إسفار الفصيح المبحث السابع:
تقويم الكتاب.
أولا: أهمية الكتاب:
سبق أن قلت: إن هذا الكتاب من أشهر مؤلفات أبي سهل، وإنه من آخر
مصنفاته التي تمثل قمة إنتاجه وغزارة علمه.
وقد تفاوتت شروح كتاب الفصيح فيما بينها من حيث الأهمية والصحة
والاستشهاد، فكان شرح أبي سهل من أهم تلك الشروح وأصوبها، ولعل ذلك
يعود إلى غزارة مادته العلمية، وطرافة أسلوبه، وحسن سبكه، إلى جانب
كونه شرحا وافيا ليس فيه الإيجاز المخل، ولا الإطناب الممل.
ولذلك كان هذا الكتاب موضع اهتمام كثير من العلماء، ومصدرا مهما من
مصادرهم، وذا أثر لا ينكر في الدراسات اللغوية والنحوية، كما سيتضح ذلك
في حديثنا عن أثره.
وقد اكتسب هذه القيمة أو الأهمية من أمور متعددة، أذكر منها:
1- كونه من شروح الفصيح، ذلك الكتاب الذي ذاع صيته بين الناس، ورزق
شهرة وأهمية لم ينلها كثير من كتب العربية على كثرتها وتنوع موضوعاتها.
2- للكتاب قيمة مستمدة من مؤلفه، فأبو سهل كان من أئمة علماء
(1/261)
اللغة، ورواتها.
3- للكتاب قيمة أثرية أو تاريخية بالغة، فقد انتهى أبو سهل من تأليفه
في نحو سنة 427هـ، أي قبل كثير من النكبات التي قضت على معظم تراث
الأمة الفكري، ومعلوم أن نهر دجلة غدا في واحدة من هذه النكبات جسرا من
الكتب تعبر عليه الهمجية المغولية، وشاءت قدرة الله تعالى أن ينجو من
هذه النكبات، ويصل إلينا سليما بخط مؤلفه.
4- احتوى الكتاب على قدر كبير من مفردات اللغة وشروحها، فقارئه يجد فيه
شرحا وتوضيحا لأكثر ألفاظ الفصيح، وتحليلا مفصلا لأصولها واشتقاقها
وتطورها واستعمالاتها، مع عرض كثير من المسائل اللغوية والنحوية
والصرفية ذات العلاقة بالمفردات المشروحة، كل ذلك بأسلوب واضح مشرق.
هذه الظاهرة تكاد تكون أهم ميزة لكتابه، حيث يمكن أن يعد من أمهات كتب
اللغة التي حفظت لنا الثروة اللغوية.
5- حرص مؤلفه على ضبط أكثر ألفاظه ضبط عبارة حتى لا يتسرب إليه الخطأ
أو التصحيف والتحريف، فيمكن أن يعد مصدرا مهما لضبط كثير من الألفاظ
التي لم تنص على ضبطها كتب اللغة.
6- يضم عددا كبيرا من الشواهد القرآنية، والأحاديث النبوية، وفصيح كلام
العرب شعرا ونثرا.
7- ذكر مؤلفه كثيرا من أقوال العامة، فوافق ثعلبا في تخطئة بعض
أقوالها، وأطلعنا في الوقت نفسه على كثير من الألفاظ اللغوية الصحيحة
(1/262)
التي عدها ثعلب من لحن العامة نتيجة تشدده،
أو ترجيحه لغة على غيرها من اللغات، كما تفرد بذكر بعض ما تلحن فيه
العامة مما لم تذكره الكتب المخصصة لذلك1.
8- ذكر مؤلفه عددا من الكلمات المعربة أو الدخيلة، وأشار إلى أصول بعض
تلك الكلمات في لغاتها الأصلية2.
9- نقل مؤلفه عن بعض الكتب المفقودة، مثل كتاب النخلة لابن خالويه3
الذي كنا نجهله تماما من قبل، كما نقل عن كتب نشرت ناقصة، مثل نقله عن
الجزء المفقود من كتاب النبات لأبي حنيفة4، وعن تصحيح الفصيح لابن
درستويه5، ونقل عن كتب لا تزال مخطوطة، كالغريب المصنف لأبي عبيد6، كما
نقل نصوصا عن كتب مطبوعة ليست فيها تلك النصوص، كنقله عن كتاب العين
للخليل بن أحمد7.
تفرد مؤلفه بنقل أقوال لأبي زيد الأنصاري8، والفراء9،
__________
1 ينظر مثلا: ص 791، 902، 907.
2 ينظر: ص 168 من هذا الكتاب.
3 ص 657.
4 ص 657.
5 في مواضع كثيرة (ينظر فهرس الأعلام) .
6 ينظر مثلا: ص 522، 780، 876.
7 ص 722، 759.
8 ص 707، 924.
9 ص 917.
(1/263)
والنضل بن شميل1، وأبي حاتم السجستاني2،
وأبي علي الآمدي3، والتميمي النحوي4، لم أجدها في كتاب غيره، كما تفرد
بأقوال نقلها بالتلقي عن أبيه علي بن محمد الهروي، وشيخه جنادة بن محمد
الهروي5.
11- ذكر مؤلفه عددا من مؤلفاته الأخرى، منها ما لم يعرفه أحد من قبل.
12- سجل لنا بعض مظاهر اختلاف اللهجات أو اللغات في عصره6.
13- اعتمد مؤلفه على نسخ عالية السند من كتاب الفصيح، وأشار إلى عدد من
رواياته المختلفة، وحكم على بعضها بالصحة، أو الضعف، أوالخطأ7.
14- استشهد مؤلفه بعدد من الشواهد الشعرية لشعراء أخلت بها
__________
1 ص 588، 607، 706.
2 ص 706، 924.
3 ص 704.
4 ص 895.
5 ص 334، 504، 550، 704.
6 ص 757، 884.
7 ينظر ص 137 من هذا الكتاب.
(1/264)
دواوينهم المطبوعة، كالأعشى1 وابن مقبل2،
والكميت3،ورؤبة4، وعمر بن أبي ربيعة5، وغيرهم. وأتم شاهدا شعريا لم يرد
في المصادر إلا عجزه6.
واستشهد أيضا بعدد من الشواهد الشعرية النادرة لم أقف عليها في مصدره
سواه مع شدة البحث والتنقيب عنها7.
كما نبه على كثير من الروايات النادرة في شواهده الشعرية8، أو أنشدها
بروايات مخالفة لما في المصادر، وقد أشرت إلى ذلك في حواشي التحقيق.
ثانيا: أثره في اللاحقين:
لاشك أن الأثر الذي يخلفه العالم فيمن يأتي بعده يمثل ركنا أساسيا في
إظهار قيمة كتابه، وتقدير مدى أصالته، واستقلال شخصية مؤلفه، ونفاذ
إشعاعه العلمي في مؤلفات وأفكار اللاحقين به. وقد كنت أشرت في حديثي عن
مؤلفات أبي سهل إلى طائفة من العلماء الذين
__________
1 ص 562.
2 ص 597.
3 ص 337، 480.
4 ص 714.
5 ص 849.
6 ص 704.
7 ينظر مثلا: ص 607، 802.
8 ينظر: ص 150 من هذا الكتاب.
(1/265)
نقلوا من مؤلفاته كلها تقريبا وأرجأت
الحديث عن أثر إسفار الفصيح إلى هذا البحث.
وقد أفاد عدد من العلماء من كتاب إسفار الفصيح، فنقلوا عنه في آثارهم
اللغوية والنحوية، منهم من صرح باسم الكتاب أو اسم مؤلفه، ومنهم من لم
يصرح، وفيما يلي بيان بأسماء أولئك العلماء مرتبين بحسب وفياتهم:
1- أبو محمد عبد الله بن بري المصري (ت 582هـ) .
نقل عنه في التنبيه والإيضاح في رواية شاهد شعري1، وقد انفرد أبو سهل
ببعض الشواهد الشعرية فنقلها عنه ابن بري في هذا الكتاب- كما ثبت لدي
بالتحقيق والمقابلة – دون أن يعزو ذلك إليه، وقد أنشدها ابن منظور عن
ابن بري في شرح المواد التالية: (صيص) 7/52، (صرع) 8/198، (زبرق)
10/139، (بلل) 11/67، (حرى) 14/173، (شفى) 14/2438.
كما نقل عنه أيضا في حاشيته على درة الغواص، وذلك في موضع واحد بعد
إنشاد قول الكميت:
تلقى الندى ومخلدا حليفين
__________
(سود) 1/29، وعنه في اللسان 10/37، والتاج 6/308 (حيق) . وينظر: إسفار
الفصيح 618.
2 ويقابلها في إسفار الفصيح الصفحات التالية على الترتيب 924، 558،
478، 399، 563، 642.
(1/266)
كانا معا في مهده رضيعين ... تنازعا فيه
لبان الثديين
قال: "وقال أبو سهل الهروي: لبان هنا جمع لبن"1.
2- ابن منظور محمد بن مكرم الأنصاري (ت 711هـ) .
نقل عنه في "لسان العرب"في موضعين صرح في أحدهما باسم أبي سهل واسم
كتابه، فقال: "وأنشد أبو سهل في إسفار الفصيح في باب المشدد بيتا آخر،
جاء به شاهدا على الضح، وهو:
أبيض أبرزه للضح راقبه ... مقلد قضب الريحان مفعوم2
واكتفى في الموضع الآخر بذكر اسم أبي سهل فقال: "وقال ثعلب: أفصح
الأعجمي، قال أبو سهل: أي تكلم بالعربية بعد أن كان أعجميا"3.
وأميل إلى درجة اليقين إلى أن هذين النصين نقلهما ابن منظور من التنبيه
والإيضاح لابن بري، وإن لم يذكره صراحة، لكونه المظنة الأكيدة لهذين
النصين من بين مصادره الخمسة، وذلك بعد أن تأكدت من عدم وجودهما في
المحكم والنهاية، وأسقطت التهذيب والصحاح من الاعتبار لتقدمهما.
__________
1 حاشية ابن بري (30/أ) ، وينظر: إسفار الفصيح 815.
2 اللسان (فعم) 12/455، 456ن وينظر: إسفار الفصيح 753.
3 اللسان (عجم) 12/386، وينظر: إسفار الفصيح 448.
(1/267)
3- أبو حيان محمد بن يوسف بن علي الغرناطي
الأندلسي (ت 745هـ) .
نقل عنه في "ارتشاف الضرب"في ثلاثة مواضع، صرح في أحدها باسم الكتاب
ومؤلفه فقال: "وزاد ابن مالك حرى، ويحتاج ذلك إلى استثبات، وذكره أبو
سهل الهروي في كتاب إسفار الفصيح منونا اسما، وقال: ولا يثنى ولا
يجمع"1.
ونقل عنه في الموضع الثاني نصا طويلا، ولم ينسب لأبي سهل إلا جزءا
يسيرا فقال: "واختلف في قول العرب: أسود سالخ، إذا ثني وجمع الموصوف،
فقال أبو حاتم: يقال أساود سلخ وسوالخ وسالخات، وقال ابن حبان2: الجميع
سالخات، وأنكر التميمي النحوي ذلك، وقال: يقال في الا ثنين أسودان
سالخان، وسود سالخ، ولا يقال: سالخان، ولا يجمع في الجمع. وقال أبو سهل
الهروي: خصوا أسود للذكر من الحيات، فجمعه أساود، واستغنوا عن جمع صفته
فقالوا: أساود سالخ، ومن جمع وصفه أجرى الصفة مجرى الموصوف في إفراده
وجمعه، ولا توصف أسودة بسالخة، واستغنوا بتخصيصها بهذه التسمية عن
وصفها بسالخة. انتهى"3.
فمن أول هذا النص إلى قوله: "وقال أبو سهل "نقل أيضا عن أبي
__________
1 2/118.
2 كذا، وهو تصحيف – وصوابه كما في إسفار الفصيح – الجبان، بالجيم
المعجمة.
3 2/580، 581، وينظر: إسفار الفصيح 896، 897.
(1/268)
سهل بتصرف لا يكاد يذكر، وأوهم بأنه من
كلامه.
ونقل في الموضع الأخير نصا ورد فيه أقوال للجبان، وابن درستويه، وأبي
المصنف علي بن محمد الهروي في معنى اسم الفعل "ويها"، وهو منقول عن أبي
سهل من إسفار الفصيح، ولكنه لم يصرح بذلك1.
ونقل عنه نصا واحدا في كتاب "التذييل والتكميل"2، وهو النص الثاني في
ارتشاف الضرب، وقد نقلته آنفا.
4- ابن الحنبلي محمد بن إبراهيم بن يوسف الحلبي (ت 971هـ) .
نقل عنه في "عقد الخلاص في نقد علام الخواص"في موضع واحد3، وهو النص
السابق الذي ورد في حاشية بن بري على درة الغواص.
5- شهاب الدين أحمد بن محمد عمر الخفاجي (ت 1069هـ) .
نقل عنه في "شرح درة الغواص"في موضع واحد4، وهو النص السابق أيضا في
حاشية ابن بري على درة الغواص.
__________
1 3/203، وينظر: إسفار الفصيح 549، 550.
2 ج 4 (116/أ) .
3 ص 249.
4 ص 208.
(1/269)
6- عبد القادر بن عمر البغدادي (ت 1093هـ)
.
نقل عنه في ثلاثة كتب، سبق أن بينت تأثره فيها بكتاب التلويح أيضا،
وهي:
1- خزانة الأدب، وقد عده من موارده في المقدمة، ونقل عنه في سبعة
مواضع1، ومن جملة ذلك قوله: "أرم: أوردها ثعلب في الفصيح، قال شراحه:
بفتح الهمزة وكسر الراء. وأما الإرم بكسر الهمزة وفتح الراء، فهو
العلم، وهو حجارة يجعل بعضها على بعض في المفازة والطريق يهتدى بها.
كذا قال شارحه الهروي"2.
2- حاشيته على شرح بانت سعاد، نقل عنه في موضع واحد3، وهو النص السابق
في حاشية ابن بري على درة الغواص.
والجدير بالذكر هنا أن البغدادي نقل في هذا الكتاب والذي قبله نصا في
شرح إحدى عبارات الفصيح، وعزاه إلى أبي سهل، فقال في الخزانة: "قال
ثعلب في فصيحه: وقررت به عينا أقر بكسر العين في الماضي وفتحها في
المستقبل..... قال شارحه أبو سهل الهروي: قولهم: أقر الله عينك، معناه:
لا أبكاك الله فتسخن بالدمع عينك، فكأنه قال: سرك، ويجوز أن يكون صادفت
ما يرضيك لتقر عينك من النظر إلى غيره. وأما قول بعضهم: معناه: برد
الله دمعتها، لأن دمعة السرور باردة،
__________
1 1/25، 5/333، 6/283، 285، 7/357، 10/374.
2 7/357. وينظر: إسفار الفصيح 676.
3 2/487.
(1/270)
ودمعة الحزن حارة فإنه خطأ، لأن الدمع كله
حار1.
وهذا النص ليس في إسفار الفصيح ولا التلويح، فكيف عزاه البغدادي إلى
أبي سهل؟
يمكن تفسير ذلك بواحد من ثلاثة أمور:
- أن يكون نقله من الشرح الكبير الذي ألفه أبو سهل على الفصيح، وأحال
عليه مرارا في إسفار الفصيح، وقد بينت فيما سبق أن أبا سهل عمل في هذا
الشرح إلى المنتصف تقريبا ولم يتمه على الأرجح.
- أن يكون أبو سهل قاله في تهذيب الفصيح وهو أحد كتبه المفقودة، فنقل
منه البغدادي، وسماه شرحا تجوزا، على اعتبار أن كتب التهذيب قديما كانت
أقرب إلى الشروح منها إلى المختصرات.
- أن يكون عزاه إلى أبي سهل من باب السهو، وإن كان هذا الأمر في الغالب
مستبعد عن البغدادي الذي عرف بالتحقيق والتدقيق في نقل النصوص
وتوثيقها2، ولكنني وجدت هذا النص بخلاف لفظي يسير في الزاهر لابن
الأنباري3، وشرح القصائد السبع له4. فالاحتمال – إن لم يكن كذلك – أن
يكون نقله من مصدر آخر عزاه إلى أبي سهل سهوا.
__________
1 3/298، وينظر: حاشيته على شرح بانت سعاد 1/347.
2 منهج البغدادي في تحقيق النصوص اللغوية 25، 39، 40.
3 1/300.
4 ص 376.
(1/271)
3- شرح أبيات مغني اللبيب، نقل عنه في موضع
واحد1.
7- محمد بن الطيب الفاسي (ت 1173هـ) .
نقل عنه في شرح القاموس المحيط، المسمى "إضاءة الراموس"واستطعت أن أقف
على موضع واحد مما نقل عنه، في شرح مادة (شتت) 2.
8- السيد محمد مرتضى الزبيدي (ت 1205هـ) .
نقل عنه في "تاج العروس"3 بواسطة اللسان وإضاءة الراموس في المواضع
السابقة المشار إليها في هذين الكتابين.
وبعد ... فهذه أهم الكتب التي تأثرت بإسفار الفصيح، أما التلويح فقد
تأثر به أيضا عدد من العلماء فنقلوا عنه في مؤلفاتهم وتحقيقاتهم، وقد
وضحت ذلك في مبحث سابق4. ولما كان التلويح مختصرا من إسفار الفصيح،
فإنه يمكننا أن نعد التأثر به – إن جاز لنا ذلك – تأثرا أيضا بإسفار
الفصيح، فهو الأصل، والتلويح فرعه وامتداد له.
__________
1 1/91، وينظر إسفار الفصيح 358، 359.
2 إضاءة الراموس (561، 562، 563) .
3 التاج 1/557، 8/390، 9/13 (شتت، عجم، فعم) .
4 ص 107.
(1/272)
ثالثا: المآخذ على الكتاب:
لا يخلو أي كتاب – حاشا كتاب الله – من أوهام أو أخطاء، وقد وقفت في
أثناء عملي في تحقيق هذا الكتاب على بعض المأخذ المنهجية والعلمية،
منها المكرر، ومنها ما وقع مرة واحدة، ويمكن حمله على السهو وسبق
القلم، فمن تلك المآخذ:
1- الخطأ في نقل الآيات القرآنية الكريمة، وقد نبهت على ذلك في حواشي
التحقيق1.
2- نقل نصوصا من إصلاح المنطق، والجمهرة، والتهذيب، والصحاح، وتصحيح
الفصيح لابن درستويه، وشرح الفصيح للجبان، ولم يشر إلى ذلك.
3- نسب بعض أقوال ابن درستويه إلى غيره2.
4- استشهد بعدد من القراءات القرآنية، ولم يذكر من قرأ بها3.
5- تطرق إلى ذكر عدد من لغات العرب، ولم يعين القبائل التي تكلمت بها4.
__________
1 ص 383، 560، 570، 722، 786.
2 ص 748.
3 ص 344، 357، 410، 624، 625، 851، 916.
4 ينظر مثلا: ص 357، 640، 660، 700، 756، 759، 850، 892، 928.
(1/273)
6- يذكر بعض أقوال العلماء غفلا من غير ذكر
أصحابها، ويصدرها بنحو قوله: "وقيل"1، "وقال بعضهم"2، "وقال غيره"3،
"وقال بعض النحويين"4، "قال قوم من أهل اللغة والنحو"5، "قال أهل اللغة
والمفسرون"6، "وروي لنا في الحديث"7.
7- النقل عن العلماء دون ذكر كتبهم التي نقل منها، ومن العلماء من عرف
بمؤلفات كثيرة، لذلك فإن ذكره العالم من غير ذكر كتابه الذي نقل منه،
يوقع الباحث في حيرة ولبس، وقد يطيل عليه زمن البحث عندما يرغب في
توثيق النص المنقول، فنجده مثلا ينقل عن أبي عبيد8، فلا ندري أهو أبو
عبيد القاسم بن سلام، أم هو أبو عبيد الرحمن بن محمد الهروي، وإذا قصد
أبا عبيد القاسم بن سلام، فهل قصد كتابه الغريب المصنف، أو غريب
القرآن، أو غريب الحديث، أو الأمثال، أو الأجناس....الخ؟!.
__________
1 الإحالات بقيل كثيرة في الشرح. ينظر مثلا: ص 421، 537، 617، 786،
794.
2 ص 933.
3 ص 748.
4 ص 797.
5 ص 850.
6 ص 730.
7 ص 659.
8 ينظر مثلا: ص 522، 780، 876، 938.
(1/274)
واكتفى في نقله عن بعض العلماء بذكر نسبته
ولقبه العلمي، كنقله عن التميمي النحوي1 الذي لم يصرح باسمه ولم يذكر
كتابه الذي نقل منه، فلم يدر من هو على وجه التحديد، لأن نسبته ولقبه
يشترك فيهما عدد من العلماء.
8- يؤخذ عليه في شواهده الشعرية أنه أغفل نسبة عدد كبير منها، مع شهرة
بعضها وشهرة قائلها في كتب التراث2.
كما يؤخذ عليه خطؤه في نسبة بعض هذه الشواهد، فقد نسب بيتا لابن هرمة،
وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات3، ونسب بيتا لكثير عزة، وهو لمجنون
ليلى4، ونسب بيتا للمتلمس، وهو للنمر بن تولب5.
ويؤخذ عليه أيضا خطؤه في رواية بعض هذه الشواهد، وذلك عندما أنشد
للأعشى ملفقا من بيتين6.
9 – نسب أحد النصوص المنقولة من العين إلى الليث بن المظفر7، مع أن
باقي النصوص التي نقلها منه إلى الخليل بن أحمد8، ومعلوم
__________
1 ص 895.
2 ينظر مثلا: ص 489، 490، 616، 656، 677، 890، 891.
3 ص 341.
4 ص 649.
5 ص 867.
6 ص 447.
7 ص 926.
8 ينظر: الفهرس: الخليل بن أحمد.
(1/275)
أن كتاب العين مختلف في نسبته بين الرجلين،
فكان ينبغي عليه أن ينسب جميع نقوله من العين إما إلى الخليل، وإما إلى
الليث، وذلك بحسب الخلاف المذكور.
10- يطلق أحكاما تخالف ما في الأصول اللغوية، كقوله بأن "الصعود
والهبوط" لم يسمع لهما بجمع، وقد سمع1، وقوله بأن العامة لا تفتح الضاد
من "الضلع" وقد حكت كتب اللحن عنها ذلك2.
11- وقع في خطأ صرفي حين قال: "وتقول: غرت على أهلي أغار غيرة، فأنا
أغائر، والأهل مغار عليهم"3. والقاعدة الصرفية هنا توجب أن يقول:
والأهل مغير عليهم، لأن الفعل من ذوات الياء، وليس رباعيا، كما قالوا
في اسم المفعول من سار وباع: مسير ومبيع.
12- عدم مراعاة الترتيب في شرح بعض عبارات الفصيح، فكان يشرح اللفظ
الواحد منها وينتهي منه، ويبدأ في شرح لفظ آخر، ثم ما يلبث أن يعود إلى
اللفظ الأول، كأنه تذكر شيئا يخص ذلك اللفظ، ومثل ذلك ما ذكره في شرح
قول ثعلب: "ولاذقت غماضا" انتهى من شرحه، وانتقل إلى شرح قوله: "وما
جعلت في عيني حثاثا"، ثم عاد إلى شرح لفظ الذوق في العبارة الأولى مرة
أخرى4.
__________
1 ينظر: ص 609-610.
2 ينظر: ص 660.
3 ص 508.
4 ص 591.
(1/276)
ومن مظاهر عدم الترتيب عنده التقديم
والتأخير، حيث نجده يقدم شرح عبارة مؤخره أو العكس، فعند قول ثعلب:
"ورجل آدر مثل آدم، وهي القاقوزة والقازوزة، ولا تقل: قاقزة. وتقول:
نظر إلي بمؤخر عينه، وبينهما بون بعيد". فقد بدأ في شرح هذا النص بقول
ثعلب في الفقرة الأخيرة: "وتقول نظر إلي بمؤخر عينه...."1.
13- يطنب في شرح بعض الألفاظ حتى يكاد يأتي على كل ما قيل فيها2، في
حين تراه يوجز إيجازا قد يصل إلى درجة الإخلال في شرح ألفاظ أخرى،
فيفسرها بكلمة أو كلمتين، وكانت تحتاج منه إلى مزيد توضيح وبيان،
كقوله: "وزبده يزبده بالكسر زبدا بفتح الزاي: إذا أعطاه"3. وقوله: "وهو
حب المحلب بفتح الميم واللام: وهو شجر، وحبه من الأفاويه"4.
وفسر بعض الألفاظ بعبارة: "وهو معروف"أو نحوها، كقوله: "وهو الرصاص:
معروف"5، وقوله: "وهي القلنسوة: وهي معروفة"6. وكان ينبغي له أن يوضح
معناهما، لأنه لا يلزم من معرفته لهما أن
__________
1 ص 882-883.
2 ينظر- مثلا – شرح الخضم 559، والأسنان 587، وحرى وقمن وضيف 561-564،
وسام أبرص 747، ومنفس ومفرح 866.
3 ص 533.
4 ص 579.
5 ص 583.
6 ص 836 وينظر: ص 584، 589، 636، 836، 873.
(1/277)
يعرفهما غيره.
وأسقط بعض ألفاظ الفصيح من الشرح، وكان عليه ألا يسقط شيئا، ومن ذلك
لفظا "الكؤود، والوجور"1 وقد ذكرهما في التلويح2 وفسر الأول بقوله:
"الكؤود: عقبة صعبة المرتقى"وفسر الآخر بقوله: "الوجور: الدواء، تقول:
وجرت الصبي الدواء وأوجرته، واسمه الوجور".
وبعد ... فهذه المآخذ لا تقلل من قيمة الكتاب، وذلك لقلتها إذا ما قيست
بمحاسنه، والحسنات يذهبن السيئات. والخطأ من صفات الإنسان مهما علت
مكانته وكثر علمه، والعمل البشري لا يخلو من النقص، لأن الكمال لله
وحده ولكتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
__________
1 ص 609 (ينظر: الحاشية – الهامش الثاني) .
2 ص 48.
(1/278)
|