سر صناعة الإعراب

باب التاء:
الحديث عن التاء:
التاء حرف مهموس1، يستعمل في الكلام على ثلاثة أضرب:
أصلا، وبدلا، وزائدا.
فإذا كان أصلا وقعت فاء وعينا ولاما، فالفاء نحو: تمر وتنأ2. والعين نحو: فتر3 وقتل، واللام نحو: فخت4 ونحت.
وإما إبدالها فقد أبدلت من ستة أحرف، هن: الواو والياء، والسين، والصاد، والطاء، والدال.
قد أبدلت التاء من الواو فاء إبدالا صالحا5، وذلك نحو: تجاه، وهو فعال من الوجه، وتراث: فعال من ورث، وتقية: فعيلة من وقيت، ومثله التقوى، وهو فعلى منه، وكذلك تقاة: فعلة منها. وتوراة عندنا فوعلة6 من وري الزند7، وأصلها وورية، فأبدلت الواو الأولى تاء: وذلك أنهم لو لم يبدلوها تاء، لوجب أن يبدلوها همزة، لاجتماع الواوين في أول الكلمة، ومثلها: تولج، وهو فوعل من ولج8 يلج، كذا هو القياس في هذين الحرفين، وأصله على قولنا: وولج، وتوراة. وتولج عند البغدادين9 تفعل، وحملهما على فوعل أوجه، لكثرة فوعل.
__________
1 المهموس: غير المجهور هو ما يضعف الاعتماد على مخرجه وقت النطق به وعلامته أن يبقي النفس جاريا عند النطق به.
والحروف المهموسة عشرة يجمعها قولك "حثه شخص فسكت".
2 تنأ: بالمكان: أقام به. القاموس المحيط "1/ 9". مادة "تنأ".
3 فتر: ما بين طرف الإبهام وطرف السبابة. القاموس المحيط "2/ 105". مادة "فتر".
4 الفخت ضوء القمر. القاموس المحيط "1/ 153".
5 إبدالا صالحا: أي صحيحا يسير على قواعد القياس.
6 ومن الخطأ وزن الكلمة لأنها عبرية.
7 الزند: العود الأعلى الذي تقدح به النار والأسفل الزندة. مادة "زند". القاموس "1/ 295".
8 ولج: دخل. مادة "ولج". القاموس المحيط "1/ 210".
9 البغداديين: أصحاب مدرسة بغداد في النحو من النحاة.

(1/155)


في الكلام، وقلة تفعل، ومن ذلك تخمة، وأصلها وخمة1، لأنها فعلة من الوخامة، وتكأة، لأنها فعلة من توكأت، وتكلان: فعلان من توكلت، وتيقور: فيعول من الوقار.
ومن أبيات الكتاب.
فإن يكن أمسى البلى تيقوري2
أي أمسى وقاري للبلى، ومن أجل البلى، أصله: ويقور. وقالوا: رجل تكلة، أي وكلة، وهو فعلة من وكل يكل، وقالوا: أتلجه، أي أولجه، وضربه حتى أتكأه، أي أوكأه، وعلى هذا أبدلوا التاء من الواو في القسم، وخصوا بها اسم الله تعالى، لأنها فرع فرع، فخص بها الأشهر، وقد مضى ذلك في آل وأهل. وقالوا: التليد3 والتلاد من ولد، وتترى4: فعلى من المواترة، وأصلها وترى، ومن العرب من ينونها، يجعل ألفها للإلحاق، بمنزلة ألف أرطى5 ومغزى، ومنهم من لا يصرفه، يجعل ألفها للتأنيث، بمنزلة ألف سكرى وغضبى.
__________
1 وخمة: من وخم الطعام إذا ثقل فلم يستمرأ. القاموس المحيط "4/ 182". مادة "وخم".
2 البيت من أرجوزة للعجاج ذكرها صاحب أشعار العرب "2/ 26-31" أولها:
جاري لا يستنكر عذيري
وقد أنشد سيبويه في الكتاب "2/ 356" وقال: وقد دخلت "التاء" على المفتوحة "أي الواو المفتوحة"، كما دخلت الهمزة عليها "يريد أبدلت منها"، وذلك قولهم: تيقور.
وزعم الخليل أنها من الوقار، كأنه حيث قال العجاج:
فإن يكن أمسي البلى تيقوري
أراد: فإن يكن أمسي اببلي وقاري، وهو فيعول.
وقال الأعلم في شرح الشاهد: وهو فيعول من الوقار، وأصله: ويقور، فأبدلت التاء من الواو استثقالا لها، وكراهية للابتداء بها، لأنها من أثقل الحروف، ولا يطرد بدلها في هذه الحال، وصف كبره وضعفه عن التصرف فجعل ذلك كالوقار، وإن لم يقصده، والبلى: تقادم العهد.
3 القاموس المحيط "1/ 277".
4 تترى: متواترة متتابعة.
5 أرطى: واحدها الأرطأة، وهو شجر من شجر الدمل. مادة "رطا". اللسان "3/ 1666".

(1/156)


وهذه الألفاظ التي جمعتها وإن كانت كثيرة، فإنه لا يجوز القياس عليها، لقلتها بالإضافة إلى ما لم تقلب واوه تاء، فلا تقول قياسا على تقية في وقية: تزير في وزير، ولا تقول في وجيهة تجيهة، ولا في أوعد أتعد، قياسا على أتلج، ولا في ولهى1 تلهى، قياسا على تترى.
فأما ما تقيس عليه لكثرته فافتعل وما تصرف منه، إذا كانت فاؤه واوا، فإن واوه تقلب تاء، وتدغم في تاء افتعل التي بعدها، وذلك نحو: اتزن، أصله: اوتزن، فقلبت الواو تاء، وأدغمت في تاء افتعل، فصار اتزن، ومثله اتعد واتلج واتصف من الوصف.
قال الأعشى2:
فإن تتعدني أتعدك بمثلها ... وسوف أزيد الباقيات القوارصا3
وقال طرفة4:
فإن القوافي يتلجن موالجا ... تضايق عنها أن تولجها الإبر5
__________
1 ولهى: الوالهة وهي من اشتد حزنها حتى ذهب عقلها أو من حنت إلى طفلها.
2 الأعشى: هو أبو بصير ميمون الأعشى بن قيس بن جندل من أصحاب المعلقات.
3 تتعدني: تتوعدني وتتهددني. القاموس المحيط "1/ 343".
القوارص: واحدها: القارصة وهي الكلمة التي تنغص وتؤلم. القاموس المحيط "2/ 310".
الشرح: يقول الشاعر: إن هددتني هددتك وأزيد على ذلك هجائي لك.
والشاهد: "تتعدني" فقد أبدلت الواو تاء.
إعراب الشاهد: تتعدني: فعل مضارع مجزوم بـ"إن" وعلامة الجزم السكون، والنون: للوقاية، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت، والياء: ضمير مبني في محل نصب مفعول به.
4 طرفه: هو عمرو بن العبد البكري: أقصر فحول الشعراء عمرا، ومال إلى الشعر والوقوع به في أعراض الناس، حتى هجا عمرو بن هند ملك العرب على الحيرة فتخلص منه عمرو بن هند وقتل طرفة عن عمر يناهز 26 عاما.
5 يتلجن: يدخلن. موالجا: مداخلا.
يقول: إن القوافي والأشعار تتلمس اللطيف من المعاني والغائر حتى لو كانت تلك المعاني طرفا ومداخلا لما دخلتها الإبر من لطفها وضيقها.
الشاهد: "يتلجن" حيث أبدلت الواو تاء.

(1/157)


وقال سحيم1:
وما دمية من دمى ميسنا ... ن معجبة نظرا واتصافا2
أراد ميسان، فزاد نونا.
والعلة في قلب هذه الواو في هذا الموضع تاء، أنهم لو لم يقلبوها تاء، لوجب أن يقلبوها إذا انكسر ما قبلها ياء، فيقولوا: ايزن، ايتعد، ايتلج، فإذا انضم ما قبلها ردت إلى الواو فقالوا: موتعد، وموتزن، وموتلج، وإذا انفتح ما قبلها قلبت ألفا، فقالوا: ياتعد، وياتزن، وياتلج، فلما كانوا لو لم يقلبوها تاء صائرين من قلبها مرة ياء، ومرة ألفا، ومرة واوا، إلى ما أريناه، أرادوا أن يقلبوها حرفا جلدا3، تتغير أحوال ما قبلها وهو باق بحاله، وكانت التاء قريبة المخرج من الواو، لأنها من أصول الثنايا4، والواو من الشفة، فأبدلوها تاء، وأدغموها في لفظ ما بعدها، وهو التاء، فقالوا: اتعد واتزن5، وقد فعلوا هذا أيضا في الياء، وأجروها.
__________
1 سحيم: عبد بني الحسحاس، وهو حلو الشعر رقيق الحواشي، وكان عبدا أسود، أعجمي ذو لكنة. روي نه أنشد أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه-:
عميرة ودع إن تجهزت غاديا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
قال له: لو قلت شعرك مثل هذا لعطيتك عليه.
2 ميسنان: هي ميسان اسم كورة واسعة كثيرة القرى تقع بين البصرة وواسط وزاد فيها سحيم نونا للضرورة.
والشاهد في قوله "اتصافا" فقد قلبت الواو تاء.
إعراب الشاهد: اتصافا: معطوف منصوب بالتبعية وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
3 حرفا جلدا: أي يحتمل الحركة.
4 الثنايا: أربعة أسنان في مقدمة الفم، اثنتان في الفك الأعلى واثنتان في الفك الأسفل، والواحدة "ثنية". مادة "ثنى". اللسان "1/ 516"
5 في هامش أحد النسخ الخطية، ولعله من كلام ابن هشام: "قال بعضهم التحقيق في "اتعد" أن الواو قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، كما في ميزان: ثم قلبت الياء تاء كما في اتسر، ثم أدغم، قلت: وعلى هذا يتجه أن يقال: فهلا اختص ببعض ما يتصرف فيه ذو الواو، كما في استنوا.

(1/158)


مجرى الواو، فقالوا في افتعل من اليبس واليسر: اتبس واتسر، وذلك لأنههم كرهوا انقلابها واوا متى انضم ما قبلها في نحو موتبس، وألفا في ياتبس، فأجروها مجرى الواو قالوا: اتبس واتسر، ومن العرب من لا يبدلهما تاء. ويجري عليهما من القلب ما تنكبه1 الآخرون، فيقول: ايتعد، وايتزن، وايتبس، ويوتعد، وياتعد، ويوتزن، وياتزن، وياتبس، وموتعد، وموتبس.
وسمع الكسائي2: الطريق ياتسق وياتسع، أي يتسق ويتسع. واللغة الأولى أكثر وأقيس، وهي لغة أهل الحجاز، وبها نزل القرآن.
فهذا إبدال التاء من الواو والياء فاءين.
وقد أبدلت منهما لامين. قالوا: أخت، وبنت، وهنت، وكلتا، أصل هذا كله أخوة، وبنوة، وهنوة، وكلوا، فنقلوا أخوة وبنوة ووزنوهما فعل، إلى فعل وفعل، وألحقوهما بالتاء المبدلة من لامها، بوزن قفل وحلس3، فقالوا: أخت وبنت، وليست التاء فيهما بعلامة تأنيث، كما يظن من لا خبرة له بهذا الشأن، لسكون ما قبلها.
__________
= ويجاب عنه بما أجيب عن دولج وهنية، فإن "اوتعد" لم تستعمل البتة، وأبو الفتح جعل الواو قلبت تاء، من أول الأمر، لما ذكر من خوف تنقلها، لكن في كلامه نظر، فإنه إذا انفتح ما قبلها في نحو يوتعد، فإنه لا وجه لقلبها ألفا. فقوله: إن ذلك يقتضي قلبها ألفا، مشكل. وكذا في يبتسر، لا مقتضى لقلب الياء ألفا، ألا ترى أن الذي يكره نقل حرف العلة، قال: يوتعد ويوتزن.
فإن قلت: وقال أيضا: ياتعد وياتزن، كما حكى أبو الفتح الأمرين معا.
قلت: ذاك قلب خارج عن القياس، قصد به التخفيف، وهو في مقام بيان أن هذا البدل كان يلزم عدم الإبدال تاء وليس كذلك.
1 تنكبه: عدلوا عنه. مادة "نكب". اللسان "6/ 4534".
2 الكسائي: نحوي ولغوي عربي كوفي من أرباب الكوفيين، سمع عن العرب الفصحاء وروى عنهم.
3 الحلس: كل ما ولي ظهر الدابة والقتب والسرج، وما يبسط في البيت من حصير ونحوه تحت كريم المتاع، ويقال: هو حلس بيته أي لا يبرحه، وهو من أحلاس الخيل، ملازم لظهورها، وأم حلس: كنية الأتان، "ج" أحلاس وحلوس. مادة "حلس". اللسان "2/ 961".

(1/159)


هكذا مذهب سيبويه، وهو الصحيح، وقد نص عليه في باب ما لا ينصرف، فقال: لو سميت بهما رجلا لصرفتهما معرفة، ولو كانت للتأنيث لما انصرف الاسم.
على أن سيبويه قد تسمح في بعض ألفاظه في الكتاب، فقال: هما علامتا تأنيث1، وإنما ذلك تجوز منه في اللفظ، لأنه أرسله غفلا2، وقد قيده وعلله في باب مالا ينصرف3.
والأخذ بقوله المعلل أولى من الأخذ بقوله الغفل المرسل.
ووجه تجوزه أنه لما كانت التاء لا تبدل من الواو فيهما إلا مع المؤنث، صارتا كأنهما علامتا تأنيث.
فإن قيل: فما علامة التأنيث في أخت وبنت؟
فالجواب أن الصيغة فيهما علم تأنيثهما، وأعني بالصيغة فيهما بناءهما على فعل وفعل، وأصلهما فعل، وإبدال الواو فيهما لاما4، لأن هذا عمل اختص به المؤنث.
يدل أيضا على ذلك إقامتهم إياه مقام العلامة الصريحة، وتعاقبهما على الكلمة الواحدة وذلك نحو: ابنة وبنت، فالصيغة في بنت قامت مقام الهاء في ابنة، فكما أن الهاء علم تأنيث لا محالة، فكذلك صيغة بنت علم تأنيثها، وليس بنت من ابنة كصعبة من صعب، إنما نظير صعبة من صعب ابنة من ابن.
__________
1 قال سيبويه في باب النسب من الكتاب "2/ 82": "وأما بنت فإنك تقول: ينوي، من قبل أن هذه التاء التي للتأنيث لا تثبت في الإضافة، كما لا تثبت في الجمع بالتاء"، وهذا ما يشير إليه المؤلف.
2 أرسله غفلا: قاله سهوا دون نظر وتمحيص بل جاء في أثناء الكلام.
3 قال سيبويه في الكتاب "2/ 13": "وإن سميت رجلا ببنت أو أخت صرفته لأنك بنيت الاسم على هذه التاء، وألحقتها ببناء الثلاثة، كما ألحقوا سنبتة بالأربعة، ولو كانت كالهاء لما أسكنوا الحرف الذي قبلها، فإنما هذه التاء فيها كتاء عفريت، ولو كانت كألف التأنيث لم ينصرف في النكرة وليست كالهاء لما ذكرت لك، وإنما هذه زيادة في الاسم، بني عليها، وانصرف في المعرفة.
4 لاما: حال، وليست مفعول للمصدر "إبدال"، والمعنى أنهم أبدلوا واو أخت وبنت إذ أصلهما أخوة وبنوة تاء في حين أنها في موقع اللام في الوزن.

(1/160)


ويدل على أن أخا وابنا فعل، مفتوحة العين، جمعهم إياهما على أفعال، نحو: أبناء وآخاء، حكى سيبويه آخاء عن يونس1.
وأنشدنا أبو علي:
وجدتم بنيكم دوننا إذ نسبتم ... وأي بني الآخاء تنبو مناسبه2
ويدل على أن اللام منهما واو قولهم في الجمع: أخوات.
فأما البنوة وكذا الأخوة فلا دلالة فيها عندنا، لقولهم: الفتوة، وهي من قولهم فتيان، ولكن قولهم بنت وإبدال التاء من حرف العلة، ويدل على أنها من الواو، لأن إبدال التاء من الواو أضعاف إبدالها من الياء، وعلى الأكثر ينبغي أن يكون القياس3.
__________
1 قال سيبويه في الكتاب "2/ 101": "وكذلك أخ، تقول فيه: أخون، لا تغير البناء إلا أن تحدث العرب شيئا، كما بنوه على غير بناء الحرفين.
قال الشاعر:
فلما تبين أصواتنا ... بكين وفديننا بالأبينا
أنشدناه من نثق به، وزعم أنه جاهلي، وإن شئت كسرت فقلت: "آباء وآخاء".
وظاهر هذا النص أن سيبويه لم يعز الكلام إلى يونس كما حكى ابن جني عنه، ولعله قد عزاه في موضع آخر من الكتاب.
2 ذكر هذا البيت صاحب اللسان والتاج في "أ. خ. و" ولم ينسباه لقائل، وذكره ابن جني في الخصائص "1/ 208"، ونسبه إلى بشر بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي.
الآخاء: جمع أخ.
تنبو: لم تستوفي مكانه المناسب له. مادة "نبو".
الشرح: يفخر الشاعر على بعض قومه بأن أبناءهم لا يلحقون ببنيه في الشرف.
الشاهد في قوله "الآخاء" فهو دلالة على مجيء جمع "أخ" بهذه الصورة المذكورة.
إعراب الشاهد: الآخاء: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.
3 في هامش أحد النسخ الخطية ولعله بخط ابن هشام الأنصاري، كزيادة في الاستدلال على أن بنت وأخت أصل لامهما واو ما نصه.
"وأيضا فبنت فعلوا فيها من تحويل الصيغة، وإبدال اللام، ما فعلوا في أخت وهنت، فتلكن لامها واوا مثلهما، حملا للنظير على النظير. فإن قلت: فهلا حكمت بذلك في كيت وذيت بهذا الدليل؟ قلت: لظهور العارض الآتي ذكره.

(1/161)


وأما هنت فيدل على أن التاء فيها بدل من الواو، قولهم في الجمع: هنوات، قال1:
أرى ابن نزار قد جفاني ورابني ... على هنوات شأنها متتابع2
وأما كلتا فذهب سيبويه إلى أنها فعلى، بمنزلة الذكرى والحفرى3، وأصلها كلوا، فأبدلت الواو تاء، كما أبدلت في أخت وبنت.
والذي يدل على أن لام كلتا معتلة، قولهم في مذكرها: كلا، وكلا: فعل، ولامه معتلة، بمنزلة لام حجا ورضا، وهما من الواو، لقولهم: حجا يحجو4 والرضوان، ولذلك مثلها سيبويه بما اعتلت لامه منقلبة، فقال: هي بمنزلة شروى.
وأما أبو عمر الجرمي فذهب إلى أنها فعتل، وأن التاء فيها علم تأنيثها، وخالف سيبويه.
ويشهد بفساد هذا القول أن تاء التأنيث لا تكون علامة تأنيث الواحد إلا وقبلها فتحة نحو طلحة وحمزة، وقائمة وقاعدة، أو تكون قبلها ألف، نحو: سعلاة5 وعزهاة6، واللام في كلتا ساكنة كما ترى، فهذا وجه.
ووجه آخر أن علامة التأنيث لا تكون أبدا وسطا، إنما تكون آخرا لا محالة.
__________
1 البيت لم نعثر على قائله، وقد ذكره سيبويه في الكتاب "2/ 81" ولم ينسبه.
2 جفاني: هجرني. رابني: رأيت منه ما يريبني ويخوفني.
هنوات: جمع هنة وهي القليل من الأشياء أو الصغير الحقير.
الشرح: لقد رأيت ما يخيفني من ابن نزار على فترات متقاربة.
الشاهد: ورود كلمة "هنوات" فقد جاءت جمعا لـ"هنت".
3 الحفري: شجر ينبت في الرمل، لا يزال أخضر، وهو من نبات الربيع.
وقال أبو حنيفة: الحفري: ذات ورق وشوك صغير، لا تكون إلا في الأرض الغليظة ولها زهرة بيضاء، الواحدة حفراء. مادة "حفر". اللسان "2/ 925".
4 حجا: يحجو حجوا: ورد بعدة معان، منها ظن، وقام، وحفظ الشيء.
5 السعلاة: الغول، والجمع سعالي. مادة "س، ع، ل". القاموس المحيط "3/ 2018".
6 في القاموس: العزهاة: العازف عن اللهو والنساء، أو اللئيم، أو الذي لا يكتم بغض صاحبه والعزهاة أيضا: المرأة أسنت ونفسها تنازعها إلى الصبا. القاموس المحيط "4/ 283".

(1/162)


وكلتا: اسم مفرد يفيد معنى التثنية بإجماع من البصريين، فلا يجوز أن تكون علامة تأنيثه التاء وما قبلها ساكن، وأيضا فإن فعتل مثال لا يوجد في الكلام أصلا، فيحمل هذا عليه، فإن سميت بكلتا رجلا لم تصرفه في قول سيبويه، معرفة ولا نكره، لأن ألفها للتأنيث بمنزلة ألف ذكرى، وتصرفه نكرة في قول أبي عمر، لأن أقصى أحواله عنده أن يكون كقائمة وقاعدة وعزة وحمزة.
وأما إبدالهم التاء من الياء لاما، فقولهم: ثنتان، ويدل على أنه من الياء أنه من ثنيت، لن الاثنين قد ثني أحدهما على صاحبه، وأصله: ثني، يدل على ذلك جمعهم إياه على أثناء، بمنزلة أبناء وآخاء، فنقلوه من فعل إلى فعل، كما فعلوا ذلك في بنت، فأما التاء في اثنتان فتاء التأنيث، بمنزلتها في ابنتان تثنية ابنة، وإنما ثنتان بمنزلة بنتان، واثنتان بمنزلة ابنتان.
وأبدلوا التاء أيضا من الياء لاما في قولهم: كيت وكيت، وذيت وذيت1، وأصلهما كية وكية، وذية وذية، ثم إنهم حذفوا الهاء، وأبدلوا من الياء التي هي لام تاء، كما فعلوا ذلك في ثنتان، فقالوا: كيت وذيت، فكما أن الهاء في كية وذية علم تأنيث، فكذلك الصيغة في كيت وذيت علم تأنيث، وكذلك التاء أيضا في اثنتان علامة تأنيث، والصيغة في ثنتان أيضا علامة تأنيث. وهذه قصة ابنة وبنت أيضا.
وفي كيت وذيت ثلاث لغات: منهم من يبنيهما على الفتحة، فيقول: كيت وذيت، ومنهم من يبنيهما على الكسرة، فيقول: كيت وذيت، ومنهم من يبنيهما على الضمة، فيقول: كيت وذيت.
فأما كية وذية فليس فيهما مع الهاء إلا البناء على الفتح.
فإن قيل: ما تنكر أن تكون التاء في كيت وذيت منقلبة عن واو، بمنزلة تاء أخت وبنت، ويكون على هذا أصل ذية وكية: ذيوة وكيوة، فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت الياء بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء كما قالوا: سيد وميت، وأصلهما سيود وميوت.
__________
1 كيت وكيت، وتكسر التاء، يقال: كأن في الأمر كيت وكيت كذا وكذا وهي كناية عن القصة والأحدوثة ولا تستعملان إلا مكررتين.

(1/163)


فالجواب أن كية وذية لا يجوز أن يكون أصلهما كيوة وذيوة، من قبل أنك لو قضيت بذلك لأجزت ما لم يأت مثله في كلام العرب، لأنه ليس في كلامهم لفظة عين فعلها ياء، ولام فعلها واو.
ألا ترى أن سيبويه قال: ليس في الكلام مثل: حيوت، فأما ما أجازه أبو عثمان في الحيوان من أن يكون واوه غير منقلبة عن الياء، وخالف فيه الخليل، وأن يكون الواو فيه أصلا غير منقلبة، فمردود عليه عند أصحابنا لادعائه ما لا دليل عليه، ولا نظير له، وما هو مخالف لمذهب الجمهور، وكذلك قولهم في اسم رجل: رجاء بن حيوة1، إنما الواو فيه بدل من ياء، وحسن البدل فيه وصحة الواو أيضا بعد ياء ساكنة، كونه علما، والأعلام قد يحتمل فيها ما لا يحتمل في غيرها، وذلك من وجهين:
أحدهما: الصيغة، والآخر: الإعراب.
أما الصيغة فنحو قولهم: موظب ومورق وتهلل ومحبب ومكوزة ومزيد وموألة2، فيمن أخذه من وألت، ومعديكرب كان ينبغي أن يكون معدي، لأن مفعل مما لامه معتلة لا يوجد إلا في حرف واحد، وهو مأوي الإبل، حكاها الفراء.
وأما الإعراب فنحو قولهم في الحكاية لمن قال: مررت بزيد: من زيد؟ ولمن قال: ضربت أبا بكر: من أبا بكر، لأن الكنى تجرى مجرى الأعلام، وكذلك أيضا صحت حيوة بعد قلب لامها واوا، وأصلها حية، كما أن أصل حيوان، حييان، فهذا إبدال التاء من الواو والياء لامين، ولم أعلمها أبدلت منها عينين.
__________
1 رجاء بن حيوة بن جرول الكلبي، عالم جليل ذو دين ورأي كان يجالس عمر بن عبد العزيز ويسديه نصائحه وهو الذي أشار على سليمان بن عبد الملك باستخلاف عمر بن عبد العزيز، توفي سنة 112.
2 موظب وما بعدها أعلام بعضها أعلام أشخاص وهي "مورق، محبب، مكوزة، مزيد، موألة" وبعضها اسم موضع "موظب"، وبعضها علم جنس"تهلل: علم للباطل"، وقياسها أن تكون مورق وموظب وموئلة بكسر ثالثها تبعا لمضارعها المكسور، وتهل ومحب، بالإدغام، ومكازة ومزاد، بقلب الواو والياء ألفا، كما هو معلوم في التصريف.

(1/164)


وقد أبدلت التاء من السين لاما، وذلك في قولهم في العدد ست، وأصلها: سدس، لأنها من التسديس، كما أن خمسة من التخميس، ولذلك قالوا في تحقيرها: سديسة، ولكنهم قلبوا السين الآخرة تاء، لتقرب من الدال التي قبلها، وهي مع ذلك حرف مهموس، كما أن السين مهموسة، فصار التقدير: سدت، فلما اجتمعت الدال والتاء وتقاربتا في المخرج، أبدلوا الدال تاء، لتوافقها في الهمس، ثم أدغمت التاء في التاء فصارت: ست، كما ترى.
وقد أبدلوا التاء أيضا من السين في موضع آخر، قرأت على محمد بن الحسن1 عن أبي العباس أحمد بن يحيى:
يا قاتل الله بني السعلات
عمرو بن يربوع شرار النات
غير أعفاء ولا أكيات2
يريد الناس، وأكياس، فأبدلت السين تاء لموافقتها إياها في الهمس والزيادة وتجاور المخارج.
وقالوا في طس3: طست.
وأنشدنا أبو علي قال: أنشدنا أبو عثمان:
__________
1 محمد بن الحسن: هو ابن مقسم.
2 الأبيات من مشطور الرجز ونسبها اللسان لعلباء بن أرقم اليشكري.
وفيها يهجو الشاعر بني عمر بن يربوع، ويقال لهم بنو السعلاة، وذلك أنهم زعموا أن عمرو بن يربوع نكح سعلاة وهي "الغول" فأولدها أولادا.
والنات: الناس: أبدل التاء من السين لأن السين فيها صفير، فاستثقله ومثلها أكيات فهي: أكياس جمع كيس وهو الفطن اللبيب.
والشاهد في قوله "النات - أكيات" سبق شرحه.
إعراب الشاهد:
النات مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.
أكيات: معطوف مجرور بالتبعية وعلامة الجر الكسرة.
3 الطس: الطست، وهو إناء كبير مستدير من النحاس. القاموس المحيط "2/ 224".

(1/165)


لو عرضت لأيبلي قس
أشعث في هيكله مندس
حن إليها كحنين الطس1
وقالوا: ختيت في معنى خسيس، فأبدلوا السين تاء.
وأبدلت من الصاد أيضا، قالوا في لص: لصت، وأثبتوها أيضا في الجمع، قال الشاعر:
فتركن نهدا عيلا أبناؤها ... وبني كنانة كاللصوت المرد2
__________
1 هذه ثلاثة أبيات من مشطور الرجز، رواها اللسان في مادتي "طس، وقس" بهذا النص في الموضعين، وقال قبلهما في مادة طس: قال المازني: أنشدني أعرابي فصيح، وذكر الأبيات.
والأيبلي: الراهب. مادة "أب ل" اللسان "1/ 11".
والقس: رئيس للنصارى في العلم والدين. مادة "ق س س" اللسان "5/ 3625".
والأشعث: وصف من شعث بوزن فرح: إذا تلبد شعره واغبر. اللسان "4/ 4581".
ومندس: مدفون. وحن: صات من الشوق والطرب.
والطس: لغة في الطست والتاء فيه مبدلة من السين وقيل: هي لغة طيء.
مادة "ط س س". اللسان "4/ 2670-2671".
والمعنى: لو رأى هذه الحسناء عابد عاكف على عبادته في معبده، منصرف عن الدنيا وزينتها، لما ملك نفسه ولصاح إعجابا بها، كما يصيت الطست.
والشاهد في قوله "الطست" فقد جاء على الأصل بين أصلية والعرب تقلب السين الثانية تاء فتقول فيه الطست.
إعراب الشاهد: الطس: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.
2 نهدا: اسم قبيلة من قبائل اليمن. عيلا: يتامى فقراء.
بني كنانة: قبيلة أخرى. والمراد: أي المتمرن المتدرب.
الشرح: لقد قتلنا رجال بني نهد وكنانة حتى تركنا صغارهم فقراء يتامى فصاروا كاللصوص الخبثاء أو الذين مرنوا على اللصوصية.
الشاهد فيه إبدال الصاد تاء، في "اللصوت" فالأصل "اللصوص".
إعراب الشاهد: اللصوت: اسم مجرور بالكاف وعلامة الجر الكسرة.

(1/166)


فأما قول الأعرابي من بني عوف بن سعد:
صفقة ذي ذعالت سمول
بيع امرئ ليس بمستقيل1
وهو يريد الذعالب، فينبغي أن يكونا لغتين، وغير بعيد أن تبدل أيضا التاء من الباء، إذ قد أبدلت من الواو، وهي شريكة الباء في الشفة، والوجه أن تكون التاء بدلا من الباء، لأن الباء أكثر استعمالا، ولما ذكرناه أيضا من إبدالهم التاء من الواو.
وأما قولهم فسطاس2: فستاط، فالتاء فيه بدل من الطاء، لقولهم في الجمع فساطيط، ولم يقولوا فساتيط، فالطاء إذن أعم تصرفا.
وقالوا: أستاع يستيع، أي أطاع يطيع، فالتاء بدل من الطاء، لا محالة وقالوا: ناقة تربوت3، وأصلها دربوت، وهي فعلوت من الدربة، أي هي مذللة، فالتاء بدل من الدال.
__________
1 ورد هذا البيت في اللسان وفي التاج في مادة "ذعلت" منسوبا إلى من ذكره المؤلف.
الذعالت: الذعالب، جمع ذعلبة بكسرتين بينهما سكون، وهو طرف الثوب، أو ما تقطع منه.
السمول: جمع سمل وهو الثوب البالي. مادة "س م ل". اللسان "3/ 2100".
المستقيل: طالب فسخ البيع. مادة "ق ي ل". اللسان "5/ 3798".
الشرح: هذه بيعة رجل يبيع ثياب بالية، فهو لا يطلب فسخ العقد.
وصفقة قد تنصب على أنها مفعول مطلق وهو الوجه الذي نقله البغدادي عن ضبط ابن جني.
ويجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف.
الشاهد في قوله: "ذعالت" فقد أبدل الشاعر الباء تاء فالأصل ذعالب، وقد أورد ابن جني في المتن أنها لغة أخرى وأجاز الإبدال.
إعراب الشاهد:
صفقة: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه.
ذي: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء.
ذعالت: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.
سمول: نعت مجرور بالتبعية وعلامة الجر الكسرة.
2 الفسطاط: بيت يتخذ من الشعر. مادة "ف س ط" اللسان "5/ 3413".
3 تربوت: يقال ناقة تربوت أي تذللت، وقيل إذا انتفخت من عدو أو فزع. اللسان "3/ 1573".

(1/167)


زيادة التاء:
وأما الزيادة فقد زيدت التاء أولا في نحو: تالب1 وتجفاف2 وتعضوض3 وترتب4 وتنضب5. ومثل تجفاف تمثال وتبيان وتلقاء وناقة تضراب6، وزيدت ثانية في نحو: افتقار وافتقر واقتطاع واقتطع.
وزيدت أيضا رابعة في سنبتة7، وهي القطعة من الزمان.
قال الراجز8:
رب غلام قد صرى في فقرته
ماء الشباب عنقوان سنبته9
في معنى سنبتة. فهذه دلالة على زيادة التاء في سنبتة.
__________
1 التالب: الشديد الغليظ المكتنز من حمر الوحش، من مادة "ت ل ب" اللسان "1/ 438".
2 التجفاف: ما جلل به الفرس من سلاح وآلة تقيه الجراح في الحرب. اللسان "1/ 642".
3 التعضوض: ضرب من التمر أسود موطنه هجر، شديد الحلاوة، واحدته تعضوضة.
4 الترتب: الأمر الثابت. مادة "ترب" اللسان "1/ 424".
5 التنضب: شجر له شوك قصار، وليس من شجر الشواهق، تألفه الحرابي. وينبت بالحجاز، وله شوك مثل شوك العوسج. مادة "ن ض ب". اللسان "6/ 4449".
6 ناقة تضراب: هي التي ضربها الفحل، وقيل: التي ضربت فلم يدر ألاقح هي أم لا.
7 السنبتة: السنبة وهي الحقبة من الدهر، يقال: مضى من الدهر سنبة.
8 الراجز: هو الأغلب العجلي، وكان مقدما أول من رجز وورد في الطبقات أنه كان له سرحة يصعد عليها ثم يرتجز.
9 رب: حرف جر يفيد التقليل. الغلام: الشاب.
صرى الرجل ماءه يصريه صريا: حبسه في ظهره زمانا بامتناعه عن الوقاع. اللسان "4/ 2441".
وقيل: صرى: اجتمع، لازم متعد.
الفقرة: إحدى فقار الظهر، وهو يريد الفقار كلها على سبيل المجاز.
والمعنى: رب غلام امتنع عن غشيان النساء وهو في عنفوان الشباب -حقبة من الدهر-.
الشاهد في قوله: "سنبته" فقد زيدت فيها التاء والأصل "سنبة".
إعراب الشاهد: سنبتة: مضاف إليه مجرور بالإضافة.

(1/169)


وزيدت أيضا خامسة في نحو: ملكوت وجبروت ورغبوت ورهبوت ورحموت وطاغوت. وسادسة في نحو: عنكبوت وترنموت1 وهو صوت ترنم القوس عند الإنباض2، قال الراجز3:
تجاوب القوس بترنموتها4
أي بترنمها.
وقد زيدت في أوائل الأفعال الماضية للمطاوعة، كقولك: كسرته فتكسر، وقطعته فتقطع، ودحرجته فتدحرج. ومن زيادتها في أوائل الأفعال الماضية، قولهم: تغافل وتعاقل وتجاهل.
وتزاد في أوائل المضارعة لخطاب المذكر، نحو: أنت تقوم وتقعد، ولخطاب المؤنث، نحو: أنت تقومين وتقعدين، وللمؤنثة الغائبة، نحو: هي تقوم وتقعد،
__________
1 ترنموت: الترنم وهو ترجيع الصوت. مادة "رنم". اللسان "3/ 1746".
2 الإنباض: تحريك القوس لترن. مادة "نبض". اللسان "6/ 4325".
3 البيت للغنوي وهو من الأعراب الفصحاء نقل عنه الأصمعي وغيره.
4 هذا البيت من مشطور الرجز وقد أورده اللسان في الأبيات الآتية في مادة "رنم" "3/ 1746".
شريانة ترزم من عنتوتها ... تجاوب القوس بترنموتها
تستخرج الحبة من تابوتها
الشريانة: واحدة الشريان، وهو شجر صلب تتخذ منه القسي الجيدة. اللسان "4/ 2254".
وترزم: لا تفتح فاها. مادة "رزم" اللسان "3/ 1673".
العنتوت: الحز في القوس. والحبة: القلب.
والتابوت: الأضلاع وما تحويه كالقلب والكبد وغيرهما. مادة "ت ب ت" اللسان "1/ 416".
تجاوب: بصيغة المضارع من جاوبه مجاوبة.
الترنموت: الترنم.
يصف قومه فيقول: إنها بقوسها ووترها تطرب تطريبا من شأنه أن يخرج القلب من موضعه عند الرمي، وهذا كما يقال: طار قلبه من الطرب أو الفرح.
الشاهد في قوله "ترنموت" وهي شاهد على مجيء التاء زائدة سادسة.
إعراب الشاهد:
ترنموتها: اسم مجرور وعلامة الجر الكسرة، والهاء: ضمير مبني في محل جر مضاف إليه.

(1/170)


وقد أنث بها لفظ الفعل الماضي، نحو قامت وقعدت، وتؤنث بها جماعة المؤنث نحو: قائمات وقاعدات.
وأما قولهم في الواحدة قائمة وقاعدة وظريفة، فإنما الهاء في الوقف بدل من التاء في الوصل، والتاء هي الأصل، فإن قيل: وما الدليل على أن التاء هي الأصل، وأن الهاء بدل منها؟
فالجواب أن الوصل مما تجري فيه الأشياء على أصولها، والوقف من مواضع التغيير، ألا ترى أن من قال من العرب في الوقف: هذا بكر، ومررت ببكر، فنقل الضمة والكسرة إلى الكاف في الوقف، فإنه إذا وصل أجرى الأمر على حقيقته، فقال: هذا بكر، ومررت ببكر، وكذلك من قال في الوقف: هذا خالد، وهو يجعل، فإنه إذا وصل خفف الدال واللام، فقال: هذا خالد، وهو يجعل، على أن من العرب من يجري الوقف مجرى الوصل، فيقول في الوقف هذا طلحت، وعليه السلام والرحمت، وأنشدنا أبو علي:
بل جوز تيهاء كظهر الحجفت1
__________
1 هذا بيت من مشطور الرجز لسؤر الذئب، كما جاء في اللسان والإنصاف لابن الأنباري، وهو من أرجوزة عدتها أربعة عشرة بيتا رواها اللسان في مادة "حجف".
جوز: قطع الطريق. أو اجتازه. مادة "ج وز" اللسان"1/ 724".
التيهاء: المفازة يتيه فيها السالك ولا يهتدي "ج" أتياه. مادة "ت ي هـ" اللسان "1/ 463".
الحجفة: الترس. مادة "ح ج ف". اللسان "2/ 782".
وورد بعد هذا البيت بيت يوضح معناه يقول فيه:
قطعتها إذا المها تجوفت
المها: اسم جنس جمعي واحدته المهاة وهي البقرة الوحشية، وسميت بذلك لبياضها.
تجوفت: دخلت جوف مخبئها.
الشرح: يصف الشاعر نفسه بالقوة والجلادة فهو يستطيع أن يقطع المفازة التي يضل فيها السالكون في الوقت الذي تفر فيه أبقار الوحش إلى مخابئها.
الشاهد: إبدال الهاء تاء في كلمة "الجحفت" عند الوقف.
إعراب الشاهد:
بل: بمعنى رب الجارة. جوز: اسم مجرور بـ"بل" أو برب المحذوفة.

(1/171)


وأخبرنا بعض أصحابنا، يرفعه بإسناده إلى قطرب1 أنه أنشده2:
الله نجاك بكفي مسلمت
من بعدما وبعدما وبعدمت
صارت نفوس القوم عند الغلصمت
وكادت الحرة أن تدعى أمت3
وقد قلبوا هذا الأمر، فأجروا الشيء في الوصل على حد مجراه في الوقف، ومن ذلك ما حكاه سيبويه من قولهم في العدد ثلاثة ربعة، وعلى هذا قالوا في الوصل سبسبا4 وكلكلا5.
__________
= تهياء: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الفتحة لأنه ممنوع من الصرف.
والكاف: حرف جر. ظهر: اسم مجرور بالكاف وعلامة الجر الكسرة.
والجار والمجرور في محل جر نعت لـ"تيهاء".
الحجف: مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة.
وهناك توجيه لـ"كظهر":
فالكاف: اسم بمعنى مثل وتكون في هذه الحالة هي النعت لتيهاء.
وظهر: تعرب مضاف إليه.
وهو رأي سيذكره المؤلف في باب "الكاف".
1 قطرب: لقب أحد تلاميذ الخليل، ويدعى محمد بن المستنير النحوي، وقد لقبوه به لتعوده الذهاب إليه مبكرا والـ"قطرب" ذبابة لا تفتر عن الحركة لكثرة نشاطها. اللسان "5/ 3671".
2 الأبيات لأبي النجم العجلي وهو الفضل بن قدامة بن عبد الله بن عبد الله بن الحرث العجلي من رجاز الإسلام الفحول المقدمين وفي الطبقة الأولى منهم.
3 الغلصمة: رأس الحلقوم. أمة: أسيرة.
يقول: الله نجاك من الأعداء بكفي مسلمة بعدما كدت لا تفلت، واشتد الضيق بالناس وكادت النساء الحرائر يصرن إماء بالسبي.
الشاهد فيه: قلب الألف هاء ثم قلب الهاء تاء لتناسب القافية في كلمة "بعدمت"، والذي سوغ لشاعر ذلك قرب الهاء المقدرة من هاء التأنيث في طلحة وحمزة، ولما كان يراهم قد يقولون في الوقف طلحت وحمزت، قال هو أيضا: "بعدمت".
4 السبسب: المفازة والأرض المستوية. مادة "س ب س ب" اللسان "3/ 1921".
5 الكلكل: صدر البعير. وقيل الصدر من كل شيء. مادة "ك ل ل" اللسان "5/ 3921".

(1/172)


قرأت على محمد بن الحسن1، عن أحمد بن يحيى2:
من لي من هجران ليلي من لي ... والحبل من حبالها المنحل
تعرضت لي بمكان حل ... تعرض المهرة في الطول3
يريد الطول.
وأنشدني أبو علي أيضا هذه الأبيات، وفيها مما قرأته على محمد4 أيضا، ولم أروه عن أبي علي:
ترى مراد نسعه المدخل ... بين رحى الحيزوم والمرحل
مثل الزحاليف بنعف التل
يريد المدخل والمرحل، وفيها أيضا ما قرأته على محمد، وأنشدناه أبو علي:
نسل وجد الهائم المغتل ... ببازل وجناء أو عيهل
كأن مهواها على الكلكل ... موقع كفي راهب يصلي5
يريد العيهل6 والكلكل7.
__________
1 هو ابن مقسم.
2 أحمد بن يحيى: أبو العباس ثعلب نحوي كوفي ورأس من رءوس الكوفيين.
3 الطول: بوزن عنب، وتشدد اللام في الشعر: حبل تشد فيه الدابة من طرف، ويمسك طرفه الآخر بوتد أو نحوه، وتترك ترعى. مادة "ط ول" اللسان "4/ 2727".
الشاهد في الأبيات هو تشديد اللام في الوقف، وإجراؤه في الوصل مجراه في الوقف، وذلك في أواخر بعض الأبيات وهي: الأول، وأدغل، والطول، والمدخل والمرحل، والعيهل والكلكل.
4 هو محمد بن الحسن بن مقسم.
5 هذه أرجوزة من مشطور الرجز، لمنظور بن مرثد الأسدي، ويقال فيها أحيانا منظور بن حبة الأسدي، وحبة أمه، فهو ينسب مرة إلى أبيه، ومرة إلى أمه، وعدة ما وجدنا من أبياتها ثمانية عشر بيتا، مفرقة في بطون الكتب، وقد وردت مجتمعة في شرح عبد القادر البغدادي لشواهد شرح الرضي على الشافية "ص248-250".
6 العيهل: الناقة الطويلة السريعة. مادة "ع هـ ل" اللسان "4/ 3152".
7 الكلكل: صدر الناقة. وسبق شرحها.

(1/173)


ومن أبيات الكتاب1:
ضخما يحب الخلق الأضخما2
يريد الأضخم.
ويروى: "الإضخما" و"الضخما"، ولا حجة فيهما3.
فلما كان الوصل مما تجري فيه الأشياء على أصولها في غالب الأمر، ومطرد اللغة، وكان الوقف مما يغير فيه الأشياء عن أصولها، ورأينا علم التأنيث في الوصل تاء نحو قائمتان بدل من التاء في الوصل.
__________
1 كتاب سيبويه والذي سجل فيه كل ما حفظه عن الخليل بن أحمد إستاذه.
2 هذا البيت من أرجوزة لرؤبة بن العجاج وهو أحد الرجال المشهورين في العصر الإسلامي وعده ابن سلام في الطبقة التاسعة من الإسلاميين مع غيره من الرجاز كأبي النجم والعجاج.
قال الأعلم في شرحه لشواهد الكتاب: أراد الأضخم، فشدد في الوصل ضرورة، تشبيها بما يشدد في الوقف، إذ قبل هذا أكبر وأعظم، ولو قال الأضخم فوقف على الميم لم تكن فيه ضرورة ولكنه لما وصل القافية بالألف خرجت الميم عن حكم الوقف، لأن الوقف على الألف لا عليها.
إعراب الشاهد:
ضخما: نعت لـ"حية" منصوب على حسب رواية ابن جني.
وعلى رواية سيبويه بالرفع: يكون خبرا لمبتدأ محذوف تقديره "هو".
يحب: فعل مضارع مرفوع لأنه لم يسبق بناصب ولا جازم، والفاعل مستتر تقديره هو.
الخلق: مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة.
الأضخما: نعت منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
وجملة "يحب الخلق" في محل نصب صفة ثانية لـ"حية" على رأي من نصب ضخما.
أو في محل رفع صفة لـ"ضخم" على رأي من رفع ضخما.
3 أي في الأضخم بكسر الهمزة، والضخم، بكسر الضاد، مع تشديد الميم فيهما لأن هذين الوزنين قد وردا كثيرا في كلام العرب مثل: إردب، وإرزب، ومثل خدب وهجف، فتشديد آخرهما غير طارئ للوقف، هذا بخلاف أضخم بفتح الهمزة وتشديد الميم فإن تشديد آخره طارئ للوقف، إذ ليس في الأوزان العربية وزن "أفعل" بفتح الهمزة وتشديد اللام.

(1/174)


فأما قول الآخر1:
العاطفونه حين ما من عاطف ... والمسبغون يدا إذا ما أنعموا2
ففيه قولان:
أحدهما: أنه أراد أن يجريه في الوصل على حد ما يكون عليه في الوقف، وذلك أنه يقال في الوقف: هؤلاء مسلمونه، وضاربونه، فلتحق الهاء لبيان حركة النون، كما أنشدوا3:
أهكذا يا طيب تفعلونه
أعللا ونحن منهلونه4
فصار التقدير: العاطفونه.
__________
1 البيت من قصيدة لأبي وجزة السعدي يمدح آل الزبير بن العوام.
2 العاطفون: المشفقون على الضعفاء.
المسبغون: المكملون المتمون. مادة "سبغ". اللسان "3/ 1927".
الشرح: يمدح الشاعر آل الزبير فيقول "إن آل الزبير أفضل كنف نحتمي به من النائبات، إنهم يعطفون على الفقراء ويكرمونهم بأشهى الأطعمة، إنهم يمنعون الظلم والقهر ويتحملون الديات عن أصحاب المغارم.
الشاهد في قوله: "العاطفونه" حيث وصل التاء مفتوحة بالعاطفون، وقد بين المؤلف الوجهين في أصل هذه التاء، كما سيتضح بعد.
إعراب الشاهد: العاطفونه: خبر لمبتدأ محذوف تقديره "هم" والخبر مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم.
3 لم نعثر على قائل البيتان.
4 العلل: العل وهو الشربة الثانية، والشرب بعد الشرب تباعا. اللسان "4/ 3078".
النهل: أول الشرب، تقول: أنهلت الإبل ونهلت الإبل وهو أول سقيها. اللسان "6/ 4562".
والشاهد في قوله: "تفعلونه - منهلونه" فقد لحقتهما هاء السكت لبيان حركة النون.
إعراب الشاهدين:
تفعلون: فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون، وواو الجماعة ضمير متصل مبني على السكون المطلق في محل رفع فاعل.
منهلونه: خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو لأنه جمع مذكر سالم.

(1/175)


ثم إنه شبه هاء الوقف بهاء التأنيث، فلما احتاج لإقامة الوزن إلى حركة الهاء قلبها تاء، كما تقول في الوقف: هذا طلحة، فإذا وصلت صارت الهاء تاء، فقلت: هذا طلحتنا، فعلى هذا قال: العاطفونة.
ويؤنس بصحة هذا القول قليلا ما أنشدناه آنفا من قول الراجز1:
من بعدما وبعدما وبعدمت
صارت نفوس القوم عند الغلصمت2
أراد: وبعدما، فأبدل الألف في التقدير هاء، فصار: وبعدمه، كما أبدلها الآخر من الألف، فقال -فيما أخبرنا به بعض أصحابنا يرفعه بإسناده إلى قطرب أيضا-:
قد وردت من أمكنه
من ها هنا ومن هنه
إن لم أروها فمه3
يريد: من هنا، فأبدل في الوقف هاء، فقال: "من هنه".
فأما قوله: "فمه؟ " فالهاء فيه تحتمل تأويلين:
__________
1 الراجز: هو من ينشد الرجز وهو بحر من بحور الشعر وزنه مستفعلن ست مرات ويأتي منه المشطور والمنهول. مادة "ر ج ز" اللسان "3/ 1588".
2 سبق شرح هذه الأبيات والتعليق عليها وإعراب الشاهد فيها.
3 هذه الأبيات لم نعثر على قائلها فيما بأيدينا من كتب اللغة.
ووردت: أي وصلت إلى الماء.
الشرح: لقد وصلت الإبل إلى الماء من أمكنة مختلفة من هنا ومن هنا ومن هناك وإن لم أستطع إرواء إبلي فاكفف عني لسانك، أو أن لم أستطع إرواء إبلي فماذا أصنع؟
الشاهد: في قلب الألف في "هنا" وفي "ما" هاء.
إعراب الشاهد:
هنا: اسم إشارة للمكان القريب مبني على السكون المطلق في محل جر.
ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره "أصنع".

(1/176)


أحدهما: أنه أراد: "فما" أي إن لم أرو هذه الإبل الواردة من هنا ومن هنا فما؟ أي فما أصنع؟ منكرا على نفسه ألا يرويها، فحذف الفعل الناصب لما التي للاستفهام.
والوجه الآخر: أن يكون أراد: إن لم أروها1 فمه، أي فاكفف2 عني، فلست بشيء ينتفع به، وكأن التفسير الأول أقوى في نفسي، فصار التقدير على هذا: من بعدما، وبعدما، وبعدمه" ثم إنه أبدل الهاء تاء، لتوافق بقية القوافي التي تليها ولا تختلف، وشجعه على ذلك شبه الهاء المقدرة في بعدمه، بهاء التأنيث في طلحة وحمزة. ولما كان يراهم قد يقولون في بعض المواضع في الوقف: هذا طلحت وهذا حمزت، قال هو أيضا "وبعدمت"، فأبدل الهاء المبدلة من الألف تاء تشبيها لفظيا، كما قال الآخر3:
يحدو ثماني مولعا بلقاحها ... حتى هممت بزيغة الإرتاج4
فلم يصرف ثماني لشبهها بجواري: لفظا لا معنى.
__________
1 أروها: أسقها. مادة "روى".
2 اكفف عني: امتنع عن لومي ومعاتبتي. مادة "كفف".
3 البيت لابن ميادة كما ورد في اللسان "1/ 508"، وهو من شواهد الكتاب لسيبويه "2/ 17".
4 يحدو: يسوق. مادة "حدا". اللسان "2/ 807".
مولعا: محبا أشد الحب من ولع بالشيء ولعا إذا تلعق به بشدة. اللسان "6/ 4916".
اللقاح: من لقحت الناقة إذا نزى عليها الفحل فأحبلها. مادة "لقح". اللسان "5/ 4057".
الزيغة: إزلاق وإنزال. مادة "ز ي غ". اللسان "3/ 1900".
الإرتاج: قيل: ارتجت الناقة إذا امتلأ بطنها. مادة "ر. ت. ج". اللسان "3/ 1576".
الشرح: يصف الشاعر إبلا أولع راعيها بلقاحها حتي لقحت، ثم حداها أشد الحداء، ثم همت بإزلاق ما ارتجت عليه أرحامها من الأجنة والزيغ بها، وهو إزلاقها وإسقاطها.
الشاهد فيه: ترك صرف "ثماني" تشبيها لها بما جمع على زنة مفاعل، كأنه توهم واحدتها، ثمنية كحذرية ثم جمع فقال: ثمان، كما يقال: حذار في جمع حذرية، والمعروف في كلام العرب صرفها، على أنها اسم واحد أتى بلفظ المنسوب، نحو يمان ورباع، فإذا أنث قيل: ثمانية، كما قيل: يمانية، وفرس رباعية.
إعراب الشاهد: ثماني: مفعول به منصوب بالمفعولية.

(1/177)


أولا ترى أن أبا عثمان قال في قول الآخر1:
ولاعب بالعشي بني بنيه ... كفعل الهر يحترش العظايا
فأبعده الإله ولا يؤبى ... ولا يسقى من المرض الشفايا2
"وأخذه على أبو علي وقت قرائتي تصريف أبي عثمان عليه فقال: ولا يشفى"3 إنه شبه ألف النصب في العظايا4 والشفايا بهاء التأنيث في نحو: عظاية وصلاية5. يريد أبو عثمان أنه صحح الياء وإن كان طرفا، لكنه شبه الألف التي تحدث عن فتحة النصب بهاء التأنيث في نحو: عظاية وعباية، فكما أن الهاء فيهما صححت الياء قبلها، فكذلك صححت ألف النصب في العظايا والشفايا الياء التي قبلها، وهذا ونحوه مما قال سيبويه فيه: "وليس شيء مما يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها. وإذا جاز أن تشبه هاء "وبعدمه" بتاء التأنيث، حتى يقال فيها: "وبعدمت" جاز أن تشبه هاء العاطفونه اللاحقة لبيان حركة النون، بهاء التأنيث، فيقال: العاطفونة، وفتحت التاء كما فتحت في آخر ربت وثمت6 وكيت وذيت، فهذا أحد القولين في العاطفونه.
__________
1 هذان البيتان لأعصر بن سعد بن قيس عيلان، واسمه منبه بن سعد، وهو أبو غني وباهلة والطفاوة.
2 يحترش: يتعرض لها ليهيجها فتخرج. والعظايا: السحلية.
الشرح: حين يكبر المرء في العمر يكرهه من يحيطون به ويتمنون لو سقوه سما كي يتخلصوا منه.
الشاهد في الأبيات: أنه شبه ألف الإطلاق، بهاء التأنيث في أنها جعلت الياء في "عظاي" و"شفاي" ليست ظرفا فلم تقلب همزة وثبتنت على أصلها.
إعراب الشاهد: العظايا: مفعول به منصوب بالمفعولية.
الشفايا: نائب فاعل مرفوع.
3 العبارة التي بين القوسين: جملة معترضة بين قول أبي عثمان المازني ومقولة ذكرها ابن جني ليبين ما أخذه عليه أبو علي في روايته، "ولا يسقي" بالسين المهملة والقاف المعجمة باثنتين، وصححها أبو علي بالشين المعجمة، والفاء.
4 العظايا: اسم جنس جمعي، واحدة العظاءة، وهي دويبة على خالقة سام أبرص، أكبر منه قليلا. مادة "ع ظ ي" اللسان "4/ 3006".
5 صلاية: مدق الطيب، ويقال: صلاءة. مادة "ص ل أ". اللسان "4/ 2492".
6 ثمت: أصلها "ثم" حرف عطف يفيد التراخي.

(1/178)


وقال قوم آخرون: إنما هم العاطفون، مثل القائمون والقاعدون، ثم إنه زاد التاء في "تحين"، كما زادها الآخر في قوله1:
نولي قبل نأي دار جمانا ... وصليه كما زعمت تلانا2
أراد الآن، وهذا الوجه اشد انكشافا من الأول.
وقال أبو زيد: سمعت من يقول: "حسبك تلان3" يريد الآن، فيزيد التاء، وأما ما قرأته على محمد بن الحسن من قول الآخر4:
إذا اغتزلت من بقام الفرير ... فيا حسن شملتها شملتا5
فقال فيه: إنه شبه هاء التأنيث في شملة بالتاء الأصلية في نحو: بيت وصوت، فألحقها في الوقف عليها ألفا، كما تقول: رأيت بيتا، فشملتا على هذا منصوبة على التمييز، كما تقول: يا حسن وجهك وجها، أي من وجه.
__________
1 البيت لعمرو ابن أحمر الباهلي، ورواه ابن الأنباري في الإنصاف "1/ 110" المسألة الرابعة عشر.
2 نولي: من النوال، وأصله العطاء، والمراد هنا ما يزود المحب. اللسان "6/ 4594".
جمانا: منادى مرخم جمانة وهو اسم امرأة. اللسان "1/ 689". مادة "ج م ن".
والنأي: البعد والفراق. مادة "نأى". اللسان "6/ 4850".
الشرح: يطلب الشاعر من محبوبته أن تصله قبل الفراق.
الشاهد في قوله: "تلانا" فقد أراد الآن.
3 ومنه ما وقع في حديث لابن عمر حين ذكر لرجل مناقب عثمان.
قال صاحب اللسان في "أين": سأل رجل ابن عمر عن عثمان "قال: أنشدك الله، هل تعلم أنه فر يوم أحد، وغاب عن بدر، وعن بيعة الرضوان؟ فقال ابن عمر: أما فراره يوم أحد فإن الله عز وجل يقول: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} ، وأما غيبته عن بدر، فإنه كانت عنده بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت مريضة، وذكر عذره في ذلك، ثم قال: "اذهب بهذه تلآن معك".
4 لم نعثر على قائل هذا البيت، وقد رواه ثعلب في مجالسه "2/ 442".
5 البقام: جمع بقامة وهي الصوف يغزل لبها، ويبقى سائرها، مادة "ب ق م". اللسان "1/ 329".
الفرير: الحمل إذا فطم وأخصب وسمن. مادة "فرر" اللسان "5/ 3376" وأصلها "الفرار".
والشملة: كساء دون القطيفة يشتمل به، والجمع شمال. اللسان "4/ 2331".
الشاهد في "شملتا" على الوجه الذي بينه المؤلف.

(1/179)


واعلم أن للتاء ميزانا وقانونا يعرف به من طريق القياس كونها أصلا أو زائدة فإذا عدمت الاشتقاق في كلمة فيها تاء أو نون، فإن حالها فيما أذكره لك سواء: فانظر إلى التاء أو النون، فإن كان المثال الذي هما فيه أو إحداهما، على زنة الأصول، فاقض بأنهما زائدتان، مثال ذلك قولنا: عنتر1، فالنون والتاء جميعا أصلان، لأنهما بإزاء العين والفاء من جعفر2، ألا ترى أن في الأصول مثال فعلل؟ وكذلك النون في نحو: حنزقر3 أصل، لأنها بإزاء الراء من جردحل4 وقرطعب5، وكذلك التاء في فرتاج6 هي أصل لأنها الدال من سرداح 7، والطاء من قرطاس، وكذلك التاء من صعتر أصل، لأنها بإزاء الفاء من جعفر، والضاد من قعضب8.
فأما التاء في ترتب9 فزائدة، لأنه ليس في الأصول جعفر، وكذلك تدرأ10 أيضا لا فرق بينهما.
هذا من طريق القياس، وقد شهد به أيضا الاشتقاق، لأن ترتب من الشيء الراتب، وتدرأ من درأت، أي دفعت. وكذلك نون نرجس11 زائدة، لأنه ليس في الأصول مثل جعفر، بكسر الفاء.
__________
1 عنتر: الذباب الأزرق، واحدته "عنترة". مادة "ع. ن. ت. ر". اللسان "4/ 3122".
2 جعفر: الجعفر: النهر والناقة الغزيرة اللبن "ج"جعافر. مادة "ج. ع. ف. ر".
3 الحنزقر والحنزقرة: القصير الدميم من الناس. مادة "حنزقر" اللسان "2/ 1022".
4 الجردحل من الإبل: الضخم. مادة "جردحل". اللسان "1/ 590".
5 القرطعب: اسم جنسي جمعي، واحدته قرطعبة، وهي القطعة من الخرقة. اللسان "5/ 3593".
6 الفرتاج: سمة من سمات الإبل، حكاه أبو عبيد، ولم يصفها، واسم موضع أيضا.
7 السرداح، والسرداحة: الناقة الطويلة، وقيل: كثرة اللحم، ويطلق أيضا على جماعة الطلح. واحدته سرداحة. مادة "س ر د ح". اللسان "3/ 1988".
8 القعضب: الضخم الشديد الجريء. مادة "ق ع ض ب". اللسان "5/ 3694".
9 الترتب: الشيء المقيم الثابت. وسبق شرحها.
10 التدرأ: العدة والقوة، يقال: سلطان ذو تدرأ، أي ذو عدة وقوة على دفع أعدائه.
11 نرجس: نبت من الرياحين، وهو من الفصيلة النرجسية، ومنه أنواع تزرع لجمال زهرها وطيب رائحتها وزهرته تشبه بها الأعين، واحدته "نرجسة". اللسان"6/ 4392".

(1/180)


فأما تولب1 فتاؤه أصل، والواو زائدة، لأن فوعلا في الكلام أكثر من تفعل. وأما نون نهشل2 وتاء ترخم3 فأصلان، لأنهما بإزاء سين سلهب4. وأما تألب فتاؤه زائدة، يدل على ذلك الاشتقاق، لأنهم يقولون: ألب الحمار آتنه5 يألبها. وأما تاء سنبتة فلولا الاشتقاق أيضا لقضينا بأنها أصل، لأنها بإزاء جيم عرفجة6 ولكنهم لما قالوا في معناها سنبة7، دل ذلك على زيادتها. وأما نون قنفخر8 فلولا الاشتقاق أيضا لقضينا بأنها أصل، ولكنهم ردوه إلى لفظ امرأة قفاخرية، والقنفخر: كل شيء فاق في حسنه، والقفاخرية: النبيلة العظيمة النفيسة من النساء، وكذلك تاء تجفاف9 لولا الاشتقاق لوجب القضاء بأصليتها، لأنها بإزاء قاف قرطاس، ولكنهم ذهبوا فيه إلى أنه من معنى الصلابة والجفاف. وأما نون نبراس10 فقد ذهب إلى زيادتها، واشتق له من معنى البرس، وهو القطن، لأن النبراس: المصباح، والفتيلة أبدا في غالب الأمر في قطن.
وأما تاء تلنة11 فأصل، لقولهم في معناه تلونة، وتلونة: فعولة بلا كلام، وهي الحاجة.
__________
1 التولب: ولد الأتان من الحمار الوحشي إذا استكمل الحول، والجحش. "ج" "توالب".
2 نهشل: النهشل: الذئب، والقر. مادة "نهشل". اللسان "6/ 4559".
3 ترخم: يقال: ما أدري أي ترخم هو: أي: أي الناس هو. اللسان "3/ 1618".
وفيه لغات: ضم التاء مع الخاء وفتحها، وفتح التاء مع ضم الخاء. مادة "رخم".
4 السلهب: الطويل من الناس والخيل "ج" سلاهب، وسلاهبة. مادة "س. ل. هـ. ب".
5 ألب الحمار آتنه: أي طردها طردا شديدا، وآتنه: أنثاه. مادة "أل ب" اللسان "1/ 106".
6 العرفجة: واحدة العرفج وهو نبت طيب الريح، أغبر إلى الخضرة، وله زهرة صفراء وليس له حب ولا شوك. مادة "عرفج" اللسان "4/ 2902".
7 السنبة: الحقبة من الدهر، يقال: عشنا بذلك سنبة وسنبتة. سبق تخريجها.
والتاء في سنبتة ملحقة على قول سيبويه. قال: يدل على زيادة التاء أنك تقول: سنبة، وهذه التاء في التصغير تثبت، تقول: سنيبتة، لقولهم في الجمع سنابت.
8 القنفخر: الفأر الناعم الضخم الجثة والفائق في نوعه، على ما ذكر السيرافي. اللسان "2/ 119".
9 التجفاف: ما جلل به الفرس من سلاح وآلة تقية الجراح.
10 النبراس: المصباح.
11 التلنة: الحاجة. مادة "تلن" اللسان "1/ 443".

(1/181)


وإذا رأيت النون في كلمة خماسية ثالثة ساكنة، فاقض بزيادتها، نحو قرنفل1 وسلنطح2 وبلندح3 وجرنبذ4 وجرنفس5.
وإنما ذكرت بعض أحكام النون في حرف التاء، لاشتراكهما في هذه القضية. وإذا وصلنا إلى حرف النون بإذن الله أحلنا في هذا الفن على هذا الفصل.
واعلم أن التاء تكون اسما مضمرا نحو تاء قمت وقمت وقمت، وتكون حرف للخطاب نحو تاء أنت وأنت، وسترى هذا مفصلا إن شاء الله تعالى.
وقد 6 حذفت التاء عينا في سه، وأصلها سته، قال:
رقاب كالمواجن خاظيات ... وأستاه على الأكوار كوم7
__________
1 القرنفل: جنس أزهار مشهورة تسمى: المشترى، وهي من الفصيلة القرنفلية، تزرع في البلاد الحارة لاستعمال براعم أزهارها المجففة تابلا. مادة "قرنفل" اللسان "5/ 3615".
2 السلنطح: قال الفيروز أبادي، المسلنطح الفضاء الواسع. القاموس"1/ 288".
3 البلندح: الرجل القصير السمين. القاموس "1/ 215".
4 الجرنبذ: كغضنفر الغليظ، وبهاء الذي لأمه زوج. القاموس "1/ 348".
5 الجرنفس: الضخم الشديد من الرجال. اللسان "1/ 608".
6 من هنا إلى آخر باب حرف التاء غير موجود في النسخ كلها في باب التاء ولكن المؤلف ألحقه بآخر حرف الجيم، وقال: وينبغي أن يكون في حرف التاء فنقله إلى هذا الموضع على حسب إشارة المؤلف.
7 نسب أبو زيد البيت إلى علي بن طفيل السعدي ونسبه صاحب اللسان والتاج إلي عامر بن الطفيل السعدي.
المواجن: جمع ميجنة وهي مدقة القصار. الخاظيات: كثيرات اللحم.
والأستاه: جمع الستة وهي الاست والاست العجز وقد يراد به حلقة الدبر وفيها لغات: السه، والست، ويقال لأراذل الناس: أستاه، وابن استها: ابن الأمة وولد الزنا. اللسان "3/ 1936".
الأكوار: الرحال بأدواتها واحدها كور. مادة "ك ور" اللسان "5/ 3952".
الكوم: جمع كوماء، وهي عظيمة العجز. مادة "ك وم" اللسان "5/ 3958".
الشرح: يصف الشاعر بعض النساء وصفا حسيا فهن لهن راقب سمينة بضة وأعجازهن ممتلئات.
الشاهد: وورد التاء محققة في كلمة أستاه جمع سته.
إعراب الشاهد: أستاه: مبتدأ مرفوع بالضمة، وخبره محذوف تقديره "لهن".

(1/182)