سر صناعة الإعراب باب الضاد:
الضاد حرف مجهور، وهو أحد الحروف المستعلية، وقد تقدم آنفا ذكرها1،
ويكون أصلا لا بدلا ولا زائدا. فإذا كان أصلا وقع فاء وعينا ولاما،
فالفاء نحو: ضعف وضبر2، والعين نحو: حضن وحضر، واللام نحو: خفض وربض3.
فأما قولهم: نضنض لسانه ونصنصه إذا حركه، فأصلان، وليست الصاد أخت
الضاد، فتبدل منها.
وأخبرني أبو علي يرفعه إلى الأصمعي، قال: حدثنا عيسى بن عمر، قال سألت
ذا الرمة عن النضناض، فأخرج لسانه فحركه، وأنشد:
تبيت الحية النضناض منه ... مكان الحب يستمع السرارا4
وقرأت عليه بإسناده قال: قال اللحياني: سمعت أبا زيد يقول: تضوك5 في
خرئه. قال: وسمعت الأصمعي يقول: تصوك. وهذان أيضا أصلان، حتى تقوم
الدلالة على قلب أحدهما على صاحبه، وقد تقدم ذكر قانون6 هذا، وكيف
ينبغي أن يكون العمل فيه.
__________
1 ورد ذكر الحروف المستعلية فيما سبق وهي: "الصاد، والضاد، والطاء،
والظاء، والخاء، والغين، والقاف".
2 ضبر: الشيء ضبرا: جمعه وشده. مادة "ض. ب. ر". اللسان "4/ 2547".
3 ربض: ربضت الغنم وغيرها من الدواب، ربضا وربوضا: طوت قوائمها ولصقت
بالأرض وأقامت. والأسد فريسته: وقع عليها وتمكن منها. مادة "ربض".
اللسان "3/ 1558".
4 الحية: أنثى الثعبان. النضناض: التي تحرك لسانها. الحب: الحبيب.
الشرح: تبيت إلى جواره حية رقطاء وكأنها محبوبته تتسمع منه الأخبار.
الشاهد في كلمة "النضناض" كما شرحه المؤلف.
إعراب الشاهد: النضناض: نعت مرفوع وعلامة الرفع الضمة الظاهرة.
5 تضوك في خرئه: التطخ به، والخرء يريد به حلقة الدبر. اللسان "2/
1121".
6 القانون الذي يشير إليه: هو أن الحروف يسهل إبدالها إذا توحدت في
المخرج كالثاء والذال، والدال والتاء مثلا.
(1/225)
وأما قول الشاعر:
إن شكلي وإن شكلك شتى ... فالزمي الخص واخفضي تبيضضي1
فإنه أراد: تبيض، فزاد ضادا ضرورة، لإقامة الوزن.
واعلم أن الضاد واحدة من خمسة أحرف يدغم فيهن ما قاربهن، ولا يدغمن هن
فيما قاربهن، وهي الراء والشين والضاد والفاء والميم. ويجمعها في
اللفظ: ضم شفر، ومنهم من يخرج الضاد من هذه الخمسة، ويقول: قد أدغموا
الضاد في الطاء في بعض اللغات، فقالوا في اضطجع: اطجع، وهذه لغة شاذة،
ويجمع الأربعة الأحرف الباقية، فيقول هي: مشفر، والقول الأول هو الذي
عليه العمل.
واعلم أن الضاد للعرب خاصة2، ولا يوجد من كلام العجم إلا في القليل.
فأما قول المتنبي3:
وهم فخر كل من نطق الضاد ... وعوذ الجاني وغوث الطريد4
__________
1 شتى: يقصد مختلفين. مادة "ش ت ت" اللسان "4/ 2192".
الخص: بيت من شجر أو ورق أو قصب. مادة "خ ص ص" اللسان "2/ 1174".
اخفضي: أي أقيمي بمكانك من خفض يخفض كضرب، وأما خفض العيش إذا لان
واتسع فمن باب كرم، يقال: هم في خفض من العيش أي لين وسعة. اللسان "2/
1211".
الشرح: نحن مختلفين في الشكل ولكن عليك الالتزام بحسن العشرة.
الشاهد: شرحه المؤلف في المتن.
2 مثله الظاء، قال في القاموس المحيط: الظاء: حرف خاص بالعرب.
3 المتنبي: هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي الشاعر
الحكيم صاحب الأمثال السائرة، وخاتم الثلاثة الشعراء، وآخر من بلغ شعره
غاية الارتقاء، ولد بالكوفة سنة 303 هـ، وقتل سنة 354هـ.
4 هذا البيت من قصيدة للمتنبي قالها في صباه مطلعها:
كم قتيل كما قتلت شهيدا ... لبياض الطلي وورد الخدود
والعوذ في الشاهد: الالتجاء، والمراد به هنا: الملجأ.
الغوث: في الأصل النصرة ويراد به هنا الناصر.
والضمير في هم: يرجع إلى أجداده الذين ذكرهم في البيت الذي قبله.
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي ... وبنفسي فخرت لا بجدودي
والشاهد: شرحه المؤلف في المتن.
إعراب محل الشاهد:
الضاد: مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.
(1/226)
فذهب فيه إلى أنها للعرب خاصة، ولا يعترض
مثله1 على أصحابنا2، وقد ذكرت هذا في كتابي في تفسير شعره.
وأما قول الشاعر3:
إلى الله أشكو من خليل أوده ... ثلاث خصال كلها لي غائض4
فقالوا: أراد غائظ، فأبدل الظاء ضادا.
ويجوز عندي أن يكون غائض غير بدل، ولكنه من غاضه، أي نقصه، فيكون معناه
أنه ينقصني ويتهضمني.
__________
1 مثله: الضمير فيه يعود على المتنبي.
2 أصحابنا: يريد النحاة البصريين.
3 لم نعرف اسمه ولم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب اللغة.
4 الخليل: الصديق أوده: من الود وهو الحب.
غائض: من غاضه إذا نقصه. وهذا رأي ابن سيده، بينما يرى ابن جني أنها
غائظ على البدل حيث أبدل الظاء ضادا، وأورد صاحب اللسان البيت في مادة
"غ ي ض" "5/ 3327".
يقول: أشكو إلى الله من حبيبي الذي أوده، وفيه ثلاث خصال كلها غائظ لي.
والشاهد: شرحه المؤلف في المتن.
إعراب الشاهد: غائض: خبر مرفوع وعلامة الرفع الضمة.
(1/227)
|