سر صناعة الإعراب

باب: الحروف على مراتبها في الاطراد
...
ذكر الحروف على مراتبها في الاطر اد 1:
وهي: الهمزة، والألف، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، والقاف، والكاف، والجيم، والشين، والياء، والضاد، واللام، والراء، والنون، والطاء، والدال، والتاء، والصاد، والزاي، والسين، والظاء، والذال، والثاء، والفاء، والباء، والميم، والواو.
فهذا هو ترتيب الحروف على مذاقها وتصعدها، وهو الصحيح، فأما ترتيبها في كتاب العين2 ففيه خطل واضطراب، ومخالفة لما قدمناه آنفا، مما رتبه سيبويه3، وتلاه أصحابه عليه، وهو الصواب الذي يشهد التأمل له بصحته.
واعلم أن هذه الحروف التسعة والعشرين قد تلحقها ستة أحرف تتفرع عنها حتى تكون خمسة وثلاثين حرفا، وهذه الستة حسنة، يؤخذ بها في القرآن، وفصيح الكلام، وهي النون الخفيفة، ويقال الخفية، والهمزة المخفية، وألف التفخيم، وألف الإمالة4، والشين التي كالجيم، والصاد التي كالزاي.
وقد تلحق بعد ذلك ثمانية أحرف وهي فروع غير مستحسنة، ولا يؤخذ بها في القرآن ولا في الشعر، ولا تكاد توجد إلا في لغة ضعيفة مرذولة، غير متقبلة، وهي الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي كالكاف، والجيم التي كالشين، والضاد الضعيفة، والصاد التي كالسين، والطاء التي كالتاء، والظاء التي كالثاء، والباء التي كالميم، ولا يصح أمر هذه الحروف الأربعة عشر اللاحقة للتسعة والعشرين، حتى كملتها ثلاثة وأربعين، إلا بالسمع والمشافهة، وسنفصل ذلك إن شاء الله.
__________
1 الاطراد: أي تتابع مواقعها من الحلق إلى الشفتين. مادة "طرد" اللسان "4/ 2652".
2 ترتيب العين وهو معجم الخليل بين أحمد كالتالي: العين، الحاء، الهاء، الخاء، الغين، القاف، الكاف، الجيم، الشين، الضاد، الصاد، السين، الزاي، الطاء، الدال، التاء، الظاء، الذال، الثاء، الراء، اللام، النون، الفاء، الباء، الميم، الياء، الواو، الألف.
3 ترتيب سيبويه للحروف هكذا: ء، ا، هـ، ع، ح، غ، خ، ك، ق، ض، ج، ش، ي، ل، ر، ن، ط، د، ت، ص، ز، س، ظ، ذ، ث، ف، ب، م، و.
4 الإمالة: نطق الألف بين الألف والياء، والفتحة كالكسرة، مادة "ميل" اللسان "6/ 4311".

(1/59)


واعلم أن مخارج هذه الحروف ستة عشر: ثلاثة منها في الحلق.
فأولها من أسفله وأقصاه، مخرج الهمزة والألف والهاء، هكذا يقول سيبويه.
وزعم أبو الحسن1 أن ترتيبها: الهمزة وذهب إلى أن الهاء مع الألف، لا قبلها ولا بعدها، والذي يدل على فساد ذلك وصحة قول سيبويه، أنك متى حركت الألف، اعتمدت بها على أقرب الحروف منها إلى أسفل، فقلبتها همزة، ولو كانت الهاء معها لقلبتها هاء، وهذا واضح غير خفي.
ومن وسط الحلق مخرج العين والحاء.
ومما فوق ذلك مع أول الفم، مخرج الغين والخاء.
ومما فوق ذلك من أقصى اللسان، مخرج القاف.
ومن أسفل من ذلك وأدنى إلى مقدم الفم مخرج الكاف.
ومن وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى، مخرج الجيم والشين والياء.
ومن أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد، إلا أنك إن شئت تكلفتها2 من الجانب الأيمن، وإن شئت من الجانب الأيسر.
ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان، من بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى، مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية3، مخرج اللام.
ومن طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا، مخرج النون.
ومن مخرج النون غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلا، لانحرافه إلى اللام، مخرج الراء.
ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا، مخرج الطاء والدال والتاء.
ومما بين الثنايا وطرف اللسان، مخرج الصاد والزاي والسين.
__________
1 هو: أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط.
2 تكلفتها: تحملتها مع مشقة. مادة "كلف". اللسان "5/ 3917".
3 الثنية: إحدي الأسنان الأربع التي في مقدم الفم، اثنتان من فوق واثنتان من تحت، والجمع "ثنايا". مادة" ثنى". اللسان "1/ 516".

(1/60)


ومما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا، مخرج الظاء والذال والثاء.
ومن باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلى، مخرج الفاء.
ومما بين الشفتين مخرج الباء والميم والواو.
ومن الخياشيم مخرج النون الخفية، ويقال الخفيفة أي الساكنة.
فذلك ستة عشر مخرجا1.
ويدلك على أن النون الساكنة إنما هي من الأنف والخياشيم، أنك لو أمسكت بأنفك، ثم نطقت بها2 لوجدتها مختلة، وأما النون المتحركة فمن حروف الفم، كما قدمنا، إلا أن فيها بعض الغنة3 من الأنف.
وأما الهمزة المخففة فهي التي تسمى همزة بين بين.
ومعنى قول سيبويه: بين بين، أي هي بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها، إن كانت مفتوحة، فهي بين الهمزة والألف، وإن كانت مكسورة فهي بين الهمزة والياء، وإن كانت مضمومة فهي بين الهمزة والواو، إلا أنها ليس لها تمكن الهمزة المحققة، وهي مع ما ذكرنا من أمرها، في ضعفها وقلة تمكنها، بزنة المحققة، ولا تقع الهمزة المخففة أولا أبدا، لقربها بالضعف من الساكن، فالمفتوحة نحو قولك في سأل: سال، والمكسورة نحو قولك في سئم: سيم والمضمومة نحو قولك في لؤم: لوم.
__________
1 اختلف العلماء في عدد مخارج الحروف، بين أربعة عشر وستة عشر وسبعة عشر مخرجا، وعلماء التجويد على أنها سبعة عشر، على الرأي المختار، وهو رأي الخليل.
وقال سيبويه: إنها ستة عشر، فأسقط مخرج الجوف، ووزع حروفه على بقية المخارج، فجعل الألف من الحلق، والياء من وسط اللسان، والواو من الشفتين، وتابعه على ذلك كثير منهم الشاطبي.
وذهب قطرب والجرمي والفراء ومن تبعهم إلى أنها أربعة عشر مخرجا، فأسقطوا الجوف كما فعل سيبويه، وجعلوا مخارج اللسان ثمانية، لأنهم جعلوا اللام والنون والراء من مخرج واحد كلي ذي مخارج جزئية.
2 الضمير راجع إلى النون.
3 الغنة: صوت يخرج من الخيشوم. مادة "غ. ن. ن". اللسان "5/ 3307".

(1/61)


ويدلك على أنها وإن كانت قد قربت من الساكن فإنها في الحقيقة متحركة، أنك تعتدها في وزن العروض حرفا متحركا، وذلك نحو قول كثير1.
أان زم أجمال وفارق جيرة ... وصاح غراب البيت أنت حزين2
ألا ترى أن وزن قولك "أان زم": فعولن، فالهمزة إذن مقابلة لعين "فعولن" وهي3 متحركة كما ترى.
وحدثنا أبو علي، قال: أخذ أبو نواس4 لفظ سيبويه ومعناه، يعني قوله: "بين بين"، فقال:
وخذ من كف جارية وصيف ... مليح الدل ملثوغ الكلام
له شكل الإناث وبين بين ... ترى فيه تكادية الغلام5
__________
1 كثير: هو أبو صخر كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر العذري، من فحول شعراء الإسلام، وجعله ابن سلام في الطبقة الأولى منهم وقرن به جريرا والفرزدق والأخطل والراعي وكان كثير غاليا في التشيع يذهب مذهب الكيسانية.
مات سنة 105هـ في ولاية يزيد بن عبد الملك. انظر/ الأغاني "8/ 25".
2 زم: من زمم الجمل إذا شد عليه الزمام. مادة "ز. م. م". اللسان "3/ 1865".
إجمال: واحدها "جمل" وهو الكبير من الإبل.
البين: الفراق. مادة "بين" اللسان "1/ 403".
شرح البيت، هل تحزن إذا شدت الأزمة على الجمال، وفارقك الجيران ونعب الغراب آذنا بالرحيل؟
الشاهد في البيت قوله: "أان زم" وهو شاهد على أن الهمزة تكون متحركة حتى لو كانت مسهلة كما في المتن.
إعراب البيت: الهمزة: للاستفهام. أن: أداة شرط جازمة سهلت همزتها.
3 وهي: ضمير راجع إلى عين فعولن، لانها ظاهرة الحركة.
4 أبو نواس: هو أبو الحسن بن هانئ، الشاعر المتفنن، والجاد الماجن، وصاحب الصيت الطائر، والشعر السائر، ورأس المحدثين بعد بشار، وهو فارسي الأصل، ولد بكورة خوزستان سنة 145هـ، ونشأ يتيما وعمل بالعطارة ثم مدح الرشيد ومحمد الأمين، وتوفي ببغداد سنة 198هـ.
5 الوصيف: الخادم الحدث، يريد الساقي، ويطلق على الجارية أيضا. اللسان "6/ 4850".
مليح: ملح الشيء من باب ظرف وسهل أي حسن فهو مليح، والجمع ملاح وأملاح.

(1/62)


وأخبرني1 أيضا قال: سألني سائل قديما، فقال: هل يجوز الخرم2 في أول أجزاء متفاعلن من الكامل؟ 3
قال: ولم أكن حينئذ أعرف مذهب العروضيين4 فيه فعدلت به إلى طريق الإعراب، فقلت: لا يجوز.
فقال: لم لا يجوز؟
فقلت: لأن التاء التي بعد الميم قد يدركها السكون في بعض الأحوال، فيكره الابتداء بحرف قد يكون في بعض أحواله ساكنا في ذلك المثال بعينه، كما كرهت العرب الابتداء بالهمزة المخففة، لأنها قد قربت من الساكن، أفلا ترى إلى تناسب هذا العلم5، واشتراك أجزائه، حتى إنه ليجاب عن بعضه بجواب غيره.
__________
1 الدال: هو حسن الحديث. اللسان "2/ 1413". مادة "د. ل. ل".
ملثوغ: اللثغة: تحول اللسان من حرف إلى حرف، كقلب السين ثاء، أو الراء غينا. اللسان "5/ 3995". مادة "ل. ث. غ".
بين بين: أي التوسط. لسان العرب "1/ 406". مادة "ب. ي. ن".
تكاديه: "م" تكدية، وهو فرق الشعر وأصل مصدره: كده تكديها إذا فرق شعره.
اللسان "5/ 3838". مادة "ك. د. هـ".
الشرح: يخاطب الشاعر صديقه طالبا منه أن يتناول عقاره من يد تلك الحسناء المليحة التي تتدلل في حديثها ثم يصف تلك الجارية فهي ملثوغة اللسان لها وجه الإناث ولكنها تتشبه بالغلمان في تفريق الشعر من منتصفه.
خذ: أسلوب إنشائي في صورة أمر، الغرض منه التوسل والرجاء.
والشاهد في قوله: بين بين: فقد استخدم الشاعر تعبير سيبويه بلفظه ومعناه كما في المتن.
1 الضمير راجع إلى أبي علي المذكور قريبا.
2 الخرم: قال ابن سيده: الخرم في العروض ذهاب الفاء من فعولن فيبقي"عولن" فينقل في التقطيع إلى فعلن، قال: ولا يكون الخرم إلا في أول الجزء في البيت. اللسان "2/ 1145".
3 الكامل: بحر من بحور الشعر وزنه: متفاعلن ست مرات.
4 العروضيين: نسبة إلى العروض وهو علم اخترعه الخليل بن احمد، وهو علم يدرس موازين الشعر.
5 لعل الإشارة بهذا إلى علم العربية وفقهها، بدون نظر خاص إلى فروعها من لغة ونحو وصرف وعروض وغيره.

(1/63)


ومعنى قول سيبويه "بين بين": أي هي ضعيفة ليس لها تمكن المحققة، ولا خلوص الحرف الذي منه حركتها. قال عبيد بن الأبرص1.
تحمي حقيقتنا وبعض ... القوم يسقط بين بينا2
أي يتساقط ضعيفا غير معتد به.
وأما ألف الإمالة فهي التي تجدها بين الألف والياء، نحو قولك في عالِم وخاتِم: عاِلِم خاِتِم3
وأما ألف التفخيم4 فهي التي تجدها بين الألف وبين الواو، نحو قولهم: سُلام عليك، وقُام زيد، وعلى هذا كتبوا: الصلوة والزكوة والحيوة بالواو، لأن الألف مالت نحو الواو، كما كتبوا إحداهما وسواهن بالياء لمكان إمالة الفتحة قبل الألف إلى الكسرة.
وأما الشين التي كالجيم، فهي الشين التي يقل تفشيها واستطالتها، وتتراجع قليلا متصعدة نحو الجيم.
__________
1 عبيد بن الأبرص: هو عبيد بن الأبرص بن جشم بن عامر أحد بني دووان بن أسد بن خزيمة، قال عنه صاحب الطبقات: إنه قديم عظيم الذكر، عظيم الشهرة، وشعره مضطرب ذاهب لا أعرف له إلا قوله.
أفقر من أهله ملجوب ... فالقطيبات فالذنوب
ولا أدري ما بعد ذلك. انظر/ طبقات فحول الشعراء "ص58".
2 حقيقتنا: ما تجب علينا حمايته، "ج" حقائق. اللسان "2/ 942". مادة "ح. ق. ق".
يقول الشاعر: إننا نحمي حرمتنا بينما يتقاعس البعض عن ذلك.
هذا وقد فسر ابن جني "بين بين" بالضعف اتباعا لسيبويه، غير أن ابن بري استدرك على هذا كما ذكر صاحب اللسان حيث قال:
قال ابن بري: قال السيرافي: كأنه قال: بين هؤلاء وهؤلاء، كأن رجل يدخل بين فريقين في أمر من الأمور فيسقط، ولا يذكر فيه.
قال الشيخ: يجوز عندي أن يريد بين الدخول في الحرب والتأخر عنها، كما يقال: فلان يقدم رجلا ويؤخر أخرى. انظر/ لسان العرب "1/ 406" مادة "بين".
3 وضعنا كسرة تحت العين والخاء، وأثبتنا الألف علامة على إمالة ألف عالم وخاتم.
4 التفخيم: التعظيم والتضخيم عن طريق ملء الفم بالحرف "كالطاء والظاء" اللسان "5/ 3362".

(1/64)


وأما الصاد التي كالزاي، فهي التي يقل همسها1 قليلا، ويحدث فيها ضرب من الجهر، لمضارعتها2 الزاي، وذلك قولك في يصدر يصدر، وفي قصد قصد3.
ومن العرب من يخلصها زايا، فيقول يزدر وقزد، وقالوا في مثل لهم: "لم يحرم من فزد له" أي فصد له. وتأويل هذا أن الرجل كان يضيف الرجل في شدة الزمان، فلا يكون عنده ما يقريه4، ويشح أن ينحر راحلته له، فيفصدها5، فإذا خرج الدم سخنه للضيف، إلى أن يجمد ويقوى، فيطعمه أياه6، فجرى المثل في هذا، فقيل: "لم يحرم من فزد له". أي لم يحرم القرى من فصدت له، إلا أنه أسكن الصاد تخفيفا، كما يقال في ضرب زيد: ضرب، وفي قتل: قتل، فلما سكنت الصاد ضارعوا7 بها الدال التي بعدها، بأن قلبوها إلى أشبه الحروف بالدال من مخرج الصاد، وهي الزاي، لأنها مجهورة8، كما أن الدال مجهورة، فقالوا: فزد. فإن تحركت الصاد لم يجز فيها البدل، وذلك نحو صدر وصدف، لا تقول فيه زدر ولا زدف، وذلك أن الحركة قوت الحرف وحصنته، فأبعدته من الانقلاب، بل قد يجوز فيها إذا تحركت إشمامها9 رائحة الزاي، فأما أن
__________
1 الهمس: وهو غير الجهر، والمهموس من الحروف ما يضعف الاعتماد على مخرجه عند النطق به، وعلامته أن يبقي النفس جاريا عند النطق به، والحروف المهموسة عشرة، يجمعها قولك: "حثه شخص فسكت". اللسان "6/ 4699"، مادة "هـ. م. س".
2 المضارعة: المشابهة: اللسان "4/ 2580". مادة "ضرع".
3 اعلم أن النطق بالصاد هنا وفي يصدر هو بين الصاد والزاي.
4 يقريه: ما يقدمه لضيف من الطعام. اللسان "5/ 3618". مادة "قرى".
5 يفصدها: يشق عرقها ليستخرج دمه فيشربه. اللسان "5/ 3420". مادة "فصد".
6 الضمير عائد إلى الرجل السابق ذكره.
7 ضارعوا: شابهوا. اللسان "4/ 2580".
8 المجهور: من الأصوات: صوت يتذبذب معه الوتران الصوتيان في الحنجرة ذبذبات منتظمة، كالذال والدال مثلا. مادة "جهر".
9 الإشمام: عند جمهور النحاة والقراء، صيغ الصوت اللغوي بمسحة من صوت آخر، مثل نطق كثير من قيس وبني أسد لأمثال: "قيل وبيع" بإمالة نحو واو المد، ومثل إشمام الصاد صوت الزاي في قراءة الكسائي بصفة خاصة. اللسان "4/ 2333". مادة "ش. م. م". والإشمام أيضا "لدى القراء وحدهم": الإشارة بالشفتين إلى الضمة المحذوفة من آخر الكلمة الموقوف عليها بالسكون من غير تصويت بهذه الضمة.
انظر/ الوسيط مادة "شمر" "1/ 515".

(1/65)


تخلص وهي متحركة زايا كما تخلص وهي ساكنة، فلا. وإنما تقلب الصاد زايا أو تشم رائحتها إذا وقعت قبل الدال، فإن وقعت قبل غيرها لم يجز ذلك فيها.
فهذه أحوال الحروف التي هي فروع مستحسنة.
فأما الثمانية اللاحقة بهذه فهي مستقبحة1، وفي شرح أحوالها طول، فتركناه لذلك، لا سيما وليست الحاجة إليها كهذه، إلا أن المشافهة تأتي عليها، وتوضح لك حالها.
__________
1 هذه الحروف المستقبحة قسمان: مستقبحة دائما، ومستقبحة في موضع، حسنة في غيره.
- فأما الأولى فهي:
أ- حرف بين الجيم والكاف وينطق به بدل الكاف في لغة اليمن فيقولون: جافر بدلا من كافر، وبدل الجيم في لغة البحرين فيقولون: جملة بجيم مصرية، وبدل القاف في لغة أهل البوادي فيقولون: جعد بدلا من قعد، مع تفخيم الجيم.
ب- حرف بين الصاد والسين، وينطق به بدل الصاد، فيقولون في صاد، ساد بتفخيم السين.
ج- حرف بين الطاء والتاء، وينطق به بدل الطاء وكثيرا ما يوجد في كلام العجم إذا أرادوا نطق العربية فيقولون تاهر بدلا من طاهر بالتاء المفخمة.
د- حرف بين الضاد والظاء، وينطق به بدل الضاد، فيقولون في ضبع: ظبع بالظاء المصرية.
هـ- حرف بين الظاء والثاء، وينطق به بدل الظاء فيقال في ظاهر: ثاهر، بثاء مفخمة.
و حرف بين الفاء والباء، وينطق به بدل الباء فيقال: بلخ بحرف يشبه الحرف
p أو v.
- وأما الحروف المستقبحة في موضع المستحسنة في آخر فهي:
أ- حرف بين الجيم والشين، وينطق به بدل الشين استحسانا إذا كانت ساكنة بعدها دال فيقولون: مجدود بدلا من مشدود.
وتستقبح إذا كانت ساكنة بعدها دال أو تاء مثل: أجدبوا، واجتمعوا.
ب- حرف بين الواو والياء، وينطق بها استحسانا بدل الواو الخالصة، أو الياء الخالصة، نحو: قبل وبيع، فتجعل الياء شبه حرف
u وهو في لغة كثير من قيس وبني أسد.
وينطق به استهجانا بدل واو المد التي بعدها راء مكسورة كابن سرور فتمال الضمة إلى الكسرة، فيفطن إلى إمالة الواو نحو الياء.

(1/66)


واعلم أنك كما قد تجد هذه المضارعة وهذا التقارب بين الحروف، فقد تجده أيضا بين الحركات، حتى إنك تجد الفتحة مشوبة بشيء من الكسرة أو الضمة منحوا بها إليهما، وتجد الكسرة أيضا مشوبة1 بشيء من الضمة، والضمة مشوبة بطرف من الكسرة، ولا تجد الكسرة ولا الضمة مشوبة بشيء من الفتحة، وسنذكر لم كان ذلك كذلك عقيب هذا الفصل إن شاء الله.
أما الفتحة المشوبة بالكسرة فالفتحة التي قبل الإمالة نحو فتحة عين عابد وعارف، وذلك أن الإمالة إنما هي أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة، فتميل الألف التي بعدها نحو الياء لضرب من تجانس الصوت، فكما أن الحركة ليست فتحة محضة2، فكذلك الألف التي بعدها ليست ألفا محضة، وهذا هو القياس، لأن الألف تابعة للفتحة، فكما أن الفتحة مشوبة، فكذلك الألف اللاحقة لها.
وقد أمالوا أيضا هذه الفتحة وإن لم تكن بعده ألف، فقالوا: من عمرو3 ورأيت خبط رياح4، وقرأ بعضهم: "فإنهم لا يكذبونك" وقرئ أيضا: "وإنا إليه راجعون" و"رأى القمر".
وأما الفتحة الممالة نحو الضمة، فالتي تكون قبل ألف التفخيم، وذلك نحو الصلاة والزكاة، ودعا وغزا، وقام وصاغ، وكما أن الحركة أيضا هنا قبل الألف ليست فتحة محضة، بل هي مشوبة بشيء من الضمة، فكذلك الألف التي بعدها، ليست ألف محضة، لأنها تابعة لحركة هذه صفتها، فجرى عليها حكمها.
وأما الكسرة المشوبة بالضمة فنحو قيل وبيع، وغيض5، وسيق. وكما أن الحركة قبل هذه الياء مشوبة بالضمة، فالياء بعدها مشوبة بروائح الواو، على ما تقدم في الألف.
__________
1 مشوبة: مخلوطة. مادة "شوب". اللسان "4/ 2355".
2 المحض: الخالص. قال الأزهري: كل شيء خلص حتى لا يشوبه شيء يخالطه فهو محض اللسان "6/ 4146". مادة "محض".
3 وضعنا فوق العين فتحة وتحتها كسرة للإشارة إلى أنها ممالة، وكذلك فوق الطاء وتحتها في خبط.
4 وخبط الرياح: ما يتساقط من ورق الشجر إذا ضربته الرياح. اللسان "2/ 1093".
5 غيض الماء: نزل في الأرض وغاب فيها. مادة "غيض". اللسان"5/ 3326".

(1/67)


وأما الضمة المشوبة بالكسرة فنحو قولك في الإمالة: مررت بمذعور، وهذا ابن بور. نحوت بضمة العين والباء نحو كسرة الراء، فأشممتها شيئا من الكسرة، وكما أن هذه الحركة قبل هذه الواو ليست ضمة محضة، ولا كسرة مرسلة، فكذلك الواو أيضا بعدها، هي مشوبة بروائح الياء، وهذا مذهب سيبويه، وهو الصواب، لأن هذ الحروف تتبع الحركات قبلها، فكما أن الحركة مشوبة غير مخلصة، فالحرف اللاحق بها أيضا في حكمها. وأما أبو الحسن فكان يقول: مررت بمذعور وهذا ابن بور، فيشم الضمة قبل الواو رائحة الكسرة، ويخلص الواو واوا محضة البتة، وهذا تكلف فيه شدة في النطق، وهو مع ذلك ضعيف في القياس. فهذا ونحوه ما لا بد في أدائه وتصحيحه للسمع، من مشافهة توضحه، وتكشف عن خاص سره.
فإن قيل: فلم جاز في الفتحة أن ينحى بها نحو الكسرة والضمة، وفي الكسرة أن ينحى بها نحو الضمة، وفي الضمة أن ينحى بها نحو الكسرة، على ما قدمت ومثلت، ولم يجز في واحدة من الكسرة ولا الضمة أن ينحى بها نحو الفتحة؟
فالجواب في ذلك أن الفتحة أول الحركات، وأدخلها في الحلق، والكسرة بعدها، والضمة بعد الكسرة، فإذا بدأت بالفتحة، وتصعدت تطلب صدر الفم والشفتين، اجتازت في مرورها بمخرج الياء والواو، فجاز أن تشمها شيئا من الكسرة أو الضمة لتطرقها1 إياهما، ولو تكلفت أن تشم الكسرة أو الضمة رائحة من الفتحة لاحتجت إلى الرجوع إلى أول الحلق، فكان في ذلك انتقاض2 عادة الصوت، بتراجعه إلى ورائه، وتركه التقدم إلى صدر الفم، والنفوذ بين الشفتين، فلما كان في إشمام الكسرة أو الضمة رائحة الفتحة، هذا الانقلاب والنقض، ترك ذلك، فلم يتكلف البتة.
فإن قيل: فقد نراهم نحوا3 بالضمة نَحو الكسرة في: مذعور ومنقور ونحوهما، والضمة كما تعلم فوق الكسرة، فكما جاز لهم التراجع في هذا، فهلا جاز أيضا في الكسرة والضمة أن ينحى بهما نحو الفتحة؟
__________
1 تطرقها: أي تبتغي إليها. مادة "طرق". اللسان "4/ 2665".
2 انتقاض: إفساد ما أبرمت. اللسان "6/ 4524". مادة "نقض".
3 نحوا: اتجهوا. اللسان "6/ 4371". مادة "نحو".

(1/68)


فالجواب أن بين الضمة والكسرة من القرب والتناسب ما ليس بينهما وبين الفتحة، فجاز أن يتكلف نحو ذلك بين الضمة والكسرة، لما بينهما من التجانس فيما قد تقدم ذكره في صدر هذا الكتاب، وفيما سنذكره أيضا في أماكنه، وهو مع ذلك قليل مستكره، ألا ترى إلى كثرة قيل وبيع وغيض1، وقلة نحو: مذعور وابن بور.
ولعل أبا الحسن أيضا إلى هذا نظر في امتناعه من إعلال2 الواو في مذعور، وتركها واوا محضة، لأن له أن يقول أن الحركة التي قبل الواو لم تتمكن في الإعلال والإشمام تمكن الفتحة في الإشمام نحو عالم وقام، ولا تمكن الكسرة في قيل وبيع فلما كان الإشمام في مذعور ونحوه عنده والعمل خلسا3 خفيا، لم يقو على إعلال الواو بعده، كما اعتلت الألف في نحو عالم وقام، والكسرة في نحو قيل وغيض فلذلك لم تعتل عنده الواو في مذعور وابن بور، وأخلصها واو محضة.
فهذا قول من القوة على ما تراه، وإن شئت فقل أن الضمة وإن نحي بها نحو الكسرة فلقربها منهاوبعدت الفتحة منها فلم يجز فيها ما جاز في الكسرة القريبة. فلما بطل ذلك في الضمة، حملت الكسرة عليها، لأنها أختها، وداخلة في أكثر أحكامها، ويشهد لهذا القول أنهم أدغموا النون في الميم، لاشتراكهما في الغنة والهوي في الفم، ثم إنهم حملوا الواو في هذا على الميم، بأنها من الشفة، وإن لم تكن النون من الشفة.
ثم إنهم أيضا حملوا الياء على الواو في هذا، لأنها ضارعتها في المد، وإن لم تكن معها من الشفة، فأجازوا إدغام النون في الياء، فالميم نحو قولهم: من معك؟ والواو نحو قولهم: من وعدت؟ والياء نحو قوله عز اسمه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُول} 4، فكما جاز حمل الواو على الميم، ثم حمل الياء على الواو فيما ذكرنا،
__________
1 وضعنا ضمة فوق كل من القاف والباء والغين للدلالة على إمالة الكسرة نحو الضمة.
2 المراد بالإعلال هنا: إشمام الواو رائحة الياء، وليس قلبها ياء خالصة.
3 خلسا: على حين غفلة. مادة "خلس". اللسان "2/ 1226".
4 الآية شاهد على إدغام النون في الياء وهذا إدغام بغنة.
والحروف التي تدغم مع النون هي حروف كلمة "يرملون" أربعة منها بغنة واثنين بدون غنة. فأما الأربعة فهم: "ي، ن، م، و" وأما الحرفين اللذين بدون غنة فهما: "ر، ل".

(1/69)


كذلك أيضا جاز أن تحمل الكسرة على الضمة في امتناع إشمامها شيئا من الفتحة.
ولهذا نظائر كثيرة في كلامهم، أتركها خوف الإطالة.
وقد كان يجب على أصحابنا1 إذ ذكروا فروع الحروف، نحو ألف الإمالة وألف التفخيم، وهمزة بين بين، أن يذكروا أيضا الياء في نحو: قيل وبيع والواو في نحو: مذعور وابن بور.
على أنه قد يمكن الفصل بين الياء والواو، وبين الألف، بأنها لا بد من أن تكون تابعة، وأنهما قد لا تتبعان ما قبلهما.
وما علمت أن أحدا من أصحابنا خاض في هذا الفن هذا الخوض، ولا أشبعه هذا الإشباع2 ومن وجد قولا قاله، والله يعين على الصواب بقدرته.
فأما النون إذا أدغمت بغنة، والطاء والصاد والظاء إذا أدغمن بإطباق3، فقد قلبن إلى لفظ ما أدغمن فيه البتة، وما بقي من رائحة الإطباق، لا يخرج الحرف من أن يكون قد قلب إلى لفظ ما بعده، لأن شرط الإدغام أن يتماثل فيه الحرفان، فجرى الإطباق والغنة بعد الإدغام في قلة الاعتداد به4 مجرى الإشمام الذي لا حكم له، حتى صار الحرف الذي هو فيه، في حكم الساكن البتة، وسترى القول فيه، والدلالة عليه.
فأما الحركة الضعيفة المختلسة كحركة همزة بين وبين وغيرها من الحروف التي يراد اختلاس حركاتها تخفيفا، فليست حركة مشمة شيئا من غيرها من الحركتين، وإنما أضيف اعتمادها، وأخفيت لضرب من التخفيف، وهي بزنتها إذا وفت5 ولم تختلس.
__________
1 المراد بأصحابنا هنا: هم البصريون وسيصرح المؤلف بذلك مرارا.
2 لنا أن نسجل هنا أن ابن جني يعد بحق من اللغوين العالميين الذين وضعوا أسس الدراسات الصوتية قبل أن تعرفها أوروبا في النهضة الحديثة.
3 الإطباق: أن ترفع في النطق طرفي اللسان إلى الحنك الأعلي مطبقا له فيفخم نطق الحرف.
وحروف الإطباق هي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء. اللسان "4/ 2637".
4 الضمير راجع إلى الإطباق والغنة، والضمير فيما أثبتناه راجع إلى الإدغام، وكل التعبيرين له وجه.
5 إذا وفت: يقال أوفى فلانا حقه ووفاه ووافاه: إذ أتمه ولم ينقص منه شيئا، اللسان "6/ 4885".

(1/70)


وقد تقدمت الدلالة على أن همزة بين بين كغيرها من سائر المتحركات في ميزان العروض، الذي هو حاكم وعيار على الساكن والمتحرك، وكذلك غير هذه الهمزة من الحروف المخفاة الحركات، نحو قوله عز اسمه {مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا} [يوسف: 8] ؟ 1 وغير ذلك كله محرك وإن كان مختلسا، يدل على حركته قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَان} [البقرة: 185] فيمن أخفى، فلو كانت الراء الأولى ساكنة، والهاء قبلها ساكنة، لاجتمع ساكنان في الوصل، ليس الأول منهما حرف لين والثاني مدغما، نحو دابة وشابة.
وكذلك قوله: {أَمَّنْ لا يَهِدِّي} 2 [يونس: 35] لا يخلو من أحد أمرين:
إما أن تكون الهاء مسكنة البتة، فتكون التاء من "يهتدي" مختلسة الحركة.
وإما أن تكون الدال مشددة، فتكون الهاء مفتوحة بحركة التاء المنقولة إليها، أو مكسورة لسكونها وسكون الدال الأولي، وكذلك: {يَخِصِّمُون} الحكم فيهما واحد.
ومثل: {شَهْرُ رَمَضَان} ، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر} [الحجر: 9] 3 و {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيت} [ق: 43] ، لا بد من أن تكون النون الأولى مختلسة الضمة تخفيفا، وهي بزنة المتحركة، فأما أن تكون ساكنة والحاء قبلها ساكنة فخطأ، وقول القراء إن هذا ونحوه مدغم سو منهم، وقصور عن إدراك حقيقة هذا الأمر.
ومن الإخفاء أيضا قوله تبارك اسمه {وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] وقالوا في جمع حياء4 وعياء5: أحيية وأعيية، مختلسين.
__________
1 وردت في حوار دار بين أخوة يوسف وأبيهم.
والآية دليل على تحرك الميم في "تأمنا" بالضم، وإن كان خافيا مختلسا. كما ذكر المؤلف في المتن.
2 يهدي: أي يسترشد، وقرئت "من لا يهدى" أي طلب الهداية، أو أقام عليها.
3 الذكر: هو القرآن الكريم. اللسان "3/ 1508". مادة "ذكر".
ومعنى الآية: أن الله يؤكد على أنه هو منزل القرآن ليس غيره كما زعم الكفار.
4 الحياء: ممدودا، وهو الفرج من ذوات الخف والظلف. اللسان "2/ 1081". مادة "حيي".
5 العياء: الفحل الذي لا يقوى على الضراب. اللسان "4/ 3201". مادة "عيي".

(1/71)


وكذلك ما أنشده سيبويه من قول الراجز1:
وغير سفع مثل يحامم2
باختلاس حركة الميم الأولى.
فأما ما أنشده أيضا من قوله3:
كأنها بعد كلال الزاجر ... ومسحه مر عقاب كاسر4
فقال سيبويه كلاما يظن به في ظاهره أنه أدغم الحاء في الهاء5، بعد أن قلب الهاء حاء، فصار في ظاهر قوله ومسح.
__________
1 الراجز: هو غيلان بن حريث، كما ذكر سيبويه في الكتاب "2/ 448".
2 السفع: جمع سفعاء، وهي الأثفية، وسفعتها: سوادها. اللسان "3/ 2027". مادة "سفع"
والمثل: المنتصبة القائمة، جمع ماثلة، اللسان "6/ 4135". مادة "مثل".
واليحامم: جمع يحموم وهو الأسود من كل شيء، وأصلا يحاميم، حذفت الياء لضرورة الشعر، اللسان "2/ 1010" مادة "حمم" والبيت من مشطور الرجز.
والشاهد فيه: اختلاس أو إخفاء حركة الميم الأولى في "يحامم".
إعراب الشاهد: يحامم: نعت مجرور وعلامة الجر الكسرة.
3 البيت ذكره سيبويه دون أن ينسبه. انظر/ الكتاب "2/ 448".
4 كأنها: الهاء عائدة على ناقة يصفها.
والكلال: التعب. اللسان "5/ 3919". مادة "كلل".
الشرح: بين الشاعر قوة الناقة فيصفها بعد طول السير وتعب زاجرها كأنها عقاب منقضة كسرت جناحيها عند انقضاضها.
والشاهد فيه: أنه قلب الهاء حاء، وأخفاها في الحاء الأولى، وهذا ما جعله سيبويه ضربا من الإدغام، وهو يستدعي أن تنطق الحاء كأنها مشددة تشديدا خفيفا، وذلك ما دعا بعضهم أن يتصوره إدغاما كاملا، كما ترى في كلام المؤلف في دفاعه عن سيبويه.
انظر/ الكتاب "2/ 413".
5 عبارة سيبويه في الكتاب "2/ 413" هي: ومما قالت العرب في إدغام الهاء في الحاء قوله:
كأنها بعد كلال الزاجر ... ومسحي مر عقاب كاسر
يريدون: "ومسحه"، وظاهر من هذه العبارة أنه يرى أن الإدغام هو إدخال الثاني في الأول، وظاهر من عبارة ابن جني هنا، وهي: "أن أدغم الحاء في الهاء" أنه يذهب إلى أن الأول هو الذي يدغم في الثاني وهما مذهبان.

(1/72)


واستدرك أبو الحسن ذلك عليه، وقال: إن هذا لا يجوز إدغامه، لأن السين ساكنة، ولا يجمع بين ساكنين، فهذا لعمري تعلق بظاهر لفظه، فأما حقيقة معناه، فلم يرد محض الإدغام، وإنما أراد الإخفاء، فتجوز بذكر الإدغام، وليس ينبغي لمن قد نظر في هذا العلم أدنى نظر أن يظن سيبويه ممن يتوجه عليه هذا الغلط الفاحش، حتى يخرج فيه من خطأ الإعراب إلى كسر الوزن، لأن هذا الشعر من مشطور الرجز، وتقطيع الجزء الذي فيه السين والحاء، "ومس حهي" مفاعلن، فالحاء: بإزاء عين مفاعلن، فهل يليق بسيبويه أن يكسر شعرا، وهو من ينبوع العروض، وبحبوحة1 وزن التفعيل2، وفي كتابه أماكن كثيرة تشهد بمعرفته بهذا العلم، واشتماله عليه فكيف يجوز عليه الخطأ فيما يظهر ويبدو لمن يتساند إلى طبعه، فضلا عن سيبويه في جلالة قدره، ولعل أبا الحسن أراد بذلك التشنيع عليه، وإلا فهو كان أعرف الناس بحاله، وقد تلا أبا الحسن في تعقب ما أورده سيبويه في كتابه جلة3 أصحابنا، كأبي عمر4 وأبي عثمان5 وأبي العباس6 وغيرهم، فقلما ضره الله بذلك، إلا في الشيء النزر7 القليل من قوله، وأما ما أنشده أيضا من قول الراجز8.
متى أنام لا يؤرقني الكرى ... ليلا ولا أسمع أجراس المطى9
__________
1 بحبوحة: من كل شيء وسطه وخياره. اللسان "1/ 215". مادة "بحبح".
2 يشير بهذه العبارة إلى تمكن سيبويه من علم أستاذه الخليل صاحب العروض.
3 جلة: معظم. اللسان "1/ 633". مادة "جل".
4 أبو عمر الجرمي: هو صالح بن إسحاق النحوي البصري. توفي سنة 225.
5 هو أبو عثمان المازني، وهو بكر بن محمد بن بقية، توفي سنة 248 أو 249.
6 هو أبو العباس محمد بن يزيد المبرد الثمالي الأزدي نحو بصري، توفي سنة 285.
7 النزر: القليل. مادة "نزر".
8 لم نعثر على قائل البيت وهو من شواهد الكتاب. اللسان "1/ 450".
9 الكرى: النعاس. مادة "كرى" والمطي: جمع مطية وهي الناقة التي يركب مطاها.
يقول الشاعر: متى أنام غير مؤرق؟ والأسلوب إنشائي في صورة استفهام غرضه التمني.
والشاهد في قوله "يؤرقني"، فقد حكى سيبويه أن بعض العرب كان يشم الضم فيه على تقدير وقوعه موقع الحال، أي متى أنام غير مؤرق، وهذا أبين إلا أن فيه قبحا لتوالي الحركات واستثقال الضم والكسر. انظر/ الكتاب لسيبويه "1/ 450".

(1/73)


فزعم أن العرب تشم القاف شيئا من الضم، وهذا يدلك من مذهب العرب على أن الإشمام يقرب من السكون، وأنه دون روم1 الحركة، وذلك أن هذا الشعر من الرجز ووزنه.
متى أنا ملا يؤر رق نل كرى
مفاعلن، مفاعلن، مستفعلن
فالقاف من "يؤرقني، بإزاء سين مستفعلن، والسين كما ترى ساكنة، ولو اعتددت بما في القاف من الإشمام حركة، لصار الجزء إلى "متفاعلن" وكان يكون كسرا، لأن الرجز2 لا يجوز فيه متفاعلن، وإنما يأتي في الكامل3.
فهذه دلالة قاطعة على أن حركة الإشمام لضعفها غير معتد بها، والحرف الذي هي فيه ساكن، أو كالساكن، وأنها أقل في النسبة والزنة من الحركة المخفاة في همزة بين بين وغيرها، مما قروناه4 الآن آنفا.
فهذه عدة الحروف والحركات، وما لحق بها من الفروع، بأحوط5 ما يمكن في معناه.
ونحن نتبع هذا ذكر أجناس الحروف، فإذا فرغنا منها بدأنا بالقول على حرف حرف، كما شرطنا بمشيئة الله.
__________
1 الروم "عند القراء": سرعة النطق بالحركة التي في آخر الكلمة الموقوف عليها مع إدراك السمع لها، وهو أكثر من الإشمام لأنه يدرك بالسمع. اللسان "3/ 1782". مادة "روم".
والروم يكون بزنة الحركة وإن كانت مختلسة، أما الإشمام فهو أن تذيقه الضمة أو الكسرة بحيث لا تسمع، وإنما يتبين بحركة الشفة، فهو أقل من روم الحركة، ولا يعتد به حركة لضعفه، والحرف الذي فيه الإشمام ساكن أو كالساكن، فحركة الإشمام لا تكسر وزنا.
2 الرجز: بحر من بحور الشعر أصل وزنه "مستفعلن" ست مرات. اللسان "3/ 1588".
وتسمى قصائده أراجيز واحدتها أرجوزة وهي كهيئة السجع، إلا أنه في وزن الشعر.
ومن أشهر الرجاز عند العرب العجاج ورؤبة وأبو النجم الفضل بن قدامة والأغلب العجلي.
3 الكامل: بحر من بحور الشعر وزنه "متفاعلن" ست مرات. اللسان "5/ 3930".
4 قروناه: من قرا "قرواً" إذا تتبع الأمر ونظره. اللسان "5/ 3616". مادة "قرو".
5 أحوط: يريد بها هنا أشمل وأوسع فهو أفعل تفضيل من الإحاطة بالشيء. اللسان "2/ 1052".

(1/74)


اعلم أن للحروف في اختلاف أجناسها انقسامات نحن نذكرها.
فمن ذلك انقسامها في الجهر والهمس، وهي على ضربين: مجهور ومهموس.
فالمهموس عشرة أحرف، وهي: الهاء، والحاء، والخاء، والكاف، والشين، والصاد، والتاء، والسين، والثاء، والفاء، ويجمعها في اللفظ قولك، "ستشحثك خصفة"1.
وباقي الحروف، وهي تسعة عشر حرفا، مجهور.
فمعنى المجهور: أنه حرف أشبع الاعتماد من موضعه، ومن النفس أن تجري معه حتى ينقضي الاعتماد ويجري الصوت، غير أن الميم والنون من جملة المجهورة قد يعتمد لهما في الفم والخياشيم، فتصير فيهما غنة، فهذه صفة المجهور.
وأما المهموس: فحرف أضعف الاعتماد من موضعه، حتى جرى معه النفس وأنت تعتبر ذلك بأنه قد يمكنك تكرير الحرف مع جري الصوت نحو: سسسس كككك هههه، ولو تكلفت مثل ذلك في المجهور لما أمكنك.
وللحروف انقسام آخر إلى الشدة والرخاوة وما بينهما:
فالشديدة ثمانية أحرف، وهي: الهمزة، والقاف، والجيم، والطاء، والدال، والتاء، والباء، ويجمعها في اللفظ: "أجدت طبقك" و"أجدك طبقت".
والحروف التي بين الشديدة والرخوة ثمانية أيضا، وهي: الألف، والعين، والياء، واللام، والنون، والراء، والميم، والواو، ويجمعها في اللفظ: "لم يرو عنا"، وإن شئت قلت: "لم يروعنا"، وإن شئت قلت: "لم يرعونا"، وما سوى هذه الحروف والتي قبلها، هي الرخوة.
ومعنى التشديد: أنه الحرف الذي يمنع الصوت من أن يجري فيه، ألا ترى أنك لو قلت: الحق، والشط، ثم رمت مد صوتك في القاف والطاء، لكان ذلك ممتنعا.
__________
1 هناك ترتيب آخر ذكره ابن منظور لمصطلح المهموس من الحروف وهو "حثه شخص فسكت" والذي ذكره المصنف هنا هو ما في المحكم.
لسان العرب "6/ 4699". مادة "همس".

(1/75)


والرخو: هو الذي يجري فيه الصوت، ألا ترى أنك لو قلت: المس، والرش، والشح، ونحو ذلك، فتمد الصوت جاريا مع السين والشين والحاء.
وللحروف انقسام آخر إلى الإطباق والانفتاح، فالمطبقة أربعة: وهي الضاد، والطاء، والصاد، والظاء، وما سوى ذلك فمفتوح غير مطبق.
والإطباق: أن ترفع ظهر لسانك إلى الحنك الأعلى، مطبقا له، ولولا الإطباق لصارت الطاء دالا. والصاد سينا، والظاء ذالا، ولخرجت الضاد عن الكلام، لأنه ليس من موضعها شيء غيرها، فتزول الضاد إذا عدمت الإطباق إليه1.
وللحروف انقسام آخر إلى الاستعلاء والانخفاض. فالمستعلية سبعة، وهي:
الخاء، والغين، والقاف، والضاد، والطاء، والصاد، والظاء، وما عدا هذه الحروف فمنخفض.
ومعنى الاستعلاء أن تتصعد في الحنك الأعلى، فأربعة منها فيها مع استعلائها إطباق، وقد ذكرناها، وأما الخاء والغين والقاف، فلا إطباق فيها مع استعلائها.
وللحروف قسمة أخرى، إلى الصحة والاعتلال، فجميع الحروف صحيح، إلا الألف والياء والواو، اللواتي هن حروف المد والاستطالة، وقد ذكرناهن قبل إلا أن الألف أشد امتدادا، وأوسع مخرجا، وهو الحرف الهاوي.
وللحروف قسمة أخرى إلى السكون والحركة، وقد شرحنا أحكام ذلك.
وللحروف قسمة أخرى إلى الأصل والزيادة.
وحروف الزيادة عشرة، وهي الهمزة، والألف، والياء، والواو، والميم، والنون، والسين، والتاء، واللام والهاء، ويجمعها في اللفظ قولك: "اليوم تنساه"، وإن شئت قلت: "هويت السمان"، وإن شئت قلت: "سألتمونيها".
وأخرج أبو العباس الهاء من حروف الزيادة، وقال: إنما تأتي منفصلة لبيان الحركة والتأنيث.
__________
1 الضمير فيه يجوز أن يرجع إلى شيء، ويكون الجار والمجرور متعلقا بنزول، ويكون تزول بمعنى تنتقل، ويجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقا بالإطباق، ويكون الضمير راجعا إلى الحنك الأعلى.

(1/76)


وإن أخرجت من هذه الحروف السين واللام، وضممت إليها الطاء والدال، والجيم، صارت أحد عشر حرفا، تسمى حروف البدل، وسيأتيك ذلك مفصلا إن شاء الله، ولسنا نريد البدل الذي يحدث مع الإدغام، وإنما نريد البدل في غير إدغام.
ومن الحروف حرف منحرف، لأن اللسان ينحرف فيه مع الصوت، وتتجافى ناحيتا مستدق اللسان عن اعتراضهما على الصوت، فيخرج الصوت من تينك الناحيتين، ومما فويقهما، وهو اللام.
ومنها المكرر، وهو الراء، وذلك أنك إذا وقفت على رأيت طرف اللسان يتعثر بما فيه من التكرير، ولذلك احتسب في الإمالة بحرفين.
واعلم أن في الحروف حروفا مشربة، تحفز في الوقف، وتضغط عن مواضعها، وهي حروف القلقلة1، وهي القاف، والجيم، والطاء، والدال، والباء، لأنك لا تستطيع الوقوف عليها إلا بصوت، وذلك لشدة الحفز والضغط، وذلك نحو: الحق واذهب واخلط واخرج بعض العرب أشد تصويتا.
ومن المشربة حروف يخرج معها عند الوقف عليها نحو النفخ إلا أنها لم تضغط ضغط الأول، وهي: الزاي، والظاء، والذال، والضاد، وبعض العرب أشد تصويتا.
فأما حروف الهمس فإن الصوت الذي يخرج معها نفس، وليس من صوت الصدر، وإنما يخرج منسلا2، وليس كنفخ الزاي، والظاء والذال والضاد والراء شبيهة بالضاد.
ومن الحروف ما لا تسمع بعده شيئا مما ذكرناه، لأنه لم يضغط، ولم يجد منفذا، وهي: الهمزة، والعين، والغين، واللام، والنون، والميم، وجميع هذه الحروف التي تسمع معها في الوقف صوتا، متى أدرجتها ووصلتها زال ذلك الصوت، لأن أخذك في صوت آخر، وحرف سوى الأول، يشغلك عن إتباع الحرف الأول
__________
1 القلقلة "في علم التجويد": أن ينتهي النطق بالحرف الساكن بحركة خفيفة، ولا يكون إلا في حرف شديد غير مهموس، هي حروف "قطب جد".
2 منسلا: خارجا في خفية. مادة "سل". اللسان "3/ 2074".

(1/77)


صوتا، وذلك نحو قولك: خذها، وحزه، واخفضه، واحفظه، إلا أنك مع ذلك لا تحصر الصوت عندها، حصرك إياه مع الهمزة، والعيين، والغين، واللام، والنون، والميم.
ومن الحروف المهتوت، وهو الهاء، وذلك لما فيها من الضعف والخفاء.
ومنها حروف الذلافة، وهي ستة: اللام، والراء، والنون، والفاء، والباء، والميم، لأنه يعتمد عليها بذلق اللسان، وهو صدره وطرفه.
ومنها الحروف المصمتة وهي باقي الحروف، وفي هذه الحروف الستة سر طريف، ينتفع به في اللغة، وذلك أنك متى رأيت اسما رباعيا أو خماسيا غير ذي زوائد، فلا بد فيه من حرف من هذه الستة، أو حرفين، وربما كان فيه ثلاثة، وذلك نحو:
جعفر1، ففيه الفاء, والراء، وقعضب2: فيه الباء، وسهلب3: فيه اللام والباء، وسفرجل4: فيه الفاء والراء واللام، وفرزدق5: فيه الفاء والراء، وهمرجل6: فيه الميم والراء واللام، وقرطعب7: فيه الراء والباء، فهكذا عامة هذا الباب.
فمتى وجدت كلمة رباعية وخماسية معراة من بعض هذه الحروف الستة، فاقض بأنه دخيل في كلام العرب، وليس منه، ولذلك سميت الحروف غير هذه الستة مصمتة، أي صمت عنها، أن تتبنى منها كلمة رباعية أو خماسية معراة من حروف الذلافة، وربما جاء بعض ذوات الأربعة معرى من بعض هذه الستة، وهو قليل جدا.
__________
1 الجعفر: النهر الصغير، والناقة الغزيرة اللبن، "ج" جعافر. اللسان "1/ 636".
2 القعضب: الضخم الشديد الجريء. اللسان "5/ 3694". مادة "ق ع ض ب".
3 السلهب: الطويل من الناس والخيل "ج" سلاهب، وسلاهبة. اللسان "3/ 3085".
4 السفرجل: ثمر قابض مقو مدر مسكن للعطش، والجمع "سفارج". اللسان "3/ 3026".
5 الفرزدق: قطع العجين واحدته فرزدقة، ولقب الشاعر الأموي المعروف واسمه همام، "ج" فرازق، وفرازد. اللسان "5/ 3378".
6 همرجل: الجواد السريع، والناقة السريعة. اللسان "6/ 4698". مادة "همرج".
7 قرطعب: ما عليه قرطعبة أي قطعة خرقة، وما له شيء. اللسان "5/ 3593".

(1/78)


منه العسجد1، والعطوس2، والدهدقة3، الزهرقة4، على أن العين والقاف قد حسنتا الحال، لنصاعة العين، ولذاذة مستمعها، وقوة القاف، وصحة جرسها ولا سيما وهناك الدال، والسين، وذلك أن الدال لانت عن صلابة الطاء، وارتفعت عن خفوت التاء. والسين أيضا لانت عن استعلاء الصاد، ورقت عن جهر الزاي، فعذبت وانسلت.
واعلم أن هذه الحروف كلما تباعدت في التأليف كانت أحسن، وإذا تقارب الحرفان في مخرجيهما قبح اجتماعهما، ولا سيما حروف الحلق، ألا ترى أن قلتها بحيث يكثر غيرها، وذلك نحو: الضغيغة5 والمهه6 والفهه7.
وليس هذا ونحوه في كثرة حديد وجديد، وسديد وشديد، وصديد وعديد، وفديد8 وقديد9، كديد10 ولديد11، ومديد ونديد12.
ولا في كثرة الألل13 والبلل والثلل14، والجلل والحلل15 والخلل،
__________
1 العسجد: الذهب. اللسان "4/ 2937". مادة "ع س ج د".
2 العسطوس: بفتح العين والسين وضم الطاء، وفيه لغة بتشديد السين الأولى: هو الخيزران، وقيل: شجر لين الأغصان، ولا شوك له، ينبت بالجزيرة. اللسان "4/ 2942".
3 الدهدقة: مصدر دهدق الشيء: إذا كسره، واللحم إذا قطعه وكسر عظامه. القاموس "3/ 266".
4 الزهزقة: شدة الضحك، وترقيص الأم للصبي. اللسان "3/ 1878". مادة "زهزق".
5 الضغيغة: الروضة الناضرة، والعجين الرقيق، والجماعة المختلطة من الناس، وخبز الأرز المرقق، والناعم من العيش. اللسان "4/ 296". مادة "ض غ غ".
6 المهه: مصدر مهه، بمعنى لان، وله معان أخرى، اللسان "6/ 4290". مادة "م هـ هـ".
7 الفهه: العي، فعله كفرح. اللسان "5/ 3481". مادة "فهه".
8 الفديد: الصوت وقيل: شدته. اللسان "5/ 3362". مادة "فد".
9 القديد: اللحم المقدد وهو المملوح في الشمس. اللسان "5/ 3543". مادة "قدد".
10 الكديد: ما غلظ من الأرض. اللسان "5/ 3843". مادة "كدد".
11 اللديد: جانب من كل شيء. اللسان "5/ 4019". مادة "لد".
12 النديد: النظير. اللسان "6/ 4381". مادة "ند".
13 الألل: تغير رائحة السقاء. اللسان "1/ 112". مادة "ألل".
14 الثلل: الهلاك. اللسان "1/ 501". مادة "ثلل".
15 الحلل: حال بالمكان يحل حلولا، وذلك نزول القوم بمحلة. اللسان "2/ 972". مادة "حل".

(1/79)


والزلل والشلل والطلل، والعلل1 والغلل2 والملل واليلل3.
ولهذا ونحوه ما كانت الهاء التي في آخر هناه، من قول امرئ القيس4.
وقد رابني قولها يا هنا ... هـ ويحك ألحقت شرا بشر5
بدلا من الواو في هنوات وهنوك، لأن الهاء إذا قلت في باب سددت وقصصت، فهي في باب سلس وقلق أجدر بالقلة6، فانضاف هذا إلى قولهم من معناه هنوك وهنوات، فقضينا بأنها بدل من واو.
واستقصاء أحكام حسن تركب هذه الحروف وقبحه مما يطول الكتاب بذكره، على أنا سنفرد لذلك في آخر الكتاب فصلا يشتمل على جمل القول عليها بإذن الله7.
__________
1 العلل: الشرب الثاني بعد الشرب الأول. اللسان "4/ 3078". مادة "عل".
2 الغلل: شدة العطش. اللسان "5/ 3285". مادة "غل".
3 اليلل: قصر الأسنان والتزاقها. اللسان "6/ 4965". مادة "يلل"
4 امرؤ القيس: هو الملك أبو الحارث حندج بن حجر الكندي شاعر اليمانية وآباؤه من أشراف كندة وملوكها، وكانت بنو أسد المضرية خاضعة لملوك كندة وآخر ملك عليهم هو حجر أبو امرئ القيس، وأمه مهلل وكليب -نشأ امرؤ القيس بأرض نجد بين رعية أبيه من أسد وسلك مسلك المترفين من أولاد الملوك يلهو ويلعب ويعاقر الخمر ويغازل الحسان فمقته أبوه وطرده ثم ثارت بنو أسد على أبيه فقتلوه فجمع امرؤ القيس القبائل على بني أسد وقتل منهم عددا كبيرا، واشتدت به الجروح من حروبه فمات بأنقرة قبل الإسلام بقرابة قرن من الزمان. الأغاني "9/ 77".
5 يا هناه: يا فلان. لسان العرب "6/ 713".
شرح البيت: يا فلان رحمة لك لقد كنا متهمين فحققت الأمر.
والشاهد في قوله "يا هناه" فالهاء هي بدل من الواو في هنوك وهنوات، وهو رأي ابن جني في هذا الموضع.
6 إنما كان التكرار لحرف الحلق "الهاء" في باب سلس وقلق أجدر بالقلة، منه في باب سددت وقصصت، لأن المثلين في باب سلس لا سبيل إلى إدغامهما لما بينهما من فاصل، فهما محققان دائما، بخلاف باب سددت، فإنهما قد يدغمان في مثل قص وسد، فيخفان بكونهما في صورة حرف واحد.
7 يشير المؤلف إلى فصل عقده في آخر الكتاب عنوانه "هذا فصل نذكر فيه مذهب العرب في مزج الحروف بعضها ببعض، وما يجوز من ذلك وما يمتنع، وما يحسن منه وما يقبح".

(1/80)


قد أتى القول على آخر الوطأة1 والمقدمة التي احتجنا إليها من قبل ذكر الحروف مفصلة، وهذا أوان الابتداء بذكرها، ومهما تركناه من بعض أحكام هذه الحروف فلأنا قد قدمنا القول عليه، فلذلك لم نعده.
ونحن نوردها على ترتيب ألف، با، تا، ثا، إن شاء الله.
وإنما اختار -أدام الله له حسن النظر والتسديد، وأمده الله بالتوفيق والتأييد- هذا الترتيب، لأنه أسهل مأخذا وأقرب متناولا، لأن أكثر الناس لا يقف على ترتيب الحروف من مخارجها الأصلية إلا بعد التوقيف، فيبدأ بالهمزة، ثم يتبعها الحروف.
فيقول، وبالله التوفيق:
__________
1 الوطاءة: التمهيد والتسهيل، يقال: وطؤ الموضع، بالضم، يوطؤ وطاءة، إذا صار وطيئا أي سهلا، والمراد بها هنا المقدمة، اللسان "6/ 4864". مادة "وطؤ".

(1/81)