غريب الحديث للخطابي

حَدِيثِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عنه
حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ بَعَثَ رَجُلَيْنِ فِي وَجْهٍ وَقَالَ: "إِنَّكُمَا عِلْجَانِ فعالجا عن دينكما".
...
حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ بَعَثَ رَجُلَيْنِ فِي وَجْهٍ وَقَالَ إِنَّكُمَا عِلْجَانِ فَعَالِجَا عَنْ دِينِكُمَا1.
أخبرناه ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا حفص بن عمر أخبرنا شُعْبَةُ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُرَّةَ عن عبد الله بْنِ سَلَمَةَ.
العلج الجافي الغليظ. يُقَالُ رجل علج وعلج وهو الصلب الشديد ويقال للحمار الوحشي علج وذلك لاستعلاج خلقه وشدة أسره أنشدني أَبُو عُمَر أنشدنا أَبُو العباس في وصف دلو:
[56] / قد سقطت في قضة من شَرْجِ ... ثُمَّ استَقَلَّت مِثَل شِدْقِ العلج
يريد أنها خرجت فارغة يابسة لا ماء فيها مثل شدق العير لأنه منضم أبدا.
وأخبرنا ابن الأعرابي أخبرنا الدوري أخبرنا يحيى بن معين أخبرنا سلمة الأبرش حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن إسحاق قَالَ رأيت سالما وكان علج الخلق يعالج بيديه ويعمل ويلبس الصوف.
وَقَوْلُهُ فعالجا عَنْ دينكما أي جاهدا عَنْ دينكما ودافعا عنه ويقال اعتلج القوم إذا تدافعوا فيما بينهم واعلتج الرجلان إذا تصارعا. وقَالَ أَبُو ذؤيب يصف الحمر:
__________
1 أخرجه أبو داود في الطهارة "1/59" وأحمد في مسنده "1/107".

(2/144)


فلبثن حينا يعتلجن بروضه ... فيجد حينا في العلاج ويشمع1
وَأَخْبَرَنَا ابن الزيبقي أخبرنا الحسين بن حميد الربيع اللخمي نا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي2 أخبرنا زَكَرِيَّا بْنُ مَنْظُورٍ الأَنْصَارِيُّ عَنْ عطية السامي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: "إِنَّ الدُّعَاءَ لَيَلْقَى الْبَلاءَ فَيَعْتَلِجَانِ إلى يوم القيامة" 3.
__________
1 شرح أشعار الهذليين "1/14" وسبق في الجزء الأول لوحة "84".
2 سقط من ح.
3 ذكره الهيثمي في مجمعه "10/146" وعزاه للطبراني والبزار.

(2/145)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ سَنَحَ لِي رَسُولُ اللَّهِ فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيتُ بَعْدَكَ مِنَ الإِدَدِ وَالأَوْدِ1.
حَدَّثَنِيهُ الحسن بن عبد الرحيم أخبرنا عبد الله بن زيدان أخبرنا هَارُونُ بْنُ أَبِي بُرَدَةَ حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ عَنْ أَبِي عبد الرحمن الْمَسْعُودِيِّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّهَوِيِّ عن عبد الأعلى بن عامر عن أبي عبد الرحمن السُّلَمِيِّ.
وَقَالَ بعضهم: اللدد مكان الإدد. والإدد الدواهي العظام واحدتها إدة والإد الأمر الفظيع والإد العجب قَالَ الراجز:
قد لقي الأعداء مني نكرا ... داهية دهياء إدا إمرا2
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "3/36" بلفظ "من الأود واللدد" في قصة طويلة وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "8/12" وتفسيره فيه الأود: العوج, واللدد: الخصومة وذكره المتقي في كنز العمال "13/190" وعزاه لأبي يعلى.
2 اللسان "أمر" برواية "قد لقي الأقران" ولم يعز.

(2/145)


ومن هذا قول الله تعالى: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} 1
وأخبرني أبو عمر عن أبي العباس ثعلب قَالَ الإد العجب والإد الصوت والأيد والآد القوة وأنشد:
من أن تبدلت بآد آدا ... لم يك ينآد فأمسي انآدا2
وأما فهو شدة الخصومة يُقَالُ رجل ألد وقوم لد.
__________
1 سورة مريم:"89".
2 اللسان "أود" وعزي للعجاج برواية "من أن تبدلت بآدي آدا" ولم أقف عليه في ديوانه.

(2/146)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلا قَالَ لَهُ: أَخْبَرَنِي عَنْ قُرَيْشٍ. قَالَ أَمَّا نَحْنُ بَنُو هَاشِمٍ فَأَنْجَادُ أَمْجَادٍ وَأَمَّا إِخْوَانُنَا بَنُو أُمَيَّةَ فَقَادَةٌ. أُدَبَةٌ ذَادَةً1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ عَلِيًّا.
الأنجاد واحدهم نجد. وَقَالَ الأصمعي: رجل نجد ونجد من شدة البأس. وَقَالَ غيره النجد ضد البليد والأصل فيهما واحد وإنما أخذ من نجد البلاد وهو ما علا وارتفع من الأرض فالنجد من الرجال الرفيع العالي. قَالَ ذو الرمة:
ولكنني أقبلت من جانبي قسا ... أزور فتى نجدا كريما يمانيا2
قَالَ أَبُو عبيدة: يُقَالُ: أنجدت الرجل إذا أعنته ونجدته أنجده إذا غلبته والأمجاد الكرام واحدهم ماجد كقولك شاهد وأشهاد
__________
1 أخرجه عيد الرزاق في مصنفه "5/452" وفي "11/57".
2 اللسان "قسا" والدوان "654" برواية "أزور امرأ محصنا نجيبا يمانيا".

(2/146)


قَالَ ابن الأعرابي المجد الرفعة والسناء.
وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِجَارِيَتِهَا نَاوِلِينِي الْمَجِيدَ تُرِيدُ الْمُصْحَفَ تُرِيدُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} 1
/ وَقَالَ بعض أهل اللغة: أصل المجد الكثرة. يقال أمجدت الرجل سبا وأمجدته ذما بمعنى أكثرت [57] ومن أمثالهم في كل شجرة نار واستمجد المرخ والعفار2 أي استكثرا منها وهما شجران يتخذ منهما الزناد.
وَقَالَ بعضهم: أصل المجد امتلاء بطن البعير من العلف ثم قالوا: مجد فلان فهو ماجد أي امتلأ كرما والقادة جمع قائد والذادة جمع ذائد وهم الرؤساء الذين يقودون الجيوش ويدافعون عنها والذود الدفع عَنِ الحريم قَالَ زهير:
ومن لا يذد عَنْ حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم3
وأخبرني محمد بن نافع أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي أخبرنا أبُو الوَليِد الأَزْرَقِيِّ قَال قَالَ مُحَمَّد بن إسحاق لما قسم قصي مكارمه بين ولده أعطى القيادة عَبْد مناف فوليها من بعد عَبْد مناف عَبْد شمس ثم وليها من بعده أمية بن عَبْد شمس ثم من بعده حرب بن أمية فقاد بالناس يوم عكاظ في
__________
1 سورة البروج:"21".
2 أمثال أبي عبيد "136" والعسكري "2/92" والميداني "2/74" والزمخشري "2/183" والبكري "202" واللسان "مرخ, عفر" وجاء في الشرح: المرخ والعفار: شجرتان فيهمانار ليست في غيرهما من الشجر ويسوي من أغصانهما الزناد فيقدح بها وزنادهما أسرع الزناد وريا, والعرب تضرب بهما المثل في الشرف العالي.
3 شرح الديوان "32".

(2/147)


حرب قريش وقيس وعيلان وفي الفجارين الأول والثاني ثم قاد بالناس أَبُو سفيان بن حرب فلما كان يوم بدر قاد الناس عتبة بن ربيعة وكان أَبُو سفيان في العير فلما كان يوم أحد قاد الناس أَبُو سفيان بن حرب وقاد الناس يوم الأحزاب وكانت آخر وقعة لقريش ثم جاء اللَّه بالإسلام1.
والأدبة جمع الآدب وهو الَّذِي يدعو على الطعام قَالَ طرفة:
لا ترى الآدب فينا ينتقر2
يُقَالُ أدب على القوم يأدب أدبا فهو آدب وهم أدبة كما قيل كاتب كتبة وحافظ وحفظة. قال ثعلب يُقَالُ ما كنت أديبا ولقد أدبت وما كنت آدبا ولقد أدبت أي داعيا والاسم المأدبة والمأدبة يصفهم بأنهم مطاعيم في الجدب مساعير في الحرب.
__________
1 ذكره الأزرقي في أخبار مكة "1/115" في قصة طويلة.
2 الديوان "65" وصدره "نحن في المشتاة ندعو الجفلى.

(2/148)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَطَبَهُمْ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غَيْرُ مَشْكُوكٍ1.
هَكَذَا رَوَاهُ لَنَا دَعْلَجُ بْنُ أحمد أخبرنا الصائغ أخبرنا أحمد بن شبيب أخبرنا أبي بن رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالَ مشكوك بالشين معجمة وإنما هو مسكوك والسك تضبيب الباب والخشب بالحديد. ومن هذا قيل للحديدة التي تطبع عَلَيْهَا الدراهم والدنانير سكة يريد أن المنبر لم يكن خشباته مسمرة بالمسامير بل كانت خشبة واحدة غير مشرفة
__________
1 الفائق "سكك" "2/190" بلفظ غير مسكوك والنهاية "سكك" "2/384" وفيهما "ويروى بالشين".

(2/148)


فأما المشكوك فمعناه المشدود المثبت يُقَالُ رماه فشك قدمه بالأرض أي أثبتها في الأرض. قَالَ الشاعر:
كأن الذارعإ المشكوكَ فيه ... سَلِيبٌ من رجال الديبلان1
وإنما يشك لئلا ينقلب فينصب ما فيه والذارع واحد الذوارع وهي الزقاق.
وَقَالَ بعض أهل اللغة ولا واحد لها من لفظها وهذا البيت يدل على خلاف قوله.
فأمَّا حديث علي أَنَّهُ خطبهم بعد الحكمين على شغلة2.
فإن ابن الأعرابي قَالَ هي البيدر. يُقَالُ: شغله وشغل يريد حصيدا قد كدس ورفع بعضه فوق بعض.
__________
1 التهذيب "14/126" برواية "المشكوك منها" وجاء فيه: شبه سواد الرق بالأسود المشلح من رجال السند.
2 الفائق "شغل" "2/254" والنهاية "شغل" 2/483".

(2/149)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَوَدَدْتُ أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ رَضُوا وَنَفَّلْنَاهُمْ خَمْسِينَ رَجُلا [58] مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَحْلِفُونَ مَا قَتَلْنَا عُثْمَانَ وَلا نَعْلَمُ لَهُ قَاتِلا1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ المكي أنبأنا الصائغ حدثنا سعيد بن منصور أخبرنا أبو معاوية أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عليا يقوله.
__________
1 أحرجه سعيد في سننه "2/364".

(2/149)


قوله نفلناهم أي حلفنا لهم خمسين منا على البراءة من دمه والنفل أصله النفي.
يُقَالُ نفلت الرجل عن نسبه نفلا ونفالة وانتقل الرجل من نسبه إذا تبرأ منه.
ومنه حديث ابن عُمَر أن رجلا لاعَنِ امرأته وانتفل من ولدها ففرق رسول اللَّه صلى الله عليه بينهما وألحق الولد بالمرأة1.
وَقَالَ المتلمس:
أري عصما في نصر بهثة دائبا ... وينفلني من آل زيد فبئسما2
أي ينفيني من آل زيد.
وَقَالَ الزبير بن بكار قالت بنو ضمرة لنصيب إنك منا فدعنا نصحح نسبك. قَالَ أعلم أنكم تريدون ذلك رغبة في مالي وما كنت لأقفو العجوز وأنتفل عَنِ الشيخ ولأن أكون مولى لائقا أحب إلى من أن أكون عربيا لاحقا.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ آخَرُ. حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَوَيْهِ أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا محمد بن كامل المروزي أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءَ مَوْلَى أَبِي قُلابَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه قَالَ لأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ: "أَتَرْضَوْنَ بِنَفْلِ خمسين من اليهود
__________
1 أخرجه البخاري في مواضع منها في الفرائض "8/191" ومسلم في اللعان "2/1132 – 1133" وأبو داود في الطلاق "2/278" والترمذي في الطلاق أيضا "3/399" والبيهقي في سننه "7/402" وكلهم بلفظ "انتقى" بدل "انتقل".
2 الديوان "39".

(2/150)


مَا قَتَلُوهُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُبَالُونَ أَنْ يَقْتُلُونَا جَمِيعًا ثُمَّ يَنْفِلُونَ1 أَيْ يَحْلِفُونَ عَلَى الْبَرَاءَةِ وَسُمِّيَتِ الْيَمِينُ فِي الْقَسَامَةِ نَفْلا لأَنَّ الْقَصَاصَ يُنْفَى بِهَا. وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثَ عَلِيٍّ مُفَسَّرًا مِنْ طَرِيقٍ آخَرِ.
حَدَّثَنَاهُ الأصم أخبرنا بحر بن نصر الخولاني أخبرنا ابن وهب وأخبرني سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: "وَدَدْتُ أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ قَبِلُوا مِنِّي خَمْسِينَ يَمِينًا قَسَامَةً أَحْلِفُ بِهَا مَا أَمَرْتُ بِقَتْلِ عُثْمَانَ وَلا مَالَيْتُ"2.
قوله: ماليت معناه طابقت وساعدت. وأصله مالأت مهموزا من ملأ القوم يريد أَنَّهُ لم يدخل في ملائهم ولم يطابقهم على رأيهم.
ويقال: ما كان هذا الأمر عن ملاء منا أي عَنْ تشاور واجتماع عليه وقد تبدل الهمزة ياء.
أخبرني أبو عمر أنبأنا أبو العباس ثَعْلَب عَنْ سَلَمةَ عَنِ الفراء قَالَ: العرب تحقق الهمزة وتبدلها وتلينها فالتحقيق أن تقول قرأت وخبأت والإبدال أن تقول قريت وخبيت والتليين أن تقول قرات وخبات.
وَقَالَ أَبُو عبيدة: ثلاثة أحرف تركت العرب الهمز فيها وأصله الهمز البرية للخلق من برأ اللَّه الخلق والبنا أصله من البناء والخابية أصلها من خبأت الشيء
__________
1 أخرجه البخاري في الديات "9/11 – 12" في حديث طويل.
2 لم أقف عليه بهذا اللفظ وقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/450" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بلفظ: "والله ما قتلت عثمان ولا أمرت بقتله ويكن غلبت" وأخرجه سعيد بن منصور في سننه "2/364" بطريق آخر بلفظ: "ما قتلت عثمان ولا اشتركت ولا أمرت ولا رضيت" وانظر كنز العمال "13/91.

(2/151)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كانت ضرباته مبتكرات لا عونا1.
رواه ابن عائشة بإسناد له.
قَالَ ابن الأنباري تفسيره أن ضربته كانت بكرا واحدة يقتل بها ولا يحتاج إلى أن يعيد الضربة بعدها والعون جمع العوان والعوان المرأة الثيب والحرب العوان التي قوتل فيها مرة بعد مرة والحاجة العوان التي طلبت مرة بعد أخرى.
[59] / ويروى عَنْ بعضهم أَنَّهُ قَالَ كان لعلي ضربتان كان إذا تطاول قد وإذا تقاصر قط ومعنى القد القطع والقط نحو منه إلا أن القد أكثره في الجلد والقط في العظام.
وَقَالَ بعضهم: القد ما قطع طولا والقط ما كان منه عرضا.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادٍ لَهُ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب: رأيت يوم بدر رجلا من المشركين فارسا مقنعا في الحديد كان وسعد بن خيثمة يقتتلان فاقتحم عَنْ فرسه لما عرفني فناداني هلم ابن أبي طالب البراز قَالَ فعطفت عليه فانحط إلى مقبلا وكنت رجلا قصيرا فانحططت راجعا لكي ينزل وكرهت أن يعلوني فَقَالَ يا ابن أبي طالب أفررت فقلت فررت مفر ابن الشتراء. فلما دنا مني ضربني فاتقيت بالدرقة فوقع سيفه فلحج فأضربه2 على عاتقه وهو دارع فارتعش ولقد قط سيفي
__________
1 الفائق "بكر" "1/125" والنهاية "عون" "3/323".
2 الفائق "شتر" "2/221" بلفظ "فأمر به" بدل "فأشربه" والمثت من جميع النسخ.

(2/152)


درعه فإذا بريق سيف من ورائي فأطن قحف رأسه وإذا هو حمزة بن عَبْد المطلب1.
قَالَ الخطابي2 لم أسمع أحدا إلا يقول بريق أما البريق فمعروف.
ويقال أبرق الرجل بسيفه يبرق إذا لمع به وسمى السيف إبريقا وهو إفعيل من البريق قال بن أحمر:
تقلدت إبريقا وعلقت جعبة ... لتهلك حيا ذا زهاء وجامل3
وأما الريق فمن قولك راق السراب يريق ريقا إذا لمع وترقرق على متن الأرض يريد لمعان السيف وتلألؤه. وابن الشتراء يُقَالُ أَنَّهُ رجل كان يصيب الطريق وكان يأتي الرفقة فيدنو منهم حتى إذا هموا به نأى قليلا ثم عاودهم حتى يصيب منهم غرة.
__________
1 أخرحه الواقدي في مغازي "1/92 – 93" مع زيادة بعض الألفاظ واختلاف في بعض.
2 في جميع النسح قال الواقدي والصواب: قال الخطابي.
3 اللسان "برق" تعلق إبريق وأظهر جعبة ليهلك....." وفي التاج "برق" برواية "تقلدت إبريق وأظهرت جعبة" والبيت في الديوان "137".

(2/153)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَمَرَ النَّاسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَامَ رِجَالٌ فَقَالُوا: لا نَفْعَلُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمَلْحُ فِي الْمَاءِ1.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِمْ غُلامَ ثَقِيفٍ اعْلَمُوا أَنَّ مَنْ فَازَ بِكُمْ فقد فاز بالقدح الأخيب2
__________
1 ذكره ابن كثير في البداية والنهاية "8/12" بلفظ: "اللهم أمت قلوبهم موت الملح في الماء" في دعاء طويل.
2 أخرجه الطبري في تاريخه "5/134" الجزء الأول فقط وذكره ابن كثير في البداية والنهاية "7/320" بلفظ "ولمن فارقكم فاز بالسهم الأصيب".

(2/153)


أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا الدقيقي أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا قَيْسٌ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ1 عَنْ أَبِي ظِبْيَانَ عَنْ عَلِيٍّ.
يُقَالُ مثت الشيء أميثه وأموثه إذا ذقته وأذبته في ماء أو نحوه وانماث الشيء وتميث إذا ذاب.
وقيل لأعرابي من عذرة ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير تنماث كما ينماث الملح في الماء أما تجلدون فَقَالَ إنا ننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها. وَقَالَ الشاعر:
ولقد نضحت مليلتي فتميثت ... عَنْ آل عتاب بماء بارد
وَقَوْلُهُ: من فاز بكم فاز بالقدح الأخيب أي بالخائب الَّذِي لا نصيب له من قداح الميسر2. وقال أبو عمرو بن العلاء تقول العرب ذهب فلان في الأخيب ووقع في الخيباء أي في الخيبة والقداح التي لا نصيب لَهَا في الميسر ثلاثة المنيح والسفيح والوغد وأما القداح التي لها أنصباء معلومة فهي سبعة.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن نافع أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي أخبرنا أَبُو الوليد الأزرقي قَالَ أعظم القداح قدرا [60] عندهم المعلى وفيه سبعة فروض ثم المسبل وفيه ستة فروض ثم / الحلس وفيه خمسة فروض ثم النافس وفيه أربعة فروض ثم الضريب وفيه ثلاثة فروض ثم التوأم وفيه فرضان ثم الفذ وفيه فرض واحد وهو أدناها عندهم.
قَالَ وَقَالَ عروة بن الورد العبسي يمدح الربيع بن زياد وإخوته من
__________
1 ح: "أبو حصين" كزبير.
2 مثل ذكره أبو عبيد "182" والميداني "2/302" والزمخشري "2/358".

(2/154)


بني عبس وأمهم فاطمة بنت الخرشب فذكر القداح السبعة:
هو السيد المعلوم لابنه خرشب ... مجير المنايا والمجير على الحرم
أتت بالمعلى وهو أول سورة ... وبالمسبل الثاني وبالحلس والتؤم
وجاءت بفذ والضريب ثلاثة ... وبالنافس المعلوم في الكف والقدم1
وقد يسمى الضريب الرقيب أيضا وهذا مثل ضربه علي لأصحابه لما رأى من استعصائهم عليه وقلة مواتاتهم له يقول لا حظ لي في صحبتكم كما لا حظ لصاحب الميسر في القدح الخائب من قداحه.
__________
1 لم أقف على الأبيات في ديوان عروة ط بيروت سنة 1964 ولا شعراء النصرانية "القسم الرابع.

(2/155)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ إِذَا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَدَتِ الشَّيَاطِينُ بِرَايَاتِهَا فَيَأْخُذُونَ النَّاسَ بِالرَّبَائِثِ فَيُذَكِّرُونَهُمُ الْحَاجَاتِ1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بن إبراهيم بن مالك أخبرنا الدغولي أخبرنا أحمد بن سيار أخبرنا هشام بن عمار أخبرنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ حَدَّثَنِي عَطَاءُ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ أُمِّ عُثْمَانَ وَهِيَ مَوْلاةُ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَلِيًّا يَقُولُهُ.
الربائث جمع ربيثة وهي كالعلة تعرض فتحبس الإنسان عَنْ حاجته.
يُقَالُ ربثت الرجل عَنِ الحاجة إذا حبسته عنها أربثه ربثا والربيثى على وزن الهجيرى ما يخدع به الرجل عَنْ حظه ويصرف به وجهه عن قصده.
__________
1 الفائق "ربث" "2/29" والنهاية "ربث" "2/182".

(2/155)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى طَلْحَةَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَهُوَ صَرِيعٌ فَقَالَ: "أَعْزِزْ عَلَيَّ أَبَا مُحَمَّدٍ أَنْ أَرَاكَ مُجَدَّلا تَحْتَ نُجُومِ السَّمَاءِ

(2/155)


إِلَى اللَّهِ أَشْتَكِي عُجَرِي وَبُجَرِي"1.
حدثنا أحمد بن عبدوس أخبرنا محمد بن يونس الكديمي أخبرنا محمد بن عباد المهلبي أخبرنا هشيم عن مخالد عَنِ الشَّعْبِيِّ.
قوله مجدلا أي صريعا مطرحا يُقَالُ جدلت الرجل فانجدل قَالَ الشاعر:
لكن ترى رجلا في إثره رجل ... فقد غادروا رجلا بالقاع منجدلا
ويقال إن التجديل مشتق من الجدالة وهي وجه الأرض فإذا قيل جدلت الرجل كان معناه ضربته بالجدالة.
وأخبرني أبو عمر أنبأنا أبو موسى عَنْ أَبِي العَبَّاس ثعلب قَالَ يُقَالُ حطأت بفلان الأرض وردست وكدست ولطست وحبجت ولبجت وحثأت ولثأت وحدست وعدست كله بمعنى واحد.
وأخبرنا محمد بن المكي أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ناابن أخي ابن وهب أخبرنا عمي أخبرنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ هِلالٍ السُّلَمِيُّ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: "إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ وَسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ وَبِشَارَةُ عِيسَى وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي وَقَدْ خَرَجَ لَهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ" 2.
قوله وآدم منجدل في طينته أي مطروح على وجه الأرض صورة من طين لم تجر فيه الروح بعد.
__________
1 ذكره ابن كثير في البداية والنهاية "7/248" بلفظ "يعز علي أن أراك مجدولا".
2 أخرجه أحمد في مسنده "4/127, 128".

(2/156)


وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فِي قِصَّةِ آدَمَ وَبَدْءِ خَلْقِهِ.
/ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا الحسن بن سفيان أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى بن [61] يحيى الغساني أخبرنا أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمِ الأَنْبِيَاءُ قَالَ "مِائَةُ أَلْفٍ وَعِشْرُونَ أَلْفًا" قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمِ الرُّسُلِ مِنْ ذَلِكَ قال "ثلثمائة وثلاثة عشرة جَمًّا غَفِيرًا" فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَوَّلُهُمْ قَالَ "آدَمُ" قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَبِيُّ مُرْسَلٌ قَالَ "نَعَمْ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ثم سواه قبلا1" وفي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ فإنه يريد والله أعلم أَنَّهُ خلقه فسواه ثم نفخ فيه الروح. وفي الكلام تقديم وتأخير يدل على ذلك.
قوله: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} 2 ومثل هذا في التقديم والتأخير قوله: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} 3 المعنى أني رافعك ثم متوفيك
وَقَوْلُهُ "قبلا" إذا كسرت القاف كان معناه المقابلة والعيان وكذلك قبلا يُقَالُ لقيت فلانا قبلا وقبلا أي مقابلة وإذا فتحت القاف والباء كان معناه الاستقبال والاستئناف وقد قرىء قوله "أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قِبَلا وَقُبُلا"4 ويقال لا آتيك إلى عشر من ذي قبل أي إلى عشر فيما استأنف،
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "5/178", 179, 266". بنحوه كذلك أبو دبو داود الطيالسي في مسنده كما في منحه المعبود "2/31, 81" وذكره الهيثمي في مجمعه "1/158 – 159 – 196" وفي "8/210" بألفاظ متقاربة, وانظر المطالب العالية "3/112, 269".
2 سورة السجدة: "9".
3 سورة آل عمران: "55".
4 سورة الكهف "55" وانظر كتاب عن وجوه القراءات السبع "2/74".

(2/157)


ويقال رأيت الهلال قبلا أي أول ما يرى.
وقد روي من علامات الساعة أن يرى الهلال قبلا1 وهذا كما جاء من أشراط الساعة أن نرى الهلال لليلته فيقال هذا ابن ليلتين2 وكما جاء من أشراطها انتفاخ الأهلة3 وكلها متقاربة ومعنى الحديث على الوجه الأول وهو إذا رويته قبلا بكسر القاف إن اللَّه جل وعز خلقه بيده تخصيصا له بالكرامة من غير أن يولي أمره أحدا من ملائكته فيكون أسوة ولده كما قَالَ في قصة عيسى {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} 4. وكما روي أن اللَّه إذا أراد خلق ابن آدم بعث ملكا فيكتب خلقه ورزقه وعمره ثم يقول يا رب أشقي أم سعيد5 يقول فلم يكن خلق آدم على هذا المعنى لكن تناولته الخلقة قبلا من غير تقديم سبب أو توسيط ملك أو غيره تخصيصا بالكرامة وتفضيلا له على ولده وعلى نحو من هذا يتأول قوله: "خلق اللَّه آدم على صورته" 6 يريد والله أعلم أَنَّهُ خلقه بشرا سويا على صورته تلك لم تشتمل عليه الأرحام ولم تتناقله الأحوال من صغر إلى كبر ومن نقص إلى تمام
__________
1 النهاية "قبل" "4/8".
2 ذكره الهيثمي في مجنعه "7/325" عن أنس بن مالك وعزاه للطراني في الصغير والأوسط وفي "3/146" عن أبي هريرة وعزاه للطبراني في الصغير.
3 ذكره الهيثمي في مجمغه "3/146" عن أبي هيريرة للطبراتي وعزاه للطبراني في الصغير.
4 سورة مريم: "17".
5 أخرجه البخاري في مواضع منها في بدء الخلق "4/135" والقدر "8/153" ومسلم في القدر "4/2036" وغيرهما.
6 أخرجه مسلم في البر "4/2017" وفي الجنة "4/2183" وأحمد في مسنده "2/244, 251, 315" وغيرهما.

(2/158)


وَقَوْلُهُ "جما غفيرا" كلمه معناها الوفور والكثرة وفيها ثلاث لغات يُقَالُ جاء القوم جما غفيرا وجماء الغفير والجماء الغفير حكاها لنا أَبُو عُمَر وذكر مناظرة جرت بين أبوي عباس فيها وفي الاعتلال لها والاحتجاج لإلزامها النصب من الإعراب.
قَالَ أَبُو عُمَر قَالَ البصريون ومن يقول بالاشتقاق الجماء مشتقة من قولهم بئر جمة أي كثيرة الماء والغفير مأخوذ من الغفر وهو الستر قالوا: ومنه سمي المغفر وذلك لأنه يغطي الرأس ويستره قالوا: والمعنى أنهم لكثرتهم يغطون وجه الأرض.
وأما قوله: / دعوة إبراهيم فهي قوله: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ} 1 [62] وبشارة عيسى قوله {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} 2
وَقَوْلُهُ عجري وبجري أي ما أبصره وأكتمه من أمري وهو قول سائر في أمثال العرب3. يُقَالُ لقى فلان فلانا فأبثه عجره وبجره. وقَالَ الكديمي في الحديث قلت للأصمعي ما عجري وبجري فَقَالَ همومي وأحزاني.
ويروى عن علي أنه مر يوم الجمل بمحمد بن طلحة قتيلا فَقَالَ هذا الَّذِي قتله بره بأبيه.
__________
1 سورة البقرة: "129".
2 سورة الصف: "6".
3 اللسان "بجر عجر" جمهرة الأمثال "1/448" مجمع الأمثال "1/237" المستصفى "1/93" ونص المثل "أخبرته بعجري وبجري".

(2/159)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَعْيَانَ بَنِي الأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي العلات1.
أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا عبد الجبار أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ.
أعيان بني الأم هم الإخوة لأب واحد وأم وبنو العلات الإخوة لأب واحد وأمهات شتى وهو أن يموت الرجل ويترك إخوة لأبيه وأمه وإخوة لأبيه فالمال للإخوة من الأب والأم دون الإخوة للأب قَالَ أوس بن حجر:
وهم لمقل المال أولاد علة ... وإن كان محضا في العمومة مخولا2
وَقَالَ الكميت:
وكان يُقَالُ إن بني نزار ... لعلات فأمسوا توأمينا3
ويقال: إنما سميت ضرة المرأة علة لأنها تعل بعد صاحبتها أي ينتقل الزوج من إحداهما إلى الأخرى كالعلل في الشرب بعد النهل فإذا كان الإخوة لأم واحدة وآباء شتى فهم الأخياف لاختلاف أصولهم.
والخيف أصله في الخيل وهو أن يكون الفرس إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء. يُقَالُ فرس أخيف ويقال لأوشاب الناس أخياف قَالَ الشاعر:
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/249" والترمذي في الفرائض "4/416" وابن ماحة كذلك في الفرائض "2/915" والبهيقي في سننه "6/232" مع تفسير أعيان بني الأم.
2 الديوان "91" وشعراء النصرانية "4/496".
3 شعر الكميت "2/646".

(2/160)


الناس أخياف وشتى في الشيم ... وكلهم يجمعهم بيت الأدم1
__________
1 اللسان والتاج "أدم".

(2/161)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ تِلْعَابَةُ فَإِذَا فَزَعَ فَزَعَ إِلَى ضِرْسٍ حَدِيدٍ1.
حدثت به عن المطين أخبرنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عمرو الْقُرَشِيِّ عَنْ عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ كَذَلِكَ قَالَهُ عُثْمَانُ.
وَقَالَ غيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عياش.
قوله تلعابة من اللعب يريد أنه كان حسن الخلق يمزح ويلعب إذا خلا في خاصته قَالَ العجير يمدح رجلا: وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ تِلْعَابَةُ فَإِذَا فَزَعَ فَزَعَ إِلَى ضِرْسٍ حَدِيدٍ2.
حدثت به عن المطين أخبرنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عمرو الْقُرَشِيِّ عَنْ عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ كَذَلِكَ قَالَهُ عُثْمَانُ.
وَقَالَ غيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عياش.
قوله تلعابة من اللعب يريد أنه كان حسن الخلق يمزح ويلعب إذا خلا في خاصته قَالَ العجير يمدح رجلا:
هو الظفر الميمون إن راح أو غدا ... به الركب والتلعابة المتحبب2
ويقال رجل تلعابة مثل تقوالة وتلعابة مشددة والهاء تزاد في مثل هذه الأسماء للمبالغة في النعت.
ويروى عَنْ علي أَنَّهُ قَالَ زَعَمَ ابْنُ النَّابِغَةِ أَنِّي تِلْعَابةٌ أُعافِسُ وَأُمَارِسُ هَيْهَاتَ يَمْنَعُ مِنَ الْعِفَاسِ وَالْمِرَاسِ خَوْفُ الْمَوْتِ وَذِكْرُ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ ومَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ فَفِي هَذَا عَنْ هَذَا واعظ وزاجر.3
وقد فسرنا هذا فيما تقدم من الكتاب.
__________
1 الفائق "لعب" "3/319" والنهاية "تلعب" "1/1195" وفي "لعب" "4/253" وفي "ضرس" "3/83" بلفظ "فَإِذَا فَزَعَ فَزَعَ إِلَى ضِرْسٍ حديد".
2 اللسان والتاج "ظفر" وجاء في اللسان: رجل مظفر وظفر وظفير: لا يحاول أمرا إلا ظفر به.
3 الفائق "لعب" "3/319" والنهاية "تلعب" "1/194".

(2/161)


ويقال في هذا المعنى رجل لعبة بفتح العين إذا كان كثير التلعب والتمرس بالناس فإذا كان يتلعب به الناس ويولعون بمداعبته فهو لعبة ساكنة العين.
[63] وَقَوْلُهُ ضرس من حديد فإن الضرس من الرجال الصعب الخلق يُقَالُ رجل ضرس / إذا كان زعر1 الخلق ومكان ضرس إذا كان خشنا يعقر قوائم الدواب. ومنه قول دريد بن الصمة يوم حنين نعم مجال الخيل لا حَزْنٌ ضَرِسٌ ولا سَهْلٌ دهس2.
ويقال ناقة ضروس وهي التي تمتنع عَنِ الحالب وتعضه عند الحلب.
ورواه بعضهم فإذا فَزَعَ فَزَعَ إِلَى ضِرْسٍ حَدِيدٍ على إضافة الضرس إلى الحديد كأنه يريد واحد الأضراس أو واحد الضروس وهي الآكام الخشنة ذوات الحجارة أي كأنه جبل من حديد.
وقد توهم من لا يبصر وجوه الكلام ولا يضع الأمور مواضعها أن هذا القول من واصفه طعن عليه وإزراء به وتعلق مع ذلك بقول عُمَر وقد سئل عنه للخلافة فَقَالَ: "لولا دعابة فيه"3. والأمر في ذلك بحمد اللَّه على خلاف ما توهمه ولم يذهب عُمَر في هذا إلى أن يعيبه بالمزاح وإنما أراد أن السائس قد يحتاج في سياسته إلى نوع من الشدة والغلظة ليخافه أهل الريبة وأن من هش لعامة الناس ولان جانبه لهم قلّت هيبته في صدورهم
وقد قيل من مرح استخف به وإنما هذا كقوله إن هذا الأمر لا يصلح له
__________
1 القاموس "زعر" زعر الخلق: سيئ الخلق.
2 ذكره ابن كثير في السيرة النبوية "3/611".
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/448" بلفظ "مزاحة" بدل "دعاية" وذكره المتقي في كنز العمال "5/737".

(2/162)


إلا الشديد في غير عنف اللين فِي غير ضعف وكان علي رضي اللَّه عنه يوصف ببعض الفكاهة وهو أن يكون الإنسان فكه الحديث حلوه. والأصل في هذه الكلمة الإعجاب.
قَالَ الفراء معنى قوله: {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} 1 معجبين بما آتاهم ربهم.
ويقال: فكه الرجل وتفكه إذا تعجب وأنشد:
ولقد فكهت من الذين تقاتلوا ... يوم الخميس بلا سلاح ظاهر2
وَقَدْ وُصِفَ رَسُولُ اللَّهُ بِأَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ وَكَانَ يَقُولُ: "إِنِّي لأَمْزَحُ وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا" 3 فَكَيْفَ يُعَابُ عَلِيٌّ بِشَيْءٍ نُعِتَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ بعض العلماء كان علي قد علق من أخلاق رسول اللَّه وطيب كلامه فكان إذا خلا مع صاغيته4 مزح وانبسط وإذا رأى العدو قطب وعبس قَالَ وأنشدنا ابْنُ الأعرابي في نحو هذا يمدح رجلا:
يتلقى الندى بوجه صبيح ... وصدور القنا بوجه وقاح
فبهذا وذا تتم المعالى طرق ... الجد غير طرق المزاح
وسئل بعض السلف عَنْ مزح الرسول عليه السلام فَقَالَ كانت له مهابة فكان يبسط الناس بالدعابة.
__________
1 سورة الطور: "18".
2 الجمهرة "3/474" ولم يعز.
3 ذكره المبقي في كنز العمال "7/140" بلفظ: "كان فيه دعابة قليلة" وعزاه للخطيب وابن عساكر عن ابن عباس.
4 القاموس "صغا" صاغيتك: الذين يميلون إليك في حوائجهم.

(2/163)


وأخبرنا ابن الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا أبو معاوية أخبرنا الأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ إِذَا سَمِعْتُمُونِي أُحَدِّثُ عَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ غَيْرِهِ فإنما أنبأنا رَجُلٌ مُحَارِبٌ وَالْحَرْبُ خِدْعَةٌ1.
يريد أن الخداع في الحرب جائز ومعناه أن يظهر الرجل من أمره خلاف ما يضمره يريد بذلك أن يلبس أمره على عدوه لئلا يفطن لعوراته وَأَصْلُ الْخَدْعُ السِّتْرُ وَالإِخْفَاءُ. وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَيْتُ الَّذِي يُخَبَّأُ فِيهِ الْمَتَاعُ مَخْدَعًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْحَرْبُ خَدْعَةٌ".
[64] أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ / الْعَطَارِدِيُّ أخبرنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ نُعَيْمٌ رَجُلا نَمُومًا2 فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنَّ يَهُودَ بَعَثَتْ إِلَيَّ إِنْ كَانَ يُرْضِيكَ أَنْ نَأْخُذَ رِجَالا رَهْنًا مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطْفَانَ فَنَدْفَعُهُمْ إِلَيْكَ فَنَقْتُلُهُمْ" فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَرْبُ خَدْعَةٌ" 3.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ النَّوَّاسِ بْنُ سَمْعَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُلُّ الْكَذِبِ يُكْتَبُ عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلا ثَلاثٌ الرَّجُلُ يَكْذِبُ أَهْلَهُ يُرْضِيهَا وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا وَالرَّجُلُ يَكْذِبُ فِي الْحَرْبِ" 4.
__________
1 أخرجه البخاري في المناقب "4/244" وكذلك في الاستتابة "9/21" وأبو داود في السنة "4/244" وأحمد في مسنده "1/131, 134".
2 القاموس "نم" النم: رفع الحديث إشاعة له وإفسادا وتزيين الكلام بالكذب ينم وينم فهو نموم ونمام ومنم ونم.
3 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة "83, 84".
4 ذكره الهيثمي في مجمعه "8/81" وعزاه للطبراني.

(2/164)


فأما ما أبيح من كذب الرجل لأهله فهو مثل أن يقول لها إني لأحبك وإنك لمن أعز أهلي ونحو هذا من كلام الاستمالة ومثل أن يمنيها ويعدها يطيب نفسها بذلك.
وَأَمَّا الْكَذِبُ فِي الإِصْلاحِ بَيْنَ الاثْنِينِ فَهُوَ أَنْ يُرَقِّقَ الْقَوْلَ لَهُمَا وَيُنَمِّي الْجَمِيلَ إِلَى كُلَّ وَاحَدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ مِنْهُ يَسْتَعْطِفُ بِهِ قُلُوبَهُمَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليْسَ بِالْكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَّى خَيْرًا".1
وأما الكذب في الحرب فقد تقدم بيانه وإنما أبيح ذلك لأنه من باب المكيدة في الحرب للإبقاء على النفس وقد أرخص اللَّه للمسلم إذا أكره على الكفر أن يعطى الفتنه بلسانه ويتكلم بها على التقية ذبا عَنْ مهجة نفسه ومحاماة على روحه.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وهاهنا أمور متقاربة في ظاهر الاسم متباينة في المعنى والحكم منها الغدر والفتك والمكر والكيد والغيلة فالغدر محرم في الحرب وغيرها وهو أن يؤمن الرجل ثم يغدر به فيقتله ومثله الفتك وقد جاء قيد الإيمان الفتك والمكر محرم في كل حال والكيد مباح في الحرب.
وأما الغيلة فهو أن يخدع الرجل فيخرجه من المصر إلى الجبانة2 أو من العمارة إلى الخراب فإذا خلا معه وثب عليه فقتله
__________
1 أخرجه البخاري في الإصلاح بين الناس "3/240" عن أم كلثوم بنت عقبة ومسلم في البر "4/2011" وعبد الرزاق في مصنفه "11/158" وأبوداود في الأدب "4/280" والترمذي في البر والصلة "4/331" وأحمد في مسنده "6/403, 404" وذكره الهيثمي في مجمعه "8/80 – 81" بهذا اللفظ عن شداد بن أوس وعزاه في الكبير والأوسط.
2 القاموس "جبن" الجبانة: المقبرة والصحراء.

(2/165)


وفي قوله "الحرب خدعه" ثلاث لغات أعلاها خدعة بفتح الخاء. سمعت ابن الأعرابي يذكر عَنِ ابن أبي مسرة عَنِ الحميدي عَنْ سفيان عَنْ عمرو بن دينار قَالَ أهل العربية يقولون خدعة بالنصب.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو رجاء الغنوي أنبأنا أَبُو العباس ثعلب قَالَ الحرب خدعة بلغنا أنها لغة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ بعض أهل اللغة معنى الخدعة المرة الواحدة أي من خدع فيها مرة لم يقل العثرة بعدها.
وروى يعقوب عَنِ الكسائي وأبي زيد خدعة وخدعة ويقال إن الخدعة إنها تخدع الرجال وتمنيهم الظفر ثم لا تفي لهم.

(2/166)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ امْرَأَةً وَطِئَتْ صَبِيًّا مُوَلَّدًا فَشَدَخَتْهُ فَشَهِدَتْ نِسْوَةٌ عِنْدَهُ أَنَّهَا قَتَلَتْهُ فَأَجَازَ شَهَادَتَهُنَّ فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: إِنِّي خُدِعْتُ فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ مِثْلُ الْعَقْرَبِ تَلْدَغُ وَتَصِيءُ1.
حَدَّثَنِيهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بن محمد أنبأنا ابن الجنيد أخبرنا سويد أنبأنا عبد الله عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي طَلْقٍ أَنَّ امْرَأَةً حَدَّثَتْهُ بِذَلِكَ.
[65] قوله: تصيء: أي تضج وتجزع يُقَالُ: صأت العقرب تصئي صئيا وكذلك / الفأر. وأكثر صغار الطير وكذلك صغار السباع. قَالَ العجاج وذكر الكلاب والثور:
لهن من شباته صئي2
__________
1 الفائق "صيأ" "2/324" والنهاية "صيأ" "3/64" وهو مثل ما أورده العسكري "2/423" والميداني "1/121" والزمخسري "2/31" واللسان "صأى, صيأ".
2 الديوان "333".

(2/166)


يريد بالشباة قرن الثور وفيه لغة أخرى وهي صأت على وزن رأت ويقال جاء فلان بما صأى وسكت1 أي بما نطق وسكت. قَالَ الراجز:
مالي إذا أجذبها صأيت ... أكبر قد غالني أم بيت2
يريد بالبيت المرأة.
وأنشدني أَبُو عُمَر عَنْ أَبِي العباس ثعلب:
لم يختر البيت على التعزب ... ولا اعتناق رجله عَنْ موكب
فهو ممر كمقاط القنب
وَقَالَ بعض أهل العلم في قوله {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} 3 أراد النهي عَنْ إتيان النساء في أدبارهن.
وَقَالَ الفراء العقرب تنق نقيقا بمعني تصئي صئيا وأنشد لجرير:
كأن نعيق الحب في حاويائه ... فحيح الأفاعي أو نقيق العقارب4
وإنما قبل شهادتهن في القتل لأن الصبي كان مملوكا فلم يجب بالشهادة غير المال ولو كانت الجناية موجبة للقصاص لم تقبل شهادتهن.
__________
1 مثل أورده أبو عبيد "187" والضبي "66" والعسكري "1/320" والزمخشري "2/42" واللسان "صأى".
2 اللسان "بيت" و"صأى" برواية "أكبر غيري أم بيت" قال: والبيت: التزويج, عن كراع.
3 سورة البقرة: "189".
4 الديوان "68" برواية "نقيق الأفاعي" والحاوياء ما انقبض من الأمعاء.

(2/167)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أن سويد بن غفلة قَالَ دخلت عليه يوم عيد فإذا عنده فاثور عليه خبز السمراء وصحفة فيها خطيفة وملبنة1.
حدثني أَبُو عُمَرَ أَخْبَرَنَا ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ قَالَ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ عِيدٍ وَخَطِيفَةٍ فَقَالَ إِنِّمَا هَذَا عِيدُ مَنْ غُفِرَ لَهُ.
قَالَ أَبُو عُمَر: الفاثور: الخوان, وخبز السمراء: خبز الخشكار, والخطيفة: الكبولاء2.
وَقَالَ غيره: الخطيفة: لبن يوضع على النار ثم يذر عليه دقيق ثم يطبخ. ويقال: إنما سميت خطيفة لأنها تختطف أي تستلب بالملاعق استلابا في سرعة.
ومن هذا قول عائشة في الرضاع: لا تحرم الخطفة ولا الخطفتان3 والملبنة: الملعقة.
__________
1 الفائق "فثر" "3/89" والنهاية "فثر" "3/412" وفي "خطف" "2/49".
2 في التاج "فثر" الفاثور: بالمثلثة: الخوان من رخام أو فض أو ذهب وعم بعضهم به جميع الأخونة, وخص الأزهري: فقال: وأهل الشام يتخذونه من رخام يسمونه الفاثور وفي الوسيط "1/235" الخشكار: الخير الأسمر غير النقي.
3 أخرجه التسائي في النكاح "6/102".

(2/168)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً سِيَرَاءَ فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيَّ فَلَبِسْتُهَا فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ وقال إني أُعْطِكَهَا لِتَلْبِسَهَا وَأَمَرَ بِهَا فَأَطَرْتُهَا بين نسائي1.
__________
1أخرجه أبو داود في اللباس "4/47" والنسائي في الزينة "8/197" وأحمد في مسنده "1/90, 139, 153".

(2/168)


أخبرناه ابن الأعرابي أخبرنا الزعفراني أخبرنا عفان أخبرنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ الْحَنَفِيَّ يَذْكُرُهُ عَنْ عَلِيٍّ.
قوله أطرتها بين نسائي أي قسمتها شققا بينهن. قال الشاعر:
كأن فؤادي يوم جاء نعيها ... ملاءة قز بين أيد تطيرها1
أي تشققها ويقال في القسمة طار لفلان السهم الأول ولفلان السهم الثاني أي صار قَالَ الشاعر:
فما طار لي في السهم إلا ثمينها2
أي ثمنها ومنه أخذ التطير وهو أخذ الطائر والحظ من الشيء الَّذِي يعرض لك.
قال أبو عبيدة الطائر عِنْدَ العرب الحظ وهو الَّذِي تسميه العوام البخت. قَالَ غيره ومن هذا قولهم [66] / طير اللَّه لا طيرك, ويقال أيضا طائر اللَّه لا طائرك أي فعل اللَّه وحكمه لا فعلك وما يتخوفه منك.
ومن هذا الباب حديث رويفع بن ثابت الأنصاري.
أخبرناه ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ3 أخبرنا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيُّ أَنَّ شِيَيْمَ بْنَ بَيْتَانَ أَخْبَرَهُ عَنْ شَيْبَانَ الْقِتْبَانِيِّ أَنَّ رُوَيْفِعَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: إِنْ كَانَ أَحَدُنَا فِي زمان رسول
__________
1 الفائق "سير" "2/215".
2 اللسان "ثمن" برواية "فما صار في القسم إلا ثمنها" وصدره "وألفيت سهمي وسطهم حين أوحسوا" وعزي ليزيد بن الطثرية وجاء في مادة "وخش" وجاء قبله: "أرى سبعة يسعون للوصل كلهم" والبيت في الديوان "105".
3 في سنن أبي داود "1/9" يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الله بن موهب الهمداني.

(2/169)


اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليأخذ نضو أخيه على أن لَهُ النِّصْفُ مِمَّا يَغْنَمُ وَلَهُ النِّصْفُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَطِيرُ لَهُ النَّصْلُ وَالرِّيشُ وَلِلآخَرِ الْقَدَحُ يَطِيرُ لَهُ1. معناه يخصه ويصيبه.
وفيه من الفقه أن الشيء إذا احتمل القسمة وطلبها بعض الشركاء قسم له بينهم مادام الشيء الَّذِي يصيبه من ذلك ينتفع به وإن قل وفيه حجه لمن أجاز شركة الأبدان.
فَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّذِي يَرْوِيهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ أُكَيْدَرَ دَوْمَةَ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً سِيَرَاءَ وَأَعْطَاهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَتُعْطِينِي هَذِهِ الْحُلَّةَ وَقَدْ قُلْتَ أَمْسَ فِي حُلَّةِ عَطَارِدَ مَا قُلْتَ إِنِّمَا يَلْبِسُ هَذِهِ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبِسَهَا وَلَكِنْ لِتُعْطِيهَا بَعْضَ نِسَائِكَ يَتَّخِذْنَهَا طُرَّاتٍ بَيْنَهُنَّ" 2 فَمَعْنَاهُ يَقْطَعْنَهَا وَيَتَّخِذْنَهَا خُمُرًا وَأَصْلُ الطُّرِ الْقَطْعُ وَبِهِ سُمِّيَ الطَّرَّارُ ومنه اشتقت طرة الشعر وذلك لأنها مطرورة أي مقطوعة من جملة الشعر كما اشتقت القصة من القص.
__________
1 أخرجه أبو داود في الطهارة "1/9 – 10".
2 أخرجه البخاري في البيوع "3/83" والحميدي في مسنده "2/299" وأبو داود في اللباس "4/47" والنسائي في الزينة "8/198, 200" كلهم بدون ذكر أكيدر دومة, وبدون تقسيمها بين نسائه. وذكره بعضه ابن الأثير في أسد الغابة "1/135" والحافظ في الإصابة "1/125".

(2/170)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ رَأَيْتُهُ يَوْمَ بدر وهو يقول:
بازل عامينإ حَدِيثٌ سِنِّي ... سَنَحْنَحُ اللَّيْلِ كَأَنِّي جِنِّي
لِمِثْلِ هَذَا وَلَدَتْنِي أُمِّي1
__________
1 ذكره المتفي في كنز العمال "10/411" وعزاه لأبي نعيم في المعرفة.

(2/170)


وَيُرْوَي سَمَعْمَعٌ كَأَنَّنِي مِنْ جِنٍّ.
حدثناه أحمد بن عبدوس أخبرنا الكديمي أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْمُعَلَّى القردوسي1 أخبرنا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ.
قوله بازل عامين أصله في أسنان الإبل وهو أن البعير إذا تم له ثمان سنين قيل له بازل عام ثم بازل عامين وذلك حين يتم سن شبابه وتكمل قوته ثم يأخذ بعد ذلك في النقصان فتمثل به علي وأراد أَنَّهُ مستجمع الشباب مستكمل القوة كذلك.
ويقال شاب حديث السن فإذا لم يذكر السن قالوا: حدث.
وسنحنح من السنوح يريد أَنَّهُ ابن ليل يسري فيه ولا ينام والسمعمع السريع الخفيف ويوصف به الذئب لسرعته وهو من الرجال اللطيف الرأس أيضا.
__________
1 المشتيه "2/505" محمد بن الحسن القردوسي.

(2/171)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ وَهُوَ يَتَقَلْقَلُ وَكَانَ كَيِّسَ الْفِعْلِ1.
حُدِّثْتُ بِهِ عَنِ الْمُطَيِّنِ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُلَمِيِّ قَالَ الْحَضْرَمِيُّ وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ بِإِسْنَادٍ لَهُ فَقَالَ يتفلفل بالفاء أما التقلقل بالقاف / فمعناه الخفة والإسراع ويقال فرس قلقل أي سريع وأما يتفلفل بالفاء فمعناه يمشي مشية المتبختر. [67]
__________
1 الفائق "فلفل" "3/140" والنهاية "فلفل" "3/471".

(2/171)


قَالَ ابن الأعرابي: يُقَالُ: تفلفل الرجل إذا تبختر ومثله تفيأ وتأطر قَالَ عُمَر بن أبي ربيعة:
خرجت تأطر في الثياب كأنها ... أيم يسيب علا كثيبا أهيلا1
قَالَ ابن الأعرابي فأما الحديث الَّذِي يرويه عَبْد خير عَنْ علي أَنَّهُ خرج وقت السحر وهو يتفلفل فسأله عَنِ الوتر فَقَالَ نعم ساعة الوتر هذه2 فمعناه يستاك يُقَالُ جاءنا فلان متفلفلا إذا جاء والمسواك في فيه يشوصه به.
وَقَوْلُهُ كيس الفعل يريد حسن شكل الفعل والكيس من الأمور3 يجري مجرى الرفق فيها.
__________
1 الديوان "332" برواية "على كثيب أهيلا".
2 ذكره الهيثمي في مجمعه "2/245, 246" بدون "يتفلفل" وانظر كنز العمال "8/65".
3 ح: "والكيس في الأمور".

(2/172)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: "كَلِمَةُ الزُّورِ وَالَّذِي يَمُدُّ بِحَبْلِهَا فِي الإِثْمِ سواء".
من حديث أبي لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن عبد الله بْنِ زُرَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ.
يريد أن الَّذِي يحكى كلمة الزور وينميها كقائلها في الإثم ويقال الرواية أحد الكاذبين1.
__________
1 لم أجد بهذا اللفظ وقد أخرجه الترمذي في العلم "5/36, 37" بلفظ: "من حدث عني حديثا وهو يرى إنه كذب فهو أحد الكاذبين" وكذلك ابن ماجة في المقدمة "1/15" وأحمد في مسنده "5/14, 20".

(2/172)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ وَعَظَ رَجُلا فِي صحبة رجل زهق1.
حدثناه عبد الله بن شاذان الكراني أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا المنقري أخبرنا الأصمعي أخبرنا سَلَمَةُ بْنُ بِلالٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ هَكَذَا قَالَ الْكُرَانِيُّ زهق بالزاي وهو غلط والصواب رهق بالراء وهو السفيه المستخف بدينه والرهق السفه قَالَ أَبُو طالب يذم أبا جهل:
ومخزوم أقل القوم حلما ... إذا طاشت من الرهق الحلوم
وَقَالَ الأعشى:
من ليس فيه إذا قاولته رهق ... وليس فيه إذا عاسرته عسر2
قَالَ الأصمعي: يُقَالُ فلان يرهق في دينه وذلك إذا أثني3 عليه قله ورع. ويقال فلان فيه رهق إذا كان فيه غشيان للمحارم واستخفاف بدينه.
__________
1 الفائق "رهق" "2/95" والنهاية "رهق" "2/284".
2 لم أقف عليه في ديوانه طبعتي بيروت والنموزحية بالقاهرة.
3 القاموس "ثنى" والتثنية: وصف بمدح أو ذم, أو خاص بالمدح وقد أثنى عليه وثنى.

(2/173)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا غَلَبَ عَلَى الْبَصْرَةِ قَالَ أَصْحَابُهُ بِمَ تُحِلُّ لَنَا دِمَاؤُهُمْ وَلا تُحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ فَسَمِعَ بِذَلِكَ الأَحْنَفُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنَّ أَصْحَابَكَ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لأَيْمُ اللَّهِ لأُتَيِّسَنَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ1.
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ. قوله لأتيسنهم معناه لأردنهم عَنْ ذلك ولأبطلن قولهم وأراه مشتقا ومبنيًا من قولهم تيسي وهي كلمة للعرب تقولها تريد بها إبطال الشيء والتكذيب به. ومن هذا حديث أبي أيوب في قصة الغول تيسي جعار2 يريد إبطال ما جاءت به من كيدها.
ومن أمثال العرب في الرجل يتكلم بكلمة حمق احمقي وتيسي3 هكذا أصل المثل على خطاب التأنيث لأن أول من قيل له هذا المثل امرأة
__________
1الفائق "يمن" "4/129" والنهاية "تيس" برواية "لأتيسنهم" بفتح الهمزة وكسر التاء.
2النهاية "1/202" وهو مثل أورده مجمع الأمثال "1/140".
3المستقصى "1/86".

(2/175)


فنقل على وجهه يريد إنك عندي. بمنزلة التي قيل لها ومثله أطري إنك ناعلة1.
وَقَالَ أَبُو زيد يُقَالُ احمقي وتيسي للرجل إذا تكلم بحمق أو بما لا يشبه شيئا. وقَالَ ابن السكيت العرب تشتم المرأة فتقول لها قومي جعار تشبه بالضبع ويقولون لها تيسي جعار واذهبي لكاع.
وَقَالَ غيره إنما قيل للضبع جعار بمعنى جاعرة وذلك لأنها متلوثة بجعرها فلما كان هذا صفة لازمة جعل اسما من أسمائها والعرب تقول أفسد من جعار2 وأعيث من جعار3 وهي أعيث السباع إذا وقعت في غنم لم تبق قَالَ الشاعر:
فقلت لها عيثي جعار وأبشري ... بلحم امرىء لم يشهد اليوم ناصره4
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ في تفسير هذه الكلمة عندي نظر وقد سمعت قوما من المولدين يقول في الماء إذا احتبس في مكان وتحير فيه قد تتيس الماء ولست أدري ما صحته.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ بِصَحِيفَةٍ فِيهَا لا تَأْخُذَنَّ مِنَ الزُّخَّةِ ولا النخة شيئا5
__________
1 اللسان "طرر" جمهرة الأمثال "1/50" مجمع الأمثال "1/430 والمستقصى "1/221".
2 الدرة الفاحرة "1/328" جمهرة الأمثال "2/104" مجمع الأمثال "2/84" المستقصى "1/271" ويروى "أفسد من الضبع" وجعار: الضبع.
3.الدرة الفاخرة "1/310" جمهرة الأمثال "2/72" مجمع الأمثال "2/50" المستفصى "1/256".
4 اللسان والتاج "جعر" برواية
فقلت لها: عيثي جعاروجرري ... بلحم امرئ لم يشهد القوم ناصره
5 ذكره عبد الرزاق في مصنفه "4/6" كتاب بعثه إلى عثمان في موضوع الزكاة ولم يذكر محتوياته والحديث في الفائق "زخخ" "2/107" والنهاية "زخخ" "2/208" والمراد بعثمان هو =

(2/176)


حَدَّثَنِيه الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ أخبرنا أَبُو هَمَّامِ بْنِ أَبِي بَدْرٍ حَدَّثَنِي بَقِيَّةُ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعُوفِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
تفسير الزخة في الحديث أنها أولاد الغنم ويقال أنها إنما سميت زخة لأنها تزخ أي تساق والزخ الدفع من وراء.
وتفسير النخة قد جاء في هذا الحديث أنها أولاد الإبل. قَالَ أبو عبيد هي البقرة العوامل1. وَقَالَ أَبُو سعيد الضرير ليس تقع النخة على البقر العوامل وحدها ولكن على كل عوامل من الإبل والبقر وكل [69] دابة / استعملت فهي نخة قَالَ والرقيق نخة أيضا قَالَ غيره النخ أن تناخ الغنم قريبا من المصدق حتى يصدقها2 قَالَ الراجز وسرق إبلا:
لا تضربا ضربا ونخانخا ... لم يدع النخ لهن مخا3
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى أَنَّهُ قَالَ: "أَدُّوا الزَّكَاةَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَرَاحَكُمْ مِنَ السَّجَّةِ وَالْبَجَّةِ وَالْجَبْهَةِ" 4.
فإنما السجة: المذقة من اللبن يصب عليها الماء حتى تصير سجاجا
__________
= عثمان ين حنيف كما ذكر ذلك بن الأثير في النهاية.
1 غريب الحديث "1/7".
2 من هامش س. ليست في ط, ح.
3 الفائق "زخخ" "2/107" وفي اللسان والتاج "نخخ" برواية "ما ترك النخ".
4 أخرجه أبو عبيد في غريبه "1/9" بلفظ: "أخرجوا الصدقات فإن......." وذكره الهيثمي في مجمعه "2/69" عن عبد الرحمن بن سمرة بلفظ: "لا صدقة في الكسعة والجبهة والنخة" وانظر في كنز العمال "6/330.

(2/177)


والسجاج كل لبن غالب عليه الماء والبجة الفصد الَّذِي كانوا يفصدون فيستدمون فيأكلونه قَالَ العجاج يصف ثورا وكلابا:
يطعنهن في كلي الخصور ... وبج كل عاند نعور1
قَالَ: والجبهة هاهنا المذلة يقول هذا الكلام للعرب يذكرهم آلاء اللَّه عليهم يقول كنتم في مذلة تجبهكم وكان قوتكم السجاج من اللبن والفصيد من الدم فقد جعلكم خلفاء في الأرض ووسع عليكم وأنكر تفسير أبي عبيد لها وقول من زعم أنها كانت آلهة تعبد من دون الله.
قال أَبُو سُلَيْمَانَ: وإنما لا تؤخذ الصدقة من السخال والفصلان إذا كانت منفردة عَنِ الأمهات فأما إذا كانت مع أمهاتها فإنها تعد على أصحابها ولا تؤخذ في الصدقة كما لا تؤخذ الخيار من المسان إنما يعترض المال فيؤخذ من وسطه وهو معنى حديث عُمَر وقد شكا إليه أهل الماشية تصديق الغذاء وهو صغار المال.
فقالوا: إن كنت معتدا علينا بالغذاء فخذ منه صدقته فَقَالَ إنَّا نعتد بالغذاء كله حتى السخلة يروح بها الراعي على يده وإني لا آخذ الشاة الأكولة ولا فحل الغنم ولا الربي ولا الماخض ولكن آخذ العناق والجذعة والثنية وذلك عدل بين غذاء المال وخياره2.
__________
1 الديوان "238, 240".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "4/11, 12" والبيهقي في سننه "4/100" وابن ابي شيبة في مصنفه "3/134" وذكره الهيثمي في مجمعه "3/74 – 75" بلفظ "السخلة" بدل "الغذاء" وعزاه للطبراني في الكبير.

(2/178)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ وُلِدَ لَنَا غُلامٌ أَحْدَرُ شَيْءٍ وَأَسْمَنُهُ فَحَلَفَ أَبُوهُ لا يَقْرَبُ أُمَّهُ حَتَّى تَفْطِمَهُ فَارْتَفَعُوا إِلَى عَلِيٍّ،

(2/178)


فَقَالَ: أَمِنْ غَضَبٍ غَضِبْتَ عَلَيْهَا قَالَ: لا وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ يَصْلُحَ وَلَدِي فَقَالَ: لَيْسَ فِي الإِصْلاحِ إِيلاءٌ1.
مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَمَّاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ.
الحدارة السمن والاكتناز يُقَالُ رجل حادر إذا كان غليظا.
قَالَ ابن الأعرابي وبه سمي الأسد حيدرا وذلك لغلظ رقبته ومنه قول علي
أنا الَّذِي سمتني أمي حيدره2.
وكانت أم علي فاطمة بنت أسد سمته حين ولدته أسدا باسم أبيها وأبو طالب إذ ذاك غائب فلما قدم سماه عليا. ويقال: إن بعض الكهان قد كان أنذر مرحبا بأن قاتله رجل يسمى حيدره فلما بارز عليا وسمعه يقول هذا القول أوجس خيفة وسقط في يده ورام الفرار ثم دعته الحمية إلى الإقدام حتى قتل.
وفي الحديث من الفقه أَنَّهُ لم ير الإيلاء إلا في الضرار.
ويروى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إنما الإيلاء في الغضب3 وهو مذهب مالك والأوزاعي فأما عامة فقهاء / الأنصار من أهل الحجاز وأهل العراق فالإيلاء عندهم لازم في السخط والرضا كالطلاق والظهار سواء. [70]
__________
1 أخرجه البيهقي في سننه "7/381 – 382" وعبد الرزاق في مصنفه "6/451" وابن أبي شيبة في مصنفه "5/141" والطبري في تفسبره "2/418, 419" كلهم باختلاف يسير في الألفاظ واختلاف في السند أيضا وانظر كنز العمال "3/927".
2 أخرجه الحاكم في المستدرك "3/39" بطوله.
3 أخرجه الطبري في تفسيره "2/419".

(2/179)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ ابْنَ الْكَوَّاءِ قَالَ لَهُ: مَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ؟ قَالَ: بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ يُدْعَى الضُّرَاحُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ ملك على ثكنتهم1.
حدثنا ابن الأعرابي أخبرنا عباس بن محمد الدوري أخبرنا أحمد بن يونس أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
الثكنة في ثلاثة أشياء قَالَ ابن الأعرابي الثكنة الجماعة من الناس والثكنة الراية والثكنة القبر قَالَ الملتمس يصف مصلوبا:
وما كنت في الأحياء حيا مملكا ... وما كنت في الأموات في ثكنة القبر2
والذي أريد بالثكنة في هذا الخبر الراية يريد أن الملائكة تدخله أفواجا برايات لهم وعلامات وقد جاء هذا مفسرا في الحديث.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/29" عن أبي الطفيل قال: سأل ابن الكواء عليا..... والأزرقي في أخبار مكة "1/49, 50" عن أبي الطفيل بدون قوله: "على ثكنتهم".
2 لم أقف عليه في ديوانه ط معهد المخطوطات جامعة الدول العربية.

(2/180)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ دَعَا بِمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ مِنَ السِّجْنِ. فَقَالَ لَهُ: اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ وَتُبْ إِلَى اللَّهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ انْطَلِقْ إِلَى الْعَسْكَرِ فَمَا وَجَدْتَ مِنْ سِلاحٍ أَوْ ثَوْبٍ ارْتَبِقْ فَاقْبِضْهُ وَاتَّقِ اللَّهِ وَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ قُطْرِيٍّ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ.
قوله ارتبق أي أصيب واعتقل يُقَالُ ربقت الشيء وارتبقته كما قيل ربطته وارتبطته ومنه ربق الغنم وهو أن يتخذ لها عند ولادها
__________
1 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة "138" آ.

(2/180)


ربق فتشد في أعناق سخالها وإنما يفعل ذلك لأنها لا تقوى على أن تتباعد في المرعي مع الأمهات فتربق حتى تجيء أمهاتها فترضعها وتفسير الربق أن يتخذ من الحبل عرى تجعل في أعناق السخال فكل عروة منها ربقة.
أَخْبَرَنِي أَبُو عمر أنبأنا أَبُو العباس قَالَ العرب تقول رمدت الضأن فربق ربق رمدت المعزي فرنق رنق قَالَ والترميد أن يتلمع الضرع وأن تسود الحلمتان فيستبين حملها وتعظم ضروعها. قَالَ ومعنى ربق أعد الحبال فإن الضأن تعجل بولادها. ورنق معناه انتظر لأن المعزى تبطىء بالولاد والترنيق الانتظار.
وكان من حكم علي في أهل البغي أن لا يغنم لهم مال ولا تسبى لهم ذرية وإن من وجد منهم ماله في يدي غيره استرجعه وأمر يوم الجمل فنودي لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح ولا يقتل أسير ولا يغنم لهم مال ولا تسبى لهم ذرية.
ويروى عنه أَنَّهُ سمع تحكيما في ناحية المسجد وهو على المنبر فَقَالَ كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث لا نبدؤكم بقتال حتى تقاتلونا ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ولا نمنعكم مساجد اللَّه أن تذكروا فيها اسم اللَّه1.
فهذه أحكامه التي سنها فيهم وكان أَبُو حنيفة يقول لولا أن عليا قاتل أهل القبلة ما درينا كيف الحكم فيهم.
__________
1 أخرجه الطيري في تاريخه "5/73" والبداية والنهاية "7/282" بنحوه.

(2/181)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ / أن بعض السلف كان يقول/ النظر إلى وجه علي عبادة1. [71]
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدرك بطرق كثبرة "3/141" وابن حبان في الموضوعات "1/358 - =

(2/181)


معناه والله أعلم أن النظر إلى وجهه يدعو إلى ذكر اللَّه لما يتوسم فيه من نور الإسلام ويرى عليه من بهجة الإيمان ولما يتبين فيه من أثر السجود وسيما الخشوع وبذلك نعته اللَّه فيمن معه من صحابة الرسول عليه السلام فَقَالَ {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} 1. وهذا كما يروى لابن سيرين أَنَّهُ دخل السوق فلما نظر إليه وقد جهدته العبادة ونهكته سبحوا.
أَخْبَرَنَاهُ إسماعيل بن مُحَمَّد الصفار أخبرنا محمد بن وهب المقري أخبرنا مسدد أخبرنا أَبُو عوانة قَالَ رأيت مُحَمَّد بن سيرين دخل السوق فلما رأوه سبحوا.
__________
= 361" والسيوطي في الللآلي المصنوعة "1/342" والقارى في الأسرار المرفوعة "371" وابن عراق في تنزيه الشريعة "1/382" وغبرهم وأجمعوا على رفعه.
1 سورة الفتح: "29".

(2/182)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ عَنِ الْوِتْرِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا قَالَ وَقَامَ مِنْ جَوْزِ اللَّيْلِ لِيُصَلِّي وَقَدْ طَرَّتِ النُّجُومِ فَقَالَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} 1 أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْوِتْرِ نَعَمْ ساعة الوتر هذه2.
حدثنيه عبد العزيز بن محمد أنبأنا ابن الجنيد أخبرنا عبد الله بن موسى الخلمي أخبرنا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَدَينِيُّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ عليا عن الوتر فذكره.
__________
1 سورة التكوير:"17".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "3/18" بنحوه عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وعن عبد خير وأخرجه الطيري في تفسير الآية "17" من سورة النكوير بدون "قام من جوز الليل وطرت النجوم" وذكره الهيثمي كذلك في مجمعه "2/245 – 246".
وفي نسخة س: "نعم ساعة الوتر هذه" والمثبت من ح, ط, والفائق "جوز" "1/246".

(2/182)


جوز الليل وسطه قَالَ ذو الرمة:
وخافق الرأس مثل السيف قلت له ... زع بالزمام وجوز الليل مركوم1
وَقَوْلُهُ: طرت النجوم أي طلعت فتتامت واتَّسَقَت.
يُقَالُ: طر النبات يطر طرورا إذا نبت وكذلك طر شارب الغلام وفيه وجه آخر وهو أن يُقَالُ طرت النجوم ومعناه أنها توقدت وأضاءت يُقَالُ طررت السيف إذا صقلته وطررت السنان إذا مهوته وسيف مطرور أي صقيل.
وفي بعض الكلام: بالغوا في اصطناع تلامذة العلوم فإن ألسنتهم أسنة مطرورة وقلوبهم كنوز مذخورة هم العدة عند الشدة والذكر بعد المدة.
ومن هذا قولهم رجل طرير الوجه أي جميل الوجه وضيئه قَالَ العباس بن مرداس.
ويعجبك الطرير فتبتليه ... فيخلف ضنك الرجل الطرير2
وأنشدني أَبُو عُمَر أنشدنا أبو العبّاس ثَعْلَب عن أَبِي نصر عَنِ الأصمعي:`
ينام محاق الشهر صدر نهاره ... وفي الحي ريان العشي طرير
يريد أَنَّهُ يتزين بالعشي ليدب في السوءات والريب.
__________
1 الديوان "579" برواية "فوق الرحل" بدل "مثل السيف" واللسان "زوع" والتاج "حفق".
2 اللسان والتاج "طرر" وهو في ديوانه "59".

(2/183)


ومن هذا حديث عطاء بن أبي رباح.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريح عَنْ عطاء قَالَ: إذا طررت مسجدك بمدر فيه الروث فلا تصل فيه حتى تغسله السماء1.
ومعنى حديث علي أَنَّهُ قام في وسط الليل فصلى حتى كان السحر ثم قَالَ للسائل نعم ساعة الوتر هذه.
وَقَالَ المفضل أحسن ما تكون النجوم وقت السحر وذلك حين تكثر أضواؤها وأنشد:
بجيش كضوء نجوم السحر2
وَقَوْلُهُ عسعس أصله في الكلام أظلم.
ويقال عسعس الليل إذا أقبل وعسعس إذا أدبر يجعلونه من الأضداد. قال الزجاج ليس من الأضداد ولكن ظلمته في إقباله كظلمته في إدباره.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "1/446" بلفظ "إذا طينت مسجدا فيه مدر بروث فلا تصل فيه حتى تغسله.
2 المفضليات "235" وعزي لمرقش الأكبر وصدره: "بأن بني الوخم ساروا معا" وقبله:
أتتني لسان بني عامر ... فجلت أحاديثها عن بصر
وقال الأصمعي: في "الأصمعية "7:53": إنما خص نجوم السحر لأت النجوم التي تطلع في آحر الليل كبار النجوم ودراريها وهي المضيئة منها.

(2/184)


حديث علي أنه بعث عمار إلى السوق فقال: "لا تأكلو الانكليس من السمك".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ علي أنه بعث عمار إِلَى السُّوقِ فَقَالَ: "لا تَأْكُلُوا الأَنْكِلِيسَ مِنَ السَّمَكِ". هَذَا شَيْءٌ يَرْوِيهِ الشَّيِعَةُ عَنْ عَلِيٍّ1.
قَالَ أبو عمر قَالَ أبو العبَّاس سألت ابن الأعرابي عنه فَقَالَ هذا الجريث قَالَ أَبُو عُمَر وهو الشلق.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ هذا النوع من السمك يذمه الأطباء ويزعمون أَنَّهُ رديء الغذاء.
قَالَ حنين الأنكليس هو السمك الشبيه بالحيات.
ويشبه أن يكون علي إنما كره أكله لهذا دون أن يراه محرما وقد روينا عنه بإسناد ثابت أَنَّهُ أباح أكل الجريث ولا أعلم أحدا كرهه من فقهاء الأمصار ولا أعلم فيه شيئا من الأثر إلا حديث المسوخ وهو حديث لا أصل له.
حَدَّثَنَاهُ ابن السماك أخبرنا الحسن بن سلام السواق أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي أخبرنا عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعْتَبٍ مَوْلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمُسُوخِ فَقَالَ: "ثَلاثَةَ عَشَرَ: الْفِيلُ وَالدُّبُّ وَالْخِنْزِيرُ وَالْقِرْدُ وَالْجُرَيْثُ وَالضَّبُّ وَالْوَطْوَاطُ وَالْعَقْرَبُ وَالدَّعْمُوصُ2 وَالْعَنْكَبُوتُ والأرنب وسهيل والزهرة"3.
__________
1 الفائق "أنكليس" "1/62" والنهاية "أنكليس" "1/77" وأخرجه بن أبي شيبة في مصنفه "8/275" بلفظ "كان لا يأكل الجريث والطحال".
2 القاموس "دعمص" الدعموص: دويبة أو دودة سوداء تكون في الغدران إذا نشت.
3 أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات "1/185" بدون "الجريث" وكذلك ابن الغراق في تنزيه الشريعة "1/177".

(2/185)


وفيه أن الجريث كان ديوثا يدعو الرجال إلى حليلته.
وقال أَبُو سُلَيْمَانَ وعموم قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} 1 قد أتى على إباحة أكل الجريث وغيره من أنواع السمك والله أعلم.
__________
1 سورة المائدة: "96".

(2/186)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: أَنَّهُ بَنَى سِجْنًا مِنْ قَصَبٍ فَسَمَّاهُ نَافِعًا فَنَقَبَهُ اللُّصُوصُ ثُمَّ بَنَى سِجْنًا مِنْ مَدَرٍ فَسَمَّاهُ مُخَيِّسًا ثُمَّ قَالَ:
أَلا تَرَانِي كَيِّسًا مُكَيِّسًا ... بَنَيْتُ بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيِّسًا1
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ.
أصل الكيس حسن التأتي للأمور يُقَالُ رجل كيس وقوم أكياس وكيسة وكيسى. قال عقيل بن علفة:
فكن أكيس الكيسى إذا ما لقيتهم ... وإن كنت في الحمقى فكن مثل أحمقا2
والتخييس معناه التذليل والتسخير قَالَ المتلمس:
شدوا الرحال على إبل مخيسة ... والظلم ينكره القوم المكاييس3
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "8/700 – 701".
والفائق "خيس" "1/405" والنهاية "خيس" "2/92" "كيس" "4/218".
والبيتان في الفائق وجاء بعدها: "بابا حصينا وأمينا كيسا".
2 اللسان والتاج "كيس" دون عزو برواية:
فكن أكيس الكيسى إذا كنت فيهم
وإن كنت في الحمقى فكن أنت أحمقا.
وجاء في اللسان: "إنما كسره هنا على كيسى لمكان الحمقى أجرى الضد مجرى هذه وقال أبن سيده: وعندي أنها تأنيث الأكيس.
3 الديوان "80" برواية "شدوا الجمال بأكوار على عجل" وبروى:....=

(2/186)


وَقَالَ النابغة:
وخيس الجن أني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح والعمد1
وَقَالَ بعض أهل اللغة التخييس التخليد في الحبس واشتقاقه من خيس الأسد وهو الموضع الَّذِي يأوي إليه ويلازمه.
وَقَالَ غيره بل هو مأخوذ من خاس الشيء في وعائه إذا فسد وذلك كالحب ونحوه إذا طال عليه مر الزمان يريد أَنَّهُ يفسده بطول الحبس ويبليه.
__________
= شدوا الرحال على بزل مخيسة".
1 الديوان "13" وشعراء النصرانية "2/640" يرواية: "وخير الجن.....".

(2/187)


حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا خَطَبَ فَاطِمَةَ قِيلَ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: "فرسي وبدني".
...
وقال أبو سليمان في ديث عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا خَطَبَ فَاطِمَةَ قِيلَ مَا عِنْدَكَ قَالَ فَرَسِي وَبَدَنِي1
يَرْوِيهِ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ.
البدن الدرع القصيرة وتسمى بدنا لأنها مجول للبدن ليست بسابغة تعم الأطراف قَالَ الشاعر:
تخشخش أبدان الحَدِيد عليهمُ ... كما خَشْخَشَتْ يَبْسَ الحصاد جنوب2
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه "9/295" في حديث طويل وعزاه للطيراني.
2 اللسان والتاج "خشش" وعزي لعلقمة بن عبدة وهوفي المفضليات "395" وسبق في الجزء الأول لوحة "218".

(2/189)


وَقَالَ بعض أهل التفسير في قوله {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} 1 أي بدرعك.
ويروى أن درع علي كانت صدرا لا قب لها أي لا ظهر لها2.
وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِجْوَلٌ"3 تُرِيدُ صُدْرَةً مِنْ حَدِيدٍ.
__________
1 سورة يونس: "92".
2 الفائق: "قبب" "3/154: والنهاية "قبب" "4/3".
3 الفائق "جول" "1/242: والنهاية "جول" "1/318".

(2/190)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْ شَرَصَةِ علي1.
أخبرناه أبو عمر أنبأنا أبو العباس ثَعْلَب عَنْ سَلَمةَ عن الفَرَّاء عن الكسائي قَالَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
[74] قَالَ أَبُو عُمَر الشرصة الجلحة / قَالَ: وهما الشرصتان أي النزعتان.
قَالَ غيره الشرص النزعة والجمع شرصة وشراص وأنشد للأغلب:
صلت الجبين ظاهر الشراص2
__________
1 النهاية "شرص" "2/459".
وفي جميع النسخ: شرصة. "يفتح الراء" وجاء في الفائق "شرص" "2/237" هو بكسر الشين وسكون الراء وهما شرصتان والجمع شراص.
2 الرجز في الفائق "شرص" وزاد على هذا البيت فقال:
يا رب شيخ أشمط العناصي ... صلت الجبين ظاهر الشراص
كأنما أفلت من مناص
والبيتان الأول والثاني في التاج "شرص" وفي اللسان "شرص" البيت الثاني فقط.

(2/190)


وفي نعت علي أَنَّهُ كان أجلح1 وهو الَّذِي انْحَسَرَ الشَّعَر عن مُقَدَّم رأسه فأما الأجلى فهو الَّذِي انْحَسَرَ الشَّعَر عن مُقَدَّم رأسِه حتى يتصل بالصلعة قال العجاج:
مع الجلا ولائح القتير2
وفي نعت المهدي أَنَّهُ أجلى الجبهة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ السَّمَّاكِ نا أَبُو قلابة أخبرنا عفان أخبرنا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ3 عَنْ قَتَادَةَ أَخْبَرَنِي أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَمْلِكُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَوْ قَالَ مِنْ أُمَّتِي أَجْلَى الْجَبْهَةِ أَقْنَى الأَنْفِ يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلا وَقِسْطًا" 4 وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ "رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي" 5.
وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن الرهني قَالَ سئل أَبُو العباس ثعلب عَنِ العترة فَقَالَ العترة الدمعة الصافية والعترة القطعة من المسك يُقَالُ لها الشافجة والعترة الشجرة تنبت عند جحر الضب فتخرج الضبة فتتمرغ عليها فيقول العرب في الذلة إنَّهُ لأذل من عترة الضب.
والعترة ولد الرجل من صلبه فقول أبي بكر: نحن عترة رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ6 فَقَالَ: سألت ابن الأعرابي فَقَالَ: نحن أهل بلده مولدو بيضته ويقال: عترة الرجل أهل بيته الأدنين
__________
1 أخرجه ابن سعد في الطيقات "3/26".
2 الديوان "221".
3 سقط من ح.
4 أخرجه أبو داود في كتاب المهدي "4/107".
5 أخرجه أبو داود في كتاب المهدي أيضا "4/107" عن أم سلمة.
6 النهاية "عتر" "3/1 77".

(2/191)


فَأَمَّا حَدِيثُهُ الآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: "خلفت فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي" 1 فإن أبا عُمَر أَخْبَرَنِي عن أبي العباس ثعلب قَالَ قَالَ إنما سميا الثقلين لأن العمل بهما ثقيل.
وَأَخْبَرَنِي بعض أصحابنا عَنْ مُحَمَّد بن جرير الطبري2 قَالَ: دليل هذا من القرآن: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} 3.
قَالَ أَبُو عُمَر قَالَ ابن الأعرابي الثقل عند العرب كل شيء مصون يعز على أهله قَالَ والأصل فيه بيض النعام المصون قَالَ وأنشدني المفضل:
فتذكرا ثقلا رثيدا بعدما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر4
وقد قيل في العترة أَنَّهُ أراد بها أصحابه الذين هم حمال الأثر وحفاظ السنن كأنه قَالَ عليكم بكتاب اللَّه وسنتي.
وقيل أَنَّهُ عنى بها الخلفاء الراشدين بعده وهذا كقوله "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي" 5
__________
1 اخرجه الإمام أحمد في مسنده "3/59" والترمذي في المناقب "5/662, 663" والحاكم في المستدرك "3/109" وابن سعج في كبقاته "2/194" وابن الجوزي في العلل المتناهية "1/257" وغيرهم.
2 من ح.
3 سورة المزمل:"5".
4 اللسان والتاج "ثقل" وعزي لثعلية المازني يذكر الظليم والنعامة وفي المفضليات "120" برواية "فتذكرت" وجاء فيها: قال الأنباري: أي تذكرت النعامة البيض. الثقل: المتاع وأراد بيضها, الرثيد: المنضود بعضه فوق بعض. ذكاء بضم الذال الشمس. الكافر: الليل. وقوله: ألقت يمينها في كافر: أي تهيأت للمغيب وسبق في هذا الجزء لوحة "38".
5 أخرجه أبو داود في السنن "4/201" والترمذي في العلم "5/44" وابن ماجة في المقدمة "1/16" وغيرهم.

(2/192)


حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَعَثَا ابْنَيْهِمَا يسألانه أن يبعثهما على الصدقات
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَعَثَا ابْنَيْهِمَا الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ رَبِيعَةَ يَسْأَلانِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلْهُمَا عَلَى الصَّدَقَاتِ فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ لا يستعمل منكم أحدا عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ رَبِيعَةُ هَذَا أَمْرُكَ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمْ نَحْسُدْكَ عَلَيْهِ فَأَلْقَى عَلِيٌّ رِدَاءَهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيْهِ فَقَالَ أنبأنا أَبُو الْحَسَنِ الْقَرْمُ وَاللِّهِ لا أَرِيمُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْكُمَا أَبْنَاءَكُمَا بِحَوْرِ مَا بَعَثْتُمَا بِهِ فَقَالَ صلى الله عليه مسلم: "إِنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنِّهَا لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلا لآلِ مُحَمَّدٍ" 1.
أَخْبَرَنَاهُ ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا أحمد بن صالح أخبرنا عنبسة بن خالد / أخبرنا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عبد الله بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْهَاشِمِيُّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. [75]
القرم السيد الكريم من الرجال وأصله الفحل من الإبل يكرم ولا يمتهن بالحمل إنما يعد للضراب قَالَ الشاعر:
فحز وظيف القرم في نصف ساقه ... وذاك عقال لا ينشط عاقله
وهو المقرم أيضا قال الشاعر:
إذا مقرم منا ذرا حدنا به ... تخمط فينا ناب آخر مقرم2
وَقَوْلُهُ بحور ما بعثتما أي بجواب ما بعثتما يُقَالُ كلمت الرجل فما رد إليّ حورا ولا حويرا أي جوابا وما يتكلم فلان إلا محورة قال كثير
__________
1 أخرجه مسلم في الزكاة "2/748 – 749" وأبو داود في الخراح والأمارة "2/147" وأحمد في مسنده "4/166" بلفظ "بجواب" بدل "بحور".
2 اللسان والتاج والأساس "قرم" وعزي لأوس وهو في ديوان "122" براية "وإن مقرم" وفي كنز الحفاظ "589".

(2/193)


كواظم لا ينطقن إلا محورة ... رجيعة قول بعد أن يتفهما1
وفيه وجه آخر وهو أن يكون أراد به الخيبة والإخفاق وأصل الحور الرجوع إلى النقص ومنه قول الله: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} 2 وقال لبيد:
ما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع3
ومن هذا قولهم الحور بعد الكور أي النقص بعد الكمال ويقال أيضا الحور بعد الكون.
أَخْبَرَنِي عَبْد الرحمن بن الأسد أخبرنا الدَّبَرِيُّ قَالَ قلنا لعبد الرزاق فالحور بعد الكور قَالَ سمعت معمرا يقول هو الكنتي قلت وما الكنتي قَالَ الرجل يكون صالحا ثم يتحول امرأ سوء4.
وَقَالَ أَبُو عُمَر: قَالَ ابن الأعرابي: يُقَالُ للرجل: كنتي إذا كان لا يزال يقول كنت شابا كنت شجاعا أو نحو هذا وكاني إذا قَالَ كان لي مال فكنت أهب وكان لي خيل فكنت أركب ونحو هذا من الكلام.
ومن الحور الَّذِي هو الرجوع إلى الحال المذمومة حديث عائشة.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الهجري أخبرنا عباد بن
__________
1 الديوان "137" وكواظم: صانتان ورجيعة قول: رد على قول أي لا يبدأن الحديث وإنما يكتفين بالرد على ما يسألنه.
2 سورة الانشقاق:"14".
3 الديوان "169".
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/433" بلفظ "كساء" بدل "الكنتي" في الموضعين, وأخرجه مسلم في الحج "2/979" بلفظ "الحور بعد الكون" وكذلك الترمذي في الدعاء "5/497" إلا أن الترمذي قال: "ويروى الحور بعد الكور".
وابن قتيبة في عيون الأخبار "1/138" وغيرهم.

(2/194)


صهيب أخبرنا هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَنْشَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ:
ارْفَعْ ضَعِيفَكَ لا يَحِرْ بِكَ ضَعْفُهُ ... يَوْمًا فَتُدْرِكْهُ العواقب قدنما
يَجْزِيكَ أَوْ يُثْنَى عَلَيْكَ وَإِنَّ مَنْ ... أَثْنَى عَلَيْكَ بِمَا فَعَلْتَ فَقَدْ جَزَى1
أي لا يصرفك ضعفه عَنِ اصطناعه ولا يؤيسك عَنْ أن تعود له حال حسنة فيجزيك عَنْ معروفك قولا أو فعلا ويقال إن هذا الشعر لزهير بن جناب الكلبي ومثله قول الآخر:
لا تهين الضعيف علك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه2
أراد لا تهينن بالنون الخفيفة فحذفها لالتقاء الساكنين وَقَالَ آخر في مَعْنَاهُ:
وأكرم كريما إن أتاك لحاجة ... لعاقبة إن العضاة تروح3
يقول: كما أن الشجر اليابس قد يتروح فيورق بعد اليبس فلا تأيس أن تعود للفقير حال من اليسار تنعشه وتجبره وقد يكون الحور أيضا بمعنى العود إلى الحال المتقدمة خيرا كانت أو شرا.
ويقال إنما سمي العود الَّذِي تدور عليه البكرة محورا لأن دورانه يتكرر / فيعود كل مرة إلى مداره الأول [76]
__________
1 أخرجه ابن الأعرابي في معجمه لوحة "208" – أبلفظ "لا يحل" بدل "لا يحر".
2 اللسان والتاج "هون" من غير عزو.
وفي البيان والتبيين "3/341" برواية "لا تحقرن الفقير" بدل "لا تهين الضعيف" وجاء بعده:
قد يجمع المال غير آكله ... وبأكل المال غير من جمعا
وعزي للأضبط بن قريع.
3 الكامل للمبرد: 2/136".

(2/195)


فأما الحور بضم الحاء فهو الخسران والنقصان قَالَ الشاعر:
الذم يبقى وزاد القوم في حور1
قَالَ يعقوب: أي في نقصان قَالَ ويقال في مثل "حور في محارة"2 أي نقصان في نقصان ويقال أن الباطل في حور أي في نقص وخسران وقال العجاج:
في بئر لا حور سرى وما شعر3
ولا هاهنا صلة. وزعم بعض النحويين أنها ليست بصلة ولكنها لا الجحد ومعناه المتأول إنما هو بئر ما لا يحير عليه شيئا كأنه قَالَ إلى غير رشد وما درى.
قَالَ: والعرب تقول: طحنتنا الطاحنة فما أحارت شيئا مَعْنَاهُ لم يتبين لها أثر عمل.
وَفِي الحديث أن الفضل وعبد المطلب قَالا لَمَّا صِرْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاكَلْنَا الْكَلامَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ بِآذَانِهِمَا وَقَالَ "أَخْرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ مِنَ الْكَلامِ" 4.
قوله: تواكلنا الكلام أي اتكل كل واحد منا على الآخر فيه.
وَقَوْلُهُ: أخرجا ما تصرران أي ما تجمعان من الكلام وكل شيء جمعته فقد صررته ويقال للأسير مصرور
__________
1 اللسان والتاج "حور" والمعنى: الأكل يذهب والذم يبقى.
2 أمثال أبي عبيد "118" العسكري "1/347" الميداني "1/195" الزمخشي "2/68" البكري "175" اللسان "حور".
3 الديوان "14".
4 أخرجه مسلم في الزكاة "2/748 – 749" وأبو داود في الخراج والإمارة "3/147" وأحمد في مسنده: 4/166" وهذا جزء من الحديث الذي تقدم تخريجه.

(2/196)


وفي الحديث من الفقه أَنَّ الهاشمي إذا عمل لم يعط من سهم العاملين وليس كالغني من غير بني هاشم إذا عمل أعطي العمالة لأن الصدقة حرمت عينها على بني هاشم صيانة لهم لأنها أوساخ الناس والفقير والغني منهم والعامل وغير العامل فيها بمثابة واحدة.

(2/197)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَقِيَ الْخَوَارِجَ وَعَلَيْهِمْ عبد الله بن وهب الراسي فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِمْ وَاسْتَلُّوا السُّيُوفَ وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ فَقَتَلُوا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ1.
أخبرناه ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا الحسن بن علي أخبرنا عبد الرزاق عن عبد الملك بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ الْجُهَنِيُّ.
قوله: وحشوا برماحهم أي رموا بها قدما على بعد منهم.
يُقَالُ للرجل إذا كان بيده شيء فزجه زجا بعيدا قد وحش به قَالَ الشاعر:
إن أنتم لم تطلبوا بأخيكم ... فذروا السلاح ووحشوا بالأبرق2
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الآخَرُ حَدَّثَنَاهُ جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ الخلدي أخبرنا الحسين بن الكميت حدثنا غسان بن الربيع أخبرنا يُوسُفُ بْنُ عَبْدَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ بَيْنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ قِتَالٌ قَالَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُمْ نَادَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} 3 حتى فرغ
__________
1 أخرجه مسلم في الزكاة "2/748" وأبو داود في السنة "4/244" في حديث طويل.
2 اللسان والتاج "وحش" وعزي لأم عمرو بنت وقدان.
3 سورة آل عمران: "102".

(2/197)


مِنَ الآيَاتِ قَالَ فَوَحَّشُوا بِأَسْلِحَتِهِمْ وَاعْتَنَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا1 أَيْ رَمُوا بِهَا عَلَى الْبُعْدِ مِنْهُمْ.
قوله شجرهم الناس برماحهم أي شبكهم الناس بالرماح ومنه التشاجر في الحرب والخصومة ونحوهما قَالَ أَبُو صخر الهذلي:
رأيت فضيلة القرشي لما ... رأيت الخيل تشجر بالرماح2
__________
1 لم أقف عليه من حديث أنس وقد أخرجه الطيري في تفسيره "4/23" والسيوطي في الدر المنثور "2/57" حديثا آخر عن زيد بن أسلم بألفاظ متقاربة.
2 شرح أشعار الهذليين "3/1330" وبعده:
ورَنَّقَت المنيَّةُ فهْي ظِلٌّ ... عَلَى الأبطال دانية الجناح
وهما من الزيادات المنسوبة إليه والبيت الثاني في اللسان والتاج "رنق" والأساس "رنق".

(2/198)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَقْبَلَ وَعَلَيْهِ أَنْدَرْوَرْدِيَّةُ1.
أخبرناه محمد بن المكي أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ قَالَ: سَمِعْتُ أبا ماوية قَالَ: رَأَيْتُهَا عَلَى عَلِيٍّ.
[77] قَالَ سفيان وقد روى هذا الحديث هي / فوق التبان ودون السراويل تغطي الركبة وأراها منسوبة إلى موضع أو إلى صانع
__________
1 الفائق "أندرورد" "1/63" والنهاية "أندروردية" "1/74".
وفي القاموس "أندرورد" أندرور وأندروردية: موع من السراويل مشمر فوق التبان أو هي التبان أعجمية استعملوها.

(2/198)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لما أخرج عين أبي نيزر وهي ضيعة له جعل يضرب بالمعول حتى عرق جبينه فانتكف العرق عَنْ جبينه1.
__________
1 الفائق "مكف" "4/25" والنهاية "نكف" "5/116".

(2/198)


يُقَالُ نكفت العرق والدمع إذا سلته بإصبعك وانتكف العرق إذا سال وانقطع.
قَالَ يعقوب يُقَالُ نكفت الغيث أنكفه إذا قطعته وقد انتكف الشيء إذا انقطع عنك وهذا غيث لا ينكف أي لا يقطع.
ويقال في قصة حنين أن مالك بن عوف النصري قَالَ لغلام له حاد البصر ما تري فَقَالَ أري كتيبة حرشف كأنهم قد تشذروا للحملة ثم قَالَ له: ويلك صف لي قَالَ قد جاء جيش لا يكت ولا ينكف آخره1.
قَالَ أَبُو عُمَر قَالَ ابن الأعرابي الحرشف الرجالة.
وَقَوْلُهُ تشذروا للحملة أي تهيؤوا لها.
وَقَوْلُهُ لا يكت أي لا يحصى ولا ينكف أي لا يقطع آخره.
__________
1 الفائق "حدد" "1/264" والنهاية "شذر" "2/453".

(2/199)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ إِذَا أُتِيَ بِقَضِيَّةٍ شَدِيدَةٍ قَالَ مُعْضِلَةٌ وَلا أَبَا حَسَنٍ لَهَا1.
حَدَّثَنِيهُ محمد بن الطيب المرزوي أخبرنا عليك الرازي أخبرنا يوسف بن موسى أخبرنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ أخبرنا الحكم بن عبد الملك عَنْ قَتَادَةَ.
قوله ولا أبا حسن لها نادر جدا وذلك أن التبرئة لا تقع على المعرفة إنما حقها في النكرة كقولك لا باكية لحمزة ولا حامية للجيش. وكقول الشاعر:
__________
1 لم أجد من حديث معاوية وقد ذكره ابن كثير في البداية والنهاية "7/350" عن عمر "أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها".
وفي الفائق "عضل" "2/445" عن عمر "أعوذ بالله من كل معضلة ليس لها أبو حسن" وروي "معضلة".

(2/199)


تعدو الذئاب على من لا كلاب له1
وذكر سلمة عَنِ الفراء أَنَّهُ قَالَ هذه معرفة وضعت في مكان نكرة فأعطيت إعرابها قَالَ والمعنى كأنه قَالَ معضلة ولا رجل كأبي حسن يؤخذ علمها من قبله والمعضلة إذا خففتها كانت من قولك أعضل الأمر إذا اشتد وداء عضال أي شديد لا يقبل الدواء ومن ثقل كانت من قولهم عضلت المرأة إذا نشب الولد فبرز بعضه وبقي سائره معترضا.
__________
1 اللسان والتاج والأساس ثفر وعجزه: "وتتقي مربض المستثقر الحامي" وعزي للنابغة وهو في ديوانه "222" وهو مثل أورده العسكري "1/140".

(2/200)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً تَكُونُ فَقَالَ لِعَمَّارٍ أَمَا وَاللَّهِ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَتَشْحُوَنَّ فِيهَا شَحْوًا لا يُدْرِكُكَ الرَّجُلُ السَّرِيعُ ثَوْبُكَ فِيهَا أَنْقَى مِنَ الْبَرَدِ وَرِيحُكَ فِيهَا أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ1.
حُدِّثْتُ به عن أبي روق أخبرنا محمد بن محمد بن خلاد الباهلي أخبرنا أَبُو قُبَيْصَةَ مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ. قوله لتشحون فيها يريد السعي والتقدم فيها وأصل الشحو سعة الخطو. ويقال دابة شحوى إذا كانت وساعا يأخذ وقع قوائمها أخذا كثيرا من الأرض.
ومن حديث خبر كعب ذكره أَبُو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي أن كعبا كان في سفينة ومعه شاب من قريش فَقَالَ له القرشي: قد أكثرت القول رأيت في الكتاب الأول فأخبرني أرأيت نعت سفينتنا في الكتاب الأول قَالَ لا ولكني رأيت في الكتاب الأول تكون فتنة ينهض فيها رجل أشغي يشحو فيها شحوا كثيرا ثم يقتل2.
قَالَ ابن الأعرابي وكان الفتي أشغي فوجم وانكسر قَالَ فلما كان يوم صفين قتل الفتى.
__________
1 الفائق "شحا" "2/225" والنهاية "شحا" "2/450".
2 الفائق "شغى" "2/253 – 254" والنهاية "شغى" "2/484".

(2/200)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ / أَنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمَ بِالْقُرْآنِ وَكَانَ عَلِيٌّ أَعْلَمَ [78] بِالْمُهَيْمِنَاتٍ1.
مِنْ حَدِيثِ إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا وهب بن جرير أخبرنا أَبِي عَنْ أَيُّوبَ أَوِ الزُّبَيْرِ بن خريث عَنْ عِكْرِمَةَ هَكَذَا أُثْبِتَ لِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ بعض رواة هذا الكلام المهيمنات القضايا.
قَالَ بعض أهل اللغة الهيمنة القيام على الشيء والرعاية له وأنشد:
إلا إن خير الناس بعد نبيه ... مهيمنه التاليه في العرف والنكر2
يريد القائم على الناس بعده بالرعاية لهم واحتج بقول اللَّه تعالى: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} 3 قَالَ: معناه قائما عليه وَقَالَ الأكثرون من أهل التفسير شاهدا عليه.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِنِّمَا أَرَادَ بِهَا الْقَضَايَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْقَضَاءَ مِمَّا يَتَوَلَّى الْقِيَامُ بِهِ الْوُلاةُ أَوْ لأَنَّهُ مِمَّا قَدْ تَدْخُلُهُ الشَّهَادَاتُ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "أقضاكم علي" 4
__________
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "2/367" بلفط "المبهمات" بدل "المهيمنات" وانظر الفائق "همن" "4/113" والنهاية "5/276".
2 اللسان والتاج "همن" دون عزو وسبق في هذا الجزء لوحة "32".
3 سورة المائدة: "48".
4 أخرجه ابن ماجه في المقدمة "1/55" من حديث أنس رضي الله عنه في حديث ... =

(2/201)


قالوا: ولم يأت مفيعل في غير التصغير إلا في ثلاثة أحرف مسيطر ومبيطر ومهيمن.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وقد ذاكرت بهذا الحديث بعض أهل اللغة فَقَالَ إنما هي المهيمات أي المسائل الدقيقة التي تهيم الإنسان وتحيره.
يُقَالُ هام الرجل إذا تحير وهيمه الأمر إذا حيره.
وَقَالَ أَبُو مالك يُقَالُ هيم الرجل إذا جعل يهذي بالشيء يتذكره قَالَ الأخطل:
هيم لنفسك يا جميع ولا تكن ... لبني قريبة والبطون تهيم1
ويروى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذكر عليا فأثني عليه وَقَالَ علمي إلى علمه كالقرارة في المثعنجر2 أي كالغدير في البحر. وأصل القرارة الموضع المطمئن من الأرض يستقر فيه ماء المطر قَالَ عقيل بن بلال بن جرير:
وما النفس إلا نطفة بقرارة ... إذا لم تكدر كان صفوا غديرها3
وَقَالَ عنترة:
فتركن كل قرارة كالدرهم4
ويقال اثعنجر الماء إذا سال واثعنجر السحاب بالمطر إذا جاد به
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: ولست أبعد أن يكون الصحيح المبهمات وإنما تابعت الرواية.
__________
= طويل وقد أخرجه البخاري أيضا في التفسير "6/23" من قول عمر بلفظ "أقضانا" وكذلك أحمد في "5/113".
1 اللسان والتاج "هيم" برواية "فاهيم" وشعر الأخطل "1/390" برواية اللسان.
2 الفائق "قرر" "3/181" والنهاية "قرر" "4/38".
3 الفائق "قرر" وعزي في هامش س لعمارة بن عقيل بن بلال بن جرير.
4 عجز بيت في الديوان "145" وصدره "جادت عليها كل عين ثرة".

(2/202)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ حَبَّةَ أَرَاهُ الْعُرَنِيَّ قَالَ: شَهِدْنَا مَعَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ فَقَسَّمَ مَا فِي الْعَسْكَرِ بَيْنَنَا أصاب كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا خَمْسَ مِائَةٍ خَمْسَ مِائَةٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمَ صِفِّينَ فِي كَلامٍ لَهُ:
قُلْتُ لِنَفْسِي السُّوءَ لا تَفِرِّينَ ... لا خَمْسَ إِلا جَنْدَلِ الإِحِرِّينَ1
حَدَّثَنِيهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بن موسى أخبرنا عبد الله بْنُ أَجْلَحَ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ حَبَّةَ. أراد بالإحرين جمع الحرة وهو جمع على غير قياس يُقَالُ حرة وحرات وحرار وإحرون.
قال بعضهم: إحرون والحرة أرض ذات حجارة سود يخاطب نفسه يقول لها ليس لك اليوم إلا الحجارة والخيبة. ورواه بعضهم لا خمس بكسر الخاء من ورد الماء خمسا وأنشده:
لا خَمْسَ إِلا جَنْدَلِ الإِحِرِّينَ ... والخمس قد جشمك الأمرين
والخمس بفتح الخاء أليق بمعنى الحديث يعنى الخمس المئات التي أخذوها يوم الجمل. [79]
__________
1 الفائق "خمس" "1/396" والنهاية "خمس" 365" والرجز في اللسان والتاج "حرر" من قطعة عدتها عشرة أبيات وهي معزوة لزيد ين عتاهية التميمي.

(2/203)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ قَوْمًا أَتَوْهُ فَاسْتَأْمَرُوهُ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ فَنَهَاهُمْ وَقَالَ إن تفعلوا فبيضا فلتفرخنه1.
__________
1 أخرجه ابن سعد في طيقاته "3/65" عن أبي إسحاق عن عمرو بن الأصم بلفظ "لا آمركم فإن أبيتم فبيض فليفرح..=

(2/203)


يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ حدثني عبد الله بن عمر أخبرنا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.
هذا مثل يقول إن قتلتموه نتجتم فتنة ولودا وشبهها بالبيض الَّذِي يخرج منه الفراخ قَالَ الأعشى:
وفى كل عام بيضة تفقؤونها ... فتفقا وتبقى بيضة لا أخالها1
__________
= وفي النهاية "فرخ" "3/424" وجاء فيها: "ونصب بيضا بفعل مصمر دل الفعل المذكور عليه تقديره: فلتفرخن بيضا, كما تقول: زيدت ضربت أي ضربت زيدا ضربت, فحذف الأول وإلا وجه لصحته بدون هذا التقدير, لأن الفاء الثانية لا بد لها من معطوف عليه ولا تكون لجواب الشرط لكون الأول لذلك ويقال: أفرخت البيضة إذا خلت من الفرخ, وأفرختها أمها.
1 الديوان "307" برواية فتؤذي" بدل "فتفقا".

(2/204)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لا أَدْعُ الْحَجَّ وَلَوْ أَنْ أَتَزَرْنَقُ1.
قَالَ بعض أهل اللغة يريد أخذ الزرنقة وهي العينة.
ويروى عَنْ عائشة أنها كانت تأخذ الزرنقة أي تعتان.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ قَالَ ابن الأعرابي معناه ولو أن أستقي بالزرنوق وأجمع وأحج وهذا أشبه.
__________
1 الفائق "زرنق" "2/108" والنهاية "زرنق" "2/301" وجاء فيها: العينة: أن يشتري الشيء بأكثر من ثمنه إلى أجل, ثم يبيعه أو من غيره بأقل مما اشتراه وكأنه معرب زرنه: أي ليس الذهب معي.
وجاء فيها أيضا: الزرنق: آلة معروفة من الآلات التي يستقي بها من الآبار وهو أن ينصب على البئر أعواد وتعلق عليها البكرة.

(2/204)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ جَاءَهَا ابْنَهَا مِنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنَهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ يَخْتَصِمَانِ إِلَيْهَا يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ أَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِيكَ فقال علي: عَزَمْتُ عَلَيْكِ لَتَقْضِيَنَّ بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ لابْنِ جَعْفَرٍ كَانَ أَبُوكَ خَيْرَ شَبَابِ النَّاسِ وَقَالَتْ لابْنِ أَبِي بَكْرٍ كَانَ أَبُوكَ خَيْرَ كُهُولِ النَّاسِ ثُمَّ الْتَفَتَتْ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَتْ إِنَّ ثَلاثَةً أَنْتَ آخِرُهُمْ لخيار1.
حدثناه ابن السماك أخبرنا جعفر بن شاكر الصائغ أخبرنا محمد بن سابق أخبرنا عَيْثَرُ أَبُو زُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وقد سمعت في هذا الخبر ولا أعرف إسناده أن عليا قَالَ لأولادها منه قد فسكلتني أمكم2.
الفسكل آخر فرس جاء في الحلبة والخيل إذا تسابقت3 فأولها السابق ثم المصلى ثم الثالث والرابع كذلك إلى التاسع فإذا انتهت إلى العاشر فاسمه السكيت وهو آخر ما يعتد به فإذا لم يبق منها إلا واحد فجاء آخر الخيل فهو الفسكل
__________
1 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء "2/75 – 76.
2 الفائق "فسكل" "3/117" وجعله تابعا للحديث المتقدم والنهاية "فسكل" "3/446".
3 ط: "سابفت".

(2/205)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا الْتَقَى الْفَرِيقَانِ يَوْمَ الْجَمَلِ صَاحَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ:
رُدُّوا عَلَيْنَا شَيْخَنَا ثُمَّ بَجَلْ
فقالوا1:
__________
1 "فقالوا" ساقط من ح.

(2/173)


كَيْفَ يُرَدُّ شَيْخُكُمْ وَقَدْ قَحَلْ1
قَالَ ثُمَّ اقْتَتَلُوا. قَالَ الرَّاوِي: فَمَا شَبَّهْتُ وَقْعَ السُّيُوفِ عَلَى الْهَامِ إِلا بِصَوْتِ الْبَيَازِرِ عَلَى الْمَوَاجِنِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الشَّيْبَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الأَعْرَابِيِّ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ عَنْهُ.
وَحُدِّثْتُ بِمَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي إِسْنَادٍ لَهُ إِلا أَنَّ بَعْضَ اللَّفْظِ يُخَالِفُهُ.
قوله ثم بجل أي حسب يُقَالُ حسبي وبجلي وشرعي. بمعني واحد.
ومن هذا قول علي واشتري قميصا بثلاثة دراهم فلبسه ثم قَالَ شرعك ما بلغك المحل2.
وقولهم قحل أي مات وجف جلده على عظمه. يُقَالُ جلد قاحل وخبز قاحل أي يابس ورجل متقحل أي متقشف. ومن هذا حديث أم ليلى قالت: "أمرنا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا نقحل أيدينا من خضاب"3.
وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عبدوس أخبرنا محمد بن عبد الله بن نوفل أخبرنا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ جَعْفَرٍ [68] عَنِ ابْنِ مُبَارَكٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ هَارُونُ بْنُ رَبَابٍ عَنْ كَنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ عن نعيم عن / قبيصة عن المخارق عن
__________
1 أخرحه الطيري في تاريخه "4/518, 530, 531" بدون قول الراوي: فما شبهت.....
2 أخرجه الإمام أحمد في كتاب الزهد ص "130" قصة اشترائه القميص بثلاثة دراهم, وأبو نعيم في الحلية "1/83" وكلاهما بدون قوله: "شرعك مابلغك المحل" وهذه الجملة مثل في الميداني "1/362" والزمخشري "2/132" البكري "249" واللسان "شرع" ومعناه: حسبك من الزاد ما يبلغك مقصدك.
3 ذكره الحافظ في ترجمة أم ليلى في الإصابة "4/493".

(2/174)


طارق1 قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لأَنْ يَعْصِبَهُ أَحَدُكُمْ بِقَدٍّ حَتَّى يَقْحَلَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ فِي نِكَاحٍ" 2.
والبيازر العصي واحدتها بيزارة. يُقَالُ بزره بالعصا إذا ضربه بها والمواجن واحدتها ميجنة وهي الخشبة التي يدق عليها القصار الثياب.
قَالَ ابن الأعرابي يُقَالُ للرجل العظيم الرقبة كأن رقبته ميجنة.
__________
1 من هامش س.
2 الفائق "قحل" "3/163" والنهاية "قحل" "4/18".

(2/175)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ حَبَّذَا أرض الكوفة أرض سواء سَهْلَةٌ مَعْرُوفَةٌ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ أخبرنا عباس بن محمد الدوري حدثنا يحيى بن معين أخبرنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
قَالَ الدوري قلت ليحيى بن معين ما قوله أرض سواء قَالَ مستوية.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وهذا صحيح كما قاله وكل مستو من أرض ومكان أو غير ذلك من شيء فهو [73] سواء وَمِنْهُ قَوْلُ الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} 2 أي عدل ذات استواء قَالَ الشاعر:
فاضرب وجوه الغدر الأعداء ... حتى يجيبوك إلى السواء
__________
1 أخرجه ابن معين في تاريخه "4/51" "رقم "3097" ولم يذكر عمرو بن دينار بين سفيان وعلي.
2 سورة آل عمران: "64"

(2/187)


والسواء الوسط أيضا وَقَالَ عيسى بن عُمَر في كلام له لقد كتبت حتى انقطع سوائي يريد ظهره وَقَالَ حسان:
يا ويح أنصار النبي ورهطه ... بعد المغيب في سواء الملحد1
والسواء التمام أيضا يُقَالُ هذا درهم سواء أي تام ومن هذا قول اللَّه تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} 2 معناه والله أعلم تماما.
ويقال هذا مكان سوى إذا كان وسطا بين موضعين ومن هذا قوله تعالى: {مَكَاناً سُوَىً} 3 وَقَالَ الشاعر:
وإن أبانا كان حل ببلدة ... سوى بين قيس قيس عيلان والفزر4
والسهلة إذا أردت نعت الأرض كانت نقيضة الحزنة وإذا كسرت السين فهي الأرض التي ترابها كالرمل وتربة أرض الكوفة شبيهة بذلك.
واختلفوا في تسمية الكوفة فَقَالَ بعضهم: إنما سميت الكوفة لاستدارتها والعرب تسمي الرملة المستديرة كوفانا وأنشدني أَبُو عُمَر أنشدني العطافي:
اربع على القبر بظهر الكوفة ... وقل لكوفان شبيه الجنة
__________
1 لم أقف عليه في ديوانه ط الهيئة المصرية للكتاب.
2 سورة فصلت: "10".
3 سورة طه: "58". في كتاب الكشاف عن وجوه القراءات السبع "2/98" قوله {مَكَاناً سُوَىً} قرأ ابن عامر وحمزة بضم السين وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان مثل "طوى وطوى" وهو نعت لـ مكان ومعناه: مكانا نصفا فيما بين الفريقين, وهو فعل من التسوية فالمعنى مكانا تستوي مسافته على الفريقين وفعل قليل في الصفات نحو عدى وفعل كثير في الصفات نحو قولك: لبد وحطم.
4 اللسان والتاج "سوا" برواية "وجدنا أبانا" وعزي لموسى بن جاير وفي الجمرة "2/323" وجاء فيها: وقد سمت العرب فزارة, وهو أبو حي من العرب وفزرا وفزيرا.

(2/188)


وَقَالَ آخرون إنما سميت كوفة لاجتماع الناس بها. يُقَالُ تكوف الرمل إذا ركب بعضه بعضا.
وَقَالَ الأصمعي: سميت الكوفة لأن سعدا لما فتح القادسية نزل المسلمون الأنبار فأذاهم البق فخرج سعد يرتاد لهم موضعا وَقَالَ لهم تكوفوا في هذا الموضع أي اجتمعوا فيه ويقال بل أخذت من الكوفان يُقَالُ هم في كوفان أي في بلاء وشر. قال الشاعر:
وما أضحي ولا أمسيت إلا ... أراني منكم في كوفان1
والمعروفة الطيبة العرف.
وأخبرني أبو عُمر قَالَ: قَالَ أَبُو العباس: يُقَالُ: حبذا كذا بمعنى ما أحبه قَالَ: ومثله شبذا.
__________
1 اللسان والتاج "كوف" برواية:
فما أضحي وما أمسيت إلا ... وإني منكم في كوفان
دون عزو.

(2/189)