إصلاح المنطق

باب: ما يتكلم فيه بالصاد مما يتكلم به العامة بالسين ومما يتكلم فيه بالسين فيتكلم فيه العامة بالصاد:
يقال: هذا نَبِيذ قارص ولبن قارص، أي يقرص اللسان, ويقال: البرد اليوم قارس، والقرس: البرد, ويقال: أصبح الماءُ اليوم قريساً، أي جامداً، ومنه قيل: سمك قريس, ويقال: ليلة ذاتُ قرس أي ذات برد ولا يقال: البردُ اليوم قارص, ويقال: قد بخصت عينه، ولا تقل: بخستها، إنما البخس النقصان من الحق، تقول: قد بخسته حقه, ويقال للبيع إذا كان قصداً: لا بخس ولا شطط, وتقول: قد بصق الرجل، وهو البصاق، وقد بزق، وهو البزاق، ولا تقل: بسق، إنما البسوق في الطول، ويقال: نخلةٌ باسقة, قال الله جل وعز {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق: الآية 10] وقد بسق الرجلُ، إذا طال, وقد بسق في علمه، إذا علا, ويقال لحجر أبيض يتلألأ: بُصاقة القمر, ويقال: هو قص الشاة وقصصها، ولا تقل: قس ولا قسس, والقس: تتبع النمائم, قال الراجز1:
يُصْبِحْن عن قَسِّ الأذى غوافلا
وتقول: قد أصاب فُرصتهُ بالصادِ، وقد أفرصك الأمرُ, والعامة تقول: قد أصاب فُرسته, وأصل الفرصةِ: أن يتفارض القومُ الماءَ القليلَ، فيكون لهذا نوبة ثم لهذا
__________
1 هو رؤبة بن العجاج, كما في: اللسان: قسس.

(1/138)


نوبة، فيقال: يا فلان، قد جاءت فرصتك، أي وقتك الذي تستقي فيه, وتقول: قد أحذه قسراً، أي قهراً، ولا تقل: قصراً, وقد قصره إذا حبسه، ويقال: امرأة قصيرة وقصورة، إذا كانت محبوسة محجوبة, قال كثير:
وأنتِ التي حببت كل قَصِيرة ... إلي وما تدري بذاك القَصَائر
عنيت قَصِيرات الحجال ولم أرد ... قِصَار الخطى شر النساء البحاتر
والبحاتر: القصار, ويروى: قصورات, ويقال: هم الأسد أسد شنوءة، وهي أفصح من الأزد, ويقال: هذه دابة شموس بيِّنة الشماس، إذا كان يقمص عند الإسراج والمسِّ باليد، ولا تقل: شموص, ويقال: هو الصندوق بالصاد, وهي صنجة الميزان، ولا تقل: سنجة، وهي أعجمية معربة, والرسغ بالسين، والرساغ حبل يشد في الرُّسغ شداً شديداً، فيمنع البعير من الانبعاث في المشي, وتقول: هو الصماخُ بالصاد، ولا تقل: السماخ, وتقول: قد أصاخ الرجل للشيء، إذا استمع له, وقال الفراء: يقال: تقصصت أثره، ويقال: تقسست أصواتهم بالليل، إذا سمعتها.

(1/139)


باب: ما يغلط فيه يتكلم فيه بالياء وإنما هو بالواو:
جَفَوت الرجل فهو مجفو, وقال بعضهم: مَجْفي, ولا تقل: جَفَيته, قال: وأنشدني الفراء:
ما أنا بالجافي ولا المَجْفي
قال: وإنما قال: المجفي لأنه بناءه على جُفِي، وهو من جفوت، فلما انقلب الواو ياءً في جُفِي بناه مفعولاً عليه, وتقول: حَنَوت عليه فأنا أَحْنُو، إذا عطفت عليه وحدبت عليه, ويقال: امرأة حانِيَة، إذا قامت على ولدها ولم تزوج، وقد حَنَت عليهم تَحْنُو, وتقول: حَنَيت العود وحَنَيت ظهري، وحَنَوت لغة, وتقول: هَجَوته هجاء قبيحاً فهو مَهْجوٌّ، ولا تقل: هجيته, وتقول: قد فَلَوت المهر عن أمه وافتليته، إذا فصلته عنها وقد قطعت رضاعه, وقد فَلَيت رأسه, وتقول: قد غَذَوتُهُ غذاء حسناً، ولا تقل: غَذَيتُهُ, وقد عَرَوت الرجل، إذا أتيته، فهو معروٌّ, وقد عزوته إلى أبيه، إذا نسبته إليه، وعَزَيتُهُ لغة، وقد اعتزيت أنا إلى أبي, وتقول: قد قَرَوتُ الأرض، إذا

(1/139)


تتبعها ثم تخرج من أرض إلى أرض، أَقْرُوها قرواً، بالواو لا غير, وقد قَرَيتُ الضَّيْف قِرًى وقَرًى, وقد قَلَوت بالقُلَة، إذا ضربتها بالمقلاة، وهو العود الذي يضرب به القُلَة، بالواو لا غير, وقد قَلَوت البُسْر واللحم وَقَلَيْتُهُ فهو مَقْليٌّ ومَقْلوٌّ, وقد قَلَيت الرجل، إذا بغضته، قلى وقَلَاء، بالياء لا غير, وقد غَلَوت في القول, فأنا أَغْلُو غُلُوًّا، وقد غَلَوت بالسهم أَغْلُو به غُلُوًّا، بالواو لا غير، وقد غَلَيت عليه من شِدَّة الغيظ, فَأَنا أَغْلى غلياً وغَلَيانًا, وتقول: قد خَلَوت به, فأنا أخلو به خَلْوَةً، بالواو لا غير، وقد خَلَيت دابتي أخليها خَلْيًا، إذا جزرت لها الخَلي، وهو الرطب, وسميت المخلاة مِخْلاة؛ لأنه يجعل فيها الخَلي, والمِخلى بالقصر: ما يُخْتَلَى به الخَلى، أي يُجَز, وتقول: قد عَنَوت له، إذا خَضَعْت له، وقد عَنَوتُ في بَنِي فُلَان إذا كنت فيهم عَانيًا أي أَسِيرًا, وقد عَنَت الأرض بالنبات تَعْنُو عُنُوًّا، إذا ظهر نبتها, قال عدي:
فيأكلن ما أعني الولي فلم يلث ... كأن بحافات النهاء المزارعا
قوله: أَعْنَى الولي، أي أنبته الولي، وهو المطرُ بعد الوسمي، فهذه بالواو لا غير, وقد عَنَيت فلاناً بكلامي بالياء لا غير, وتقول: قد حَزَا السراب الشخص يَحْزُوه حَزْوًا، إذا رفعه, وحَزَأَهُ يحزؤه، بالهمز لغة, ويقال: قد حَزَا فلان الشيء يَحْزِيه حَزْيًا، إذا حرصه، يقال: كم تحزي هذا النخل، أي كم تَخْرُصُه, ويقال: قد حَلَوت الرجل حُلْوانًا إذا وهبت له, قال الشاعر:
ألا رجل أَحْلُوه رحلي وناقتي ... يبلغ عني الشعر إذ مات قائله
وقد حليت المرأة أُحَلِّيها، إذا حَلَّيتها, ويقال: قد دَنَونت من فلان أدنو منه دنواً، وما كنت يا فلان دنياً، ولقد دنوت، غير مهموز، تَدْنُو دَنَاوة, ويقال: ما تزداد منا إلا قرباً ودَنَاوة, ويقال: ما كنت دانئاً ولقد دَنَأت تَدْنَأُ، أي مجنت, ويقال: قد عَتَوت يا فلان فأنت تعتو عُتُوًّا، ولا يقال: عَتَيت, ويقال: قد جَلَوت الصُّفْر وغيره أجلوه جَلَاء، ولا تقل: جَلَيتُهُ, وقد جَلَوت عن البلد فأنا أجلو جَلَاء, وقد عفوت عن الرجل فأنا أعفو عَفْوًا، وقد عَفَوتُه أَعْفُوه، إذا أتيته، بالواو لا غير وتقول: بين الرجُلين بَوْن بعيد، أي تفاوتٌ, وقد بان صاحبهُ يبونه بَوْنًا، فهذه اللغة العالية، ومنهم من يقول: بينهما بَيْن بَعِيد، وقد بان صاحبه يبينه بَيْنًا, وتقول: ما كان أَحْوَلَه، إذا كان محتالاً, وقد تَحَوَّل، إذا احتال، وهو رجل حُوَّل، إذا كان كثير الاحتيال, وما أَحْيَلَه لغة، وهي الحِوَل والحِيَل, وتقول: قد أَبَوتُ الرجُل آَبُوه إذا كنت له أَبًا.

(1/140)


ويقال: ما له أبٌ يأبوه، وقد أَبَيت الشيء آباهُ إِبَاء, وتقول: قد سَرَوت ثوبي عني أسروه سَرْوًا، إذا ألقيته، وقد سَرَوت عني درعي، بالواو لا غير, وقد سَرَيت بالليل وأسريت، إذا سِرْت ليلاً.

(1/141)


باب: ما جاء على فَعْلَت بالفتح مما تكسره العامة أو تضمه وقد يجيء في بعضه لغة إلا أن الفصيح الفتح:
يقال: ما عَسَيت أن أصنع, قال الله جل ذكره: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} [محمد: الآية 22] ، ولا ينطق منها باستقبال, ويقال: دَمَعت عينه, ويقال: رَعَفت أرعف، والضم لغة, وقد عَطَست أعطس, وقد سَعَلت بالفتح لا غير, وقد سَبَحت, وقد لَمَحتُهُ بعيني, وقد نَقَمت عليه أَنْقِمُ، والكسر لغة، والفتح الكلام, وقد ذَهَلت عنه، والكسر لغة, وقد نَكَلت عنه أَنْكُلُ, قال الأصمعي: ولا يقال: نَكِلتُ, وقد كَلَلتُ من المشي أَكِل كِلَالاً وكَلَالةً, وقد كَفَلتُ به أَكْفُلُ كَفَالة وقَبَلتُ به أقبلُ به، في معنى واحد, وقد عمدت إليه أعمدُ، إذا قَصَدت إليه, وقد عَمِد البعير يعمد عَمَدًا، وهو أن ينفضخ داخل السَّنَام وظاهره صحيح, وقد جهدت جَهْدي, وقد وَجَدت الشيء أَجِده وِجْدانًا, وقد وَجِدت عليه في الغضب أَوْجِد موجدة, وقد عَتَبت عليه اعتب, وحَرَصت عليه أحرص, وعَجَزت أعجِز عَجْزًا ومَعْجَزَة, ويقال: قد عَجِزت المرأة تَعْجَزُ إذا عظمت عجيزتها, وقد عجَّزَت تعجز تعجيزًا، إذا صارات عَجُوزًا, وقد لَعَب الغلام يلعبُ، إذا سال لُعَابُهُ, قال أبو يوسف: وأنشدني ابنُ الأعرابي للبيد:
لَعَبت على أكتافهم وحجورهم ... وليداً وسموني مفيداً وعاصما
وقد أَلْعَبُ، لغة, وقد كَذَب يكذب كذبًا فهو كاذبٌ وكذوب وكيذبان, زادني أبو الحسن: وكُذُبْذُبٌ, قال: وأنشدنا:
وإذا سمعت بأنني قد بعتهم ... بوصال غانية تقول: كُذُبْذُبُ
َوالكذوب أيضاً: النفس, قال: وأنشدنا أبو الحسن عن ابن الأعرابي:
إني وإن منتني الكُذُوب ... يتلو حياتي أجل قريب

(1/141)


ثم يثيب الله ما يثب ... عباده أو تغفر الذنوب
وقد قنع يقنع قنوعاً، إذا سأل. وقد قنع يقنع بما آتاهُ الله قناعة، إذا رضي. وقد قنعت الإبل والغنمُ إذا أقبلت نحو أهلها. وقد فسد الشيء وصلح، وفسد وصلح لغة. قال الفراء: وأنشدني بعض الأعراب:
خذا حذراً يا خلتي فإنني ... رأيت جران العودِ قد كان يصلح
يعني أنه اتخذ من جلد العود سوطاً ليضرب به نساءه، وبهذا البيت سمي جران العود. وقال: قد نحل جسمه من المرض ينحل نحولاً، وقد أنحله المرض، وقد نحلته القول أنحله نحلاً. ويقال: لغب يلغب لغوباً. ويقال: قد غثث نفسه تغثي غثيًا وغثيانًا. ويقال: قد غثا السيل المرتع إذا جمع بعضه إلى بعض. ويقال: قد غوي الرجل يغوي غياً وغواية وهو غاو وغوي، إذا اتبع الغي. ويقال: قد غوي الفصيل والسخلة يغوي غوي، وهو أن لا يروى من لبأ أمه ومن اللبن، حتى يموت هزالاً. قال الشاعر وذكر قوساً.
معطفة الأثناء ليس فصيلها ويقال: قد غلت القدرُ تغلي غلياً وغلياناً، ولا يقال: غليت. قال أبو الأسود:
ولا أقول لقدر القوم: قد غليت ... ولا أقول لباب الدار: مغلوق
وقد ولع الكلب في الإناء يلغ ولغاً. وقد لهث من الإعياء يلهث لُهاثًا. وقد ذوى العودُ يذوي ذويًا، وقد ذأي يذأي ذأوا. وقد الأصمعي: ولا يقال: ذوي. قال أبو عبيدة: قال يونس: هي لغة. وقد ذبل الشيء يذبل ذبولاً. وقد جمد الماء والسمن يجمدُ جموداً، وقد خمدت النارُ تخمدُ خموداً، إذا ذهب لهبها، وقد همدت تهمد هموداً، إذا طفئت. وقد همد الثوب يهمدُ، إذا بلي.

(1/142)