غريب الحديث للخطابي

حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ الله عنه
حَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ الْمَخْدَجِيَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ يَزْعُمُ أَنَّ الْوِتْرَ حَقٌّ فَقَالَ: "كَذَبَ أبو محمد".
...
حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ الْمَخْدَجِيَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ يَزْعُمُ أَنَّ الْوِتْرَ حَقٌّ فَقَالَ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ1.
حَدَّثَنَاهُ مُكْرَمُ بن أحمد أخبرنا يحيى بن أبي طالب أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنِ الْمَخْدَجِيِّ2.
[115] قوله: الوتر حق أي واجب يُقَالُ حق الأمر يحق ويحق حقا إذا وجب وقد / حققت الشيء أحقه وأحققته أيضا أحقه.
وَقَوْلُهُ: كذب أَبُو مُحَمَّد لم يذهب به إلى الكذب الَّذِي هو الانحراف عَنِ الصدق والتعمد للزور وإنما أراد به أنه زل في الرأي وأخطأ في الفتوى وذلك لأن حقيقة الكذب إنما يقع في الإخبار ولم يكن أَبُو مُحَمَّد في هذا مخبرا عَنْ غيره وإنما كان مفتيا عَنْ رأيه وقد نزه اللَّه أقدار الصحابة عَنِ الكذب وشهد لهم في محكم كتابه بالصدق والعدالة فَقَالَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} 3.
ولأبي مُحَمَّد هذا صحبة وهو رجل من الأنصار من بني النجار واسمه مسعود بن زيد بن سبيع مشهور عند العلماء.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "3/5" والإمام مالك في الموطأ "1/123" وأبو داود في الوتر "2/62" والنسائي في الصلاة "1/230" وابن ماجة في إقامة الصلاة "1/448".
2 في التقريب "2/544" المخدجي راوي حديث الوتر, عن عبادة بن الصامت قيل: اسمه رفيع وقيل غير ذلك.
3 سورة الحديد: "19".

(2/302)


وَقَدْ يَجْرِي الْكَذِبُ فِي كَلامِهِمْ مَجْرَى الْخَطَأِ وَيُوضَعُ مَوْضِعَ الْخُلْفِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ كَذَبَ سَمْعِي وَكَذَبَ بَصَرِي وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ الَّذِي وَصَفَ لَهُ الْعَسَلَ: "صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ" 1. وَقَالَ الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... ملس الظلام من الرباب خيالا2
وَقَالَ ذو الرمة:
وقد توجس ركزا مقفر ندس ... لنبأة الصوت ما في سمعه كذب3
ومن هذا قول عروة في ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا الدغولي أخبرنا المظفري أخبرنا مصعب الزبيري أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ عُرْوَةَ كَمْ لَبِثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: عَشْرًا. قُلْتُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: "لَبِثَ بِضْعَ عَشْرَةَ فَقَالَ كَذِبَ"4. ثُمَّ قَالَ: ذَهَبَ إِلَى شِعْرِ ابْنِ صِرْمَةَ:
ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حَجَّةً ... يَذْكُرُ لَوْ يَلْقَى خَلِيلا مُوَاتِيَا
يُرِيدُ أَخْطَأَ.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لِسَمُرَةَ بن جندب.
وروى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ قَالَ سمرة في
__________
1 أخرجه البخاري في الطب "7/159 – 165" ومسلم في السلام "4/1736" والترمذي في الطب "4/409" والإمام أحمد في مسنده "3/19, 20".
2 اللسان "كذب" برواية "غلس الظلام" وفي شعر الأخطل "1/105".
3 الديوان "21" برواية: "بنبأة الصوت".
4 أخرحه عبد الرزاق في مصنفه "3/599" بدون الشعر وأخرجه الحاكم في مستدرك مع الشعر "2/626" إلا أنه لم يذكر "كذب" برواية "يذكر ألفي صديقا مواتيا".

(2/303)


الْمُغَمَى عَلَيْهِ يُصَلِّي مَعَ كُلِّ صَلاةٍ صَلاةً حَتَّى يَقْضِيَهَا فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ كَذِبْتَ وَلَكِنَّهُنَّ يُصَلِّيهِنَّ مَعًا يُرِيدُ أَخْطَأْتَ1.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ حَدَّثَنَاهُ الصَّفَّارُ أخبرنا عباس الدوري أخبرنا قراد2 أبو نوح أخبرنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد الأنصاري أخبرنا الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ قَالَ: كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاةِ فَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ مِنَّا رَجُلٌ ظَهْرَهُ لِلسُّجُودِ حَتَّى يَضْعَ رَسُولَ اللَّهِ جَبِينَهُ عَلَى الأَرْضِ3.
قوله: وهو غير كذوب أي غير مظنون به الخطأ أو غير مجرب عليه الغلط في الرواية يصفه بالحفظ والإتقان.
وأخبرنا ابن الأعرابي أخبرنا عبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ معين.
قَالَ: قوله: وهو غير كذوب يريد عبد الله بن زيد لا يُقَالُ لرجل من أصحاب رسول الله غير كذوب4.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: ولا أعلم خلافا في أن الوتر ليس بفرض إلا أن بعض الفقهاء قد علق فيه القول وقد سبقه الإجماع بخلافه
__________
1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "2/269" عن حفص عن سليمان التيمي بلفظ فقال عمران: ليس كما يقال يقضيهن جميعا بدون "كذب".
2 في التقريب "1/494" هو عبد الرحمن بن غزوان بمعحمة مفتوحة وازي ساكنة, الصبي – أبو نوح المعروف بقراد بضم القاف وتخفيف الراء ثقة له أفراد مات سنة 187 هـ.
3 أخرجه البخاري في الأذان "باب متى يسجد من خلف الإمام" "1/168" ومسلم في الصلاة "1/345" والترمذي في الصلاة "2/70" وأبو داود في الصلاة "1/168" وأحمد في مسنده "4/300" بألفاظ متقاربة والبيهقي في سننه "2/92".
4 أخرجه ابن معين في تاريحه "3/518" رقم النص "2534" برواية "ولا يقال للبراء كان غير كذب".

(2/304)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: يُوشِكُ أَنْ تَرَى الرَّجُلَ مِنْ ثَبَجِ الْمُسْلِمِينَ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ فَأَعَادَهُ وَأَبْدَاهُ لا يَحُورُ فِيكُمْ إِلا كَمَا يَحُورُ صَاحِبُ الْحِمَارِ الْمَيِّتِ1. حَدَّثَنِيهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن مالك أخبرنا
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "6/125 – 126".

(2/306)


الحسن بن زياد السري أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس أخبرنا عبد الحميد بن بهرام أخبرنا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبَ عَنِ ابْنِ غَنْمٍ عَنْ عُبَادَةَ.
قوله: من ثبج المسلمين أي من سراتهم وعليتهم. والثبج أعلى متن الشيء.
ومنه حديث الزهري
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ الأعرابي أخبرنا الدوري أخبرنا يحيى بن معين أخبرنا الأصمعي أخبرنا مالك عَنِ الزهري قَالَ جالست ابن المسيب سبع سنين لا أحسب أن عالما غيره ثم تحولت إلى عروة بن الزبير ففجرت منه ثبج بحر1.
يريد معظم ماء البحر وروي2 بعضهم ثجة بحر أي دفعة من دفعات البحر والثج الصب ومن هذا قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} 3 مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ سَائِلا.
يُقَالُ: ثججته فثَجَّ أي صببته فانصب ويقال أراد مثجوجا فاعل بمعنى مفعول والله أعلم.
وَقَوْلُهُ: لا يحور فيكم معناه لا يرجع فيكم بخير ولا ينتفع بما حفظه من القرآن كما لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه.
يُقَالُ: حار الشيء يحور بمعنى رجع أنشدني أبو عُمر أنشدنا ثعلب:
/ وقلت له أهلا وسهلا فلم يحر ... بك الليل إلا للجميل من الأمر [117]
__________
1 أخرجه ابن معين في تاريخه "4/282" رقم "4390".
2 د, ح: "ورواه تعضهم".
3 سوررة النبأ:"14".

(2/307)


وأكثر ما يراد بالحور الرجوع إلى النقص ومنه قولهم: نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي النقص بعد التمام ويقال: أَنَّهُ مأخوذ من كور العمامة وحورها. يُقَالُ: كار الرجل عمامته إذا لواها على رأسه وحارها إذا نقضها.
وَقَالَ بعض السلف: لو عيرت رجلا بالرضع1 لخشيت أن يحور بي داؤه أي يكون علي مرجعه.
__________
1 النهاية "رضع" أي يرضع الغنم من ضرعها ولا يحلب في الإناء للؤمه, أي لو عيرته بهذا لخشيت أن أبتلى به.

(2/308)


حديث عبادة بْنُ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ شَاءٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تَرْعَى ... ".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبادة أو عبد الله بْنُ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ: يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ شَاءٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تَرْعَى / فَوْقَ رُؤُوسِ الظِّرَابِ يَأْكُل [116] أَهْلُهَا مِنْ لُحْمَانِهَا وَيَشْرَبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا. وَجَرَاثِيمُ الْعَرَبِ تَرْتَهِسُ بِالْفِتْنَةِ1.
وَيُرْوَى تَرْتَهِشُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ عبد الله بْنِ الصَّامِتِ.
هَكَذَا حَدَّثُونَا عَنْ علي بن عبد العزيز عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ حَمَّادٍ. وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ.
الظراب جمع الظرب وهو ما ارتفع من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلا.
وَقَوْلُهُ: ترتهس أي تختلف وتضطرب وَأَنْشَدَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ:
إن الدواهي في الآفاق ترتهس2
والارتهاش قريب من الارتهاس ومعناه الاصطدام والاصطكاك ويقال للدابة إذا اصطكت يداها في السير قد ارتهشت.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ اخْتِلافٌ3.
حدثنيه محدث أخبرنا أَحْمَدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى أخبرنا حماد بن عباد المكي أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ مَسْمُولٍ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُخَوَّلٍ الْبَهْزِيَّ عن السلمي
__________
1 ذكره السيوطي في الجامع الكبير "1/1019" وعزاه للحاكم وكذلك المتقي في كنز العمال "11/146" إلا أن الحديث في المستدرك للحاكم مرفوع, وفي بعض ألفاظ اختلاف يسير كما سيأتي بعد القليل.
2 الفائق "2/376" بدون عزو.
3 أخرجه الحاكم في المستدرك "4/458" عن غبادة بن الصامت مرفوعا بلفظ ... "شاتين مكية ومدنية ترعى فوق رؤوس الضراب".

(2/305)


قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ خَيْرُ الْمَالِ فِيهِ غَنَمٌ تَأْكُلُ مِنَ الشَّجَرِ وَتَرِدُ الْمَاءَ يَأْكُلُ صَاحِبُهَا مِنْ رِسْلِهَا وَيَشْرَبُ مِنْ أَلْبَانِهَا وَيَلْبَسُ مِنْ أَصْوَافِهَا أَوْ قَالَ أَشْعَارِهَا وَالْفِتَنُ تَرْتَكِسُ بَيْنَ جَرَاثِيمِ الْعَرَبِ" 1.
قوله: ترتكس أي تعود مرة بعد أخرى وتنتكس يُقَالُ ركست الرجل وأركسته إذا نكسته في الشر ورددته إليه ومن هذا قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} 2 أي ردهم في كفرهم ونكسهم في ضلالتهم.
وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الاسْتِنْجَاءِ وَقَدْ نَاوَلُوهُ3 بَعْرًا فَرَمَى بِهِ وَقَالَ: "إِنَّهُ رِكْسٌ" 4 يُرِيدُ أَنَّهُ رَجِيعٌ قَدْ رُدَّ مِنَ الطَّهَارَةِ إِلَى النَّجَاسَةِ.
وجراثيم العرب جماعاتها وأصول قبائلها وجرثومة كل شيء مجتمع أصله5.
__________
1 ذكره الهيثمي في مجمعه "7/303" عن مخول البهزي بدون أن يسند إلى السلمي عن أبيه وعزاه للطبراني في الأوسط وذكره أيضا في "7/304 – 305" حديثا آخر عن مخول البهزي ثم السلمي وعزاه لأبي يعلى والطبراني وذكره الحافظ في المطالب العالية "4/270" عن مخول البهزي وعزاه لأبي يعلى.
2 سورة النساء: "88".
3 د, ط: "ناوله".
4 أخرجه البخاري في الوضوء "1/49" والترمذي في الطهارة "1/25" والنسائي في الطهارة "1/40" وأحمد في مسنده "1/388, 418, 427, 465".
5 كذا في س, ح وفي د, ط "حرثومة كل شيء: معظمه".

(2/306)