إسفار الفصيح المبحث الثاني: سبب
تأليف الكتاب وزمن تأليفه.
بين أبو سهل – رحمه الله – السبب الذي حمله على تأليف هذا الكتاب بقوله
في مقدمته: "فإني لما هذبت لك كتاب الفصيح المنسوب إلى أبي العباس أحمد
بن يحيى بن يزيد الشيباني، المعروف بثعلب – رحمه الله – لما أنكرت عليه
إثباته فصولا عدة في غير أبوابها المترجمة بها، ثم استكثرت أيضا ما
أهمله من تفسير فصوله، سألتني أن أبينها لك وأوضحها، وأن أزيد أيضا في
إبانة ما فسره منها، وأورد مصادر الأفعال التي أهمل ذكرها، لإشكالها
واختلافها، وأسماء الفاعلين والمفعولين، لأنه قد ذكر بعضها، فعملت لك
هذا الكتاب ووسمته بإسفار كتاب الفصيح"1.
ثم أعاد ذكر هذا السبب في مقدمة التلويح، فقال: "فإنه لما كان جمهور
الناس الذين يؤدبون أولادهم، ومن يعنون بأمرهم يحفظونهم كتاب الفصيح
المنسوب إلى أبي العباس أحمد بن يحيى الشيباني، المعروف بثعلب – رحمه
الله تعالى – قبل غيره ممن كتب اللغة، لما فيه من الألفاظ السهلة
المستعملة، ولأن العامة تخطئ في كثير منها، وكان قد عرى أكثر فصوله من
التفسير، وأثبت منها أيضا فصولا عدة في أبواب تخالف ترجمها. وكنت قد
هذبته لبعض أولاد الكتاب، وميزت فصوله، ورتبت
__________
1 ص 309.
(1/129)
أوائلها في أكثر الأبواب على حروف المعجم،
في كتاب مفرد معرى من التفسير أيضا، نحو ما في الأصل، ووسمته بتهذيب
كتاب الفصيح.
ثم سألني أيضا أن أفسر له الفصول التي أهمل تفسيرها، وأن أزيد أيضا في
إبانة ما فسره منها، فعملت له ذلك في كتاب آخر، ووسمته بإسفار
الفصيح"1.
فالسبب الرئيس الذي حمله على تأليف هذا الكتاب إذا هو الاستجابة لطلب
ذلك السائل الذي صرح باسمه في السماع المدون على الورقة الأولى من
إسفار الفصيح، وهو شهاب بن علي بن أبي الرجال الشيباني، ابن وزير
الدولة الصنهاجية بالمغرب، وقد سبق الحديث عنه2.
ومن الأسباب التي حملته أيضا على تأليف هذا الكتاب إدراكه – رحمه الله
– أهمية كتاب الفصيح الذي كان من أفضل وأيسر الكتب التي ألفت في حقل
التصحيح واللغوي، فضلا عن شهرته وتداوله بين الناس الذين يعنون بتربية
أولادهم وتأديبهم، كما قال في مقدمة التلويح3.
ثم رأى أن الفصيح بصورته التي تركها عليه ثعلب بحاجة إلى تفسير وتوضيح،
إذ أهمل تفسير أكثر ألفاظه، وأوجز في تفسير بعضها إلى درجة
__________
1 التلويح 1.
2 ص 94-96.
3 ص 1.
(1/130)
خطأ
(1/131)
سواها، عدا كتاب "الفرق بين الضاد والظاء"
الذي انفرد بذكره ابن مالك في "وفاق المفهوم" أو من نقل عنه، كما سبق
توضيح ذلك في مبحث آثاره.
وإذا علمنا مع كل ما تقدم أن وفاة أبي سهل كانت في سنة 433هـ جاز لنا
أن نقول ونحن على يقين: إن إسفار الفصيح كان من تصانيفه الأخيرة، وليس
بعده إلا "التلويح في شرح الفصيح" الذي جعله مختصرا لكتابه هذا.
(1/132)
|