غريب الحديث للخطابي حديث شريح بن الحارث القاضي
حديث شريح: أنه كان يجيز الزينة, ويرد من
الكذب
...
حديث شريح بن الحارث القاضي
* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ شريح: "أنه كان يجيز الزينة,
ويرد من الكذب"1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ, نا ابْنُ الْجُنَيْدِ، نا
مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْمَرْوَزِيُّ، أنا النَّضْرُ بن شميل، أنا
ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سيرين.
هذا في الرجل يبيع الشيء وقد دلَّس فيه للمشتري2، والكذب3 أن يقول:
أبيعك هذا الثوب على أنه مَرَوي أو هَرَوي، فللمبتاع الرد إذا لم يكن
كذلك، وإن كان زينه بالصبغ أو اللون حتى يظن أنه مروي أو هروي، فليس له
الردُّ؛ لأن المشتري كان عليه التقليب والنظر.
__________
1 أخرجه وكيع في: أخبار القضاة: 329/2 بلفظ: "..... يرد من الريبة, ولا
يرد من الكذب" عن ابن عون، وأخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 169/8, بعد
قصة بلفظ: "لو استطاع أن يحسن ثوبه بغير ذلك فعل"، وكذلك وكيع في:
أخبار القضاة: 333/2 بلفظ عبد الرزاق, وابن أبي شيبة في: مصنفه: 65/7.
2 س: "وقد دلس المشتري".
3 ح: "فالكذب".
(3/18)
*قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
شريح: "أنه أتاه رجل وامرأته، فقال الرجل: أين أنت؟ قال: دون الحائط,
قال: إني امرؤ من أهل الشام، قال: بعيد بغيض، قال: تزوجت هذه المرأة،
قال: بالرفاء والبنين،
(3/18)
قال: فولدت لي غلامًا، قال يَهْنيك الفارس,
قال: وأردت بها الخروج إلى الشام، قال: مصاحبًا1، قال: وشرطت لها
دارها، قال: الشرط أملك, قال: اقض بيننا أصلحك الله، قال: حَدِّثْ
حديثين امرأة، فإن أَبَت فاربَعْ"2.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ، نا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، عَنْ معمر، عن غير واحد ذكروه.
قوله: "حدث حديثين"220" / امرأة"3، مثل يضرب للبليد الذي لا يفهم ما
يقال له، وهذا يروى على وجهين: يقال: حدث امرأة حديثين، فإن أبت فاربع،
أي قف وأمسك، من قولك: رَبَع الرجل يَرْبَعُ رَبْعاً، إذا وقف، يقول:
إذا كررت الحديث مرتين, فلم تفهم عنك، فأمسك ولا تتعب نفسك، فإنه لا
مطمع في إفهامها بعد ذلك.
والوجه الآخر: أن يقال فأربع، مقطوعة الألف، يريد أربع مرات، ورفعه
بمعنى أن غايته أربع مرات أو تمامه أربع مرات، أو نحو هذا من الكلام.
ورووا في هذا عن النضر بن شميل أنه قال: يعاد الكلام للرجل مرتين،
ويضاعف للمرأة؛ لنقص عقلها وقصر فهمها, فيكرر أربعاً، ثم لا مزيد عليه.
__________
1 ط: "تصاحبا".
2 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 226/6, بلفظ: "فإن أبت فأربعة", وسعيد
بن منصور في: سننه: 170/1, بنحوه، ووكيع في: أخبار القضاة: 302/2-304,
بنحوه، وفي رواية عند وكيع "بعيد سحيق".
3 الفاخر: 76، جمهرة الأمثال: 378/1، مجمع الأمثال: 192/1، المستقصى:
60/2.
(3/19)
ورأى شريح أنه إذا شرط1 لها المقام في
دارها, فعليه الوفاء به، وأن ليس له نقلها عن بلدها.
__________
1 ء، ط: "اشترط لها المقام".
(3/20)
* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
شريح أنه قال: "شهادة الصبيان تجوز، وعلى الكبار يُسْتَشَبُّون"1.
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ، نا الصَّائِغُ، نا سَعِيدُ
بْنُ مَنْصُورٍ، نا هشيم، عن منصور، عن الحكم، عن شريح.
قوله: يَسْتَشَبُّون، معناه يستشهد من شب وكبر من الرجال البالغين دون
الصبيان.
وفيه وجه آخر: وهو أن يكون معناه ينتظر بهم وقت الشباب وإدراك السن
التي تجوز معها الشهادة، كأنه يقول: إذا تحملوها وهم صبيان، ثم أدوها
وهم كبار قبلت شهادتهم.
وَقَالَ بعض رواة هذا الكلام: معناه أن يُذَكَّروا على مر الأيام؛ لئلا
ينسوها، وهذا قريب من المعنى الذي ذكرناه.
وكان مذهب شريح وغيره ممن يرى إجازة شهادتهم أن يكون ذلك في الجراح دون
غيرها، ولا أعلم أحدًا أجاز شهادتهم في الأموال.
وممن رأى قبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح والدماء إبراهيم
النخعي، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومالك بن أنس.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 350/8 بمعناه، وأخرج وكيع في: أخبار
القضاة: 308/2 عن عاصم بن صهيب قال: رماني غلام, فكسر ثنيتى، فشهد
صبيان عند شريح, فكتب شهادتهم، وقال: يستثبتون, وكذلك في: 377/2
مختصراً.
(3/20)
* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
شريح: "أنه جاءه قوم من غير أهل الملة، عليهم خِفَاف لها فَقْع، فأجاز
شهادة بعضهم على بعض"1.
حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أنا ابْنُ
الْجُنَيْدِ، نا عَبْدُ الوارث، نا عبد الله، عن خالد بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ سيرين.
الفَقْع: الخراطيم، وخفاف مُفَقَّعَة أي مخرطمة.
__________
1 أخرجه وكيع في: أخبار القضاة بنحوه: 381/2, بلفظ: " ... عليهم خفاف
معقبة", والفائق: "فقع": 136/3، والنهاية: "فقع": 465/3.
(3/21)
* وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
شريح: "أنه سئل عن الرجل يطلق المرأة، ثم يرتجعها, فيكتمها رجعتها حتى
تنقضي عدتها، فقال: ليس له إلا فَسوَة الضبع"1.
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَاشِمٍ، نا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، عَنْ ابن جريح، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ أبي
الشعثاء.
يريد أنه لا يقبل قوله إذا ادعى الرجعة بعد انقضاء العدة، وأنه لم يبق
له عليها حق، وضرب المثل بشيء لا خير فيه، كما يقال: لا شيء له غير
الريح، ولا شيء له غير التراب، ونحو هذا من الكلام.
وفيه وجه آخر: أخبرني أبو عمر, أنبأنا أبو العباس ثَعْلب،, عن ابن
الأعرابي قال: فَسْوَة الضبع: شجرة تحمل الخَشْخاش لا يتحصل منه شيء,
يريد أنه لا "221" / يحصل من دعواه ارتجاعها, إلا كما يحصل من هذه
الشجرة.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 326/6- 327.
(3/21)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
شريح: "أنه كان يرد من العبس"1.
أصل العبس: أن ييبس ثَلْطُ الإبل, ويتعلق بأذنابها, ويتلزق على
أفخاذها.
وكان من حكم شريح في الرقيق إذا بال الغلام أو الجارية في الفراش، وكان
ذلك شيئًا كثيراَ معتاداً، حتى يتبين أثره على أبدانهما، كان عيبًا يرد
به، وإن كان شيئاً يسيراً نادراً لا يظهر له أثر لم يرد به.
__________
1 لم أجده بهذا اللفظ، وقد أخرجه وكيع في: أخبار القضاة: 313/2, بلفظ:
"أنه كان يرد من العثر", وابن أبي شيبة في: مصنفه: 66/7, بلفظ: "أنه
كان يرد من العُسر".
(3/22)
|