غريب الحديث للخطابي

حَدِيثِ عبد الملك بن عمير
حديث عبد الملك قال: "تفاخر سبعة نفر: مُضَرِي، وأَزْدِي، ومَدَنِي، وشَامِي، وهَجَرِي، وبَكْرِي، وطَائِفِي".
...
حديث عبد الملك بن عمير
*وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ عبد الملك قال: "تفاخر سبعة نفر: مُضَرِي، وأَزْدِي، ومَدَنِي، وشَامِي، وهَجَرِي، وبَكْرِي، وطَائِفِي".
فقال المُضري: هاتوا كجَزُور سَنِمَة في غداة شَبِمَة، في قدور رَذِمَة بمواسي1 خَذِمَة، معبوطة نفسها غير ضَمِنَة2.
وقال الأزدي: والله لقُرصٌ بُرِّيٌّ بأبطحَ قُرِّيٌّ بلبن قُشْرِيٍّ سمنٍ وعسلٍ أطيب من هذا.
وقال الشامي: والله لخُبْزَةٌ أَنْبِخَانِيَّة3 بخلٍّ وزَيْتٍ تنال من أدناها فيَضْرُط أقصاها نتخطى إليها تَخَطِّيَ بنات المخاض الجُرْف أطيب من هذا.
وقال المدني: والله لَفُطْسٌ خُنْسٌ بِزُبْدٍ جُمْس يغيب فيها الضِّرْس أطيب من هذا.
وقال الطائفي: والله لَعِنَبٌ قَطِيف بوادي ثقيف أصابه الخريف أطيب من هذا.
وقال الهجري: والله لَتَعْضُوضٌ كأنه أَخْفَاقُ الرِّبَاع أطيب من هذا.
__________
1 ح: "بمواسٍ خَذِمة".
2 كلام المضري هذا ذكره الجاحظ في: البيان والتبيين: 286/1، 299, ونسبه إلى أعرابى سأله عنه عبد الملك بن مروان: ما أطيب الطعام؟.
3 ح: "لخبزة أنبجانية".

(3/161)


وقال البكري: والله لَقَارِصٌ قُمَارِصٌ يقطر منه البول قطرة قطرة أطيب من هذا1.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو رَجَاءٍ الْغَنَوِيُّ، نا أبي, عن إسحاق بن راهويه، نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن عمير.
وحدثنيه الأزهري، نا المنذري, نا محمد بن بشر بن مطر، نا خالد بن خداش، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الملك بن عمير، وذكر القصة, فقال: لبن عُشَرِيّ مكان قُشَرِيّ.
الجزور السَّنِمَة: هي العظيمة السنام, يقال: بعير سَنِم, قال الشاعر:
تشقى به كل مرباع مودَّعَةٍ ... عرفاء يشتو عليها تامك سَنِمُ
والغداة الشَّبِمَة، هي الباردة, يقال: ماء شبم: أي بارد.
والرَّذِمَة: الممتلئة التي تسيل, يقال: رَذِمَ رَذما: أي سال. قال الشاعر:
ترى الأرامل والهُلَّاك تتبعه ... يستن منه عليهم وابل رَذِمُ2
وقال لي أَبُو عُمَر: إنما هي قدور هزمة، من هزيم القدر، وهو صوتها عند الغليان.
قال: وليس الرَّذِمُ من صفة القدر، وإنما يقال: جفان رَذِمَة. قال: وكذلك الرواية عندي.
__________
1 الفائق: "سنم": 204/2, والنهاية: "شبم": 442/2, و"قرص": 40/4, و"عبط": 172/3, و"فطس": 458/3.
2 اللسان، التاج: "هلك", وعزي لزياد بن منقذ.

(3/162)


وَأَخْبَرَنِي أَبُو رجاء الغنوي، أنا أبو العبّاس ثَعْلَب, قَالَ: يُقال: أتانا بجفان رُذُم ورَذَمٍ, أي مملوءة تسيل، ولا يقال: رِذَم.
والمواسي الخَذِمَة، هي القاطعة, يقال: خَذَمْت اللحم، إذا قطعته, قال شقران مولى قضاعة:
جفاة المحزِّ لا يصيبون مفصلًا ... ولا يَأكُلُون اللّحْمَ إلا تَخَذُّمَا1
يريد أنهم لا يتعمدون في القطع إصابة المفاصل؛ لأن ذلك فعل من يبقي على اللحم، إنما يجزون من عرضه، والمعبوطة: التي نحرت وهي شابة صحيحة للحمها، لا لعارض بها من داء وكسر ونحوه, يقال: اعتبط فلان بكرته، إذا نحرها شابة من غير علة.
ويقال: للرجل إذا احتضر شابًا، مات عَبْطَة, قَالَ أُميَّةُ بنُ أَبِي الصَّلت:
مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبْطَةً يَمُتْ هرَمًا ... لِلموتِ كأسٌ فالمرءُ ذائِقُها2
"262" / والضَّمِنَة: ذات الضمانة، وهي المرض والزمانة. يقال: رجل ضَمِن, وقوم ضَمْنَى.
والعرب تذم على أكل لحوم ذوات الأدواء.
__________
1 البيان والتبيين: 309/3, وعزي لثروان أو ابن ثروان مولى لبني عذرة، يقول: هم سادة نشؤوا على السيادة, وعودوا أن يكونوا مخدومين لا خادمين, فليس لهم بصر بجزر الإبل وتفصيل أعضائها، وإذا أكلوا على موائدهم لا يتناولونه إلا قطعًا بالسكاكين لا نهشًا بالأسنان، والبيت في شرح الحماسة للمرزوقي حماسية "697": 1602/4, وعزي لشقران مولى سلامان.
2 شعراء النصرانية: 235/2, برواية: "من لم يمت عَبَطًا" وقبله:
يوشك من فر من منيته ... في بعض غراته يوافقها
وسبق في الجزء الأول، لوحة 165.

(3/163)


وتقول: بنو فلان يأكلون العوارض، وهي التي قد عرض لها داء, فنحرت من أجله.
وقول: بأَبْطَحَ قُرِّيٍّ. قال المنذري: سئل شمر عن هذا، فقال: لا أعرفه إلا أن يكون من القُرِّ.
وقوله: بلبن قُشْرِيّ، هكذا قال الغنوي، ولا أعرف له معنى إلا أن يكون منسوبًا إلى القشرة، وهي قطرة شديدة تقشر الحصا عن متن الأرض.
يريد لبنًا أدره المرعى الذي ينبته هذا المطر، أو يكون أراد اللبن الذي فوقه قشر من الرغوة.
فأما العُشَرِيُّ: فإنه منسوب إلى العُشَر، وهو شجر، يريد لبن إبل ترعى العُشَر أو يكون منسوبًا إلى العِشَار وهي الإبل, قال الأصمعي: إذا بلغت الناقة في حملها عشرة أشهر فهي عَشْرَاء، ثم لا يزال كذلك اسمها حتى تضع، بعدما تضع أيضًا لا يزايلها، وجمعها عِشَار.
وقوله: خبزة أَنْبِخَانِيَّة: أي لينة هشة, ويقال: عجين أَنْبِخَان: أي مختمر, وقد نَبَخَ العجين يَنْبَخُ.
وأخبرني أبو عمر، عن أبي العباس ثعلب قال: يقال عجين أنبِخَان: إذا كان مسترخيًا, قال: ومثله عجين وَرِيخ.
قال أبو زيد: يقال أَوْرَخْتُ العجين وأمرخْتُهُ وأَرْخَفْتُهُ، إذا أكثرت ماءه حتى يسترخي.
وقال أبو مالك: ثريد أَنْبِخَانِي: إذا كان فيه لين وانتفاخ.

(3/164)


وأخبرني الأزهري، أنا المنذري، عن شمر قال: قال الأصمعي: سألت أعرابِيًّا, فقلت: لا أحسب لك بصرًا بالطعام, قال: لأنا أعلم الناس به, قال: قلت: صِفْ, قال: ثَرِيد أَنْبِخَاني يصب عليه قِدْرُ آراب رَمْصَاء من السمن، رَمْكَاء من الفلفل ذلت قُوَب من الكمأة وجُدَر من الحمص.
قال: قلت: كيف أكلك؟ قال: أصدَعُ بِهاتين وأسند بهذه، يعني الإبهام, وأجمع ما يشذ بهذه, يعني البنصر، وآكل منها أكل ولي السوء في مال اليتيم.
قال شمر: آراب: أعضاء اللحم, ورَمْصَاء: من الرَّمَص الذي يسيل من العين, ورَمْكَاء: من الأَرْمَك, وهو أن يُضَرَب إلى السواد, والقُوَبُ: نُتُوٌّ وغلظ, وجُدَرٌ من الجُدَرِيِّ.
وقول المدني: لَفُطْس خُنْس، يريد تمر المدينة، وذلك أن تمورها صغار الحب لاطئة الأقماع، فلذلك جعلها فُطْسًا. والفُطْسُ: جمع الأفطس، وهو القصير الأنف العريضة. والخُنْسُ: جمع الأخنس، وهو الذي قد انْخَنَسَ أنفه ولذلك قيل للظباء: الخُنْسُ.
والجُمْسُ إن جعلته من نعت الزبد كان معناه الجامد.
يقال: جَمَس الماء والسمن: إذا جمد, وإن جعلته من نعت التمر كان معناه العَلَكُ الصلب, والجُمسُ أيضًا: من الرطب مالم يستحكم نضجه.
قال الأصمعي: البسر إذا بدت فيها نقطة من الإرطاب قيل: قد وكَّت، وهي بسرة مُوَكَّتَة، فإذا دخلها كلها الإرطاب وهو صلبة لم تنهضم بعد, فهي جَمِيْسَة، وجمعها جُمْسٌ.

(3/165)


والتَّعْضُوضُ: ضرب من التمر, قال الراجز يصف نخلًا:
أَسْوَدُ كالليل تَدَجَّى أخضرُهْ ... مخالط تَعْضُوضُه وعُمُرُهْ1
والعُمُر: نخل السكر, والرِّبَاع: الفُصْلَان، واحدها رُبَع. والقارص من اللبن: "263" / ما بدت فيه الحموضة. وقُمَارِصٌ: إتباع وإشباع, والميم زائدة.
__________
1 اللسان، التاج: "عضض", برواية: "تدجى أخضره", ولم يعز.

(3/166)