سر صناعة الإعراب باب الهمزة:
صفات الهمزة:
اعلم أن الهمزة حرف مهجور، وهو في الكلام على ثلاثة أضرب: أصل، وبدل،
وزوائد.
ومعنى قولنا أصل: أن يكون الحرف فاء الفعل، أو عينه، أو لامه.
ومعنى قولنا زائد: أن يكون الحرف لا فاء الفعل، ولا عينه، ولا لامه.
والبدل: أن يقام حرف مقام حرف. إما ضرورة، وإما استحسانا وصنعة.
فإذا كانت أصلا وقعت فاء، أو عينا، أو لاما، فالفاء نحو: أنف وأذن
وإبرة، وأخذ وأمر، والعين نحو: فأس ورأس وحؤبة1 وذئب وسأل وجأر2.
واللام نحو: قرء3 وخطء4 ونبأ، وقرأ، وهد، واستبرأ واستدفأ.
وليس في الكلام كلمة فاؤها وعينها همزتان ولا عينها ولامها أيضا
همزتان، بل قد جاءت أسماء محصورة، وقعت الههزة فيها فاء ولاما، وهي أاء
ة5، وأجأ6.
وأخبرني أبو علي7 أن محمد بن حبيب حكى في اسم علم مخصوص أتأة8.
__________
1 الجؤبة: لم أعثر عليها.
2 جأر: جأرا، وجؤارا: رفع صوته، يقال: جأر البقر، وجأر إلى الله، تضرع
واستغاث، وفي التنزيل العزيز: {إِذَا هُمْ يَجْأَرُون} ، وفي الحديث:
"كأني أنظر إلى موسى منهبطًا وله جؤار إلى ربه بالتلبية"، والنبت جأرا:
طال. مادة "جأر". اللسان "1/ 528".
3 القرء: الحيض، والطهر منه، والقافية، "ج" أقراء وقروء، وأقرؤ.
وفي التنزيل العزيز: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
ثَلاثَةَ قُرُوء} وأقراء الشعر قوافيه وطرقه وبحوره. مادة "قرء".
اللسان "5/ 3564".
4 الخطء: الذنب أو ما تعمد منه، وفي التنزيل {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ
خِطْئًا كَبِيرًا} ، "ج" أخطاء.
5 أاء ة: واحدة الاء، ثمر شجر يدبغ به الأديم.
6 أجأ: جبل لطيئ، يذكر ويؤنث. اللسان "1/ 30". مادة "أجأ".
7 أبو علي الفارسي أستاذ ابن جني.
8 أتأة: يوزن حمزة، امرأة من بكر بن وائل، وهي أم قيس بن ضرار. قاتل
المقدام.
(1/83)
وذهب سيبويه في قولهم ألاءة1 وأشاءة2 إلى
أنهما فعالة، مما لامه همزة، فأما أباءة3 فذهب أبو بكر محمد بن السري4
فيما حدثني به أبو علي عنه، إلى أنها من ذوات الياء من أبيت، فأصلها
عنده أباية ثم عمل فيها ما عمل في عباية وصلاية5 وعظاية6، حتى صرن
عباءة وصلاءة، وعظاءة، في قول من همز، ومن لم يهمز أخرجهن على أصولهن،
وهو القياس القوي، وإنما حمل أبا بكر على هذا الاعتقاد في أباءة أنها
من الياء، وأن أصلها أباية. والمعنى الذي وجده في أباءة، من أبيت، وذلك
أن الأباءة هي الأجمة7، وقيل القصبة، والجمع بينها وبين أبيت: أن
الأجمة ممتنعة بما ينبت فيها من القصب وغيره، من السلوك8 والتصرف،
وخالفت بذلك حكم البراح والبراز9، النقي من الأرض، فكأنها أبت، وامتنعت
على سالكها.
فمن هنا حملها عندي على معنى أبيت قال الشاعر10.
من سره ضرب يرعبل بعضه ... بعضا كمعمعة الأباء المحرق11
__________
1 الألاءة: واحدة الآلاء، بوزن سحاب، ويقصر، وهو شجر مر يدبغ به وهو
رملي حسن المنظر دائم الخضرة، يؤكل ما دام رطبا. اللسان "1/ 105". مادة
"أل أ".
2 الأشاءة: واحدة الآشاء، وهو صغار النحل. اللسان "1/ 86". مادة "أشى".
3 الأباءة: بوزن عباءة: القصبة، وجمعها أباء. مادة "أب ي". اللسان "1/
15".
4 أبو بكر محمد بن السري المعروف بابن السراج، من أئمة البصريين، كان
تلميذ المبرد، وقرأ عليه كتاب سيبويه، وأخذ عنه أبو القاسم الزجاجي
والسيرافي وأبو علي الفارسي والرماني، توفي شابا سنة 316هـ.
5 الصلاية: مدق الطيب، مادة "ص ل ا" اللسان "4/ 2492".
6 العظاية: دويبة كسام أبرص جمعها عظاء، ويرى سيبويه أن الياء في هذه
الكلمة وما سبقها مبدلة وإن لم تكن متطرفة وعلل ذلك بقوله: لأنهم جاءوا
بالواحد على قولهم في الجمع عظاء.
7 الأجمة: الشجر الكثيف الملتف، "ج" أجم، وإجام، وآجام. اللسان "1/
34".
8 السلوك: التصرف. مادة "سلك". اللسان "3/ 2073".
9 البراز، الفضاء الوساع الخالي من الشجر. مادة "برز". اللسان "1/
255".
10 الشاعر هو ابن أبي الحقيق كما ذكر صاحب اللسان في شرحه لمادة
"رعبل".
11 يرعبل: يقال: رعبلت الجلد إذا مزقته، ورعبلت اللحم: إذا قطعته. مادة
"رعبل".
المعمعة: صوت لهب النار إذا شبت بالضرام. مادة "م ع ع". اللسان "6/
4233".
يقول: من الذي سرته الحرب بصوتها وجرسها الذي يشبه صوت الحريق في
الأباء.
والشاهد في قوله: "الأباء". إعرابه الأباء: مضاف إليه مجرور وعلامة جره
الكسرة.
(1/84)
وأما ما ذهب إليه سيبويه، من أن ألاءة
وأشاءة مما لامه همزة، فالقول فيه عندي، أنه إنما عدل بهما عن أن تكونا
من الياء، كعباءة وصلاءة وعظاءة، لأنه وجدهم يقولون: عباء وعباية،
وصلاءة وصلاية، وعظاءة وعظاية، فحمل الهمزة فيهن على أنها بدل من
الياء، التي ظهرت فيهن لاما، ولما لم يسمعهم يقولون أشاية، ولا ألاية،
ورفضوا فيهما الياء البتة، دله ذلك على أن الهمزة فيهما لام أصلية، غير
منقلبة عن ياء ولا واو، ولو كانت الهمزة فيهما بدلا لكانوا خلقاء1 أن
يظهروا ما هي بدل منه، ليستدلوا به عليها، كما فعلوا ذلك في عباءة
وأختيها، وليس في ألاءة وأشاءة من الاشتقاق من الياء ما في أباءة، من
كونها من معنى أبيت، فلهذا جاز لأبي بكر2 أن يزعم أن همزتها من الياء،
وإن لم ينطقوا فيها بالياء.
وإنما لم تجتمع الفاء والعين، ولا العين واللام همزتين، لثقل الهمزة
الواحدة، لأنها حرف سفل في الحلق، وبعد عن الحروف3، وحصل طرفا، فكان
النطق به تكلفا، فذا كرهت الهمزة الواحدة، فهم باستكراه الثنتين
ورفضهما -لا سيما إذا كانتا مصطحبتين غير مفترقتين، فاء وعينا، أو عينا
ولاما- أحرى4، فلهذا لم تأت في الكلام لفظة توالت فيها همزتان أصلان
البتة.
فأما ما حكاه أبو زيد من قولهم دريئة5 ودرائئ وخطيئة فشاذ لا يقاس
عليه، لا سيما وليست الهمزتان أصلين بل الأولى منهما زائدة. وكذلك
قراءة أهل الكوفة: "أئمة" شاذة عندنا، والهمزة الأولى6 أيضا زائدة.
__________
1 خلقاء: جديرين، والمفرد خليق، مادة "خلق". اللسان "2/ 1247".
2 هو أبو بكر محمد بن السري.
3 يريد أن مخرج الهمزة أبعد مخارج الحروف.
4 أحرى: خبر المبتدأ السابق، وهو قوله: فهم باستكراه ... إلخ.
5 الدريئة: ما يستتر به الصائد ليختل الصيد، والجمع درايا. مادة "درأ".
6 اجتماع الهمزتين في أول الكلمة مختلف فيه، فأجازه الكوفيون وبعض
البصريين كأبي إسحاق الزجاج، ومنعه ابن جني كما يتضح من كلامه هنا،
ولهذا قال: إن قراءة أهل الكوفة أئمة "أي بتحقيق الهمزتين" شاذة عندنا.
(1/85)
وإنما شرطنا1 أنهما لا يلتقيان أصلين. فهذا
حكم الهمزة الأصلية.
وأما البدل: فقد أبدلت الهمزة من خمسة أحرف، وهي الألف، والياء،
والواو، والهاء، والعين.
فأما إبدالها من الألف فنحو ما حكي عن أيوب السختياني2 أنه قرأ: {وَلا
الضَّالِّين} فهمز الألف، وذلك أنه كره اجتماع الساكنين: الألف واللام
الأولى، فحرك الألف لالتقائهما، فانقلبت همزة، لأن الألف حرف ضعيف واسع
المخرج، لا يتحمل الحركة كما قدمنا من وصفه، فإذا اضطروا إلى تحريكه
قلبوه إلى أقرب الحروف منه، وهو الهمزة، وعلى ذلك ما حكاه أبو زيد فيما
قرأته على أبي علي في كتاب الهمز عنه، من قولهم: شأبة ومأدة3، وأنشدت
الكافة4:
يا عجبا لقد رأيت عجبا ... حمار قبان يسوق أرنبا
خاطمها زأمها أن تذهبا5
ريد: زامها.
__________
1 قول المؤلف: "وإنما شرطنا أنهما لا تلتقيان أصلين" بعد قوله: "لا
سيما وليست الهمزتان" يدل على أنه يبرر نطق العرب بالهمزتين متحققتين
إذا تجاورتا في مثل درائئ وخطائئ وأئمة بكون إحداهما زائدة، وإن كان
ذلك عنده شاذا لا يقاس عليه.
2 أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، بفتح السين وكسرها، البصري،
الحافظ من أعلام المحدثين والزهاد، كان من الموالي، ولد سنة ست وستين،
وتوفي سنة إحدى وثلاثين ومائة.
3 مأدة: يقال امرأة مأدة: أصلها مادة بوزن فاعلة، وتطلق على المرأة
الناعمة.
مادة "مأد" اللسان "6/ 4119".
4 لم أعرف قائلها، وقد ذكر البغدادي هذه الأبيات في شرح شواهد الشافية
وذكرها اللسان في مادة" زم" وزاد عليها بيتا وهو: "فقلت أردفني فقال
مرحبا". لسان العرب "3/ 1203".
5 حمار قبان: دويبة صغيرة، لازقة بالأرض، ذات قوائم كثرة تشبه
الخنفساء، وهي أصغر منها إذا لمسها احد اجتمعت كالشيء المطوي. مادة
"حمر". اللسان "2/ 993".
خاطمها: اسم فاعل من خطمه إذا جعل له خطاما. مادة "خ ط م". اللسان "2/
1203".
وزأمها: أصله زامها، أي جعل لها زماما. مادة "زمم".
والشاهد في البيت قوله "زأمها" فقد اضطر الراجز إلى تحريك الألف
فانقلبت همزة، والأصل "زامها".
(1/86)
وحكى أبو العباس عن أبي عثمان، عن أبي زيد،
قال: سمعت عمرو بن عبيد1 يقرأ: "فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن"2،
فظننته قد لحن3 حتى سمعت العرب تقول: شأبة ودأبة. قال أبو العباس: فقلت
لأبي عثمان: أتقيس ذلك؟ قال: لا، ولا أقبله.
وقال آخر4:
وبعد انتهاض الشيب من كل جانب ... على لمتي حتى اشعأل بهيمها5
يريد اشعال من قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} فهذا لا
همز فيه.
وقال دكين6:
راكدة مخلاته ومحلبه ... وجله حتي ابيأض ملببه7
يريد ابيأض، فهمز.
__________
1 عمرو بن عبيد، هو أبو عثمان البصرية وردت عنه الرواية في حروف
القرآن، وقد روى الحروف عن الحسن البصري، وسمع منه، ثم روى عنه الحروف
بشار بن أيوب الناقد، مات في ذي الحجة سنة أربع وأربعين ومائة.
انظر/ غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري "ص602".
2 أي يوم القيامة لا يسأل عن ذنب المجرم أحد غيره، والآية شاهد على
تحريك الألف فانقلبت همزة في قوله جل شأنه "جأن".
3 لحن: أخطأ. مادة "لحن" اللسان "5/ 4013".
4 البيت ذكره اللسان في مادة "شعل" ولم ينسبه، ولم أعثر على قائلة فيما
بيدي من المراجع.
انظر/ لسان العرب "4/ 2281". مادة "شعل".
5 اللمة: شعر الرأس المجاوز شحمة الأذن، "ج" "لمم" مادة "ل م م".
اللسان "5/ 4078" يقول الشاعر: لقد امتلأ شعري بالشيب وكثر فيه الشعر
الأبيض.
والشاهد في قوله: "اشعأل" فحرك الألف لالتقاء ساكنين فانقلبت همزة، لأن
الألف حرف ضعيف واسع المخرج، لا يحتمل الحركة.
إعراب الشاهد: اشعأل: فعل ماضي مبني على الفتح.
6 هو دكين بن رجاء من بني فقيم، عاش في الدولة المروانية، ومدح عمر بن
عبد العزيز فأعطاه ألف درهم من ماله، ولم يكن عمر يعطي الشعراء شيئا.
7 راكدة: ساكنة ثابتة. مادة "ركد". اللسان "3/ 1716".
الملبب: موضع اللبة، وهو وسط الصدر، وقد فكه الشاعر على الأصل والقياس
الإدغام.
مادة "لبب". اللسان "5/ 398".
أراد الشاعر: ابياض فحرك الألف لالتقاء الساكنين، فانقلبت الألف همزة،
لأن الألف حرف ضعيف واسع المخرج، لا يتحمل الحركة فإذا اضطروا إلى
تحريكه حركوه بأقرب الحروف إليه وهو الهمزة.
إعراب الشاهد: ابيأض: فعل ماضي مبني على الفتح.
(1/87)
وقرأت على أبي الفرج علي بن الحسين عن أبي
عبد الله محمد بن العباس اليزيدي، عن محمد بن حبيب لكثير1.
والأرض أما سودها فتجللت ... بياضا وأما بيضها فادهأمت2
يريد: ادهامت، وقد كان يتسع ها عنهم، وحكى سيبويه في الوقف عنهم: هذه
حبلأ، يريد حبلى، ورأيت رجلأ، يريد رجلا، فالهمزة في رجلأ إنما هي بدل
من الألف، التي هي عوض من التنوين في الوقف، ولا ينبغي أن تحمل على
أنها بدل من النون، لقرب ما بين الهمزة والألف، وبعد ما بينها وبين
النون، ولأن "حبلى" لا تنوين فيها، وإنما الهمزة بدل من الألف البتة،
فكذلك ألف رأيت رجلا. وحكى أيضا هو يضربهأ، وهذا كله في الوقف، فإذا
وصلت قلت: هو يضربها يا هذا، ورأيت حبلى أمس.
فأما قول الراجز3:
__________
1 كثير: هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر، عشق ابنة عم له تسمى
عزة، ونسب إليها فكان يقال: كثير عزة، ومات سنة 105هـ، في ولاية يزيد
بن عبد الملك.
2 ادهأمت: أي اسودت. مادة "دهم". اللسان "2/ 1443".
يقول: لقد تغير حال الأرض فما كان منها أبيض فقد اسود، وما كان منها
أسود فقد ابيض والشاهد في قوله: ادهأمت فهو يريد ادهامت أي أسودت، حرك
الألف فقلبها همزة.
أعراب الشاهد: ادهأمت، فعل ماضي مبني على الفتح، والتاء للتأنيث.
3 بحثنا عن وجه مناسبة قول الراجز الذي أورده المؤلف هنا للموضوع الذي
سبقه، وهو إبدال الألف همزة عند الوقف فلم نهتد. ثم وجدنا بهامش
الأصل"ص" تعليقة نرجح أنها لابن هشام الأنصاري صاحب المغني إذ خطها
يشبه خط الحاشية التي كتبت بهامش ظهر الورقة "85" من الأصل نفسه مبتدئا
بقوله: "قال عبد الله بن هشام" والظاهر أنها من خطه، وهناك نص هذه
التعليقة: =
(1/88)
من أي يومي من الموت أفر ... أيوم لم يقدر
أم يوم قدر1
فذهبوا فيه إلى أنه أراد النون الخفيفة2 ثم حذفها ضرورة، فبقيت الراء
مفتوحة، كأنه أراد يقدرن، وأنكر بعض أصحابنا3 هذا، وقال: هذه النون لا
تحذف إلا لسكون ما بعدها، ولا سكون ها هنا بعدها4.
والذي أراه أنا في هذا -وما علمت أحدا من أصحابنا ولا غيرهم ذكره،
ويشبه أن يكونوا لم يذكروه للطفه5- هو أن أصله "أيوم لم يقدر أم يوم
قدر"، بسكون الراء للجزم، ثم إنها جاورت الهمزة المفتوحة، والراء
الساكنة وقد أجرت العرب الحرف الساكن، إذا جاور الحرف المتحرك، مجرى
المتحرك، وذلك قولهم فيما حكاه سيبويه: المراة والكماة، يريدون:
المرأة، والكمأة6.
__________
= قوله: "فأما قول الراجز": فإنه أورد هذا الفصل إيرادا سيئا، لأنك
تستمر فيه إلى أواخر الفصل، ولا تدري ما الذي أوجب ذكره هنا، ولا وجه
ملاءمته، وكان الصواب أن يقال: ومما ينسلك عندنا في هذا السلك، أعني
باب إبدال الهمزة والألف، قول الراجز ... إلخ، وذلك لأن مقتضى الظاهر
أن هذه الراء لا تتحرك، فأجاب أصحابنا عنه بكذا وكذا، ويستمر إلى آخر
كلامهم، ثم يقول: "وعندنا فيه وجه لطيف ... إلخ".
ومن كلام ابن هشام يتضح أن المؤلف كان عليه أن يبين أن هذا الشاهد دال
في باب إبدال الهمزة والألف، وإذا قد تقدم في كلامه إبدال الألف همزة،
فيكون هذا من باب إبدال الهمزة ألفا، وهو عكس الأول، وبهذه تظهر
المناسبة.
1 أورد البيت صاحب الخزانة "4/ 589" والشاهد فيه عند البصريين -غير ابن
جني- فتح الراء بسبب نون التوكيد الخفيفة المحذوفة ضرورة.
قال أبو زيد في النوادر "ص13": فتح راء يقدر، يريد النون الخفيفة،
فحذفها وبقي ما قبلها مفتوحا، أنشدناه أبو عبيدة والأصمعي.
إعراب الشاهد: يقدر: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد
المحذوفة تخفيفا.
2 النون الخفيفة: يقصد نون التوكيد الخفيفة ونون التوكيد نوعين ثقيلة
وخفيفة.
3 أصحابنا: يقصد بهم البصريين.
4 الظاهر أن أصحاب هذا الرأي يرون أن النون في مثل هذا حذفت تخفيفا لا
ضرورة.
5 للطفه: يريد لدقته وعدم ظهوره. مادة "لطف". اللسان "5/ 403".
6 الكمأة: جمع الكمء وهو فطر من الفصيلة الكمئية، وهي أرضية تنتفخ
حاملا أبواغها، فتجنى وتؤكل مطبوخة ويختلف حجمها بحسب الأنواع، مادة
"كمأ". اللسان "5/ 3926".
(1/89)
ولكن الميم والراء لما كانتا ساكنتين،
والهمزتان بعدهما مفتوحتان، صارت الفتحتان اللتان في الهمزتين كأنهما
في الراء والميم، وصارت الراء والميم كأنهما مفتوحتان، وصارت الهمزتان
لما قدرت حركتاهما في غيرهما، كأنهما ساكنتان، فصار التقدير فيهما:
مرأة وكمأة، ثم خففتا، فأبدلت الهمزتان ألفين لسكونهما وانفتاح ما
قبلهما، فقالوا: مراة وكماة، كما قالوا في فأس ورأس لما خففتا: فاس،
وراس.
وعلى هذا حمل أبو علي قول عبد يغوث1.
وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأن لم ترا قبلي أسيرا يمانيا2
قال: جاء به على أن تقديره محققا: "كأن لم ترأ"، ثم إن الراء لما جاورت
وهي ساكنة، الهمزة متحركة، صارت الحركة كأنها في التقدير قبل الهمزة،
واللفظ بها كأن لم ترأ، ثم أبدل الهمزة ألفا، لسكونها وانفتاح ما
قبلها، فصارت ترا، فالألف على هذا التقدير بدل من الهمزة التي هي عين
الفعل، واللام محذوفة للجزم، على مذهب التحقيق وقول من قال: رأى يرأى،
قال سراقة البارقي:
أري عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالترهات3
__________
1 عبد يغوث: شاعر يمني أسره أعداؤه فأرادوا قتله فطلب منهم أن يكرموه
قبل موته فأطعموه، حتى ثمل ثم قطعوا وريده فمات.
2 عبشمية: نسبة إلى عبد شمس.
يقول: ضحكت مني عجوز من بني عبد شمس وكأنها لم ترا أسيرا قبلي.
والشاهد في قوله: "ترا" فأصلها كما يرى المؤلف" ترأ" فالراء ساكنة
وجاورت الهمزة المتحركة فتحركت الراء بالفتح فقلبت لذلك الهمزة ألفا
لسكونها وانفتاح ما قبلها.
إعراب الشاهد:
"ترا": فعل مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلة.
3 الترهات: الأباطيل والواحد ترهة، مادة "ت ر هـ" اللسان "1/ 431".
والبيت من قصيدة قالها الشاعر للمختار بن أبي عبيد الثقفي، حينما وقع
في أسر أعوانه فزعم له لما أمر بقتله أنه رأى الملائكة على خيل بلق
يقاتلون في صفوفه وأنهم الذين أسروه، وهي حيلة تخلص بها من القتل.
والشاهد في قوله: "ترأياه" فقد حقق الشاعر الهمزة في كلامه.
إعراب الشاهد: "ترأياه" فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة.
والهاء: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به.
(1/90)
وقد رواه أبو الحسن: ما لم ترياه1 على
التخفيف الشائع عنهم في هذا الحرف.
وقرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد.
ألم تر ما لاقيت والدهر أعصر ... ومن يتمل العيش يرأ ويسمع2
كذا قرأت عليه "تر" مخففا3 ورواه غيره: "ترأ ما لاقيت" وقرأت عليه أيضا
فيه:
ثم استمر بها شيحان مبتجح ... بالبين عنك بما يرأك شنأنا4
بوزن يرعاك. ووزن يرأ: يرع، كما أن وزن ترأياه: ترعياه.
وهذا كله على التحقيق المرفوض في هذه الكلمة في غالب الأمر، وشائع
الاستعمال.
وعلى هذا ما أنشدوه من قول الآخر5:
__________
1 وروى أبو زيد في النوادر "ص185" عن أبي حاتم عن أبي عبيدة: ما لم
تبصراه.
2 الأعصر: جمع عصر، وهو الفترة من الزمن. مادة "عصر". اللسان "4/
2968".
3 قال ابن هشام: يريد أن رواية البيت: "ألم ترأ" بتحقيق الهمزة هي
المناسبة لتحقيق الهمزة في عجزه: "يرأ ويسمع"، وإنما حركت العين بالضم
هنا مع أن الكلمة مجزومة لأن القافية مضمومة بدليل قوله بعده:
بأن عزيزا ظل يرمي بجوزه ... إلي وراء الحاجزين ويفرع.
ووضع الشاهد في البيت: "تر" فقد جاءت مخففة على القياس.
إعراب الشاهد: "تر" مضارع مجزوم بـ"لم" وعلامة الجزم حذف حرف العلة.
4 روى أبو زيد هذا البيت في النوادر"ص184".
شيحان: الجاد في امره أو الغيور السيئ الخلق. والأنثي: شيحى. لذا فهو
غير منصرف.
مادة "شيح". اللسان "4/ 2372".
والمبتجح: الفرح. مادة "بجح". اللسان "1/ 210".
والشاهد في قوله: "يرأك" فقد أورد الشاعر الهمزة مخففة على الأصل
والأقيس "يراك".
إعراب الشاهد: يرأك: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضم المقدر.
5 قائل هذا البيت عامر بن كثير المحاربي، شاعر مجيد.
(1/91)
إذا اجتمعوا علي وأشقذوني ... فصرت كأنني
فرأ متار1
أراد متأر، فنقل الفتحة إلى التاء، وأبدل الهمزة ألفا، لسكونها وانفتاح
ما قبلها، كما ترى، فصارت متار.
فهذا أحد وجهي ما حمل أبو علي2 قول عبد يغوث "كأن لم ترا" عليه قبل.
والوجه الآخر أنه على التخفيف الشائع، إلا أنه أثبت الألف في موضع
الجزم، تشبيهًا بالياء في قول الآخر3.
ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد4
ورواه بعض أصحابنا "ألم يأتك" على ظاهر الجزم.
__________
1 أشقذوني: طردوني. مادة "شقذ". اللسان "4/ 2297".
المتار: هو الذي يرمى تارة بعد تارة، والمراد المفزع، يقال: أترته: أي
أفزعته وطردته، فهو متار. قال ابن بري: أصله أتأرته، فنقلت الحركة إلى
ما قبلها، وحذفت الهمزة.
وقال ابن حمزة: هذا تصحيف، وإنما هو منار بالنون يقال أنرته: أي
أفزعته. ومنه النوار وهي النفور، وكأن ابن حمزة يريد ألا يحمل اللفظ
على أنه مهموز في الأصل، فذهب إلى التصحيف. مادة "م ت ر" اللسان "6/
4126".
شرح البيت: يقول: إذا طردني القوم واجتمعوا على طردي أشعر بالفزع
والخوف.
والشاهد في قوله: "متار" فأصلها "متأر": نقل الفتحة إلى التاء الساكنة
لتحرك ما بعدها فأبدلت الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها.
إعراب الشاهد: متار: خبر ثان لكأن مرفوع وعلامة الرفع الضمة.
2 أبو علي: هو حسن الفارسي، أستاذ ابن جني، كان نحويا بصريا تعلم على
يد المبرد.
3 البيت لقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي، وكان سيد قومه.
4 اللبون: الناقة ينزل فيها اللبن فترضع صغارها. مادة "ل ب ن" اللسان
"5/ 3989".
الشرح: ألم تسمع أو يصل إليك نبأ لبون بني زياد وما جرى لهن.
الشاهد: إبقاء الياء مع الجزم في "يأتيك" وقد خرجه الأخفش على أنه قدر
الضمة قبل الجزم ثم حذفها للجزم كقولك في "يكرمك" ألم يكرمك. وذلك
للضرورة. ودلل على ذلك بإنشاد أهل العربية لجرير.
فيوما يجارين الهوى غير ماضي ... ويوما ترى منهن غول تغول
وقال سيبويه: إنه ضرورة، وزعم الزجاجي والأعلم أنها لغة وخالفهما ابن
السيد في شرح أبيات الجمل.
(1/92)
وأنشده أبو العباس، عن أبي عثمان، عن
الأصمعي:
ألا هل اتاء والأنباء تنمي
وأنشدنا أبو علي قال أيضا: أنشد أبو زيد:
إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضاها ولا تملق1
فثبت الألف أيضا في موضع الجزم، تشبيها بالياء، في يأتيك، على أن بعضهم
قد رواه على الوجه الأعرف: "ولا ترضها ولا تملق".
وقد قدر سيبويه هذا الذي ذهبنا إليه من أن الحركة المجاورة للحرف
الساكن كأنها فيه، في قولهم مصباح ومقلات2، فأجاز فيها الإمالة3 والفتح
جميعا.
أما الفتح فإن الصاد والقاف قد جاورتا الفتحة التي بعدهما وهما
ساكنتان، فكانتا كأنهما مفتوحتان، فصارا كانهما صباح وقلات، وهذا مما
لا تجوز إمالته.
وأما الإمالة فلأنهما قد جاورتا الميم، وهي مكسورة، فصارتا كأنهما صباح
وقلات، فجازت إمالتهما كما جازت إمالة صفاف4 وقفاف5.
وعلى هذا ما أنشدناه أبو علي:
__________
1 التملق: التودد والتلطف. مادة "ملق". اللسان "6/ 4265".
يقول الشاعر: إذا غضبت منك زوجك وهي عجوز فطلقها ولا تترضاها ولا تتودد
إليها.
الشاهد: "لا تترضاها" فأثبت الألف في موضع الجزم، تشبيها بالياء كما
يرى المؤلف.
واعترض عليه البغدادي في خزانة الأدب "3/ 135" فقال: إن "ترضاها" مقطوع
عن العطف أي "وأنت لا تترضاها" فيكون قوله: "ولا تملق" هو المعطوف على
قوله "فطلق"، وجملة "ولا ترضاها" حالية.
2 المقلات: من قلت: وهي الناقة التي تضع واحدا ثم لا تحمل أو المرأة
التي لا يعيش لها ولد، والمقلاة بالتاء المربوطة: وعاء يقلى فيه السمك
ونحوه. مادة "ق ل ت" اللسان "5/ 3716".
3 الإمالة: نطق الألف قريبا من الياء أو الفتحة قريبا من الكسرة. مادة
"ميل". اللسان "6/ 4311".
4 صفاف: جمع صفة بضم الصاد وتشديد الفاء، وهو مكان مظلل في مسجد
المدينة كان يأوي إليه فقراء المهاجرين، ويرعاهم الرسول -صلى الله عليه
وسلم- وهم أهل "الصفة". اللسان "4/ 2464".
5 القفاف: جمع قفة بوزن صفة، وهي المقطف الكبير، مادة "ق ف ف" اللسان
"5/ 3704".
(1/93)
أحب المؤقدين إلى مؤسي1
بهمز الواو في الموقدين ومؤسي.
وروى قنبل عن ابن كثير بالسؤق، مهموز الواو، ووجه ذلك أن الواو وإن
كانت ساكنة، فإنها قد جاورت ضمة الميم، فصارت الضمةكأنها فيها، فمن حيث
همزت الواو في نحو أقتت وأجوه وأعده لانضمامها، كذلك جاز همز الواو في
الموقدين وموسي، على ما قدمناه من أن الساكن إذا جاور المتحرك صارت
حركته كأنها فيه2.
ويزيد ذلك عندك وضوحا، أن من العرب من يقول في الوقف هذا عمر وبكر،
ومررت بعمر وبكر، فينقل حركة الراء إلى ما قبلها، وإنما جاز ذلك لأنه
إذا حرك ما قبل الراء، فكأن الراء متحركة.
وقال حسان3:
__________
1 هذا شطر بيت وتمامه: "وجعدة لو أضاءهما الوقود".
وقائله جرير، وهو أبو حزرة جرير بن عطية الخطفي التميمي اليربوعي، أحد
فحول الشعراء الإسلاميين وبلغاء المداحين الهجائين.
وقال هذا البيت في قصيدة يمدح بها الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.
والشاهد في قوله: "المؤقدين، مؤسي" بهمز الواو فيهما.
إعراب الشاهد:
المؤقدين: مفعول به منصوب بالمفعولية، وعلامة النصب الياء عوضا عن
الفتح لأنه مثنى.
مؤسي: اسم مجرور بإلى وعلامة الجر الكسرة المقدرة، ومنع من ظهورها
التعذر.
2 في هامش "ص" تعليقة نرجح أنها لابن هشام يقول فيها: "اعلم أن في هذا
الموضع تحقيقا لم يذكره، وهو أن الساكن إذا جاور المتحرك فتارة يبقيان
ويجري حكم المجاور لمجاوره، وتارة يجعل السكون على المتحرك، والحركة
على الساكن، مثال الأول: مؤسي، ومثال الثاني: المراة والكماة، وقد
يقال: أجريت الهمزة مجرى الساكن، فأبدلت، فالتقى ساكنان فحركت الراء
بالفتح.
3 حسان: هو أبو الوليد حسان بن ثابت الأنصاري، شاعر الرسول -صلى الله
عليه وسلم- وأشعر شعراء المخضرمين، وهو من بني النجار أهل المدينة،
وعاش بعد الرسول محببا إلى خلفائه، وعمر حتى بلغ قريبا من 120 سنة،
انظر/ ديوانه "ص167".
(1/94)
فارسي خيل إذا ما أمسكت ... ربة الخدر
بأطراف الستر1
يريد الستر، وقال الأعشى2:
أذاقتهم الحرب أنفاسها ... وقد تكره الحرب بعد السلم3
فهذا كله يشهد بأن الحركة إذا جاورت الساكن صارت كأنها قد حلته، وإذا
كان ذلك كذلك فغير منكر أيضا أن يعتقد في فتحة الهمزة من قوله "أيوم لم
يقدر أم يوم قدر" كأنها في الراء الساكنة قبلها للجزم، لأنها قد
جاورتها، فيصير التقدير كأنه "أيوم لم يقدر أم"، فتسكن الهمزة، وقبلها
الراء مفتوحة، فتقلب الهمزة ألفا للتخفيف، فيصير التقدير: "يقدر ام"،
فتأتي الألف ساكنة، وبعدها الميم ساكنة فيلتقي ساكنان، فتحرك الألف
لالتقائهما فتنقلب همزة، على ما ذكرنا، وتفتحها لالتقائهما، وكان الفتح
هنا حسنا إتباعا لفتحة الراء، كما تقول عض ومص يا فتى، فتفتح الحرف
الآخر، لسكونه وسكون الأول، ويحسن الفتح فيها إتباعا لفتحة ما قبله،
وكما فتحوا "الآن" إتباعا للألف التي قبله.
__________
1 الخدر: كل ما واراك من بيت ونحوه، وستر تمده المرأة في ناحية البيت
لتستتر به، والجمع خدور وأخدار. مادة "خدر". اللسان "2/ 1109".
الشرح: إذا ما اشتدت الحرب وأمسكت الحرائر بأطراف الخدور من الجزع برز
هذان الرجلان كفارسي خيل لا مثيل لهما.
والشاهد في قوله: "الستر" فتحركت التاء لتحرك ما قبلها، والأصل
"الستر".
إعراب الشاهد: الستر: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.
2 الأعشي: هو أبو بصير ميمون الأعشى بن قيس بن جندل، يعد رابع فحول
الشعراء الجاهلين كما ذكر ذلك صاحب الطبقات، وقد عمر حتى انبلج فجر
الإسلام وأعد قصيدة يمدح بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- فاعترض طريقه
كفار قريش وأغروه بالمال فتراجع عن مدح الرسول وعاد إلى بلده وقبل
دخوله سقط من فوق بعيره فدقت عنقه فمات.
انظر/ جواهر الأدب "2/ 79".
3 السلم: ضد الحرب. ويقصد بها الصلح ويفتح ويكسر ويذكر ويؤنث. اللسان
"3/ 2079".
الشرح: يقول إن الحرب تكون أحيانا مكروهة بعد السلم.
والشاهد في قوله "السلم" فقد تحركت اللام الساكنة لمجاورتها للحركة.
إعراب الشاهد: السلم مضاف إليه مجرور بالإضافة.
(1/95)
وعلى هذا حملوا قول الآخر:
ويها فداء لك يا فضاله ... أجره الرمح ولا تهاله1
قالوا فتح اللام لسكونها وسكون الألف قبلها.
واختار الفتحة لأنها من جنس الألف التي قبلها، فلما تحركت اللام لم
يلتق ساكنان، فتحذف الألف لالتقائهما، على أن أبا علي قد ذهب في
"تهاله" إلى شيء غير هذا الذي ذهب إليه أبو العباس، وفيه طول وفضل شرح،
فنتركه، لأن فيما أوردناه مقنعا بإذن الله.
فإن قيل: فلم سلبت الهمزة من أم فتحها2، هلا تركتها همزة، ثم حركتها
لالتقاء الساكنين؟ وما الذي دعاك إلى قلبها بعد تسكينها ألفا، حتى
احتجت إلى أن تقلب الألف همزة.
فالجواب أن العرب لم تسلب هذه الهمزة حركتها إلا للتخفيف، ألا تراهم
قالوا مراة، وكماة، ولم يقولوا: مرأة وكمأة.
فعلى هذا ينبغي أن يحمل عندي قوله: "أيوم لم يقدر أم يوم قدر" ويكون
ارتكابك هذا الذي قد شاعت مثاله عندهم وإن كان فيه بعض اللطف والغموض،
أسهل وأسوغ3 من حذفك نون التوكيد، لأمرين:
__________
1 البيت لم أعرف قائله وقد أورده اللسان في مادة، "فدى"، وفي "هول" ولم
يعين قائله، كذا أورده أبو زيد الأنصاري في النوادر ولم يعين قائله.
ويها: كلمة إغراء وحث وتحريض "تكون للواحد والاثنين والجمع والمذكر
والمؤنث"، فإذا أغريت رجلا قلت له: ويها يا فلان. وهو تحريض كما تقول:
دونك يا فلان.
وقد ورد في النوادر "ص13" تعليقا على البيت ما نصه: "أجره" كسر الراء
للالتقاء الساكنين، ولو فتح كان أجود، وأثر التخلص بالكسر، كما يقول
ابن جني، لمجاورة الراء للجيم المكسورة، وكلمة "فداء" رويت مكسورة
الهمزة وبفتحها منونة، أما الكسر فلأن من العرب من يكسر الهمزة إذا
جاورت لام الجر خاصة، وأما فتح الهمزة فبتقدير عامل محذوف.
أما فتح اللام في تهاله، فقد وجهه ابن جني بعد البيت، ولا داعي
لإعادته.
2 يريد فتح همزة أم في قول الشاعر فيما سبق: "أيوم لم يقدر أم يوم
قدر".
3 أسوغ: أسهل وألين، وعطف أسوغ على أسهل ترادف يفيد التوكيد، ويسمى
أسلوب الإطناب.
(1/96)
أحدهما: أن ذلك لم يأت عنهم في بيت غير
هذا، فيحمل هذا عليه، فأما ما أنشدوه من قول الآخر.
اضرب عنك الهموم طارقها ... ضربك بالسوط قونس الفرس1
فمدفوع مصنوع عند عامة أصحابنا، ولا رواية تثبت به.
والآخر: ضعفه وسقوطه في القياس، وذلك أن التوكيد من مواضع الإطناب2
والإسهاب، ولا يليق به الحذف والاختصار، فإذا كان السماع والقياس جميعا
يدفعان هذا التأويل، وجب إلغاؤه وإطراحه، والعدول عنه إلى غيره، مما قد
كثر استعماله، ووضح قياسه.
فهذه أيضا همزة قلبت عن ألف، أعني همزة أم، وهي بدل من ألف هي بدل من
همزة، فهذا وإن لطف وطالت صنعته، أولى من أن تحمل الكلمة على حذف نون
التوكيد، لما فيه من قلة النظير، وضعف القياس.
وأنشدنا أبو علي:
بالخير خيرات وإن شرا فأ ا ... ولا أريد الشر إلا أن تأ ا3
والقول في ذلك عندي أنه يريد فأ وتأ، ثم زاد على الألف أخرى توكيدا،
كما تشبع الفتحة فتصير ألفا كما تقدم، فلما التقت ألفان، حرك الأولى،
فانقلبت همزة.
__________
1 البيت ورد بالحاشية "ص85" رقم "1"، وقد انتحله البعض ونسبوه لطرفة بن
العبد، أورد ذلك أبو حاتم عن الأخفش.
2 الإطناب: في علم المعاني: أن يزيد اللفظ على المعنى لفائدة وهو يقابل
الإيجاز.
3 البيت لقيم بن أوس من بني أبي ربيعة بن مالك. انظر/ النوادر لأبي زيد
"ص126".
وقد خرجه ابن عصفور في "الضرائر" على خلاف تخريج ابن جني، مما لا يدعو
إلى تكلف قال: أراد فأصابك الشر فاكتفى بالفاء والهمزة، وحذف ما بعدهما
وأطلق الهمزة بالألف وأراد بقوله "تأ" تأبى الخير فاكتفى بالتاء
والهمزة وحذف ما بعدهما، وحرك الهمزة بالفتح، وأطلقها بالألف، وقد علق
البغدادي على تخريج ابن عصفور، انظر/ شرح شواهد الشافية "ص269" وعلى
هذا يكون معنى البيت: تثاب بخيرك خيرات كثيرة وإن فعلت شرا أصابك الشر
ولا أريد لك الشر إلا أن تريده لنفسك.
(1/97)
وقد أنشدنا أيضا: "فا" و"تا" بألف واحدة،
إلا أن الغرض في الرواية الأخرى1.
وقد اطرد عنهم قلب ألف التأنيث همزة، وذلك نحو حمراء وصفراء وصحراء
وأربعاء وعشراء2 ورخضاء3 وقاصعاء4، وما أشبه ذلك.
والقول في ذلك: أن الهمزة في صحراء وبابه إنما هي بدل من ألف التأنيث
كالتي في نحو: حبلى وسكرى وجمادى وحبارى5 وقرقرى6 وخيزلى7، إلا أنها في
حمراء وصحراء وصلفاء8 وخبراء9 وقعت الإلف10 بعد ألف قبلها زائدة،
فالتقى هناك ألفان زائدتان، الأولى منهما الألف الزائدة، والثانية هي
ألف التأنيث، فلم تخل من حذف إحداهما أو حركتها، فلم يجز في واحدة
منهما الحذف، أما الأولى فلو حذفتها لانفردت الآخرة، وهم قد بنوا
الكلمة على اجتماع ألفين فيها، وأما الآخرة فلو حذفتها لزالت علامة
التأنيث التي وسمت الكلمة بها، وهذا أفحش من الأول11، فقد بطل حذف شيء.
__________
1 الأخرى: أي المقابلة لهذه الرواية، وهي التي تقدمت أولا.
2 العشراء من النوق: التي مضى لحملها عشرة أشهر أو ثمانية، أو هي
كالنفساء من النساء، مادة "عشر" والجمع "عشار" وفي التنزيل: {وَإِذَا
الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} . اللسان "4/ 2954".
3 والرحضاء: العرق في أثر الحمى، مادة "رحض". اللسان "3/ 1608".
4 والقصعاء: جحر يحفره اليربوع، فإذا فرغ ودخل فيه سد فمه لئلا يدخل
عليه حية أو دابة.
وقيل: هي باب جحره، والجمع "قواصع". اللسان "5/ 3653". مادة "قصع".
5 الحبارى: طائر على شكل الأوزة برأسه وبطنه غبرة، وهو لا يشرب الماء،
ويبيض في الرمال النائية.
6 قرقرى: أرض باليمامة فيها زروع ونخيل كثيرة، معجم البلدان "4/ 371".
7 الخيزلى: مشية للمرأة: يقال هي تمشي الخيزلى: إذا مشت بتكسر وانثناء.
مادة "خوزل".
8 الصلفاء: المكان الصلب من الأرض فيه حجارة، والجمع "صلاف". اللسان
"4/ 2484".
9 الخبراء: قاع مستدير يجتمع فيه الماء. مادة "خبر"، والجمع الخبارى.
اللسان "2/ 1091".
10 الإلف: تحريف، والأصل أن تكون الألف بفتح الهمزة.
11 وهذا أفحش من الأول: أشار بهذا إلى حذف ألف التأنيث، والأول: هو حذف
الألف الزائدة.
(1/98)
وأما الحركة فقال سيبويه: إنه لما انجزم1
الحرفان حركت الثانية منهما، فانقلبت همزة2، فصارت حمراء وصفراء وصحراء
وصلفاء، كما ترى.
فإن قيل: ولم زعمت أن الهمزة منقلبة، وهلا زعمت أنها زيدت للتأنيث همزة
في أول أحوالها.
فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أنها لم نرهم في غير هذا الموضع أنثوا بالهمزة، إنما يؤنثون
بالتاء أو الألف، نحو حمدة وقائمة وقاعدة وحبلى وسكرى، فكان حمل همزة
التأنيث في نحو صحراء وبابها على أنها بدلت من ألف تأنيث، لما ذكرناه.
أحرى.
والوجه الآخر: أنا قد رأيناهم لما جمعوا بعض ما فيه همزة التأنيث،
أبدلوها في الجمع، ولم يحققوها البتة، وذلك قولهم في جمع صحراء وصلفاء
وخبراء: صحاري، وصلافي، وخباري، ولم نسمعهم أظهروا الهمزة في شيء من
ذلك، فقالوا: صحارئ، خبارئ، وصلافئ، ولو كانت الهمزة فيهن غير منقلبة
لجاءت في الجمع، ألا تراهم قالوا: كوكب درئ، وكواكب درارئ، وقراء
وقرارئ، ووضاء ووضاضئ، فجاءوا بالهمزة في الجمع لما كانت غير منقلبة،
بل موجودة في قرأت ودرأت، ووضؤت، فهذه دلالة قاطعة.
فإن قيل: فما الذي دعاهم إلى قلبها في الجمع ياء؟ وهلا تركوها في الجمع
ملفوظا بها، كما كانت في الواحد، فقالوا: صحارئ، وصلافئ؟
فالجواب: أنها إنما كانت انقلبت في الواحد همزة وأصلها الألف، لاجتماع
الألفين، وهذه صورتها: "صحراا" و"صلفاا" و"خبراا"، فلما التقت ألفان
اضطروا إلى تحريك إحداهما، فجعلوها الثانية، لأنها حرف الإعراب، فصارت
صحراء وصلفاء كما ترى.
__________
1 انجزم: يريد سكن، فالجزم عند النحاة، تسكين الحرف أو حذفه إن كان حرف
علة أو نونا في الأفعال الخمسة، مادة "جزم". اللسان "1/ 619".
2 في هامش "ص" ولعله من تعليق ابن هشام: "هذا الذي قاله سيبويه لم يرد
به التعليل، بل الإخبار بما فعلوه واعتزموه، وذلك لأن هذا نفس الدعوى
المحتاجة لعلة التخصيص، لا أن هذا تعليل، والمخطئ من أورده تعليلا، لا
سيبويه".
(1/99)
وحال الجمع ما أذكره، وذلك أنك إذا صرت إلى
الجمع، لزمك أن تقلب الأولى ياء لانكسار الراء في صحاري قبلها، كما
تنقلب ألف قرطاس1 وحملاق2 ياء لانكسار ما قبلها، إذا قلت: قراطيس
وحماليق، فكذلك تنقلب ألف صحراء الأولى ياء، وهذه صورتها فتصير في
التقدير، صحارى ا، وصلافى ا، وحبارى ا، فتقع الياء الساكنة قبل الألف
الآخرة الراجعة عن الهمزة، لزوال الألف من قبلها، فتنقلب الألف ياء،
لوقوع الياء ساكنة قبلها، وتدغم الأولى المنقلبة عن الألف الزائدة في
الياء الآخرة، المنقلبة عن ألف التأنيث، فتصير صحاري.
أنشد أبو العباس للوليد بن يزيد:
لقد أغدو على أشقر يغتال الصحاريا3
__________
1 القرطاس: الصحيفة يكتب فيها، وفي التنزيل: {وَلَوْ نَزَّلْنَا
عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ} . [وتثلث قافه بهذا المعنى] ، وكل ما
ينصب للنضال، وهو الغرض يقال: رمى فقرطس: أصاب الغرض، ومن الجواري:
البيضاء المديدة القامة، ومن الدواب: الأبيض الذي لا يخالط بياضه
نمنمة، وورقة تلف على هيئة القمع ليوضع فيها الحب ونحوه "محدثة"، "ج"
قراطيس. مادة "قرطس". اللسان"5/ 3592".
2 الحملاق: حملاق العين، وحملقها، وحملوقها: ما يسوده الكحل من باطن
أجفانها، والجمع "حماليق". مادة "حملق". اللسان "2/ 1006".
3 أغدو: مضارع غدا غدوا إذا ذهب في الصباح الباكر، وهي ما بين صلاة
الصبح وطلوع الشمس.
الأشقر: من الخيل ما كانت خمرته صافية، والشقرة في الإنسان حمرة يعلوها
بياض.
مادة "شقر". اللسان "4/ 2297".
ويغتال: يهلكها غيلة، أي على غرة، وهو هنا على الاستعارة. اللسان "5/
3329".
فكأن المعنى: إنني أصبح راكبا فرسا أشقر سريع العدو يقطع الأرض بسرعة
شديدة بحيث لا أشعر بها.
ومحل الشاهد في البيت: كلمة صحارى: بتشديد الياء، وهذا هو الأصل في مثل
هذ الجمع ولكنه متروك لا يقع إلا في الشرع، والمستعمل التخفيف بحذف
الياء الأولى، وقد يفتح ما قبل الياء فتنقلب ألفا فيقال: صحارى، بفتح
الراء.
إعراب الشاهد: ال صحاريا: مفعول به منصوب بالمفعولية.
(1/100)
وقال آخر1:
إذا جاشت حواليه ترامت ... ومدته البطاحي الرغاب2
جمع بطحاء، وكذلك ما حكاه الأصمعي من قولههم صلافي وخباري، فبهذا
استدللنا على أن الهمزة في صحراء وبابه بدل من ألف التأنيث، فإذا كان
ذلك كذلك فقد علمت أن الهمزة في صنعاء وهيجاء ودهناء، فيمن مد، هي
الألف المفردة في صنعا، وهيجا، ودهنا3، فيمن قصر، قلبت همزة لوقوعها
بعد الألف التي زيدت للمد. فأما حبلى وسكرى فإنما صحت فيهما وفيما يجري
مجراهما الألف، لأنهما مفردة، فلم يلتق ساكنان، فتجب الحركة ويلزم
الهمز، فأما قول الآخر:
أسقى الإله دارها فروى ... نجم الثريا بد نجو العوى4
فالعوى5: أحد منازل القمر، وهو اسم مقصور، والألف في آخره للتأنيث،
بمنزلة ألف حبلى وبشرى، وعينها ولامها واوان في اللفظ، كما ترى، إلا أن
الواو الآخرة، التي هي لام بدل من ياء، وأصلها "عويا"، وهي فعلى من
عويت.
وقال لي أبو علي: إنما قيل لها العوى، لأنها كواكب ملتوية، قال: وهي من
عويت يده، أي لويتها.
__________
1 البيت لم أعثر على قائله.
2 البطاحي: جمع بطحاء، وهي الأبطح وهو المكان المتسع يمر به السيل
فيترك فيه الرمل والحصى الصغار، ومنه أبطح مكة، مادة "بطح". اللسان "1/
299".
الرغاب: جمع رغيبة: أي واسعة، مادة "رغب". اللسان "3/ 1697".
والشاهد في قوله "البطاحي" بتشديد الياء وهو الأصل والمستعمل التخفيف.
انظر/ شرح ذلك في نفس الهامش في شرح البيت السابق في كلمة "صحاريا".
إعراب الشاهد: البطاحي: فاعل مرفوع بالفاعلية وعلامة الرفع الضمة
المقدرة.
3 الدهناء: الفلاة: مادة "دهن". اللسان "2/ 1447".
4 الثريا: مجموعة من النجوم في صورة "الثور"، "ج" ثريات. اللسان "1/
480".
الشرح: يدعو الشاعر لمحبوبته بأن يسقي الله جل اسمه ديارها أعظم
السقاء.
والشاهد: في قوله: "العوى" وشرحه كما ذكره المؤلف في المتن.
5 العوى: مقصور كما ذكر المؤلف هنا، سيذكر بعد ذلك أنه ممدود أيضا.
وقال في شرح القاموس: العواء بالمد والقصر: منزل القمر، والقصر أكثر،
وألفها للتأنيث.
(1/101)
فإن قيل: فإذا كان أصلها "عويا"، فقد
اجتمعت الواو والياء، وسبقت الأولى بالسكون، وهذه حال توجب قلب الواو
ياء، وليست تقتضي قلب الياء واوا.
ألا تراهم قالوا: طويت طيا، وشويت شيا، وأصلهما طويا وشويا، فقلبت
الواو ياء، فهلا إذ كان كذلك قلبوها كما في نحو: طويت طيا، وشويت شيا،
فقالوا عيا.
فالجواب: أنهم إنما قلبوا ياء "عويا" واوا، لعلة مشروحة عند أصحاب
التصريف، وذلك أن فعلى إذا كانت اسما لا وصفا، وكانت لامها ياء قلبت
ياؤها واوا، وذلك نحو التقوى، أصلها وقيا، لأنها فعلى من وقيت،
والثنوى1، وهي فعلى من ثنيت، والبقوى2 وهي فعلى من بقيت، والرعوى، وهي
فعلى من رعيت، فكذلك أيضا العويا، فعلى من عويت، وهي مع ذلك اسم لا
صفة، بمنزلة التقوى والبقوى والفتوى، فقلبت الياء التي هي لام واوا،
وقبلها العين التي هي واو، فالتقت واوان، الأولى ساكنة، فأدغمت3 في
الآخرة فصارت "عوى" كما ترى. ولو كانت فعلى صفة لما قلبت ياؤها واوا،
ولبقيت بحالها، نحو الخزيا4 والصديا5، ولو كانت قبل هذه الياء واوا
لقلبت الواو ياء، كما يجب في الواو والياء إذا التقتا وسكن الأول
منهما، وذلك نحو قولهم امرأة طيا وريا6، وأصلها طويا ورويا، لأنهما من
طويت ورويت، قلبت الواو منهما ياء، وأدغمت في الياء بعدها، فصارت طيا
وريا، ولو كانت ريا اسما، لوجب أن يقال فيها روى، وحالها كحال العوى.
فإن قيل: فلم قلبت لاعرب لام فعلي، إذا كانت أسما، وكان لامها ياء،
واوا، حتي قالوا: العوي والتقوى والبقوى؟
__________
1 الثنوى: اسم بمعنى الاستثناء من الشيء.
2 البقوى: اسم بمعنى الإبقاء من الشيء.
3 الإدغام: إدخال حرف في حرف آخر. مادة "دغم". اللسان "2/ 1391".
4 الخزيا: مؤنث خزيان، وهو المستحي. مادة "خ ز ا". اللسان "2/ 1155".
5 الصديا: مؤنث صديان، وهو العطشان. مادة "صدى". اللسان "4/ 2421".
6 الريا: الريح الطيبة. مادة "روى". اللسان "3/ 1787".
(1/102)
فالجواب: أنهم إنما فعلوا ذلك في فعلى،
لأنهم قد قلبوا لام "الفعلى" إذا كانت اسما وكانت لامها واوا، ياء،
طلبا للخفة، وذلك نحو الدنيا والعليا والقصيا، وهي من دنوت، وعلوت
وقصوت1، فلما قلبوا الواو ياء في هذا وفي غيره، مما يطول تعداده، عوضوا
الواو من غلب الياء عليها في أكثر المواضع، بأن قلبوها في نحو البقوى
والثنوى واوا، ليكون ذلك ضربا من التعويض والتكافؤ بينهما، فاعرفه، فإن
أصحابنا2 استظرفوا هذا الفصل من التصريف، وعجبوا منه، ثم إنه قد حكي
عنهم "العواء" بالمد، في هذا المنزل.
والقول عندي في ذلك: أنه زاد للمد ألفا قبل ألف التأنيث، التي في
العوى، فصار التقدير" العوا ا" بألفين، كما ترى ساكنتين، فقلبت الآخرة
التي هي علم التأنيث همزة، لما تحركت لالتقاء الساكنين، والقول فيها:
القول في حمراء وصحراء وصلفاء وخبراء.
فإن قيل: فلما نقلت من فعلى إلى فعلاء، فزال القصر عنها، هلا ردت إلى
القياس، فقلبت الواو ياء، لزوال وزن فعلى المقصورة كما يقال: رجل ألوى
وامرأة لياء3؟ فهلا قالوا على هذا العياء؟
فالجواب أنهم لم يبنوا الكلمة على أنها ممدودة البتة، ولو أرادوا ذلك
لقالوا العياء، وأصلها العوياء، كما قالوا امرأة لياء، وأصلها لوياء،
ولكنهم إنما أرادوا القصر الذي في العوى، ثم إنهم اضطروا إلى المد في
بعض المواضع ضرورة، فبقوا الكلمة بحال الأولى، من قبل الياء التي هي
لام واوا، وكان تركهم القلب بحاله أدل شيء على أنهم لم يعتزموا المد
البتة، وأنهم إنما اضطروا إليه، فركبوه وهم بالقصر معنيون، وله ناوون.
فهذه جملة من القول على همزة التأنيث، وصحة الدلالة على كونها منقلبة
عن الألف، فاعرفه، فقلما أفصح أصحابنا هذا الإفصاح عنه.
__________
1 قصوت: بعدت. مادة "ق ص ا". اللسان "5/ 3657".
2 أصحابنا: يقصد البصريين.
3 اللياء: معوجة الظهر. مادة "لوي". اللسان "5/ 4109".
(1/103)
وأما قول العجاج1:
يا دار سلمى يا اسلمي ثم اسلمي
ثم قال:
فخندف هامة هذا العألم2
فقد روي أن العجاج كان يهمز العألم والخأتم، وقد روي عنه في هذا البيت:
العألم، فهمزة العألم والخأتم مما قدمناه من قلب الألف همزة.
وحكى اللحياني عنهم"نأر" بالهمز، وهذا أيضا من ذلك الباب.
وحكى بعضهم: قوقأت الدجاجة. وحلأت3 السويق4، ورثأت المرأة زوجها5، ولبأ
الرجل بالحج6، وهذا كله شاذ غير مطرد في القياس.
ونحوه قول ابن كثوة7:
__________
1 العجاج: هو أحد الرجاز عده صاحب الطبقات في الطبقة التاسعة من
الإسلاميين.
2 استشهد ابن جني على أن الألف تقلب همزة، وأن بعض العرب كان يهمز
الألف كما يهمز العجاج. في قوله "العألم".
والهامة: الرأس. مادة "هـ. و. م". اللسان "6/ 4723".
يقول: إن خندف -الشخص الممدوح- هو رأس العالم وسيده، والتعبير مبني على
التشبيه لإفادة المدح.
إعراب الشاهد: الأعلم: بدل مجرور بالتبعية وعلامة الجر الكسرة.
واعترض ابن عصفور في كتابه "الضرائر" على ابن جني وجعل همزة العالم من
ضرورات الشعر، إذ قال في تخريج هذا البيت: "أبدل الألف همزة فتكون
القافية غير مؤسسة كأخواتها، إذ لو لم يهمز للزم السناد، وهو من عيوب
القافية". انظر الشاهد رقم "206" من شرح شواهد الشافية لعبد القادر
البغدادي.
3 حلا الشيء وحلاه تحلية: جعله حلوا، وقد ورد بالهمز. اللسان "2/ 955".
4 السويق: طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير "ج" أسوقة مادة "سوق".
اللسان "3/ 215".
5 ورثأت المرأة زوجها: لغة في رثته أي مدحته بعد موته. مادة "ر ث أ".
اللسان "3/ 1580".
6 ولبأ الرجل بالحج: لبى. أي أجاب. مادة "ل ب ب". اللسان "5/ 3980".
7 البيت لأبي كثوة زيد بن كثوة، يقال إن كثوة أمه، وقيل: أبوه.
وأصل الكثوة: التراب المجتمع. مادة "ك ث ا". اللسان "5/ 3830".
(1/104)
ولي نعام بني صفوان زوزأة ... لما رأى أسدا
في الغاب قد وثبا1
أراد "زوزاة" غير مهموز.
وحكي عنهم: تأبلت2 القدر بالهمز، فهذا أيضا من قلب الألف همزة.
وأنشد الفراء:
يا دار مي بدكاديك البرق ... صبرا فقد هيجت شوق المشتئق3
فالقول فيه عندي: أنه اضطر إلى حركة الألف التي قبل القاف من
"المشتاق"، لأنها تقابل لام" مستفعلن". فلما حركها انقلبت همزة كما
قدمنا، إلا أنه حركها بالكسر، لأنه أراد الكسرة التي كانت في الواو
المنقلبة الألف عنها.
وذلك لأنه "مفتعل" من الشوق، وأصله مشتوق، ثم قلبت الواو ألف، لتحركها
وانفتاح ما قبلها، فلما احتاج إلى حركة الألف، حركها بمثل الكسرة التي
كانت في الواو، التي هي أصل الألف.
__________
1 الزوزأة: أصله الزوزاة، وهو مصدر زوزى يزوزي، وهو أن ينصب ظهره،
ويسرع الخطو.
وثب: قفز. مادة "وثبت". اللسان "6/ 4762".
الشرح: يقول أن نعام بني صفوان ولى هاربا مسرعا خطوه حين ظهر له أسد في
الغاب.
والشاهد في قوله: "زوزأة" فقد حرك الألف فانقلبت همزة، والأصل "زوزاة".
إعراب الشاهد: زوزأة: نائب عن المصدر المنصوب.
2 تأبلت القدر: وضع فيه التابل وهو أبزار الطعام، وأصله تابلت بدون
همز.
مادة "تبل". اللسان "1/ 419".
3 مي: اسم امرأة.
ودكاديك: جمع دكداك، وهو الرمل المتبلد في الأرض ولم يرتفع، وهو شبيه
بالتل.
مادة "د ك ك". اللسان "2/ 1404".
والبرق: جمع برقة بضم الباء، وهو غلظ في حجارة ورمل. اللسان "1/ 262".
وصبرا: مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره صبري صبرا، أو مفعول به لفعل
محذوف مقدر.
والشاهد في قوله: "المشتئق" فهي اسم فاعل من اشتاق وأصله المشتاق،
فقلبت الألف همزة، وحركت بالكسر لأن الألف بدل من واو مكسورة.
إعراب الشاهد:
المشتئق: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.
(1/105)
ونحو هذا ما حكاه الفراء أيضا عنهم، من
قولهم: رجل مئل، إذا كان كثير المال، وأصلها مول، بوزن فرق وحذر،
ويقال، مال الرجل يمال، إذا كثر ماله، وأصلها: مول يمول، مثل خاف يخاف
من الواو، وقالوا: رجل خاف، كقولهم: رجل مال، وأصلها خوف ومول، ثم
انقلبت والواو ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت خاف ومال، ثم
إنهم أتوا بالكسرة التي كانت في واو مول، فحركوا بها الألف في مال،
فانقلبت همزة، فقالوا مئل.
فهذه جملة من القول على انقلاب الألف همزة، وقد تقصيت جميع ما جاء منه
مطردا وشاذا، وقلما تجد شيئا يخرج عن هذا من الشواذ.
وأما إبدال الهمزة عن الياء والواو، فعلى ضربين، تبدل الهمزة منهما
وهما أصلان، وتبدل منهما وهما زائدتان.
الأولى: نحو قولك في وجوه: أجوه، وفي وعد: أعد، وفي وقتت أقتت. وكذلك
كل واو انضمت ضما لازما، فهمزها جائز، وقالوا: قطع الله أده: يريدون
يده، فردوا اللام، وأبدلوا الفاء همزة.
وأبدلوا أيضا الواو المكسورة، فقالوا إسادة في وسادة، وإعاء في وعاء.
وأبدلوا المفتوحة أيضا فقالوا: أناة، في وناة، وأحد في وحد، وأجم في
وجم1، وأسماء في وسماء2، وقالوا: قائم وبائع، فأبدلوها من الواو
والياء، وقالوا: في أسنانه ألل: يريدون يلل3، فأبدلوا الياء همزة4،
وقالوا: رئبال5، فأبدلوها من الياء، وهمز بعضهم الشئمة، وهي الخليقة.
وقالوا أيضا: قضاء وسقاء وشفاء ونكساء وشقاء وعلاء. وكذلك كل ما وقت
لامه ياء أو واوا طرفا بعد ألف زائدة.
__________
1 يقال: وجم الشيء: إذا كرهه، أجم الطعام وغيره: كرهه. اللسان "6/
4774".
2 وسماء: حسنة جميلة. وأصلها أسماء وهو اسم امرأة مشتق من الوسامة
وهمزته مبلة من واو مادة "وسم". اللسان "6/ 4839".
3 الألل واليلل: قصر الأسنان العليا، وانعطافها إلى داخل الفم. اللسان
"6/ 4965".
4 هكذا يرى ابن جني أن الياء هي الأصل، وغيره يرى أن الهمزة هي الأصل
وقد تخفف.
5 الرئبال: من رأبل: أي مشى متمايلا في جانبه كأنه يقصد شيئا. اللسان
"3/ 1532".
(1/106)
وأصل هذا كله قضاي، وسقاي، وشفاي، وكساو،
وشقاو وعلاو، لأنها من قضيت، وسقيت، وشفيت، وكسوت، والشقوة، وعلوت.
فلما وقعت الياء والواو طرفين، بعد ألف زائدة، ضعفتا لتطرفهما،
ووقعوهما بعد الألف الزائدة المشبهة للفتحة في زيادتها.
فكما قلبت الواو والياء ألفا لتحركهما ووقوعهما بعد الفتحة في نحو: عصا
رحى1، كذلك قلبتا ألفا أيضا، لتطرفهما وضعفهما، وكون الألف زائدة
قبلهما في نحو كساء ورداء، فصار التقدير: قضا ا، وسقا ا، وشفا ا، وكسا
ا، وشقا ا، وعلا ا، فلما التقى ساكنان كرهوا حذف أحدهما، فيعود الممدود
مقصورا، فحركوا الألف الآخرة لالتقائهما، فانقلبت ههمزة، فصارت قضاء
وسقاء وكساء وعلاء، فالهمزة في الحقيقة إنما هي بدل من الألف، والألف
التي أبدلت الهمزة عنها بدل من الياء والواو، إلا أن النحويين إنما
اعتادوا هنا أن يقولوا: إن الهمزة منقلبة من ياء أو واو، ولم يقولوا من
ألف، لأنهم تجوزوا في ذلك، ولأن تلك الألف التي انقلبت عنها الهمزة، هي
بدل من الياء أو الواو، فلما كانت بدلا منها، جاز أن يقال إن الهمزة
منقلبة عنها، فأما الحقيقة فإن الهمزة بدل من الألف المبدلة عن الياء
والواو، وهذا مذهب أهل النظر الصحيح في هذه الصناعة2، وعليه حذاق3
أصحابنا، فاعرفه.
فأما قولهم عباءة وصلاءة وعظاءة4، فقد كان ينبغي لما لحقت الهاء آخرا،
وجرى الإعراب عليها، وقويت الياء، بعدها عن الطرف، ألا يهمز، وألا يجوز
فيه الأمران، كما اقتصر في نهاية، وغباوة، وشقاوة، وسعاية، ورماية على
التصحيح دون الإعلال، إلا أن الخليل5 رحمه الله قد علل ذلك، فقال: إنهم
إنما بنوا
__________
1 الرحى: أداة لطحن القمح والشعير والحبوب. مادة "ر ح ا". اللسان "3/
1614".
2 الصناعة: يقصد بها صناعة النحو.
3 حذاق: جمع حاذق وهو الماهر بالشيء. مادة "ح ذ ق". اللسان "2/ 811".
4 العباءة والصلاءة والعظاءة: سبق شرحهم.
5 الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، رأس زمانه في النحو، مخترع علم
العروض امتاز بقوة الملاحظة والورع ونقل عنه سيبويه وقطرب وغيرهم.
(1/107)
الواحد على الجمع، فلما كانوا في الجمع
يقولون: عظاء وعباء وصلاء، فيلزمهم إعلال الياء، لوقوعها طرفا، أدخلوا
الهاء وقد انقلبت اللام همزة، فبقيت اللام معتلة بعد الهاء كما كانت
معتلة قبلها.
فإن قيل: أولست تعلم أن الواحد أقدم في الرتبة من الجمع، وأن الجمع فرع
على الواحد، فكيف جاز للأصل -وهو عظاءة- أن يبني على الفرع هو عظاء؟
وهل هذا إلا كما عابه أصحابك1 على الفراء، من قوله أن الفعل الماضي
إنما بني على الفتح لأنه حمل على ألف التثنية، فقيل ضرب، لقولهم ضربا؟
فمن أين جاز للخليل أن يحمل الواحد على الجمع، ولم يجز للفراء أن يحمل
الواحد على التثنية؟
فالجواب: أن الانفصال من هذه الزيادة يكون من وجهين:
أحدهما: أن بين الواحد والجمع من المضارعة2 ما ليس بين الواحد
والتثنية، ألا تراك تقول قصر وقصور، وقصرا وقصورا، وقصر وقصور، فتعرب
الجمع إعراب الواحد، وتجد حرف إعراب الجمع حرف إعراب الواحد، ولست تجد
في التثنية شيئا من ذلك، إنما هو قصران أو قصرين، فهذا مذهب غير مذهب
قصر وقصور، أولا ترى أن الواحد تختلف معانيه كاختلاف معاني الجمع، لكنه
قد يكون جمع أكثر من جمع، كما يكون الواحد مخالفا للواحد في أشياء
كثيرة، وأنت لا تجد هذا إذا ثنيت، إنما تنتظم التثنية ما في الواحد
التبة، وهي لضرب واحد من العدد البتة، لا يكون اثنان أكثر من اثنين،
كما تكون جماعة أكثر من جماعة، ها هو الأمر الغالب، وإن كانت التثنية
قد يراد بها في بعض المواضع أكثر من الاثنين، فإن ذلك قليل لا يبلغ
اختلاف أحوال الجمع في الكثرة والقلة، بل لا يقاربه، فلما كانت بين
الواحد والجمع هذه النسبة وهذه المقاربة، جاز للخليل أن يحمل الواحد
على الجمع، ولما بعد الواحد عن التثنية في معانيه ومواقعه، لم يجز
للفراء أن يحمل الواحد على التثنية، كما حمل الخليل الواحد على
الجماعة.
__________
1 أصحابك: يريد البصريين.
2 المضارعة: المشابهة. مادة "ض رع". اللسان "4/ 2581".
(1/108)
يزيد في وضوح ذلك لك، أنهم قالوا: هذا،
فبنوه، ثم قالوا: هاذان، فأعربوا، ثم لما صاروا إلى الجمع عادوا إلى
البناء، فقالوا: هؤلاء.
فهذا وغيره مما يشهد بمضارعة الواحد للجماعة، وبعده عن التثنية، فهذا
وجه.
والوجه الآخر الذي جوز للخليل حمل الواحد على الجماعة، هو أنه وإن كان
قد حمل الواحد على الجمع في نحو عظاءة1 وعظاء، فقد عدل هذا الأمر الذي
في ظاهره بعض التناقض، بأنه حمل لفظ العظاءة، وهي مؤنثة، على لفظ
العظاء وهو مذكر، فهذا يعادل به حمل الواحد على الجماعة، ثم ينضاف إليه
ما ذكرناه من مضارعة الواحد للجماعة.
وليس للفراء في قوله: إن ضرب بني على ضربا، واحد من هذين الأمرين
اللذين سوغنا بهما مذهب الخليل، فلهذا صح قول الخليل، وسقط قول الفراء.
وبعد، فليس العظاء في الحقيقة جمعا، وإنما هو واحد وقع على الجمع،
بمنزلة تمر وبسر2 ودجاج وحمام، وهذا واضح.
وقد استقصيت هذا وغيره من لطائف التصريف في كتابي المصنف لتفسير تصريف
أبي عثمان رحمه الله، وأتيت بالقول هناك على أسرار هذا العلم ودفائنه.
فإن قيل: فإذا كانت الألف في شفاء وشقاء بمنزلة الفتحة، في إيجابها قلب
ما بعدها ألفا، فهلا لم يجز إلا القلب، وأن تقول: عباءة وعظاءة وصلاءة
البتة بالهمز، ولا تجيز نهاية ولا غباوة، كما لم تجز إلا إعلال نحو:
قناة وقطاة وحصاة، وإن كانت بعدها الهاء.
فما بالك اعتبرت الهاء في نحو: عباية، وعظاية، وصلاية، وشقاوة، ونهاية،
حتى صححت لها الواو والياء، ولم تعتبر الهاء في نحو: قناة وقطاة وحصاة
وفتاة؟ وهلا قلت: قنوة وقطوة، وحصية، وفتية، فصححت الواو والياء للهاء،
كما صححتها في نحو الشقاوة والنهاية لأجل الهاء.
__________
1 العظاءة: دويبة من الزواحف ذوات الأربع، تعرف في مصر بالسحلية، وقد
سبق شرحها.
2 بسر: ثمر النخل قبل أن ينضج، والغض الطري من كل شيء، والجمع "أبسار".
مادة "ب س ر". لسان العرب "1/ 279".
(1/109)
فالجواب: إنهم إنما أجروا الألف في نحو
كساء ورداء مجرى الفتح، في أن قلبوا لها ما بعدها من الياء والواو، كما
قلبوا للفتحة نحو: عصا ورحى ما دامت الياء والواو طرفين ضعيفين، وإلا
فقد كان ينبغي أن يصح الياء والواو بعد الألف، لأنهما إذا وقعتا بعد
الحرف الساكن صحتا، وذلك نحو: ظبي ودلو، ولكنهم لما رأوهما بعد ألف
زائدة كزيادة الفتحة، وكانت الفتحة بعض الألف، جوزوا إعلالها وقلبهما
ما دامتا طرفين ضعيفين، فإذا تحصنتا وقويتا بوقوع الهاء بهدهما، لم
تبلغ الألف من إيجاب قلبهما مبلغ الفتحة الصريحة.
فأما قناة وفتاة فإن واوهما وياءهما وقعتا بعد الفتحة المحضة الموجبة
للقلب، فلم تبلغ من قوة الهاء معهما أن تحصن الواو والياء من إعلال
الفتحة المحضة لهما.
وهذا ما خرج لي بعد التفتيش والمباحثة عن أبي علي وقت قرأت كتاب أبي
عثمان عليه فاعرفه، فإنه موضع يلطف جدا، وقل من يضبطه.
وقد أبدلت الواو همزة بدلا مطردا إذا انضمت ضما لازما، وذلك نحو أقتت
وأجوه وأدؤر وأثؤب.
وقد أبدلها قوم من المكسورة، وذلك نحو وسادة وإسادة، ووفادة1 وإفادة.
وإذا التقت واوان في أول الكلمة لم يكن من همزة الأولى بد، وذلك أن
الأولى أصلها وؤلى. وسنستقصي هذا كله في حرف الواو. وقال:
ما كنت أخشى أن يبينوا أشك ذا2
أي وشك ذا، ومن الوشيك.
__________
1 الوفادة: القدوم. مادة "وفد". واللسان "6/ 4881".
2 هذا الشطر أنشده صاحب اللسان في مادة "وشك" ولم ينسبه أيضا إلى أحد.
ولم نعثر على قائله فيما بأيدينا من كتب اللغة. انظر/ لسان العرب "6/
4844".
يبينوا: يفارقوا. مادة "بين". اللسان "1/ 403".
الشرح: أن الشاعر ينفي خوفه من فراق من فارقوه.
والشاهد في قوله: "أشك" أي وشك من الوشيك.
فقد أبدل الهمزة عن الواو وهي أصل.
(1/110)
فهذا إبدال الهمزة عن الياء والواو وهما
أصلان.
وأما إبدالها منهما وهما زائدتان فنحو قولهم: علباء وحرباء1. وجاء
عنهم: رجل عزهاء2، وأصل هذا كله علباي وحرباي وعزهاي، ثم وقعت الياء
طرفا بعد ألف زائدة، فقلبت ألفا، ثم قلبت الألف همزة، كما تقدم من
قولنا في: كساء ورداء.
فإن قيل: ما الدليل على أن الأصل حرباي وعلباي بالياء، دون أن يكون
علباو وحرباو بالواو؟
فالجواب: أن العرب لما أنثت هذا الضرب بالهاء، فأظهرت الحرف المنقلب لم
تظهره إلا ياء، وذلك نحو درحاية ودعكاية3، فظهور الياء في المؤنث
بالهاء دلالة على أن الهمزة إنما قلبت في حرباء وعلباء عن ياء لا
محالة.
وأما الواو الزائدة التي قلبت عنها همزة فلم تأت مسموعة عنهم إلا أن
النحويين قاسوا ذلك على الياء، لأنها أختها، وذلك أنك لو نسبت إلى مثل
صحراء وخنفساء لقلت: صحراوي وخنفساوي، فإن سميت بهما رجلا، ثم رخمته4
على قولهم: يا حر، وجب بعد حذف ياء النسب أن تقلب الواو ألفا، لوقوعها
طرفا بعد ألف زائدة، فتصير صحرا اوخنفسا ا، ثم تبدلت الألف الآخرة
همزة، لأنك حركتها
__________
1 الحرباء: دوبية على شكل سام أبرص ذت قوائم أربع دقيقة الرأس، مخططة
الظهر، تستقبل الشمس نهارها وتدور معها كيف دارت، وتتلون ألوانا، ويضرب
بها المثل في التلون، والجمع "حرابي".
2 رجل عزهاء: عازف عن اللهو والنساء. مادة "ع ز هـ" اللسان "4/ 2933".
3 يقال: درحاية: كثير اللحم، قصير، سمين، ضخم البطن، لئيم الخلقة.
اللسان "2/ 1354".
قال الراجز:
إما تريني رجلا دعكايَهْ ... عكوكا إذا مشى درحايَهْ
تحسبني لا أحسن الحدايَهْ ... أيايَهٍ أيايَهٍ إيايَهْ
وقيل الدعكاية: القصير: القصير الكثير اللحم، طال أو قصر. وقال ابن
بري: الدعكاية: القصير مادة "د ع ك". اللسان "2/ 1383". وقول الراجز
أيايه، هو لفظ تزجر به الإبل.
4 رخمته: من الترخيم، وهو حذف آخر المنادى تسهيلا للنطق به، وقد يرخم
غير منادى، كما في قوله: "ليس حي على المنون بخال" أي بخالد. مادة
"رخم". اللسان "3/ 1617".
(1/111)
لالتقاء الساكنين، كما فعلت ذلك في كساء،
فتقول على هذا: يا صحراء ويا خنفساء أقبل، وقياس هذا إذا سميت به بعد
الترخيم أن تصرفه في النكرة، بلا خلاف، وفي المعرفة على الخلاف، فتقول
جاءني صحراء ومررت بخنفساء، لأن هذه الهمزة التي فيهما الآن ليست
للتأنيث، وإنما هي بدل من ألف بدل من واو بدل من همزة التأنيث المنقلبة
عن الألف المقدرة بعد الألف الأولى، على ما بيناه في حمراء وصفراء.
فهذا إبدال الهمزة عن الياء والواو أصلين وزائدتين.
وأما إبدال الهمزة عن الهاء فقولهم: ماء، وأصله: موه لقولهم أمواه،
لقلبت الواو ألفا، وقلبت الهاء همزة، فصار ماء، كما ترى، وقد قالوا
أيضا في الجمع: أمواء، فهذه الهمزة أيضا بدل من ها أمواه.
أنشدني أبو علي:
وبلدة قالصة أمواؤها ... ماصحة رأد الضحا أفياؤها1
__________
1 استشهد بهذا البيت على أن الهمزة قد تجيء في جمع ماء كما جاءت في
المفرد، وعلى هذا يجوز أن يكون قد جمع المفرد وأبقى همزته على حالها،
فتكون همزة الجمع همزة المفرد، ويجوز أن تكون بدلا من الهاء التي في
أمواه، فكأنه لفظ بالهاء في الجمع، ثم أبدل منها الهمزة، كما فعل في
المفرد.
القالصة: من قلص الماء في البئر: إذا ارتفع. مادة "قلص". اللسان "5/
37121".
الماصحة: مادة "مصح" من مصح الظل، أي ذهب. اللسان "6/ 4214".
رأد الضحى: ارتفاعه، أي وسطه. وقيل انبساط الشمس وارتفاع النهار.
اللسان "3/ 1532".
أفياؤها: ظلالها، والمفرد "الفيء". مادة "فيأ". اللسان "5/ 3495".
شرح البيت: هذه البلدة كثيرة الفيء لكثرة ظلال أشجارها إلى أن يذهب
ارتفاع الضحى.
إعراب البيت: الواو: واو رب.
بلدة: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة.
قالصة: نعت مجرور بالتبعية، وعلامة جره الكسرة.
أمواؤها: فافل لـ"قالصة" مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
والهاء: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه.
ماصحة: نعت ثان مجرور بالتبعية وعلامة جره الكسرة.
رأد: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. =
(1/112)
ومن ذلك قولهم أال، كقولنا، أال الله، وأ
ال رسوله، إنما أصلها أهل، ثم أبدلت الهاء همزة، فصارت في التقدير أأ
ل. فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفا، كما قالوا: آدم وآخر، وفي
الفعل آمن وآزر1.
فإن قيل: ولم زعمت أنهم قلبوا الهاء همزة، ثم قلبوها ألفا فيما بعد،
وما أنكرت من أن يكونوا قلبوا الهاء ألفا في أول الحال؟
فالجواب: أن الهاء لم تقلب ألفا في غير هذا الموضع، فيقاس هذا هنا
عليه، وإنما تقلب الهاء همزة في ماء وشاء، على الخلاف فيما سنذكره في
موضعه، فعلى هذا أبدلت الهاء همزة، ثم أبدلت الهمزة ألفا. وأيضا فإن
الألف لو كانت منقلبة عن الهاء في أول أحوالها، كما زعم الملزم. دون أن
تكون منقلبة عن الهمزة المنقلبة عن الهاء، على ما قدمناه، لجاز أن
يستعمل آل في كل موضع يستعمل فيه أهل، ألا تراهم يقولون صرفت وجوه
القوم، وأجوه القوم، فيبدلون الهمزة من الواو، ويوقعونها بعد البدل في
جميع مواقعها قبل البدل.
وقالوا أيضا: وسادة2 وإسادة، ووفاة وإفادة.
ومن أبيات الكتاب3.
إلا الإفادة فاستولت ركائبنا ... عند الجبابير بالبأساء والنعم4
__________
= الضحا: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة للتعذر.
أفياؤها: فاعل مرفوع بالفاعلية وعلامة رفعه الضمة، والهاء ضمير مبني في
محل جر مضاف إليه وقد أورد صاحب اللسان الأبيات هكذا.
وبلدة قالصة أمواهها ... تستن في رأد الضحى أفياؤها
كأنما قد رفعت سماؤها
تستن: أي تجري في السنن وهو وجه الطريق والأرض. مادة "س ن ن" اللسان
"3/ 2125".
1 آزر: ساند وساعد أو ساوى أو حازى الشيء بالشيء. مادة "أزر". اللسان
"1/ 72".
2 الوسادة: المخدة والمتكأ وكل ما يوضع تحت الرأس من تراب أو حجارة أو
غيره. "ج" وسائد مادة "وسد". اللسان "6/ 4830".
3 الكتاب: هو مؤلف سيبويه في النحو.
4 البيت لتميم بن أبي مقبل، وهو من شواهد سيبويه "2/ 355".
(1/113)
وقالوا أيضا: وشاح1 وإشاح، ووعاء وإعاء،
قرأ سعيد بن جبير: "ثم استخرجها من إعاء أخيه" [يوسف: 76] ، وكل واحدة
من هذه ومن غيرها مما يجري في البدل مجراها، تستعمل مكان صاحبتها، ولو
كانت ألف آل بدلا من هاء أهل لقيل انصرف إلى آلك كما يقال: انصرف إلى
أهلك، ولقيل آلك والليل، كما يقال أهلك والليل، وغير ذلك مما يطول ذكره
... فلما كانوا يختصون بالآل الأشرف الأخص دون الشائع الأعم، حتى لا
يقال إلا في نحو قولهم: القراء آل الله، واللهم صل على محمد وعلى آل
محمد، و {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ
إِيمَانَه} [غافر: 18] ، وكذلك ما أنشده أبو العباس للفرزدق2.
نجوت ولم يمنن عليك طلاقة ... سوى ربذ التقريب من آل أعوجا3
لأن أعوج فيهم فرس مشهور عند العرب، فلذلك قال: آل أعوج، ولا يقال آل
الخياط، كما يقال أهل الخياط، ولا آل الإسكاف4، كما يقال أهل الإسكاف.
__________
= الإفادة: الوفادة، وهي الوفود على السلطان ونحوه، وقد سبق شرحها.
الجبابير: جمع جبار، والمراد الملك، مادة "ج ب ر". اللسان "1/ 537".
الشرح:
إننا نفد على السلطان، فأحيانا ننال من إنعامه، وأحيانا نجرع مبتئسين
خائبين من عنده.
الشاهد: إبدال واو الوفاة همزة، لاستثقال الابتداء بها مكسورة وهذا
الإبدال جائز باطراد في مثل هذه الحالة.
إعراب الشاهد: الإفادة: مقطوع على الاستثناء منصوب جوازا.
1 الوشاح: نسيج عريض يرصع بالجواهر، وتشده المرأة بين عاتقها وكشحيها.
مادة "وشح".
2 الفرزدق: هو أبو فراس همام بن غالب التميمي الدارمي، أفخر ثلاثة
الشعراء الأمويين وأجزل المقدمين في الفخر والمدح والهجاء.
3 الربذ: السريع، التقريب: نوع من السير يقارب فيه الخطو. اللسان "3/
1556".
الشرح: لقد نجوت ولم يمنحني أحد الحرية والفضل في ذلك يرجع إلى الفرس
العتيق الذي ينتمي إلى أعوج وينتسب له، وهو أنجب فرس عرفته العرب.
الشاهد: "آل أعوج" حيث أضاف آل إلى أعوج، وهو فرس مشهور بالعتق عند
العرب.
إعراب الشاهد: آل: اسم مجرور بمن وعلامة الجر الكسرة.
وأعوج: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الفتحة.
4 الإسكاف: صانع الأحذية ومصلحها. "ج" أساكفة" اللسان "3/ 2050".
(1/114)
دل ذلك على أن الألف فيه ليست بدلا من
الأصل، وإنما هي بدل من بدل من الأصل، فجرى ذلك مجرى التاء في القسم،
لأنها بدل من الواو فيه، والواو فيه بدل من الباء، فلما كانت التاء
بدلا من بدل، وكانت فرع الفرع، اختصت بأشرف الأسماء وأشهرها، وهو اسم
الله، فلذلك لم يقل تزيد ولا تالبيت، كما لم يقل آل الإسكاف ولا آل
الخياط.
فإن قلت: فقد قال بشر1:
لعمرك ما يطلبن من آل نعمة ... ولكنما يطلبن قيسا ويشكرا2
فقد أضافه إلى نعمة، وهي نكرة غير مخصوصة ولا مشرفة، فإن هذا بيت شاذ،
والذي عليه العمل ما قدمناه، وهو رأي أبي الحسن3، فاعرفه.
فإن قيل: ألست تزعم أن الواو في والله بدل من الباء في بالله، وأنت لو
أضمرت لم تقل: وه لأفعلن كما تقول: به لأفعلن. وقد تجد أيضا بعض البدل
لا يقع موضع المبدل منه في كل موضع، فما تنكر أيضا أن تكون الألف في آل
بدلاً من الهاء، وإن كان لا يقع جميع مواقع أهل؟
فالجواب أن الفرق بينهما أن الواو لم تمتنع من وقوعها في جميع مواقع
الباء، من حيث امتنع وقوع "آل" في جميع مواقع "أهل" وذلك أن الإضمار
يرد بالأشياء إلى أصولها في كثير من المواضع، ألا ترى أن من قال:
أعطيتك درهما، فحذف الواو التي كانت بعد الميم، وأسكن الميم، إذا أضمر
الدرهم قال: أعطيتكموه، فرد الواو لأجل اتصال الكلمة بالمضمر.
__________
1 البيت لبشر بن أبي حازم، وهو شاعر جاهلي، ولم نجد البيت فيما عرفناه
من شعره.
2 لعمر: أسلوب قسم. أل: أهل.
الشرح: يقسم الشاعر بعمر من يحدثه بأن القوم لا يطلبون شيئا من آل نعمة
وإنما بغيتهم عند قيس ويشكر.
والشاهد فيه قوله: "آل نعمة" فقد أضاف "آل" التي هي للتشريف إلى نعمة
مع أنها نكرة غير مخصوصة ولا مشرفة، وقد حكم المؤلف على ذلك بالشذوذ.
إعراب الشاهد: آل: اسم مجرور. نعمة: مضاف إليه.
3 أبو الحسن الأخفش نحوي بصري.
(1/115)
فأما ما حكاه يونس من أن بعضهم قال:
أعطيتكمه، فشاذ لا يقاس عليه عند عامة أصحابنا1، فلذلك جاز أن تقول: به
لأقعدن، وبك لأنطلقن، ولم يجز أن تقول: "وك" ولا "وه"، بل كان هذا في
الواو أحرى، لأنها حرف واحد منفرد فضعفت عن القوة وتصرف الباء التي هي
الأصل.
أنشدنا أبو علي قال: أنشدنا أبو زيد2:
رأى برقا فأوضع فوق بكر ... فلا بك ما أسال ولا أغاما3
__________
1 أصحابنا: يريد البصريين.
2 أبو زيد: صاحب النوادر، وقد أورده في كتابه "ص146"، ونسبه إلى عمرو
بن يربوع بن حنظلة، وقد قاله وبيت آخر قبله يخاطب امرأته لما رحلت إلى
أهلها في غيبته، وقد زعم الرواة أن عمرا هذا تزوج السعلاة فقال له
أهلها: إنك تجدها خير امراة ما لم تر برقا، فستر بيتك ما خفت ذلك،
فمكثت عنده حتى ولدت له بنين، فأبصرت برقا ذات يوم فقالت له:
الزم بنيك عمرو إني آبق ... برق على أرض السعالي آلق
فقال عمرو:
ألا لله ضيفك يا أماما ... ..................
رأى برقا فأوضع فوق بكر ... فلا بك ما أسأل ولا أغاما
والشطر الثاني من البيت الأول سقط من أيدي الرواة، قال أبو حاتم عن أبي
زيد عن المفضل قال: لم أسمع بقافيته: فسمى الناس بني عمرو، بني
السعلاة، حتى قال الشاعر:
يا قاتل الله بني السعلات
عمرو بن يربوع شرار النات
غير أعفاء ولا أكيات
بإبدال السين في الناس وأكياس: تاء.
3 أوضع: أسرع في السير. اللسان "6/ 4859" مادة "وضع".
والبكر: الفتي من الإبل. اللسان "1/ 334"، وجملة ما أسأل ولا أغاما،
جواب القسم. والضيف بكسر الضاد: الناحية والمحلة، وبفتحها النازل عند
آخر، والظهر أنه يريد نفسه.
الشرح: يدعو لمحلة أهلها بأن تسلم من أذى البرق والسيل ويقسم بحياتها
إنه لن يكون مع هذا البرق غيم ولا سيل يتأذى به أهلها.
والشاهد على البيت: أنه أدخل باء القسم على الضمير، فقال: "بك" بخلاف
باقي حروف القسم لأن الباء هي الأصل كما ذكر المؤلف.
إعراب الشاهد: الباء: حرف جر يفيد القسم، والكاف: ضمير مبني في محل جر.
(1/116)
وأنشدنا أيضا عنه1:
ألا نادت أمامة باحتمال ... لتحزنني فلا بك ما أبالي2
وأنت ممتنع من استعمال آل في غير الأشهر الأخص، وسواء في ذلك أضفته إلى
مظهر أم أضفته إلى مضمر.
فإن قيل ألست تزعم أن التاء في تولج بدل من واو، وأن أصله وولج، لأنه
فوعل من الولوج3، ثم إنك مع ذلك قد تجدهم أبدلوا الدال من هذه التاء،
فقالوا دولج، وأنت مع ذلك تقول: دولج في جميع المواضع التي تقول فيها
تولج، وإن كانت الدال مع ذلك بدلا من التاء، التي هي بدل من الواو؟
فالجواب عن ذلك: إن هذا مغالطة من السائل، وذلك أنه كان يطرد هذا له لو
كانوا يقولون وولج ودولج، فيستعملون "دولج" في جميع أماكن وولج، فهذا
لعمري لو كان كذا لكان له به تعلق، وكانت تحتسب زيادة، فأما وهم لم
يقولوا وولج البتة كراهة اجتماع الواوين في أول الكلمة، وإنما قالوا
تولج، ثم أبدلوا الدال من التاء المبدلة من الواو، فقالوا دولج، فإنما
استعملوا الدال مكان التاء، التي هي في المرتبة قبلها تليها، ولم
يستعملوا الدال موضع الواو التي هي الأصل، فصار إبدال الدال من التاء
في هذا الموضع، كإبدال الهمزة من الواو في نحو أقتت وأجوه، فكما تستعمل
أجوه في موضع وجوه، لقربها منها، وأنه لا منزلة بينهما واسطة، كذلك جاز
استعمال دولج مكان تولج، لأنه لا منزلة واسطة بينهما.
وكذلك لو عارض معارض بهنيهة، تصغير هنة4 فقال: ألست تزعم أن أصلا
هنيوة، ثم صارت هينة، ثم صارت هنيهة، وأنت قد تقول هنيهة في كل موضع
تقول في هنية، كان الجواب واحدا كالذي قبله، ألا ترى أن هنيوة الذي هو
الأصل، لا ينطق به، ولا يستعمل التبة، فجرى ذا مجرى وولج، في رفضه وترك
استعماله.
__________
1 البيت لنفس الشاعر عمرو بن يربوع الذي سبق التعريف به.
2 أمامة: اسم امرأة، والاحتمال: يقصد الرحيل.
الشرح: "بك" فقد دخلت الباء التي هي للقسم على الضمير كما في بيته
السابق.
3 الولوج: الدخول. مادة "ولج". اللسان "6/ 4913".
4 هنة: وتصغيرها "هنيهة وهنية" قليلا من الزمان. مادة "هنة". اللسان
"6/ 4713".
(1/117)
فهذا كله يؤكد عندك أن امتناعهم من استعمال
آل في جميع مواقع أهل، إنما هو لأن الألف فيه كانت بدلا من بدل، كما
كانت التاء في القسم بدلا من بدل، فاعرفه، فإن أصحابنا لم يشبعوا القول
فيه، على ما أوردته الآن، وإن كنا بحمد الله بهم نقتدي، وعلى أمثلتهم
نحتذي.
والذي يدل على أن أصل آل أهل، قولهم في التحقير أهيل، ولو كان من الواو
لقيل أويل، كما يقال في الآل الذي هو الشخص أويل، ولو كان أيضا من
الياء لقيل أبيل.
فأما قولهم رجل تدرأ1، وتدره للدافع عن قومه، فليس أحد الحرفين فيهما
بدلا من صاحبه، بل هما أصلان، يقال درأ ودره، قال كثير:
درهت على فراطها فدهمتهم ... بأخطار موت يلتهمن سجالها2
فهذا كقولك أقدمت واندفعت، وقال بعضهم في قول الشاعر3:
فقال فريق أاإذا نحوتهم ... وقال فريق لا يمن الله ما ندري4
قالوا: أراد أهذا، فقلب الهاء همزة، ثم فصل بين الهمزتين بالألف.
__________
1 تدرأ: يقال رجل تدرأ أي مدافع عن قومه. مادة "درأ". اللسان "2/
1347".
2 دره على القوم ودرأ: إذا هجم عليهم على حين غفلة. اللسان "2/ 1369".
والفراط: جمع فارط، وهو السابق إلى الماء بإبله ليوردها. اللسان "5/
3390".
وأخطار الموت: كناية عن الإبل القوية العطاش، تهجم على الحوض، فتحطم ما
يصادفها من حيوان وغيره.
والسجال: جمع سجل، وهو الدلو الضخمة المملوءة ماء. اللسان "3/ 1945".
والشاهد في قوله: "درهت" فقد جاء الفعل بالهاء وهي فيه أصل كالهمزة
تماما في "درأ".
3 قائل البيت هو نصيب أحد الشعراء الإسلاميين، اشتهر بحب امرأة تدعى
زينب وبها نسب، وأكثر من الغزل فيها.
4 الشاهد في قوله: "أاأذا" أراد "أهذا" فقلب الهاء همزة ثم فصل بين
الهمزتين بالألف كما ذكر المؤلف.
إعراب الشاهد: الهمزة: حرف استفهام.
هذا: اسم إشارة مبني في محل رفع مبتدأ.
(1/118)
وروينا عن قطرب1، عن أبي عبيدة أنهم
يقولون: أل فعلت؟ ومعناه: هل فعلت؟ فأما ما أنشده الأصمعي من قول
الراجز2:
أباب بحر ضاحك هزوق3
فليست الهمزة فيه بدلا من عين عباب4، وإن كان بمعناه، وإنما هو فعال من
أب: إذا تهيأ، قال الأعشى5:
أخ قد طوى كشحا وأب ليذهبا6
وذلك أن البحر يتهيأ لما يزخر7 به. فلهذا كانت الهمزة أصلا غير بدل من
العين، وإن قلت إنها بدل منها فهو وجه، وليس بالقوي.
__________
1 قطرب: أحد تلاميذ الخليل، امتاز بالنشاط فلقبه بقطرب.
2 لم نعثر على قائل البيت فيما بأيدينا من كتب اللغة.
3 هزوق: هزق في الضحك هزقا، وأهزق فلان في الضحك أكثر منه. اللسان "6/
4663".
4 العباب: كثير الماء والسيل، وارتفاع الموج واصطخابه. مادة "عب".
اللسان "4/ 2774".
5 الأعشى: سبق التعريف به.
6 طوى كشحا: يقال طوى كشحه إذا أضمر الشر لإنسان. مادة "كشح". اللسان
"5/ 3881".
أب: عزم على المسير، وتهيأ له، يقال: أبيت أؤب أبا، من باب نصر.
والشاهد في قوله: "أب" فالهمزة فيه أصلية كما يرى المؤلف.
هذا رأي ابن جني في أن الهمزة أصل، مع أن إبدال الهمزة من العين كثير،
مثل: السأف من السعف، ومثل ما رواه الفراء لبعض بني نبهان من طيئ: دأني
في دعني، وثؤاله في ثعالة، ومثل ما روى من قول أهل مكة: يا أبد الله في
يا عبد الله، ويقول البغدادي في شرح شواهد شرح الشافية "ص435": ولو
استحضر ابن جني عدة الكلمات لم يقل ما قاله، ولا ذهب ابن الحاجب إلى ما
ذهب، ولعل الذي حدا بابن جني إلى ما قاله، هو أنه وجد أصلا آخر للأبواب
يمكن التخريج عليه، كما ذكر هو.
7 يزهر: يمتلأ. مادة "زخر". اللسان "3/ 1820".
(1/119)
زيادة ال همزة 1:
اعلم أن موضع زيادة الهمزة أن تقع
في أول بنات الثلاثة، فمتى رأيت ثلاثة أحرف أصولا، وفي أولها همزة،
فاقض بزيادة الهمزة، عرفت الاشتقاق في تلك اللفظة أو جهلته، حتى تقوم
الدلالة على كون الهمزة أصلا، وذلك نحو أحمر، وأصفر، وأخضر، وإجفيل2،
وإخريط3، وأترجة4، وأزملة5.
فإن حصلت معك أربعة أحرف أصول والهمزة في أولها، فاقض بأن الهمزة أصل،
واجعل اللفظة بها من بنات الخمسة، وذلك نحو: إصطبل6 وإبريسم7 وإبراهيم
وإسماعيل.
فإن رأيت الهمزة وسطا أو آخرا فاقض بأنها أصل، حتى تقوم الدلالة على
كونها زائدة، فالأصل نحو قولك بلأز الرجل8، وبرائل9 الديك، والسأسم10
واطمأن، وازبأر11، وتكرفأ السحاب 12، فالهمزة في هذا ونحوه أصل أبدا،
وما زيدت فيه الهمزة غير أول أحرف محفوظة، وهي شمأل13، وشأمل، ووزنهما
__________
1 هذا عنوان وضعه المؤلف، ولم تجر عادته بتجزئة عناوين الباب إلا
قليلا.
2 يقال: رجل إجفيل: إذا كان نفورا جبانا. مادة "ج ف ل". اللسان "1/
643".
3 الإخريط: نبات من الحمض يخرط الإبل، وقيل هو كراث المائدة. اللسان
"2/ 1136".
4 الأترجة: واحدة الأترج، وهو ضرب من الفاكهة، ويعرف بالترنج. اللسان
"1/ 425".
5 الأزملة: رنين القوس. اللسان "3/ 1863". مادة "زمل".
6 إصطبل: إسطبل "بالسين" حظيرة الخيل. القاموس المحيط "3/ 318".
7 إبريسم: الحرير. القاموس المحيط "4/ 78".
8 بلأز: يقال بلأز الرجل إذا فر. القاموس المحيط "4/ 165".
9 البرائل: ما اشتد من ريش الطائر حول عنقه، وبرأل الطائر: إذا نفش هذا
الريش عند القتال.
10 السأسم: شجرة يقال لها الشييز. قال أبو حاتم: هو الساسم غير مهموز.
11 ازبأر الرجل: اقشعر. اللسان "3/ 1806". مادة "زبر".
12 تكرفأ السحاب: تراكم. اللسان "5/ 3859" مادة "كرفأ".
13 شمأل: يقال شمألت الريح: إذا هبت من الشمال. مادة "شمل". اللسان "4/
2330".
(1/121)
فعأل وفأعل، لقولهم شمل الريح، بلا همز،
وقدائم، أي قديم، وجرائض1، لقولهم جرواض، وامرأة ضهيأة2، وزنها فعلأة،
لقولهم في معناها ضهياء.
وأجاز أبو إسحاق في هذه الهمزة أن تكون همزة أصلا، وتكون الياء هي
الزائدة، على أن تكون الكلمة فعلية، وذهب في ذلك مذهبا من الاشتقاق
حسنا، لولا شيء اعترضه، وذلك أنه قال: يقال ضاهيت زيدا، وضاهأت زيدا،
بالياء والهمزة.
قال: والضهيأة: قيل إنها التي لا تحيض، وقيل، إنها التي لا ثدي لها.
قال: وفي هذين معنى المضاهاة3، لأنها قد ضاهت الرجال بأنها لا تحيض،
كما ضاهتهم بأنها لا ثدي لها.
قال: فيكون ضهيأة فعلية من ضاهأت بالهمز.
وهذا الذي ذهب إليه من الاشتقاق معنى حسن، وليس يعترض قوله شيء إلا أنه
ليس في الكلام فعيل، بفتح الفاء، إنما هو فعيل بكسرها، نحو حذيم 4
وطريم5 وغرين6، ولم يأت الفتح في هذا الفن7 ثبتا، إنما حكاه قوم شاذا.
وذهب أبو إسحاق أيضا إلى أن غرقئ8 البيض همزته زائدة، ولم أره علل ذلك
باشتقاق ولا غيره.
وحكى أحمد بن يحيى قال: الضهيأ9: الأرض التي لا تنبت، والضهياء: التي
لا ثدي لها.
__________
1 جرائض: يقال: جمل جرائض وجرواض: أكول، وقيل عظيم. اللسان "1/ 600".
2 يقال: امرأة ضهيأة وضهياء: لا يظهر لها ثدي، أو التي لا تحيض. اللسان
"4/ 2617".
3 المضاهاة: المشابهة. مادة "ضهى". اللسان "4/ 2617".
4 الحذيم: الحاذق. مادة "حذم". اللسان "2/ 813".
5 الطريم: العسل والسحاب الكثيف. مادة "طرم". اللسان "4/ 2667".
6 الغرين: الطين يحمله السيل، فيبقى على وجه الأرض، رطبا أو يابسا.
اللسان "5/ 3248".
7 الفن: الضرب من الكلمات يكون على هذا الوزن.
8 الغرقئ: القشرة الرقيقة الملتزقة ببياض البيض. مادة "غرقأ". اللسان
"5/ 3246".
9 قال ابن منظور: الضهيأ مقصود الأرض التي لا تنبت. اللسان "4/ 2618".
(1/122)
ورأيت مبرمان1 أيضا قد تابعه على ذلك، وإذا
استمر هذا على أبي إسحاق2 مع فحصه واستنباطه، كان على مبرمان -لأنه
لعله لم يستنبط حرفا- أجوز وأحرى.
ولست أرى للقضاء بزيادة هذه الهمزة وجها من طرق القياس، وذلك أنها ليست
بأول، فيقضى بزيادتها، ولا تجد فيها معنى غرق، اللهم إلا أن تقول: إن
الغرقئ يشتمل على جميع ما تحته من البيض ويغترفه.
وهذا عندي فيه بعد، ولو جاز اعتقاد مثله على ضعفه، لجاز لك أن تعتقد في
همزة كرفئة3 أنها زائدة، وتذهب إلى أنها من معنى كرف الحمار إذا رفع
رأسه لشم البول، لأن السحاب أبدا، كما تراه، مرتفع، وهذا مذهب ضعيف،
على أن أبا زيد قد حكى عنهم: غرقات4 البيضة. وهذا قاطع.
وقرأت بخط أبي العباس محمد بن يزيد رحمه الله قال: يقال امرأة ضهياء:
إذا لم يكن لها ثديان، مثل الجداء5 والضهواء: للتي لا تحيض ولا ثدي
لها.
وقد زيدت الهمزة أيضا في حطائط6، لأنه الشيء الصغير المحطوط.
أنشد قطرب فيما رويناه عنه7:
إن حري حطائط بطائط ... كأثر الضبي بجنب الغائط8
__________
1 مبرمان: هو محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر العسكري، أخذ عن المبرد،
وأكثر بعده عن الزجاج، وأخذ عنه أبو علي الفارسي والسيرافي، توفي سنة
345هـ.
2 أبو إسحاق الزجاج: هو إبراهيم بن السري، من أئمة نحاة البصرة، أخذ عن
ثعلب ثم عن المبرد ولزمه. مات 311هـ.
3 كرفئة: واحدة الكرفئ وهو سحاب متراكم. اللسان "5/ 3859". مادة
"كرفأ".
4 غرقأت الدجاجة: باضت بيضة عليها الغرقئ، وقد سبق توضيحه. اللسان "5/
3246".
5 الجداء: الغناء والنفع. مادة "جدى". اللسان"1/ 527".
6 يقال رجل حطائط: إذا كان قصيرا. اللسان "2/ 914". مادة "حطط".
7 البيت أنشده قطرب لأعرابية. ذكر ذلك صاحب اللسان في شرح مادة "حطط".
8 الحطائط: الصغير. والحري: الفرج.
والبطائط: المشقوق. والظبي: الغزال
الشرح: تقول الشاعرة: إن فرجي قصير مشقوق كأثر الظبي بجوار الغائط.
الشاهد في قوله: "بطائط" فقد أتبعها لـ"حطائط" فزادت الهمزة.
وهذا البيت أنشده ابن جني في الإقواء ولو سكن فقال: بطائط وتنكب
الإقواء، لكان أحسن.
إعراب الشاهد:
بطائط: خبر ثان لإن مرفوع وعلامة الرفع الضمة.
(1/123)
وقال: بطائط: إتباع.
وقالو: احبنطأت، فالهمزة زائدة.
وزادوها أيضا في النئدلان، وهو النيدلان، حدثني بذلك أبو علي،
والنيدلان: هو الكابوس.
وأنشدوا:
تفرجة القلب قليل النيل ... يلقى عليه النيدلان بالليل1
وقالوا أيضا: الرئبال، بالهمز، وإنما هو الريبال، بغير همز.
فأما قولهم بأز، وتأبلت القدر، وتأ بل، والعألم، والخأتم، فلم تبتدأ
فيه الهمزة زائدة، وإنما أبدلت الألفات فيهن همزة بعد أن ثبتن زوائد.
وكذلك قولهم: قوقأت2 الدجاجة.
وقد يجوز على هذا أن تكون همزة رئبال بدلا من ياء ريبال، وعلى كل حال
فهذه الهمزات زوائد، لأنها بدل من حروف زوائد.
فهذه جملة زيادة الهمزة غير أول، وهو غريب. منه ما هو في أيدي أكثر
الناس، ومنه ما أخرجه لي البحث عنه، وطول المطالبة له.
__________
1 جاء في اللسان أن هذا الرجز من إنشاد "ثعلب". اللسان "6/ 4385".
التفرجة: الضعيف الجبان ورويت النفرجة وهي هي. اللسان "5/ 3371". مادة
"فرج".
النيدلان: الكابوس. اللسان "6/ 4385". مادة "ندي".
الشرح: يقول جبان القلب لا يحصل على شيء فنهاره محروم وليله في كوابيس
مرعبة.
والشاهد: فيه تجيء "النيدلان" بدون همز بمعنى الكابوس وذلك على الأصل.
إعراب الشاهد: النيدلان: نائب فاعل مرفوع.
2 قوقأت: وقاقت: إذا صوتت الدجاجة. اللسان "5/ 3777". مادة "قوق".
(1/124)
وأما همزة الوصل فموضع زيادتها الفعل، وقد
زيدت في أسماء معلومة، وحرف واحد.
فأما الفعل فيقع منه في موضعين، أحدهما الماضي إذا تجاوزت عدته أربعة
أحرف وأولها الهمزة، فهي همزة وصل، وذلك نحو اقتدر، وانطلق، واستخرج،
واحمر واصفار.
والموضع الآخر: مثال الأمر من كل فعل انفتح فيه حرف المضارعة1، وسكن ما
بعده وذلك نحو: يضرب ويقتل وينطلق ويقتدر. فإذا أمرت قلت: اضرب، انطلق،
اقتدر.
فإن قلت: فقد نراهم يقولون: يأخذ ويأكل ويأمر، فيفتح حرف المضارعة،
ويسكن ما بعده، وإذا أمروا قالوا: خذ وكل ومر، بلا همزة وصل.
فالقول في هذا: أن أصله "أوخذ" و"أوكل" و"أومر"، فلما اجتمعت همزتان،
وكثر استعمال الكلمة، حذفت الهمزة الأصلية، فزال الساكن، فاستغني عن
الهمزة الزائدة، وقد أخرجن عن الأصل: "أوخذ"، و"أوكل"، و"أومر".
واعلم أن هذه الهمزة إنما جيء بها توصلا إلى النطق بالساكن بعدها، لما
لم يمكن الابتداء به، وكان حكمها أن تكون ساكنة، لأنها حرف جاء لمعنى،
ولا حظ له في الإعراب، وهي في أول الحرف كالهاء التي لبيان الحركة نحو
الألف في آخر الحرف، في وازيداه وواعمراه وواأمير المؤمنيناه، فكما أن
تلك ساكنة فكذلك كان ينبغي في الألف2 أن تكون ساكنة.
وكذلك أيضا نون التثنية، ونون الجمع، والتنوين هؤلاء كلهن سواكن، فلما
اجتمع ساكنان، هي والحرف الساكن بعدها كسرت لالتقائهما، فقلت: اضرب،
اذهب، ولم يجز أن يتحرك ما بعدها لأجلها، من قبل أنك لو فعلت ذلك لبقيت
هي أيضا في أول الكلمة ساكنة، فكان يحتاج لسكونها إلى حرف قبلها محرك،
يقع الابتداء به، فلذلك حركت هي دون ما بعدها.
__________
1 حروف المضارعة أربعة تجمعها كلمة "أنيت".
2 المراد بالألف هنا هو همزة الوصل.
(1/125)
فإن قال قائل: ولم اختيرت الهمزة ليقع
الابتداء بها، دون غيرها من سائر الحروف، نحو الجيم والطاء وغيرهما.
فالجواب أنهم إنما أرادوا حرفا يتبلغ به في الابتداء، ويحذف في الوصل،
للاستغناء عنه بما قبله، فلما اعتزموا على حرف يمكن حذفه واطراحه1 مع
الغنى عنه، جعلوه الهمزة، لأن العادة فيها في أكثر الأحوال حذفها
للتخفيف، وهي مع ذلك أصل، فكيف بها إذا كانت زائدة، ألا تراهم حذفوها
أصلا في نحو: خذ وكل ومر وويلمه2 وناس3 والله4 في أحد قولي سيبويه.
وقالوا: ذن لا أفعلن، فحذفوا همزة إذن.
وقال الآخر5:
وكان حاملكم منا وافدكم ... وحامل المين بعد المين والألف6
أراد المئين، فحذف الهمزة، وأراد الألف، فحرك اللام ضرورة، وقالوا: جا
يجي، وسا يسو، بلا همز، وله نظائر ولو، أنهم زادوا في مكانها غيرها،
لما أمكن حذفه، لأنه لم يحذف غيرها من الحروف كما حذفت هي، فكانت
الهمزة بالزيادة في الابتداء أحرى من سار الحروف.
__________
1 اطراحه: يقصد حذفه. اللسان "4/ 2651". مادة "طرح".
2 ويلمه: أصلها: ويل أمه، فأسقطت الهمزة، وجعلت الكلمتان كأنها كلمة
واحدة، وسيرد ذلك في المتن بعد ذلك.
3 ناس أصلها: أناس.
4 أصل "الله" عنده: الإله.
5 لم نعثر على قائل البيت.
6 وقد بين المؤلف المراد بالمين والألف، فالمين أريد بها المئين، بحذف
الهمزة، وأراد بالألف، بوزن سبب، الألف، فحرك اللام ضرورة، ولكن صاحب
اللسان قال: أراد الآلاف، فحذف للضرورة.
وبين القولين فرق: فإنه في نظر المؤلف مفرد، والضرورة دعت إلى تحريك
اللام، وفي كلام صاحب اللسان هو جمع، والضرورة دعت إلى حذف الألفين،
الألف التي بعد الهمزة، والألف التي بعد اللام.
(1/126)
وإن شئت فقل: إنما زادوا الهمزة هنا لكثرة
زيادة الهمزة أولا، نحو: أفكل1 وأيدع2 وأبلم3 وإصبع وأترجة4 وإزفنة5،
ولم يكثر زيادة غير الهمزة ولا كزيادتها هي أولا، فلما احتاجوا إلى
زيادة حرف في أول الكلمة، وشرطوا على أنفسهم حذفه عند الغنى عنه، وذلك
في أكثر أحواله، لأن الوصل أكثر من الابتداء والقطع، لم يجدوا حرفا
يطرد6 فيه الحذف اطراده في الهمزة، فأتوا بها دون غيرها من سائر حروف
المعجم7، ولا سيما، وهي كما قدمنا أكثر الحروف زيادة في أوائل الكلم،
فلذلك زادوا همزة الوصل دون غيرها مما عداها، فاعرفه.
وأما زيادتها في الأسماء فعلى ضربين:
أحدهما: أسماء هي مصادر، والآخر: أسماء غير مصادر.
فأما المصادر فكل مصدر كانت في أول فعله الماضي همزة وصل ووقعت في أوله
هو أيضا همزة، فهي همزة وصل، وذلك نحو: اقتدر اقتدارا، واشتغل اشتغالا،
واستخرج استخراجا، فهذه: المصادر، ومنها اطير اطير، واثاقل اثاقلا،
واداركوا8 فيها اداركا.
وأما الأسماء التي فيها همزة وصل، فهي عشرة أسماء معدودة، وهي: ابن،
وابنة، وامرؤ، وامرأة، واثنان، واثنتان، واسم، واست9، وابنم، بمعنى
ابن، وايمن في القسم.
__________
1 الأفكل: الرعدة، يقال: أخذه أفكل: ابرتعد من برد أو خوف، اللسان "5/
3452".
2 أيدع: الأيدع: دم الأخوين، وهو عصارة صمغية بحمرة الدم، تستعمل في
صناعة ورنيش ثمين، وكانت تستعمل في الطب وهي تستخرج من جذع شجرة تسمى
بهذا الاسم من الفصيلة الزنبقية. مادة "يدع". اللسان "6/ 4950".
3 الأبلم: بقلة لها قرون كالباقلاء. اللسان "1/ 352". مادة "بلم".
4 الأترجة: واحدة الأترج وهو ثمر حلو الطعم. اللسان "1/ 425". مادة
"ترج".
5 الإزفنة: الحركة يقال رجل فيه إزفنة، وقد تقع صفة فيقال رجل إزفنة.
اللسان "3/ 843".
6 يطرد: يتتابع ويتسلسل. اللسان "4/ 2652" مادة "طرد".
7 المعجم: كتاب يشرح ألفاظ اللغة.
8 اداركوا: تلاحقوا. مادة "درك". اللسان "2/ 1363".
9 است: الاست: الدبر.
(1/127)
قال1:
فقال فريق القوم لما نشدتهم ... نعم وفريق لايمن الله ما ندري2
وقال الآخر3:
وهل لي أم غيرها تعرفونها ... أبى الله إلا أن كون لها ابنما4
أي ابنا.
وأما الحرف الذي زيدت فيه همزة الوصل، فلام التعريف، وذلك نحو الغلام
والجارية، والقائم والقاعد، وإنما جيء بها أيضا لسكون لام التعريف،
وسنذكر العلة التي سكنت لها هذه اللام في حرف اللام، بإذن الله.
واعلم أن هذه الهمزة أبدا في الأسماء والأفعال المكسورة، إلا أنها قد
ضمت من الأفعال في كل موضع كان ثالثها مضموما ضما لازما، وذلك نحو
اقتل، اخرج، انطلق بمزيد، استخرج المال.
وحكى قطرب على طريق الشذوذ: اقتل، جاء على الأصل، وإنما ضموا الهمزة في
هذه المواضع كراهية الخروج من كسر إلى ضم، بناء لازما، ولم يعتدوا
الساكن بينهما حاجزا، له غير حصين.
فإن قلت: فما بالهم قالوا للمرأة اغزي اغدي5 فضموا الهمزة والثالث
مكسور
__________
1 قائل هذا البيت هو نصيب، وقد سبق تعريفه.
2 ينشد: يسأل، يقال: نشدته الضالة، إن سألتهم عنها.
الشرح: يصف نصيب تعرضه لزيارة من يحب، وتظاهر بأنه ينشد جماعة من الإبل
ضلت له، مخافة أن ينكر عليه مجيئه وإلمامه.
والشاهد في قوله: "لايمن الله" فجاءت كلمة "أيمن" بألف وصل.
3 هذا البيت من قصيدة للمتلمس يفخر بأمه.
4 أبى: رفض. ابنما: أي ابنا.
الشرح يقول: ليس لي أم سواها، فالله قد كتب أن أكون ابنا لها.
الشاهد: في قوله "ابنما" فجاءت كلمة ابنما بمعنى ابن.
إعراب الشاهد: ابنما: خبر أكون منصوب.
5 اغدي: من الغدو، وهو الذهاب في الصباح الباكر ما بين الفجر وطلوع
الشمس. مادة "غدو".
(1/128)
فالجواب: أنه إنما ضم هذا، لأجل أن الأصل
اغزوي واغدوي، ثم اعتلت الواو، فحذفت، ووليت الياء الزاي والدال،
فانكسرتا من أجلها، فإنما الضمة في الهمزة مراعاة للأصل، كما تقول في
الصحيح: اقتلي، ادخلي، اخرجي.
فإن قلت: فلم كسرت الهمزة في نحو: ارموا اقضوا، اشروا1، والثالث مضموم.
فالجواب هنا كالذي قبله، وذلك أن أصل هذا: ارميوا، اقضيوا، ثم حذفت
الياء وانضم ما قبلها، فبقيت الهمزة هنا مكسورة، كما بقيت فيما قبل
مضمومة.
فأما لام التعريف فالهمزة معها مفتوحة، وذلك لأن اللام حرف، فجعلوا
حركة الهمزة معها فتحة، لتخالف حركتها في الأسماء والأفعال.
فأما ايمن في القسم، ففتحت الهمزة فيها، وهي اسم، من قبل أن هذا اسم
غير متمكن، ولا يستعمل إلا في القسم وحده، فلما ضارع الحرف بقلة تمكنه
فتح تشبيها بالهمزة اللاحقة لحرف التعريف، وليس هذا فيه إلا دون بناء
الاسم، لمضارعته الحرف، وأيضا فقد حكى يونس: ايم الله بالكسر، فقد جاء
فيه الكسر أيضا كما ترى.
ويؤكد عندك أيضا حال هذا الاسم في مضارعته الحرف، أنهم قد تلاعبوا به
وأضعفوه، فقالوا مرة ايمن الله، ومرة ايم الله، ومرة ايم الله، ومرة م
الله، ومرة م الله2، وقالوا: من ربي، ومن ربي، فلما حذفوا هذا الحذف
المفرط، وأصاروه من كونه على حرف واحد إلى لفظ الحروف، قوي شبه الحرف
عليه، ففتحوا همزته، تشبيها بهمزة لام التعريف.
فأما العلة التي لها سكنت أوائل الأسماء والأفعال، حتى احتيج لذلك إلى
همزة الوصل، فقد ذكرتها في كتابي في شرح تصريف أبي عثمان رحمه الله.
وقد زيدت الهمزة في الخطاب نحو قولك للرجل هاء، وللمرأة هاء, سيأتيك
هذا في باب الكاف مفصلا إن شاء الله.
__________
1 اشروا: من شرو، أي باع. مادة "شرو". اللسان "4/ 2252".
2 زاد اللسان فيما نقله عن المؤلف: "م الله" بفتح الميم.
(1/129)
وزيدت أيضا للاستفهام نحو: أزيد عندك؟ وفي
التسوية، نحو: ما أبالي أقام أم قعد. وفي النداء، نحو أزيد أقبل، إلا
أنها ليست مصوغة1 مع الكلمة، إنما هي حرف جاء لمعنى.
وقد حذفت الهمزة فاء نحو: ويلمه2، وناس، والله، في أحد قولي سيبويه،
ولاما في جا يجي، وسا يسو، وحذفت عينا في أريت وتصرفه.
فقد أتينا على أحكام الهمزة:
أصلها، وبدلها، وزائدها، وقطعها، ووصلها، وحذفها.
فأما أحكام الهمزة من التحقيق3 والتخفيف4 والبدل5، فإن لهذا بابا يطول،
وليست بهذا الكتاب حاجة إليه، فلذلك تركناه، واعتمدنا فيه على ما كنا
قديما أمللناه6.
__________
1 مصوغة: مشتقة، من صاغ الكلمة: إذا اشتقها.
2 ويلمه: أصلها "ويل أمه" وحذفت الهمزة وأدغمت الكلمتان.
3 التحقيق: أي النطق بالهمز.
4 التخفيف: أي تسهيل الهمزة.
5 بمراجعة كلام المؤلف في باب الهمزة، وجدنا أنه لم يرد استقصاء مواضع
هذا الإبدال في الهمزة، اكتفاء بما ذكر من ذلك.
6 أمللنا: لغة في أمليناه، وفي القرآن: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ
الْحَق} .
(1/130)
|