غريب الحديث للخطابي

حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا تَوَضَّأْتَ فَأَمِرَّ عَلَى عِيَارِ الأذنين".
...
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا تَوَضَّأْتَ فَأَمِرَّ عَلَى عِيَارِ الأُذُنَيْنِ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن زيرك أخبرنا العباس بن محمد الدوري أنبأنا أبو النضر أخبرنا أَبُو مَالِكٍ النَّخْعِيُّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ الدوري: يريد بالعيار ما فوق الأذنين كأنه يذهب إلى العيار الَّذِي تعتبر به الأشياء يريد به الموضع الَّذِي ينتهي إليه حد الأذن ولست أرى هذا شيئا لأنه لا سنة في غسل ما وراء الأذنين ولا في إمرار الماء على ما فوقها وإنما وردت السنة بمسح الأذن نفسها وكان يأخذ لهما ماء جديدًا فيمسح ظاهرهما وباطنهما وإنما العيار ما عار ونتأ من الأذن أي أشرف وارتفع منها وكل عظم ناتىء من البدن عير ومنه عير القدم وعير الكتف وهوالعظم الناتىء في وسطه وعير السيف حامله وهو ما غلظ من وسطه وكذلك عير النصل قَالَ الراعي:
فصادف سهمه أحجار قف ... كسرن العير منه والغرارا2
ولهذا المعنى سمي الوتد عيرا قَالَ الحارث بن حلزة:
زعموا أن كل من ضرب العير ... موال لنا وأنى الولاء3
__________
1 الفائق "عير" "3/44" والنهاية "عير" "3/329".
2 لم أقف عليه في ديوانه ط المجمع العلمي العراقي.
3 د: "موالي لنا" والبيت في اللسان والتاج "عير" ورواية التاج: "موال لها" وقال: هكذا أنشده الصاغاني وهو في التكملة "3/133" ويروى: الولاء بالكسر, وهو في ديوانه "10".

(2/417)


قَالَ أصحاب المعاني: أراد بالعير الوتد وذلك لأن العرب نازلة العمد فكلهم يضربون الأوتاد لخيامهم إذا نزلوا.
وَقَالَ بعضهم: بل العير هاهنا المثال القائم الَّذِي يرى في حدقة الإنسان يريد كل من ضرب بجفن على عير.
وسئل أَبُو عمرو بن العلاء عَنْ تفسير هذا البيت فَقَالَ ذهب من كان يحسن أن يفسره.
قَالَ الأصمعي: ثم فسر العير فقال هو الناتىء في بؤبؤ العين قَالَ ومعناه كل من انتبه من نومه قَالَ ومنه قولهم: آتيك قبل عير وما جرى أي آتيك قبل أن ينتبه نائم.
وَقَالَ غير أبي عمرو في قولهم قبل عير وما جرى يراد به السرعة أي قبل لحظة العين وأنشد لتأبط شرا:
ونار قد حضأت بعيد هدء ... بدار ما أريد بها مقاما
سوى تحليل راحلة وعير ... أكالئه مخافة أن يناما1
قَالَ أَبُو العباس ثعلب معنى قوله: وأنى الولاء أي أصحاب الولاء
__________
1 الشعر في الحيوان للجاحظ "4/482, 7/196" والنوادر "123" واللسان والتاج "عير من" والمخصص "1/94" والميداني "1/320" في قائله وروايته فقيل: هو لسهم بن الحارث أو شمر بن الحارث الضبي أو شمير بن الحارث أو تأبط شرا كما رواه الخطابي وروى البيت الثاني في الحيوان والنوادر:
سوى تحليل راحلة وعين ... أكالئها مخافة أن تناما
جاء بعد البيتين آخران:
أتَوْا ناري فَقُلْتُ مَنُونَ أنتُم ... فقالوا الجِنُّ قُلْتُ عِمُوا ظَلامًا
فقلت إلى الطعام فقال منهم ... زعيم نحيسد الإنس الطعاما

(2/418)


فأضمر قَالَ وهذا الحرف عنى أَبُو عمرو بن العلاء بقوله: ذهب من يحسنه وقد يحتمل أن يكون ذلك غيار الأذن بالغين معجمة وهو محارها.
ويقال غارت الشمس غيارا إذا غابت إلا أن الرواية جاءت بالعين غير معجمة والله أعلم بالصواب.

(2/419)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ شَيْخًا مِنْ طُفَاوَةَ قَالَ: تَثَوَّيْتُهُ فَلَمْ أَرَ رَجُلا أَشَدُّ تَشْمِيرًا وَلا أَقْوَمَ عَلَى ضَيْفٍ مِنْهُ1.
أَخْبَرَنَاهُ ابْنُ داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا مومل أخبرنا إِسْمَاعِيلُ عَنِ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ طُفَاوَةَ يَقُولُ ذَلِكَ.
قوله: تثويته أي تضيفته والثوي الضيف قَالَ القطامي:
/ فمن يكن استلام إلى ثوي ... فقد أكرمت يا زفر المتاعا2 [155]
وَقَالَ ذو الرمة:
فقلت لها لا بل هموم تضيفت ... ثويك والظلماء ملقى سدولها3
وأصل هذا من الثواء وهو المكث في الإقامة4 يُقَالُ ثوى الرجل وأثويته إذا أويته إلى منزلك قال الشاعر:
__________
1 أخرجه أبو داود في النكاح "2/254 – 254" في حديث طويل والإمام أحمد في مسنده "2/540" وفي الفائق "ثوى" "1/180" وفي القاموس "طفا" "طفاوة: حي من قيس عيلان.
2 س: "فمن يكن السلام" والمثبت من د, ح والديوان "37" وفي الأغاني "20/310" "ومن يكن استنام إلى التوقي".
3 الديوان "53".
4 س: "وهو المكث والإقامة" والمثبت من باقي النسخ.

(2/419)


فإن شئت أثويناك في الحي مكرما ... وإن شئت بلغناك أرضا تريدها1
يريد ضيفناك عندنا ومنه الحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عليه كتب في صلح أهل نجران أن عليهم مثوى رسله ثلاثة أيام2 يريد ضيافتهم وما يقيمهم هذه المدة.
__________
1 شرح الحماسة للمرزوقي "4 حماسة "719" من غير عزو.
2 بهذا اللفظ أخرحه ابن زنجوية في كتابه "الأموال" كما ذكره ذلك الدكتور حميد الله في الوثائق السياسية ص "144" إلا أن فيه "مثوى رسلي عشرين ليلة فما دونها" وذكره رواية أخرى في ص "141" بلفظ."مؤونة رسلي" بدل "مثوى رسلي".

(2/420)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه مِنَ الْكِسَرِ الْيَابِسَةِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ تَهْذِرُونَ الدُّنْيَا وَنَقَرَ بِإِصْبَعِهِ1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ المكي أخبرنا الصائغ أخبرنا سعيد أخبرنا عبد الحميد بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَذْكُرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: تهذرون يريد تبذير المال وتفريقه في كل وجه ومنه هذر الكلام وهو الإكثار منه مع الإسقاط فيه.
يُقَالُ: رجل هذر ومهذار. ورواه بعضهم تهذون2 الدنيا وهو أشبه بالصواب.
__________
1 كذا في س, ط, وفي د, ح "نقد بإصبعه" والحديث في الفائق "هذر" "4/98" وفي النهاية "نقد" "4/104" ونقد بإصبعه أي نقر, والحديث أخرجه ابن سعد في طبقاته "1/403" بطريق سعيد بن منصور إلا أنه قال: "تهدرون" بدل "تهذرون" وأخرجه مسلم في الزهد "4/2284" ... بلفظ "رأيت أبا هريرة يشير بإصتعه مرارا يقول: "والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأهله ثرثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا", والترمذي في الزهد "4/580" والإمام أحمد في مسنده "2/434" والرواية عند الجميع يشير بإصبعه.
2 كذا في الفائق "4/98" أي تقطعونها إلى أنفسكم وتجمعونها وتسرعون في إنفاقها من هذ القراءة.

(2/420)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ رَأَيْتُ الْوُعُولَ تَجْرِشُ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا مَا هِجْتُهَا وَلامَسْتُهَا لأَنَّ رسول الله حَرَّمَ شَجَرَهَا أَنْ يُعْضَدَ أَوْ يُخْبَطَ1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن مالك أخبرنا عمر بن حفص الدوسي أخبرنا عاصم أخبرنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ حَبِيبٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: تجرش أي ترعى وتقضم والجرش أكل الشيء الخشن والجرش الحك أيضا قَالَ رؤبة:
يا ليتني كنت بقفر أجترش ... كل مكون في كداها تحترش2
فيحتمل أن يكون أراد هذا المعنى فتكون الرواية تجرش أي تحكك وتمرغ
وَقَوْلُهُ: مستها يريد مسستها يريد مسستها وهو لغة لهم في ذوات التضعيف إذا كثر استعمالها حذفوا أحد الحرفين طلبا للخفة كقولهم في ظللت ظلت وفي أحسست وَقَالُوا: في مسست مست ومست وأنشد الفراء:
لو مست مقدمها أو مؤخرا لسعا
يعني عقربا أراد مسست وشبهوه بالإدغام وليس بإدغام إلا أَنَّهُ بعلة الإدغام وذلك أنهم نحوا بالإدغام التخفيف لأن حروف التضعيف مما يثقل تكراره على اللسان وعلى هذا قرأ {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} 3 مفتوحة
__________
1 أخرجه الطبري في تهذيب الآثار كما في كنز العمال "14/134" بلفظه. وأخرجه مسلم في كتاب الحج "2/1000" بلفظ: "حرم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ما بين لابتي المدينة فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها".
2 لم أقف عليه في ديوانه ولا ملحق الديوان.
3 سورة الأحزاب: "33".

(2/421)


القاف من قر يقر قرارا وأنكره اليزيدي وَقَالَ لم نسمعهم يقولون ذلك إلا فيما كان من المضعف على فعلت مكسورة العين مثل مسست وظللت فيقولون مسن ومسن وظلن وظلن وإنما هي قررت في المنزل أقر قرارا فعلت فيها مفتوح ولو كانت قررت لجاز قرن وقرن وإنما القراءة {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} من الوقار وقر يقر وقارا1.
__________
1 انظر كتاب الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها "2/197, 198" واللسان "قرر" "وقر".

(2/422)


[156] وَقَالَ / أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْمَزْنُوقَ فَقَالَ الْمَائِلُ شِقُّهُ لا يَذْكُرُ اللَّهَ1.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بن حباب أخبرنا ابن خزيمة أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا أبو بكر الحنفي أخبرنا الضَّحَّاكُ وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ الْحُزَامِيِّ أخبرنا سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
المزنوق المربوط بالزناق يُقَالُ: زنقت الدابة وهو أن تشد في الحلقة التي تقع تحت حنكها سيرا أو نحوه يمنعها من الجماح.
ومن هذا حديثه الآخر وذكر يوم القيامة وأن جهنم يقاد بها مزنوقة2.
وَقَالَ مجاهد في قول اللَّه {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً} 3قَالَ: شبه الزناق.
قَالَ يعقوب يُقَالُ حنك الرجل دابته حنكا واحتنكها احتناكا إذا شد في حنكها الأسفل حبلا يقودها به.
__________
1 أخرجه أحمد في مسنده "2/330" عن أبي بكر الحنفي وانظر مجمع الزوائد "2/330".
2 الفائق "زنق" "2/127" والنهاية "زنق" "2/315".
3 سورة الاسراء: "62".

(2/422)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَفُشُّ بَيْنَ أَلْيَتَيْ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَخُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فَإِنْ وَجَدَ رِيحًا أَوْ سَمِعَ صَوْتًا فَلْيَتَوَضَّأْ1 وَإِلا فَلا2.
حدثنيه عبد العزيز أخبرنا بن الجنيد أخبرنا عبد الوارث عن عبد الله أنبأنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ الأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الفش: النفخ الضعيف يريد أنه يوسوس إليه فيوهمه خروج الريح منه.
__________
1 س: "فليتوض" والحديث في الفائق "فشش" "3/120".
2 أخرجه أحمد في مسنده "2/330" وأصل الحديث أخرجه مسلم في الحيض "1/276" والترمذي في الطهارة "1/109".

(2/423)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَوْمَ الْيَرْمُوكِ تَزَيَّنُوا لِلْحُورِ الْعِينِ وَجِوَارِ رَبِّكُمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ فَمَا رُئِيَ مَوْطِنٌ أَكْثَرُ قِحْفًا سَاقِطًا وَكُفًّا طَائِحَةً مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ1.
يَرْوِيهِ يَزِيدُ بْنُ الْمُغَفَّلِ عَنْ عبد الأعلى بْنِ سُرَاقَةَ عَنْ أَبِيهِ.
قوله: كفا طائحة أي بائنة من معصمها ساقطة يُقَالُ طاح الشيء إذا ذهب وتلف.
__________
1 ذكره ابن كثير في اليداية "7/9"مختصرا والفائق "قحف" "3/164".

(2/423)


ومن هذا قول معاذ بن عمرو بن الجموح1 يوم بدر رأيت أبا جهل في مثل الحرجة فقصدت نحوه فلما أمكنني ضربته ضربة أطننت قدمه بنصف ساقه فطاحت2 وَقَالَ علقمة بن الأرث:
وكم من قتيل أثخنته سيوفنا ... كفاحا وكف قد أطيحت وأسوق
ويقال تطوح الرجل في البلدان إذا تقاذفته بقاعها.
__________
1 كذا في د وهامش س ومغازي الواقدي "1/87" وسيرة ابن هشام "2/634" والبداية والنهاية "3/286" وفي بقية النسخ "عمرو بن الجموح".
2 أخرجه ابن هشام في سيرته "2/634" بلفظ "صمدت" بدل "قصدت" والواقدي في مغازيه "1/87" بنحوه وابن كثير في البداية والنهاية "3/286".

(2/424)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ آخِرَ شَرَابٍ يَشْرَبُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ عَلَى أَثْرِ طَعَامِهِمْ شَرَابٌ يُقَالُ لَهُ: طَهُورٌ إِذَا شُرِبَ مِنْهُ هَطَمَ طَعَامَهُمْ1.
يَرْوِيهِ حَرْمَلَةُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: هطم معناه سرعة الهضم وأصل الحطم وهو الكسر قلبوا الحاء هاء.
ويقال للراعي إذا وصف بالعنف حطمة وذلك لأنه يحمل الإبل بعضها على بعض في السوق فتحطم وتكسر والحطمة اسم جهنم لأنها تحطم من ألقي فيها قَالَ اللَّه تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} 2.
وَقَالَ أَبُو عبيدة يُقَالُ للرجل الأكول أَنَّهُ لحطمة.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو عمر أنبأنا أَبُو العباس ثعلب سمعت الزبير بن بَكَّار يقول قدر حطمة إذا كانت تقذف ما طبخ فيها.
__________
1 لم أجده من حديث أبي هريرة وقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/415" عن أبي قلابة بلفظ "فإذا أكلوا وشربوا أتوا بالشراب الطهور ... ".
2 سورة الهمزة:"4".

(2/424)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَى الرِّبَا عَطْوُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ عِرْضَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ1.
يَرْوِيهِ2 / حَجَّاجُ بن منهال أخبرنا أبو عقيل الباهلي عن عبد الله بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. [157]
العطو تناول الشيء يُقَالُ منه عطوت أعطو ومنه التعاطي في الأمور.
وفي بعض الأمثال: "عاط بغير أنواط"3.
قَالَ أَبُو زيد: يُقَالُ: هرط الرجل عرض أخيه يهرطه هرطا إذا طعن فيه ومثله هرده وهرته ومرقه.
__________
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "2/37" بلفظ."إن أربى الربا عرض الرجل المسلم" بسقوط كلمة قبل عرض من حديث أبي هريرة وأخرجه أبو داود في الأدب "4/269" عن سعيد بن زيد مرفوعا بلفظ: "إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق" وأخرجه عن أبي هريرة أيضا بعده مباشرة بلفظ: "إن من أكبر الكبائر اسنطالة المرء ... " وذكره الهيثمي في مجمعه "7/92" عن أبي هريرة بلفط: "إن من أزنى الزنا استطالة المرء في عرض أخيه" تصحيف وعزاه للبزار".
2 من ح.
3 اللسان "نوط" وجمهرة الأمثال "2/24" والمستصفى "2/156" يضرب لمن يدعي ما ليس يملكه.

(2/425)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ هَاجَرَ فَقَالَ: تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ وَكَانَتْ أَمَةً لأُمِّ إسحاق سارة1.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/57" والبخاري في النكاح "7/7" ومسلم في الفضائل "4/1841" في حديث طويل.

(2/425)


أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: يا بني ماء السماء يريد العرب وهم أولاد إسماعيل وإنما نسبوا إلى ماء السماء لأنهم ينزلون البوادي والقفار وحيث لا ماء به من البقاع إنما يتتبعون1 مواقع قطر السماء ويعيشون بمائها فصاروا كأنهم أولاده وبنوه وأنشدنا أَبُو عُمَر في نحو من هذا أنشدنا ثعلب عَنِ ابن الأعرابي يصف سحابة:
جاءت به مشرفة ذراها ... مثل العروس ناقصا خطاها
كأنما ينطف من كلاها ... عناظب الجراد أو دباها
فاشمطت2 القيعان من رغاها ... واتخذتنا كلنا طلاها
والطلا: الولد يقول: عشنا بمائها فكأنا صرنا أولادها.
قَالَ أَبُو عُمَر: شبه كبار القطر بالعنظب وهو ذكر الجراد وشبه الصغار بالدبا وشبه سير السحابة بمشي العروس في تقارب خطاها. والرغا جمع رغوة وهو ما يعلو اللبن يقول ابيضت القيعان بمائها كبياض الجفان باللبن.
وَقَالَ بعضهم: إنما قيل للعرب بنو ماء السماء لأنهم من ولد إسماعيل وقد فجر اللَّه له زمزم وأعاشه بمائها وكان ذلك سقيا من اللَّه ورحمة نزل بها جبريل من السماء فأضيف الماء إليها.
__________
1 ح, س: "يتبعون".
2 ط: "وأشحطت".

(2/426)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَانِعُ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٌ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلا بُعِثَتْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَسْمَنُ مَا كَانَتْ عَلَى أَكْتَافِهَا أَمْثَالُ النَّوَاجِدِ شَحْمًا تَدْعُونَهُ أَنْتُمُ الرَّوَادِفَ مُحْلَسٌ أَخْفَافُهَا شَوْكًا مِنْ حَدِيدٍ ثُمَّ يَبْطِحُ لَهَا بِقَاعِ قَرِقٍ فَتَضْرِبُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا وَشَوْكِهَا ثُمَّ ذَكَرَ حُقُوقَ الْمَالِ فَقَالَ: أَلا وَفِي وَبَرِهَا حَقٌّ وَسَيَجِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ قَدْ مَلأَتْ عِكْمَهَا مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ فَلْيُنَاهِزُهَا فَلْيَقْتَطِعُ فَلْيُرْسِلُ إِلَى جَارِهِ الَّذِي لا وَبَرَ لَهُ وَمَا مِنْ صَاحِبِ نَخْلٍ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلا بُعِثَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَعَفُهَا وَلِيفُهَا وَكَرَانِيفُهَا أَشَاجِعَ تَنْهَسُهُ فِي يَوْمٍ1 كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ2.
يَرْوِيهِ عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ بَجَالَةَ3 قَالَ: سَمِعْتُ أبا هريرة يقوله: وَهُوَ قَائِمٌ عِنْد مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ.
النواجد: طرائق الشحم واحدتها ناجدة وسميت نواجد لارتفاع مواضعها ولذلك سمي ما ارتفع من الأرض نجدا.
قَالَ أَبُو العباس: ثعلب سمى النجاد نجادا لرفعه الثياب بزيادته عَلَيْهَا وضمه إليها ما / يعليها ويزيد في حدها. [158]
وَقَوْلُهُ: محلس أخفافها شوكا يريد أن أخفافها قد طورقت بشوك من حديد وأراه مأخوذا من الحلس وهو كساء يلي الظهر4 ويستعار في غير موضع فيقال كن في الفتنة حلس بيتك وبنو فلان أحلاس الخيل إذا وصفوا بكثرة ركوب الخيل وشدة الملازمة لظهورها يريد أن أخفافها قد ألزمت هذا الشوك وعوليت به كما ألزم ظهور الإبل أحلاسها.
__________
1 في د: "في كل يوم" وفي ط: "من غل يوم" بدل "في يوم".
2 أخرجه أحمد في مسنده "2/490" والنسائي في سننه "5/12" في الزكاة باختلاف في الألفاط بدون ذكر مانع النحل.
3 د: "علقمة بن خالد".
4 د, ح: "يلي ظهر البعير".

(2/427)


والعكم: ما جمع من المتاع وشد.
وَقَوْلُهُ: فليناهزها أي فليبادرها من قولك ناهزت فلانا السبق وانتهزت الفرصة.
والأشاجع: الحيات واحدها شجاع وفعال لا يجمع على أفاعل ويشبه أن يكون أراد جمع الجمع لأن جمع الأقل من فعال يكون على أفعله كقولك غراب وأغربة ثم يجمع على أفاعل قَالَ الأعشى:
أساود صرعى لم يوسد قتيلها1
أراد شخوص القتلى. جمع السواد أسودة ثم أساود.
__________
1 الديوان "135" وصدره "تناهيتم عنا وقد كان فيكم".

(2/428)


يتباكون فيها أي يتدافعون ويقال في هذا المعني ابتكت1 عليه الجماعة أي ازدحمت.
ويروى أن بني العجلان لما استعدوا على النجاشي عند عُمَر بن الخطاب فأنشدوه قوله:
ولا يردون الماء إلا عشية ... إذا صدر الوراد عَنْ كل منهل
قَالَ عُمَر: ذاك أقل للكاك2.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لا تَمْشِيَنَّ أَمَامَ أَبِيكَ وَلا تَجْلِسْ3 قَبْلَهُ وَلا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ وَلا تَسْتَسِبَّ لَهُ4.
أَخْبَرَنَاهُ ابن الزيبقي أخبرنا موسى بن زكريا أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ5 أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي أخبرنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قوله: لا تستسب له يريد لا تعرض أباك للسب بأن تسب أبا غيرك فيسب أباك مجازاة لك وهذا على معنى قوله عز وجل: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} 6.
ويقال أصل السب القطع ثم كثر حتى صار السب شتما قال الشاعر
__________
1 كذا في هامش د وفي جميع النسخ: "التكت عليه الجماعة" والتكت: ازدحمت.
2 اللكاك: الزحام.
3 س: "ولا تجلسن".
4 ذكره الهيثمي في مجمعه "8/148" جزاء منه وزاد أيضا عن أبي غسان الضبي عن أبي هريرة وعزاه للطبراني في الأوسط.
5 كذا في المشتبه "1/234" "بالكسر والتخفيف" من شيوخ مصر وفي النسخ "حساب".
6 سورة الأنعام: "108".

(2/429)


فما كان ذنب مالك ... بأن سب منهم غلام فسب1
سب أي شتم وسب أي قطع ويقال فلان سب فلان إذا كان يسابه قَالَ الشاعر:
لا تسبنني فلست بسبي ... إن سبي من الرجال الكريم2
[159] / ويروي عَنْ معاوية أَنَّهُ قَالَ: مهما سببت بشيء فلست أسب بأربع خصال لست بنكح طلقة ولا سب ضرعة. يقول لست بالشتامة للرجال المضارع لهم والمضارعة المساواة ويقال هما ضرعان أي مثلان وفلان ضرع فلان أي مثله ونظيره.
قَالَ أَبُو عمرو تقول العرب في بعض أمثالها إن أخاك في الأشاوى ضرعك3 أي في الأشياء.
__________
1 اللسان التاج "سبب" وعزى لذي الخرق الطهوي والبيت في المقاييس "3/63" والجمهرة "1/30" والتكملة للصغائي "1/153" وجاء فيها والرواية "بأن شب بفتح الشين المعجمة أي بلغ منالشباب وليس من الشتم في شيء وشهرة القصة عند أهل الأدب تنادي بصحة المعنى وذلك أن امرأة من بني رباح نذرت إن زوجت ابنها عجردا أن تنحر جزورين فزوجت فنحرت جزورين لنذرها فوافق ذلك نحر غالب فظن أنها مؤامة له "قاصدة له" فثارت الفتنة وفي ذلك يقول الأخوص الرياحي:
فكنا بخير قبل عحرد ... وقبل جزوري أمه يوم صوأر
ويوضح أيضا صحة ذلك الذي يلي البيت المستشهد به وهو:
عرافيب كوم طوال الذرى ... يخر بوائكها للركب
بأرض يهتز ذي هبة ... يقط العظام ويبري العصب
2 كذا في س واللسان والتاج "سب" والمقاييس "3/63" وعزي لعبد الرحمن بن حسان يهجو مسكينا الدارمي وفي بقية النسخ: "لا تسبني".
3 المسبصفى "1/402".

(2/430)


حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ أشراط الساعة وأن منها أن تعلو التحوت الاوعول ...
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَشْرَاطَ السَّاعَةِ, وَأَنَّ مِنْهَا أَنْ تَعْلُوَ التُّحُوتُ الْوُعُولَ فَقِيلَ: مَا التُّحُوتُ؟ قَالَ: بُيُوتُ الْقَافِصَةِ يَرْفَعُونَ فَوْقَ صَالِحِيهِمْ1.
قَالَ الْبُخَارِيّ: رَوَاهُ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي هريرة.
القافصة: اللئام وأكثر ما يقال بالسين يقال عبد أقفس وأمة قفساء وبين الصاد والسين تعاقب في مواضع وقد ذكرناه فيما تقدم وقد يحْتملُ أن يكون أَرادَ بالقافصة ذوي العيوب من قولهم أصبح فلان قفصا إذا عربت معدته وفسدت طبيعته شبه المعيب من الرجال به.
ويقال: أصبح الجراد قفصا إذا أصابه البرد فلم يستطع أن يطير.
والوعول الأشراف ضرب المثل بها لأنها تأوي إلى شغف الجبال وتعتصم بمعاقلها.
وفِي حَدِيثِ آخر: لا تقوم الساعة حتى يظهر التحوت قيل: وما التحوت؟ قَالَ: الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعرفون ولا يشعر بهم2.
__________
1 أخرجه البخاري في الكنى ص "59" في ترجمة أَبِي عَلْقَمَةَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ بلفظ "القانصة" بدل "القافصة" وذكره الهيثمي في مجمعه "7/327" بلفظ: "أهل البيوت الغامضة" بدل "بيوت القافصة.
2 ذكره الهيثمي في مجمعه "7/324" وعزاه للطبراني في الأوسط.

(2/431)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ كُنْتُ لأَسْتَقْرِي الرَّجُلُ السُّورَةَ لأَنَا أَقْرَأُ لَهَا مِنْهُ رَجَاءَ أَنْ يَذْهَبَ بِي إِلَى بَيْتِهِ فَيُطْعِمُنِي وَذَلِكَ حِينَ لا آكُلُ الْخَمِيرَ ولا ألبس الحبير1.
__________
1 أخرجه البخاري في فضائل الصحابة "5/64" والأطعمة "7/100" بطوله وفي الفائق "خبر" والنهاية "خبر" برواية "لا آكل الخبير".

(2/431)


مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الحبير من البرود: ما كان فيه وشي وتخطيط يُقَالُ: حبرت الثوب وحبرته مخففا ويقال: هذا برد حبرة وكل شيء حسنته فقد حبرته.
ويروى أيضا حين لا آكل الخبير. قال أَبُو عمرو هو الإدام الطيب والخبرة الأدم. يُقَالُ جاءنا بطعام ولم يأتنا بخبرة أي بأدم1.
__________
1 من د.

(2/432)


وَقَال أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّ رَسُولِهِ سَرَقْتَ مِنْ مَالِ اللَّهِ فَقَالَ: لَسْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ وَلا عَدُوِّ رَسُولِهِ وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا وَلَكِنَّهَا سِهَامٌ اجْتَمَعَتْ وَنَتَاجُ خَيْلٍ فَأَخَذَ مِنْهُ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ فَأَلْقَاهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ دَعَاهُ إِلَى الْعَمَلِ فَأَبَى فَقَالَ عُمَرُ: فَإِنَّ يُوسُفَ قَدْ سَأَلَ العمل قال لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ يُوسُفَ مني بريء وأنا منه براء وَأَخَافُ ثَلاثًا وَاثْنَتَيْنِ قَالَ: أَفَلا تَقُولُ خَمْسًا؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ حُكْمٍ وَأَقْضِي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَأَخَافُ أَنْ يُضْرَبَ ظَهْرِي وَأَنْ يُشْتَمَ عِرْضِي وَأَنْ يُؤْخَذَ مَالِي1.
حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أخبرنا أبو عروبه حدثنا محمد بن سعيد الأنصاري أخبرنا مسكين حدثنا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ.
قوله: إن يوسف مني بريء وأنا منه براء لم يرد به براءة الولاية
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11/323" عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وابن سعد في طبقاته "4/335" عن أبي هلال عن ابن سيرين أولا بطوله ثم عن ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ مختصرا وابن قتيبة في عيون الأخبار "1/53" وكلهم باختلاف بعض الألفاظ وأخرج أبو نعيم في الحلية "1/380" النصف الثاني فقط.

(2/432)


وكيف يتبرأ من نبي من الأنبياء هو مأمور بموالاته مفروض عليه الإيمان به والتصديق بنبوته وإنما أراد به البراءة عَنْ مساواته في الحكم والمقايسة به في القوة على العمل.
/ ويقال: أَنَّهُ منه بريء وبراء ويقال أيضا قوم براء وقد قرىء: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ} 1 [160]
قَالَ أَبُو زيد يُقَالُ نحن منكم براء وبرآء وبراء.
قوله: أخاف ثلاثا واثنتين فإن تفصيل ذلك ما ذكره من الخلال الخمس التي عددها وهو قوله: أخاف أن أَقُولَ بِغَيْرِ حُكْمٍ وَأَقْضِي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَأَخَافُ أَنْ يُضْرَبَ ظَهْرِي وَأَنْ يُشْتَمَ عِرْضِي وَأَنْ يُؤْخَذَ مالي يعرض بالشكاية فيما ناله من عقوبة عُمَر ويشبه أن يكون إنما جعلها في العدد قسمين ولم يقل أخاف خمسا كما قَالَ له عُمَر: لأن الخلتين الأوليين من الحق عليه خاف أن يضيعه والخلال الثلاث من الحق له خاف أن يظلمه فجعله قسمين ليكون أبين للقول وأبلغ في العذر.
__________
1 سورة الممتحنة: "4".

(2/433)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ابْنَ لَبِيبَةَ قَالَ: جِئْتُهُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَكَانَ رَجُلا آدَمَ ذَا ضَفِيرَتَيْنِ1 أَفْشَغَ الثَّنِيَّتَيْنِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الصَّلاةِ فَقَالَ إِذَا اصْطَفَقَ الآفَاقُ بِالْبَيَاضِ فَصَلِّ الْفَجْرَ إِلَى السدف وإياك والحنوة والإقعاء2
__________
1 د: "ذا ظفيرتين".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "1/537 - 539" بلفظ "الحبوة" بدل "الحنوة" "تصحيف" وبلفظ "أقنع" بدل "أفشغ" تحريف وتصحيف" في حديث طويل وأخرجه أيضا في "2/190" الجزء الأخير من الحديث وابن سعد في طبقاته "4/334" الجزء الأول من الحديث.

(2/433)


أخبرناه محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق أنبأنا معمر عن عبد الله بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنِ ابْنِ لَبِيبَةَ.
يُقَالُ: رجل أفشغ الثنية أي ناتئها.
والسدف: ظلمة الليل وقد أسدف الليل إذا أظلم والسدف أيضا بياض النهار وهو من الأضداد والحنوة في الصلاة: أن يطأطىء رأسه ويقوس ظهره لا يمده يُقَالُ: حنوت الشيء أحنوه حنوا إذا عطفته وحنيته حنيا مثله والإقعاء: أن يضع وركيه على عقبيه ويعتمد بيديه على ركبتيه وقد يفسر تفسيرا آخر وهو أن يقعد الرجل بالأرض على أليتيه وينصب فخذيه كما تفعل السباع والكلاب.

(2/434)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ فِي وِعَاءِ الْعَشْرَةِ حَقًّا لِلَّهِ وَاجِبًا, قِيلَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا وِعَاءُ الْعَشْرَةِ؟ قَالَ: رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى عَشْرَةِ عَيِّلٍ وِعَاءً مِنَ طَعَامٍ إِنْ لَمْ يُؤَدِّ حَقَّهُ حَرَقَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ1.
يَرْوِيهِ عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ بَجَالَةَ2 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: عشرة عيل يريد عشرة أنفس يعولهم. قَالَ الأصمعي: واحد العيال عيل والجمع عيايل مثل سيد سيايد ويقال رجل معيل إذا كان صاحب عيال قَالَ امرؤ القيس:
__________
1 الفائق "عول" والنهاية "عول" "3/323".
2 س: "علقمة بن مجالد" والمثبت من باقي النسخ وفي التقريب "2/30" علقمة بن بجالة بفتح الموحدة وتخفيف الجيم مقبول توفي بعد المائة.

(2/434)


به الذئب يعوى كالخليع المعيل1
والعيل أيضا الصبي الصغير وقد يكون اسما للواحد والجماعة. أنشدني أبو عُمر أنشدنا ثعلب عَن ابن الأعرابي:
إليك أشكو عرق دهر ذي خبل ... وعيلا شعثا صغارا كالحجل2
فجعله اسم جماعة وكذلك هو في قول أَبِي هُرَيْرَةَ ألا تراه يقول عشرة عيل ولم يقل عيايل3.
ومن هذا الباب حديث حنظلة الكاتب.
حدثناه ابن مالك حدثنا عمر بن حفص السدوسي أخبرنا عاصم بن علي أخبرنا أَبِي أَخْبَرَنِي الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ4 أَخْبَرَنِي حَنْظَلَةُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَكَانَ مِنْ كتاب النبي قال كنا عند النبي فَوَعَظَنَا فَرَقَّتْ قُلُوبُنَا وَدَمِعَتْ أَعْيُنُنَا فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي / فَدَنَتْ مِنِّي الْمَرْأَةُ وَعَيِّلٌ أَوْ عَيِّلانِ فَأَخَذْنَا فِي [161] الدُّنْيَا وَنَسِيتُ مَا كَانَ عند النبي وذكر حديثا فيه طول5.
__________
1 الديوان "92" ط المعارف وصدره "وخرق كحوف العير قفر مضلة".
2 الفائق "عول" "3/36" من غير عزو.
3 ط, س: "عياييل" والمثبت من د, ط. وفي القاموس "عيل": "العيال ككتاب جمع عيل وجج عيايل".
4 من ح. ط.
5 أخرجه مسلم في التوبة "4/2106" والترمذي في القيامة "4/666" وأحمد في مسنده "4،148, 346" كلهم عن الجريري باختلاف بعض الألفاظ وليست فيها كلمة عيل.

(2/435)


حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ضَمْضَمَ بْنَ جَوْسٍ قَالَ: "رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ من ماء الشقيظ".
...
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ضَمْضَمَ بْنَ جوس1
__________
1 د: "ضمضم بن دوس" "تحريف" وفي التقريب "1/375" ضمضم بن جوس بفتح الجيم وسكون الواو ثم مهملة ويقال ابن الحارث بن جوس اليمامي ثقة مات بعد المائة.

(2/435)


قَالَ: رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الشَّقِيظِ1.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ عَنْ سَلَمَةَ عَنِ الْفَرَّاءِ.
قَالَ: يُرْوَى هَذَا عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ.
قال: الفراء: والشقيظ: الفخار2.
__________
1 الفائق "شقظ" "2/258" والنهاية "شفط" "2/491" بلفظ "الشقيط".
2 سقط من ط.

(2/436)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ ثَلاثِينَ كَانَ دِينُ اللَّهَ دَخَلا وَمَال اللَّهُ نُحْلا وَعِبَادُ اللَّهِ خَوَلا1.
حدثنيه عبد الله بن محمد أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا علي بن حجر أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلاءِ بن عبد الرحمن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الدخل: الغش والفساد وأصله أن يدخل في الأمر ما ليس منه ومثله2 الدغل يُقَالُ أدخل الرجل في أمره وأدغل بمعنى واحد يريد أنهم يدخلون في الدين أمورا ويحدثون أحكاما لم تجر بها السنة.
والنحل: ما كان من العطاء ابتداء على غير عوض يريد أنهم يعطون المال على الأثرة وحسن الرأي لا على الاستحقاق.
والخول: من كان3 استخدامه على سبيل قهر وذل جمع خائل.
__________
1 ذكره المتقي في كنز العمال "11/359" بلفظ "دخلا" وبلفظ "دعغلا" وعزاه لأبي يعلى وابن عساكر وذكره أيضا في "11/165" بدون عزو وأخرجه الإمام أحمد في مسنده "3/80" من حديث سعيد بلفظ "إذا بلغ بنو أبي فلان ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا" وأخرجه الحاكم في مستدركه "4/479" من حديث أبي ذر بلفظ: "أربعين" بدل "ثلاثين" وفيه: "كتاب الله دغلا".
2د: "ومنه" بدل "ومثله".
3 د: "ما كان".

(2/436)


يُقَالُ: خائل وخول كما قالوا: حارس وحرس وطالب وطلب والخائل القائم بالأمر والمتعهد له. ويقال فلان خائل مال وخال مال إذا كان حسن القيام عليه وقد خلت المال أخوله خولا.
وَمِنْ هَذَا قَوْلُ ابْنُ مَسْعُودٍ: كان رسول الله يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ1.
قَالَ ابن السكيت: معناه يصلحنا بها ويقوم علينا بها.
ويقال: إن أصل الخائل الراعي ثم كثر ذلك في كلامهم حتى صار اسما لكل من ألزم خدمة وأكره عليها.
__________
1 أخرجه البخاري في العلم "1/27" ومسلم في المنافقين "4/2172" والترمذي في الأدب "5/142" وغيرهم.

(2/437)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: تُعْرَضُ الأَعْمَالُ عَلَى اللَّهِ فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيَغْفِرُ اللَّهُ في ذلك اليوم لكل امرىء لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا أمرا كان بينه وبيه أَخِيهِ شَحْنَاءَ فَيَقُولُ ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا1.
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ إبراهيم بن مالك أخبرنا بشر بن موسى أخبرنا الحميدي أخبرنا سُفْيَانُ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: اركوا هذين يريد أخروهما. قَالَ ابن الأعرابي: يُقَالُ: ركاه يركوه إذا أخره وَقَالَ غيره: يُقَالُ: ركوت على الرجل إذا سبعته وذكرته بالقبيح وركوت على البعير الحمل إذا ضاعفته وقد يروى هذا الكلام مرفوعا.
__________
1 أخرجه الحميدي في مسنده "2/431" بلفظ "اتركوا" بدل "اركوا" ومسلم في البر "4/1987" بلفظ "اركوا" ومالك في الموطأ في حسن الخلق "2/909" باللفظين مع الشك.

(2/437)


حَدِيثِ أبي هريرة عن رسول الله: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ انْتُقِصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَجْرِهِ قيراط".
...
وقد أصاحب أقواما طعامهم ... خضر المزاد ولحم فيه تنشيم1
يريد الماء وذلك أَنَّهُ إذا أديم في المزادة اخضرت.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ لابْنِ عُمَرَ رِوَايَتُهُ عن رسول الله: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ انْتُقِصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطٌ" فَقَالَ: "يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ"2.
أَخْبَرَنَاهُ محمد بن هاشم أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.
قد زعم بعض من لم يسدد في قوله: ولم يوفق لحسن الظن بسلفه أن ابن عُمَر إنما أخرج قوله: هذا مخرج الطعن على أَبِي هُرَيْرَةَ وأنه ظن به التزيد في الرواية لحاجته كانت إلى حراسة الزرع قَالَ وكان ابن عُمَر يرويه ولا يذكر فيه كلب الزرع.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: والأمر فيما زعمه بخلاف ما توهمه وإنما ذكر ابن عُمَر هذا تصديقا لقول أَبِي هُرَيْرَةَ وتحقيقا له ودل به على صحة روايته وثبوتها إذ كان كل من صدقت حاجته إلى شيء كثرت عنايته به وكثر سؤاله عنه.
يقول: إن أبا هريرة جدير بأن يكون عنده هذا العلم وأن يكون قد
__________
1 اللسان "نشم" برواية: "وقد أصاحب أقواما شرابهم" وجاء في الشرح: فيه تنشيم: تغيرت ريحه ولم يبلغ النتن.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/432" ومسلم فيالمساقاة "3/1202" بطريق عبد الرزاق بمثله وأبو داود في الصيد "3/108" والترمذي في الأحكام "4/80" والنسائي في الصيد "7/189" كلهم بطريق عبد الرزاق إلا أنهم لم يذكروا قول ابن عمر: "يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ صاحب زرع" وكذلك البيهقي في السنن الكبرى "1/251".

(2/439)


سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عنه لحاجته كانت إليه إذا كان صاحب زرع يدل على صحة ذلك فتيا ابن عُمَر بإباحة اقتناء كلب الزرع بعد ما بلغه خبر أَبِي هُرَيْرَةَ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مالك أخبرنا محمد بن أيوب أخبرنا يوسف بن يعقوب الصفار أخبرنا عبد الرحمن بْنُ أَبِي عَائِشَةَ أَبُو مُعَاوِيَةَ أخبرنا صُبَيْحٌ شَيْخٌ لَنَا قَدِيمٌ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ عُمَر فَرَأَى كَلْبًا فَقَالَ: يَا صُبَيْحُ لِمَنْ هَذَا الْكَلْبُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لامْرَأَتَيْنِ هاهنا. قَالَ: لِضَرْعٍ أَوْ لِزَرْعٍ قَالَ: قُلْتُ لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهُمَا قَالَ: فمرهما فلتقتلاه.
وقد روى عبد الله بْنُ مُغَفَّلٍ وَسُفْيَانُ بْنُ أَبِي زهير عن رسول الله إِبَاحَةَ اقْتِنَاءِ كَلْبِ الزَّرْعِ كَمَا رواه أبو هريرة.
حدثناه الصفار أخبرنا محمد بن منده الأصبهاني أخبرنا بكر بن بكار أخبرنا أَبُو حَرَّةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عبد الله بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه: "مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ زَرْعٍ أَوْ ضَرْعٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ" 1.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ أخبرنا أحمد بن ملحان أخبرنا يحيى بن بكير أخبرنا مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ2 بْنِ خُصَيْفَةَ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ شُنُوءَةَ من أصحاب رسول الله يُحَدِّثُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لا يغني عنه
__________
1 أخرجه مسلم في الطهارة "1/235" والمساقاة "3/1201" والترمذي في الأحكام "4/80" بألفاظ متقاربة.
2 س: "زيد ين خصيفة" تحريف" والمثبت من د والتقريب "2/367".

(2/440)


ضَرْعًا وَلا زَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ" قَالُوا: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ الله قَالَ: أَيْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ1.
وَحَدَّثَنِي عبد الله بن محمد المسكي أخبرنا عبد الله بن جعفر بن خاقان أخبرنا أحمد بن منيع أخبرنا هُشَيْمٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءَ عن الوليد بن عبد الرحمن عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْتَ كُنْتَ أَلْزَمُنَا لِرَسُولِ اللَّهِ وأحفظنا لحديثه2.
__________
1 حديث سفيان بن أبي زهير أخرجه مسلم في المساقاة "3/1204" بلفظ "إي ورب هذا المسجد" بدل "الكعبة" عن يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عن يزيد ين خصيفة. وإسماعيل عن يزيد بن خصيفة.
2 أخرجه الترمذي في المناقب 5/684 والإمام أحمد في مسنده 3/2 إلا أنه قال: "أعلمنا" بدل "أحفظنا".

(2/441)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, فَتَدَاكَّ النَّاسُ عَلَيْهِ1.
حَدَّثَنِيهُ محمد بن المكي أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ أخبرنا إبراهيم بن الجنيد أخبرنا يحيى بن معين أخبرنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الْعَلاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ دَارَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قوله: تداك الناس عليه أي ازدحموا حتى وقع بعضهم على بعض وأصل الدك الكسر ويقال الدق وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً} 2 أي دقت جبالها وأنشازها حتى استوت ومثله تباك الناس عليه أي ازدحموا وتدافعوا ويقال إنما سميت بكة لأن الناس
__________
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده "2/454" عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الْعَلاءِ عن ابن دارة بدون "عن أبيه" وانظر النهاية في الفتن لابن كثير "2/326".
2 سورة الفجر:"21".

(2/428)


وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْكِلابِ إِذَا وَرَدْنَ الْحَكَرَ الصَّغِيرَ قَالَ: لا تطعمه1
حدثنيه عبد العزيز أخبرنا ابن الجنيد أخبرنا عبد الوارث عن عبد الله أنبأنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ مولى بني نصر عن سليم بن عبد الله بْنِ جُنَادَةَ الْفَهْمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الحكر الماء المستنقع في غدير أو وقبة من الأرض أو نحوها وسمي حكرا لأنه يحكر فيه أي يجمع ويحبس ومنه الاحتكار في الطعام وهو الاحتباس به انتظار الغلاء.
وَقَوْلُهُ: لا تطعمه يريد لا تشربه على مجاز قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} 2.
وقال رسول الله فِي زَمْزَمَ: "طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سُقْمٍ" 3.
وَقَالَ بشر بن أبي خازم:
[162] / نعاما بخطمة صعر الخدو ... د ولا تطعم الماء إلا صياما4
وقال آخر:
__________
1 الفائق "حكر" "1/302" والنهاية "حكر" "1/418".
2 سورة البقرة: "249".
3 ذكره الهيثمي في مجمعه "3/296" من حديث أبي ذر وعزاه للبزاري والطبراني في الصغير, ومن حديث ابن عباس أيضا وعزاه للطبراني في الكبير. وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "5/115" وأحمد في مسنده "5/175" والأزرقي في أخبار مكة "2/49" في حديث طويل بدون "شفاء سقم" والحديث في اللسان "طعم" ومعناه: يشبع الإنسان إذا شرب ماءها كما يشبع من الطعام.
4 الديوان "191".

(2/438)