوا فَكُنَّا نُعَذِّرُ1.
يُقَالُ: طَعَامٌ جَشِبٌ إذا كَان غَيْرَ مَأْدُوم والتَّعْذِيرُ أَنْ
يُقَصِّرُ الرَّجُل وهُوَ يَرَي صَاحِبُهُ أَنَّهُ مُجْتَهِد. يُقَالُ:
عُذِرْتُ في الأَمْرِ إذا قَصَّرْتَ وأُعْذِرْتَ إذَا بَالَغْت قال
حُمَيْد بن ثَوْر:
فمِثْلُكَ أَصْبى لو رَجَعْتَ إلى الصِّبا ... فؤادا تناهى بعد ما
كَانَ أَعْذَرَا2
وَحَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عبيد الله العمري أخبرنا أبو أمية الطرسوسي
أخبرنا عبيد الله بن موسى أنبأنا الْعَلاءُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا
وُضِعَتِ الْمَائدَةُ فَلْيَأْكُلِ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِيهِ وَلا
يَرْفَعُ يَدَهُ وَإِنْ شَبِعَ وَلْيُعَذَّرُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُخْجِلُ
جَلِيسَهُ "3.
وَهَذَا كَحَدِيثِهِ الآخَرُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَكَلَ مع قوم كان
آخرهم أكلا4.
__________
1 أشار الحافظ في الإصابة "1/347" إلى هذا الحديث ولم يذكره بطوله. وهو
في كنز العمال "12/623" بطوله بدون الجملة الأخيرة.
2 لم أقف عليه في ديوان ط دار الكتب المصرية.
3 أخرجه ابن ماجة في الأطعمة "2/1089, 1097".
4 أخرجه ابن معين في تاريخه "3/420" عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ
أبيه والخطيب في تاريخه "10: 239".
(2/59)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ بِطَرِيقِ الشَّامِ فَأُتِيَ بِسَطِيحَتَيْنِ
فِيهِمَا نَبِيذٌ فَشَرِبَ مِنْ إِحْدَاهُمَا وَعَدَّى عَنِ
الأُخْرَى1.
أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
قوله عَدَّى عَنِ الأُخْرَى أي تَرَكَها وصَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهَا وذلك
لشيءٍ رَابَهُ مَنْهَا يُقَالُ: عَدَّيْتُ عَن الأَمْر إذا انْصَرَفْتُ
عَنْهُ وتَقُول للرَّجُل عَدِّ عَن هَذا الأَمْر وخُذ في غَيْرِه. كقول
النابغة:
فَعَدَّ عَمَّا تَرَى إذ لا ارْتِجَاعَ لَهُ2
وَقَالَ آخر:
نُعَدى بِذِكْرِ اللَّه في ذَاتِ بَيْنَنَا ... إذَا كان قلبانا بنا
يردان3
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "9/206" بلفظ "عدل" والحديث في الفائق
"سطخ" "2/177" وجاء في الشرح: السطيحة من جلدين والمزادة هي التي تفأم
بجلد ثالث بين الجلدين لتتيع.
2 الديوان "5" وعجزه: وانم القتود على عيرانة أجد" وشعراء النصرانية
"4/659".
3 ح: "إذا كان قلبا نائيا بردان" وفي د "إذا كان قلبا ثابتا يردان"
والمثبت من سو ط.
(2/60)
وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ
أَقْبَلَ عَلَى جَمَلٍ عَلَيْهِ جِلْدُ كَبْشٍ جَوْنِيٍّ وَزِمَامُهُ
مِنْ خُلَبِ النخل1.
حدثناه ابن الأعرابي أخبرنا سعدان أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ
الطَّائِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ.
المُوقُ الخُفُّ ويُجْمَعُ عَلى الأَمْوَاق. قال النِّمْرُ بن تَوْلَب:
فَتَرَى النِّعَاجُ بِهِ تَمْشِي خَلْفَهُ ... مَشْيِ العَبَادِيّيْن
في الأَمْوَاق2
ومن العَرَبِ من يُسَمَّى الخُفَافُ التَّسَاخِين.
قَالَ أَبُو العَبَّاس ثَعْلَب ولا واحِدٌ لَهَا من لَفْظِها.
قَالَ المبرِّد: واحِدُها تِسْخَان.
وَقَالَ بعضم: التَّسَّاخِين كُلُّ ما يُسَّخنُ بِهِ القَدَمُ من خُفٍّ
وجَوْرَب ونَحْوَ ذَلِك. والكَبْشُ الجَوْنِي هُوَ الأَسْوَد الَّذِي
أُشْرِبَ حُمْرَةً إذا نَسَبُوا قالوا: جُونِي وإذا نَعَتُوا قَالُوا:
جَوْنٌ وجَوْنَة ومِنْهُ قِيلَ للقَطَا جوني والخلب الليف.
__________
1 الفائق "جون" "1/245" والتهاية "جون" "1/318".
2 البيت في اللسان والتاج "موق" برواية "فترى النعاج تمشى خلفه" وفي
الفائق "موق" "3/393" برواية "فترى النعاج تمشي خلفه" والديوان "80".
(2/61)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ أَتَى قَوْمًا وَهُمْ يَرْمُونَ فَقَالَ: ارْتَمُوا
فَإِنَّ الرَّمْيَ جَلادَةٌ وَانْتَسِئُوا / عَنِ الْبُيُوتِ لا
تُطَمُّ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِي يَسْمَعُ كَلامَكُمْ فَإِنَّ الْقَوْمَ
إِذَا خلوا تكلموا1. [24]
__________
1 ذكره أبو منصور البغدادي في كتابه "الناسخ والمنسوخ" ص 31. وهو في
كنز العمال "4/461" بلفظ "ارموا فإن الرمي عدة وجلادة" وعزاه لأبي يكر
بن أبي شيبة وهو في الفائق "نسأ" "3/426".
(2/61)
حدثنيه محمد بن سعدويه أخبرنا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الجنيد أخبرنا قتيبة أخبرنا حُمَيْدُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّوَاسِيُّ عَنْ أَبِيهِ.
قَوْله انْتَسِئُوا مَعْنَاهُ تَأَخَّرُوا عَنِ البِيوت وتَزَحْزَحُوا
عَنْهَا. مِن قولك نَسَأْتُ الشَّيء إذا أَخَّرْتَهُ ونسأ اللهُ في
عُمْرِكَ1 ورواه أَكْثَرُ أصحابنا وانبسوا2 عَنِ البيوت وهُوَ خَطَأ لا
وَجْهَ لَهُ هَاهُنَا والصَّوَاب انْتَسِئُوا عَلى وَزْنِ افْتَعِلوا
مِن النِّسَاء كَذَلك رُوِيَ لنا عَن مُحَمَّد بن الأَزْهَر عَنْ
قُتَيْبَة عَنْ حميد عن أبيه.
فيه وَجْهٌ آخرُ وهو أن يُقال: بَنِّسُوا عَن البيوت. قَالَ الأصمعي:
بَنِّسُوا تَبْنِيسًا الباء قبل النُون أي تَأَخَّرُوا قال اللحياني:
تَبَنَّسَ إذا قَعَد3.
وقَوْلُه لا تُطَمُّ امْرَأَةٌ مَعْنَاهُ لا تُرَاعُ ولا تُغْلَبُ
بِكَلِمَة تَسْمَعُها من الرَّفَث أَلا تَرَاهُ يَقُولُ: فإنَّ القَوْم
إذا خَلَوْا تَكَلَّمُوا يُرِيدُ أَرْفَثُوا في الكَلامِ الدَّائِر
فيما بينهم والرَّمْيُ في الغَالِب إنَّمَا هُوَ للأحداث والشُّبَّان
وأَصْلُ ذلك من قَوْلِهِم طَمَّ الأَمْر إذا عَظُم وطَمَّ المَاءُ إذا
كَثُر وغَلَب.
وسَمِعْتُ رَجُلًا فَصِيحًا من أهل حَضْرَمَوْت يَقُول: إنَّمَا هُوَ
لا تُطَمَّى امْرَأةٌ أي لا يُصْبَأُ بِها نَحْوَ الهَوَى. يُقَالُ:
أَطْمَى فُلانٌ قَالَ وهذا في كَلامِهِم معروف.
__________
1 ح: "نسأ الله عمرك".
2 ط: "وانفسوأ".
3 من د.
(2/62)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ بِالْكَلامِ المذكور عنه يوم وَفَاةِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبُوِيعَ لأَبِي
بَكْرٍ قَامَ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قد
(2/62)
قلت لكم مقالة لَمْ تَكُنْ كَمَا قُلْتُ
وَلَكِنَّنِي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُدَبِّرَنَا1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ.
قوله يَدْبُرَنا مَعْنَاهُ يَخْلُفنا بعد موتِنا ويَبْقَي خِلافَنَا.
أَخْبَرَني أَبُو عُمَر أَخْبَرَنِي أَبُو موسى عَنْ أبي العَبّاس ثعلب
قَالَ: يقال: للرَّجُل إذا مَشَى خَلْفَ الرَّجُل هو يَخْلُفَه
ويَذْنُبُه ويَدْبُرُه.
وقَالَ الأَصْمَعِيّ: يُقَالُ: دَبَر السَّهْمُ الهَدَف وهو يَدْبُرُهُ
دبِرًا إذا صار من وراء الهدف وقع خَلْفَهُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة مَن قَرَأَ "واللَّيْلُ إذا دَبَرَ"2 أَرَادَ
أَنَّهُ يَدْبُرُ النَّهَار فَيَكُونُ في آخِرِه وَمَن قَرَأَ {إذا
أَدْبَر} أَرَادَ إذا وَلَّى. ودَابِرُ القَوم آخِرُهُم.
ومِنْهُ قَوُلُ اللهِ تَعَالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ
ظَلَمُوا} 3 وَقَالَ الشاعر:
آلُ المُهَلَّبُ جَذَّ اللهُ دابِرُهُم ... أَضْحُوا رَمَادًا فلا أصل
ولا طرف4
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/437 – 438" والبخاري في الأحكام
"9/100" وابن سعد في الطبقات "2/271" بمعناه والفائق "دبر" "1/409".
2 سورة المدثر: "33".
3 سزورة الأنعام: "45".
4 ط: "بنو المهلب" والبيت في الكامل للمبرد "3/135" وعزي لجرير وهو في
ديوانه "308".
(2/63)
وَكَانَ كَلامُ عُمَرُ الَّذِي1 اسْتَقَالَ
الْعَثْرَةَ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا نُعِيَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ
أَصَابَتْهُ حِيرَةً شَدِيدَةً وَتَصَعَّدَتْهُ كَآبَةٌ انْقَطَعَ
مَعَهَا عَنْ تَأَمُّلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا
رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} 2 الآية. فَأَنْكَرَ
لِذَلِكَ مَوْتَهُ وَتَوَعَّدَ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ وَزَعَمَ أَنَّهُ
لا يَمُوتُ حَتَّى يَتَقَدَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَلَمَّا قَرَأَ أَبُو
بَكْرٍ عَلَيْهِ الآيَةَ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَقْرَأُ
هَذِهِ السُّورَةَ فَمَا فَهِمْتُهَا حَتَّى الآنَ وَاسْتَيْقَنَ
عِنْدَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ هذا ما رواهُ لنا ابْنُ الأَعْرَابيّ حدثنا
محمد بن عبد الملك الدقيقي أخبرنا يعقوب بن محمد الزهري أخبرنا عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ
عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ [25] عَبَّاسٍ عَنْ
عُمَرَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ كُنْتُ أَتَوَقَّلُ كَمَا
تَتَوَقَّلُ الأَرْوِيَةُ / فَانْتَهيتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ
يُوحَى إِلَيْهِ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِ الرُّسُلُ} الآية3.
وقَوْلُهُ أَتَوَقَّلُ مَعْنَاهُ أَرْقَى في الجَبَل. يُقَالُ: وَعِلٌ
وقِلٌ وَوَقُلٌ4 وَوَقَلٌ. وقد وَقَلَ الرَّجُل في الجَبَل وتَوَقَّل
إذا ارْتَقَى فِيِهِ. قَال الأَعْشَى يَذْكُرُ رَجُلا ارتَقَى في
جَبَلٍ يَشْتَارُ عَسَلا:
فَهَراق في طَرَفِ العَسِيبِ إلى ... مُتَوَقِّلٍ بنواطف صفر5
__________
1 ح: "لما استقال العثرة".
2 سورة آل عمران: "144".
3 ذكره السيوطي في الدر المنثور "2/80" بنحوه عن كليب بلفظ "فصعدت
الجبل" والآية في سورة آل عمران: "144".
4 ساقط من س, وهي في القاموس "وقل".
5 لم أقف عليه في د يوانه ط بيروت النموذجية بالقاهرة.
(2/64)
والعَسِيبُ جَبَلٌ. يُرِيدُ أَنَّهُ مَدَّ
إليه حَبْلا ويُقَالُ: تَقَذْقَذ1 الرَّجُل في الجَبَل وَزَنَأ فِيه
إذا صَعِد. قال الشاعر:
وارْقَ إلى الخَيْرَاتِ زَنْأً في الجَبَل2
والأُرْوِية الأُنْثَى مِن الوُعُول. يُقَالُ: أُرْوِيَّةً وأَرَاوِي
ما بَيْنَ الثَّلاث إلى العَشْر فإذا كَثُرَت فَهِي الأَرْوَى.
__________
1 ط: "تقزقز الرجل في الجبل" وفي القاموس "قذذ" تقذقذ في الجبل: صعد.
2 اللسان والتاج "زنأ" وهو ضمن رجز قاله قيس بن عاصم المنقري وأخذ صبيا
من أمه منفوسة بنت زيد الفوارس والصبي هو حكيم ابنه والرجز:
أشبه أبا أمك أو أشبه عمل ... ولا تكونن كهلوف وكل
يصبح في مدجعه قد انجدل ... وارق إلى.........
وعمل: اسم رجل وهو خاله وسبق هذا الرجز في الجزء الأول لوحة "67".
(2/65)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي جُذَيْمَةَ جَاءَهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا
صَنَعَ1 بِهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَأَنَّهُمْ كَانُوا
مُسْلِمِينَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ
أَصْحَابِ خَالِدٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ رَجُلٌ طَوِيلٌ فِيهِ هَنَعٌ
خَفِيفُ الْعَارِضَيْنِ قَالَ: ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ2.
يَرْوِيهِ عُبَيْدُ3 اللَّهِ بْنُ سعد الزهري أخبرنا يَعْقُوبُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ4 بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ بَلَّغَهُ ذَلِكَ.
الهَنَعُ والجَنَأُ بِمَعْنَى واحِد وهُوَ أَنْ يَكُون في الإنْسَان
قَلِيلُ مَيْلٍ وانحِنَاء. ويُقَالُ: بل الهَنَعُ تَطَامن في العُنُقِ
خَاصَّة قال الراعي:
__________
1 ط: "فأخبر ما صنع".
2 الفائق "هنع" "4/116" والنهاية "هنع" "5/278".
3 د: "عبد الله بن سعد الزهري". وفي التقريب "1/533" وتهذيب التهذيب
"7/15" عبد الله بن سعد بن إبراهيم بن عوف الزهري أبو الفضل البغدادي.
ثقة ت "260 هـ".
4 سقط من د.
(2/65)
مُلْسُ المَنَاكِبِ في أعْنَاقِهِا هَنَعُ1
__________
1 الديوان "130" وصدره: "كأن أينقنا حولي موردة".
والأينق جمع ناقةو وحولي: أتى عليه حول. وعجز البيت في الفائق "هنع"
"4/116".
(2/66)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَر أَنَّهُ قيل: الصُّلْعَانُ خَيْرٌ أَم الفُرْعَان؟ فَقَال:
الفُرعَان خَيْرٌ1.
قَالَ الأصمعيِّ: كَانَ أَبُو بَكْر أَفْرَع وكان عُمَر أَصْلَع له
حِفَافٌ وإنَّمَا أَرَاد عُمَر تَفْضِيل أبي بَكْر على نَفْسِه.
يُقَالُ رَجُلٌ: أَفْرَعٌ إذا كَان وافيَ الشَّعر لم يَذْهَب مِنُهْ
شَيء وقَوْمٌ فُرْعٌ وفُرْعَان. كما قيل أَسْوَد وسُودٌ وسُودَان.
وقَالَ نَصْرُ بنُ حَجَّاج وقد حَلَقَه عُمرُ ونَفَاه من المَدِينةِ
وكان حَسَنَ اللَّمَّة:
لَقَدْ حَسَد الفُرْعَان أَصْلَعُ لَمْ يَكُن ... إذا ما مَشَي
بالفَرْعِ بالمُتَخَايِلِ2
وقَوْلَهُ حِفَاف. قال الأصمعيُّ: هُوَ أَنْ يَنْكَشِف الشَّعْرُ عَنْ
وَسَط الرَّأْس ويَبْقَى حَوْلَهُ كالطُّرَّة. يُقَالُ: ما بَقِيَ على
رَأْسِهِ إلا حِفَافٌ من الشَّعَرِ. وحِفَافَا الجَبَل جانِبَاهُ. قال
حُمَيْد بن ثور:
غادره بين حِفَافِيُّ شَاهِقٌ ... في ظِلِّ حجلاوَيْنِ سَيْلٌ
مُعْتَلجْ3
ومن هذا حديث وَهْب بن مُنَبَّه أَنَّ إبراهيم حين أَرَادَ رَفْعَ
قَوَاعِدَ البَيْت ظَلَّلَ اللهُ لَهُ مكانَ البَيْتِ بِغَمَامَة فكانت
حفاف البيت4.
__________
1 الفائق "فرع" "3/108" والنهاية "فرع" "3/436".
وفي النهاية "حفف" "1/408" "كان اصلح له حفاف".
2 التاج "صلع, فرع" والفائق "فرع".
3 الشطر الثاني في الديوان "64" ط دار الكتب المصرية ولم يهتد المحقق
للشطر الأول فترك مكانه بياضا.
4 أخرجه الأزرقي في أخبار مكة "1/61".
(2/66)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ أَنْ حَلُّوا نِسَاءَكُمُ الْفِضَّةَ وَلا
تَحِلُّوا نِسَاءَكُمُ الذَّهَبَ وَعَلِّمُوهُنَّ سُورَةَ النُّورِ1.
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَاذَانَ الْكُرَانِيُّ أخبرنا أحمد
بن عمرو القطراني أخبرنا إبراهيم بن بشار الرمادي أخبرنا سُفْيَانُ
عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَال:
أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بِذَلِكَ.
إنَّمَا خَصَّ النِّسَاء بِتَعْلِيم هَذِه السُورَةَ مِن بين سائِر
السُّور لِيَبْعَثَهُنَّ بِذَلك على العِفَّةِ ولُزُوم / الحَيَاء [26]
وذَلِك أَنَّهُنَ إذا تَأَمَّلْنَ ما فِيهَا مِن بَيَان حُكْمِ
الزُّنَاة وإِغْلاظِ العُقُوبةِ لهم وتَرْكِ الهَوَادَةِ في أَمْرِهِم
ارتَدَعْنَ عَنِ الفَوَاحِش وإذا تَدَبّرْنَ ما فيها من بيان الحِجَاب2
وما أُخِذَ عَلَيْهُنَّ مِن غَضِّ البَصَر وحِفْظِ الأَطْرَاف وتَرْك
التَّبَرُّج بالزِّيِنة لَبِسْنَ بِهِ الحَيَاء ولَزِمْنَ الخَفَر ومن
أَجْلِ ذَلِك خُصَّت فَاتِحَةُ هذه السُّورة بالمُقَدِّمَة الَّتي
لَيْسَت لِغَيْرِها من السِّوَر.
أَعْنِي قَوْلَهُ {أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} 3 وقَد عَلِمْنَا
أَنَّ القُرْآن كُلّهُ مُنَزَّل وأَنَّ العَمَل بِمُحْكَمِهِ فَرْضٌ
وإنَّمَا أَرَادَ4 والله أعلم تَأْكِيد هذه الأَحْكَام والتَّشْدِيد
عَلَى أَهْلِها فِيهَا.
ونَظِيرُ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ:
"عَلِّمُوا أَرِقَّاءَكُمْ سُورَةَ يُوسُفَ".
__________
1 ذكره السييوطي في الدر المنثور "5/18" عن حارثة بن مضرب قال: كتب
إلينا عمر بن الخطاب أن تعلموا نسائكم سورة النور وقال: أخرجه أبو عبيد
في "فضائل القرآن".
وقد ذكره الحافظ فس الإصابة "4/145" في ترجمة أبي عطية الوادعي وجاء
عنه أنه قال: جاءنا كتاب عمر بن الخطاب فقط.
2 ح:, د: "من بيان أمر الحجاب".
3 سورة النور: "1".
4 د: "وإنما أوردوا".
(2/67)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِليْهِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْذَنَ
لَهُ فِي غَزْوِ الْبَحْرِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنِّي لا أَحْمِلُ
الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَعْوَادٍ نَجَّرَهَا النَّجَّارُ وَجَلْفَظَهَا
الْجِلْفَاطُ يَحْمِلُهُمْ عَدُوُّهُمْ إِلَى عَدُوِّهِمْ1.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بن الحسين أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ الجوهري أخبرنا أحمد بن عيسى اللخمي أخبرنا عَمْرُو بْنُ
أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَنِي ابن زبر أخبرنا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ
الْكِلابِيُّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ.
الجِلْفَاطُ هو الَّذِي يَشُدُّ أَلْوَاحَ السَّفُن ويُصْلِحُهَا.
وَقَالَ مُحَمَّد بن الحُسَين جَلْفَظَهَا بالظَّاءِ مُعْجَمَة
والصَّوَابُ بالطَّاءِ غَيْرِ مُعْجَمة وأَظُنُّ الكَلِمَة لَيْسَت
بالَمَحْضَة في العَرَبِيَّة.
وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ الآخَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَتَبَ
إِلَيْهِ إِنَّ الْبَحْرَ خَلْقٌ عَظِيمٌ يَرْكَبُهُ خَلْقٌ ضَعِيفٌ
دُودٌ عَلَى عُودٍ بَيْنَ فَرْقٍ وَبَرَقٍ2.
وَقَوْلُهُ يحمِلُهُم عَدُوُّهُم إلى عَدُوِّهِم فإنَّ النَّوَاتِي
الَّذِينَ كَانُوا يَجُرُّون السُّفُن ويُعَالِجُونَهَا كَانُوا أو
أْكَثَرَهُم عُلُوجًا أَعْدَاءً3 للمُسْلِمِين. وقد يُحْتَمَل أن يراد
بالعدو البحر.
__________
1 الفائق "جلفظ" "1/228" والنهاية "جلفظ" "1/287".
2 ذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار "1/137" والطبري في تاريخه "4/258,
259".
3 د: "أعداء المسلمين".
(2/68)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ جَاءَهُ فَقَالَ: مَتَى
تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ فَقَالَ عُمَرُ: إِذَا وَجَدْتَ قِرْفَ
الأَرْضِ فَلا تَقْرَبْهَا.
(2/68)
قَالَ: فَإنِّي أَجِدُ قِرْفَ الأَرْضِ
وأَجِدُ حَشَرَاتِهَا قَالَ: كَفَاكَ كَفَاك1 يرَوْيِهِ الوَاقِدِيُّ
عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ.
قِرْفُ الأَرْضِ بَقْلُها ونَبَاتُها والأَصْلُ في القِرْفِ القِشْرَة
وقِرْفُ كُلِّ شَيء قِشْرُه.
قَالَ أَبُو ذُؤَيب:
لا در درِّي إنْ أَطْعَمْتُ نَازِلَكُم ... قِرْفَ الحَتيِّ وعِنْدي
البُرُّ مَكْنُوز2
والحَتِيِّ المُقْلُ. وهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أنه سئل3
مَتَى تَحِلُّ لَنَا الميتة فقال: ما لم تصطحبوا أَوْ تَغْتَبِقُوا
أَوْ تَحْتَفِئُوا بَقْلا4.
__________
1 الفائق "قرف" "3/180" والنهاية "قرف" "4/47".
2 شرح أشعار الهذليين "3/1263" والبيت للمتنخل الهذلي لا لأبي ذؤيب.
3 من د, ح.
4 أخرجه أحمد فس مسنده "5/218" والحاكم في المستدرك "5/125" وذكره
الهيثمي في مجمعه "4/165, و5/50" عن أبي واقد.
(2/69)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ وَهُوَ مَحْصُورٌ
أَنَّهُ مَهْمَا تنزل بامرىء شَدِيدَةٌ يَجْعَلُ5 اللَّهُ بَعْدَهَا
فَرَجًا فَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ1.
يَرْوِيهِ خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
قوله لن يَغْلب عُسْرٌ يُسْرَيْن إنَّمَا هُوَ تَأْوِيل قول اللَّه
{فَإِنَّ مَعَ
__________
1 أخرجه مالك في الموطأ "276 – 277" عن زيد بن أسلم وابن المبارك في
متاب الجهاد "164" عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أبيه.
(2/69)
الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْراً} 1 وفي ظَاهِرِ التِّلاوَةِ هَاهُنَا عُسْرَانِ ويُسْرَانِ إلا
أَنَّ المُرَاد بِهِ عُسْرٌ وَاحِد [27] لأَنَّهُ مَذْكُورٌ بِلَفْظِ
التَّعْرِيف / واليُسْرُ مَذْكُورٌ بِلَفْظِ التَّنْكِير مَرَّتَيْنِ
فَكَان كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الآخَر.
قَالَ الفَرَّاءُ: العَرَبُ إذا ذَكَرَت نَكِرَةً ثُمَّ أَعَادَتْهَا
بِنَكِرَةٍ مِثْلَهَا صَارَتَا اثْنَتَيْنِ كَقَوْلَكَ إذا كَسَبْتَ
دِرْهَمًا فَأَنْفِق دِرْهَمًا فَالثَّانِي غَيْرُ الأَوَّل وإذا
أَعَادَتْهَا بِمَعْرِفة فَهِي هِي كَقَوْلِكَ إذا كَسبْتَ دِرْهَمًا
فَأَنْفِق الدِرْهَم فَالثَّاني هُوَ الأَوَّل قَال: ومِن هَذَا قَوْلُ
بَعْض الصَّحَابةِ لَنْ يَغْلِب عُسْرٌ يُسْرَيْن.
ذَكَرَهُ لَنَا أَبُو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلب عَنْ سَلَمَة عَنِ
الفَرَّاء.
وقَالَ بَعْضُ المُتَأَخِّرِين: هُمَا سَوَاءٌ لا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
قال: والَّذي اسْتَشْهَدَ بِهِ الفَرَّاءُ غَيْرُ دَالٍّ عَلى ما
زَعْمِهِ وذَلِك أَنَّ القَائِل إذا قَال: إنَّ في الدَّارِ زَيْدًا
إنَّ في الدَّارِ زَيْدًا مَرَّتَيْن لَمْ يَدُلَّ بِهِ على أَكْثَرِ
مِنْ زَيْدٍ وَاحِد كَمَا لَمْ يَدُلَّ عَلى أَكْثَرِ مِن دَارٍ
وَاحِدَة قَالَ: وقَوْل عُمَر: لَنْ2 يَغْلُب عُسْرٌ يُسْرَيْنِ.
مَعْنَاهُ أَنَّ العُسْرَ بَيْن يُسْرَيِن إما فرج عاجل فِي الدُّنْيَا
وإما ثواب في الآخرة.
وأخبرني ابن الفارسي حَدَّثَني مُحَمَّدُ بن المُؤَمَّلُ العَدَوِيّ في
قَوْلِهِ {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} قَال: هَذا مِن مَظَاهر
القَوْل يُرَادُ بِهِ التَّوكِيد كَقوله: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ
ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} 3 وكقول الشاعر:
__________
1 سورة الشرح: الآيتان "5, 6".
2 س: "أن يغلب".
3 سورة التكاثر:" 3, 4".
(2/70)
إذَا التَيَّازِ ذُو العَضَلاتِ قُلْنَا
... إليكَ إليكَ ضَاقَ بِهَا ذِرَاعَا1
وكَقَوْلِ الآخَر:
هَلا سَأَلْتَ جُموعَ كِنْدَةَ ... حَينَ وَلُّوا أَيْنَ أَيْنَا
__________
1 اللسان ةالتاج "تيز" ضمن ثلاثة أبيات معزوة للقطامي يصف يكرة اقتضبها
"ركبها قبل أن تراض" وقد أحسن القيام عليها إلى أن قويت وسمنت وصارت
بحيث لا يقدر على ركوبها لقمتها وعزة نفسها, والتياز من الرجال: القصير
الغليظ الشديد العضل.
(2/71)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَر أَنَّهُ قَال: لا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ على امْرَأةٍ وإن قِيلَ
حَمْؤُها أَلا حَمْؤُها المَوْت1.
قوله ألا حَمْؤُها المَوت. قَالَ ثَعْلَب: سألتُ ابنَ الأعرابيّ عن هذا
فَقَالَ: هذه كلِمَة تَقُولُهَا العَرَب مَثَلًا كَمَا تَقُولُ
الأَسَدُ المَوْتُ أي لِقَاؤُهُ مِثْلَ الْمَوْت وكما تَقُول
السُّلْطَانُ نَارٌ أَي مِثْلَ النَّارِ والمَعْنَى احذَرُوه كَمَا
تَحْذَرُونَ المَوْت.
قَال أَبُو سُلَيْمَان وقَد ذكره أبو عبيدة في ضِمْنِ حَدِيثٍ2 فَقَال:
مَعْنَاهُ فَلْيَمُتْ ولا يَفْعَل ذَلِك وهَذا بَعِيد وإنَّما الوَجْهُ
مَا قَالَهُ ابنُ الأَعْرَابِيّ. ومِن هَذَا البَاب قَوْلُهُ تَعَالى:
{وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} 3 أي
مِثْلَ المَوْتِ من الشِدَّةِ والكَرَاهِيَةِ ولَو كَانَ أَرَادَ
نَفْسَ المَوْت لَكَانَ قَدْ مَات ومِثْلُهُ قَوْلُ عامِر بن
فُهَيْرَة:
لَقَدْ وجدت الموت قبل ذوقه4
__________
1 أخرجه عبد الرزاق ف مصنفه "7/137" وأبو عبيد في غريبه "3/353".
2 هو حديث عمر: "ما بال رجال لا يزال أحدهم كاسرا وسادة عند امرأة
مغزية يتحدث إليها وتتحدث إليه, عليكم بالجنبة فإنها عفاف إنما النساء
على وضم إلا ما ذب عنه" غريب الحديث لأبي عبيد "3/352".
3 سورة ابراهيم: "17"
4 تقدم الرجز في اللوحة "16".
(2/71)
وَقَالَ رُوَيْشِدٌ الطَّائِيُّ:
يا أَيُّها الرَّاكِبُ المُزْجِي مَطِيَّتَهُ ... سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ
مَا هَذِهِ الصَّوْتِ
وقُلْ لَهُم بَادِروا بالعُذْرِ والْتَمِسُوا ... قَوْلًا يبرئكم إني
أنبأنا المَوْتُ1
ومِثْلُ هذا كَثِيرٌ في الكَلام.
والحَموُ أَبُو الزَّوْج وأَخُو الزَّوُج وكُلُّ مَنْ وَلِيَهُ مِن
ذَوِي قَرَابَتِهِ. قَال الأَصْمَعِيّ: الأَحْمَاءُ مِن قِبَلِ
الزِّوُج والأَخْتَانِ مِن قِبَلِ المَرْأَة والصِّهْرُ يَجْمَعُهَما
والحَمَاةُ أُمُّ الزَّوْج والخَتَنَة أُمُّ المَرْأَة.
ويُقَالُ: هذا حَمُوهَا وحَمَاهَا وحَمْؤُهَا مهموز مقصور.
__________
1 شرح الماسة للمرزوقي "2/166" وجاء فس الشرح: وإنما قال: ما هذه الصوت
والصوت مذكر لأنه الصيحة والجلبة, ومفعول بادروا محذوف كأنه قال:
بادروا العقاب بالعذر: أي سابقوه.
(2/72)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ حِمْصٍ: "لا تَنَبَّطُوا فِي
الْمَدَائِنِ وَلا تُعَلِّمُوا أَبْكَارَ أَوْلادِكُمْ كِتَابَ
النَّصَارَى وَتَمَعْزَزُوا وَكُونُوا عَرَبًا خُشْنًا"1.
[28] يَرْوِيهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ صَفْوَانِ بْنِ عَمْرٍو / عَنْ
سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ بِذَلِكَ.
قوله لا تَنَبَّطُوا في المَدَائِن يُرِيدُ لا تبنَّكُوا بِها ولا
تَتَّخِذُوها دَارَ إقَامَةٍ فَتَكُونُوا كالأَنْبَاط يَنْزَلُون
الأَرْيَافَ يَحُضُّهم على الجِهَاد ويَأْمُرُهُم بالاستِعْدَاد
للغَزْو وقَدْ يَكُون المَعْنَى أَنَّهُ كَرِهَ لَهُم اتِّخَاذ الضيعة
وأَرَادَ بِأَبْكَارِ الأَوْلاد أَحْدَاثَهُم ومن كَانَ مَوْلُودًا
مِنْهُم في الإِسْلام وبكر الرجل أول ولده.
__________
1 الفائق "نبط" "3/402" والنهاية "نبط" "5/9".
(2/72)
وقَوْلَه تَمَعْزَزُوا تَحْتَمِل وَجْهَين
أَحَدَهُمَا أَنْ يَكُون مِن المَعْزِ وهُو الشِدَّة والصَّلابَة.
يُقَال: رَجُلٌ مَاعِز ومَا أَمْعَزَهُ من رَجُلٍ أي ما أَشَدَّهُ
وأَصْلَبَهُ ومِنْهُ قِيلَ للأرض الحَزْنَةِ ذَاتِ الحِجَارة
المَعْزَاء ومَكَانٌ أَمْعَز وقَال الفَرَزْدَق:
قَطَعْتُ إلى مَعْرُوفِهَا مُنْكَراتِهَا ... إذا خَبَّ آلُ الأَمْعَزِ
المُتَوَضِّحُ1
والتَّمَعْزُز على هذه وَزْنَهُ التَّفَعْلُل من المَعْز.
والوَجْهُ الآخَر أَن يَكُون مُشْتَقًّا مِن العِزّ وهو الشِدَّةُ
والقُوَّة قَالَ اللَّه تعالى: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} 2.
ومنه قولهم "من عزز بر"3 أَي مَن غَلَبَ سَلَب وتَكُون المِيم عَلَى
هذا التَأْوِيل زَائِدةٌ لَيْسَت مِنْ نَفْسِ الحَرْف كَمَا قَالوا:
تَمَدْرَعَ الرَّجُل من الدُرَاعَة وتَمَسْكَن وأَصْلُهُ من السُّكُون
والمِيم زَائِدة. وهَذَا كحدِيِثِه الآخَر أَنَّهُ قَالَ4:
تَمَعْدَدُوا واخْشَوشِنُوا. وقَد فَسَّرَهُ أبو عبيد في كتابه5.
__________
1 الديوان "124" برواية "إذا خب آل دونها يتوضح".
2 سورة يّس: "14".
3 مثل في اللسان "بزز" وعند الضبي "53" الفاخر "89" حمهرة الأمثال
"2/288" مجمع الأمثال "2/307" أمثال المستقصى "2/357" أمثال أبي عبيد
"113".
4 من د.
5 غريب الحديث "3/327".
(2/73)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا صَالَحَ نَصَارَى أَهْلُ الشَّامِ كَتَبُوا لَهُ
كِتَابًا إِنَّا لا نُحْدِثُ فِي مَدِينَتِنَا كَنِيسَةً وَلا
قِلِّيَّةً وَلا نُخْرِجُ سعانينا ولا باعوثا1
__________
1 أخرجه ابن عساكر في مقدمة تاريخه بهذا السند "564, 565" بلفظ "ولا
نخرج شعانينا ولا باعوثنا ... " في حديث طويل وفي رواية في ص "567"
بلفظ "وأن لا نخرج شعانين ولا باعوثا".
(2/73)
أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا محمد بن إسحاق
الصغاني1 أخبرنا الربيع بن ثعلب أخبرنا يَحْيَى بْنَ عُقْبَةَ بْنِ
أَبِي الْعَيْزَارِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوريِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ
مُصَرِّفٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عن عبد الرحمن2 بْنِ غَنْمٍ.
القِلِّيَّةُ يُقَالُ: أَنَّهَا شِبْهُ الصَّوْمَعَة تَكُونُ للرَّاهِب
والسَّعَانين يُقَالُ: إنَّهُ عِيدُهُم الأَوَّلُ وذَلِكَ قَبْلُ
فُصْحِهِم بأُسْبُوع يخرجون بصُلْبَانِهِم.
والبَاعُوثُ يُقَالُ: إِنَّهُ اسْتِسْقَاء النَّصَارَى يَخْرُجُونَ
بِصُلْبَانِهِم إلى الصَّحَارَى يَسْتَسْقُون صُولِحُوا عَلى أَنْ لا
يُخْرِجُوا زِيَّهُم ولا يُظْهِرُوهُ للمُسْلِمِين فَيَفْتِنُوهُم
بِذَلِك.
وقَالَ بَعْضُهُم: إنَّمَا هُوَ الباغوت بالغَين مُعْجَمَة والتَّاء
الَّتي هي أُخْتُ الطَّاء وهُو عِيدٌ للنَّصَارى اسم أعجمي.
__________
1 د: "محمد بن إسحاق الصفار" تحريف وفي التقريب "2/244" محمد بن إسحاق
الصغاني بفتح المهملة ثم المعجمة أبو بكر نزيل بغداد ثقة ثبت ت 270 هـ.
2 س: "عبد الرحيم بن غنم" والمثبت من د, ط, وتاريخ ابن عساكر.
(2/74)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَر أَنَّ عُمَر بن عَبْد العزيز وَصَفَهُ فَقَال دُعَامَةٌ:
للضَّعِيف مُزَمْهِرٌ على الكَافِر1 في كَلامٍ فِيهِ طُولٌ.
يَرْوِيه العَبَّاسُ بن الوليد بن مزيد أخبرنا أَبِي حَدَّثَنِي
المُغِيرَةُ بن المُغِيرَة العبدي عن إبراهيم بن عبد الله بن الأَهْتَم
عَن عُمَر.
قَال أَبُو عُبَيْد المُزَمْهِر الشَّدِيد الغَضَب.
وقَالَ الفَرَّاءُ: المُزَمْهِر الَّذِي قَد احْمَرَّت عَيْنَاهُ.
يُقَالُ: ازْمَهَرَّت عَيْنَاهُ وزَمْهَرَت فَأَمَّا المُزَبْئِرُ
فَهُوَ الَّذِي اقْشَعَرَّ جِلْدُهُ مِن غَضَبٍ أَو خوف أو نحوه.
__________
1 الفائق "دعم" "1/427" والنهاية "دعم" "2/120".
(2/74)
قَالَ الأَصْمَعيُّ: والمُزَمْئِرُ
اللازِمُ مَكَانَهُ لا يَبْرَحُ والمُزَرْئِم المُنْقَبِض وأَنْشَدَنِي
أبو عُمر أنشدنا ثعلب عَن ابن الأعرابي:
وشاعر جاؤوا به عبم ... إذ يُقَالُ هَاتَ يَزْرَئِمّ
فَهُو فِدى لشاعر لهم
والمعرنزم المُنْقَبِضُ ويُقَالُ: المُنْقَطِعُ. [29]
أَخْبَرَنِي ابْن مالك أخبرنا الدغولي حدثنا المُظَفَّرِيُّ عَنْ
سليمان بن مَعْبَد قَالَ قُلْتُ للأَصْمَعِيّ يا أبا سَعِيد ما معنى
قولهم الحَقُّ مَغضَبَة فَقَال: يا بُنَي وهَل يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِ
هَذَا إلا رَازِمٌ1. قَلَّ مَا يُكِعُّ2 أَحَدٌ بالحق إلا اعرنزم له.
__________
1 الوسيط "رزم" رزم: سقط من الإعياء والهزل ولم يتحرك أو قام في مكانه
ولم يتحرك من الهزل.
2 أكع الخوف فلانا: حبسه عن وجهه ورده عَنْهُ.
(2/75)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَر أَنَّ أَبَا عثمان النَّهدي كان يَكْثُرُ أَنْ يَقُول: لَوْ
كَانَ عُمَر مِيزَانًا ما كَانَ فِيهِ مَيْطُ شَعْرَه1.
من حَدِيث مُحَمَّد بن إسحَاق الثَّقَفِي نا سعيد بن يحيى الأُمَوِيّ
نا أَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير نا عاصِم الأَحْوَلُ عَنْ أَبِي عثمان
النَّهديّ.
قَولُهُ مَيْطُ شَعْرَه أَصْلُهُ المَيْلُ والعُدُولُ عَن المَحَجَّةِ
يُقَالُ: مَاطَ الرَّجُل في مَشْيِه إذَا عَدَل يَمْنَة ويُسْرَة
قال رُؤْبَة:
بادَرْتُهُ قَبْلَ الغَطَاطِ اللُّغَّطِ ... وَوِرْدَ مَيَّاطِ الذئاب
الميط2
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "3/293".
2 الديوان "84" برواية "باكرته" بدل "بادرته".
(2/75)
وَقَالَ الأعشى:
قد تَعَلَّلتُها على نَكَظِ المَيْطِ ... إذَا خَبَّ لامِعَاتُ الآلِ1
يَقُول ركبْتُها على عِلَّتِهَا والمَيْطُ البُعْدُ هَاهُنَا. ومِنْهُ
قَوْلُهُم وَقَعْنَا في الهِيَاطِ والمِياط.
وَقَالَ جابر بن عبد الله لَمَّا تَكَلَّمَ أَسْعَد بن زُرارة ليلة
العَقَبة بِكَلامِهِ المَذْكُور عَنْه قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: مِطْ
عَنَّا يَا أَسْعَد فَوَالله لا نَذَرُ هَذِه البَيْعَة ولا
نَسْتَقِيلُها2.
يُرِيدُ ابعد عنا ومن هذا إماطة الأَذَي عَنِ الطَّرِيق.
ورُوِي عَن بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ عُمَر فَقَال: "لَو
كَان مِيزَانًا لَكَان مترصا أي محكما مقوما".
__________
1 الديوان "165" برواية "وقد خب".
2 أخرجه أحمد في مسنده "3/340" وفي "5/323" بلفظ "لا ندع هذه البيعة
أبدا ولا نسلبها" عن جابر.
(2/76)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ ابْتَاعَ دَارَ السِّجْنِ بأربعة آلاف وأعربوا فيها
أربعمائة دِرْهَمٍ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ.
قَوْلُهُ: أَعْرَبُوا أي أَسْلَفُوا مِن العُرْبَان وبَيْعُ
العُرْبَان2 أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ العَبْدَ أو الدَّابَّةَ فيدفع
إلى البائع دينارا أو درهما على أَنَّهُ إن تم البيع كان من ثمنه وإن
لم يتم كان للبائع وقد نهى رسول اللَّه عَنْ بيع
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/148" بدون: "وأعربوا فيها أربعمائة
درهم".
2 سقط من د.
(2/76)
العربان1 لما فيه من الغرر ولا يجوز أن
يذهب ذاك ويخفى بيانه على عُمَر وإنما تولى عقد البيع خليفة عُمَر
فأضيف الفعل إليه.
رَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدَ
الْحَارِثِ اشْتَرَى دَارَ السِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانِ بْنِ
أُمَيَّةَ عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِيَ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ وَإِنْ
لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فلصفوان أربعمائة2.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُسْكَانِ3
وَهُوَ الْعُرْبَانِ أَيْضًا وَيُجْمَعُ عَلَى الْمُسَاكِينِ كَمَا
يُجْمَعُ الْعُرْبَانُ4 عَلَى الْعُرَابِينِ وفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى
وَهِيَ الأُرْبَانُ واللغة العالية العربون.
__________
1 أخرجه أبو داود في البيوع "3/283" وابن ماجة في التجارات "2/738".
2 أخرجه البخاري تعليقا في الخصومات "3/161", والبيهقي في السنن الكبرى
"6/34".
3 الفائق "عرب" 2/410", والنهاية "مسك" "4/431".
4 ساقطة من د
(2/77)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَر أَنَّهُ وقفت عليه امرأة عشمة بأهدام لها فقالت: حياكم اللَّه
قوما تحية السلام وأمارة الإسلام إني امرأة جحيمر طهملة أقبلت من
هكران1 وكوكب أجاءتني النائد إلى استيشاء2 الأباعد بعد الرف والوقير
فهل من ناصر يجبر أو داع يشكر أعاذكم اللَّه من جوح الدهر وضغم الفقر3.
في ألفاظ كثيرة ظننت بها الصنعة فتركتها.
/ حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إسماعيل القفال أخبرنا
مُحَمَّد بن الْحَسَن بن دريد أنبأنا أَبُو عثمان سعيد [30] بن هارون
أخبرنا التوري عَنْ أَبِي عبيدة حَدَّثَنِي بلال بن
__________
1 ح: "من كهران".
2 ح: "استنشاء".
3 الفائق "عشم" "2/434" والنهاية "3/241".
(2/77)
شهم السلمي من ولد العباس بن مرداس بن
السلمي قَالَ: سمعت غير واحد من علمائنا يذكره.
العشمة العجوز القحلة ويقال: خبز عاشم أي يابس والأهدام: أخلاق الثياب
واحدها هدم. قال أوس بن حجر:
وذات هدم عار أشاجعها ... تصمت بالماء تولبا جدعا1
وقولها جحيمر تصغير جحمرش وهي العجوز التي قد اقسأنت وخشنت والطهملة
المسترخية اللحم وهكران وكوكب جبلان.
وقولها أجاءتني النائد أي اضطرتني قَالَ الشاعر:
تواكلها الأزمان حتى أجأنها ... إلى جلد منها ضعيف الأسافل2
والنائد الدواهي والوحد ناد والاستيشاء استخراج الشيء الكامن. يُقَالُ:
استوشيت الناقة إذا حلبتها واستوشيت المسألة إذا استنبطت فقهها ومعناها
والرف الإبل العظيمة. والوقير القطيع العظيم من الغنم ولا تسمى الغنم
وقيرا حتى يكون معها كلبها وكرازها3 والقرة الغنم أيضا. قال الشاعر:
ما إن رأينا ملكا أغارا ... أكثر منه قرة وقارا4
والقار الإبل. وقولها هل من ناصر أي معط. قال الشاعر:
__________
1 الديوان "55" برواية "عار نواشرها" والتولب: طفلها, والجدع: السيء
الغذاء وسبق في الجزء الأول بوحة "122".
2 التهذيب "12/430" برواية "قليل الأسافل" وقال: أي قليل الأولاد. ولم
يعز البيت.
3 القاموس "كرز" الكراز: الكبش يحمل خرج الراعي.
4اللسان والتاج "قور" والرجز للأغلب العجلي.
(2/78)
أبُوكَ الَّذِي أجْدَى عَليَّ بِنَصْرِه
... فأسكتَ عنّي بعْدَه كُلّ قائِلِ1
وجوح الدهر من قولك جاحهم الزمان يجوحهم جوحا إذا غشيهم بالجوائح.
والضغم العض وبه سمي الأسد ضيغما.
__________
1 الجمهرة لابن دريد "3/437" من غير عزو وسبق هذا البيت في الجزء الأول
لوحة "133"
(2/79)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عمر
أنه خرج إلى ناحية السُّوقِ فَتَعَلَّقَتِ امْرَأَةٌ بِثِيَابِهِ
وَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ قَالَتْ
إِنِّي مُؤْتِمَةٌ تُوُفِّيَ زَوْجِي وَتَرَكَهُمْ مَا لَهُمْ مِنْ
زَرْعٍ وَلا ضَرْعٍ وَمَا يَسْتَنْضِجُ أَكْبَرُهُمُ الْكِرَاعَ
وأَخَافُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضِّبَعُ وَأَنَا ابْنَةُ خُفَافِ بْنِ
إِيمَاءَ الْغَفَّارِيِّ فَانْصَرَفَ مَعَهَا فَعَمَدَ إِلَى بَعِيرٍ
ظَهِيرٍ فَأَمَرَ بِهِ فَرَحَلَ وَدَعَا بِغَرَّارَتَيْنِ فَمَلأَهُمَا
طَعَامًا وَوَدَكَا وَوَضَعَ فِيهَا صُرَّةَ نَفَقَةٍ ثُمَّ قَالَ
لَهَا: قُودِي.
حَدَّثَنِيهُ محمد بن الطيب المروزي أخبرنا أبو العلاء الوكيعي أخبرنا
أحمد بن صالح المصري أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرنا مَالِكٌ
أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ وذَكَرَ الْقَصَّةَ
قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ: أَكْثَرْتَ لَهَا1 يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
فَقَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنِّي أَرَى أَبَا هَذِهِ مَا
كَانَ يُحَاصِرُ الْحِصْنَ مِنَ الْحُصُونِ حَتَّى افْتَتَحَهُ
فَأَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانِهِ مِنْ ذَلِكَ الْحَصْنِ2.
قولها إني مؤتمة أي ذات صبية أيتام وقولها ما يستنضج أكبرهم الكراع
تريد أنهم صغار لا يكفون أنفسهم وهو مثل3 يضرب للعاجز الَّذِي لا غناء
عنده قَالَ النابغة الجعدي يهجو قوما:
__________
1 ساقط من د.
2 أخرجه البخاري في المغازي "5/158" باختلاف بعض الألفاظ وأخرجه أبو
عبيد في كتاب الأموال "334" طرفا منه, وهو في كنز العمال "5/685" وذكره
الحافظ في فتنح الباري "445:7" بأن الدارقطني أخرجه وأشار إلى بعض
الألفاظ التي جاءت في غريب الحديث للخطابي.
3 في مجمع الأمثال "1/291" بلفظ: "مابنضج كراعا ولا يرد رواية" وفي
المستقصى "2/338".
(2/79)
بالأرض أستاههم عجزا وآنفهم ... عند
الكواكب بغيا يا لذا عجبا
ولو أصابوا كراعا لا طعام بها ... لم ينضجوها ولو أعطوا لها حطبا1
[31] / وقولهم2 أخاف أن تأكلهم الضبع فِيهِ قولان أحدهما أن يراد
بالضبع السنة والجدب.
أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَر أنبأنا ثعلب قَالَ يُقَالُ: أصابتهم الضبع
وأصابتهم كحل إذا إصابتهم السنة.
والقول الآخر أنهم يموتون جوعا فتنبشهم الضبع فتأكلهم والضباع تعرض
للموتى وتثير الأرض عنهم وإلى هذا المعنى ذهب ابن الأعرابي في تأويل
الخبر الَّذِي يروى أن أناسا أتوا رسول اللَّه فقالوا: قد أكلتنا
الضبع3 وإلى القول الأول مال أَبُو عبيد.
والبعير الظهير هو الشديد الظهر القوي على الرحلة.
وَقَوْلُهُ نستفيء سهمانه أي نسترجعها غنما وأصله من الفيء وهو رجوع
الشيء من حال إلى حال.
ويقال: إنما سمي مال المشركين فيئا لأنه مال كان للمسلمين خارجا عَنْ
أيديهم فرجع إليهم.
ومن هذا حديث الأنصارية.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ دَاسَةَ أخبرنا أبو داود أخبرنا مسدد أخبرنا بشر
بن المفضل أخبرنا عبد الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جابر بن
عبد الله: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَتْ بِابْنَتَيْنِ
لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا ثَابِتِ بْنِ
قيس قتل معك
__________
1 شعر النابغة الجعدي "212" برواية: "وأنفهم" بدل "وآنفهم".
2 ح: "وقولها".
3 أخرجه أحمد في مسنده "5/117, 153, 154, 178" بألفاظ متقاربة.
(2/80)
يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدِ اسْتَفَاءَ
عَمُّهُمَا مَالَهُمَا وَمِيرَاثَهُمَا كُلَّهُ فَنَزَلَتْ آيَةُ
الْمِيرَاثِ1 تُرِيدُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَرْجَعَ مَوْرُثَهُمَا2 مِنْ
أَبِيهِمَا وَاسْتَخْلَصَهُ لِنَفْسِهِ.
وأخبرني محمد بن علي أخبرنا ابن دريد أنبأنا أبو حاتم أنبأنا الأصمعي
حَدَّثَني خلف قَالَ: أقبل أعرابي إلى قوم من أهل البصرة على غدير
النحيت يشربون شرابا لهم ومغن لهم يتغنى فجعل يكسر عينيه ويمط خديه
ويثني أصابعه فلما سكت قَالَ للأعرابي3: كيف رأيت؟ فَقَالَ:
أراك صحيحا قبل شدوك سالما ... فلما تغنيت استفاء لك الخبل
فإن كان ترجيع الغناء مورثا ... جنونا فأخزى اللَّه ذلك من عمل
قوله استفاء لك الخبل معناه استجلبه عليك واستدعاه إليك.
وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن سعدوية عَنْ بعض شيوخه قَالَ: استفتي أعرابي
سفيان بن عيينة في مسألة فلما أفتاه عنها قَالَ له الأعرابي: أقدوة؟ 4
فَقَالَ: نعم عَنْ رسول اللَّه. فَقَالَ: استسمنت القدوة فاء الله لك
بالرشد.
__________
1 أخرجه أبو داود في الفرائض "3/120 – 12" والدارمي في سننه "4/78".
2 ط:"موروثهما".
3 ساقط من د.
4 القاموس "قدو" القدوة: "مثلثة وكعدة": ما تسننت به واقتديت.
(2/81)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَر أَنَّهُ ذكر امرأ القيس فَقَالَ: خسف لهم عين الشعر وافتقر عَنْ
معان عور أصح بصر.
فسره ابن قتيبة في كتابه5 فَقَالَ: خسف من الخسف وهو البئر تحفر في
حجارة فيستخرج منها ماء كثير وافتقر فتح وهو من الفقير والفقير القناة.
__________
1 أخرجه ابن قتيبة في غريبه "2/7 -8".
(2/81)
وَقَوْلُهُ عَنْ معان عور يريد أن امرأ
القيس من اليمن وليست لهم فصاحة.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ هذا لا وجه له ولا موضع لاستعماله فيمن لا
فصاحة له وإنما أراد بالعور هاهنا غموض المعاني ودقتها من قولك عورت
الركية إذا دفنتها وركية عوراء. قال الشاعر:
ومنهل أعور إحدى العينين ... بصيرة الأخرى أصم الأذنين1
جعل العين التي تنبع بالماء بصيرة وجعل المندفنة عوراء فالمعاني العور
على هذا هي الباطنة الخفية كقولك2 هذا كلام معمى أي غامض غير واضح.
[32] / أراد عُمَر أَنَّهُ قد غاص على معان خفية على الناس فكشفها لهم
وضرب العور مثلا لغموضها وخفائها وصحة البصر مثلا في ظهورها وبيانها
وذلك كما أجمعت عليه الرواة3 من سبقه إلى معان كثيرة لم يحتذ فيها على
مثال متقدم كابتدائه في القصيدة بالتشبيب والبكاء في الأطلال
والتشبيهات المصيبة والمعاني المقتضبة التي تفرد بها فتبعه الشعراء
عليها وامتثلوا رسمه فيها.
__________
1 اللسان والتاج "عور" برواية "بصر أخرى وأصم الأذنين" ولم يعز.
2 ط: "فقولك".
3 د: "الرواية".
(2/82)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ رَجُلا أَتَاهُ فَقَالَ إِنَّ امْرَأَةً أَتَتْنِي
أُبَايِعُهَا فَأَدْخَلْتُهَا الدَّوْلَجَ فَضَرَبْتُ بِيَدِي
إِلَيْهَا1.
يَرْوِيهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ
يُوسُفَ بْنِ مهران عن ابن عباس
__________
1 النهاية "دولج" "2/141".
(2/82)
الدَّوْلَجُ المخدع وفيه لغة أخرى التولج
وأصله الولج وهوكل ما ولجت فيه من كهف أو سرب أو نحوه والتاء زائدة.
وقَالَ بعضهم: أصله وولج ثم قلبوا الواو تاء.
(2/83)
وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعٌ مُقْفَلاتٌ النَّذْرُ وَالطَّلاقُ
وَالْعِتَاقُ وَالنِّكَاحُ1.
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ عن عبد الله بْنِ
صَالَحٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عُمَارَةَ بن
عبد الله بْنِ طَعْمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
قوله مقفلات معناه أَنَّهُ لا مخرج منهن إذا جرى بهن القول وجب فيهن
الحكم وهذا كالحديث الآخر "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح
والعتاق2".
__________
1 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "7/341" بطريق البخاري عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عمر رضي الله عنه, وأخرجه سعيد بن منصور في
سننه "1/384" بلفظ: "أربع جائزات إذا تكلم بهن".
2 ذكره السيوطي في الجامع الكبير "1/485" وعزاه للقاضي أبي علي الطبري
في الأربعين بلفظه عن أبي هريرة وأخرجه أبو داود في الطلاق "2/259"
وكذلك الترمذي في الطلاق "3/481" وابن ماجة في الطلاق أيضا "1/658"
وكلهم بلفظ: " الرجعة" بدل "العتاق".
(2/83)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي اشْتَرَكَ فِيهِ سَبْعَةُ نَفَرٍ
أَنَّهُ كَادَ يَشُكُّ فِي الْقَوْدِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ نَفَرًا اشْتَرَكُوا فِي
سَرِقَةِ جَزُورٍ فَأَخَذَ هَذَا عُضْوًا وَهَذَا عُضْوًا أَكُنْتَ
قَاطِعِهُمْ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَذَلِكَ حِينَ اسْتُهْرَجَ له
الرأي1.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "9/477" بلفظ "استمدح" بدل "استهرج".
(2/83)
أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ
عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ.
قوله: استهرج أصله في الكلام السعة والكثرة.
قَالَ الأصمعي: يُقَالُ: هرج الفرس يهرج هرجا إذا كثر جريه.
يقال: فرس مهرج وهراج قَالَ العجاج:
من كل هراج نبيل محزمة1
وهرج القوم في الحديث إذا أكثروا ومن ذلك الهرج في القتال وفي النكاح
والمعنى أن رأيه قد قوي في ذلك واتسع لوضوح الدلالة وقرب التمثيل
ومعناه راجع إلى الكثرة.
__________
1 الديوان "435" والهراج: الكثير العدو, ونبيل محزمه يريد ضخم الوسيط.
(2/84)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ سُمْرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ بَاعَ خَمْرًا
قَاتَلَ اللَّهُ سُمْرَةَ أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رسول الله قَالَ:
"لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمِ الشُّحُومَ
فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابن الأعرابي أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الصَّبَّاحِ الزعفراني أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عن
طاووس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
ذكره أَبُو عبيد في كتابه2 واقتصر على تفسير اللفظ ولم يعرض للمعنى وهو
عندي مما لا يجوز جهله.
__________
1 ح: "فباعوا" وأخرج الحديث مسلم في المساقاة "3/1207" والنسائي في
الفرع والعتيرة "7/177" وأحمد في مسنده "1/25".
2 أخرجه أبو عبيد في غريبه "3/407" بلفظ: "لعن الله فلانا ألم يعلم ...
"الخ, وقال: جملوها يعني أذابوها.
(2/84)
ووجه ذلك والله أعلم أَنَّهُ نقم على سمرة
بيع العصير ممن يتخذه خمرا لما يروى من الكراهية1 في ذلك ولا يجوز عليه
وهو رجل من الصحابة أن يستحل بيع الخمر بعينها أو2 يجهل تحريمه مع
الاستفاضة والشهرة في علم ذلك وقد يلزم العصير اسم الخمر / [33] مجازا
لأنه يؤول خمرا وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنِّي أَرَانِي
أَعْصِرُ خَمْراً} 3 يريد والله أعلم عنبا يؤول إلى خمر.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّد الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا
زكريا بن يحيى المنقري.
حَدَّثَنِي الأصمعي حدثنا المعتمر قَالَ: لقيت خيبريا معه عنب فقلت ما
معك قَالَ خمر: ولقيت عمانيا4 معه فحم فقلت ما معك قَالَ سخام5: وعلى
هذا قول الشاعر يصف غَيْثًا.
أَقْبَل في المُسْتَنِّ من رَبابِه ... أَسنِمهُ الآبالِ في سَحابِه6
يريد أَنَّهُ ينبت ما ترعاه الإبل فتسمن وتعظم أسنمتها.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون سمرة باع خمرا قد كان عالجها فصارت7 خلا فرآه
عُمَر خمرا لا يحل بيعه على معنى نهيه عَنْ تحليل الخمر يدل على صحة
هذا التأويل تمثيل عُمَر فعله بفعل اليهود في اجتمالهم
__________
1 د: "الكراهة".
2 د: "ويجهل تحريمه".
3 سورة يوسف: "36".
4 د: "عماليا".
5 القاموس "سخم": السخام: الفحم.
6 الكامل للمبرد "3/91".
7 س: "فصار" وفي المصباح: الخمر تذكر وتؤنث.
(2/85)
ثروب الشحم1 وإذابتهم لها حتى يكون ودكا
متوهمين أنها إذا خرجت عَنْ أن يلزمها اسم الأصل خرجت عَنْ أن يلزمها
حكم الأصل تقول فكما لم يكن فعل اليهود مزيلا لحرمتها كذلك فعل سمرة في
تحليل الخمر لا يكون مبيحا لبيعها فهذا موضع المضاهاة لفعل اليهود
والله أعلم.
__________
1 د: "الشحوم".
(2/86)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عبد الله قَدِمَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا قَالَ
فَأَخْبِرْنِي عَنِ النَّاسِ. قَالَ: هُمْ كَسِهَامِ الْجُعْبَةِ
مِنْهَا الْقَائِمُ الرَّائِشُ وَمِنْهَا الْعَصِلُ الطَّائِشُ وَابْنُ
أَبِي وَقَّاصٍ يَغْمِزُ عَصِلَهَا وَيُقِيمُ مَيْلَهَا وَاللَّهُ
أَعْلَمُ بِالسَّرَائِرِ1
يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ أخبرنا إسماعيل بن
أبي الحارث أخبرنا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ
مُبَارَكِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عبد الله بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَنْ
حَدَّثَهُ عن جرير بن عبد الله.
القائم الرائش هوالمستقيم2 ذو الريش.
يُقَالُ: رشت السهم أريشه وسهم مريش وارتاش الرجل وتريش إذا حسنت حاله
فصار كالسهم المريش والعصل من السهام المعوج. قال لبيد:
فرميت القوم رشقا صائبا ... ليس بالعصل ولا بالمفتعل3
والعصل الالتواء. ومنه قيل للأمعاء الأعصال والطائش الزال4 عَنِ
__________
1 في تهذيب تاريخ ابن عساكر "6/106" بلفظ: "العدل" بدل "العصل" تحريف".
2د: "المستقيم الريش".
3 الديوان "194" برواية "ولا بالمقعثل" وفي اللسان والتاج "عصل" برواية
"لسن بالعصل ولا بالمفتعل" وقال: يروى: ليس.
4د: "الزائل".
(2/86)
الهدف والذاهب عنه. والمعنى أن الناس من
بين مستقيم له ومعوج مستعصٍ عليه وهو على ذلك يثقفهم ويقيم1 أودهم.
وقد روينا عَنْ جرير بن عَبْد اللَّه غير هذا القول في قدمة قدمها على
عُمَر.
أَخْبَرَنِي محمد بن علي أنبأنا ابن دريد أنبأنا أَبُو حَاتِمٍ عَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ قال: قدم جرير بن عبد الله عَلَى عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ: حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَرِيرٌ
قَالَ جَرِيرٌ قَالَ2: أَجْلِسُ قَالَ: فَجَلَسَ فَقَالَ: كَيْفَ
سَعْدٌ قَالَ صَالِحٌ: إِمَّا ظَالِمٌ وَإِمَّا مَظْلُومٌ فَقَالَ
عُمَرُ: أَخِّرْ هَذَا الْكَلامَ حَتَّى أَسْأَلَكَ عَنْهُ.
كَيْفَ النَّاسُ قَالَ: كَمَا يُحِبُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَثُرَ
النَّسْلُ وَاجْتَمَعَ الشَّمْلُ وَدَرَّ الْعَطَاءُ وَقَلَّ الْبَلاءُ
فَلا تَسْأَلْ عَنْ صَلاحٍ فَقَالَ عُمَرُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ هَلُمَّ
كِتَابَ صَاحِبِكَ. فَقَالَ: لَيْسَ مَعِي كِتَابٌ قَالَ: فَبِغَيْرِ
إِذْنِهِ3 خَرَجْتَ [34] / فَرَفَعَ عُمَرُ الدُّرَّةَ فَضَرَبَهُ
بِهَا وَقَالَ: مَا حملك على ذلك يابن أُمَيْمَةَ4؟ فَقَالَ جَرِيرٌ:
مَا أَعْلَمَكَ اسْمَهَا إِلا كَرِمٌ أَوْ لَؤُمٌ فَقَدْ رَابَنِي إِذْ
نَسَبْتَنِي إِلَيْهَا حِينَ غَضِبْتَ قَالَ: فَارْتَاعَ عُمَرُ
وَقَالَ: مَا أَعْلَمُ إِلا خَيْرًا فَلِمَ خَرَجْتَ؟ قَالَ: أَسَاءَ
صُحْبَتِي وَأُرِيدُ أَنْ تُصْلِحَهُ أَوْ تُصْلِحُنِي. قَالَ: فَهَاتِ
عَنْهُ وَلا تَقُلْ إِلا حَقًّا فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا
أَقُولُ رَأَيْتُ خَيْرًا وَظَنَنْتُ شرًّا فَمَا يَتْرُكُنِي ظَنِّي
لِعِلْمِي وَلا عِلْمِي لِظَنِّي. فَقَالَ عُمَرُ: أَقْصِرْ عَلَيْكَ
فَلا أَرَاكَ إِلا قَدْ صَدَقْتَ وَقَصَدْتَ فَمَكَثَ جَرِيرٌ
يَخْتَلِفُ إِلَى عُمَرَ فَبَيَّنَّا عمر لاه يكلم إنسانا
__________
1 د, ط: "قال: ويقوم".
2 ح: "قال: اجلس فجلس".
3 د: "فبغير إذن خرجت".
4 د: "يابن أمية".
(2/87)
إِذِ انْدَفَعَ جَرِيرٌ يَمْدَحُ عُمَرَ
وَيَقُولُ مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ أَنَّهُ وَإِنَّهُ وَجَعَلَ
يُطْرِيهِ وَيُطْنِبُ فَعَرَفَ عُمَرُ أَنَّهُ يَسْمَعُهُ فَأَقْبَلَ
عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا جَرِيرُ فَعَرَفَ جَرِيرٌ الْغَضَبَ
فِي وَجْهِهِ. فَقَالَ: ذَكَرْتُ أَبَا بَكْرٍ وَفَضْلَهُ فَقَالَ
عُمَرُ: اقْلِبْ قِلابِ وَسَكَتَ1
قوله: اقلب. مثل يضرب للرجل تكون منه السقطة فيتداركها بأن يقلبها عَنْ
جهتها ويصرفها إلى غير معناها وأصل ذلك فيما يذكر عَنِ المفضل الضبي أن
زهير بن جناب الكلبي وفد إلى بعض الملوك ومعه أخوه عدى بن جناب وكان
عدي محمقا فلما دخل على الملك شكا الملك إلى زهير علة كانت بأمه شديدة
وكان ملاطفا له فَقَالَ له: عدي أيها الملك اطلب لها كمرة حارة فغضب
الملك وأمر به أن يقتل. فَقَالَ له زهير: أيها الملك إنما أراد عدي أن
ينعت لها الكمأة فإنا نسخنها ونتداوى بها في بلادنا فأمر به فرد
فَقَالَ له: زعم زهير أنك إنما أردت به كذا وكذا فنظر عدى إلى زهير
فَقَالَ: اقلب قلاب فأرسلها مثلا2.
__________
1 في الفائق "قلب" "2/221" الجزء الأخير فقط, وكذلك في النهاية "قلب"
"4/97".
2 اللسان "قلب" الصبي "79" جمهرة الأمثال "1/94" المستفصى "1/286".
(2/88)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي1 أُسَيْدٍ قَالَ:
الْتَقَطْتُ ظِبْيَةً فِيهَا أَلْفُ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ وَقَلْبَانِ
مِنْ ذَهَبٍ فَكَاتَبَنِي مَوْلايَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَعْطَانِي
مِائَتِي دِرْهَمٍ فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَصَبْتُ ثُمَّ
أَتَيْتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: أَمَّا رِقُّكَ فِي
الدُّنْيَا فَقَدْ عُتِقَ وَأَنْشِدْهَا فِي الْمَوْسِمِ عَامًا
فَأَنْشَدْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ لَهَا عَارِفًا فَأَخَذَهَا عُمَرُ
فَأَلْقَاهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ2
__________
1 ح, د: "مولى أبي أسيد" تحريف. والصواب أسيد, قال الحافظ في الإصابة
"4:99" أبو سعيد مولى بني أسيد "بالتصغير".
2 الفائق "ظبى" "2/374" والنهاية "ظبي" "3/155".
(2/88)
حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو مَنْصُورٍ
الأَزْهَرِيُّ حدثني بهذا الحديث السعدي أخبرنا عبيد الله بن جرير
أخبرنا حجاج أخبرنا حَمَّادٌ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي
نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي أُسَيْدٍ قَالَ:
الْتَقَطْتُ ظِبْيَةً فِيهَا أَلْفُ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ وَقَلْبَانِ
مِنْ ذَهَبٍ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا.
الظبية شبه الجراب الصغير. ويقال: بل هي كالإداوة تخرز من الأدم والقلب
الخلخال ويقال السوار ومعنى أنشدها عرفها. يُقَالُ: أنشدت بالألف إذا
عرفت ونشدت إذا طلبت. ومنه الحديث أيها الناشد غيرك الواجد1.
وَقَوْلُهُ: أعطاني مولاي مائتي درهم يريد أنه سوغ له من مال الكتابة
مائتي درهم وذلك من المعروف الَّذِي أمر اللَّه به فَقَالَ:
{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} 2.
وفيه من الفقه أَنَّهُ رأى العتق واقعا وإن كان الأداء من مال لم يستقر
له ملكه / وفيه أَنَّهُ لم يجعل [35] اللقطة ملكا له بعد تعريفها سنة.
__________
1 أخرجه أبو عبيد في غريبه "2/133".
2 سورة النور: "33".
(2/89)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حِينَ اسْتُخْلِفَ خَطَبَ
فَقَالَ: إِنِّي مُتَكَلِّمٌ بِكَلِمَاتٍ فَهَيْمِنُوا عَلَيْهِنَّ1.
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ جَامِعِ بْنِ
شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلا ذَا قَرَابَةٍ لِي يَقُولُ سَمِعْتُ
عُمَرَ يَخْطُبُ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قوله هيمنوا أي أمنوا عليهن أبدلت الهزة هاء
كقولهم أرقت الماء وهرقته وإبرية وهبرية وقد تبدل في موضع التثقيل من
الميم ياء كقولهم أيما بمعنى أما قَالَ عمر بن أبي ربيعة:
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "3/275" بلفظ "ثلاث كلمات إذا قلتها
فهيمنوا عليها. وأخرجه أبو نعيم في الحلية "1/53" بنحوه.
(2/90)
رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت ... فيضحى
وأيما بالعشي فيخصر1
وقال آخر:
بها جيف الحسرى فأيما عظامها ... فبيض وأيما لحمها فصليب2
وفيه وجه آخر وهو أن يكون معناه اشهدوا عليهن من قوله تعالى:
{وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} 3.
قَالَ أهل التفسير: المهيمن الشهيد وَقَالَ بعضهم: قائما عليه واحتج
بقول الشاعر:
إلا إن خير الناس بعد نبيه ... مهيمنه التاليه في العرف والنكر4
يريد القائم بعده.
وسمعت من يوثق بعلمه يحكي عَنِ العرب هيمن الطائر إذا رفرف على وكره
شفقا على فراخه فيكون معناه على هذا راعوهن وأحسنوا حفظهن والقيام
عليهن.
__________
1 الديوان "130" ط بيروت برواية "وأما بالعشي فبخصر" وجاء في مغني
اللبيب "1/53" برواية "أيما".
2 الجمهرة "1/298" والمفضليات "394" برواية " ... فأما ... وأما جلدها
فصليب" وعزى لعلقمة بن عبدة يصف طريقا, والصلب: الودك, وبهسمي المصلوب:
لأنه نصب حتى سال ودكه.
3 سورة المائدة: "48".
4 اللسان والتاج "همن" دون عزو.
(2/91)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ بَعْضِ
الْمَغَازِي حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْجَرْفِ قَالَ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ لا تُطْرِقُوا1 النِّسَاءَ
__________
1 ح: "لاتطرقوا" من أطرق.
(2/91)
وَلا تَغْتَرُّوهُنَّ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ عَنْ
عَبْدِ الرزاق عن عبيد الله عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قوله لا تغتروهن معناه لا تغتفلوهن ولا
تفاجئوهن على غرة منهن وترك استعداد.
يُقَالُ: اغتررت القوم إذا طلبت الفرصة في غرتهم فأتيتهم وهم لاهون
غافلون قَالَ الشاعر:
تأملتها مغترة فكأنما ... رأيت بها من سنة البدر مطلعا
[36] / وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارَ عن جابر أن
النبي نَهَى أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ أَنْ يَتَخَوَّنَهُمْ
أَوْ يَلْتَمِسَ عَوْرَاتِهِمْ2.
ومَعْنَاهُ كَيْلا يَطَّلِعَ مِنْهُمْ عَلَى خِيَانَةٍ أَوْ رَيْبَةٍ.
وقد تقع أن الخفيفة بمعنى كيلا كقوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
أَنْ تَضِلُّوا} 3 وفي رواية أخرى أَنَّهُ نهى عَنْ ذلك وَقَالَ:
لتمتشط الشعثة وتستحد المغيبة4.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "7/495" عن ابن عمر وأخرجه البيهقي عن ابن
عمر مرفوعا في "9/174" وفي الفائق "غرر" "3/64" ونسب للرسول عليه
الصلاة والسلام. وفي معجم البلدان "الجرف": الجرف: موضع على ثلاثة
أميال من المدينة نحو الشام به أموال لعمر بن الخطاب ولأهل المدينة.
2 أخرجه مسلم في الإمارة "3/1528" بلفظ "عثراتهم" بدل "عوراتهم" وأخرجه
البخاري عن شعبة عن محارب في العمرة "3/9" مختصرا.
3 سورة النساء: "176".
4 اللسان "حدد" تستحد المغيبة: أي تحلق عانتها والحديث أخرجه البخاري
في النكاح "7/6" ومسلم في الإمارة "3/1527" وأبو داود في الجهاد "3/90"
والدارمي في النكاح "2/146".
(2/92)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ ثَارَتْ إِلَيْهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ
فَقَامَتْ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ أَفْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ
فَأَقْبَلَ شَيْخٌ عَلَيْهِ حَبْرَةٌ وَقَمِيصٌ فُرْقُبِي فَقَالَ:
هَكَذَا عَنِ الرَّجُلِ فَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا كُشِفَ عَنْهُ1.
حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ يحيى بن زكريا المروزي أخبرنا عَمَّارٌ عَنْ
سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ.
الفرقبية يُقَالُ: ثياب بيض من كتان وَقَالَ بعضهم: هو منسوب إلى قرقوب
ورواه قرقبي بقافين وحذفوا الواو في النسبة إليها كما حذفوها في النسبة
إلى سابور فقالوا: ثوب سابري فإذا قالوا: سابوريّ فأنه ينسب حينئذ إلى
نيسابور.
وذكر أبو العباس ثَعْلَب عَنْ سَلَمةَ فَقَالَ: يُقَالُ: ثوب فرقبي
الأول بالفاء والثاني بالقاف ومثله ثرقبي كما قالوا: ثوم وفوم وجدث
وجدف.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ ثَارُوا إِلَيْهِ لَمَّا بَلَغَهُمْ
خَبَرُ إِسْلامِهِ فَمَا بَرِحَ يُقَاتِلُهُمْ حَتَّى طُلِحَ2 يُرِيدُ
أعيا وفتر.
__________
1 ذكرهابن هشام في سيرته "1/298 – 299" بلفظ "قميص موشي" بدل "قميص
فرقبي" وبلفظ "ثوبا كشط عنه" بدل "ثوبا كشف عنه" وكذلك ابن كثير في
البداية والنهاية "3/82".
2 تقدم تخريجه وهذه الرواية متداخلة في الأولى في السيرة لابن هشام.
(2/93)
يُقَالُ: طلح الرجل يطلح طلحا وبعير طليح
وناقة طليح بغير هاء وأنشدني أَبُو عُمَر أنشدنا ثعلب للضحاك العقيلي:
وَقَالَ صحابي: هدهد فوق بانة ... هدي وبيان بالنجاح يلوح
وَقَالُوا: حمامات فحم لقاؤها ... وطلح فنيلت والمطي طليح1
والطلح النعمة أيضا قاله ابن السّكّيت عن أبي عَمْرو قَالَ الأعشى:
كم رأينا من أناس هلكوا ... ورأينا الملك عمرا بطلح2
__________
1 الدرة الفاخرة "251" برواية:
وقالوا: تغنى هدهد فوق بانة ... فقلت: هدى نغدو به ونروح
وقالوا: حمام قلت: حم لقاؤهم ... وعادت لنا ريح الوصال تفوح
والبيتان في المحاسن والمساوئ "17" والحيوان "3/446" والمعاني الكبير
"265" دون عزو.
2 الجوهرة "طلح" "2/171" وجاء فيها: وذو طلح موضع. وجاء في معجم ما
استعجم "3/892" وجاء فيه: طلح بفتح أوله وثانيه بعده جاء مهملة موضع في
ديار بني يربوع. ووقال يعقوب: الطلح ابنعمة وأنشد بيت الأعشى ثم قال:
ويقال طلح: موضع والبيت في الديوان "237" ط النموزجية بالقاهرة سنة
"1950" برواية "رأينا المرأ عمرا بطلح".
(2/94)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَر أَنَّهُ لما عزل حبيب بن مسلمة عَنْ حمص وولى عَبْد اللَّه بن
قرط قَالَ حبيب: رحم اللَّه عُمَر ينزع قومه ويبعث القوم العدى1.
العدى الأباعد والأجانب ولم يأت من النعوت على وزنه إلا قولهم مكان
سوى2 قال الشاعر:
__________
1 الفائق "2/400" والنهاية "عدا" "3/194".
2 في اللسانن "عدا" قال ابن سيرافي: لم يأت فعل صفةإلا قوم عدى, مكان
سوى وماء روى وماء صرى, وملامة ثنى وواد طوى. وقد جاء الضم في سوى وثنى
وطوى, قال: وجاء على فعل من غير المعتل: لحم زيم وسبي طيبة.
(2/94)
إذا كنت في قوم عدى لست منهم ... فكل ما
علفت من خبيث وطيب1
والعدى الأعداء أيضا وليس هذا موضعه قَالَ الشاعر:
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر ... وإن كان حيانا عدى آخر الدهر2
فأما العدى مضمومة العين فهم الأعداء لا غير.
__________
1 اللسان والتاج "عدا" وقال لين يري: هذا البيت يروى لزرارة بن سبيع
الأسدي وقيل: هو لنضلة بن خالد الأسدي وقال ابن السيرافي: هو لدودان بن
سعد الأسدي وهو في الفائق "عدا" من غير عزو.
2 اللسان والتاج "عدا" وعزي للأخطل وقال ابن الأعرابي: معنى العدى في
قول الأخطل التباعد وهو في ديوانه "1/179" من قصيدة يهجو بها قبائل
قيس.
(2/95)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ مَاتَ فَأُبْسِلَ مَالُهُ
بَدَيْنِهِ فَبَلَغَ عُمَرُ فَرَدَّهُ فَبَاعَهُ ثَلاثَ سِنِينَ
مُتَوَالِيَةً فَقَضَى دَيْنَهُ1.
مِنْ حَدِيثِ قتيبة بن سعيد أخبرنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ.
قوله: / أبسل ماله أي أسلم ماله إذ كان المال بالدين مستغرقا. [37]
يُقَالُ: أبسل الرجل بجريرته إذا أسلم لها ومنه قول اللَّه {أَنْ
تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} 2 وَقَالَ الشنفري:
هنالك لا أرجو حياة تسرني ... سجيس الليالي مبسلا بالحرائر3
والبسل أيضا بمعنى الحرام قال الشاعر:
__________
1 د: "يقضي دينه" والحديث ذكره الحافظ في الإصابة "1/49" بنحوه عن عروة
وعزاه لابن السكن.
2 سورة الأنعام: "70".
3 الفائق "بسل" "1/108" والطرائف الأدبية "36" واللسان "بسل" برواية:
"سمير الليالى مبسلا لجرايري"
وفي مادة "سجس"
"سجس الليالي مبسلا بالجرائري".
(2/95)
فجارتكم بسل علينا محرم ... وجارتنا حل لكم
وحليلها1
ولهذا سمي الرجل الشجاع باسلا وتأويله أن يكون ممنوعا من قرنه محرما
عليه قرنه.
فأما قول عُمَر في دعائه آمين وبسلا2 فمعناه إيجابا يا رب وتحقيقا له
وهو أن يدعو الداعي فإذا فرغ من دعائه قَالَ: آمين وبسلا قال الرجز:
لا خاب من نفعك من رجاكا ... بسلا وعادي اللَّه من عاداكا3
وكان رد عُمَر بيع أصول النخل على وجه النظر للورثة والإبقاء عليهم
ورأي أن يبيع ثمرها ثلاث سنين فيقضي منه دينه أي4 يؤاجرها.
والحديث إن جاء بلفظ البيع فالمراد به الإجارة وبيع المنفعة كبيع
العين.
__________
1 اللسان والتاج "بسل" برواية: "أجارتكم بسل" وعزي للأعشى, وهو في
ديوانه "1/175" برواية "أجرتكم".
2 الفائق "بسل" "1/108" والنهاية "بسل" "1/128".
3 د: "من نفسك" بدل "من نفعك" وهو في الفائق "بسل" "1/108" وعزي لأبي
نخيلة ونسب في اللسان "سل" للمتلمس, والبيتان في ديوانه "307".
4 س: "أن يؤاجرها".
(2/96)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ الْخَيْلَ أَغَارَتْ بِالشَّامِ فَأَدْرَكَتِ الْعِرَابُ
مِنْ يَوْمِهَا وَأَدْرَكَتِ الْكَوَادِنُ ضُحَى الْغَدِ وَعَلَى
الْخَيْلِ رَجُلٌ مِنْ هَمَدَانَ يُقَالُ لَهُ المنذر بن أبي حمضة
فَقَالَ: لا أَجْعَلُ مَا أَدْرَكَ مِثْلَ الَّذِي لَمْ يُدْرَكْ
فَفَضَّلَ الْخَيْلَ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ:
هَبِلَتِ الْوَادِعِيَّ أُمُّهُ لَقَدْ أَذْكَرَتْ بِهِ امْضُوهَا
عَلَى ما قال:1\
__________
1 أخرجه سعيد بن منصور في سننه "2/302" وعبد الرزاق في مصنفه "5/183"
والبيهقي في سننه "6/326, 9/51" بنحوه.
(2/96)
أخبرناه محمد بن المكي أنبأنا الصائغ
أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ:
سَمِعْتُهُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ
أَبِيهِ.
قوله لقد أذكرت به أي جاءت به ذكرا من الرجال شهما.
يُقَالُ: أذكرتِ المرأةُ إذَا جاءت بولَدٍ ذكر فهي مذكر فإذا كانت من
عادتها أن تلد الرجال1 قيل مذكار وكذلك آنثت المرأة فهي مؤنث إذا جاءت
بأنثى فإذا كان ذلك من عادتها قيل مئناث وكذلك أتأمت فهي مئتم فإذا كان
ذلك من عادتها قيل متآم قَالَ ذو الرمة:
أبونا إياس قدنا من أديمه ... لوالدة تدهي البنين وتذكر2
أي تأتي بهم ذكورا دهاة ومن هذا قول الزهري الحديث ذكر ولا يحبه إلا
ذكور الرجال.
وَقَوْلُهُ هبلت الوادعي أمه لفظه لفظ الدعاء عليه ومعناه المدح
والتقريظ ويقع ذلك في كلامهم على وجهين أحدهما للمدح والآخر للحض
والتحريض.
ووادعة بطن من همدان ومن المحدثين من يرويه لقد أذكرت به يذهب إلى
أَنَّهُ قد ذكر بقوله أمرا قد كان أنسيه وليس هذا بشيء فأما قوله
تعالى: {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} 3 فقد قرىء4 بالتخفيف
والتثقيل ومعنى أحدهما غير معنى الآخر
__________
1 ح: "الذكور".
2 الديوان "238" وجاء في الشرح: لوالدة يعني خندف.
3 سورة البقرة: "282".
4 ح: "روي" بدل "قرئ".
(2/97)
أخبرنا أبو محمد الكراني أخبرنا عبد الله
بن شبيب أخبرنا المنقري أخبرنا الأصمعيّ قَالَ قَالَ أبو عمرو بن [38]
العلاء من قرأ فَتُذَكِّرَ / إحداهما الأخرى بالتشديد فهو من طريق
التذكير بعد النسيان تقول لها تذكرين يوم شهدنا في موضع كذا وبحضرتنا
فلان أو فلانة حتى تذكر الشهادة.
ومن قرأ فتذكر قَالَ: إذا شهدت المرأة ثم جاءت الأخرى فشهدت معها
أذكرتها لأنهما يقومان مقام رجل
(2/98)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَر أَنَّهُ نَدَبَ النَّاسُ مَعَ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ
الأَشْجَعِيِّ إِلَى بَعْضِ أَرْضِ فَارِسَ فَفَتَحَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ فَأَصَابُوا سَفَطَيْنِ مَمْلُوءَيْنِ جَوْهَرًا فرأوا أن
يكونا لِعُمَرَ خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَدَعَا سَلَمَةَ رَجُلا
فَأَمَرَهُ بِحَمْلِ السَّفْطَيْنِ إِلَى عُمَرَ فَانْطَلَقْنَا
بِالسَّفْطَيْنِ نَهُزُّ بِهِمَا حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ
فَذَكَرَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ وَحَضَرَ طَعَامَهُ فَجَاءَتْ
جَارِيَةٌ بِسُوَيْقٍ فَنَاوَلَتْهُ إياه قال: فجعلت إذا أنبأنا
حَرَّكْتُهُ ثَارَ لَهُ قُشَارٌ وَإِذَا تَرَكْتُهُ نَثَدَ قَالَ:
ثُمَّ جِئْتُ إِلَى ذِكْرِ السَّفْطَيْنِ فَلَكَأَنَّمَا1 أَرْسَلْتُ
عَلَيْهِ الأَفَاعِي وَالأَسَاوِدَ وَالأَرَاقِمَ وَقَالَ: لا حَاجَةَ
لِي فِيهِ. قَالَ: ثُمَّ حَمَلَنِي وَصَاحِبِي عَلَى نَاقَتَيْنِ
ظَهِيرَتَيْنِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ2.
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن المكي أنبأنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور
أخبرنا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ
مَنْصُورِ بْنِ المعتمر حدثني شقيق بن
__________
1 د، ح: فكأنما".
2 أخرجه سعيد بن منصور في سننه ط2/192" في حديث طويل جدا بلفظ: "تند"
بدل "نثد" وهو تصحيف.
(2/98)
سَلَمَةَ الأَسَدِيُّ عَنْ رَجُلٍ1 قَالَ:
أَرْسَلَنِي سَلَمَةُ بْنُ قَيْسٍ إِلَى عُمَرَ.
قوله نهز بهما أي نسرع ونحمل على الإبل في السير وأصل الوهز شدة الوطء
ورواه بعضهم نهز بهما أي نحرك بهما من الهز.
والقشار القشر. وقولهُ نثد لا أدري ما هو وأراه رثد أي اجتمع في قعر
القدح وصار بعضه فوق بعض.
يُقَالُ: رثدت الشيء إذا نضدته والاسم منه الرثد مثل النضد.
قَالَ الشاعر يذكر النعامة والظليم:
فتذكرا رثدا نضيدا بعد ما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر2
ويجوز أن يكون نثد من النثط والدال تبدل طاء لقرب مخرجهما وَقَالَ
أعرابي لرجل: ما أبعط طارك يريد ما أبعد دارك.
وَقَالَ ابن الأعرابي والنثط التثقيل ويروي عَنْ كعب أَنَّهُ قَالَ:
نثطت الأرض بالآكام أي ثقلت بها.
وَقَوْلُهُ ناقتين ظهيرتين أي قويتين يُقَالُ: بعير ظهير أي قوي
__________
1 في سنن سعيد بن منصور "2/192" عن الرسول الذي جرى بين غمر بن الخطاب
رضي اللععنه وسلمة بن قيس الأسدي.
2 اللسان والتاج "رثد" برواية "فتذكرا ثقلا رثيدا بعدما" والبيت في
المفضليات "130" ضمن قصيدة طويلة لثعلبة بن صعير بن خزاعي المازني
برواية اللسان – وجاء في شرح المفضليات: الثقل: التاع, وكل شيء مصون,
وأورد به بيضها والرثيد: المنضود بعضه فوق بعض, ذكاء: اسم للشمس
الكافر: الليل لأنه يغطي يظلمته كل شيء وقوله: "ألقت يمينها في كافر"
أي تهيأت للمغيب.
(2/99)
الظهر وناقة ظهيرة والفعل منه ظهر ظهارة
والأساود الحيات جمع أسود سالخ1.
وأفعل إذا كان نعتا جمع على فعل كقولك أسود وسود وعلى أفعلين نحو
أسودين وأحمرين قَالَ الكميت:
فما وجدت بنات بني نزار ... حلائل أسودين وأحمرينا2
وإذا كان أفعل اسما جمع على أفاعل كالأجادل والأداهم إذا أردت القيد
وهو نعت غالب يجري مجري الأسماء قَالَ الشاعر:
وألصق أحشائي ببرد ترابه ... وإن كان مخلوطا بسم الأساود
__________
1 اللسان "سود" قيل للأسود أسود سالخ لأنه يسلخ جلده كل عام.
2 شعر كميت "2/116" برواية: "فما وجدت نساء بني نزار".
(2/100)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَرْسَلَ أُمَّ
كُلْثُومَ إِلَيْهِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ فَجَاءَتْهُ [39] فَقَالَتْ:
إِنَّ أَبِي يَقُولُ لَكَ: هَلْ / رَضِيتَ الحلة فقال: نعم قد
رَضِيتُهَا1.
حَدَّثَنِيهُ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرحيم أخبرنا إسحاق بن إبراهيم
أخبرنا قتيبة أخبرنا الليث عن هشام به سَعْدٍ عَنْ عَطَاءَ
الْخُرَاسَانِيُّ. كَانَ عُمَرُ قَدْ خَطَبَ إِلَى عَلِيٍّ ابْنَتَهُ
أُمَّ كُلْثُومٍ فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّهَا صَغِيرَةٌ وَإِنِّي
مُرْسِلُهَا إِلَيْكَ حَتَّى تَنْظُرَ إِلَى صِغَرِهَا فَأَرْسَلَهَا
إِلَيْهِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِا قَالَ: قَدْ رَضِيتُ الْحُلَّةَ
يُكَنِّي بِذَلِكَ عَنْهَا وَقَدْ يُكَنَّى عَنِ النِّسَاءِ
بِالثِّيَابِ وَاللِّبَاسِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُنَّ
لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} 2
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "8/464" بلفظ "البرد" بدل "الحلة".
2 سورة البقرة: "187".
(2/100)
وأخبرني بعضُ أصحابنا عَنْ إبراهيم بن
مُحَمَّد بن عرفة النحوي في قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} 1 معناه
نساءك طهرهن. ويقال: نفسك طهرها لأن الثياب يكني بها عَنِ النفس أنشدني
بعضهم أنشدنا ابن الأنباري:
رَموْها بأثوابٍ خِفَافٍ فَلنْ تَرَى ... لها شَبَهًا إلا النعام
المنفرا2
يريد بأنفس خفاف وقال آخر:
ألا أبلغ حفص رسولا ... فدى لك من أخي ثقة إزاري3
أي نفسي ويقال: بل أراد فدى لك أهلي وكلاهما وجه4. ومِنْ هَذَا قَوْلُ
الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ حِينَ قال رسول الله لِلأَنْصَارِ لَيْلَةَ
الْعَقَبَةِ: "أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا
تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ" فَأَخَذَ الْبَرَاءُ
بنْ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ والذي بعثك بالحق لنمنعنك
مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَزْرَنَا5 أَيْ أَنْفُسُنَا وَنِسَاءُنَا.
والحلة: ثوبان إزار ورداء ولا تسمى حلة حتى تكون جديدة تحل عَنْ طيها.
__________
1 سورة المدثر:"4".
2 اللسان والتاج "ثوب" وعزي لمرئ القيس ولم أقف عليه في ديوانه:
المعارف. وسبق في الجزء الأول لوزحة "78, 234".
3 اللسان والتاج "أزر" والبيت لنفيلة الأكبر الأشجعي وكنيته أبو
المنهال وهو ضمن ستة أبيات وللشعر قصة في اللسان.
4 في اللسان "أزر" قال أبو عمرو الجرمي: يريد بالإزر ههنا المرأة.
5 أخرجه البيهقي في حديث طويل في دلائل النبوة "2/185" وابن هشام في
سيرته "2/63" وذكره ابن كثير في السيرة النبوية "2/197".
(2/101)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ أُتِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: تَصَدَّقْ
بِأَرْضِ كَذَا قَالَ عُمَرُ: وَلَمْ يَكُنْ لَنَا مَالٌ أَرْصَفُ
بِنَا مِنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "تَصَدَّقْ وَاشْتَرِطْ" 1.
حَدَّثَنَاهُ ابن داسة أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارُ
الأُبَلِيُّ ناعبد الله بن رجاء الغداني أنبأنا حرب بن فلان أراه بن
شَدَّادٍ ذَهَبَ اسْمُهُ مِنْ كِتَابِي عن يَحْيَى بن أبي كَثير
حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَهُ بذلك.
قال ابن داسة أرصف وهو غلط والصواب أرضف بالصاد غير معجمة يريد أرفق
بنا والرصافة الرفق في الأمور.
وأخبرني أبو عمر أنبأنا ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ: عرض على رجل عدة
من الغلمان فَقَالَ أعرابي اشتر هذا فإنه أرصف بك في أمورك أي أوفق لك
وأرفق بك قَالَ: وسميت الرصافة لأنه بناها قوم كان لهم بصر ورفق.
__________
1 أخرجه البخاري قصة وقف عمر في الوصايا "4/14" ومسلم في الوصية
"3/1255" والبيهقي في سننه "6/159" وغيرهم بلفظ " ... أصبت أرضا مالا
قط أنفس منه فكيف تأمرني به؟ فقال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها",
فتصدق عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث ... ".
والحديث في الفائق "رصف" "2/61" والنهاية "رصف" "2/228".
(2/102)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ أُنَاسًا كَانُوا بَيْنَ الْجِبَالِ فَأَتَوْهُ
فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا نَاسٌ بَيْنَ الْجِبَالِ
لا نُهِلُّ الْهِلالَ إِذَا أَهَلَّهُ النَّاسُ فَبِمَ تَأْمُرُنَا
قَالَ: الْوَضْحُ إِلَى الْوَضْحِ فَإِنْ خُفِيَ عَلَيْكُمْ
فَأَتِّمُوا الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ انسكوا1.
__________
1 لم أجده من حديث عمر وقد أخرجه الطبراني عن والد أبي المليح بلفظ
"صوموا من وضح إلى وضح", كما في كنز العمال "8/490" وانظر الفائق "هلل"
"4/110".
(2/102)
أخبرناه محمد بن المكي أنبأنا الصائغ
أخبرنا سعيد بن منصور أنبأنا أَبُو عُوَانَةَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ
قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ.
قوله الوضح إلى الوضح يريد الهلال إلى الهلال وأصل الوضح البياض ومنه
الحديث "غيروا الوضح" 1 أي بياض الشيب قَالَ لبيد:
/ إن ترى رأسي أمسى واضحا ... سلط الشيب عليه فاشتعل2 [40]
ويقال بفلان وضح أي بياض يكنون به عَنِ البرص وَقَالَ الطرماح يصف
ثورا:
أَحَمُّ بأطرافه حُوَّةٌ ... وسائِرُ أجلادِه واضحه3
ويقال: وضح القمر إذ بان بيانا تاما وبهر إذا أضاء.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ المروزي أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ أخبرنا أحمد بن زيد الخزاز أخبرنا ضمرة
أخبرنا يَحْيَى بْنُ رَاشِدٍ عَنْ أَبَانَ عن أنس أن النبي أَمَرَ
بِصِيَامِ الأَوَاضِحِ ثَلاثَ عَشْرَةَ وأربع عشرة وخمس عشرة4.
__________
1 الفائق "وضح" "4/66" والنهاية "وضح" "196:5".
2 كذا في س, وشرح الديوان "177" وفي د, ح: "أن ترى ... ".
3 الديوان "77" وجاء في الشرح: الأحم هنا الأبيض والحوة: سواد ليس
بشديد إلى الخضرة ما هو, وأجلاده: جماعة جسمه, واضحة: بيضاء من الوضح
وهو البياض, وسبق في الجزء الأول لوحة "114".
4 لم أجده من حديث أنس وقد أخرجه البيهقي في سننه "4/294" عَنْ أَنَسِ
بْنِ سِيرِينَ عَنْ عبد الملك بن قتادة عن أبيه بلفظ: " ... يأمرنا أن
نصوم البيض: ثلاث عشرة, وأربع عشرة, ةخمس عشرة" وانظر الفائق "وضح"
"4/66" والنهاية "وضح" "5/196".
(2/103)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: "لا تَغْذُوا أَوْلادَ الْمُشْرِكِينَ"1.
يَرْوِيهِ حَمَّادُ بْنُ سلمة أخبرنا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ عَنِ
الْحَسَنِ.
يُقَالُ: أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ وَطْءُ الْحَبَالَى مِنَ السَّبْيِ
وَهَذَا كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلمفي سَبْيِ أَوْطَاسٍ: "لا
تُنْكَحُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلا حَائِلٌ حَتَّى تحيض" 2.
__________
1 النهاية "إذا" "3/348".
2 أخرجه أبو داود في النكاح "2/248" بلفظ "لا توطأ حامل حتى تضع ولا
غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" والدارمي في الطلاق "2/171" بمثله, كذلك
أحمد في مسنده "3/87" والبيهقي في السنن الكبرى "7/449" وأخرجه أحمد في
مسنده "3/62" بلفظ: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة"
وذكره الزيلعي في نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية "3/234" بلفظ:
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ الحامل حتى تضع أو الحامل
حتى تستبرأ بالحيضة".
(2/104)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً مُتَزَيِّنَةً أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا
فِي الْبُرُوزِ فَأَخْبَرَ بِهَا عُمَرَ فَطَلَبَهَا فَلَمْ يَقْدِرْ
عَلَيْهَا فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: هذه الخارجة وهذا المرسلها ولو
قَدَرْتُ عَلَيْهِمَا لَشَتَّرْتُ بِهِمَا ثُمَّ قَالَ: تَخْرُجُ
الْمَرْأَةُ إِلَى أَبِيهَا يَكِيدُ بِنَفْسِهِ أَوْ إِلَى أَخِيهَا
يَكِيدُ بِنَفْسِهِ فَإِذَا خَرَجَتْ فَلْتَلْبِسْ مَعَاوِزَهَا1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ. أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ معمر عن ليث
__________
1 أخرحه عبد الرزاق في مصنفه "4/371 – 372" بدون لفظ "في البروز" وبلفظ
"وهذا لمرسلها" وقال: "يكيد بنفسه وإلى أخيها".
(2/104)
قَالَ أَبُو زيد يُقَالُ: شترت بالرجل
وهجلت به ونددت به وسمعت به تشتيرا وتهجيلا إذا أسمعته القبيح وشتمته.
قَالَ شمر بن حمدويه شنرت بالرجل بالنون تشنيرا من الشنار وهو العيب1.
قَالَ ويقال: تثول القوم على تثولا وتبكلوا تبكلا واغرندوا اغرنداء
واغلنتوا اغلنتاء كل هذا إذا علوه بالشتم والضرب.
والمعاوز خلقان الثياب واحدها معوز ومعوزة قَالَ الشماخ يصف قوسا:
إذا سقط الأنداء صينت وأشعرت ... حبيرا ولم تدرج عليها المعاوز2
وَقَوْلُهُ يكيد بنفسه أي يسوق سياق الموت.
__________
1 ساقط من د.
2 الديوان "193" برواية "وأكرمت" بدل وأشعرت".
(2/105)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى وَادِي الْقُرَى وَخَرَجَ بِالْقِسَامِ
فَقَسَّمُوهَا عَلَى عَدَدِ السِّهَامِ وَأَعْلَمُوا أُرَفَهَا
وَجَعَلُوا السِّهَامَ تَجْرِي فَكَانَ لِعُثْمَانَ خَطَرٌ وَلِعَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ خَطَرٌ وَلِفُلانٍ خَطَرٌ. وَلِفُلانٍ نِصْفَ
خَطَرٍ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ النُّعْمَانِ عَنْ
أَبِيهِ.
الأرف الحدود واحدتها أرفة. وفي بعض الحديث "إذا وقعت الأرف فلا شفعة"
2.
__________
1 أخرجه الواقدي في مغازيه "2/720 – 721".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "6/105" بلفظ "والأرف تقطع كل شفعة"
عن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(2/105)
قال أبو عمرو: قد روي بعض الحديث "إذا وقعت
الجوامد بطلت الشفعة" 1. قال: والجامد الحد بين الدارين والخطر معناه
الحظ والنصيب ولا يُقَالُ: ذلك إلا في الشيء الَّذِي له قدر ومزية
ويستعمل في الشيء التافه.
ويقال: فلان خطير فلان إذا كان نظيره ومعادلا في القدر والمنزلة له.
والمعنى أن عُمَر فضل بعضهم على بعض فجعل لعثمان وعبد الرحمن الحظ
الوافي منها ونقص غيرهما.
[41] قَالَ الواقدي وإنما هذه الطعم من خمس رسول اللَّه صلى الله عليه
/ أطعمهم إياها سوى سهمانهم التي ضربوا فيها من المغنم.
__________
1 الفائق "جمد" "1/237" والنهاية "جمد" "1/292" وعزاه للغريبين وهو في
الغريبين "1/391
(2/106)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَر الَّذِي يُرْوَى1 أَنَّهُ قَضَى فِي الْجَدِّ بِمِائَةِ
قَضِيَّةٍ يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا2.
حَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ يحيى أنبأنا ابن المنذر أخبرنا إبراهيم بن
عبد الله أخبرنا عبد الله بن بكر حدثنا هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنِ الْجَدِّ فقال: ماتصنع
بِالْجَدِّ لَقَدْ حَفِظْتُ عَنْ عُمَرَ مِائَةَ قَضِيَّةٍ يُخَالِفُ
بَعْضُهَا بَعْضًا.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قد أنكر بعض العلماء هذه الرواية إنكارا شديدا
وَقَالَ: أرى هذا من مطاعن من يتنقص السلف ويتتبع لهم المساوىء قال:
__________
1 ط: "يرويه".
2 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى "6/245".
(2/106)
وأين بيان1 ما يدعى من ذلك وفي أي رواية
توجد هذه المائة2 قضية بل أين العشر منها فما دونها وإلى أي الوجوه3
ينشعب مائة حكم مختلف من مسائل توريث الجد. هذا لا وجه له ولا موضع
لتوهمه.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ كان أمر الجد مع الإخوة من الأمور التي ظهر
فيها الاختلاف زمان عُمَر وكثر تتبعه لعلمه واشتد فحصه عنه فأما زمان
أبي بكر رحمه اللَّه فقد مضى وتصرم على أن الحكم الجد مع الأخوة حكم
الأب لم يظهر فيه من أحد من الصحابة ما يعد خلافا وإنما كان اختلاف
القوم واجتهاد الرأي منهم فيه على عهد عُمَر وذلك أنهم لم يجدوا في
كتاب اللَّه للجد ذكرا ولا في سنة رسول اللَّه من أمره بيانا شافيا
إنما أكثر شيء بلغهم أنه ورث الجد السدس على الإبهام دون التمييز له
والتفصيل لمواضعه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أخبرنا أبو داود أخبرنا وَهْبُ بْنُ
بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ
قَالَ: أَيُّكُمْ يَعْلَمُ مَا ورث رسول الله الْجَدَّ فَقَالَ
مَعْقَلُ بْنُ يَسَارٍ أَنَا وَرَّثَهُ رَسُولُ اللَّهِ السُّدُسَ
فَقَالَ: مَعَ مَنْ قَالَ: لا أدري قال: لا دريت فما يُغْنِي إِذًا4
ثُمَّ انْتَهَى بِهِ الأَمْرُ إِلَى تَوْرِيثِ الإِخْوَةِ مَعَهُ
وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عُثْمَانُ
وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى اخْتِلافٍ
بَيْنَهُمْ فِي الْقِسْمَةِ وَارْتِفَاعٍ فِيهَا وَانْحِطَاطٍ فَكَانَ
أَوَّلا يُوَرِّثُهُ السُّدُسَ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ ثُمَّ رَفَعَهُ
بعد إلى
__________
1 ساقطة من د.
2 ط, ح: "المائة القضية".
3 د: "وجه".
4 أخرجه أبو داود في الفرائض "3/122" والبيهقي في السنن الكبرى "6/244"
بنحوه.
(2/107)
الثُّلُثِ. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ
مَسْعُودٍ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ انْتِقَالٌ عن هذه الجملة ولا خروج
عَنْهَا آخِرَ أَيَّامِهِ.
ووجه ما رويناه عَنْ عبيدة وتأويله أن عمر رحمه الله وإن كان قد صار
إلى المقاسمة بالإخوة الجد فإنما كانه مصدره عَنْ رأي ارتآه واجتهاد
اجتهده فكان لا يزال يجد في نفسه منه شيئا يريبه وشبهة تعارضه إذ ليس
للاجتهاد موقف النص في بيان الأحكام ولو وجد نصا أو توقيفا لانتهى إليه
ولم يعرج علي غيره فكان دأبه أن يستبرىء تلك الشبه أبدا ويناظر الصحابة
عليها ويفتن به القول في الحجاج ويتشعب في وجوه تكثر وتختلف يحسبها من
ليس بالكامل فقها وعلما إنها كلها على اختلافها وتباين جهاتها قضايا
منه وأحكام فعلى هذا المعنى أضيفت إليه هذه الأقوال والله أعلم.
وأخبرنا محمد بن هاشم أخبرنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
كَتَبَ [42] عُمَرُ فِي الْجَدِّ وَالْكَلالَةِ كِتَابًا فَمَكَثَ
يَسْتَخِيرُ اللَّهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنْ عَلِمْتَ خَيْرًا
فَامْضِهِ حَتَّى إِذَا طُعِنَ / دَعَا بِالْكِتَابِ فَمُحِيَ وَقَالَ:
إِنِّي كُنْتُ كَتَبْتُ فِي الْجَدِّ وَالْكَلالَةِ كِتَابًا وَكُنْتُ
اسْتَخَرْتُ اللَّهَ فِيهِ فَرَأَيْتُ أَنْ أَتْرُكَكُمْ عَلَى مَا
كنتم عليه1.
__________
1 أخرجه عبد الرواق في مصنفه "10/301" بزيادة "فمحي فلم يدر أحد ما كان
فيه" وبلفظ "استخير الله" بدل "استخرت الله" وانظر كنز العمال "11/80".
(2/108)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ فَوَجَدَ رِيحً طَيِّب فَقَالَ: مَنْ
قَشَبَنَا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ دَخَلْتُ
عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ فَطَيَّبَتْنِي وَكَسَتْنِي هَذِهِ الْحُلَّةَ
فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ أَخَا الْحَاجِّ الأَشْعَثَ الأدفر الأشعر1.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "6/325" بطوله بألفاظ متقاربة عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ يَسَارٍ عَنْ عمر وانظر كنز العمال "5/245, 247, 249".
(2/108)
أخبرناه محمد بن المكي أخبرنا الصائغ حدثنا
سعيد بن منصور أخبرنا عبد الرحمن بن زياد أخبرنا شُعْبَةُ عَنِ
الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
قوله من قشبنا يريد من أصابنا بهذه الرائحة ومن أنشقناها. يُقَالُ:
قشبه الدخان إذا ملأ خياشيمه وأصل القشب خلط السم بالطعام يُقَالُ:
قشبه إذا سمه وقشبتنا الدُّنْيَا أي فتنتنا فصار حبها كالسم الضار ثم
قيل على هذا قشبه الدخان وقشبته الريح الذكية إذا بلغت منه الكظم ومثله
فغمته. والقشب نوع من السم.
وَقَوْلُهُ إن أخا الحاج الأشعث يريد الحاج نفسه والأخ صلة وزيادة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ولا
تجهروا له بالقول {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ
بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} 1 يَا رَسُولَ
اللَّهِ لا كَلَّمْتُكَ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ إِلا كَأَخِي
السِّرَارِ2. سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ يَقُولُ أَرَادَ كَالسِّرَارِ
فأنشدنا عَنْ أَبِي العباس:
لا يدرك الحاجة بعد الكرب ... إلا محب وأخو محب
وقد يجوز أن يكون معناه كصاحب السرار والأدفر السيىء الرائحة ومنه قيل
للدنيا أم دفر فأما الذفر بالذال معجمة فهو كل ريح ذكية طيبة كانت أو
منتنة. يُقَالُ: مسك أذفر والأشعر الوافي الشعر يريد أن من حكم الحاج
وصفته أن يكون كذلك.
__________
1 سورة الحجرات: "2".
2 أخرجه الحاكم في المستدرك "2/462" وذكره السيوطس في الدار المنثور
"6/84" وعزاه لعبد بن حميد والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان وكلاهما
بلفظ "لاأكلمك".
(2/109)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ: أَكْثَرْتَ مِنَ الدُّعَاءِ
بِالْمَوْتِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَسْهَلَ لَكَ عِنْدَ
أَوَانِ نُزُولِهِ فلماذا مَلِلْتَ مِنْ أُمَّتِكَ إِمَّا تُعِينُ
صَالِحًا أَوْ تُقَوِّمُ فَاسِدًا فَقَالَ: يابن عَبَّاسٍ إِنِّي
قَائِلٌ قَوْلا وَهُوَ إِلَيْكَ قَالَ: قُلْتُ لَنْ يَعْدُونِي. قال:
كَيْفَ لا أُحِبُّ فِرَاقَهُمْ وَفِيهِمْ نَاسٌ كُلُّهُمْ فَاتِحٌ
فَاهُ لِلْهُوَّةِ مِنَ الدُّنْيَا. إِمَّا بِحَقٍّ لا يَنُوءُ بِهِ
أَوْ1 بِبَاطِلٍ لا يَنَالُهُ وَلَوْلا أَنْ أُسْأَلَ عَنْكُمْ
لَهَرَبْتُ مِنْكُمْ فَأَصْبَحَتِ الأَرْضُ مِنِّي بَلاقِعَ فَمَضَيْتُ
لِشَأْنِي وَمَا قُلْتُ مَا فَعَلَ الْغَالِبُونَ2.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بن إسماعيل3 أخبرنا مُحَمَّد بن الْحَسَن بن
دريد أنبأنا أَبُو حَاتِمِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ.
قوله وهو إليك يريد وهو سر أفضي به إليك أو أمانة ألقيها إليك أو نحو
هذا من الكلام. وفيه إضمار واختصار.
قوله كلهم فاتح فاه يريد كل واحد منهم فاتح فاه كقول الشاعر أنشدناه
أبو عُمَر أنشدنا أبو العباس أنشدنا الزبير بن بكار:
فكلهم لا بارك اللَّه فيهم ... إذا جاء ألقي خده فتسمعا
واللهوة العطية وتجمع على اللهى قَالَ الشاعر:
أتيتك إذ لم يبق في الناس سيد ... ولا جابر يعطي اللهى والرغائبا
__________
1 ح: "وإما بباطل".
2 الفائق "خشي" "1/371" والنهاية "خشي" "2/35" و"بلق" "1/153" و"لهق"
"4/284" وفي الشرح: اللهو ما ألقى من الحب في فم الرحى فاستعير للعطية
والمنالة والبلاقع جمع بلفع وصف بالجمع مبالغة.
3 ط: "مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ".
(2/110)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَقَ بَيْتَ رُوَيْشِدٍ الثَّقَفِيِّ وَكَانَ
حَانُوتًا.
يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعْدِ1 بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ أَحْرَقَ بَيْتَهُ2.
قوله كان حانوتا يريد بيتًا تعاقر فيه الخمر وتباع وكانت العرب تسمى
بيوت الخمارين الحوانيت قَالَ طرفه:
وإن تبغني في حلقة القوم تلقني ... وإن تقتنصني في الحوانيت تصطد3
وأهل العراق يسمونها المواخير فأمَّا حوانيت الباعة والتجار فإن أهل
الحجاز يسمونها المقاعد قَالَ غنيم بن قيس يرثي رسول الله صلى لله
عليه:
ألالي الويل على مُحَمَّد ... قد كنت في حياته بمقعدي
أنام ليلي آمنا إلى الغد
ومقعد الرجل أيضا منزله ومسكنه.
__________
1 س: "سعيد بن إبراهيم" والمثبت من د, ح, والإصابة "522".
2 ذكره الحافظ في الإصابة "1/522".
3 الديوان "29".
(2/112)
ضروس وهي التي تعض حالبها والضمس كالضبس
سواء وقد ذكره أَبُو عبيد في كتابة1.
والباء قد تبدل ميما وكذلك الميم تبدل باء وذلك لقرب مخرجيهما2 كقولهم
سمد رأسه وسبده ولازم ولازب والأكنع الأشل وقد كانت يده أصيبت مع رسول
اللَّه وقاه بها يوم أحد.
__________
1 أخرجه أبو غبيد في غريبه "3/323".
2 د, ط: "لقرب مخارجهما".
(2/112)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عمر
أن عمرو بن معديكرب قَالَ: صَلَّى بِنَا عُمَرُ صَلاةَ الصُّبْحِ
فَقَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلا يُصَلِّيَنَّ وَهُوَ مُوجَحٌ
قُلْنَا وَمَا الْمُوجِحُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: مَنْ
خَلاءٍ وَبَوْلٍ1.
حَدَّثَنِيهِ عبد العزيز بن محمد أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا عبد الوارث
عن عبد الله أنبأنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ
رَبِيعَةَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ عبد الله بْنَ رَافِعٍ الْحَضْرَمِيَّ
مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ معديكرب.
قوله موجح مأخوذ من الوجاح وهو الستر والغطاء يريد وهو / مثقل
بالأخبثين. يُقَالُ: ثوب [44] وجيح إذا كان كثيفا ويقال: ليس بيني
وبينه وجاح أي ستر قَالَ ابن السكيت وفيه لغات:
وجاح ووجاح وإجاح وإجاح وثوب موجح. قال ابن هرمة:
تسر صديقي بالحجاز ويكتسي ... عدوى بها ثوبا من الرغم موجحا2
والوجح أيضا الملجأ والملاذ فعلى هذا يكون معنى الموجح الملجأ المرهق.
__________
1 الفائق "وجح" "4/45" والنهاية "وجح" "5/155".
2 لم أقف عليه قي شعر اين هرمة طبعتي دمشق وبغداد.
(2/113)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَنَّ السَّائِبَ بْنَ الأَقْرَعِ قَالَ: وَرِدْتُ عَلَيْهِ
الْمَدِينَةَ بِخَبَرِ فَتْحِ نَهَاوَنْدَ فَلَمَّا رَآنِي نَادَانِي
مِنْ بَعِيدٍ وَيْحَكَ مَا وَرَاءَكَ فَوَاللَّهِ مَا بِتُّ هَذَهِ
اللَّيْلَةَ إِلا تَغْوِيرًا. قُلْتُ أَبْشِرْ بِفَتْحِ اللَّهِ
(2/113)
وَنَصْرِهِ. قَالَ: وَكُنْتُ حَمَلْتُ
مَعِي سَفْطَيْنِ مِنَ الْجَوْهَرِ فَفَتَحْهُمَا كَأَنَّهُ
النِّيرَانِ يَشِبُّ بَعْضُهُ بَعْضًا1.
حَدَّثَنِيهِ الحسن بن عبد الرحيم أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا
قتيبة أخبرنا عمرو بن محمد العنقري أخبرنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ2
عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ إِلا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الرَّحِيمِ
قَالَ: تَغْرِيرًا.
ورواه مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فَقَالَ: تغويرا وهو
الصواب.
قَالَ الأصمعي: يُقَالُ: غور الرجل تغويرا إذا قَالَ: والتغوير القائلة
يريد أنه لم ينم تلك الليلة إنما كان نومه من النهار قائلة وَقَالَ
الراعي:
ونحن إلى دفوف مغورات ... نقيس على الحصا نطفا بقينا3
يريد إبلا قوائل استراحت ساعة ثم ارتحلت. ومن رواه تغريرا جعله من
الغرار وهو النوم القليل. يُقَالُ: ما ينام المريض إلا غرارا.
وَقَوْلُهُ يشب بعضه بعضا يريد أَنَّهُ كان يتلألأ ويتوقد كالنار ضياء
ونورا. يُقَالُ: شببت النار إذا أوقدتها.
__________
1 الفائق "غور" "3/80" والنهاية "غور" "80:3" والنهاية "غور" "3/393".
وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "7/11, 112" قصة السفطين بسياق
آخر.
2 ح: "الذهلي" تحريف وفي التقريب "2/401" أبو بكر الهذلي قيل: اسمه
سلمي بضم المهملة ابن عبد الله وقيل: روح أخباري, متروك الحديث "توفي
167 هـ.
3 اللسان والتاج "غور" برواية "يقسن على الحصا تطفا لقينا" والديوان
"147".
(2/114)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ وَلِيدَةً لَهُ يُقَالُ لَهَا مَرْجَانَةُ أَتَتْ
بِوَلَدِ زِنًا فَكَانَ عُمَرُ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ ويسلت خشمه1.
__________
1 الفائق "سلت" "2/193" والنهاية "سلت" "2/388".
(2/114)
أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا عباس الدوري
أخبرنا منصور بن سلمة الخزاعي أخبرنا خَلادُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ
خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ حَدَّثَنِي نَافِع بن أَبِي نَافِعٍ عَنْ
عُمَرَ.
قوله يسلت خشمه أي يمري أنفه ويمسح ما سأل منه وأصل السلت القطع ومنه
سلت القصعة وهو أن يمسح ما علق بها من الطعام فيقطعه عنها.
ومنه الحديث الآخر أن عاصم بن سفيان الثقفي حدث عُمَر بحديث فيه تشديد
على الولاة. فَقَالَ عُمَر على جبهته إنا لله وإنا إليه راجعون من
يأخذها بما فيها فَقَالَ سلمان من سلت اللَّه أنفه وألزق خده بالأرض1.
قَالَ أَبُو مالك2: كل شيء سلته وانتزعته من شيء فهو سليت قَالَ: ومنه
قيل للدهن سليت3 وسليط وتقلب التاء طاء والخشم ما يسيل من الخياشم.
وفي الحديث من العلم أن حكم ولد الزنا حكم غيره في مراعاة الحرمة وأنه
لا ذنب له فيما ارتكب والداه قَالَ اللَّه تعالى: {وَلا تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 4 فأَمَّا الحديث الَّذِي يروى "ولد الزنا
شر الثلاثة" 5. فقد روي عَنْ بعض السلف أَنَّهُ قَالَ: إنما جاء ذلك في
رجل بعينه كان موسوما بالشر.
__________
1 أخرجه ابن الأثير حديث التشديد على الولاة في أسد الغابة "3/113 –
114" عن بشير بن عاصم عن أبيه بدون ذكر عمر وسليمان وذكره صاحب كنز
العمال في "5/758, 762" إلا أنه ذكر الحديث عن بشير بن عاصم وذكر أبا
ذر بدل سليمان.
2 د: "ابن مالك".
3 ساقط من د, ح.
4 سورة الأنعام: "164".
5 أخرجه أحمد في مسنده "2/311" وأبو داود في العتق "4/29" عن أبي هريرة
مرفوعا بلفظ: "ولد الزنا أشر الثلاثة" راجع مصنف عبد الرزاق "7/455".
(2/115)
[45] وَقَالَ بعضهم: إنما صار ولد الزنا
شرا من والديه لأن الحد قد يقام عليهما / فتكون العقوبة تمحيصا لهما
وهذا في علم اللَّه تعالى لا يدرى ما يصنع به وما يفعل في ذنوبه.
أَخْبَرَنَا ابْنُ هَاشِمٍ أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن
عبد الكريم قَالَ كَانَ أَبُو وَلَدِ الزِّنَا يكثر أن يمر بالنبي
فَيَقُولُونَ هُوَ رَجُلُ سُوءٍ يَا رسول الله فيقول: هُوَ شَرُّ
الثَّلاثَةِ يَعْنِي الأَبَ قَالَ فَحَوَّلَ النَّاسُ الْوَلَدَ شَرُّ
الثَّلاثَةِ. قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قِيلَ وَلَدُ الزِّنَا
شَرُّ الثَّلاثَةِ قَالَ بَلْ هُوَ خَيْرُ الثلاثة1.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "7/455".
(2/116)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظعُونٍ عَلَى
الْبَحْرَيْنِ فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَأَتَوْهُ بِهِ
فَقَالَ إِيتُونِي بِسَوْطٍ فَأَتَاهُ أَسْلَمُ مَوْلاهُ بِسَوْطٍ
دَقِيقٍ فَقَالَ عُمَرُ لأَسْلَمَ لَقَدْ1 أَخْذَتْكَ دِقْرَارَةُ
أَهْلِكَ إِيتِنِي بِغَيْرِ هَذَا فَأَتَاهُ بِسَوْطٍ تَامٍّ
فَجَلَدَهُ بِهِ2.
حَدَّثَنِيهِ ابْنُ أَبِي عُرَابَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَاحِبٍ
أخبرنا أبو أسامة الحلبي أخبرنا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي مُنَيْعٍ
الرُّصَافِيُّ حدثني جدي عبيد الله بن أبي زياد أخبرنا الزهري أخبرني
عبد الله بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ.
قوله أخذتك دقرارة أهلك أي عادة أهلك في الخلاف.
__________
1 كذا في هامش د, وفي س, د: "أقد" بدل "لقد".
2 ذكره عبد الرزاق في مصنفه "9/240 – 243" القصة بألفاظ أخرى والبيهقي
في السنن الكيرى "8/315" بطريق عبد الرزاق بمثله وذكره الطبري في
الرياض النضرة "2/35" بهذا اللفظ وعزاه للحميدي.
(2/116)
قَالَ ابن الأعرابي معنى الدقرارة المخالفة
في هذا الحديث حكاه لي الأزهري أَخْبَرَنِي به المنذري عَنْ ثَعْلب
عَنِ ابن الأعرابي.
قَالَ ابن الأعرابي والدقرارة التبان والدقرارة القصير من الرجال
والدقرارة النمام والدقرارة العومرة وهي الخصومة المتعبة والدقرارة
الداهية من الدواهي والدقرارة الحديث المفتعل وَقَالَ الكميت:
على دقارير أحكيها وأفتعل1
__________
1 عجز بيت من شعر كميت "2/407" وصدره "ولن أبيت من الأسرار هينمة".
(2/117)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: اعْقِلْ عَنِّي ثَلاثًا:
الإِمَارَةُ شُورَى, وَفِي فِدَاءِ الْعَرَبِيِّ مَكَانَ عَبْدٍ عَبْدٌ
وَفِي ابْنِ الأَمَةِ عَبْدَانِ1.
أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن
طاووس عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ مِنْ مَذْهَبِ
عُمَرَ فِيمَنْ سُبِيَ مِنَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَةِ فَأَدْرَكَهُ
الإِسْلامُ وَهُوَ عِنْدَ2 مَنْ سَبَاهُ أَنْ يُرَدَّ حُرًّا إِلَى
نَسَبِهِ وَتُكُونُ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ يؤديها إليه فجعل ما كان كُلِّ
رَأْسٍ مِنْهُمْ رَأْسًا مِنَ الرَّقِيقِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَوَّمَ رَأْسًا مِنْهُمْ خَمْسًا مِنَ
الإِبِلِ.
أخبرناه ابن هاشم ناالدبري عن عبد الرزاق عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ
لَيْسَ عَلَى عربي
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/103" بلفظ "وفي فداء العرب" بدل
"العربي" وزاد في آخره "وكتم ابن طاووس الثالثة" وكذا في "7/278" و
"5/446".
2 د: "وهو عبد من سباه".
(2/117)
مِلْكٌ وَلَسْنَا بِنَازِعِينَ مِنْ يَدِ
رَجُلٍ شَيْئًا أَسْلَمَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّا نُقَوِّمُهُمُ الْمِلَّةَ
خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ1.
قَالَ ابن الأعرابي الملة الدية وجمعها ملل قَالَ وأنشدني أَبُو
المكارم:
غنائم الأموال أيام الوهل ... ومن عطايا الرؤساء والملل2
وَقَالَ غيره الملة الرأس من الرقيق. وأما قوله وفي ابن الأمة عبدان
فإنه يريد به الرجل من العرب يتزوج أمة لقوم فتلد منه ولدا يقول
أَنَّهُ لا يسترق ولكنه يفدى بعبدين وذهب إلى هذا الرأي من فقهاء
الأمصار سفيان الثوري وإسحاق بن راهويه فأما سائر العلماء من أهل
الحجاز وأهل العراق فإن استرقاق العربي في مذهبهم جائز كالعجمي سواء.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "7/278" بدون "خمسا من الإبل" وأخرجه
البيهقي في السنن الكبرى "9/74" وذكره المتقى في كنز الغمال "6/545" مع
الزيادة وعزاه لعبد الرزاق وأبي عبيد في الأموال وابن راهوية والبيهقي.
2 اللسان والتاج "ملل" دون عزو بروابة:
غنائم الفتيان في يوم الوهل ... ومن عطايا الرؤساء في الملل
(2/118)
[46] / وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي
حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَعَثَ الْجُيُوشَ أَوْصَاهُمْ
بِتَقْوَى اللَّهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لا يَقْتُلُوا هِمًّا وَلا
امْرَأَةً وَلا وَلِيدًا وَأَنْ يَتَّقُوا قَتْلَهُمْ إِذَا الْتَقَى
الزَّحْفَانِ وَعِنْدَ حُمَّةِ النَّهْضَاتِ1.
الهم الشيخ الفاني ويقال أَنَّهُ سمي هما لأن بدنه قد هم أي نحل وذاب
يُقَالُ هممت الودك إذا أذبته قال الشاعر:
__________
1 ذكره صاحب كنز العمال في "5/689 – 690" في حديث طويل إلا أن فيه
"هرما" بدل "هما" و "جمة النهضات" "تصحيف" وعزاه لكتاب المداراة.
(2/118)
تبسم عَنْ كالبرد المنهم1
ومنه قولهم همني هذا الأمر ومن قَالَ أهمني كان معناه أقلقني وحمة
النهضات شدتها ومعظمها وحمة كل شيء معظمة. يُقَالُ حمة الحر ويقال حم
له قضاء الله بمعنى قدر له وحم الأمر قدره قَالَ الشاعر:
وصاحب ليل كنت حم مبيته ... وقد حان من نجم العشاء خفوق
__________
1 اللسان "همم" برواية "يضحكن عن كالبر المنهم" وبعده
(2/119)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِبِلالِ بْنِ الْحَارِثِ مَا أَقْطَعَكَ رَسُولُ
اللَّهِ الْعَقِيقَ لِتَحْتَجَنَّهُ فَأَقْطِعْهُ النَّاسَ1.
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن المكي أنبأنا الصائغ أخبرنا سعيد2 أنبأنا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ سَمِعْتُ الْحَارِثَ
بْنَ بِلالٍ يَذْكُرُهُ.
قوله تحتجنه أي تحوزه وتمتلكه دون الناس قَالَ الأعشى:
فيا عجب الدهر للقائلا ... ت من آخر الليل ماذا احتجن3
ومن هذا سمي المحجن وهو عصا معقفة الرأس يحجن بها الشيء وكان في
الجاهلية رجل يسرق الحاج بمحجن له فإذا قيل له في ذلك قَالَ إنما سرق
محجني
__________
1 أخرجه أو عبيد في الأموال "368" بلفظ "لتحجره" بدل "لتحتجنه". وذكره
السمهودي في وفاء الوفاء "3/1042" عن ابن الزبالة وابن شية.
2 د: "سعيد بن منصور".
3 الديوان "210".
(2/119)
وكان عُمَر يرى أن الإقطاع من الإمام ليس
على وجه التمليك لمن يقطعه إنما هو على وجه الإرفاق والإمتاع به إلى
مدة1.
__________
1 في هذا الرأي نظر لأن عمر رضي الله عنه كان يرى هذا إذا لم يعمره
صاحب الإقناع وتركه دون إحياء انظر تفصيل ذلك في وفاء الوفاء "3/1042 –
143".
(2/120)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عمر
أن رجلا جاءه فِي نَاقَةٍ نُحِرَتْ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ لَكَ فِي
نَاقَتَيْنِ عُشْرَاءَيْنِ مُرْبَغَتَيْنِ سَمِينَتَيْنِ بِنَاقَتِكَ
فَإِنَّا لا نَقْطَعُ فِي عَامٍ السَّنَةِ1.
أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ
أَبَانَ.
العشراء الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر فلا يزال ذلك اسمها حتى
تضع وبعد ذلك إلى مدة وجمعها عشار
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} 2 ومما
جاء على وزنه امرأة نفساء ونساء نفاس وَقَوْلُهُ مربغتين معناه
مخصبتين.
قَالَ الأصمعي: الإرباغ إرسال الإبل على الماء ترده أي وقت شاءت يقال
أربغتها فربغت ويقال عيش رابغ ورافغ أي واسع ناعم.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/242 – 243" بلفظ "عشاريتين مربغتين".
2 سورة التكوير:"4".
(2/120)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إِيَّاكُمْ وَرَضَاعُ السُّوءِ فَإِنَّهُ لا
بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَنَدَّمَ يَوْمًا مَا1
قوله يتندم أي يظهر أثره والندم الأثر وأري الأصل فيه الندب وهو الأثر.
__________
1 ذكره العجلي في كشف الخفاء "1/431" ضمن الحديث الآتي وعزاه للخطابي.
(2/120)
وانقلاب الباء عن الميم والميم عَنِ الباء
في كلامهم كثير كقولهم سمد رأسه وسبد ولازم ولازب وما اسمك وباسمك.
والموماة والبوباة وهذا كالحديث الآخر: "الرضاع يغير الطباع"1.
__________
1 ذكره المتقي في كنز العمال "6/270" والعجلوني في كشف الخفاء "1/431".
(2/121)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ أُمَّ صَبِيَةٍ الْجُهَنِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا نَكُونُ
عَلَى عَهْدِ النبي وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلافَةِ
عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ / نِسْوَةً قد تجاللن وربما غزلنا فِيهِ
فَقَالَ عُمَرُ لأَرُدَنَّكُنَّ حَرَائِرَ [47] فَأَخْرَجَنَا مِنْهُ1.
يَرْوِيهِ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ صَالِحِ بْنِ نَافِعٍ
حَدَّثَتْنِي سَوْدَةُ بِنْتُ أَبِي ضُبَيْسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أُمِّ
صَبِيَّةٍ الْجُهَنِيَّةِ.
قوله تجاللن أي طعن في السن وكبرن يُقَالُ تجالت المرأة فهي متجالة
وجلت فهي جليلة إذا كبرت وعجزت قَالَ كثير:
أصَابَ الرَّدى منْ كَانَ يَهْوَى لكِ الرَّدَى ... وَجُنَّ اللّواتي
قُلْنَ عزة جلت2
ويروى جنت.
وَقَوْلُهُ لأردنكن حرائر يريد لزوم البيوت وذلك أن الحجاب إنما ضرب
على الحرائر دون الإماء.
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "8/296" بطوله.
2 الأغاني "9/29" وديوانه "107" وجعله من الأبيات التي نسب لكثير وسبق
في الجزء الأول لوحة "298".
(2/121)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى جَارِيَةً مَهْزُولَةً تَطِيشُ
(2/121)
مَرَّةً وَتَقُومُ أُخْرَى فَقَالَ: مَنْ
يَعْرِفُ تَيَّا؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: هِيَ
وَاللَّهِ إِحْدَى بَنَاتِكَ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ مَالِكٍ أخبرنا الحسن بن سفيان أخبرنا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أخبرنا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ يُونُسَ عَنِ
الْحَسَنِ.
قوله تيا إنما هو تصغير تا كما قيل ذيا في تصغير ذا. يريد من يعرف هذه
يُقَالُ2 هذه المرأة وهذي المرأة وتا المرأة وذي المرأة قَالَ النابغة:
ها إن تا عذرة إن لم تكن نفعت ... فإن صاحبها قد تاه في البلد3
ويروى عَنْ بعض السلف أَنَّهُ أخذ تبنة من الأرض ثم قَالَ تيا من
التوفيق خير من كذا وكذا من العمل. فأما قول الأعشى:
أتشفيك تيا أم تركت بدائكا ... وكانت قتولا للرجال كذلكا4
فيقال إنه اسم امرأة بعينها.
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "3/277" بنحوه بلفظ "من هذه الجارية؟ " بدل
"من يعرف تيا".
2 سقط من س, وهو في د, ح, ط.
3 الديوان "26" برواية "ها إن تا عذرة إلا تكن نفعت".
وفي شعراء النصرانية "4/664" برواية:
ها إن ذي عذرة إلا تكن نفعت ... فإن صاحبها مشارك النكد.
4 الديوان "130" وهو مطلع قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي.
(2/122)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً
وَقَى الله شرها1.
__________
1 أخرجه البخاري في حديث طويل في كتاب المحارب "8/208 – 211" وأخرجه
عبد الرزاق في مصنفه "5/441" "3/355" والطبري في تاريخه "3/200" وأبو
عبيد في عريبه "2/231".
(2/122)
أخبرني عبد الله بن محمد المسكي أنبأنا علي
بن عبد العزيز عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ قَوْلَ عُمَرَ إِنَّ بَيْعَةَ
أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَإِنَّ مَعْنَى الْفَلْتَةِ
الْفُجَاءَةِ وَإِنَّمَا كَانَتْ كَذَلِكَ لأَنَّهُ لَمْ يَنْتَظِرَ
بِهَا الْعَوَامُّ إِنَّمَا ابتدرها أكابر أصحاب محمد مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَعَامَّةِ الأَنْصَارِ إِلا تِلْكَ الطِّيَرَةُ
الَّتِي كَانَتْ مِنْ بَعْضِهِمْ ثُمَّ أَصْفَقُوا لَهُ كُلُّهُمْ
لِمَعْرِفَتِهِمْ1 أَنْ لَيْسَ لأَبِي بَكْرٍ مُنَازِعٌ وَلا شَرِيكٌ
فِي الْفَضْلِ وَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ فِي أَمْرِهِ إِلَى نَظَرٍ
وَمُشَاوَرَةٍ فَلِهَذَا كَانَتْ فَلْتَةً قَالَ وَقَالَ عُمَر لا
بَيْعَةَ إِلا عَنْ مَشُورَةٍ وَأَيُّمَا رَجُلٍ بَايَعَ عَنْ غَيْرِ
مَشُورَةٍ فَلا يُؤَمَّرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلا
هَذِهِ حِكَايَةُ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ2 فِي كِتَابِهِ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قد تكون الفلتة بمعنى الفجاءة وليست بالذي3
أراد عمر ولا لها موضع في هذا الحديث ولا لمعناها قرار هاهنا وحاش لتلك
البيعة أن تكون فجاءة لا مشورة فيها ولست أعلم شيئا أبلغ في الطعن
عليها من هذا التأويل. وكيف يسوغ ذلك وعمر نفسه يقول في هذه القصة لا
بيعة إِلا عَنْ مَشُورَةٍ وَأَيُّمَا رَجُلٍ بَايَعَ عَنْ غَيْرِ
مَشُورَةٍ فَلا يُؤَمَّرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا تَغِرَّةً أَنْ يقتلا4.
__________
1 س, ط: "بمعرفتهم" والمثبت من د, ح.
في القاموس "صفق" أصفقوا له: أطبقوا.
2 د: "هذه حكاية أبي عبيد في كتابه انظر غريب الحديث "2/231, 3/356".
3د, ح: "وليس بالتي أراد عمر".
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/445" بنحوه في قصة طويلة.
وأخرجه البخاري "8/210" بلفظ "من باع رجلا عن غير مشورة من المسلمين
فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا" في حديث طويل.
(2/123)
وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا
الْوَجْهِ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ دَعَا إِلَى إِمَارَةِ نَفْسِهِ أَوْ
غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المسلمين فاقتلوه"1.
أخبرنا محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ
لَيْثٍ عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ عَنِ الْمَعْرُورِ [48] بْنِ سُوَيْدٍ
عَنْ عُمَرَ. وثبت عنه أَنَّهُ جعل الأمر بعد وفاته شورى بين النفر
الستة فكيف يجوز عليه / مع هذا أن تكون بيعته لأبي بكر ودعوته إليها
إلا عَنْ مشورة وتقدمة نظر هذا مما لا يشكل فساده ومما يبين ذلك أن
الأخبار المروية في هذه القصة كلها دالة على أنها لم تكن فجاءة وأن
المهاجرين والأنصار تآمروا2 لها وتراجعوا الرأي بينهم فيها.
أَخْبَرَنَا ابن الأعرابي أخبرنا ابن أبي خيثمة أخبرنا معاوية بن عمرو
أخبرنا زَائِدَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عن عبد الله قَالَ لَمَّا
قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَتِ الأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ
أَمِيرٌ فَأَتَى3 عُمَرُ وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَسْتُمْ
تَعْلَمُونَ أَنَّ رسول الله أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّ
النَّاسَ فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟
قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ4.
ومما يؤكد ذلك ويزيده وضوحا حديث سالم بن عبيد.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/445" بلفظ "مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ فلا يحل لكم إلا أن تقتلوه.
2 في جميع النسخ "توامروا لها" وفي اللسان "أمر" من المؤامرة:
المشاورة.... ويقال: وامرته وليس بفصيج.
3 س: "فأبى" والمثبت من بقية النسح.
4 أخرجه المسائي في الإمارة "2/74" وانظر مجمع الزوائد "5/183".
(2/124)
حدثناه جعفر الخلدي أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ شُعَيْبٍ النسائي أخبرنا قُتَيْبَةُ وَحَدَّثَنَاهُ
أَصْحَابُنَا عَنْ إِسْحَاقَ أخبرنا قتيبة أخبرنا حميد بن عبد الرحمن
الرَّؤَاسِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي
هِنْدٍ عَنْ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ.
وذَكَرَ قِصَّةَ موت رسول الله قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ
وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ فَجَعَلُوا يَتَشَاوَرُونَ بَيْنَهُمْ
قَالَ ثُمَّ قَالُوا: انْطَلِقُوا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ
فَقَالَتِ الأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ
عُمَرُ سَيْفَانِ فِي غَمْدٍ إِذًا لا يَصْطَلِحَانِ1 قَالَ ثُمَّ
أَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ: مَنْ لَهُ هَذِهِ الثَّلاثُ
{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 2 مَنْ
صَاحِبُهُ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ مَنْ هُمَا مَعَ مَنْ قَالَ ثُمَّ
بَايَعَهُ فَبَايَعُهُ3 النَّاسُ أَحْسَنَ بَيْعَةٍ وَأَجْمَلَهَا4.
فتأمل قوله فجعلوا يتشاورون بينهم فإنه قد صرح بأنها لم تكن فجاءة وأن
القوم لم يعطوا الصفقة إلا بعد التشاور والتناظر واتفاق الملأ منهم على
التقديم لحقه والرضا بإمامته والأخبار في هذا الباب كثيرة وفيما
أوردناه كفاية.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وكلام أبي عبيد في الفصل الأول إذا تأملته
تبينت منه نفس هذا المعنى وعلمت أَنَّهُ إنما منع في الجملة ما أعطاه
في التفصيل وذلك أَنَّهُ قَالَ إنما كانت بيعته فجاءة لأنه لم ينتظر
بِهَا العوام وإنما ابتدرها أكابر
__________
1 مثل أورده العسكري "2/329" والميداني "2/230".
2 سورة التوبة: "40".
3 من د.
4 أخرجه الترمذي في الشمائل "207" بلفظ "بيعة حسنة جميلة" في حديث طويل
وأخرجه ابن ماجة في الصلاة "1/390" مختصرا وأخرجه النسائي في السنن
الكيرى كما في تحفة الأشراف "3/254" وذكره الهيثمي في مجمعه "5/182"
وعزاه للطبراني.
(2/125)
أصحاب رسول الله من المهاجرين وعامة
الأنصار إلاتلك الطِّيَرَةُ الَّتِي كَانَتْ مِنْ بَعْضِهِمْ ثُمَّ
أَصْفَقُوا لَهُ كُلُّهُمْ لِمَعْرِفَتِهِمْ أَنْ لَيْسَ لأَبِي بَكْرٍ
مُنَازِعٌ ولا شريك في الفضل فتأمل كيف يقضى آخر كلامه على أوله وهل
يشكل أن مثل الَّذِي وصفه لا يكون فجاءة. قَالَ ومعنى الحديث صحيح من
حديث لا متعلق عليه لطاعن.
الفلتة عند العرب آخر ليلة من الأشهر الحرم.
أَخْبَرَنِي أَبُو عمر أنبأنا ثعلب عن ابن الأعرابي قَالَ الفلتة
الليلة التي يشك فيها كما يشك في* اليوم فيقول قوم هي من شعبان ويقول
قوم بل هي من رجب وبيان هذه الجملة أن العرب كانوا يعظمون الأشهر الحرم
ويتحاجزون فيها فلا يتقاتلون يرى الرجل منهم قاتل أبيه فلا يمسه بسوء
ولا ينداه1 بمكروه ولذلك [49] كانوا يسمون رجبا شهر اللَّه الأصم وذلك
لأن الحرب تضع أوزارها فلا تسمع قعقعة سلاح ولا صوت قتال ويسمونه كذلك
/ منصل2 الأسنة لأن الأسنة كانت تنزع من الرماح فلا يزال هذا دأبهم ما
بقي من أشهر الحرم شيء إلى أن تكون آخر ليلة منها فربما يشك قوم
فيقولون هي من الحل وبعضهم يقول بل هي من الحرم فيبادر الموتور الحنق
في تلك الليلة فينتهز الفرصة في إدراك ثأره غير متلوم أن تنصرم عَنْ
يقين علم فيكثر الفساد في تلك الليلة وتسفك الدماء وتشن الغارات قَالَ
الشاعر يذكر ذلك
__________
* من هنا نقص كبير من نسخة د.
1 س, ح: "يبدؤه" وفي هامش س: "الصواب ينداه".
وفي الوسيط "ندى" ولا ينداه بمكروه أي لا يصيبه به.
2 القاموس "نصل" أنصل السهم ونصله: جعل فيه نصلا وأزاله عنه "ضد".
(2/126)
سائل لقيطا وأشياعها ... ولا تدعن وسلن
جعفرا
غداة العروبة من فلتة ... لمن تركوا الدار والمحضرا
يعيرهم بالمقام أيام السلم والفرار لما حل القتال.
وَقَالَ أَبُو داود الإيادي يصف خيلا:
والخيل ساهمة الوجوه ... كأنما يقضمن ملحا
صادفن منصل آلة ... في فلته فحوين سرحا1
فشبه عُمَر أيام حياة رسول الله وما كان الناس عليه في عهده من اجتماع
الكلمة وشمول الألفة ووقوع الأمنة بالشهر الحرام الَّذِي لا قتال فيه
ولا نزاع وكان موته شبيه القصة بالفلتة التي هي خروج من الحرم لما نجم
عند ذلك من الخلاف وظهر من الفساد ولما كان من أمر أهل الردة ومنع
العرب الزكاة وتخلف من تخلف من الأنصار عَنِ الطاعة جريا منهم على عادة
العرب في أن لا يسود القبيلة إلا رجل منهم2 فوقي اللَّه شرها بتلك
البيعة المباركة التي كانت جماعا للخير ونظاما للألفة وسببا للطاعة.
وقد روينا نص هذا المعنى عن سالم بن عبد الله بْنِ عُمَرَ بن الخطاب.
أَخْبَرَنِي الحسن بن عبد الرحيم أخبرنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
قَالَ قَالَ لِي أَبُو عُبَيْدَةَ السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قَالَ
شُعَيْبُ بْنُ عُمَرَ التميمي أخبرنا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ
مُبَشِّرٍ عن سالم بن عبد الله قَالَ قَالَ لِي عُمَرُ كَانَتْ
إِمَارَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَقَى اللَّهُ شَرَّهَا قُلْتُ وَمَا
الْفَلْتَةُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَحَاجَزُونَ فِي
الْحَرَمِ فَإِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُشَكُّ فِيهَا
أَدْغَلُوا فَأَغَارُوا وكذلك كان يوم
__________
1 اللسان "فلت" والبيتان في تهذيب الأزهري "14/288" دون عزو.
2 ح, ط: "منها" بعود الضمير على القبيلة.
(2/127)
مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ أَدْغَلَ النَّاسُ
مِنْ بَيْنِ مُدَّعٍ إِمَارَةً أَوْ جَاحِدٍ زَكَاةً فَلَوْلا
اعْتِرَاضُ أَبِي بَكْرٍ دُونَهَا لَكَانَتِ الْفَضِيحَةُ1.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وفي هذه القصة حرف قد يشكل معناه وهو قول
عُمَر حين ازدحم الناس على مصافحة أبي بكر للبيعة فوثبوا على سعد وكان
مضطجعا على فراشه فَقَالَ بعض الأنصار قتلتم سعدا فَقَالَ عُمَر
"اقتلوه قتله اللَّه"2 ومعناه والله أعلم أن هذه الكلمة جرت منه جوابا
على مذهب المطابقة للفظ الأنصاري يريد بها إبطال معذرته في التثبيط
عَنِ البيعة مكان سعد ولم يقصد بها إيقاع الفعل وإنما قَالَ اقتلوه
بمعنى لا [50] تبالوا بما ناله من الضغط والألم وأقبلوا على شأنكم
وأحكموا أمر البيعة وهذا في مذهب / المطابقة كقوله {فَمَنِ اعْتَدَى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} 3
فسمي الجزاء على العدوان عدوانا وإنما هو جزاء ومكافأة وليس بعدوان في
الحقيقة وَقَالَ عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا4
يريد فنجازيه على جهله ونزيد عليه.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون المعنى اجعلوه كمن قتل واحسبوه في عداد من
مات وهلك أي لا تعتدوا بمشهده ولا تعرجوا على قوله وذلك أن سعدا إنما
أحضر ذلك المقام لأن ينصب أميرا على قومه على مذهب العرب في الجاهلية
أن لا يسود القبيلة إلا رجل منها وكان حكم الإسلام خلاف ذلك فأراد
__________
1 الفائق "فلت" "3/139" والنهاية "فلت" "3/467".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/444".
3 سورة البقرة: "194".
4 شرح القصائد العشر "238".
(2/128)
عُمَر إبطاله بأغلظ ما يكون من القول
وأبشعه وكل شيء أبطلت فعله وسلبت قوته فقد قتلته وأمته ولذلك قيل قتلت
الشراب إذا مزجته لتقل سورته وتنكسر شدته قَالَ حسان بن ثابت:
إن التي هاتيتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل1
وَقَالَ عُمَر في خطبته: "لا تأكلوا من هاتين الشجرتين إلا أن تميتوهما
طبخا"2. يريد البصل والثوم أي تنضجوهما طبخا فتضعف قوتهما وتذهب حدتهما
وحرافتهما ولهذا قيل للبليد الَّذِي لا حراك به ولا انبعاث له في
الأمور أَنَّهُ لميت وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَتَأَوَّلُ قَوْلُ
عُمَرَ مَنْ دَعَا إِلَى إِمَارَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ فَاقْتُلُوهُ يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ اجْعَلُوهُ
كَمَنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ بِأَنْ لا تَقْبَلُوا لَهُ قَوْلا ولا تقيموا
له دعوة وَعَلَى مِثْلِ ذَلِكَ يُتَأَوَّلُ حَدِيثُهُ الْمَرْفُوعُ
أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ
مِنْهُمَا".
أَخْبَرَنَاهُ ابن الأعرابي أخبرنا إبراهيم بن الوليد الجشاش أخبرنا
علي بن المديني أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث أخبرنا أَبُو هِلالٍ
الرَّاسِبِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله: "إِذَا بُويِعَ
لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا" 3 يُرِيدُ بِذَلِكَ
أَنْ يَخْلَعَ وَتُلْغَى بَيْعَتُهُ حَتَّى يَكُونَ فِي عِدَادِ مَنْ
قُتِلَ وَبَطَلَ وَاللَّهُ أعلم
__________
1 الديوان "124" يرواية "إن التي ناولتني فرددتها" وفي الأغاني "8/163"
ط ساس: "إن التي عاطيتني فرددتها".
2 أخرجه مسلم في المساجد "1/396" بنحوه في حديث طويل والنسائي كذلك في
المساجد "2/43" وابن ماجة في الأطعمة "2/1116" بألفاظ متقاربة.
3 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة "125" أ. وذكره الهيثمي في مجمعه
"5/198" وعزاه للبزار والطبراني وقد أخرجه مسلم في الإمارة "3/1480" عن
أبي سعيد الخدري.
(2/129)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ عَرَضَتْ لَهُ مَخَاضَةٌ
فَنَزَلَ عَنْ بَعِيرِهِ وَنَزَعَ مُوقِيَهُ وَخَاضَ الْمَاءَ1.
__________
1 أخرجه ابن المبارك في كتاب الزهد ص 207 والحاكم في المستدرك "1/62"
بلفظ: "خفية" بدل "موقية" وكذلك أبو نعيم في الحلية "1/47" وذكره ابن
كثير في البداية والنهاية "7/60".
(2/60)
وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ
أَقْبَلَ عَلَى جَمَلٍ عَلَيْهِ جِلْدُ كَبْشٍ جَوْنِيٍّ وَزِمَامُهُ
مِنْ خُلَبِ النخل1.
حدثناه ابن الأعرابي أخبرنا سعدان أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ
الطَّائِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ.
المُوقُ: الخُفُّ ويُجْمَعُ عَلى الأَمْوَاق. قال النِّمْرُ بن
تَوْلَب:
فَتَرَى النِّعَاجُ بِهِ تَمْشِي خَلْفَهُ ... مَشْيِ العَبَادِيّيْن
في الأَمْوَاق2
ومن العَرَبِ من يُسَمَّى الخُفَافُ التَّسَاخِين.
قَالَ أَبُو العَبَّاس ثَعْلَب ولا واحِدٌ لَهَا من لَفْظِها.
قَالَ المبرِّد: واحِدُها تِسْخَان.
وَقَالَ بعضم: التَّسَّاخِين كُلُّ ما يُسَّخنُ بِهِ القَدَمُ من خُفٍّ
وجَوْرَب ونَحْوَ ذَلِك. والكَبْشُ الجَوْنِي هُوَ الأَسْوَد الَّذِي
أُشْرِبَ حُمْرَةً إذا نَسَبُوا قالوا: جُونِي وإذا نَعَتُوا قَالُوا:
جَوْنٌ وجَوْنَة ومِنْهُ قِيلَ للقَطَا جوني والخلب الليف.
__________
1 الفائق "جون" "1/245" والتهاية "جون" "1/318".
2 البيت في اللسان والتاج "موق" برواية "فترى النعاج تمشى خلفه" وفي
الفائق "موق" "3/393" برواية "فترى النعاج تمشي خلفه" والديوان "80".
(2/61)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لا يَصْلُحُ أَنْ يَلِيَ
هَذَا الأَمْرَ إِلا حَصِيفُ الْعُقْدَةِ قَلِيلُ الْغِرَّةِ
الشَّدِيدُ فِي غَيْرِ عُنْفٍ اللَّيِنُ فِي غَيْرِ ضعفذ1 الجواد في
غير سرف البخيل فِي غَيْرِ وَكْفٍ2.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن المكي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا قتيبة
أنبأنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ غيلان.
__________
1 د: "اللين من غير ضعف".
2 ذكره صاحب كنز العمال "5/776" كتاب عمر إلى أبي عبيدة بألفاظ
متقاربة, وعزاه لابن أبي الدنيا في كتاب الأشراف وكذلك في "5/735, 337,
741" بألفاظ متقاربة.
(2/89)
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قوله الوكف النقص.
قَالَ الأصمعي: يُقَالُ: ليس عليك من ذلك وكف أي منقصة وَقَالَ الشاعر:
الحافظو الجار والعشيرة لا ... يأتيهم من ورائهم وكف1
والسرف أن يضع العطاء في غير أهله. يُقَالُ: أردتكم فسرفتكم أي أخطأتكم
إلى غيركم قَالَ جرير:
أعطوا هنيدة يحذوها ثمانية ... ما في عطائهم من ولا سرف2
ويروى عَنْ بعض السلف أَنَّهُ قَالَ: كل ما أنفقته في طاعة اللَّه فليس
بسرف وإن كثر وما أنفقته في غير طاعته كان سرفا وإن قل.
__________
1 اللسان والتاج "وكف" برواية: "الحافظو عورة العشيرة" وهو لعمرو بن
امرئ القيس ويقال لقيس بن الخطيم وهو في ديوان قيس بن الخطيم "64"
برواية اللسان وذكر بعده ستة أبيات قال المحقق: الصحيح أن هذه الأبيات
السبعة في قصيدة طويلة لعمرو بن امرئ القيس الخزرجي في قصة مفصلة في
الأغاني "3/19, 20, والخزانة "2/189, 190".
2 الديوان "307".
(2/90)
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ذَكَرَ لَهُ عُثْمَانَ
لِلْخِلافَةِ فَقَالَ: أَخْشَى [43] حَفْدَهُ وَأَثْرَتَهُ قَالَ
فَالزُّبَيْرُ. قَالَ: ضَرِسٌ ضَبِسٌ أَوْ قَالَ: ضَمِسٌ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق
عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ ورَوَى أَبُو الْمَلِيحِ الْهُذَلِيُّ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ
طَلْحَةَ فَقَالَ الأَكْنَعُ إِنَّ فِيهِ كِبْرًا أَوْ نَخْوَةً.
قوله أخشى حفده يريد إقباله على أقاربه وخفوفه في مرضاتهم وأصل الحفد
الخدمة والخفة في العمل. ومنه قولهم الدعاء وإليك نسعى ونحفد أي نخف في
مرضاتك ونسرع إلى طاعتك.
قَالَ أَبُو عبيدة: الحفدة الأعوان يُقَالُ: حفدني بخير وهو حافدي
وأنشد لطرفة:
يحفدون الضيف في أبياتهم ... كرما ذلك منهم غير ذل2
وَقَالَ غيره الحفدة الخدم ويقال لولد الولد الحفدة. قال الفراء: واحد
الحفدة حافد كقولك كامل وكملة
قال: ويجوز أن يُقَالُ في جمع حافد حفد كما قالوا: غائب وغيب قَالَ
الشاعر:
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حفد مما يعد كثير3
وَقَوْلُهُ ضرس أي سيىء الخلق يُقَالُ رجل ضرس شرس وناقة
__________
1 أخرجه عبد الرزلق في مصنفه "5/448" بلفظ "أخشى عقده وأثرته" بلفظ
"ضرس" فقظ.
2 لم أقف عليه في ديوانه طبعتي بيروت.
3 اللسان والتاج "حفد" ولم يعز.
(2/111)
|