غريب الحديث للخطابي حَدِيثِ إبراهيم بن يزيد النخعي
حديث إبراهيم أنه قال: "إذا كان الشق أو الخَذَى أو الخَرْق في أذن
الأضحية فلا بأس, ما لم تكن جَدْعًا"
...
حديث إبراهيم بن يزيد النخعي
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ إبراهيم أنه قال: "إذا كان
الشق أو الخَذَى أو الخَرْق في أذن الأضحية فلا بأس, ما لم تكن
جَدْعًا"1.
أخبرناه محمد بن المكي، أنبأنا الصائغ، أخبرنا سعيد2، أخبرنا جَرِيرٍ،
عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
الخَذَى: انكسار الأذن واسترخاؤها, يقال: حمار أَخْذَى وأذن خذواء،
ومنه قيل للرجل إذا انكسر وذل: قد خذي واستخذى, قال الشاعر:
ما زال يضربني حتى خَذِيت له ... وحال من دون بعض الرغبة الشَّفَقُ
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ إبراهيم: "أن جارية له يقال
لها: كثيرة, زنت، فجلدها إبراهيم خمسين, وعليها إِتْبٌ [لها] وإزار"3.
يَرْوِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، عَنْ حماد بن سلمة، عن الحجاج4,
عن مولى له يقال له: سليمان.
__________
1 الفائق: "خذا": 359/1, والنهاية: "خذا": 17/2.
2 ح: "نا سعيد يعني ابن منصور".
3 الفائق: "أتب": 22/1, والنهاية: "أتب": 21/1, وقد أخرجه ابن حزم في:
المحلى: 79/13, مختصراً بدون: "وعليها إتب وإزار".
4 هو الحجاج بن أبي عثمان الصواف، أبو الصلت الكندي: "عن تهذيب
التهذيب: 202/2".
(3/122)
قال الأصمعي: الإتب: البقيرة, وهو أن يؤخذ
برد فيشق، ثم تلقيه المرأة في عنقها من غير كُمَّيْن ولا جيب, قال
الشاعر:
منعَّمَة بيضاء لو دب مُحوِلٌ ... من الذِّرِّ فوق الإتب منها
لَأَثَّرَا1
وفيه من الفقه أنه أقام الحد على مملوكه دون السلطان.
__________
1 تهذيب الأزهري: 359/8, واللسان: "قصر", برواية:
من القاصرات الطرف لو دَبَّ محولٌ ... من الذِّرِّ فوق الإتب منها
لأثرا
وعزي لامرئ القيس, وهو في ديوانه: 68, برواية التهذيب واللسان.
(3/123)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
إبراهيم أنه قال: "كان أصحابنا يقولون في الرضاع: إذا كان المال ذا
مِزٍّ, فهو من نصيبه"1.
أخبرناه محمد بن هاشم، أخبرنا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
عَنْ الثوري، عَنْ مَنْصُورٍ, عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
قوله: ذا مِزٍّ، أي ذا قدر وكثرة, يقال: شيء مَزِيز، إذا كانت له كثرة
وجودة، وقد مَزَّ مَزَازَة، ومنه سميت الخمر المُزَّاء.
وحدثت عن ابن دريد، عن أبي حاتم، عن الأصمعي قال: قال أعرابي لرجل: هب
لي درهمًا؟ فقال: لقد سألت مَزِيْزًا، الدرهم عشر العشرة، والعشرة عشر
المائة، والمائة عشر الألف، والألف عشر ديتك.
وَمِنْ هَذَا حَدِيثُهُ الآخَرُ فِي قسم الصدقات: أخبرناه محمد بن مكي،
حدثنا الصائغ، أخبرنا سعيد, أخبرنا أبو معاوية، أخبرنا أبو بكر
النهشلي، عن حماد، عن إبراهيم, أنه قال: "إذا كان المال ذا مِزٍّ,
ففرقه في الأصناف الثمانية، وإذا كان قليلًا, فأعطه صنفًا واحدًا"2.
__________
1 الفائق: "مزّ": 365/3.
2 الفائق: "مزّ": 365/3, والنهاية: "مزّ": 325/4.
(3/123)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
إبراهيم: "أنه قال: كان يعجبهم أن يكون للغلام إذا نشأ صَبْوَة"1.
أخبرناه ابن الأعرابي، أخبرنا الصائغ2، أخبرنا قبيصة، أخبرنا سفيان، عن
رجل، عن إبراهيم.
الصَّبْوَةُ: مصدر صَبَا الرجل يصبو صِبًا وصَبْوَة، إذا مال إلى
الهوى, وأَنْشَدَنِي أَبُو عُمَر: أَنْشَدَنا ثَعْلَب:
وما يستوي الصَّابِي ومن ترك الصِّبَا ... وإن الصِّبَا لَلَعَيْشُ
لولا العواقبُ
وإنما كان يعجبهم ذلك منه، وإن كان تَرْكُ الصبا أسلم له؛ لأنه إذا تاب
وارعوى كان أشد لاجتهاده في الطاعة، وأكثر لندمه على ما فرط منه، وأبعد
له من أن يعجب بعمله أو يتكل عليه.
وأخبرني ابن الزئبقي، أخبرنا موسى بن زكريا، أخبرنا نصر بن علي، أخبرنا
عيسى بن يونس، عن الأعمش، وذكر هذا الكلام عن إبراهيم فقال: "يخاف
ويحذر ويجتهد".
قال أبو سليمان: "251" / وشبيه بهذا قول الحسن: "إن الرجل ليذنب الذنب،
فما يزال كَيِّسًا حتى يلقى ربه"3.
ومثله قول أبي حازم, أخبرناه ابن الأعرابي، أخبرنا أحمد بن زيد القزاز،
حدثنا حسين المروزي، عن ابن المبارك قال: قال أبو حازم: "إن الرجل
__________
1 النهاية: "صبا": 11/3.
2 ح: "محمد بن إسماعيل الصائغ".
3 أخرجه ابن المبارك في: الزهد: 53, بلفظ: "كئيباً" بدل: "كيسا", وكذلك
أبو نعيم في: الحلية: 158/2.
(3/124)
ليعمل السيئة، إن عمل حسنة قط أنفع له
منها، وإنه ليعمل الحسنة، إن عمل سيئة قط أضر عليه منها"1.
قال ابن الأعرابي: معناه أن يعمل الذنب، فلا يزال منه مشفقًا وَجِلًا
أن يعاوده, فينفعه ذلك، ويعمل الحسنة, فيحتسب بها على ربه، ويعجب بها
وينسى فضل الله عليه فيها, فتهلكه.
قال أبو سليمان: وفي قول إبراهيم وجه آخر: وهو إنما حمدها له؛ لئلا
يؤتى من ناحية الغفلة, فيقع في الشر وهو لا يعلم.
وهذا كما يروى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أو غيره، وقيل له:
إن فلانا لا يعرف الشر، قال: "أحرى أن يقع فيه".
وفي نحو منه قول سفيان الثوري: "من لم يتفتَّ لم يحسن أن يتقرأ"2.
حدثنيه أحمد بن عبدوس، أخبرنا محمد بن عبد الأحد، أخبرنا أبو هشام
الرفاعي، أخبرنا يحيى بن يمان، عن سفيان.
__________
1 أخرجه ابن المبارك في: الزهد: 53, وأبو نعيم في: الحلية: 242/3.
2 أخرجه أبو نعيم في: الحلية: 51/7, بلفظه- والتفتي من الفتوة، وهو عمل
الفتيان، ويتقرأ أي: يتنسك.
(3/125)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
إبراهيم: "في قوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} 1, قال: كان
مُتَدَثِّرًا في قَرْطَفٍ"2.
__________
1 سورة المدثر: 1.
2 أخرجه الطبرى في تفسير الآية بلفظ: "كان متدثراً في قطيفة", عن شعبة,
عن المغيرة، عن إبراهيم، والسيوطي في: الدر المنثور: 281/6, بلفظ: "في
قطيف" يعني شملة صغيرة الخمل، وعزاه لسعيد بن منصور, وعبد بن حميد,
وابن المنذر, وفي الفائق: "قرطف": 187/3.
(3/125)
يَرْوِيهِ عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، عَنْ هشيم،
عن مغيرة، عن إبراهيم.
القَرْطَفُ: القطيفة، ويقال لها: المنامة أيضاً, قَالَ بِشْرُ بْن
أَبِي خازِم يصف نعامة1:
أَكَّال تَنُّوم البقاع كأنه ... حبشيُّ حازقة عليه القَرْطَفُ2
__________
1 المصباح: "نعم": النعامة تقع على الذكر والأنثى.
2 الديوان: 154, والتنوم: شجر أغبر يأكله النعام والظباء.
(3/126)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
إبراهيم أنه قال: "إن الشيطان يجري في الإِحْلِيل ويَبضُّ في الدُّبُر،
فإذا أحس أحدكم من ذلك, فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"1.
أخبرناه محمد بن هاشم، أخبرنا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
عَنْ الثوري، عن مغيرة, عن إبراهيم.
قوله: يَبِضُّ، أي يدب فيه حَتَّى يَخُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ خرج
منه بلل.
يقال: بَضَّ الحجر، إذا خرج منه شبه العَرَق، ويقال للبخيل: ما يَبِضُّ
حجره: أي ما يندى بخير، قال الشاعر:
منعمة بيضاء لو دب محول ... على جلدها بَضَّتْ مدارجه دَمَا2
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 142/1, بلفظ: "ويعض" يدل "ويبض" تحريف.
2 سبق تخريجه في الجزء الأول، لوحة: 195.
(3/126)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
إبراهيم: "أنه قال: اسْتَمَاز رجل من رجل به بلاء, فابتلي به".
__________
1 ذكره ابن قتيبة في: عيون الأخبار: 69/4 بلفظ: "اشمأز" بدل: "استماز"
"تصحيف وتحريف".
والفائق: "ميز": 398/3, والنهاية: "ميز": 380/4.
(3/126)
حدثنيه عبد الله بن أحمد، أخبرنا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ خاقان، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب
ابن الشهيد، أخبرنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن منصور.
قوله: "استماز منه"، أي: تحاشى وتباعد منه، قال النابغة:
ولكنني كنت أمرأ لي جانب ... من الأرض فيه مُسْتمازٌ ومذهبُ1
وأصله من المَيْزِ, وهو الفصل بين الشيئين.
أخبرني أبو عمر، عن أبي العباس ثَعْلب، عن ابن الأعرابي، قال: العرب
تقول: "مِزْ" ذا من ذا، و"زِلْ" ذا من ذا، و"إِلْ" ذا من ذا: أي فرق ذا
من ذا، وأنشد:
وكنا خليطًا في الجِمال, فأصبحت ... جمالي توالي وُلَّهًا من جِمَالِكِ
ومن هذا قوله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}
2. ومنه الحديث المرفوع "252
" / أنه قال: من ماز أذى فالحسنة بعشر أمثالها.
أخبرناه ابن الأعرابي، أخبرنا موسى بن هارون، قال: أخبرنا أبو الربيع
الزهراني، أخبرنا حماد بن زيد، عن واصل مولى أبي عيينة، عن بشار بن أبي
سيف، عَنِ الْوَلِيدِ3 بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن عياض بن غطيف، عن
أبي عبيدة أن رسول لله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "من
أنفق على أهله أو على نفسه أو عاد مريضًا أو مَازَ أذًى, فالحسنة بعشر
أمثالها" 4.
__________
1 الديوان: 77, وشعراء النصرانية: 655/4, ويروى: "مستراد" بدل:
"مستماز".
2 سورة يس: 59.
3 د: "عن الوليد، عن عبد الرحمن".
4 أخرجه أحمد في: مسنده: 195/1 - 196، وذكره الهيثمي في: مجمعه: 30/2.
(3/127)
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ
إبراهيم أنه قال في الضرب بالعصا: "إذا عَلَّ ففيه قود"1.
أخبرناه ابن هاشم2، أخبرنا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ،
عَنْ الحسن بن عمارة، عَنِ الْحَكَمِ, عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
قوله: عَلَّ: أي ثَنَّى الضرب بها وأعاده، والأصل في العل السقي الثاني
بعد الأول، فالشرب الأول "نهل", والثاني "علل".
وفيه من الفقه أَنَّهُ رأى القود في القتل بغير الحديد.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق في: مصنفه: 276/9 بلفظ: "فإن أعلَّ مثنى وثلاث,
ففيه القود".
2 د، ح: "محمد بن هاشم".
(3/128)
|