غريب الحديث للخطابي

حَدِيثِ عبيدة السلماني
حديث عبيدة أنه كان يقول للنخعي: طَرِّسْهَا يا إبراهيم, طَرِّسْها"
...
حديث عبيدة السلماني
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبيدة أن الهَجَنَّعَ بن قيس قال: "رأيت إبراهيم النخعي يأتي عبيدة في المسائل، فيقول عبيدة: طَرِّسْهَا يا إبراهيم, طَرِّسْها"1.
حَدَّثَنَاهُ ابْن مَالِكٍ "222" /, نا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ، نا عَاصِمُ بن علي، نا محمد بن طلحة، عن الهجنع بن قيس.
قوله: طَرِّسْهَا: أي امحُها, يقال: طَلَسْت الصحيفة, إذا محوتها, وهي تقرأ بعد، وطَرِّسْتُهَا إذا أنعمت محوها، والطِّرْس: الكتاب الممحوُّ, قال الراجز:
فحي عهداً قد عفا مدروسَا ... كما رأيت الطلل المَطْرُوسَا2
ويقال أيضاً: طَرْمَسْت الكتاب بمعنى طَرَّسْتُهُ، وجاء في الحديث: "أن قول لا إله إلا الله يُطَلِّسُ ما قبله من الذنوب"2.
__________
1 أخرجه ابن عبد البر في: جامع بيان العلم وفضله: 67/1, بمعناه، بلفظ: " ... لا تخلدن عنى كتاباً"، وانظر الفائق: "طرس": 359/2, والنهاية: "طرس": 119/3.
2 الرجز لرؤبة, وهو في: ديوانه: 70, برواية: "الورق" بدل "الطلل".
3 ذكره المتقي في: كنز العمال: 1/ 50, بلفظ: " ... تطلست ذنوبه كما يطلس أحدكم الكتاب الأسود", وعزاه للسجزي في: الإبانة, من حديث ابن مسعود, وذكر في: 60/1 بلفظ: "من قال لا إله الله طلست ما في صحيفته من السيئات حتى يعود إلى مثلها"، وعزاه للخطيب من حديث أنس.

(3/25)


ومنه حديث علي قال: "بعثني رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم, فقال: "لا تدع قبرًا مشرفًا إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طلَّسْتَه" 1.
يريد محوته، وبه سميت الخرقة التي تمحى بها الألواح الطَّلَّاسة.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 504/3, والإمام أحمد في: مسنده: 96/1، 129, ومسلم في: الجنائز: 666/2, كلهم بلفظ: "طمسته" بدل "طلسته", وأخرجه أحمد في: مسنده: 145/1, بلفظ: "ولا تمثالاً إلا وضعته".

(3/26)


*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبيدة: "أن ابن سيرين قال: سألته عن قوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 1 , وأشار بيده, فظننت ما قال"2.
حدثنيه ابْنُ مَكِيٍّ، أنا الصَّائِغُ، نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا إِسْمَاعِيلُ بن إبراهيم، نا سلمة بن علقمة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ.
قَوْلُهُ: فظننت ما قال، معناه علمت ما قال، والظن في كلامهم يتردد بين يقين وعلم وشك وجهل3، فإذا قوي بيانه سمي علماً، وإذا ضعف كان معناه شكاً، فمن الأول قوله تعالى: {االَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} 4: أي يعلمون ويستيقنون.
ومنه قول دريد بن الصمة:
فقلت لهم: ظنوا بألفي مدجج ... سراتهم في الفارسي المسرَّدِ
وربما وَكَّدُوا به العلم, فأحلوه محل القسم.
أخبرني أبو عمر قال: أنا أبو العباس ثعلب، أنا سلمة، عن الفراء
__________
1 سورة النساء: 43.
2 أخرجه ابن أبي شيبة في: مصنفه: 166/1, والطبري في: تفسيره: 104/5, وذكره السيوطى في: الدر المنثور: 167/2.
3 س: "بين يقين علم, وشك جهل".
4 سورة البقرة: 46.

(3/26)


قال: من العرب من يقول: أظن, بمعنى أقسم, وأنشد:
أظن لا تنقضي عنا زيارتكم ... حتى تكون بوادينا البساتينُ
وأخبرني ابْنُ دَاسَةَ، نا أَبُو دَاوُدَ، نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نا حماد، نا ثابت، عن أنس: أن أسيد بن حضير، وعباد بن بشر1 أتيا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم, فاستأذناه في إتيان النساء في المحيض خلافًا لليهود، قال أنس: فتمعَّر2 وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا, فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله، فبعث في آثارهما, فظننا أنه لم يجد عليهما3.
فأحد الظنين تعليق العلم، والآخر تحقيقه, والله أعلم.
__________
1 د. "عباد بن بشير" تحريف، وفي التقريب: 391/1: عباد بن بشر بن وَقَش, بفتح الواو والقاف وبمعجمة، الأنصاري من قدماء الصحابة، أسلم قبل الهجرة, وشهد بدراً, وأبلى يوم اليمامة, فاستشهد بها.
2 في النهاية: "معر": 342/4: فتمعر وجهه: أي تغير.
3 أخرجه أبو داود في: الطهارة: 67/1, والنسائي في: الحيض: 187/1, والدارمي في: الوضوء: 245/1, وغيرهم.

(3/27)